روايات

رواية نبع الغرام الفصل التاسع 9 بقلم رحمة سيد

رواية نبع الغرام الفصل التاسع 9 بقلم رحمة سيد

رواية نبع الغرام البارت التاسع

رواية نبع الغرام  الجزء التاسع

رواية نبع الغرام الحلقة التاسعة

استند “أيوب” بظهره للفراش متنهدًا تنهيدة طويلة عميقة تحمل في طياتها الكثير وهو ينظر على غرام القابعة جواره تغط في نومٍ عميق، لم يشعر يومًا بهذا القدر من الزخم العاطفي؛ أنه غارق في مشاعر شتى حد التخمة، لا يستطع فك شفرات هذه المشاعر، ولكنها جديدة عليه، جديدة ومؤثرة بشكل يخشاه قلبه الجريح، لم يكن يظن أن امتلاكه لها سيسبب له هذه الفوضى في عمق احاسيسه..

مد يده يتحسس نعومة وجهها بطرف أصابعه بشغف لم يعي أنه يترنح في حدقتيه المُظلمتين..

ثم هز رأسه نافيًا، بالتأكيد هذا التأثير لأنه رجل وهي زوجته والتأثر الغريزي لا يستطع تحجيمه، ظل يؤكد ذلك لنفسه مرارًا قبل أن يسحب يده بعيدًا عنها ويتظاهر بالنوم حين شعر بها تتململ في نومتها.

فرقت جفنيها ببطء لتقع عيناها عليه ويدرك عقلها وجوده جوارها مرسلًا لها هزة عاطفية تتبع الادراك أنها صارت زوجته فعليًا، زوجته ولا مجال للتراجع.. قدرها صك الرباط بينهما كما صكها هو بملكيته.

وهو ليس سيء كما يبدو، على الأقل هي لا تراه كذلك، ربما هو يندفع بغلاظة دفاعية لا تعلم سببها، ولكنها تستطع رؤية ذلك الوجع والضعف الرابض داخله ويحاول هو اخفاؤه بقشرة خارجية من القسوة.

 

 

على ذكر القسوة، وجدت نفسها تمد يدها لتتلمس ببطء وحنان بأصابعها الرقيقة الندبات الموجودة على كتفه العاري، شعر أيوب بانتفاضة داخلية عنيفة اثر لمستها تلك، فضغطت يده بقوة تلقائيًا على خصرها الذي كان يحيط به بتملك دون وعي، لتتأوه غرام بألم طفيف وتبعد يدها على الفور..

حررها أيوب من بين ذراعيه ثم نهض وهو يتنحنح دون كلام، ولم تستطع هي ايضًا النطق بحرف، ثم اتجه لدورة المياه دون أن يلقي نحوها نظرة حتى..

حسنًا، على أي حال هي لم تكن تتوقع منه صباح عاطفي لاهب كالعشاق.
تنهدت وهي تنهض هي الاخرى، يبدو أن لديها طريق طويل لتأسيس حياة مستقرة بينهما كأي زوجين، فهي لا تملك رفاهية الزواج والانفصال لأسباب عاطفية كالمراهقين، هي تحتاج للاستقرار فقط.

بعد فترة…

قامت غرام بتحضير الافطار ليتناوله كليهما، تُمني نفسها أنه ربما يقبل هذه البادرة للاستقرار بينهما..

خرج أيوب من الغرفة بعدما أنهى ارتداء ملابسه، فتنحنحت غرام قبل أن تجلي صوتها قائلة بهدوء:
-أنا حضرت الفطار، افطر قبل ما تنزل.

لبرهة كاد يومئ برأسه موافقًا، ولكنه توقف وصوت يحذره… عليه اتخاذ خطوتين للخلف، وبالفعل هز رأسه نافيًا بهدوء جاف:
-لا أنا بفطر في الشغل افطري أنتي.

ثم تحرك نحو الباب ليغادر تحت أنظارها الساكنة الغاضبة، اليوم تحديدًا أرادها أن تدرك أن لا شيء تغير بينهما بما صار، ستظل الحدود بينهما ويظل هو في مساحته الآمنة، وستظل هي زوجته ايضًا بالشكل الذي يريد !

 

 

بعد ساعات…

نزلت “غرام” لتشتري بعض احتياجات المنزل، بالأموال التي يتركها لها “أيوب” دومًا، وفكرت لِمَ لا تأخذ له من الطعام الذي أعدته للغداء بما أنه لم يعود للمنزل وقد حل الليل، وبالفعل بعد أن اشترت ما أرادت توجهت نحو المتجر الخاص به، دلفت لتجده جالس على مكتبه كالعادة، فاقتربت منه ببطء متردد منادية اسمه بخفوت:
-أيوب.

رفع رأسه محدقًا بها بتفاجؤ استطاعت قراءته ببساطة بين سطور عينيه، ثم نهض واقترب منها قائلًا بخشونة:
-إيه اللي چابك هنا ؟

ردت بهدوء كاد يلحق به توتر دسته داخلها نظراته الحادة المُظلمة:
-كنت بشتري حاچات للبيت، وجولت أچيبلك معايا حواوشي عشان لو ماتغديتش.

اقترب منها أكثر مستطردًا بفظاظة من بين أسنانه:
-أنا ماطلبتش منك تچيبيلي حاچة.

ألجمها رده الفظ لثوانٍ، ولكنها استطاعت فك لجامه بقولها:
-أنت ماطلبتش بس أنا عملت كدا عشان دا الطبيعي، بما إنك چوزي.

قبض على ذراعها بقوة وقصفها كالرعد صوته الخشن بعنف متأصل فيه:
-ولما أنتي عارفة إنك مرتي، نزلتي ليه من غير اذني؟

هزت كتفاها معًا ببديهية مدافعة عن نفسها:
-عشان أنا كدا كدا چايالك فهتعرف.

-برضو تستأذني جبل ما تنزلي، لإن صدجيني لو عرفت إنك نزلتي من غير ما أعرف تاني رد فعلي مش هيعچبك.
حذرها بخفوت مُخيف لنفسها المتحسسة تجاه هذه النقطة تحديدًا، وهي تخفي عنه العمل الذي تقوم به وتنزل من المنزل دون إخباره.

 

 

هزت رأسها موافقة دون قول المزيد، فعاد أيوب لمجلسه من جديد وهو يضيف بجفاف:
-سيبي الحواوشي و روحي على البيت على طول.

ولكنها ظلت متيبسة مكانها، فعاد لينظر نحوها من جديد متسائلًا بصلابة:
-عايزة حاچة؟

ابتلعت ريقها ثم هتفت بذهن شارد:
-هو لو لا جدر الله ظهر حد شافني في اليوم اياه، إيه هتعمل؟

أجاب باختصار دون تأخير:
-هتصرف.

ولكنها لم تكتفي بتلك الاجابة بل أصرت مكررة:
-إيه هتعمل يعني؟

هز كتفاه مرددًا ببديهية أحستها لا مُبالية:
-هاچيب ناس تشهد إنك كنتي معاهم، وشهادتهم جصاد شهادتها.

عقبت مستنكرة بقلق استبد بأعماقها:
-بس هفضل برضو مُشتبه فيا ؟!

تأفف بنفاذ صبر وهو يقترب منها مزمجرًا بنبرة زحف لها الانفعال:
-أنتي بتجدمي الشر ليه؟ بشروا ولا تنفروا.

لم تستطع كبح نفسها التي اهتاجت لتهدر بحرقة:
-ما أنت لو مكاني وعايش مستني البوليس يچي يجبض عليك عشان حاچة أنت ماعملتهاش بس عارف إنك مش هتجدر تثبت دا ومش بعيد تشيل أنت الليلة وتلاجي نفسك واخد اعدام، وكل دجيجة بتعدي من غير ما تروح هدر بتحمد ربنا، هتعرف أنا بجدم الشر ليه.

أمسكها من كتفيها يهزها بقوة وهو يصيح فيها بنغمة صوت تخبطت بين التملك والشراسة والتحدي، تحدي ليس لها إنما لوالده:
-أنتي ليه لحد دلوجتي مش جادرة تستوعبي إنك مرتي ؟ مرتي وتخصيني ومش هاسيبه يئذيكي.

وجدت لسانها يهجو ما تضج به نفسها الغاضبة الانثوية العاطفية بالفطرة، وعقدة النقص بسبب الفارق المادي والاجتماعي بينهما تعود لطرق أبوابها:
-يمكن عشان أنت نفسك رافض من چواك إني أكون مرت أيوب بيه العماري؟!

 

 

عقد ما بين حاجبيه معقبًا باستنكار ساخر:
-رافض؟ ليه أنتي كنتي ماسكة عليا ذلة عشان اتچوزك ولا إيه؟

واصلت فتح السبيل الحر أمام لسانها ليترجم كل المدفون بين أروقة قلبها:
-لأ بس مفيش مبرر تاني لطريجتك الغريبة بعد اللي حصل بينا، وكأني فتاة ليل المصلحة المشتركة اللي بينكم خلصت فـ كل واحد يروح لحاله تاني.

كمم فمها بقبضته الغليظة مسرعًا، هادرًا فيها بعنف شرس:
-اخرسي، ازاي جدرتي تصوري الموضوع بالقذارة دي ؟!

ودون أن يعطها فرصة لمتابعة الحديث كان يضيف بقسوة:
-أنا زي ما أنا ماتغيرتش و طريجتي مش غريبة ولا حاچة، أنتي اللي عجلك المراهج كان مصورلك إن الحياة هتبجى وردي ويمكن تصحي تلاجيني چايبلك الفطار على السرير زي الأفلام !

تلفظت بسخرية قاسية توازي قسوته:
-لأ، كان مصورلي إني ألاجي انسان عنده احساس، ويدي زي ما بياخد.

قصدت الاهتمام وربما الحنان، ولكنه اقترب منها أكثر حتى لفحتها أنفاسه الثائرة بغضب، وشعرت بشفتيه تمس اذنيها عمدًا وخرج همسه الخشن بتلميح فج:
-بس على ما أتذكر إني اديت زي ما أخدت، ماتحسسينيش إني جصرت معاكي و…..

قاطعته حين دفعته بعيدًا عنها مزمجرة بحدة شرسة:
-اسكت، أنت ازاي تتكلم بالطريجة ال…..

قاطعها بصوتٍ أجش خاوٍ:
-أنا كدا، وأنتي اتچوزتيني وأنتي عارفة إني كدا، ماتحسسنيش إنك اتصدمتي.

هزت رأسها مؤكدة وهي تلهث بصوتٍ مسموع من فرط الانفعال الذي تشعر به، ثم قالت بتهور أهوج نبع من الغضب الذي كان كالخرقة عاميًا عينيها عما تنطقه:
-اوعى تفكر إني هخليك تجرب مني تاني.

ظل جامد مكانه لثانية وحيدة، ثانية لم تكن كافية لتتكهن بما ينويه، ثم باغتها جاذبًا إياها نحوه من خصرها حتى إلتصقت به، ثم سحق شفتاها المكتنزة التي يخرج منها ما يثير جنونه بشفتيه القاسية، لم تكن قبلة رقيقة تنضح بالعاطفة، بل كان تحدي شرس متقد بالتملك يثبت لها به أنها ملكه ولا يمكنها معارضة ذلك بأي طريقة.

تركها أخيرًا بعد قليل، متابعًا بهسيس خافت حاد:
-أنتي مرتي يعني ملكي، يعني لو عايز أجرب منك مفيش حاچة في الكون تجدر تمنعني ولا حتى أنتي.

ظلت تتنفس بصوت مسموع يحكي غضب اكتسح جوارحها، ثم دفعته بعيدًا عنها بعنف وقبل أن تنطق او يصدر عنها أي رد فعل، كان صوت شجار يأتي من الخارج، فتركها أيوب وخرج من المتجر ليرى ماذا يحدث.

وقعت عينا “غرام” على وصولات الأمانة المتروكة على المكتب، فلم تفكر مرتين وهي تأخذ منهم واحدًا لتخفيه معها سريعًا.

****

 

 

تدهورت حالة الجد “سالم” كثيرًا في المستشفى، حتى أخبرهم الطبيب بكل أسف أنه دخل في غيبوبة لا يعلم مدتها قد تطول او تقصر، في ظل صدمة ظافر التي تحولت لغضب جنوني عارم حين أخبره الطبيب أنه عرف من التحاليل والفحوصات التي أجراها لجده أنه تناول دواء لم يكتبه له قط وأنه المتسبب في تدهور حالته.

غادر ظافر المستشفى وترك زوجة عمه “راوية” و ليلى التي كان القلق يدب أظافره في قلبها المرتعد بقلق، فهي المسؤولية الوحيدة عن الجد وهي ستلاقي غضب ظافر حتمًا !

وصل لبيتهم، وأول ما ما فعله كان التوجه للغرفة التي كان يقيم بها جده سالم، وأخذ كل الأدوية التي كان يأخذها جده، ثم عاد بها للمستشفى من جديد ليُريها للطبيب.

ظل ظافر بالخارج منتظرًا تأكيد الطبيب من عدمه على الدواء، فاقتربت منه زوجة عمه قائلة بمواساة كاذبة خبيثة وهي تربت على كتفه:
-ماتجلجش يا ظافر إن شاء الله خير أكيد الدكتور هيعرفنا دلوجتي وعمي هيكون كويس.

اومأ ظافر مؤكدًا برأسه والشراسة تعصف من نبرته:
-أكيد هيعرفنا وساعتها اللي إتسبب في دا لچدي مش هاسيبه، هامحيه من على وش الدنيا.

أحست “ليلى” أنها المقصودة من حديثه رغم أنه لم يلقِ نظرة نحوها حتى، فارتعش جسدها بقلق غائر دفين.

خرج الطبيب بعد قليل فهب ظافر نحوه متسائلًا بلهفة:
-ها يا دكتور ؟

تنهد الطبيب بقوة قبل أن يخبره بنبرة دبلوماسية يشوبها الحيرة:
-مش عارف أجولك إيه يا ظافر، الدوا هو فعلًا اللي كتبتهوله، بس أنا متأكد إن چدك ماكنش بياخده وكان بياخد مادة تاني.

هنا تذكرت “راوية” حين عادت للبيت مسرعة بعدما سمعت ظافر وهو يخبر ليلى أن الطبيب يشك بشيء، وأخذت كل الحبوب التي وضعتها سابقًا بعلبة الدواء، لتُعيد الدواء الأصلي مجددًا، فحين يرون العلاج يكون هو ذاته الذي أمر به الطبيب، وحينها يكون التلاعب من طرف واحد لا شك بسواه “ليلى” فهي الوحيدة في البيت التي على علم بأمور الأدوية والطب وما شابه ذلك.

 

 

شد ظافر خصلاته السوداء الطويلة بقوة تحكي غضبًا ثائرًا داخله كالبركان، ثم همس مفكرًا كأنه يحدث نفسه:
-معجول يكون حد كان بيدي چدي حاچة تاني؟

ثم رفع عيناه فجأة نحو ليلى بشكٍ لحظي لم يستطع كبحه، و كان كالنصل الذي رشق بصدرها مباشرةً فغار بألم ساحق تولد بعد شعور مرير بالغدر، ربما لأنها كانت تتوقع منه أن يثق بها ؟

انتبهت للطبيب الذي أكمل بجدية موجهًا حديثه لظافر:
-أحنا بنعمل اللي علينا والباجي على الله، ادعوله انتوا.

ثم غادر تاركًا إياهم كما هم، اقترب ظافر من ليلى ثم سحبها من يدها نحو الخارج حيث “الكافتيريا” وأتت خلفهما دون طلب “راوية”، كانت ليلى أول مَن قطعت الصمت بصوتها المتحشرج باختناق:
-أنا ماعملتش كدا.

سألها بصوت جاف:
-ماعملتيش إيه؟

تابعت بنفس النبرة وهي تهز رأسها نافية:
-ماديتيش چدي سالم حاچة غير اللي الدكتور كتبها.

حينها قال ظافر دون تفكير بقلب تلبد بظلمات الغضب الأعمى:
-چايز ماعملتيش كدا فعلًا، بس أكيد عملتي حاچة اتسببت في كدا.

عقدت ما بين حاجبيها بعدم فهم واستنكار:
-ازاي يعني؟

زمجر ظافر بوجهها كليث جريح يبحث بهيستيرية عمَن جرحه غدرًا:
-ماعرفش أنا اللي المفروض اسألك مش أنتي، هو مش أنتي المسؤولة عنه؟ دا حصل ازاي ؟ چدي حصله كدا ازاي ؟ أخد المادة اللي الدكتور بيجول عنها ازاي ؟

مع كل كلمة كانت زمجرته تزداد علو وعنف، فاقتربت راوية منهما مسرعة تهدئ الجو الاشتعال بينما في الأصل هي مَن أشعلته:
-اهدى يا ظافر ماينفعش كدا أنتوا في المستشفى الناس هاتتفرچ عليكوا.

 

 

صرخ باهتياج أكبر وحروفه تقطر قهرًا:
-ملعونة الناس، أنا چدي هيموت، هيموت وأنا واجف أتفرچ ومش جادر أعمل حاچة ولا أعرف حتى مين اللي اتسبب في اللي حصله دا !

ازداد اختناق ليلى أضعافًا مضاعفة، لا تدري لِمَ يُصر قدرها على جمعها وظافر في إطار المُتَهَمة والمُتَهِم !
نطقت بصوت مبحوح على حافة البكاء:
-صدجني ماعرفش، ماعرفش، كل اللي أعرفه إني مستحيل أتمنى الأذى لچدي سالم وإني كنت بحبه چدًا زيك ويمكن أكتر.

جذبها ظافر من ذراعها ضاغطًا عليه دون وعي وهو يواصل تعنيفها بقسوة عنيفة هوجاء:
-بتحبيه لدرچة إنك أهملتي فيه لحد ما بجي مرمي چوه يا عالم هيطلع ولا لا، هو دا حبك؟ لو هو دا حبك خليهولك مش محتاچينه، كان يكفي بس إنك تعملي بضمير الدور اللي أنتي دخلتي البيت دا عشانه.

صمت لحظة ثم تشدق بنفس النبرة:
-بس الظاهر إنك كنتي مفكره نفسك چايه رحلة تضحكي وتهزري شوية ونسيتي أنتي هنا ليه!

كان كالليث الجريح المحبوس في قفص متروكًا بنزيفه، وليس أمامه سواها لتتحمل قرع غضبه الضاري المتألم الذي تدرك بطريقةٍ ما أنها تستحقه، نعم تستحقه.. فهي كانت المسؤولة الاولى عن الجد وحالته وعلاجه، وإن كان هناك أي تقصير او تلاعب او اهمال فبالتالي هي المسؤولة عنه ايضًا.

نفضت ذراعه بعيدًا عن قبضته الغليظة، ثم خرج صوتها مجروحًا مختنقًا ولكنه حاد كشفرة وهي تسرد:
-لأ مانسيتش وماكنتش في رحلة، كان في حد بيحاول يخرجني عن دوري الرسمي وينسيني أنا هنا ليه بس ماتجلجش أنا رميت الموضوع ورا ضهري ومركزة في شغلي.

أدرك دون عناء أنها تقصده هو وتقصد تقربه منها ومحاولته في كسب قلبها وحبها، وأنه أيضًا إن كان سار خطوة ناحيتها فهي الآن ابتعدت آلاف الأميال عنه !

تراجعت ليلى خطوة اخرى تهم بالانصراف وهي تغمغم بنفس النبرة:
-أسفة على التجصير يا أستاذ ظافر، ولو ثبت اهمالي بطريجة مباشرة او غير مباشرة أنا مستعدة أتحمل النتيجة.

تمتم بإسمها بتعب حقيقي نبع من روحه الملكومة:
-ليلى.

ثبتت مكانها لحظة والشفقة تطل من بُنيتيها، ولكنها محتها وذاكرتها تجلدها بكلماته الضارية التي لم يمر عليها ثواني، فيما أضاف ظافر بنفس النبرة المذبوحة:
-أنا تعبان يا ليلى، تعبان وهتچنن لو چدي چراله حاچة.

ربما الانثى المنتقمة داخلها هي مَن ردت بقسوة لم تكن من طباعها يومًا:
-معلش، ربنا يصبرك يا استاذ ظافر ويقومهولك بالسلامة.

ثم استدارت لتغادر دون اضافة كلمة اخرى، ليسقط عنها قناع القسوة والحدة الزائف، وتظهر نفسها المرتعبة من اثبات تقصيرها بالفعل او اكتشاف أي تلاعب لم تلحظه هي، حينها ماذا ستفعل، وهل هي مستعدة لتحمل النتائج كما أخبرته ؟!

****

 

 

بعد فترة…

انتبهت غرام لهاتفها الذي اهتز معلنًا وصول رسالة على تطبيق “الماسنجر” لها، ففتحته لتجد الرسالة من صاحب العمل الذي بدأته مؤخرًا كعارضة ازياء..

إلتوت شفتاها ساخرة من نفسها، هي تُطلق مسمى عارضة ازياء على ما تقوم به لتخفي الرخص الذي تستشعره نفسها فتشمئز منه، زفرت بقوة واختناق، تبًا لذلك القذر “كامل” الذي فرض عليها ما تأباه نفسها، فإن كانت تفكر مرة في اخبار أيوب بما فعله والده فالآن ترفض ألف مرة.

حينها ربما ينفذ كامل تهديده، وسيحاول أيوب إنقاذها ولكنه لن يستطع لأنه لا يملك ذلك، كما تشعر أنه يساعدها نكايةً في والده ليس إلا، وفي ظل هذا الصراع الضاري ستُسحق هي بينهما… اذن لِمَ لا تحاول الخروج من تلك الحرب سالمة بأقل الخسائر ؟

تنهدت وهي تهز رأسها مؤكدة عازمة على تنفيذ ما فكرت به، رفعت هاتفها لتتصل بالرقم الذي حدثها منه كامل مرة بعد مجيئه، ليُذكرها بتهديده، وبالفعل أجاب كامل على الطرف الآخر:
-اهلًا يا مرت ابني، إيه چهزتيلي الفلوس بالسرعة دي؟

ردت غرام بجمود:
-أنا عندي شرط عشان أديك الفلوس زي ما أنت عايز.

رغم الاستنكار سألها:
-شرط؟! شرط إيه إن شاء الله ؟

أخبرته بلهجة حاسمة:
-هتمضيلي على وصل أمانة بالفلوس اللي أنت اخدتها، وهتجولي مين هي اللي شافتني، لإن أنا مش ضمناك، إيش ضمني إن بعد ما أديك الفلوس ماتچيش تهددني وتبتزني تاني؟

ساد الصمت من جهة “كامل” الذي رفع حاجبه الأيسر معجبًا بذكائها وشراستها بعد أن ظنها ستنفذ ما قال بخنوع وسذاجة، مقدرًا نجاح أيوب في اختيار لبؤة تليق بأيوب العماري كشخص وإن كانت لا تليق به كمستوى!

أتاها صوت المغيظ ببرود غامض يعلن موافقته:
-موافج، هامضيلك على وصل الأمانة وهاجولك بس لما أجابلك أخد الفلوس.

أغلقت غرام الهاتف بعد أن سمعت رده، وإلتقطت أنفاسها المحبوسة..

 

 

فيما صاح بعدم تصديق صديق كامل الذي كان جالسًا جواره:
-هتمضيلها وصل أمانة فعلًا؟ وإيه اللي ضمنك إنها ماتروحش تجول ليا عنده فلوس وتاخد منك الفلوس تاني؟

لوى كامل شفتاه ساخرًا:
-أنت مفكرني عبيط ولا إيه؟ دا أنا كامل العماري، مش هامضيلها على حاچة طبعًا أنا كنت بجولها كدا عشان ماترچعش في كلامها وتجول لأيوب.

-وهتعمل إيه لما تروح تاخد منها الفلوس؟ اوعى تفكر تاخدهم منها بالعافية دي ممكن تلم عليك أمة لا اله الا الله وتفضحك.
حذره الآخر بتوجس، فهز كامل رأسه نافيًا بخبث:
-أنا مش هروحلها أصلًا، أنا هاخلي كام مَرَه من السوابج، يروحوا ياخدوا منها الفلوس ويدوها العلجة التمام كمكافأة نهاية الخدمة.

أنهى حديثه وهو يضحك عاليًا بخبث شيطاني أصاب الآخر بالدهشة وهو يشاركه الضحك.

****

كان ظافر في غرفته ساندًا رأسه على المكتب أمامه بإرهاق حقيقي نشب كالنيران الضارية بجسده وروحه، قطع الصمت الذي يغلف الغرفة صوت هاتفه الذي صدح معلنًا وصول اتصال..

أخرج هاتفه من جيب جلبابه ليجد المتصل رقم غريب، رد مسرعًا لربما يكون من المستشفى، فأتاه صوت سيدة لم يعرفها تقول بهدوء:
-استاذ ظافر ؟

-ايوه؟
أخبرته:
-أنا أم ليلى.

للحظة اشتدت قبضة القلق حول قلبه خانقة إياه، فتابعت الاخرى متساءلة:
-اولًا ألف سلامة على چدك، ثانيًا هو أنت مجتنع فعلًا إن ليلى هي السبب في اللي حصله؟

 

 

وكأنها بكلماتها أعادته لغضب كان قلبه يحاول جعله يخبو:
-أنا مجتنع إنه كان مسؤوليتها وإن اللي حصل هي المسؤولة عنه.

سألته بتوجس انطلق من قلب أم:
-وهيحصل إيه يعني؟

رد دون تفكير:
-ماعرفش، أول ما أعرف اللي حصل كل اللي غلط هيتعاقب.

استطردت باستنكار واضح:
-وحضرتك اللي هتعاقبه؟ البلد فيها جانون على فكرة.

تلفظ بشراسة متحدية:
-ماتجلجيش، الجانون هو اللي هيعاقبه.

وصلتها كلماته كرسالة مبطنة بالتهديد لـ ليلى أنه حتمًا سيسجنها عقابًا لها على تقصيرها !

فهتفت دون تفكير بعواقب ما تنطقه:
-طب ياريت تكون عارف إنها مرتك، وحتى لو الناس ماتعرفش دلوجتي إنها مرتك ممكن ببساطة يعرفوا، وتخيل هيجولوا إيه لما يعرفوا، مش بعيد يجولوا إنك متفج معاها عشان تخلص من چدك وتورثه!

لم تدرك أنها بكل غباء كانت تروي شكوكه الضئيلة نحو ليلى، فإن كانت ليلى غير مُدانة لِمَ ستلجأ لهذا الأسلوب الملتوي لتجعله يتراجع عن فكرة عقابها ؟! ….

****

يتبع..

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية نبع الغرام)

اترك رد

error: Content is protected !!