رواية سيد القصر الجنوبي الفصل السابع 7 بقلم رحاب ابراهيم حسن
رواية سيد القصر الجنوبي الفصل السابع 7 بقلم رحاب ابراهيم حسن
رواية سيد القصر الجنوبي البارت السابع
رواية سيد القصر الجنوبي الجزء السابع
رواية سيد القصر الجنوبي الحلقة السابعة
كتمت “جيهان” أنفاسها وهي تشعر بالأختناق داخل هذا البرميل الضيق الذي بالكاد يحتوي جسدها، وحاولت أن تمنع أي صوتً لأنفاسها اللاهثة، فوضعت يدها على فمها بقوةً كي لا يصدر منها شيء يلفت أنتباه هذا السيد المُخيف.
ووقف الآخر تصدر عينيه نظرات باحثة ودقيقة على كل جانب بالمكان، ووضع احتمال انها لربما اختبأت بمكان آخر غير هذا المكان، ولكنه سيفتش عنها حتى يجدها، فلم يكن ما رآه منذ قليل حلما أو وهما … هي امرأة وتمكث بالقرب من هنا.
ولكن من أتى بغريبة لقصره ؟!
فما إجابة يوضع تحتها خطا إلا أنها أتت هنا لمهمة كشف الستار عنه شخصيًا … لا يجد تفسير آخر لوجود امرأة بهذا المكان المجدب وأيضا تهرب خائفةً منه رغم مكوثها بالقصر ؟!
وما كان هناك بالمطبخ كله إلا جانب واحد توضع مائلة عليه الواح خشبية وبرميل كبير مهمل …
وكانت جيهان تستنجد وتضرع لأن يذهب هذا الرجل وتستطيع التنفس والخروج من هذا الجحر الضيق !! .
بجانب رعبها من وقع خطواته التي تقترب ويبدو أنها بعد لحظات قليلة فاصلة ستكون بقبضة يده وكأنها ضبطت بالجرم المشهود ..!
وكان هناك خطوة واحدة على كشف غطاء البرميل ومواجهتهما، إلا أن عارض المشهد صوت صراخ صادر من الطابق العلوي ويبدو أنه لإحدى الفتيات .. !
كان صوت الصراخ يبدو وكأن الفتيات اندلع حريق بغرفتهن أو هاجمهن أحد المجرمين ..!، وأكرم بعدما ترك المطبخ وصعد راكضا للطابق العلوي يرى ما حدث.
ولم يجد سوى خوف وشحوب مرتسم على وجوه الفتيات وهم يخبروه بأن هناك فأر يتجول بالغرفة!! … تنفس بعمق وكتم غضبه قبل أن يأخذ جولة تفتيش وبحث، ويبدو أن هذا اليوم مخصص للبحث عن اللاشيء !! … وبعد دقائق من البحث وقف قائلًا بحدة:
_ مافيش حاجة ..!
ابتلعت أشهاد ريقها وقالت وهي تتمنى أن تلك الحيلة تكون ناجحة واستطاعت الزائرة الحسناء الفرار من قبضة سيد القصر:
_ حسيت بالفار تحت سريري وفضلت أصرخ، معلش .. أنا اصلي بخاف من الفيران أوي ..
ورغم شكه فيما يحدث كله وأن الصغار ربما على علم بوجود تلك الغريبة، إلّا إنه لم يستطع أن يقسو على هذه الصغيرة المسكينة، فأقترب وربت على رأسها الصغير وقال بهدوء لم يكن يشعر به بالحقيقة :
_ حصل خير .. مافيش حاجة هنا أطمني.
وهدأت أشهاد ودعت ربها سرًا وخفية أن لا يكشف سر الزائرة على الأقل الآن .. فقال وهو ينظر لساعة يده :
_ ارجعوا ناموا، لسه بدري على الفطار.
وخرج بعد ذلك من الغرفة والغريب أنه لم يتوجه لغرفته، بل هبط للطابق الأرضي، وراقبته وصيفة بخوف، ثم عادت للفتيات واغلقت عليهن باب الغرفة وقالت لهن بارتياع:
_ أول ما سمعت صوته بيزعق عرفت أنه شافها، معلش خضيتكوا بس …
قاطعتها أشهاد وقالت :
_ بس الحمد لله أنك اخدتي بالك قبل ما يمسكها.
تحدثت رضا بسخرية وقالت:
_ مش كنتي بتقوليلها أنه هيسمع كلامك وهيسيبها قاعدة معانا ؟! … يبقى خايفة ليه يشوفها ؟!
اجابت أشهاد بضيق:
_ بس مش دلوقتي، ومش هو اللي يكتشفها، عايزة احنا اللي نقوله عشان مايفتكرش أننا كنا نقصد نكدب عليه، وكمان ماما جيهان مصممة تمشي .. وأنا مش عايزاها تمشي ..
وافقتها وصيفة وقالت وعينيها مليئة بالحرمان والأفتقاد:
_ والله عندك حق يا أشهاد، دي لما طبطبت عليا وخدتني في حضنها حسيت أنها أمي .. أتاري الأحساس ده حلو أوي !!
قالت رضا والدموع تملأ عينيها :
_ لا مش دايمًا الأم بتبقى حنينة، في أمهات ما تعرفش يعني إيه رحمة! .. بيخلفوا ويرموا في الشارع ..!
لم يجادلنها الفتاتان الآخيرتان، فهن يعرفن مآساتها مع أم لا يعرف قلبها الرحمة والأمومة.
*************
واستطاعت جيهان الهروب من القصر وقفزت من النافذة نحو المبنى الآخر حيث الصغار، وأخذها شامي وشاندو لحجرة بالطابق الأخير بالأعلى ، لأن بتلك الحجرة لا يصعد أحد نظرًا للطوابق الكثيرة ولا يوجد مصعد … ووقفت أمامهما جيهان وهي تلهث بضيق شديد وتقول:
_ أنا مش هينفع أفضل هنا أكتر من كده ؟! … أول مرة في حياتي اتعرض للي بيحصلي ده وكأني مجرمة وبهرب !!!
تدخل شاندو وقال :
_ حقك عليا أنا، بس ماينفعش الزعامة يكتشف وجودك دلوقتي، لحد ما نلاقي الطريق أمان ونلاقي طريقة نوصلك بيها، لو عرف هيمشيكي من القصر ومش هنعرف نعملك حاجة …
صممت جيهان وقالت بكبرياء:
_ مش عايزة اقعد عنده، أنا مستنية آخر الليل وهمشي حتى لو هفضل لوحدي على ما الاقي أي مواصلة …
فكر شامي قليلا وقال كاذبًا:
_ طب والمجرم اللي بيحوم حوالين القصر هنعمل فيه إيه ؟! ده لو طالك وأنتي لوحدك هتبقى مصيبة..!
تفاجأ شاندو وقال لصديقه :
_ هو لسه موجود حوالين القصر ؟! .. ماقولتليش ليه يا شامي أنك شوفته ..!
غمز شامي لصديقه ليصمت ولم تلاحظ جيهان، بل ارتبكت وشحب وجهها بخوف ثم قالت :
_ أنا حاسة أني تايهة ومش عارفة أفكر ..!
رد عليها الصبي شامي بلطف :
_ هتتحل بإذن الله، اسمعي كلامنا ومش هتندمي .. هنوصلك لحد بيتك في أمان وهتقعدي هنا من غير ما حد يكتشف وجودك …
سكتت جيهان بحيرة وعجز تام عن التصرف، فهي حتى لا تحفظ أرقام هواتف أصدقائها لكي تحادثهم، وهاتفها قد فقد مع أغراضها ..!
وأدخلاها شامي وشاندو الغرفة، ثم حذروها أن تغلق الباب عليها من الداخل … وفعلت جيهان بتوصيتهم … وهمس شاندو لشامي بعتاب:
_ ما قولتليش ليه يا شامي أن …
قاطعه شامي بابتسامة ماكرة وقال:
_ دي كذبة بس عشان تفضل هنا، أنا ما شوفتش المجرم ده تاني من آخر مرة أصلا، بس أشهاد اتعلقت بيها وخايف تزعل وتعيط لما الضيفة دي تمشي …
التمع بعين شاندو المكر وقال :
_ فكرة جاحدة … أنا برضو مش عايزها تمشي، وهفضل أخوفها بالمجرم ده … وتفضل هنا.
وكتم الصبيان ضحكاتهما وهما يهبطان درجات السلم للطابق الأرضي …
**************
وعاد أكرم لذلك المطبخ القديم، وتوجه مباشرة نحو البرميل والألواح الخشبية، ولكن لفت نظره شيء !! .. بل عدة أشياء ..!
أولًا هذا البرميل الذي كان منذ قليل بمكانه قائمًا، هو الآن ساقطا على الأرض !! … والنافذة التي كانت مغلقة اصبحت مفتوحة على مصراعيها !! .. وتلك الرائحة اللعينة رغم إثارتها ونعومتها ولكنها تخنق صدره وأنفاسه وتنتشر بالغرفة !! .. وهنا اقتنع بتلك الاستكشافات التي أكدت شكه!.
لن يخبر أحد حتى يجد تلك المجهولة وتصبح بقبضته ويعرف منها سبب وجودها هنا بتلك الطريقة المريبة ..!
وصعد لغرفته بعد ذلك .. وبعد أن دخل الغرفة هاجمته تلك الرائحة المميزة التي وكأنها التصقت حتى بالأثاث !!، فتحرك نحو النافذة ليفتحها ويجدد لرئتيه وللغرفة الهواء، ولكنه لاحظ شيء جعله يقف منتهبا …
قد لاحظ أكرم وجود حركة غريبة بالمبنى المجاور، وخاصةً بالغرفة الأخيرة على سطوح المبنى، فقد انتبه ليد تغلق النافذة الصغيرة لتلك الحجرة العلوية … وكاد أن يتحرك خارجا من الغرفة حتى توقف وقال لنفسه:
_ لأ … هتهرب مني ..
وفكر مليًا قبل أي خطوة، لأنها تبدو ماهرة في الفرار والهروب ..
****************
وبعد شروق الشمس ليوما جديد ..
تململت فرحة في فراشها بكسل وهي تتثاءب، ثم فتحت عينيها وفوجئت بعض الشيء أنها بالفراش بدلا من المقعد ..!
لم تصدم فهذا كان متوقعا، ولكن ما لم تتوقعه أنه استيقظ وجلس بمقعدها وهو يضع ساقا على ساق وينفث دخان سيجارته للأعلى وهو شاردًا تمامًا ..
اعتدلت بالفراش جالسةً وظلت على حالتها، ولكن توجست منه في نفسها، يبدو مختلفا هذا الرجل في كل يوم عن سابقه !!
في الساعات الفائته اعتقدت أنه عاد لسابق عهده العاشق المتيم .. أما الآن فكأنه غامضا يحجب ثورة مخيفة خلف صمته هذا.
وفجأة ارتبكت حينما قال بحدة غير مفهومة:
_ حضري شنطة هدومك … وهدومي.
لم تفهم قصده فسألته:
_ ليه ..؟!
أجاب ونظره صوب عينيها مباشرةً وحقا خافت من نظرته النارية :
_ هنسافر لشهر العسل ..
حملقت فرحة فيه بذهول، أي شهر عسل يتحدث عنه وهما متفقان على الطلاق ؟! … يبدو أنه فقد عقله ! .. فهتفت به :
_ أنت ليه بتفكر وتقرر لوحدك ؟! … طالما الأمر يخصني يبقى لازم تاخد رأيي، وبعدين شهر عسل إيه اللي ..
قاطعها عندما هب واقفا بنفضة غضب، وابتلعت ريقها بخوف عندما سدد لها نظرات قاسية وقال:
_ نفذي اللي بقولك عليه من غير كلام كتير .. بكرة بليل هنسافر لشهر العسل زي ما الكل عارف .. وبعد ما نرجع هقولك الباقي ..
نظرت له بحدة رغم خوفها منه، وهتفت بحيرة:
_ أنت مين ؟! … أنت بتتلون في كل لحظة!، كل ساعة بحال، اللي يشوفك من كام ساعة وأنت خايف عليا تسيبني لوحدي ، ما يشوفكش دلوقتي ! ..
اعربت ابتسامته الجانبية الساخرة عن سذاجة ما يسمعه، واقترب منها ببطء وعينيه مثبته على عينيها بتحد وقوة، حتى وقف بالقرب منها ومرر أصابعه على ذقنها قائلًا بنظرات ثعبانية جعلتها تحتار فيه أكثر:
_ بما أنك دلوقتي ما تلزمنيش فمش مهم تعرفي حقيقتي، اللي يهمني دلوقتي أرد الكورة في ملعبهم… بس ردي هيكون قاسي أوي لأني مابسيبش حقي ..
فهمت فرحة أنه يقصد زوجة أبيه وأبنها اللعين، فقالت له بعتاب:
_ وأنا ذنبي إيه في مشاكلك معاهم ؟!
وداعب زايد خصلة من شعرها وعينيه تتجولان على تفاصيل وجهها ببطء اربكها وأشعرها بالاضطراب، ثم أجاب بغضب:
_ ذنبك أنك خدتيني كتجربة .. في عز ما كنتي أكتر شيء اكيد في حياتي … أنا يمكن المريض النفسي المجنون والمجرم في نظر الجميع، بس انا الخسارة اللي ما بتتعوضشي .. الحاجة اللي هينتهي عمرك كله وهتكتشفي أنك مش هتلاقي زيها تاني … كانت فرصة كبيرة وخسرتيها ببساطة .. لأنك ما تستحقيهاش..!
ظلت ناظرة له بتعجب وريبة، من أين تلك الثقة المخيفة بنفسه؟! … ولكن ما أخافها أن تكتشف بيوما ما أن ما قاله كان صائبا، لذلك شردت وبدا تعابير الخوف والقلق بعينيها، فسخر منها بابتسامة تحجب مرارة هائلة:
_ هتعرفي حقيقة اللي بقوله لما يعدي عليكي يوم بعد يوم وأنتي بتتمني تلاقي حد يحبك بجد .. لو كنت حابب أشوفك تاني، فعشان بس اشوف النظرة اللي هتسكن عنيكي بعد ما أبعد وكل واحد يبقى في طريق …
سالته فرحة بصدق :
_ وتفتكر اللي أنا عملته يستحق منك كل ده ..؟!!
وقف أمامها ودقق النظر لعينيها عن قرب، ثم أجاب بعد بعض الوقت:
_ أنا لو كنت مُت قدامك .. كنتي هتفضلي مُصرة أنك تعرفي الحقيقة مني..!، مش هنسهالك اللحظة دي أبدًا .. لإني فعلًا كنت بموت.
ورماها بنظرة قاسية من الغضب المكبوت، وتركها وحيدة بتلك الغرفة الواسعة، وبدأت تفهم شيء من مسار تفكيره، ولكنها يجب أن تتحدث مع طبيبه النفسي بالقريب العاجل، لتفهم هذا الشخص الذي كلما اعتقدت أنها باتت تعرفه … تكتشف إنها لا تعرف عنه أي شيء
***************
في تمام الساعة الثامنة صباحا..
قد آن وقت مغادرة “سمر” من دوام عملها الذي أنتهى تقريبًا منذ نصف ساعة، واستعدت للمغادرة بتلك الدقائق الإضافية حتى خرجت من المشفى وأوقفت سيارة أجرة .. وسألها السائق عن العنوان تفصيليًا، بينما عينيها كانتا تبحثان عن شخصا ما بالمشفى … ولربما يأت ويرافقها مثلما حدث بالسابق .. ولكن لم تره ..؟!
شعرت سمر بالاحباط عندما لم ترى له طيفا حتى، واملت للسائق العنوان وتحرك بالسيارة في الطريق المزدحم.
وظلت طيلة الطريق تعاتب نفسها على مسار تفكيرها الجديد، ومتعجبة ومدهوشة من نفسها أيضا ..!
هل هذا أمجد التي كانت لا تحب الحديث معه بالسابق ؟!
باتت تنتظر رؤيته ولو من بعيد !!!
وبعد مضي الوقت وقف السائق أمام المبنى وخرجت سمر من العربة ودخلت مسكنها …
وانشغلت بفكرة وجوده بالجوار أم لا، لم تره بعد اللقاء الليلي ! … ولن تعرف أن كان بشقته المجاورة إلا إذا سألت عنه بنفسها وهذا من آخر المستحيلات أن تفعله.
وفكرت أن تخرج الشرفة، ربما يخرج عندما يجدها هناك … !
فأسرعت بعدما القت نظرة على مظهرها بالمرآة، ولكنها وقفت بشرفتها قرابة النصف ساعة ولم يظهر بعد ..!
نفخت سمر بعصبية وغيظ ثم عادت لغرفتها وهي توثق جميع المعاهدات مع نفسها أن لا تخرج للشرفة مجددًا …
وارتمت على فراشها بإرهاق وأحباط شديد يملأ نفسها … حتى غفت بصعوبة بعد وقت طويل من التفكير والحيرة ….
*****************
دخل أكرم غرفة قد جعلها المطبخ بالطابق العلوي، ولكنه وجد فوضى عارمة تملأ المكان، ورائحة حلوى تفوح من الفرن الكهربائي !!
ويبدو أن الخزين المتبقي من الشهر الماضي قد نفذ !!
لم يعهد هذا التصرف بالصغار، كل شيء يصرخ مشيرًا إلى وجود يد غريبة لمست كل شيء بالقصر !! .. وهذا ما يشغل باله الآن، فتغاضى عن الفوضى وبدأ يُعد الإفطار، وارتاح أنه ابتاع ما يكفيه هو والصغار للشهر القادم … وبعد ما قارب الساعة قد أعد فطورًا للجميع …
ثم هبط الدرج ليفتح بوابة القصر ويأت بالصغار لبدء اليوم … وعندما اجتمعوا حول المائدة الضخمة بدأو يتناولون الطعام بشهية واضحة …. حتى همست رضا لوصيفة عندما وجدتها تخبأ سندويتشا بملابسها وقالت :
_ بتعملي ايه يا وصيفة هتفضحينا …!!
أجابت وصيفة بصوت خفيض:
_ بخبيه عشان ماما جيهان، وهخبي تاني عشان تفطر، لو استنيت لبعد الفطار مش هلاقي حاجة اوديهالها تفطر بيها …
فهمت رضا الأمر، وقلدت ما فعلته وصيفة وخبأت ساندويتشا آخر بملابسها، ولأول مرة يتفقان الفتاتان على شيء، حتى أنهما ابتسما لبعضهما في مرح وهذا شيء كان من المستحيلات تقريبًا ..!
بينما همس بقلظ لعصفور وقال بمقت وهو ينظر للطعام بعذاب :
_ الأكل شكله حلو، بس طعمه مش حلو ..!
سخر منه عصفور وقال :
_ ما أنت من ساعة ما بلعت الكيكة بتاعت أبلة جيهان وأنت مش عاجبك حاجة !! … المهم دلوقتي نخبي كام ساندويتش عشان هي تفطر ..
هز بقلظ رأسه بتأكيد وقال:
_ بعد ما أخلص أكل هعمل ساندويتش واطلع أجري برا، بس هروح اوديهولها.
همس له عصفور بتهديد:
_ هاجي معاك، لو مخدتنيش معاك هفتن عليك.
اقسم بقلظ له وقال:
_ والله هستناك برا والله …
ولاحظ أكرم بشيء غريب يدور بين الصغار، وتلك الهمسات بينهم لم يغفل عنها ولكنه تركهم … وبعد الإنتهاء نهض قائلًا:
_ في شوية خشب فوق السطح عندكم هنطلع نجيبهم ..
حملق الصغار فيه بخوف، من اين له تلك الفكرة واليوم تحديدًا؟!، وكانت نظراتهم تبدو مضحكة ولكنه تعامل بهدوء وثبات يحسد عليهما … فسأله عصفور بقلق :
_ والخشب ده على السطح بس، ولا في الأوضة اللي فوق اللي مافيهاش حد خالص دي ؟!
سأل أكرم وهو ينظر له بدقة :
_ هتفرق يعني ؟!
قال بقلظ بإرتباك:
_ لا أن شاء الله على السطح بس مش في الأوضة .. دي فاضية أوي.
تجاهل أكرم رد فعلهم وقال :
_ تعالوا نرجع الأول الاطباق دي للمطبخ وبعدين نروح نشوف هنعمل إيه …
ضرب شاندو بغيظ على كتف بقلظ وقال مرددا:
_ آه طبعا، لازم نشوف هنعمل إيه وبسرعة …!
وكأنه بتلك الجملة ينبه الصغار ويلفت أنتباههم، ولكن لم يكن أحدًا منهم غافلا … واتبعوا اكرم بتنظيم وترتيب …
وبعد دقائق انتبهت جيهان بغرفتها لخطوات كثيرة كأن جيشا يزحف لحجرتها … فانتفضت من فراشها وركضت نحو الباب تسترق السمع، بينما وقف أكرم بمنتصف مساحة سطح المبنى وهو يشير للأخشاب المُلقاة بأهمال وقال:
_ هننزل الأخشاب دي عشان الدفاية .. وبعدين هننضف السطح.
وكان يدا بيد معهم، وراقبت جيهان تحركاتهم من خلف الباب، وللغرابة أنها اندمجت معهم واستمتعت بمهارة أكرم الذي يواليها ظهره دائمًا في ترتيب المهام بين الصغار … وأخيرًا بعدما فرغ المكان من الأخشاب وقف أكرم بين الصغار وقال عصفور له بارتباك :
_ هـ… هـ … هتفتح الأوضة الفاضية خالص دي ؟!
نظر أكرم للصغير وغلب ضحكة كادت أن تظهر، ثم أجاب بمكر :
_ لأ مش هفتحها … ما هي فاضية بقا!
رفع عصفور يديه بالدعاء وقال :
_ ربنا يديمك لينا نعمة ويحفظك من الزواج يارب …
ضربه شاندو على رقبته وصحح:
_ الزوال مش الزواج ربنا ياخدك …
ابتسم أكرم وهو يمرر يده على شعره ويكتم ضحكة أخرى بسبب ذلك الصغير، بينما انتبهوا جميعهم لصوت ضحكة أنثوية رنانة صادرة … وردد عصفور برجفة وقال لأكرم:
_ ماسمعتش حاجة .. ومحدش سمع حاجة.
وكتمت جيهان فمها بيدها وهي تريد صفع نفسها بعد تلك الضحكة التي لم تستطع كتمها بعد رؤية ذلك المشهد المضحك … ونظر أكرم للصغار وعادا الحدة والغضب لعينيه وقال :
_ يلا ننزل ..
وسبقه الصغار نزولًا، ولكنه بقا أخيرًا وراقبته جيهان من خلف باب الحجرة بتوجس وخوف، ونظر هو للباب بنظرة وكأنه مواجها لها، ولأول مرة تكتشف أن هذا الرجل يحمل من الوسامة والهيبة ما يدير رؤوس النساء … ولكنها على يقين انها رأته من قبل، لكن أين لا تعرف !! … وبغمر شرودها كان هبط الدرج وغادر المكان … وتنفست الصعداء بعد ذلك، ورغم أنه غادر ولكن ظل بذهنها لفترة لا بأس بها .. لم تستطع أن تطرده ببساطة من عقلها .. فهو ليس بالرجل الذي تتجاوزه امرأة ببساطة ..!
وتعجبت من منحنى تفكيرها !! .. وشعرت بالسطحية بعض الشيء وكأنها عادت مراهقة …!
بينما تعترف أن هذا الرجل به شيء خاطف للأنتباه..!
************
واستيقظت سمر مساءًا … وشعرت كأنها نامت اليوم كله، وبقى أمامها ساعتين فقط لتعود للعمل …فقررت أن تأخذ دشا وترتشف كوب قهوة بعد ذلك. .. وبعد قليل خرجت من الحمام وجففت شعرها ومشطته سريعا… ثم أعدت كوب قهوة … واغتاظت عندما تحكم بها قلبها واجبرها أن تنكث الوعد والمواثيق وتخرج للشرفة !!
فأعدت القهوة وارتدت حجابها وخرجت وهي ترتشف كوب القهوة وكأنها لا تكترث بكل ما يدور بالكرة الأرضية …!
حتى وجدته جالسًا بإسترخاء على مقعد بشرفته ويقرأ كتابا، ونظر لها بابتسامة ماكرة، وظل على جلسته للحظات قد بدأت تزفر فيها بغيظ منه … فنهض من مقعده واقترب لها ببطء ثم قال :
_ نص ساعة تأخير .. أنا بحب اشرب قهوتي في ميعادها …
استدارت له لترد، فأخذ كوب القهوة من يديها بسهولة ادهشتها، وأرتشف منه القليل ثم قال ببطء مستفز:
_ جميـــــــــــلة … أوي.
اخفت سمر ابتسامتها وقالت بجدية:
_ انت هتفضل تاخد مني القهوة بتاعتي كتير ؟!
استند أمجد بذراعه على السور ورد مبتسما :
_ لحد ما توافقي وتقولي آه …
سألته وكأنها لا تعرف السؤال :
_ أوافق على إيه ؟!
نظر لها مبتسما وقال ببساطة:
_ نتجوز …
هربت الدماء من وجهها، ظنها حياءً وخجل، ولكن الحقيقة كان اضطرابًا وخوف، ليس الأمر بالبساطة الذي يظنها، تجربتها السابقة كأنت أكثر من معقدة وقاسية لأن تتركها دون أثر … مجرد النقاش بالأمر يجعلها ترتجف بخوف … تتذكر دموعها وعذابها وبكائها بتجربة شقت قلبها لنصفين … انسحبت سمر دون رد ودخلت غرفتها تستعد للذهاب للعمل …. ولكنها هربت بدموع كرهت أن يراها …
فتنهد أمجد بعمق، ويبدو أنه شعر بالاحباط واليأس، ثم قال وكأنه يطمئن نفسه :
_ هتوافق … متأكد أنها هتوافق وقريب كمان ..
*****************
وقد غطت الظلمة السماء .. وأشتد الهواء بتلك الليلة حتى بدا وكأنه يتعارك مع الاشجار العالية ..
وقد استطاع الصغار توصيل الطعام لجيهان بحجرتها المنعزلة عن الجميع … ولكنها شعرت بالقيد والاختناق بين تلك الجدران المغلقة، فقررت الخروج لبعض الوقت ولو كان في محيط سطح المبنى وليس أبعد ، وبذلك ستكن في أمان عن عيني الثعلب …
فخرجت من الغرفة ولفحها الهواء الرطب والصق بعض خصلات شعرها حول وجهها وعينيها، فأنزعجت جيهان وفكرت أن تدخل الغرفة وتبحث عن شيء يدفئها قليلًا من الهواء … ولكن بمجرد أن استدارت عائدة للحجرة حتى سقطت على صدر السيد المخيف … الذي يبدو وكأنه أوقعها في مصيدته ..!
واصبحت يديه تقبضان على ذراعيها وهي تنظر له بهلع ، ولعينيه السوداء الناظرة لها بعمق وبعض الشرود …
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية سيد القصر الجنوبي)
شكراااااتتت