روايات

رواية سيد القصر الجنوبي الفصل الثامن 8 بقلم رحاب ابراهيم حسن

رواية سيد القصر الجنوبي الفصل الثامن 8 بقلم رحاب ابراهيم حسن

رواية سيد القصر الجنوبي البارت الثامن

رواية سيد القصر الجنوبي الجزء الثامن

رواية سيد القصر الجنوبي الحلقة الثامنة

ولكن بمجرد أن استدارت عائدة للحجرة حتى سقطت على صدر السيد المخيف … الذي يبدو وكأنه أوقعها في مصيدته ..!
واصبحت يديه تقبضان على ذراعيها وهي تنظر له بهلع، ولعينيه السوداء الناظرة لها بعمق وبعض الشرود … كأنه يحاول أن يتذكر متى وأين رآها من قبل ..؟!
فضلًا عن عينيها المرتعبتان وجسدها ذو الرجفة العنيفة بين ذراعيه..!
هذه إذًا من كانت تتلاعب به وتتخفى خلال الساعات الفائتة..!
وقع سؤاله على مسمعها كان كـ إطلاق الرصاص بصوته المُفزع هذا، وعينيه تحذرها ألّا تكذب فقال:
_ أنتي مين … وبتعملي إيه هنا ..؟!
وجفّ ريق تلك المسكينة بين قبضتيه، وهو قابضا عليها كـأنها لِصة أتت لتسرق خزائن الذهب والفضة ! .. وكانت ترتجف حقيقةً بين قبضتيه، حتى وصل بها الحال لأن تبك وتشهق من البكاء خوفا منه لا من الإعتراف بالحقيقة التي كانت ستوضح سوء الفهم بالتأكيد.
ولكنه ضيّق عينيه بنفاد صبر وأطبق شفتيه غيظا من الدراما التمثيلية التي تختلقها المرأة عند الأزمات، وأيسرها تلك الدموع المتساقطة التي لن تكلّفها شيء سوى دقائق ضائعة من التأثر وتزييف حقيقتها.

 

فتسارعت أنفاسه تبعًا لأفكاره التي غلت الدماء بعروقه، وكاد أن يكرر سؤاله بصوت أكثر وحشية، حتى تفوهت جيهان بصعوبة وبكلمات متقطعة وصوت متحشرج من البكاء والرعب:
_ هـ .. هقولك .. أنا … أنا ..
وكانت نظراته لها عميقة بها شيء مجهول لم تستطع بغمر هذا الخوف الشديد أن تفكر في تفسيره وماهيته!، ولكنها لم تستطع قول شيء، وكل ما فعلته أنها سقطت مغشيًا عليها وافلتت يديه ليحتضن جسدها الأرض!!
فنظر لها لدقيقة محاولًا أن يقنع نفسه أن ما يحدث حقيقة وليس حلما، وفاق على واقع أن أمامه أنثى فاتنة لا ينكر ذلك فاقدة الوعي ! … فأنحنى قربها وضرب بخفة على وجهها لتستفيق، ولكن بلا جدوى !
زفر بعصبية وهو يبتعد ليأت بكوب ماء من الطابق الثاني، ولكن جيهان فتحت نصف عين لتراقبه، وبمجرد أن هبط للطابق الثاني ارتعد جسدها واصبحت كمن الصق بقدميه عجلات حربية فائقة السرعة، وركضت نحو الدرج تراقبه حتى تأكدت أنه دخل بأحدى الغرف بالطابق، فركضت سريعا للأسفل وهي تلهث بجنون .. ولم تكترث أن كان سيسمع صوت خطواتها أم لأ ..
ولكنها صدمت حينما وصلت للطابق الأرضي بأن باب القصر مغلقًا …!
لم تكن صدمة، بل نست أنه يغلق الباب ليلًا .. ماذا تفعل ؟!
ولم يكن مُتسع من الوقت لتفكر، فركضت نحو الغرف الداخلية للطابق الأرضي من القصر، حيث الغبار والاثاث القديم المكدس المُخزّن بها ..
واستطاعت فتح أحدى الغرف والمكوث بداخلها، واغلقت الباب من الداخل بواسطة قفل حديدي متآكل من الصدأ، كانت الغرفة تشعرها بالأختناق بسبب تراكم الغبار والأتربة ورائحة الرطوبة العالية، كأنها لم تُفتح منذ عقود …!
فقالت جيهان بهمس وخوف:
_ هصبر لحد بكرة الصبح وهمشي، مش هقعد هنا لحظة واحدة تاني .. وكفاية اللي حصل.

 

وارتمت على السرير القديم المليء بالاتربة، ولفت ذراعيها حولها بحماية وهي تنصت لأي صوت بالخارج.
**********
وقف ” أكرم ” وهو يحمل كوب الماء على سطح المبنى ناظرًا للفراغ حيث تركها منذ دقائق، وارتفع الغضب بداخله لدرجة خطرة ! … فقد استطاعت أن تهرب منه من جديد!
وبطريقة اقرب للسذاجة لأن يصدقها ! .. فألقى بكوب الماء بعصبية متوحشة حتى اصبح شظايا جارحة منتشرة على الأرض !!
وفتش عنها بالمكان جيدًا، ثم نزل للطابق الثانِ، ووقف مفكرًا بأنها لابد وأن تكون بالطابق الأرضي، فنزل سريعًا ولكنه لم يُحدث أي صوت كي لا تنتبه وتهرب من جديد.
وكانت ترتجف بمكانها على الفراش القديم حالما انتبهت بصوت خطوات تقترب، فبهذا السكون المخيف لابد وأن أضعف صوت سيبدو مسموعا بوضوح، ولم تحرك ساكنا وظلت على الفراش منكمشة من الخوف رغم أنها اغلقت الباب من الداخل .. وكان أكرم قد فتح غرفة جانبية ولم يجد فيها شيء ..
وحينما اقترب لغرفتها حاول فتح الباب ولكن وجده مغلقا بأحكام، وكتمت جيهان فمها من الخوف وهي تضرع لربها أن لا ينجح في فتح باب الغرفة، ولكن بعد دقائق خيّم الصمت مجددًا ويبدو أنه شعر بالفشل في إيجادها ..
وفجأة صدمت عندما سمعته يغلق الباب من الخارج !!!
فغرت فاها من الصدمة وشعرت بالذعر في الأمر … فهي الآن سجينته بالفعل، وركضت نحو الباب حتى سمعته يغلق أبواب الغرف الأخرى… لا ييأس هذا الرجل بسهولة ولا يقبل الفشل !
هكذا طل بمقدمة أفكارها..
فعادت للفراش وهي تحاول إيجاد حلًا للخلاص من تلك الجدران الأربعة، والأساس القديم المغمور بالغبار ..
************

 

ونظر أكرم للممر المؤدي للغرف بنظرة انتصار، فهي الآن بالتأكيد مختبأة هنا بأحدى الزوايا، سيتلاعب بأعصابها بعض الوقت حتى تصبح بقبضته ويعرف منها سبب مكوثها هنا ..!
وعندما عاد ليرتقي درجات السلم وجد “وصيفة” تقف على أحداهم وتنظر له بريبة، فقال لها باستغراب من وقفتها بهذا الوقت:
_ واقفة كده ليه ؟!
ونطقت بصعوبة وقالت :
_ لا مافيش… سمعت صوت فنزلت أشوف في إيه ..!
تابع صعود الدرج وهو يقول:
_ مافيش حاجة، ارجعي نامي ..
وسبقها للأعلى وهي لا زالت ساكنة تنظر للردهة بصمت وخوف، فهتف بها وقال:
_ قولتلك ارجعي نامي ، هتفضلي واقفة كده ؟!
وخافت وصيفة أن يشك بها فابتسمت مرغمة وقالت:
_ حاضر ..
وركضت لغرفتها المشتركة مع صديقتيها، وحينما دخلت واغلقت الباب ركضت نحو أشهاد بذعر وقالت :
_ اللي عملت حسابه حصل..
ابتلعت اشهاد ريقها بخوف وقالت:
_ مسكها ؟!!!!
قالت وصيفة بحيرة :
_ تقريبًا لأ، بس مش متأكدة، أنا شوفتها بتجري ودخلت أوضة من الاوض اللي تحت، وطلعت بسرعة قبل ما يشوفني .. وراقبته لحد ما نزل وراها وفضل يفتح في الأوض، بس تقريبًا مالقهاش، وقفل الأبواب بالمفاتيح.
شهقت أشهاد ثم قالت بعد لحظات بخوف شديد:
_ ما هي لو في أوضة فيهم يبقى كده اتقفل عليها بالمفتاح ومش هتعرف تخرج، ولا حد فينا هيعرف يخرجها … هنعمل ايه في المصيبة دي ؟!
تدخلت رضا وقالت بعد لحظات تفكير :
_ أول ما يطلع الصبح، حد فينا يروح يدور عليها يشوفها فين، ولما نعرف كله هيتحل أن شاء الله … الواد عصفور أيده خفيفة وهيعرف يشقط المفاتيح منه.
اطمئنت أشهاد بعض الشيء وقالت :
_ أنا زعلانة عشانها أوي، ماتستحقش البهدلة دي، وأحنا كمان خوفناها منه، وهي اساسا جيالنا تستنجد بينا من المجرم اللي كان وراها ..
قالت وصيفة بضيق:

 

_ أنتي لو تشوفيه وهو بيدور عليها كنتي خوفتي منه يا أشهاد، يبقى مش عايزاها هي تخاف ؟! … وبعدين لو عتر فيها هيطردها وهتفضل في الطريق لوحدها لحد ما عربية توقفلها !! .. ويا عالم هتلاقي عربية بعد اد إيه ؟! …
قالت أشهاد بدموع :
_ أنا قلقانة على ماما جيهان أوي ..
ربتت على كتفها وصيفة وقالت رضا :
_ بكرا هنلاقي حل بإذن الله ..
***********
وظلت ” فرحة ” تتململ في فراشها ولم يزر النوم عينيها، منذ أن اطلق كلماته كالرصاص بوجهها في الصباح، وأنه ينذرها بالفراق القريب! .. هي تتنهد وتتنفس بصعوبة!.
حتى أنها لم تره طيلة ساعات النهار!، أعتكف بغرفته ولم يخرج منها ..!
وحتى أنه لم يأت لغرفتها لينم كما قال وهدد بالأمس ! … يبدو أنها لن تتعرف على هذا الغامض أبدًا !!..
وشعرت برغبة قوية في إعداد كوب قهوة، سيزيد عليها ساعات السهر ولكن حسنا، ففي جميع الأحوال قد هجرها النوم لهذه الليلة …
وخرجت من الغرفة متوجهة للمطبخ، وفوجئت به يقف يُعد له فنجان قهوة !! … فتنحنحت حتى التفت لها ونظر لوجهها ببطء متعمد وقال:
_ صاحية لحد دلوقتي ليه ..؟!
قالت فرحة بتوتر :
_ مجاليش نوم فجيت اعمل فنجان قهوة .. مصدعة!.
فنظر لها نظرة طويلة كأنه يكذبها حتى قالت :
_ خلص قهوتك أنت الأول ..
وكادت أن تبتعد وتخرج من المطبخ حتى باغتها وقبض على معصمها ليقربها له فجأةً، ودهشت فرحة لما يفعله ونظرت له بارتباك .. !
حتى وضع فنجان القهوة بيدها وقال :
_ اتفضلي ..
ضيقت عينيه باستغراب، يبدو هادئا تمامًا كأن لا شيء عكر مزاجه طوال عمره، وليس هذا الشخص الغاضب والمخيف الذي رأته بالصباح !! … ولم تعرف أتشكره على صنيعه أم ترفض ! … فقررت أن لا تزيد الأمور بينهما سوءً وتعقيدًا ، فأخذت القهوة وذهبت متوجهة لغرفتها … فقال فجأة وهو يُعد فنجان آخر من القهوة:
_ بما أننا أحنا الاتنين مش جايلنا نوم وسهرانين، إيه رأيك نتكلم شوية ؟
ودهشت من حديثه!، والأعجب أنه يقدمه كطلب وليس أمر !! … فقالت بتوتر وحذر:
_ مافيش مانع ..
تنفس زايد بعمق قبل أن يبدأ حديثه، وكأنه يحوم حول نقطة بعيدة يريد أن يقترب لها بالحديث دون أن تشعر هي، فقال :
_ كان ليكي صحاب في الكلية أو في الشغل ..؟!

 

تعجبت فرحة من سؤاله ولكنها أجابت بصدق :
_ كان ليا زمايل .. مش أصحاب، عمري ما كان ليا أصحاب مقرّبين !
شرد زايد لوهلة ثم قال :
_ وأنا كمان …
وتابع أسئلته:
_ ليه يا ترى ؟ … اللي أعرفه عن البنات أنهم بيصاحبوا بعض بسرعة ..!
اغتاظت من أشارته بالحديثه عن طباع الفتيات وقالت بحدة:
_ مش كلهم، في ناس زيي كده ما بتعرفش تثق في حد بسرعة … كان ليا زمايل كتير بس مش صحاب، مش شايفة أي غرابة في الموضوع!
تلقى إجابتها بهدوء وهو يسكب القهوة بالفنجان :
_ مافيش شيء غريب ولا حاجة، أنتي مميزة .. وده مش شيء جديد عليا ..!
واستطرد بمكر:
_ لولا القرار اللي واخده بالإنفصال، كنت قلت أنك نصي التاني وبينا حاجات كتير مشتركة!.
وراقب ردة فعلها وهو يلتفت ويرتشف من كوبه بهدوء مصطنع، ما كانت تعرف أن قلب كان متقدًا من الشوق والرغبة في قربها ويقاوم بكل قوته …
فابتلعت فرحة بعض من قهوتها بعصبية وتوجهت لتخرج بعدما قالت :
_ شكرًا على القهوة ..
_رايحة فين ؟!
سألها وتفوه بصوت أقرب للدفء، فتوقفت وهي تحاول جاهدة التحكم بحزنها وإلّا يلاحظ ذلك، فعاد لنبرته الجامدة وأضاف:
_ لسه السهرة طويلة … تعالي معايا ..
ولم يمهلها لأن تجيب، توافق أو تعترض، فقد سحب يدها وأخذها حيث غرفته ، ولاحظت عرج قدميه بعض الشيء، ثم وقف أمام الشرفة ناظرا بنظرة جانبية لها وقال :
_ المنظر هنا أجمل … مش كده ؟!
كأنه يتلاعب بأعصابها وأفكارها ؟!!! … نظرته الماكرة أحيانا تربكها وتشتت ذهنها ! .. فقالت بتوتر واختصار:
_ كويس ..

 

ارتشف زايد من كوب قهوته وهو ينظر لها بتمهل، ولاحظ ارتباكها الواضح بارتباك حركة جفنيها وشفتيها، وقال :
_ تعرفي أني مسألتكيش ولا مرة أن كنتي اتخطبتي قبل كده ولا لأ ..؟!!! … شيء غريب مش كده ؟!
نظرت له ببعض السخرية وقالت:
_ أنت مكنش في بالك شيء غير أنك عايز تقرب ميعاد الفرح وبس ؟! … أنت كام مرة كلمتني عن نفسك ؟!
وبدا من العرق النابض برقبته أنه يكتم غضبا، ولكنه أجاب بثبات:
_ مش من طبعي التسرع، بس دي غلطة الشاطر فعلًا … غلطة بألف .. وأحيانًا بالعمر كله..!
شعرت بالإهانة في حديثه فقالت بحدة:
_ أنا عمري ما كنت غلطة بالنسبة لمخلوق، ولا سيبت ذكرى سودا في حياة حد ..!
ابتسم بمرارة وقال :
_ إيه الثقة دي ؟! .. يمكن تكوني سيبتي ذكريات ماتتنسيش في حياة أحدهم ؟! .. قبل ما تقابليني.
وفهمت مغزى حديثه وما يقصده، فصاحت به :
_ تقصد إيه ؟! ..
رغم ما بداخله من غليان قال بثبات مزيف :
_ أقصد أنك اكيد خلال السنين اللي درستي فيها وأشتغلتي ارتبطتي بحد ولسه فكراه ؟!
فغرت فاها من الصدمة، ايقصد بحديثه الدكتور أمجد ؟! .. أم يرمي التهم جزافًا ويلقي الحديث على عواهنه دون تبصرٍ أو رويّةٍ؟! … وفجأة بعد صمت صاحت بعصبية في وجهه:
_ لو تقصد الدكتور أمجد فأرتاح لأني لو كنت بحبه مكنتش اتجوزتك، ولو تقصد حد تاني فأنا محبتش ولا ارتبطت ولا حتى أتخطبت قبلك ! … رغم أني مش شايفة أي تهمة أني أكون حبيت واتخطبت قبل ما أعرفك، ولكن هي دي الحقيقة ..
أخفى ابتسامته وهو ينظر لها ويطيل النظر بعينيها، وسأل نفسه سرا، أكان هو استثناء وأحبته ؟! … أم كان الرجل الذي قدم لها كل شيء حرمت منه ؟!
كان يريد بإستماتة أن يعرف إجابة هذا السؤال المصيري، فأخذها بين ذراعيه في ضمة حنونة، كان يريد بالفعل أن يعيدها لنقطة الهدوء .. فصدمت للحظات ، ثم ابتعدت قليلًا ونظرت بحيرة لعينيه وهي تشعر أنه سيقودها للجنون هذا الرجل !
النظرة الشيطانية التي كانت بعينيه منذ لحظات تحوّلت لدفء أذاب الثلج وقال مبتسما لها :
_ أهدي .. ده مجرد سؤال عابر ..! … المهم دلوقتي، إيه رأيك في قهوتي ؟
قالت فرحة بتيهة:
_ أنا لو كان ليا هدف في حياتي، فهدفي أني أفهمك على حقيقتك … أنا توهت فيك ! .. أنا بشوفك بمليون شخصية في دقيقة واحدة..!
مرر أصبعه على ذقنها بمشاكسة وقال بنظرة ماكرة :

 

_ يوم ما تفهميني … هكون أنا اللي وصلتك للمرحلة دي ..
وقلقت وارتبكت من نظراته الخطرة التي تشتعل بشيئا ما، وما شعرت بشيء غير أنها تريد الهروب من أمامه .. يجب أن تتحكم بمشاعرها حتى تعرف حقيقته وحقيقة ما يخفيه من أسرار، فتركت قهوتها وتوجهت للخروج من الغرفة، واشتدت سرعتها حينما شعرت به خلفها، ولكن استطاعت الركض ودخول غرفتها وغلق الباب بوجهه .. واستندت على الباب وهي ترتجف، فهي رغم أعترافها لنفسها بأن ما تفعله أثما وذنب كبير، ولكنها لن تستطع القرب سوى على بساط من الأمان والطمأنينة .. وليس الخوف والحيرة والصدمات مع رجل لا تعرف له وجها حقيقيا حتى الآن..!
وسمعت صوت شيء يرتطم بالأرض، ويبدو أنه اعتاد تكسير ما تطوله يداه أثناء لحظات الغضب !.
***********
وبقصر الزيان …
انتبهت الصغيرة ” ريميه” لآذان الفجر … فجلست على فراشها تفرك عينيها من النعاس، ثم رفعت يديها الصغيرتان بالدعاء مثلما علّمتها أمها ليلى وقالت :
_ يارب يا حبيبي يارب فرح ماما جيهان فرحة قد الدنيا بحالها، فرحة تخليها ما تعيطش تاني ولا تبقى زعلانة أبدًا .. يارب خليها تضحك على طول ..
وانتبهت المربية العجوز للدعاء المعتاد من الصغيرة لتلك السيدة المحظوظة بدعاء هذه الصغيرة الملائكية وقالت :
_ يا ترى الست جيهان عملت إيه حلو في حياتها عشان طفلة شبه الملايكة كده تفضل كل يوم تدعيلها ليل نهار ؟!
وتابعت الصغيرة سيل دعواتها لجيهان، ثم تمددت للنوم مرةً اخرى وهي مبتسمة وعلى يقين أن دعواتها مستجابة .. ثم فتح الباب وانتشرت الاضاءة بالمكان فجأة، وانتبهت الصغيرة لصوت يوسف وهو يقترب لها ومعه حكيدة ويقول بمرح:
_ الكسلانة اللي أكدتلي أنها هتصحى لصلاة الفجر معانا ميـــن ؟!
ضحكت الصغيرة وقالت :
_ أنا أنا .. والله كنت صاحية يا كنافتي ..
حملها يوسف من الفراش بحماس وقال :
_ طب يلا أتوضي عشان نصلي أنا وأنتي وحميدة ..
ضحكت حميدة بمحبة لرؤيتها معا يتمازحان وقالت :
_ تعالي يلا يا ريمو عشان أساعدك ..
ودخلت حميدة مع الصغيرة تذكرها بخطوات الوضوء، وتركت المربية العجوز نائمة تستريح …
**********

 

وعندما دقت الساعة السادسة صباحا ..
وقفت ليلى مبتسمة بتورد لتستقبل النسيم العليل من نافذة غرفتهما، وهي في حالة هدوء وسكون يثير المشاعر، وخاصةً مشاعر زوجا عاشقا بكل ما تحمله الكلمة من معنى ..
حاوطها بذراعيه وهمس في أذنها قائلًا :
_ الساعة لسه ٦ الصبح، صاحية بدري ليه كده يا ليلى ..؟
استدارت له واتسعت ابتسامتها دفء ومحبة، وطالت النظر فيه لبعض الوقت، ثم قالت بابتسامة مشرقة باتت ترافقها طيلة الوقت:
_ حلمت بيك حلم جميل يا وجيه ..
ابتسم لعينيها بعشق وقال وهو يداعب بأصبعه خدها:
_ مافيش حلم أحلى من حياتنا مع بعض ! .. أني أشوفك بس ولو من بعيد ده كان بالنسبالي أجمل حلم .. يبقى الحال إيه بقا بعد ما اتجوزتك ؟!
وتابع بخبث بعد ضحكة:
_بس يعني أنا بقالي فترة عايز أسألك سؤال، أنتي أحلويتي أوي اليومين دول كده ليه !، وكل ما بشوفك بلاقيكي مبتسمة … هو طبعا ده شيء يفرحني .. بس حاسس أن في سبب برضه.
ضيّقت عينيها غيظا منه، ولكنها ضحكت بعد لحظات، وقالت بصدق وهي تلهو بياقة ردائه:
_ يعني أنت عايزني أعترف أني مبسوطة أنك بقيت ليا لوحدي؟! … آه مبسوطة ومش مكسوفة إني أعترف!
سأل مبتسما ولكن بتعجب:
_ رغم إنك المفروض مش فاكرة الفترة بتاعت جيهان، فقاطعته ليلى وهي تضع أصبعها على فمه ليصمت وقالت:
_ فكرة أن واحدة تانية تاخدك مني ولو لثانية دي بالنسبالي فكرة مستحيلة .. الحمد لله إني نسيت الفترة دي بعذابها.
ضمها لصدره قائلًا بمحبة:

 

_ ساعات بحسدك على النسيان ده، أنا لو أقدر أمحي من ذكرياتي عشر سنين فاتوا من غيرك مكنتش أترددت لحظة ..
ابتسمت ليلى وهي تغمض عينيها براحة تامة وأمان يضمها بين ذراعيه ..
***********
وبالصباح وحينما دقت الثامنة صباحا.
. نزل أكرم للطابق الأرضي يبحث فيه مجددًا، ولكنه وجد كل شيء مثلما كان لا جديد … بينما الغرف مغلقة، فأستغل شروق الشمس والضوء وبدأ يفتح الأبواب .. ولكنه صدم بباب الغرفة الذي وجدها ليلا مغلقة يفتح بسهولة ويسر !
وتلك الرائحة التي تشبه الفانيليا والتي ستقوده للجنون تعبأ المكان أيضاً!!!
وتأكد أنها كانت تختبأ هنا ، بماذا يفسر إذا أمر الباب !!!
وبالمبنى الآخر وبمكان بعيد عن غرف الصغار، جلست جيهان على آريكة متهالكة وحاوطها شاندو وشامي وبقلظ … وقالت لهم بتصميم وحدة:
_ لو المرادي عدت على خير المرة الجاية هيمسكني ويا عالم هيعمل فيا إيه ؟! … مستحيل أفضل هنا !
قال شاندو وهو يتنفس الصعداء :
_ نحمد ربنا الأول أن البت وصيفة شاورتلنا من البلكونة وقالت لنا أنك محبوسة في الدور الأرضي، ولولا خدنا نسخة المفاتيح من عم مغاوري مكناش عرفنا نهربك ..
وأكمل عنه بقلظ :
_ فضلنا ندور عليكي أنا وشامي وشاندو في كل حتة واحنا مرعوبين يصحى ويشوفنا …
وتدخل شامي بالحديث:
_ المشكلة دلوقتي أنك ماينفعش تمشي ، المجرم اياه محاوط القصر وشكله مش هيرتاح غير لما يوصلك … أنا شوفته النهاردة أنا وشاندو … مش صح يا شاندو ؟!
تلكأ شاندو بالاجابة ثم قال :
_ آ .. آه ، هو كده بالضبط … شوفته ومعاه سلاح شكله يخض، وبيدور عليكي، اكيد عايز يخلص عليكي .. مش هيرتاح غير لما يوصلك، يبقى القصر آآمن مكان دلوقتي .. نصبر بس شوية.
جف ريق جيهان من الذعر ، بينما نظر شامي لشاندو وكتما ضحكاتهما، فأضاف شامي بتوضيح :
_ مافيش غير الخطة اللي حطيناها أحتياطي …

 

وقال شاندو بإعتذار:
_ سامحينا يا أبلة جيهان على اللي هنعمله … سامحينا قوي.
سألت جيهان بخوف وما باتت تحتمل المزيد :
_ خطة إيه وأسامحكم على إيه ؟!!!
رد بقلظ وهو يأكل من ساندويتش محشو بالبيض:
_ الواد هريسة … أنتي الواد هريسة من دلوقتي … هريسة بتاع الحلويات ..

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية سيد القصر الجنوبي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *