روايات

رواية حبيسة قلبه المظلم الفصل الثاني والأربعون 42 بقلم سارة علي

رواية حبيسة قلبه المظلم الفصل الثاني والأربعون 42 بقلم سارة علي

رواية حبيسة قلبه المظلم البارت الثاني والأربعون

رواية حبيسة قلبه المظلم الجزء الثاني والأربعون

حبيسة قلبه المظلم
حبيسة قلبه المظلم

رواية حبيسة قلبه المظلم الحلقة الثانية والأربعون

عاد الى الفيلا التي يقطنها مع زوجته حديثا متأخرا قليلا بعد يوم طويل قضاه بين العمل والتفكير بحديث مريم ..!!
مريم التي صدمته بما قالته عن زوجته ..
زوجته التي لم ينطلِ عليها كذبه فقررت أن تتقصى بنفسه عن الحقيقة لتضعه وتضع نفسها في موقف محرج مع مريم التي لم تتوانى لحظة واحدة عن كشفها أمامه ..
مريم التي يدرك جيدا إنها لم تفعل ذلك إلا لتدمر علاقته بشيرين كونها تحمل غاية خلف هذا ..
ليس حبا فيه بالطبع بل هناك سبب خفي وراء تصرفاتها ..
سبب شبه متأكد منه ..!!
هبط من سيارته متجها الى داخل الفيلا عندما دلف الى هناك بعدما فتحت الخادمة له الباب ليسمع صوتها وهي تتحدث مع إحداهن ..
ألقى التحية بإقتضاب شعرت به وهو يتقدم يرمي بجسده فوق الكنبة مسترخيا في جلسته تماما وهو يتابعها بعينيه ..
أنهت مكالمتها وإتجهت تبتسم له برقة وهي تسأله :-
” هل أطلب من الخادمة تجهيز المائدة …؟!”
هتف بجدية وهو يشير على المكان جانبه ؛-
” تعالي وإجلسي جانبي ..”
إتجهت تجلس جانبه بملامح مليئة بالإهتمام عندما سألت :-
” هل تحدثت مع جيلان ..؟!”
عقد حاجبيه يتسائل بإهتمام :-
” ما بها جيلان ..؟! هل حدث شيء ما ..؟!”
أجابت بسرعة :-
“كلا لم يحدث شيء لكن كان من المفترض أن تزورنا اليوم …! ”
هتف وقد تذكر هذا الأمر :-
” صحيح لم تأتِ ..”
نهض من مكانه مسرعا يتصل بها عندما جاءه صوتها الرقيق يحييه فسألها بسرعة :-
” لماذا لم تأتِ اليوم كما إتفقنا يا جيلان..؟! هل حدث شيء ما ..؟! هل أنتِ بخير..؟؟”
ردت بسرعة :-
” نعم بخير ..”
أضافت برقة :-
” فقط معدتي متعبة قليلا لهذا عدت الى القصر فورا بعد جلسة العلاج .. أعتذر عن عدم مجيئي .. سأحاول أن آتي غدا ..”
سألها مجددا بقلق :-
” ما بها معدتك ..؟! جيلان ..!! هل أنت مريضة ..؟! هل أجلب لكِ طبيب ..؟! ”
قاطعته بسرعة :-
” فقط متعبة قليلا .. معدتي تؤلمني قليلا وأشعر بالغثيان … لا تقلق .. منذ فترة وتأتيني أعراض مشابهة ثم تنتهي بعد ساعات قصيرة كما إنها أعراض خفيفة .. ”
هتف متمهلا :-
” منذ فترة وأنتِ تعانين من آلام بالمعدة .. لماذا لم تخبريني ..؟!”
قاطعته تطمأنه :-
” صدقني آلام خفيفة والأكثر عادة هو الغثيان الذي يصيبني صباحا .. ”
زفر أنفاسه مرددا بجدية :-
” غدا صباحا ستذهبين الى الطبيب .. سآتي بنفسي وأخذكِ ..”
قالت بترجي :-
” انا بخير حقا يا عمار .. وكي تتأكد سآتي غدا بنفسي إليك .. ”
أضافت بخفوت :-
” انا حقا بخير وسترى ذلك بنفسك غدا لكن دعنا من أمر الطبيب فأنا لا أحب زيارة الأطباء ..”
تمتم بعدم إقتناع :-
” حسنا يا جيلان .. سأنتظرك غدا .. إعتني بنفسك ..”
ودعها أخيرا لتسأله شيرين بقلق واضح :-
” ماذا حدث ..؟! هل هي مريضة ..؟!”
أجاب يخبرها بإختصار عما أخبرته به عندما قالت شيرين بجدية :-
” ليتها تعيش معنا يا عمار .. برأيي إن مكانها بجانب أخيها في منزله أفضل كما إنني سأكون دائما جانبها ومعها في جميع الأوقات ..”
قال وهو يوافقها :-
” معك حق .. ”
أضاف يشرح لها :-
” لكن الأفضل أن أتركها على راحتها مؤقتا .. لن أضغط عليها حتى ترتاح نفسيتها تماما .. وعندما يأتي الوقت المناسب سأطلب منها أن تستقر معنا ..”
قالت شيرين مؤيدة..
” معك حق .. من الخطأ أن نضغط عليها في الوقت الحالي ..”
أردفت :-
” في النهاية سوف تستقر هنا معنا .. بالتأكيد ستفعل لإنك أقرب شخص لها ..”
ردد بشرود :-
” وهذا ما سيحدث .. بالتأكيد سيحدث …”
نظر بعدها نحوها لتتأمل نظراته التي بدت مختلفة وتحمل شيئا ما فسألتها بجدية :-
” هل هناك شيء ما يا عمار ..؟! لماذا تنظر إلي هكذا ..؟!”
هتف بصوت هادئ لكنه قوي :-
” لماذا لم تخبريني إنك تحدثت مع مريم أو بالأحرى إلتقيت بها ..؟!”
سيطرت الدهشة عليها بوضوح ..
لم تصدق إن مريم أخبرته بلقائهما …
إبتسم على ملامحها التي ما زالت كما هي منذ سنوات .. شفافة تماما لا تجيد إخفاء إنفعالاتها وما يطرأ عليها من تحولات ..!!
هتفت أخيرا بعدما سيطرت على صدمتها مما سمعته مستجمعة قواها :-
” نعم إلتقيت بها وتحدثت معها .. كنت أريد سماع الحقيقة منها …”
سألها بتهكم متعمد :-
” وهل سمعتها ..؟! هل حصلتِ على الحقيقة كاملة يا شيرين …؟!”
ردت متجاهلة تهكمه الصريح :-
” هي أخبرتني إنك عرضت الزواج عليها سرا مقابل التنازل عن الشيكات وهي رفضت لكن هذا كان قبل قرارك بالزواج مني ..”
سألها ببرود :-
” وهل صدقتها ..؟!”
ردت بصدق :-
” ليس تماما .. لا يمكنني الجزم ولكنني ما زلت أشعر إنها تكذب ..”
إلتوى فمه وهو يسألها :-
” وكيف ستتأكدين ..؟!”
همست ساخرة :-
” ماذا يحدث يا عمار ..؟! هل ستبقى تتحدث بهذه الطريقة ..؟!”
قاطعها وقد إشتعلت عيناه كليا :-
” هل تصرفك كان صائبا يا شيرين ..؟! هل الموقف الذي وضعتني ووضعتي نفسك به كان لطيفا ..؟!”
قاطعته بجمود :-
” انت تتحدث عن الإتفاق الذي عرضته على مريم ..”
قاطعها بعصبية :-
” نعم ، الإتفاق الذي رفضته مريم ولم تكتفِ بهذا بل سارعت لتأتي وتخبرني بما طلبتيه منها وهي تتبجج بتصرفات زوجتي التي تدل على عدم ثقتها نهائيا بي وجعلتنا مصدرا للسخرية أمامها …”
إبتلعت ريقها وهي تردد بخفوت :-
” أردت الحقيقة فقط لا غير ..”
إنتفض من مكانه مرددا بصوت غاضب :-
” الحقيقة لن تأخذينها من مريم .. إفهمي هذا .. إستوعبيه ..”
أكمل وهو يشير لها بكفه :-
” مريم تلك التي كنتِ تدافعين عنها رغم الوضع المخزي الذي رأيتها عليه وأصريت على دفاعك ومبرراتك عنها سارعت لتفضحك أمامي دون تردد … لم تفكر لحظة واحدة لتفعل هذا ..”
نهضت من مكانها تسأله بغضب مكتوم :-
” لماذا ..؟! لماذا فعلت مريم هذا ..؟! بالتأكيد هناك شيء ما … انا متأكدة من هذا …”
نظر لها بقوة مرددا :-
” تريد تخريب زيجتنا .. تسعى لذلك بقوة .. زيجتنا هي السبب الذي جعلني أتراجع عن طلبي بالزواج منها … وبالتالي جعلها تخسر الأمل الوحيد للتخلص من تلك الشيكات .. ”
قاطعته تصيح منتفضة :-
” وأنت كيف تفعل هذا ..؟! كيف تعرض الزواج عليها ..؟! كيف ..؟!”
قال ببرود :-
” وأين المشكلة في ذلك ..؟! كانت تعجبني .. فقررت نيلها وهذه الطريقة الوحيدة أمامي …”
هتفت بذهول :-
” و تقولها بهذه البساطة ..؟! هل تعي يا عمار ما تتفوه به ..؟!”
قال بلا مبالاة :-
” نعم ، مبدئيا أنا أتحدث عن شيء حدث قبل عودتنا سويا يعني لا يحق لك محاسبتي .. ثانيا انا مثلي مثل أي رجل .. كان لي علاقات نسائية وكنت أرغب بالنساء ومريم مثلها مثل أي إمرأة ، أعجبتني فقررت الحصول عليها بهذه الطريقة ولكن عند عودتنا سويا وقررت خطبتك أنهيت الأمر كليا …. ألم تخبرك هي بهذا ..؟!”
هزت رأسها وهي تهمس :-
” نعم ولكن ما لا أستوعبه حقا إنك فكرت بها .. بشقيقة زوجتك ..”
صحح لها :-
” طليقتي … ليلى طليقتي يا شيرين والأهم إنك تتحدثين عن زواجي من ليلى وكأنه زواج طبيعي .. بالله عليك لا تعيشي دور الصدمة مما فعلته .. اولا زواجي بليلى كان لسببب محدد وبالتالي لا يمكن إعتباره زواج إعتيادي ولعلمك انا كان لدي علاقات مع العديد من النساء أثناء زواجي منها ..”
جحظت عينيها بينما يضيف بنفس الصراحة :-
” ولا تدعي الصدمة مجددا لسماعك هذا فأنت تدركين إنني لم أكن قديسا أبدا ولدي العديد من التجارب قبلك وسأكررها مجددا ، انت لا يحق لك محاسبتي لإن جميع ما حدث سواء ما يخص مريم او غيرها كان قبل زواجنا بل حتى قبل عرض الزواج نفسه ..”
منحها نظرة أخيرة حادة وهو يردد منهيا الحوار :-
” أتمنى ألا تفعلي هذا مجددا .. تصرفات كهذه لا تليق بك يا شيرين .. عن إذنك .. أحتاج بضع ساعات من النوم بعد يوم عمل طويل ومرهق جدا .. ”
غادر المكان تاركا إياها تتابعه بعينين لامعتين بفعل الدموع الحبيسة التي ملأتها تماما بعد هذه المواجهة التي حدثت بينهما والتي كانت قاسية على مشاعرها …
………………………………………………………..
بالكاد أفاق من صدمته وهو يتقدم نحوها راكضا بعدما إستوعب ما حدث ….
كان صاحب السيارة قد سبقه وهبط من سيارته متجها نحوها بفزع بينما تقدم بعض الناس في الشارع نحوها أيضا ..
إندفع نحوها يصرخ بإسمها ..
كان مرعوبا بشدة وعقله لم يستوعب تماما ما فعلته بنفسها …
رفع وجهها بين ذراعيه يصيح بإسمها بهلع بينما تجمع بعض الناس حوله يتابعون ما يحدث بملامح متأسفة والبعض الآخر وقفوا يتابعون من بعيد عندما أخذ صاحب السيارة يردد :-
” والله هي من رمت نفسها أمامي .. والله الخطأ لم يكن مني …”
عندما تدخل أحدهم يصيح به:-
” دائما ما تقولون هذا .. حسبي الله .. ما ذنب الفتاة لتخسر حياتها بسببك ..”
تدخل رجل آخر يردد بسرعة :-
” الفتاة ما زالت حية على ما يبدو .. سارعوا بإنقاذها أفضل من هذه الأحاديث الجانبية ..”
بدأ صلاح يستعيد إستيعابه عندما سمع ما قاله الرجل الأخير والذي تبعه آخر يؤيده :-
” ليتصل أحدكم بالإسعاف…”
لكن صلاح كان قد أفاق أخيرا من صدمته وإستوعب ما يحدث وما ينتظره وينتظرها فقال وهو يحملها :-
” إنها زوجتي .. سآخذها الى المشفى ..”
قال صاحب السيارة التي إصطدمت بها :-
” ضعها في سيارتي بسرعة ..”
لكن صلاح قاطعه وهو يسير بها نحو سيارته التي كانت تصطف في مقدمة الكراج عندما تبعه حراس كراج الفندق الذين جاؤوا يساعدونه :-
” سآخذها بسيارتي …”
ثم طلب من احد الحراس أن يفتح له السيارة ليضعها في الخلف ويغلق الباب قبل أن يجلس في مقعده يحرك سيارته متجاهلا الرجل الآخر الذي وقف للحظات يتسائل عما يفعله قبل أن يحسم أمره ويركض نحو سيارته مقررا إتباعه فقلبه لن يطمئن حتى يفهم ما حدث رغم إنه لا ذنب له في الحادث وهي من رمت نفسها أمامه …
أخذ صلاح يقود سيارته وأثناء قيادته كان أخرج هاتفه من جيب بنطاله وسارع يتصل بأخيه وهو يتجه نحو المشفى التي يعمل بها ويمتلك جزءا كبيرا من أسهمها في نفس الوقت ..
أخذ يدعو ربه أن يجيب شقيقه على إتصاله فحدث ما أراد عندما أجابه شريف بصوت لا يخلو من التعجب :-
” أهلا صلاح ..”
سأله صلاح بسرعة :-
” أين أنت الآن يا شريف ..؟!”
رد شريف بإستغراب :-
” في المشفى .. ماذا هناك ..؟!”
قال صلاح بسرعة :-
” أنا آتي إليك ..”
قاطعه شريف بعدم تصديق :-
” كيف يعني ستأتي إلي ..؟! متى عدت من الخارج أساسا ..؟!”
هتف صلاح بعصبية تملكت منه :-
” دعك من هذا الآن .. نانسي صدمتها سيارة .. سآتي بها حالا عندك .. ”
” ماذا تقول انت ..؟! حسنا انا في انتظارك ..؟!”
” سأصل بعد قليل .. إنتبه لا أحد يعلم إننا هنا ..”
قالها منهيا حواره عندما زاد من سرعة سيارته وقد ساعدته الطرق التي كانت مفتوحة عموما في هذا الوقت من اليوم فوصل بعد مدة قصيرة قليلا الى المشفى عندما عاد يتصل بأخيه الذي أخبره إنه في طريقه إليه ومعه من يساعده في نقلها الى الطوارئ ليتم فحصها كليا وتشخيص حالتها ومدى خطورتها محذرا إياه ألا يحركها أبدا فربما تكون مصابة بكسر ما خطيرا في أحد عظام جسدها ..
وبالفعل بعد لحظات جاء صلاح ومعه من يساعده من ممرضين عندما تم نقل نانسي الى الداخل حيث الطوارئ ليستقبلها طبيب شاب يعمل تحت إشرافه فيسارع للقيام بالإجرائات المطلوبة في حالتها هذه بينما هتف صلاح بخوف :-
” ماذا سيحدث الآن ..؟!”
هتف شريف الذي كان في وضع لا يسمح له بالتحدث مع أحدهم او مسايرته حيث تركيزه كله منصاب على نانسي الفاقدة للوعي :-
” إخرج انت الآن يا صلاح .. لا يجب أن تبقى هنا ..”
وقبل أن يتحدث صلاح كان يشير الى احد الممرضين :-
“خذه الى غرفتي من فضلك ..”
غادر صلاح على مضض يتبع الممرض بينما بدأ شريف في عمله المعتاد في هذه الحالات مع الطبيب الآخر ..
مر بعض الوقت تم خلالها القيام بالإسعافات الأولية التي تولى الطبيب الآخر أمرها ثم ما تبعه من أشعة وتحاليل بينما بقي شريف ينتظر النتائج عندما تقدم الطبيب نحوه أخيرا فيسأله شريف بقلق :-
” ماذا حدث يا عصام …؟! ما وضعها أخبرني ..؟!”
قاطعه عصام يسأله بجدية :-
” دكتور شريف .. ألم تكن تعرف إن المدام حامل …”
وتلك كانت الصدمة الحقيقة بالنسبة لشريف الذي إستوعب أخيرا ما يحدث وتأكدت شكوكه الأولى عندما قرر شقيقه الزواج بهذه السرعة ..
………………………………………………
كان يسير داخل غرفة شقيقه الخاصة في المشفى ذهابا وإيابا وعقله لا يتوقف عن التفكير وتخيل أبشع السيناريوهات ..
ماذا سيحدث لو ماتت ..؟! هل سيعيش حياته بالكامل يحمل ذنبها فوق رقبته ..؟! كيف ستحمل عذاب الضمير وقتها ..؟!
لعن نفسه ولعن تلك الليلة التي جمعته بها ..
لولا تلك الليلة ما كان ليحدث كل هذا ويصلان الى هنا ..
لقد تدمرت حياة كليهما ..
أغمض عينيه برعب حقيقي وهو يتخيل إنها ستموت .. ستخسر حياتها .. وسيكون هو سبب هذا ..
” يا إلهي ..”
قالها بخفوت وهو يقبض على خصلات شعره البنية المجعدة الكثيفة بأنامله ….
سيطر عليه الإختناق فأخذ يصيح بإنفعال مكتوم :-
” لماذا حدث كل هذا ..؟! لماذا ..؟!”
أكمل بنفس الإنفعال يلومها :-
” لماذا لم تجهضيه ..؟! لماذا إحتفظت به ..؟! لماذا يا نانسي ..؟!”
أخذ نفسا عميقا عدة مرات قبل أن يقول وهو يحاول أن يبعد الذنب من فوق كاهله :-
” كلا انا لست مذنبا .. هي السبب .. هي من تسببت بهذا لنفسها .. هي من أذنبت بحق نفسها .. هو لا دخل له .. لم يخطأ بما فعله .. كان يريد صالحها كما يريد صالحه ..”
توقف عن أفكاره وهو يشاهد دخول أخيه بملامح قاتمة الى المكان ليتقدم نحوه وهو يسأله بلهفة :-
” ماذا حدث .. ؟! ”
ردد بقوة تخفي خلفها غضب مخيف :-
” هل كنت تعلم إنها حامل ..؟”
شحبت ملامح صلاح للحظات قبل أن يهتف بسرعة :-
” لا يجب أن يعلم أحد بهذا من فضلك .. ستكون فضيحة كبيرة في حقها وحقنا ايضا ..”
صاح به بغضب أذعره قليلا :-
” هل هذا ما يهمك الآن ..؟! هذا ما تفكر به في وضع كهذا ..!!”
” انت لا تفهم .. انا أفكر بها قبلي … لا يجب أن يعلم أحد بأمر الحمل .. ستلتصق تلك الفضيحة بها حتى نهاية العمر …”
قالها بجدية ليهمس شريف بقرف :-
” انت حقا تثير إشمئزازي …”
” من فضلك لا تفعل الآن .. أنا أتيت بها الى هنا بسرعة كي تساعدني ..”
أضاف يتوسله :-
” عالج الأمر بسرعة قبل أن تحدث فضيحة لا يمكن السيطرة عليها …”
لم يتحمل شقيقه أكثر فلكمه بقوة على وجهه ليسقط صلاح أرضا والدماء إنفجرت من أنفه ..
مسح أنفه بسرعة ونهض من مكانه يردد بترجي :-
” ارجوك يا شريف .. عالج الأمر من فضلك .. ”
قاطعه شريف بعصبية :-
” ماذا أعالج بالضبط ..؟! انت تخطيت كل الحدود المسموحة بتصرفك هذا …”
أضاف وهو يتأمله بعينين محتقرتين غير مصدقا إلى أي مرحلة من الحقارة والإستهتار وصل شقيقه :-
” أنت حتى لم تسأل عن وضع الفتاة ..!! لم تهتم حتى إذا ما زالت حية أم فقدت حياتها ..! لم تفكر سوى بالفضيحة ..”
قاطعه صلاح يتسائل بتلعثم :-
” ماذا تعني بحديثك هذا ..؟!”
شحبت ملامح وهو يتسائل بخوف تملك منه :-
” هل تعني إنها ماتت ..؟! هل نانسي ماتت يا شريف ..؟!”
منحه شريف نظرة قاتمة ليقبض صلاح على كفه يرجوه:-
” لماذا لا تجيب يا شريف … نانسي حية ، أليس كذلك …؟!”
أبعد شريف كف أخيه من نفور وهو يردد :-
” نعم ما زالت حية … لكن وضعها خطير …”
” كيف يعني ..؟! ماذا سيحدث الآن ..؟!”
سأله صلاح مجددا عندما تنهد شريف يخبره مرغما :-
” الحادث شديد لكن من حسن حظها إنه لم يتسبب لها بنزيف داخلها أو كسور خطيرة .. لكن هذا لا ينفي إن حياتها وحياة الطفلين بخطر …”
هتف صلاح غير مصدقا :-
” قلت طفلين ..؟!”
هز شريف رأسه وهو يؤكد :-
” نعم .. نانسي حامل بتوأم .. ”
أضاف يتسائل ساخرا :-
” ألم تكن تعلم ..؟!”
هز صلاح رأسه نفيا وهو يضيف متسائلا بتوتر :-
” لم تفقدهما إذا ..؟!”
رد شريف بجمود :-
” حتى الآن كلا لكن الخطر عليها وعليهما شديد للغاية ويمكن أن نخسرها لا سامح الله او نخسر أحد الطفلين أو كليهما في أي لحظة ….”
أضاف أخيرا وهو يتنهد بقوة :-
” أتمنى أن تنجو نانسي من هذه الحادثة بسلام .. اما عن الطفلين فلا أعرف ماذا أقول حقا .. يجب أن أدعو لهما أيضا بالنجاة لكنهما لا يستحقان حياة كالتي سيعشينها مع أب مثلك يا صلاح …”
لم يتحدث صلاح عندما أضاف شريف :-
” لكنني سأحاول أن أنقذهما قدر المستطاع فهذا واجبي كطبيب ..!!”
إبتلع صلاح ريقه وهو يهز رأسه متفهما عندما أنهى شريف الحوار :-
” سيتم نقلها الى غرفة العناية حيث ستخضع هي والطفلين الى المراقبة المستمرة حتى نرى ما سيؤول إليه وضعهما ..”
أنهى حديثه وهم بالتحرك خارجا ليذهب عند نانسي عندما قبض صلاح الى ذراعه فنظر له شريف بجمود لينطق صلاح :-
” لا تنسى يا شريف .. ما حدث سيبقى بيننا ..”
رمقه شريف بنظرات باردة وهو يبعد ذراعه من قبضته متجاهلا حديثه خارجا من المكان يتابعه صلاح بقلق بديهي وهو يسأل نفسه :-
” يا إلهي .. ماذا يجب أن أفعل الآن ..؟!”
………………………………………………..
في صباح اليوم التالي ..
كان يقف أمام المرآة يسرح شعره البني الناعم قبل أن يحمل عطره المفضل من إحدى أشهر وأغلى الماركات العالمية فيضع منه فوق عنقه والجزء العلوي من جسده ..
جذب ساعته الثمينة يرتديها ثم هم بإلقاء نظرة أخيره على هيئته ببذلته الرسمية الأنيقة عندما رن هاتفه فحمله ليرى إسم والدته يسطع فوق الشاشة …
أجاب عليها ليأتيه صوتها المعاتب كعادتها :-
” أين أنت يا كنان ..؟! لماذا لا تجيب على إتصالاتي ..؟!”
رد بجدية :-
” صباح الخير يا والدتي العزيزة .. إعذريني لكنني كنت مشغول تماما طوال البارحة ولم أجد الوقت لأتصل بك بعدها …”
قالت بحنق خفي :-
” ألم تجد خمس دقائق لتتصل بي بعد هذا الكم من الإتصالات ..؟!! لا أصدق حقا يا كنان .. ”
أضافت بضيق صريح :-
” لا يجوز ما تفعله حقا .. انا والدتك .. لا يجب أن تتجاهلني مهما حدث ..”
تنهد وهو يردد :-
” حسنا شريفة هانم .. أعدك إنني لن أكررها مجددا … ”
تمتمت بجدية :-
” أنت تسخر مني يا كنان .. أعلم ذلك ..”
قال بحنق :-
” ماذا قلت الآن …؟! مهما قلت لا يرضيكِ .. مالذي يجب أن أفعله بالله عليك ..؟! لا أفهم حقا ..”
أضاف بعدم تصديق :-
” هذا كله لإنني لم أجب على إتصالاتك …”
قاطعته بجمود :-
” بل لإنك تعمدت تجاهلها كما إعتدت أن تفعل …”
قاطعها بحدة خفية :-
” لم أتعمد يا ماما … أنتِ فقط من تعتقدين هذا … ”
زفرت أنفاسها تردد :-
” مرة واحدة فقط إعترف بأخطائك …”
هتف متململا :-
” للأسف هذا أصعب شيء بالنسبة .. إنها عادة موروثة لدينا .. لا نجيد الإعتراف بالإخطاء مثلما لا نجيد الإعتذار وأشياء أخرى ..”
هتفت متهمكة :-
” تقصد إنك ورثت صفاتك هذه مني ..”
ردد وهو يتأمل نفسه بالمرآة أمامه :-
” وكلي فخر لهذا ..”
قالت بتباهي :-
” بالطبع يجب أن تفعل ..أنت إبن شريفة هانم نصار … إسمي لوحده فخر لك وللجميع …”
ضحك بخفة وهو يردد :-
” ارجوك يا ماما لا تبدئي الآن وتتحدثي عن تاريخ عائلتك العريقة الطويل الذي لا نهاية له.. ”
أكمل عن قصد :-
” وإلا سأتحدث حينها عن تاريخ عائلة والدي التي لا تقل أصالة وعراقة عن تاريخ عائلتك ..”
تمتمت متجاهلة ما قاله :-
” على العموم انا إتصلت بك لأطلب منك أن تأتي غدا الى القصر عندنا حيث ستجتمع العائلة على الغداء ..”
أكملت بجدية :-
” لن أسمع أي أعذار .. ستتواجد غدا يا كنان .. لا مفر لك من ذلك …”
رد بجدية :-
” سأفعل يا ماما .. ستجديني قبل الجميع في القصر .. هل تريدين شيئا آخرا …؟!”
غمغمت بخفوت :-
” أتمنى ذلك …”
أنهى مكالمته مع والدته أخيرا ليتنفس الصعداء وهو يخرج مغادرا الفيلا الواسعة التي يسكن بها لوحده بعدما ترك منزل عائلته منذ سنوات طويلة مقررا أن يستقر في منزل خاص به فهكذا أفضل بالنسبة له ..
غادر الفيلا مخبرا الخادمة إنه لن يتناول فطوره الصباحي عندما أشار الى السائق يخبره :-
” إلى مجموعة شركات آل سليمان …”
ثم جلس في الجزء الخلفي من السيارة يقلب في هاتفه متابعا أعماله لكنه توقف عن ذلك بعد قليل وهو يستوعب إن أفكاره لم تكن مع أعماله بل كانت تتمحور حولها ..!!
أخذ ينظر الى الخارج من النافذة يتأمل الشوارع المزدحمة قليلا عندما وصل أخيرا الى الشركة …
فتح السائق الباب له ليهبط من سيارته متجها الى داخل الشركة عندما توجه نحو الطابق الذي يوجد به مكتب المدير للعام والذي يعلم جيدا إنها تستقر به حاليا بدلا من والدها …
تقذم نحو السكرتيرة يعرفها عن نفسه لتنهض الأخيرة مرحبة به بسرعة قبل أن تتجه ركضا لتخبر ليلى عن قدوم كنان نعمان الى الشركة …
بالكاد إبتلعت ليلى صدمتها وهي تهتف بها :-
” دعيه يدخل …”
ثم سارعت تجلس على كرسيها غير مصدقة إنه أتى بهذه السرعة ….
تأملته وهو يتقدم نحوها بملامحه الرجولية الواثقة يمنحها إبتسامة شديدة الرسمية وهو يلقي التحية عليها لتنهض من مكانها وهي تمنحه إبتسامة رسمية تماثل إبتسامته وترد تحيته عندما تأملت يده السمراء الممدودة فوضعت كفها بتردد خفي داخل كفه ليضغط عليه بخفة قبل أن يحرره وهو يتوجه نحو الكرسي المقابل ويجلس عليه بكل ثقة واضعا قدما فوق الأخرى يتأملها بتفحص جعلها تتوتر قليلا لكنها سارعت تسيطر على توترها وهي تجلس مكانها تتسائل مقررة أن تبدأ هي الحديث وليس هو :-
” تفضل كنان بك … ما سبب هذه الزيارة المفاجئة ..؟!”
رد بجدية :-
” لا أعتقد إنها مفاجئة أبدا ليلى هانم فنحن سبق وتحدثنا في الحفلة ..”
قاطعته بسرعة :-
” نعم ولكنني لا أتذكر إنني وافقت على عرضك …”
هتف بدوره بثقة :-
” لكنك لم ترفضِ في نفس الوقت .. ولا أظن إنك سترفضين في وضع كهذا …”
” ماذا تعني بوضع كهذا ..؟!”
سألته بقليل من الحنق ليهتف برزانة :-
” لا تفهميني بشكل خاطئ ولكنني رجل صريح وأظن إنكِ كذلك …”
منحته نظرات واجمة قليلا عندما أضاف :-
” وضع شركتكم سيء للغاية وإذا لم تسارعِ في إنقاذها ستنهار حتميا … ”
سألته بملامح متحفزة :-
” وأنت من سيفعل ..؟! أنت من ستنقذ الشركة ..؟!”
ردد بثقة :-
” بالطبع .. وسأعيدها مثل الأول بل أفضل مما كانت حتى …”
سألته مباشرة :-
” لماذا ..؟! مالذي يجعلك تفعل هذا ….؟! مالذي يدفعك للدخول في شراكة كهذه …؟!”
كان يريد أن يجيبها إنه يفعل ذلك لأجلها لكنه تراجع وهو يردد بغموض :-
” سأحتفظ مبدئيا بأسبابي لنفسي حتى يحين الوقت المناسب ..!!”
رفعت حاجبها تردد :-
” عفوا ..؟! أنا لن أدخل في شراكة معك حتى أفهم مالذي يدفع رجل اعمال ناجح مثلك للدخول في شراكة مع شركتنا التي كما قلت قبل لحظات إنها في وضع سيء تماما وعلى وشك الإنهيار ..!!”
ابتسم بخفة وهو يقول :-
” بم تخصكِ أسبابي وماذا ستغير بالنسبة لك …؟! من المفترض إن ما يهمك هو الإتفاق نفسه وما سينتج عنه وكيف سيتحسن وضع شركتكم من خلالها أما بقية الأشياء فليست مهمة لكِ على ما أعتقد ولن تؤثر في أي خطوة سنخطوها …”
لم تجبه عندما هتف بجدية :-
” فكري جيدا يا ليلى هانم .. صدقيني شراكتك معي ستنقذ شركتكم … أعدك إنك ستلاحظين الفرق خلال مدة قصيرة .. بإمكانك أن تسألي عني وعن مدى نجاح أعمالي وتقدم شركاتي في مختلف المجالات وستدركين إلى أي مدى ستكون هذه الشراكة في مصلحتك ..”
نهض من مكانه يردد أخيرا :-
” سأمنحك وقتا تفكرين به كما إنني سأرسل لك التفاصيل التي تخص الإتفاقية التي ستتم بيننا كي تحددي قرارك بناء عليها .. سأطلب من سكرتيرك حسابك الألكتروني .. حسنا ..”
نهضت من مكانها وهي تغمغم :-
” حسنا …”
منحها إبتسامة أخيره وهو يودعها تاركا إياها تتابعه بنظراته حتى غادر المكان وقد سيطر الجمود عليها كليت للحظات .. جمود تبعه قلق وتوتر كبيرين ..
…………………………………………………
مساءا ..
غادرت الشركة أخيرا بعد يوم طويل قضته تدرس وضع الشركة بالكامل مقررة إنه بات عليها أن تكون أكثر جدية وتتحمل المسؤولية كاملة فوالدها لا ينوي العودة حاليا وبالتالي هي مجبرة على تحمل مسؤولية الإدارة والتصرف كمديرة للشركة حتى يعود هو ويتولى مسؤولية ..
في الواقع ليست متذمرة مما يحدث وإمتناعه عن العودة بقدر قلقها الشديد لقراره هذا والذي تشعر إن خلفه شيء ما .
التغيرات واضحة على والدها ورغم تحسن وضعه الصحي بناء على حديث طبيبه الخاص إلا إنه تصرفاته وكلامه يبثان القلق داخلها …
في الكثير من المرات تشعر إنه يتعمد أن يتحدث معها بتلك الطريقة ويلقي تلك الكلمات على مسامعها مثلما يتعمد ألا يعود للإدارة وكأنه يجهزها ويجعلها مستعدة ل …
منعت أفكارها من الوصول الى تلك النقطة وهي تتجه نحو سيارتها بحركة سريعة وتفتح بابها ثم تجلس خلف المقود بملامح جامدة كليا ..
لا يمكن أن يكون ما تفكر به صحيحا ..
والدها بخير والطبيب طمأنها عليه …
وضعه الصحي جيد ..
بالتأكيد هذه الأفكار من وحي خيالها .. مجرد هواجس لا وجود لها ..
ورغما عنها عادت تفكر بنفس الطريقة فتتخيل خسارتها لوالدها التي لن تقوى على تحملها أبدا ..
ترقرقت الدموع داخل عينيها وهي تتوسل الله سبحانه وتعالى ألا يحدث هذا .. ألا تخسر والدها ..
ليس والدها تحديدا ..
هو تحديدا لن تتحمل فقدانه ..
ليذهب كل شيء الى الجحيم ويبقى والدها حيا ..
شعرت بالإختناق يغزو صدرها وروحها والعبرات أغشت عينيها تأبى الهطول …
ضغطت على زر التحكم بالنافذة لتفتحها فتتنفس الهواء الطلق وهي تأخذ نفسها عدة مرات وتحاول السيطرة على عبرات عينيها المتراكمة..
في تلك اللحظة كانت خائفة بل مذعورة تماما ..
فكرة فقدان والدها تخنقها كليا دون رحمة ..!!
الآن فقط أدركت إن جميع الخسارات قابلة للتعويض عدا الخسارات التي تمس عائلتها …
تراجعت الى الخلف مغمضة عينيها وهي تحاول أن تطرد تلك الأفكار السلبية من رأسها حيث تخبر ذاتها إن والدها بخير ولن يصيبه مكروه بإذن الله ..
فجأة رن هاتفها فجذبته تحمل بقلب مذعور عندما لمحت إسمه …
لم تصدق إنه يتصل وقد بدا وكأنه شعر بحاجتها الماسة لوجود أحدهم جوارها في هذه اللحظة ..
لم تنتظر أكثر وهي تجيبه تهمس بصوتها المختنق :-
” زاهر …”
هتف بهدوء :-
” مرحبا ليلى ..”
همست بنبرة متحشرجة :-
” اهلا زاهر .. ”
أضافت تسأله وهي تجاهد لخنق عبراتها داخل عينيها :-
” كيف حالك ..؟!”
رد بنبرة عادية:-
” انا بخير .. وانت ..؟!”
” بخير ..”
قالتها بخفوت كاذب فهي ليست بخير أبدا عندما حل الصمت بينهما .. صمت إمتد للحظات ..
همست ليلى أخيرا بتردد :-
” سامحني يا زاهر .. لقد أخطأت في حقك ..”
قاطعها بصوته الرخيم :-
” توقفي يا ليلى .. لقد إعتذرت أساسا عن طريق تلك الرسالة التي أرسلتها لي ..”
همست بحزن :
” ولكنك لم تجب عليها .. ظننتك إنك لم تقبل إعتذاري ..”
قال بجدية :-
” لم أقرأها حتى صباح اليوم لكنني أجلت الرد عليكِ لإنني كنت مشغولا قليلا ..”
سألته بإهتمام :-
” هل هناك شيء ما ..؟! ”
قاطعها بجدية:-
” كلا ، أمور عمل فقط لا غير ..”
تمتمت بخفوت :-
” حسنا …”
سألها بجدية وهو يهم بإنهاء :
” هل تريدين شيء ما قبل أن أغلق..؟!”
أرادت أن تخبره إنها تريد رؤيته لكنها تراجعت وهي تردد :-
” كلا .. شكرا لك ..”
أضافت بسرعة تمنعه من إنهاء المكالمة :-
” فقط أردت أن أسألك عن شيء ..”
قال نيابة عنها :-
” تسألين عما حدث بشأن الخطبة .. لا تقلقي .. لقد تحدثت مع والدي وأخبرته بحقيقة الأمر وفعلت نفس الشيء مع والديكِ صباح اليوم ..”
تملكتها الدهشة مما قاله غير مصدقة إنه تصرف بهذه السرعة لكنها همست بنبرة ضعيفة :-
” لم أكن أسأل عن هذا الأمر يا زاهر ..؟!”
سألها :-
” إذا عما كنت ستسألين ..؟!”
هتفت بخيبة :-
” لا شيء .. يعني ليس مهما .. حسنا وداعا ..”
” توقفي يا ليلى ..”
قالها بسرعة قبل أن يسألها بعدها :-
” قولي ما لديك يا ليلى ..”
هتفت بإباء :-
” أخبرتك إنه ليس مهما …”
قال بإصرار :-
” لكنني أريد أن أعرف …”
أكمل بعدها :-
” هل تضايقت مني يا ليلى ..؟! لا أظن إنتي قلت أو فعلت شيئا يضايقك ..”
تنهدت وهي تجيب :-
” كلا لم يحدث هذا .. انا فقط لا يوجد شيء لدي أقوله حاليا .. لا تضغط علي من فضلك ..”
” حسنا .. كما تشائين ..”
قالها وهو يضيف :-
” لكن متى ما أردتِ أن تتحدثي أو تخبريني شيئا ما فلا تترددي في الإتصال به ..”
” بالتأكيد…”
قالتها بعينين محتقنتين وهي تودعه عندما أغلقت الهاتف وتراجعت بجسدها الى الخلف تأخذ أنفاسها مجددا ..
لحظات قليلة وإهتز هاتفها يخبرها عن وصول رسالة فسارعت تفتحها ظنا إن زاهر أرسل لها شيئا ما لكنه وجدته رقما غريبا ففتحت الرسالة لتقرأ ما بها عندما إتسعت عيناها وهي تقرأ محتوى الرسالة :-
” مبارك طلاق نديم يا ليلى .. الساحة باتت مفتوحة أمامك مجددا .. ”
سارعت تتصل بالرقم الذي أرسل الرسالة عندما وجدته مغلقا لتقبض على هاتفها وهي تهز رأسها بعدم تصديق ..
ما معنى هذه الرسالة ومن أرسلها ..؟!
مالذي يحدث بالضبط ..؟!
هل يعقل إن ما قرأته صحيح أم إن هناك أحد ما يتلاعب بها ..؟!
ولو كان هذا حقيقيا فمن له المصلحة في أن يخبرها بشيء كهذا ومن أين علم بهذا الخبر أساسا …؟!
تزاحمت أفكارها للحظات قبل أن تهمس بعينين قاتمتين :-
” عمار …!!”
…………………………………………………
وقفت أمام المرآة تلقي نظرة أخيرة على هيئتها وملابسها المكونة من بنطال جينز يلتصق بجسدها فيبرز أنوثتها الخطيرة فوقه قميص أبيض اللون ذو تصميم جذاب ومختلف بقماشه من نوعية الدانتيل الجذاب والذي يغطي ذراعيها حتى منتصفها ..
شعرها مصفف بعناية ومكياجها متناسق جدا …
تعترف إنها تشعر بالحماس الشديد لهذه الليلة ..
كلا لن تنكر هذا ..
هي تشعر بالحماس الشديد للخروج مع سيادة المقدم المغرور والتعرف عليه عن قرب …
في بادئ الأمر أرادت رفض دعوته لكنها لم تستطع فوافقت في النهاية وهاهي تتجهز للخروج معه بعدما دعاها على العشاء متحججا بهذه الدعوة كإعتذار بسيط عما فعله شقيقه لكنها تجزم إنه يكذب وهذه الدعوة ليست سوى رغبة منه لرؤيتها والتعرف عليها كما ترغب هي … !
ابتسمت وهي تلقي نظرة أخيرة على هيئتها عندما رن هاتفه برقمها فردت عليه ليأتيها صوته الرخيم يخبرها :-
” انا أمام الفيلا ..”
قالت بسرعة :-
” سأخرج حالا ..”
ثم سارعت تحمل حقيبتها وتلقي نظرة أخيرة على نفسها في المرآة قبل أن تغادر غرفتها بحماس ومنه الى خارج الفيلا حيث كان يصف سيارته الى الجانب لتتجه نحوه بينما كان هو ينظر أمامه دون أن ينتبه إليها حتى فتحت الباب ليلتفت بسرعة يتأملها وهي تصعد السيارة وتجلس جانبه بينما تلقي التحية عليه ..
تأملها مبهورا للحظات بجمالها الآخاذ الذي سيطر على الأجواء تماما ونبرة صوتها المميزة مع إبتسامتها العذبة …
كانت ساحرة تماما .. هذا الوصف الدقيق لها ..
رد تحيتها بخفوت عندما نظرت له تبتسم برزانة بادلها إياها وهو يسألها :-
” هل أنت مستعدة للمغادرة ..؟!”
هزت رأسها وهي تجيبه :-
” مستعدة ..”
عاد يسألها :-
” إلى أي مطعم تفضلين أن نذهب ..؟!”
ردت بجدية :-
” ليكن مطعم من إختيارك ..”
رفع حاجبه مرددا :-
” من إختياري أنا …”
هزت رأسها تسأله :-
” هل هناك مشكلة ..؟!”
قال مبتسما :-
” أبدا ولكن ربما لن يعجبك ذوقي في المطاعم ..”
مطت شفتيها وفضولها دفعها لتتعرف على ذوقه في إختيار المطاعم التي يرتادها :-
” لنجرب إذا …”
سألها وهو يميل نحوها قليلا :-
” هل أنت واثقة ..؟! ربما تندمين فيما بعد ..”
ردت وهي ترفع ذقنها بشموخ :-
” انا لا أندم أبدا ….”
منحها إبتسامة خافتة وهو يهز رأسه قبل أن يحرك سيارته منطلقا بها وهو يهتف :-
” جيد إذا .. سآخذك الى أحد المطاعم المفضلة بالنسبة لي بل يكاد يكون أفضلهم عندي …”
نظرت له بحماس سرعان ما خمد وهي تتأمل تلك المنطقة الشعبية التي دخلت بها سيارته الضخمة الراقية
بموديلها الحديث جدا ..
كانت تتأمل الشوارع المليئة بالناس الذين لم تلتق بهم مسبقا وكيف ستلتقي بهم وعالما يتمحور حول فئة معينة من المجتمع ..؟!
همست لنفسها تخبرها إن المطعم ليس هنا بالتأكيد وإن هذه المنطقة هي مجرد مؤدية للمطعم ليس إلا لكن أمالها تبخرت على الفور وهي تجده يصف سيارته على الجانب ويهبط منها لتسارع تفتح باب السيارة وتهبط بدورها تتابعه بذهول وهو يتبادل التحية مع بعض الرجال هناك الذي رحبوا به بحفاوة عندما أشار لها بعينيه أن تتقدم نحوه فسارعت تسير إتجاهه متجاهلة النظرات التي تتأملها بتعجب شديد عندما سارت جانبه متجهة الى داخل المطعم محاولة تدارك صدمتها ..
بعد قليل من الوقت ..
كانت تتأمل المكان حولها بملامح تجمع بين الإستغراب وعدم الإرتياح ..
مطعم شعبي للغاية وجميع من فيه ينتمي لطبقة لا تذكر إنها تعاملت معهم في حياتها ..
الأجواء بدت غريبة للغاية فالمطعم مزدحم للغاية والعاملون يتحركون هنا وهناك يحاولون أن يواكبوا من الزخم في المكان ..
” استرخي في جلستك يا غالية وتذكري إنك من منحتني حرية الإختيار ..”
ردت وهي تعتدل في جلستها وقد بدت من عالم مختلف تماما عن بقية الموجودين في المطعم خاصة بتلك الملابس الراقية التي ترتديها والتي رغم بساطتها تمنحها طلة راقية فخمة لا تناسب بساطة المكان :-
” انا مسترخية .. يعني لا مشكلة عندي .. انا فقط أشعر إنني ..”
صمتت للحظة ليسألها بجدية :-
” إنها المرة الأولى التي تدخلين فيها مكان كهذا صح ..؟!”
أومأت برأسها وقبل أن ترد أتى النادل يضع لمياه أمامها وآخر يتبعه يضع وعائين يحويان حساء العدس…
ابتعد النادلين لتجيب على سؤاله :-
” المشكلة ليست في المكان نفسه .. يعني فقط لو كنت أخبرتني لكنت إرتديت ملابس تلائم المكان قليلا ..”
ضحك مرددا :-
” لا أظن إنك تمتلكين ملابس تلائم هذا المكان من الأساس ..”
زمت شفتيها تردد بعبوس :-
” كنت سأرتدي بنطال جينز مع تيشرت عادي قليلا .. ”
ابتسم يهتف بجدية :-
” المشكلة ليست في الملابس فقط .. المشكلة فيكِ أنتِ يا غالية ..”
سألته بتجهم :-
” كيف يعني المشكلة في أنا ..؟!”
رد بجدية وهو يتأملها بعينيه المتفحصتين :-
” يعني انتِ حتى لو إرتديت ملابس قديمة بالية سوف تبقين كما انتِ .. جميلة ولامعة وحضورك طاغي في أي مكان تدخلينه ..”
شعرت بالخجل مما يقوله فسحبت الملعقة بتردد ترتشف القليل من الحساء دون أن تنتبه على نوعه لتزم شفتيها بعبوس وهي تردد:-
” عدس .. حساء عدس ..”
” ألا تحبينه ..؟!”
سألها وهو يكتم ضحكته من ملامحها النافرة كليا لترد بجدية :-
” لا أطيقه ..”
ابتسم بخفة ثم سألها :-
” هل تريدين أن أغير المكان ..؟! أخذكِ الى مطعم مناسب ..”
قاطعته بجدية :-
” كلا ، سأبقى هنا … أساسا المكان يبدو لطيفا ..”
قالت حملتها الأخيرة كاذبة ليسألها بجدية وقد أدرك كذبها بلمحها واحدة على عينيها :-
” إذا ماذا ستتناولين ..؟!”
ردت بتعجب :-
” ألا توجد قائمة طعام ..؟!”
رد بجدية :-
” توجد لكن ليست مهمة لإن الطعام هنا واضح ومعروف .. إما المشويات او الزر مع اللحم او الدجاج المشوي والكثير من المرق ..”
هتفت ببلاهة :-
” رز ولحم ومرق الساعة التاسعة مساءا ..!!”
كتم ضحكته بصعوبة مرة اخرى لتهتف بخفوت :-
” حسنا .. المشويات لا بأس بها .. ”
” ألا تحبينها ..؟! أخبريني بصراحة .. هل تتناولين المشويات عادة ..؟!”
ردت بصدق :-
” بالطبع أحبها وأتناولها .. أحب الكباب كثيرا ..”
ابتسم وقال بثقة :-
” إذا كوني واثقة إنك ستتناولين أطيب وجبة كباب في حياتك هنا …”
رفعت حاجبها مرددة :-
” سنرى يا سيادة المقدم ..”
أشار فادي الى النادل الذي جاء مرحبا به سعيدا بقدومه قبل ان يطلب منه فادي أن يجلب طبقين من المشويات له ولغالية …
” أنت زبون معتاد هنا ..؟!”
سألته بإهتمام ليرد بجدية :-
” نعم وآتي دائما ..”
سألته بعفوية :-
” كيف تعرف هذه الأماكن والمطاعم ..؟؟ يعني انت ثري و ..”
قاطعها موضحا :-
” انا بطبيعتي أتردد على مختلف الأماكن .. اليوم تجديني في احد ارقى المطاعم وغدا تجديني في مطعم شعبي في منطقة نائية ربما .. طبعا طبيعة عملي ساعدتني على ذلك .. كما إنني أمتلك أصدقاء من جميع الطبقات والأهم إنني أواكب أي مكان مهما كان اختلافه ..”
أضاف بصدق :-
” ولأكن صريحًا فأنا أعشق الطعام الشعبي والمطاعم الشعبية عموما لإن طعامهم رائع ودسم وفيه لذة خاصة لا أشعر بها وأنا جالس ببذلتي في ذلك المطعم الراقي بهدوءه الممل ..”
ابتسمت مرغمة على حديثه ليضيف وهو يغمر لها :-
” اخرجي معي عدة مرات وأعدكِ إنكِ بعدها ستأتين بنفسك الى هنا ولا تجدين اللذة في طعام كالذي تحدينه هنا …”
” لا تكن واثقا هكذا ..”
قالها وهي تنط شفتيها قبل أن تضيف بجدية :-
” انا منحتك حرية اختيار المكان الملائم مع إنه كان من المفترض أنا من أختار ..”
” هل تنكرين إنني سألتك عن المكان الذي تحبين الذهاب إليه ..؟!”
سألها مصطنعا الدهشة لترد بخفة :-
” نعم ولكنكِ أخبرتني أيضا إن هناك مكان رائع معتاد أن تذهب إليه وانا بدوري تحمست و..”
قاطعها ضاحكا :-
” بذمتك أليس المكان رائعا ..؟!”
تأملته بعينيها بعدم اقتناع عندما جاء النادل ووضع طبقي المشويات أماميهما ومعهما السلطان والخبز الحار ..
من حسن حظها إن هناك شوكة موضوعة بجانب سكينة وملعقة فسحبت الشوكة تقطع قطعة صغيرة من الكباب أمامها وتتناوله ليسألها بإهتمام :-
” أخبريني ..؟! كيف الطعام اذا ..؟!”
ردت مرغمة لإن الطعام كان فائق اللذة بالفعل :-
” لذيذ جدا ..”
ابتسم وهو يسحب قطعة من الخبر ويبدأ في تناول الطعام بطريقة بدت لا تشبه طريقتها أبدا بينما أكملت هي تناول الطعام بالشوكة والسكين غافلة عن عيناه اللتين لا تفارقها وهو يتأملها تتناول قطع صغيرة للغاية من الطعام ببطأ فيبتسم مرغما مفكرا إنه صدمها صدمة عمرها عندما أتى بها الى هنا ولكنها رغم كل شيء ورغم إندهاشها حاولت مجاراته وهذا إن كان يدل على شيء فهي ليست مغرورة او متعجرفه كما كان يظن ..!!
هي فقط ذكية وراقية وواثقة بنفسها ..
إرستقراطية بالفترة وجميلة .. جميلة جدا ..
توقف عن أفكاره ينهر نفسه فهو لا يجب أن يفكر بها بهذه الطريقة أبدا ومهما حدث ..!!
………………………………………………………
بعد مدة من الزمن ..
إنتهيا من تناول الطعام الذي وجدته غالية رائعا عندما قال وهو يتأمها مبتسما :-
” أتمنى أن يكون الطعام أعجبك حقا ..؟!”
ردت وهي تبتسم له :-
” جدا .. كان معك حق .. إنه رائع ..”
سألها بجدية :-
” هل تتناولين الشاي معي ..؟!”
هزت رأسها بقليل من التردد عندما أشار فادي للنادل يطلب منه أن يجلب إثنين من الشاي لهما …
عاد ينظر إليها لتشكره :-
” أشكرك حقا على هذه العزومة …”
أضافت بجدية وهي تتأمل الأجواء حولها :-
” كتت بحاجة لهذا النوع من التغيير خاصة بعد الأجواء الأخيرة التي مررت بها ..”
رد مبتسما :-
” على الرحب والسعة ..”
أضاف يسألها بإهتمام :-
” أتمنى ألا تكوني تقصدين بحديثك هذا فراس فأنا شعرت إنك تخطيتِ ما حدث نوعا ما ..؟!”
قالت بسرعة تنفي أفكاره :-
” كلا الأمر لا يتعلق به .. انا بالفعل تخطيت ما حدث ..”
هتف بجدية :-
” يسعدني هذا حقا يا غالية خاصة إنني كنت سببا لما حدث ..”
قالت بجدية :-
” لا تقل هذا من فضلك .. حتى لو كنت سببا فما فعلته كان كافيا لمحو أي ذنب قد تشعر به …”
قال ممازحا :-
” من كان يصدق إننا سنجلس يوما هكذا ونتحدث بهذه الأريحية ..؟!”
هتفت بدورها :-
” في الحقيقة إذا كان هناك شيء فاجئني حقا ولم أصدق إنني سأشهده يوما فهو إبتسامتك…”
رفع حاجبه مرددا :-
” كيف يعني ..؟!”
أجابت بصدق :-
” طوال المرات التي رأيتك فيها لم تكن تبتسم إطلاقا ..هذه أول مرة أراك تبتسم ..”
رد بصراحة :-
“في الحقيقة وجودك لم يكن يروقني وبالتالي كان يصعب علي الإبتسام حتى لو مجاملة …”
منحته نظرة باردة وهي تردد :-
” في الحقيقة وانا كذلك .. أساسا هذا كان واضحا علي وانت بالتأكيد لاحظته ..”
تأمل النادل وهو يضع الشاي أماميهما فيردد وهو يرفعه ويرتشف منه قليلا :-
” نعم كان واضحا ويسعدني …”
سألته بتجهم :-
” لماذا يسعدك …؟!”
رد بجدية :-
” لإنه كان يثبت مدى تأثرك بحديثي الذي كنتِ تنكرينه .. انا كشفت غايتك منذ اول يوم وهذا ما جعلكِ تنزعجين مني …”
هتفت ببرود :-
” ليس تماما .. واقعيا انت لم تكتشف اي شيء .. نعم أدركت إن هناك غاية خلف موافقتي على تلك الخطبة لكنك لم تدرك غايتي وما أخطط له ..”
رد بجدية :-
” من الأفضل ألا نتطرق لهذا الموضوع ..؟!”
رفعت حاجبها وهي تردد :-
” لماذا يعني ..؟!”
تنهد وهو يقول :-
” لإن رأيي بهذا الموضوع تحديدا لن يعجبك ….”
تمتمت بخفوت:-
” لا أنكر إن رأيك صحيح ولكن انا كنت مضطرة وفرحة من شجعتني لهذا ..”
أضافت وهي تطلق تنهيدة :-
” صدقني أحيانا أشعر بالندم لإنني تصرفت بطريقة غير لائقة ولكن عندما أتذكر نتاج هذا التصرف حيث عاد تميم الى حضن والدته تعود الراحة تغزوني …”
سأله سؤالا كان يلح عليه دائما :-
” أليس غريبا أن تهتمي بأمر تميم الى هذا الحد ..؟!”
نطرت له بصمت للحظات قبل أن تجيب أخيرا بخفوت :-
” لإنه ذكرني بأخي الكبير الذي عايش لسنوات طويلة بعيدا عن والده .. وهذا ما آثر بشكل كبير على شخصيته بل وعلاقته بنا وبجميع من حوله ..”
” كنت تخشين أن يصبح تميم مثل أخيك ..”
قالها بصراحة لا تخلو من الجرأة فأجفلت لا إراديا قبل أن تهز رأسها بصمت عندما قال بصدق :-
” لا أعلم ما هو عليه أخيك الآن تماما لكنني بشكل أو بآخر أصبحت شبه متأكد إن الأهل وتحديدا الأب والأم سببا رئيسيا في ما يعايشه أولادهم من مشاكل وما يصبحون عليها من نسخ مشوهة مستقبلا …”
” معك حق .. العائلة تتحمل مسؤولية هذا بشكل كبير …”
قاطعها بخفوت :-
” ولكن هذا ليس مبررا كافيا لتصرفاتهم السيئة … والدليل إن هناك من ينشئون وسط أقذر العائلات ومع هذا يكبرون كأشخاص أسوياء دون أن تتأثر نفوسهم بماضيهم وحتى لو تأثروا نفسيا فليس من الضروري أن يتسببوا بإيذاء من حولهم …”
” تتحدث وكأنك تعايش. تجربة مماثلة …؟!!”
قالتها بجدية ليبتسم مرغما وهو يقول :-
” هذا صحيح …..”
أرادت أن تسأله إذا ما كان يقصد فراس أم غيره لكنها تراجعت عن ذلك عندما باغتها قائلا :-
” لكن رغم كل شيء يظل أخيك .. لا تنسي هذا … ولا تنسي إن أخوتكما تجعل محاولة تقويمه وإصلاحه واجب عليك …”
هتفت بصدق :-
” سنوات وأنا أحاول ذلك … منذ أن كان والدي حيا .. ولم أجد أي نتيجة أو إستجابة ولو بسيطة …”
قال بثقة ؛-
” لا بد أن يأتي يوم ويدرك قيمتك عندما يتذكر مواقفك الجيدة معه وحينها سيتغير …”
قالت بحسرة :-
” لقد فات الآوان … للأسف لم يعد هناك مجال لذلك …”
هتف بإصرار على موقفه :-
” لا أحد يعلم ما سيحمله المستقبل .. المهم أن تتمسكي بموقفك وتسعي دائما لتذكيره برابط الأخوة بينكما ….”
ابتسمت مرغمة وهي تردد :-
” انت تتحدث هكذا لإنك لا تملك أخوة من أم ثانية .. عمار لإنه من أم ثانية لا يرانا أخوته … يعتبرنا غرباء …”
أضافت بجدية :-
” ليت والدي بقي مع والدته ولم يطلقها … ليته لم يفعل ما فعله .. ما كنا سنصل الى هنا …”
” والدتك كانت الثانية إذا..؟!”
هزت رأسها وهي تتأسف داخلها فهي لطالما كرهت الزوجة الثانية وكانت تكره أي إمرأة تأخذ رجلا من زوجته وحتى بعدما أدركت إن والدتها تزوجت والدها وهو متزوج غيرها لم تتغير نظرتها تلك رغم حبها الشديد لوالدتها لكن مبادئها كانت ثابتة وربما هذا ما يجعلها تنظر الى والدتها بلوم في بعض الأحيان لكنها تتجاهل هذا بعدها وهي تذكر نفسها إنها والدتها التي تحبها وعليها أن تتجاهل تلك الحقيقة المرة فقط لإنها والدتها ..
……………………………………………..
تقدمت نحو أخيها الذي كان يعمل على حاسوبه فسألته بجدية :-
” هل أطلب من الخادمة تجهيز العشاء لك …؟!”
رد نضال وهو يرفع نظره من فوق حاسوبه نحوها :-
” شكرا يا حنين .. لكنني لا أتناول الطعام ليلا عادة ..”
هزت رأسها عندما عادت تسأله :-
” متى يفترض أن تصل والدتي الى هناك ..؟!”
رد وهو ينظر الى ساعة يده :-
” بعد حوالي ستة ساعات تقريبا ..”
همت بالتحرك عندما تقدم والدها يبتسم لهما فبادلته إبتسامته وهي تلقي نفسها بين أحضانه عندما تمتم بخفة :-
” صغيرتي الجميلة …”
ضحكت برقة بينما هتف وهو يشير إليها :-
” تعالي وإجلسي .. هناك شيء هام أريد إخبارك به… كما إن أخيك هنا وهو يجب أن يعرف ما سأقوله ..”
تسائل نضال بحيرة :-
” ماذا هناك ..؟!”
جلست حنين جانب والدها الذي قال بجدية :-
” هناك شاب تقدم لخطبة حنين ..”
علت الدهشة ملامح حنين بينما هتف نضال بإهتمام :-
” حقا ..؟؟ من هو ..؟!”
رد أشرف بجدية:-
” إبن صديقي محمود … لقد تحدث معي وأخبرني برغبة إبنه الصغير بخطبة حنين …”
أكمل بجدية وهو يتأمل ملامح ابنته الصامتة :-
” انا بالطبع لست موافقا ولكنني يجب أن أخبرك بكل الأحوال فمن حقك أن تعرفي بأمر كهذا كونه يخصك ..”
سأل نضال مجددا :-
” لماذا لست موافقا ..؟! هل الشاب سيء …؟!”
قال أشرف بسرعة :-
” إطلاقا .. إنه شاب ممتاز .. لكن حنين ما زالت صغيرة حدا .. هي لم تتجاوز عامها التاسع عشر .. ما زال الوقت مبكرا على الخطبة ..”
هز نضال رأسه متفهما قبل أن يسأل حنين :-
” ما رأيك أنت يا حنين ..؟! ”
ردت بجدية :-
” كما قال والدي .. انا ما زلت صغيرة .. ما زال الوقت مبكرا جدا على الإرتباط …”
ابتسم أشرف يربت على كتفها :-
” أحسنتِ صغيرتي .. الآن فكري في مستقبلك ودراستك .. جامعتك ستبدأ بعد أيام قليلة وكل شيء عدا هذا ليس مهما الآن ..”
نهض من مكانه وإستأذن متجها الى غرفته للراحة عندما نظرت حنين بطرف عينيها الى نضال الذي كان يتأملها بنظرات مريبة فسألته :-
” هل هناك مشكلة ما يا نضال ..؟!”
” ليست مشكلة .. فقط هناك نصيحة صغيرة سأقولها ..”
نظرت له بإهتمام عندما قال بجدية :-
” من لا يشعر بك لا يستحق أن تمنحينه ولو جزءا صغيرا جدا من مشاعرك .. مشاعرك غالية فلا تمنحينها إلا لمن يستحقها ويقدرها ويدرك قيمتها جيدا ..”
تلعثمت وهي تهتف :-
” لم أفهم .. لماذا تقول هذا الآن ..؟! انا ..”
قاطعها بإقرار :-
” كرم .. ”
اتسعت عيناها بهلع عندما اضاف :-
” تعرفين إنني صريح ولا أجيد المراوغات ..”
أضاف بتمهل :-
” انت أختي وأنا من حقي أن أخشى عليك مثلما من واجبي نصحك وتوجيهك …”
نظرت له بإهتمام فقال عن قصد :-
” مهما بلغت قوة مشاعرك لشخص ستتخطينها يوما ما طالما مشاعرك تلك لا تجد صدى مقابلا لها …”
همست بتلعثم وقد أحرجها إنها باتت مكشوفة أمامه :-
” أنا … أنا لا أهتم أساسا و ..”
ابتسم بخفة مرددا :-
” من الجيد إنك لم تنكري …”
قاطعته بصدق :-
” لم أرتكب شيئا مشينا لأنكره .. ”
أضافت وعيناها تلمعان بقوة :-
” مشاعري نحوه ليست إثما او شيئا سيئا أخجل من الإعتراف به أو أسعى لإخفائه …”
تنهد وهو يردد بصدق :-
” بالطبع يا حنين .. إنظري إلي .. أنت ما زلت صغيرة .. صغيرة جدا .. مشاعرك ليست ثابتة إطلاقا .. ستتغير تلك المشاعر وسيأتي اليوم الذي تكتشفين فيه إن مشاعرك تلك لم تكن بتلك القوة التي تعتقدينها ..”
همست بخفوت :-
” أتمنى ذلك حقا …”
أضافت وهي تبتسم بعذوبة :-
” شكرا يا نضال .. ”
هم بالرد لكنه توقف وهو يسمع صوته يتردد قريبا منهما لتتجهم ملامحه كليا بينما يسيطر التوتر على ملامح حنين خاصة عندما وجدته يتقدم منهما مبتسما بخفة وهو يردد :-
” جئت لتوديعكم قبل السفر ..”
أضاف وهو ينظر نحوها بإهتمام :-
” كيف أصبحت يا حنين ..؟!”
ليأتي رد أخيها الذي وقف مواجها له كدرع حامي لمشاعرها التي إضطربت كليا :-
” حنين بخير يا كرم .. ما حدث في حفل الزفاف مجرد نوبة إعتيادية ومرت بسلام ..”
ابتسم كرم مرددا بنبرة ودودة :-
” حماك الله يا حنين والحمد لله على سلامتك ..”
إحتقنت ملامحها وهي تردد بخفوت :-
” شكرا ..”
لكن سرعان ما سيطرت الصدمة على ملامحها وهي تسمعه يردد :-
” هل يمكننا التحدث على إنفراد ..؟!”
نظر نضال نحوه يسألها بقوة :
” ماذا هناك يا كرم لتتحدث عنه على إنفراد ..؟!”
همس كرم مستنكرا :-
” أريد أن أخبر حنين بشيء يخصها و ….”
قال نضال بحنق :-
” وهل أنا شخص غريب …؟! انا أخيها .. يمكنك أن تتحدث ..”
تسائل كرم متفاجئ من نبرة ابن عمه العدائية :-
” ماذا يحدث يا نضال ..؟!”
قالت حنين بسرعة تحاول السيطرة على الوضع :-
” تحدث يا كرم .. أسمعك …”
هم كرم بالتحدث لكن أوقفه صوت رنين جرس الباب عندما تأمل ثلاثتهم الخادمة وهي تتقدم لتفتح الباب ..
تصنم نضال مكانه وسيطرت الدهشة تماما على حنين وهي تتعرف على المرأة التي أتت الى منزل والدها فهي لم تكن سوى طليقة والدها وأم أخيها ..
السيدة إنتصار العمري ….
…………………………………………….
في قصر عائلة الهاشمي ..
تمددت على سريرها بملامح مرهقة بعد قضائها يوما كان مرهقا الى أكبر حد …
منذ الصباح وهي تتألم والغثيان يسيطر عليها ..
أطلقت تنهيدة طويلة وهي تضع كفها على بطنها وذلك الألم في معدتها يعود مجددا …
لحظات قليلة والألم بدأ يزداد ورغبتها بالتقيؤ ازدادت بقوة حتى نهضت من مكانها مسرعة متجهة نحو الحمام لكن قبل أن تصل الى المغسلة كانت تسقط أرضا حيث فرغت ما في جوفها على ارضية الحمام المرمرية ..
تقيأت اكثر من مرة حتى شعرت إن معدتها فرغت تماما من كل شيء ..
بالكاد نهضت من مكانها والدوار سيطر عليها تماما عندما خرجت من الحمام تستند على الحائط وألم معدتها ورغبتها في التقيؤ تزداد …
أطلقت صرخة فزعة وهي تستمع صوت إرتطام الفازة الموضوعة جانبها بعدما إرتطم كف يدها بها دون قصد ليسمع هو صوت صرختها عندما كان مارا جانب جناحها متوجها الى جناحه …
وقف للحظات ينظر الى باب الجناح المغلق بتردد وعقله يخبره أن يغادر لكن صوت صرختها في هذا الوقت بعد منتصف الليل أقلقه فقرر أن يدخل ويرى ما يحدث ..
لم تنتبه إليه وهو يتقدم نحوها بل لا تعلم متى جاء أصلا حيث سألها بقلق عما يحدث ..
انتفض جسمها في موجة بكاء عارمة سيطرت عليها وما حدث أوجعها كثيرا …
شعرت به ينحني نحوها يسألها بقلق مضاعف وهو يستمع الى أنينها الخافت :-
” جيلان ..! أنت بخير ..؟!”
شعر بإرتجاف جسدها فسارع يحملها بين ذراعيه متجها بها حيث السرير ..
وضعها على السرير الذي شعرت به باردا للغاية هذه المرة قبل أن ينحني مجددا نحوها يسألها بإهتمام :-
” ماذا حدث ..؟! هل تناولت شيئا من الخارج ..؟! ”
أجابته وهي تمسح دموعها :-
” أبدا … لم أتناول شيئا منذ الصباح .. ”
اومأ رأسه بتفهم قبل أن يقول بجدية :-
” سأجلب لك دواء من الأسفل تتناولينه…”
لكن قبل أن ينهي كلماته كانت تنتفض من مكانها مجددا تتجه نحو الحمام تفرغ ما يحتويه جوفها من جديد …
تأملها وهي تخرج من الحمام بملامح شاحبة مرهقة تستند بكفها على الحائط جانبها وكفها الآخر موضوع فوق بطنها …
هتف بسرعة وهو يخرج هاتفه :-
” سأتصل بالطبيب ليأتي ويراكِ …”
ثم تذكر إنه لا يعرف رقم طبيب العائلة فغمغم بملامح عابسة :-
” سأذهب الى راغب وأخذ منه رقم الطبيب ..”
خرج تاركا إياها تجلس على السرير بضعف وألم قبل أن تجد الباب يفتح مجددا حيث دخل مهند تتبعه زوجة راغب التي تقدمت نحوها بقلق تسألها عما تشعر به …
” سيأتي الطبيب حالا ..”
قالتها وهي تربت على شعرها بحنو بينما يجاور مهند أخيه راغب الذي أخذ يراقب ما يحدث بصمت رغم قلقه من أن تكون الفتاة تعاني من مشكلة ما …
جاء الطبيب أخيرا ليبدأ في فحصها بوجود زوجة راغب بينما خرج كلا من راغب ومهند من الجناح ..!!
خرج الطبيب أخيرا من الجناح يتأمل كلاهما بصمت قبل أن يسأل :-
” كم عمرها ..؟!”
تعجب مهند من سؤاله لكنه أجاب بجدية :-
” في السابعة عشر من عمرها ..”
عاد الطبيب يسأله بفتور وقد خمن هويته :-
” أنت زوجها ، أليس كذلك ..؟!”
اومأ مهند برأسه وشعور القلق تضاعف داخله بينما عاد الطبيب يلقي نظرة متأسفة عليها قبل أن يشير الى مهند بضيق خفي :-
” الفتاة حامل .. ”
تجمدت ملامحه تماما بينما رمقه الطبيب بنظرات نافرة فكيف لشاب في عمره أن يتزوج من مراهقة لم تبلغ سن الرشد حتى ..؟!
” لا داعي أن أخبرك إن عمرها الصغير وجسدها الصغير يحتاج الى رعاية خاصة … ”
لم يكن يسمع ما يقوله الطبيب بل عيناه كانتا تنظران أمامه بجمود بينما راغب لم يكن منتبه من الأساس لنظرته حيث صدمته بما سمعه سيطرت عليه تماما …
خرج مهند يودع الطبيب بملامح محتقنة قبل أن يرى راغب يرمقه بنظرات مشتعلة وأول ما خطر على باله بعدما علم بحمل جيلان هو موقف عمار وما سيفعله بعدما يدرك ما حدث وما فعله أخيه الأحمق والذي فشل في الحفاظ على الفتاة الصغيرة رغم تحذيره عدة مرات وإخبارها مرارا وتكرارا إن الفتاة أمانة في رقبته …
اما في الداخل وقت همسة مكانها متصنمة بعدما سمعت ما أخبر الطبيب به زوجها وشقيقه بينما لم تكن جيلان سمعت شيئا حيث كانت مرهقة تماما عندما همست تخبر همسة :-
” أريد النوم .. انا مرهقة جدا ..”
بالكاد سيطرت همسة على صدمتها وهي تتجه نحوها تساعدها في النوم حيث دثرتها جيدا وهي لم تستوعب بعد متى حدث هذا وكيف هي حامل طوال هذه المدة ولم يشعر أحد …
لكنها تذكرت إن جيلان ما زالت صغيرة والفترة السابقة عانت من عدة أشياء لذا من الطبيعي ألا تدرك إنها حامل فهي لا تفهم بالطبع الأعراض التي كانت تصيبها …
خرجت من الجناح بملامح يملؤها الحزن وهي تتخيل صدمة الفتاة المسكينة بهذه الحقيقة المرة عندما وجدت زوجها واقفا قرب الجناح بملامح جامدة فتقدمت نحوه تنظر له بخيبة عندما عاد مهند إليهما لترمقه همسة بنظرات شديدة اللوم تجاهلها وهو ينظر الى راغب مرددا بخفوت :-
” راغب انا …”
لكن سرعان ما صفعه راغب على وجهه بقوة لتشهق همسة بصدمة بينما يضع مهند كفه على جانب وجهه مكان الصفعة وهو ينظر الى أخيه بعينين تشكلت الدموع داخلهما لأول مرة ..
…………………………………………………….
كان يهم بالخروج من شقته لينهي بعض الإجرائات التي تنتظره عندما فوجئ بها تقف أمام باب شقته ما إن فتح الباب لتتسع إبتسامتها وهي تهتف بسعادة :-
” صدفة جميلة …”
ثم دفعته وهي تتقدم الى داخل الشقة ليتبعها بعينيه قبل أن يتقدم نحوها تاركا الباب مفتوح :-
” ماذا تفعلين هنا ..؟!”
إلتفتت تنظر إليه تهتف بنبرة معاتبة :-
” لم أتوقع هذا الإستقبال منك يا نديم .. كن ألطف قليلا على الأقل ..”
قال ببرود :-
” إنظري إلي .. لست فارغا لهذه التفاهات .. غادري فورا هيا ..”
هنفت بتحدي :-
” وإذا لم أفعل …”
منحها نظرات قاتمة قبل أن يقول :-
” إبقي هنا كما تريدين .. سأغادر أنا .. ”
هم بالتحرك عندما سارعت تركض نحوه تقبض على ذراعه ليبعد قبضتها من فوق ذراعه بنفور ..
” أنتِ ماذا تريدين بالضبط يا هذه ..؟!”
سألها بحنق وهو يضيف :-
” هل أنت مجنونة …؟!”
همست وعيناها تتأملانه بجنون حقيقي :-
” نعم مجنونة … مجنونة بك ”
همس وهو يهم بدفعها :-
” توقفي بالله عليك .. لا ينقصني سوى هذا الآن ..”
همست وعيناها السوداوان غرقت رغما عنها في زرقة عينيه :-
” تمتلك عينان رائعتان حقا … تجببرانني على الغرق فيهما ..”
قاطعها وهو يبعدها برفق :-
” ماذي من فضلك ..”
همست وهي تقترب منه أكثر تغويه بملامح فائقة الأنوثة ورائحة عطرها القوية تخترق حواسه :-
” ماذا حدث الآن ..؟! انت لم تعد مرتبطا … انت حر الآن …”
مد كفه فوق ذراعها يدفعها بتمهل لتقبض على كفه وتسحبه فوق موضع قلبها تهمس بصوت شديد النعومة :-
” وضعت يدك هنا فوق قلبي كي تشعر بنفسك بتلك الخفقات العالية فيه .. نبضاته تقرع كالطبول …”
مالت نحوه أكثر تراهن على هذه اللحظة الفاصلة .. ستجعله يستسلم مجبرا لا مخيرا فهي تمتلك من السحر والإغواء ما يجبره هو وغيره على الخضوع دون مقاومة …
” أنا أريدك .. كلا ليس هذا فقط .. انت ..”
صمتت تدعي التردد قبل أن تقول بتلعثم كاذب :-
” انا أغرمت بك منذ اللحظة الأولى .. قد يكون ما أقوله غريب وغير منطقي .. مفاجئ ولكنه حقيقي .. انا أحبك يا نديم …”
لحظات قليلة مرت وهي تنظر إليه بقوة وسحر آخاذ حيث تحاوط وجهه بنظراتها شديدة الجاذبية والتأثير عندما فوجئت به يهمس ببرود أشعل غيظها :-
” هل إنتهيت ..؟!”
تراجعت الى الخلف قليلا فأكمل وهو يشير نحو الباب :-
” يمكنك أن تغادري الآن …”
إبتعدت خطوتين ونظراتها تكاد تحرقه حيا من شدة الغضب لتهمس من بين أسنانها :-
” ما بالك أنت يا هذا ..؟! من تظن نفسك ..؟! لماذا تتصرف وكأنك قديس ..؟!”
رد بجمود :-
” كلا انا لست قديسا .. بل على العكس تماما .. انا شخص مليء بالأخطاء …”
صمت قليلا ثم قال :-
” هل تعلمين إن أحد أعظم أخطائي التي إرتكبتها ولم أسامح نفسي عليها يوما ولن أفعل هو معاشرتي لإحدى العاهرات .. ”
شحبت ملامحها عندما أضاف بقوة :-
” كان خطئا جسيما لم ولن أسامح نفسي عليه ولا أنوي تكراره أبدا …”
أنهى كلماته وهو يشلمها بنظرة واضحة التفسير عندما تشنجت ملامحها بغضب شديد وقبل أن تنطق كانت حياة تطرق على الباب بخفة قبل أن تمد رأسها نحو الداخل وهي تنادي :-
” هل أنت هنا يا نديم ..؟!”
ليلتفت كلاهما نحوها بصدمة لم تقل عن صدمتها عندما رأتهما هي بدورها ..

ظلت واقفة مكانها للحظات تنظر إليهما بثبات غريب وملامحها صامتة تماما لا تظهر أي إنفعال كما هو متوقع ..
كلاهما كانا ينتظران ردة فعلها …
ماذي تتوق لردة فعل منطقية .. تريدها أن تغضب وتثور وتتهمه بالخيانة وستعزز هي ذلك وقتها وتنال مرادها …
اما نديم فكان يترقب .. ملامحه هادئة تماما .. عيناه ثابتتان … كل شيء به يتسم بالهدوء الظاهر وكأن وجود ماذي معه في شقته أمرا عاديا ..
كان يتقصد إظهار هذا … لن يسارع ويبرر او يشرح سيكتفي بهدوء تام وبساطة في التصرف لكن داخله هو ينتظر .. يترقب ويخشى من ردة فعل ستهدم رباطا آخرا بينهما ..
فلو ظنت حياة به السوء هذه المرة ستكون قتلت شيئا جديدا بينهما …
هو لن يتجاوز الجرح الذي سببته له بإصرارها على تركه دون تراجع أو تفكير كي يتقبل شكوكها به إو إتهامه بالخيانة ..
إذا فعلت هذا فستكون قضت على أهم شيء يشعر به نحوها ..
الإحترام والإعجاب وسيفهم حينها إنها لم تعرفه يوما .. لم تفهمه بما يكفي وربما لم تحبه أيضا كما تدعي وتعتقد هي ..!!
وأخيرا نطقت بهدوء بدا مترسخا في نبرة صوتها ونظرات عينيها العادتين تماما :-
” مرحبا ..”
أضافت وهي تشمل ماذي بنظراتها :-
” أهلا ماذي .. غريب .. ماذا تفعلين هنا ..؟!”
أضافت تبتسم بشكل بدا طبيعي جدا :-
” ألم تخبرك جينا إنني تركت الشقة هنا ..؟!”
تلعثمت ماذي للحظة وقد خاب ظنها تماما وهي التي كانت تنتظر ردة فعل معاكسة ..
سرعان ما سيطرت على تلعثمها وهي تجيب بنفس الإبتسامة التي تحمل خلفها طيا من الخبث شعرت به حياة لأول مرة :-
” أتيت لأتحدث مع نديم …”
أضافت وهي تلمس ذراعه بكفها :-
” شعرت إنه بحاجة الى الصحبة بعد إنفصالكما ..”
حافظت حياة على إبتسامتها وهدوئها :-
” لم لا ..؟! أمرٌ جيد .. جميعنا نحتاج الى الرفقة خاصة عندما نعايش فترات صعبة …”
أبعد نديم كف ماذي برفق كي لا يجذب إنتباه حياة وهو يردد ببرود متجاهلا قدوم حياة :-
” عن إذنكما .. لدي عمل هام يجب أن أنجزه ….”
أضاف وهو يشير الى حياة :-
” يجب أن أغادر الآن …”
لكنها قاطعته فورا :-
” نديم إنتظر لحظة …”
توقف مكانه دون أن ينظر نحوها فأشارت هي الى ماذي تمنحها إبتسامة باردة تماما هذه المرة :-
” يمكنك المغادرة أنت يا ماذي .. أريد التحدث مع نديم بأمور خاصة بيننا ..”
هزت ماذي رأسها بنفس البرود وهي تتحرك خارج الشقة دون أن تنبس بكلمة واحدة عندما نظر نديم أخيرا نحوها يسألها ببرود مقصود :-
” نعم ..؟!!”
سألته بتردد :-
” كيف حالك ..؟!”
رد بنبرة عادية :-
” جيد .. ”
تنحنت تهتف بحرج :-
” أتيت لجمع أغراضي و …”
قاطعها مدعيا عدم الإهتمام :-
” حسنا .. الشقة مفتوحة أمامك .. إفعلي ما تشائين …”
أضاف عن قصد :-
” حاولي ألا تتركي شيئا أبدا لإنني سأغادر الشقة خلال أيام …”
سألته بإهتمام :-
” لماذا ستترك الشقة ..؟!”
رد ببرود :-
” سأعود الى البلاد .. ”
كادت أن تخبره إنها ستفعل لكنها تراجعت وهي تكتفِ بهزة من رأسها عندما هم بالتحرك لتوقفه مجددا :-
” نديم …”
أخذ نفسا عميقا ثم إستدار نحوها يرمقها بعينيه وهو يسأل :-
” نعم يا حياة …؟!”
تسائلت بإرتباك:-
” متى أتت ماذي ..؟!”
رد بحزم :-
” منذ قليل ..”
أضاف وعيناه تنظران إلى عينيها بقوة :-
” إذا كان لديك أسئلة أخرى فلا داعي لطرحها لإنني لن أجيب عليها ..!!”
سألت بملامح شاحبة :-
” ماذا تعني ..؟! انا لا أفهم ..”
رد بتهكم :-
” انتِ تفهمين .. مثلما أنا أفهم عليك جيدا … أدرك ما يجول داخل عقلك وإلى أي منحنى تتجه أفكارك ورغم هذا فأنا لن أبرر ولن أشرح أي شيء لإنكِ لا تمتلكين الحق أساسا في الحصول على أية مبررات منتظرة …”
إحتقنت ملامحها وهي تهمس ببحة متألمة :-
” هل إنتيهت ..؟!”
لم يجبها بل بقي يتابعها بصمت عندما أضافت :-
” لا أحب طريقتك هذا .. لا تفرغ غضبك مني بهذه الطريقة ..”
هم بالتحدث فأوقفته بحزم :-
” لا تتحدث من فضلك .. لا تقل شيء يدمر ما بيننا أكثر …”
إبتسم هازئا وهو يقول :-
” لم يبقى بيننا شيئا سليما كي يُدمر ..”
إبتلعت غصتها وهي تهتف :-
” عليك أن تعلم إن سؤالي ليس للدافع الذي تعتقده أبدا .. انا أعلم إنك لست كذلك .. ”
تنهدت وهي تسترسل :-
” سألت فقط لإنني إستغربت وجودها بهذه السرعة فيبدو إنها سارعت تركض إليك ما إن علمت بأمر إنفصالنا …”
سألها عاقدا حاجبيه :-
” أنت من أخبرتها ، أليس كذلك ..؟!”
ردت بحذر :-
” ليس تماما .. كانت تتصل بي بإستمرار وانا لم يكن لدي مزاج يسمح للرد عليها فردت جينا عليها وأخبرتها بإختصار عما حدث ..”
أردفت بجدية :-
” توقعت إنها ستفعل ذلك ..”
نعم توقعت لا تنكر بعدما أخبرتها جينا عما شعرت به أثناء مكالمة ماذي ومعرفتها بخبر الإنفصال فأخذت تراجع تصرفات ماذي منذ البداية وتتذكر رأي نديم بها وضيقه من وجودها في حياتهما وما تبعه من ذلك حتى شعرت إن تلك الفتاة ليست لطيفة كما إعتقدت وقد أكدت لها رؤيتها اليوم شعورها هذا ..
” انا رغم كل شيء حدث بيننا أثق بك .. أعلم إنك لست من هذا النوع ولن تكون ..”
” أي نوع …؟!”
سألها وهو يلوي فمه بتهكم لاذع لترد بجدية متجاهلة تهكمه :-
” يعني انت لا تركض خلف النساء ولا تسارع لرمي نفسك بين أحضان أول أنثى تطرق بابك … لست من النوع الذي ينجرف في علاقات عابرة مع ماذي او غيرها … انت لست هكذا أبدا …”
قال بجمود :-
” من الجيد إنكِ ترين بي صفة جيدة كهذه …”
قالت بصدق وعيناها لمعتا بعشق يحتل كل إنش من خلاياها :-
” انت مليء بالصفات الجيدة … انت رجل رائع وأقرب للمثالي …”
همس وهو يمنحها نظرات لائمة :-
” و لهذا تركتني …؟!”
ردت بألم نبع من عينيها البنيتين :-
” ربما المشكلة تكمن بي … الخلل عندي وليس عندك … ”
ردد بقسوة :-
” نعم ، ربما هكذا بالفعل …”
هزت رأسها تبتلع دموعها التي كانت على وشك الهطول عندما هتفت مغيرة الموضوع :-
” ماذي رهيبة .. لم تنتظر يومين حتى على مغادرتي الشقة لتأتيك راكضة ..”
هتف يقلدها بتهكم :-
“لماذا تقولين هذا ..؟! إنها فتاة مسكينة حقا وليست سيئة كما تبدو …!!”
منحته نظرة جامدة وهي تردد:-
” أخطأت في ذلك … جل من لا يُخطئ…”
هتف ببرود :-
” معك حق .. الجميع يخطئ دون إستثناء .. ”
أضاف يبتسم بإقتضاب :-
” من الجيد أدركت خطئك أخيرا عسى ولعل تدركين البقية …”
أكمل يرمقها بثبات ونظرات مقصودة تماما :-
” لكن إنتبهي .. هناك أخطاء لا يمكن تصحيحها بسهولة .. لذا كوني حذرة وأنت ترتكبين أخطائك القادمة يا حياة ..!!”
رمشت بعينيها وهي تردد :-
” اخطائي القادمة ..؟!! لن يكون هناك أخطاء قادمة بإذن الله ..”
أضافت تسأله :-
” هل ستعود الى البلاد حقا ..؟!”
اومأ برأسه وهو يجيب :-
” نعم ، سأعود خلال أيام كما ذكرت منذ قليل .. ”
هزت رأسها بتفهم ليضيف بجدية :-
” هل يمكنني المغادرة الآن أم إن هناك شيئا أخر ..؟!”
نظرت إليه للحظات قبل أن تهز رأسها نفيا عندما هم بالمغادرة لتنادي عليه فيتوقف للحظات قبل أن ينظر نحوها فتهمس بنبرة ضعيفة :-
” انا أيضا سأعود الى البلاد قريبا جدا …”
تلاقت نظراتهما للحظات … لحظات قليلة قطعها وهو يبعد عينيه عن عينيها ويكتفي بإيماءة مختصرة من رأسه وهو يغادر الشقة لتبقى هي وحدها في أركان الشقة التي عاشت بها معه لشهور قليلة تدرك جيدا إنها لن تنساها أبدا وستبقى مطبوعة في قلبها وذاكرتها الى الأبد …!!
……………………………………………………..
لحظات قليلة تبعت تلك الصفعة عندما إنطلق مهند خارجا من القصر بأكمله بسرعة شديدة …
اتجه نحو سيارته وحركها متجها خارج القصر يسير بأقصى سرعته دون توقف ودون وجهة محددة …
كان يضغط بأنامله على مقود سيارته بينما عيناه حمراوين تماما وتلك الدموع التي تشكلت بهما بدأت تغشيهما مما أجبره على التوقف جانبا ليغمض عينيه بقوة شديدة بينما أخذ صدره يعلو ويهبط بشدة جعلته يشعر إنه سيفقد حياته من شدة غضبه وقهره وإنفعاله …
فتح باب سيارته وإندفع خارجا منه عندما أخذ يركلها بقدمه وصوت صياحه الذي بدا كزئير أسد محبوس في حفرة مظلمة ضئيلة جدا تصاعد مصاحبا لركلاته التي لن يتوقف عنها حتى شعر بالألم يغزو قدمه بفعل الضربات الشديدة ليبتعد عدة خطوات متكئا على قدميه بإنهاك وأنفاسه عادت تعلو وتهبط دون توقف …
كان يود أن يصرخ بصوت أعلى .. يود أن يصيح ويصيح دون توقف ..
كان يود أن يبكي .. أن يفرغ تلك الطاقة المليئة بالتعب والوجع داخله ..
لمَ كل شيء حوله يزداد تعقيدا مع مرور الوقت ..؟؟
إلى متى سيبقى يدفع ثمن أخطائه السابقة ..؟!
هو أخطأ كثيرا ويعترف بهذا …
لكن ما يحدث معه يفوق قدرته على التحمل …
بعد كل ما مر به وبعدما بدأ يستشعر اخطائه التي إرتكبها في حق نفسه قبل الجميع جاء هذا الخبر كصفعة مدوية فوق وجهه تخبره إنه لا أمل له بالتحرر من ذنوب الماضي ولا مجال للعودة عن الطريق الذي سلكه …
هو الذي شعر برغبة شديدة في التراجع .. التوقف عن تلك الأفكار المسمومة التي لم يزرعها سواه في رأسه .. النظر بشكل أكثر عمقا و جدية لجميع من حوله…
هو الذي كان ينوي أن يفتح صفحة جديدة في حياته … يتحرر من قيود الماضي التي كبل هو بها نفسه لا أحد غيره .. أن يدرك قيمة ما لديه وأن يوازن بين رغباته المجنونة وواقعه ..
كل ما أراده وما خطط له ذهب سدى ….
جيلان تحمل طفله …
طفلا أتى نتيجة فعلته المتهورة … تصرفا أرعنا يشابه جميع تصرفاته التي إرتكبها طوال السنوات الماضية ..
لكن هذه المرة الوضع يختلف .. تصرفه هذا لا علاج له وخطأه لا يمكن تخطيه أبدا ..
هناك طفل آتٍ في الطريق … طفل جاء نتيجة غبائه وغروره الذي جعله ينال جيلان قسرا ليس لرغبة فيها بل لأجل إثبات حقيقة معينة يستغلها ضدها وضد شقيقها ليسقط هو في النهاية في بئر عميق مظلم تماما نتيجة تصرفه وطيشه ..
ماذا سيحدث الأن ..؟!
هل سينجب طفلا حقا ..؟! ومِن جيلان ..؟؟ جيلان بحق الله ..!!
سيصبح أبا لطفلا من فتاة صغيرة قاصر لم تبلغ سن الرشد بعد ..
مراهقة لا يعلم عنها شيئا سوى إنه تزوجها لفترة قصيرة مضطرا ليس إلا ..
أي حظ عاثر يمتلك ليتورط في ورطة كهذه وأي مصيبة تلك التي وقع بها ..؟!
مسح على وجهه متجاهلا التعب الذي يكاد يفتك بكل جزء من جسده عندما توجه نحو سيارته يجر أذيال خيبته خلفه فصعد في مقعده الأمامي ليتأمل ملامح وجهه المنهكة عندما وقع بصره لا إراديا فوق جانب وجهه الذي صفعه شقيقه بقوة جرحته في الصميم ..
أغمض عينيه بقهر مفكرا إن هذه الصفعة أعادت كل شيء بينهما كما كان حيث نقطة الصفر..
هذه الصفعة صنعت شرخا جديدا بينهما وهو الذي كان يعتقد إن الشرخ القديم بدأ يلتئم أخيرا …
اما في قصر الهاشمي ..
أخذت همسة تتابع زوجها وهو يسير داخل غرفة نومهما في جناحهما الضخم ذهابا وإيابا بملامح شديدة الغضب بينما أخذ السباب ينطلق منه دون توقف ..
لا تتذكر إنها رأته يوما على هذه الحالة من الغضب وفقدان السيطرة على أعصابه ..
لطالما كان جامدا صلبا لا يظهر غضبه لكن اليوم بدا منفعلا بشكل مخيف …
شهقت بصمت عندما حمل أحد عطوره الثمينة ورماه أرضا لتنتفض من مكانها تتقدم نحوه تهتف بفزع :-
” توقف يا راغب بالله عليك ..”
أضافت بتوسل :-
” اهدأ من فضلك وحاول أن تفكر وتجد حلا و ..”
قاطعها بإنفعال ؛-
” أي حل بالله عليك ..؟! من أين سأجد حلا ..؟! الفتاة حامل .. حامل منذ مدة ونحن لا نعلم شيئا … ”
أضاف بغضب مخيف :-
” اللعنة عليك يا مهند .. اللعنة عليك أيها الغبي .. إلى متى سأتحمل أخطائك الغبية ..؟! كيف سأصحح خطئك اللعين هذه المرة ..؟!”
عقدت ذراعيها أمام صدرها بملامح يائسة بينما أخذ هو يسير ذهابا وإيابا وعقله لا يسعه التفكير مما ينتظرهم …
” ماذا سأقول لوالدي والأهم ماذا سنقول لعمار الخولي وكيف سنتعامل مع ردة فعله حينها ..؟!”
تملكها القلق بينما أضاف وهو يكز على أسنانه :-
” بسببه أصبحت في موقف غبي كهذا .. موقف لم أمر به طوال حياتي .. لأول مرة في حياتي يفعل أحدهم بي هذا .. انا منحت كلمتي لعمار والآن سأبدو ضعيفا غبيا فشلت في الحفاظ على كلمتي ووعدي له .. ”
أضاف يهمس بتوعد مجنون :-
” بسبب شقيقي الأحمق حدث كل هذا .. بسببه هو .. الغبي .. جعلني أبدو كالأبله امام ذلك الحقير .. نكس رأسي أمام عمار بل أمام الجميع ..”
قالت همسة بخفوت سمعه :-
” انت ايضا تتحمل المسؤولية يا راغب وليس مهند وحده ..”
نظر إليها بعينين مشتعلتين عندما إسترسلت بشجاعة :-
” كان عليك أن تتوقع حدوث شيء كهذا عندما قررت تزويج جيلان من مهند بل وأصريت على أن تبقى جيلان معه في جناحه .. ماذا كنت تنتظر ..؟! هل تعتقد إن مهند قديس مثلا ..؟!”
أضاف وهي تهز كتفيها :-
” برأيي انت وعمار من تتحملان المسؤولية أولا قبل مهند نفسه حتى .. انت من خططت لهذه الزيجة وعمار من وافقك عليها .. أنتما ألقيتما بالفتاة المسكينة يين أحضان مهند دون تفكير في عمرها الصغير ولا وضع مهند نفسه بينما مهند وافق مجبرا وجميعا نعلم ذلك وجيلان لا حول لها ولا قوة ولم تكن تعلم أساسا بما يحدث …”
هتف بعصبية مكتومة :-
” هل هذا الكلام المناسب برأيك ..؟! هل هذا ما يفترض أن تقولينه وانا في حالة كهذه ..؟!”
قالت بجدية :-
” أنا أقول الحقيقة فقط .. ”
أكملت وهي تتنهد :-
” حاول أن تهدأ يا راغب وتفكر جيدا … لقد حدث ما حدث .. لا حل آخر أمامنا سوى القبول بالأمر الواقع ..”
أضافت والقلق يساورها اتجاه مهند الذي غادر القصر منفعلا :-
” انا قلقة على مهند بشدة .. لم يكن عليك أن تصفعه هكذا يا راغب ..؟! إلى أين سيكون ذهب ومتى سيعود ..؟!”
رد بغضب :-
” إلى الجحيم .. ذهب الى الجحيم يا همسة …”
منحته نظرات لائمة عندما هتف بها بصرامة :-
” برأيي الأفضل أن تنامي وتتركيني لوحدي فأنا لا ينقصني سوى تأنيبك ولومك الآن …”
همست بجمود :-
” كيف سأنام وأنت تتجول في الغرفة ذهابا وإيابا دون توقف ولا تتوقف عن إطلاق الشتائم والسباب ..؟!”
منحها نظرة قاتمة وهو يسحب هاتفه من فوق الطاولة جانبها يخبرها :-
” سأترك الجناح بأكمله لك يا همسة .. فلتهنئي بنومك من فضلك ..”
ثم إندفع خارج الجناح لتتأمل خروجه المندفع بعصبية شديدة بضيق قبل أن تتنهد بتعب وقد ضغطت عليها أحداث الليلة بشدة ..
…………………………………………………
هتف أخيرا وكأنه إستوعب وجودها أمامه :-
” ماما .. ماذا تفعلين هنا ..؟!”
هتفت والدته ببرود وهي تتجه بأنظارها نحو حنين التي تقف جانبه :-
” هل هذه الطريقة المناسبة لتستقبل بها والدتك يا نضال ..؟!”
هتف كرم مقررا الإنسحاب بعدما شعر بتوتر الأجواء حوله :-
” حسنا .. لأغادر أنا الآن أفضل .. عن إذنكم ..”
لكنه توقف وهو يستمع الى سؤال إنتصار المهتم :-
” أنت كرم أليس كذلك ..؟!”
رد كرم بعدما أوما برأسه :-
” نعم يا هانم .. سعدت بلقائك ..”
سألته بإهتمام كاذب :-
” كيف حالي والدتك تهاني …؟!”
رد وهو يرمقها بهدوء :-
” بخير الحمد لله …”
إنتقلت بأنظارها نحو حنين تتأملها قليلا قبل أن تهتف بإبتسامة خفيفة ساخرة :-
” أختك كبرت يا نضال …”
إحتقنت ملامح حنين قليلا عندما إسترسلت إنتصار ببرود:-
” أين والدتك يا صغيرة ..؟! أليس من المفترض أن تتواجد لإستقبال ضيوفها ..؟!”
همت حنين بالرد لكن صوت نضال الصارم جعلها تتراجع وهو يخبرها :-
” أوصلي كرم الى الخارج بنفسك يا حنين … ”
فهمت حنين إنه يصرفها بطريقة غير مباشرة عندما أشار كرم لها بعينيه كي يغادران تتبعها أنظار زوجات أبيها والتي بالرغم من سكونها تحمل حقدا دفينا واضحا …
خرجت حنين بجانب كرم عندما توقفا قريب الباب لتهتف هي بجدية :-
” أعتذر عن الموقف الذي حدث بالداخل وأيضا أعتذر نيابة عن نضال وطريقة حديثه معك .. هو فقط كان غاضبا قليلا قبل مجيئك ..”
هز رأسه مغمغما بصدق :-
” لا داعي للإعتذار يا حنين .. أتفهم موقفه ..”
نظرت له بإستغراب عندما تدراك حديثه فقال وهو يبتسم لها بجدية :-
” على العموم يجب أن أغادر . سآتي مجددا لتوديع عمي …”
سألته بإهتمام :-
” ماذا كنت تريد أن تقول لي ..؟!”
رد بسرعة بديهية :-
” أبدا .. فقط كنت سأخبرك إنني جاهز لمساعدتك إذا ما أردتِ الدراسة في الخارج ..”
إبتسمت تردد بإمتنان :-
” شكرا يا كرم ولكنني سأداوم هنا في احدى الجامعات الخاصة .. لقد تم قبولي رسميا وسأبدأ دوامي بها قريبا ..”
سألها بإهتمام :-
” حقا وماذا ستدرسين..؟!”
رد بجدية :-
” العلوم .. علوم الكيمياء ..”
قال مشجعا :-
” تخصص جميل ومهم ..”
بادلته إبتسامته بأخرى خجول عندما تنهد وهو يقول :-
” حسنا ، هل تودين شيئا مني قبل مغادرتي ..؟!”
هزت رأسها نفيا وهي تقول :-
” أبدا .. يمكنك الذهاب …”
هز رأسه وهو يتمتم :-
” مع السلامة …”
ردت تحيته بخفوت عندما تحرك مغادرا فأخذت هي تتابعه حتى صعد سيارته لتستدير نحو الخلف وهي تضع كف يدها على خافقها الذي أخذ ينتفض داخل أضلعها بعنف بينما بقي هو ساكنا مكانه يتأملها للحظات وهو يلعن غبائه الذي جعله يفكر في التحدث معها بموضوع حساس كهذا …
حديثه كان سيجرحها أكثر فهي لن تتفهم سببه ولن تستوعب مقصده الحقيقي ..
أشار لنفسه قائلا :-
” سوف تكبر وتفهم يا كرم .. هي ما زالت صغيرة .. عندما تكبر ستفهم إن مشاعرها كانت مجرد مشاعر مراهقة كاذبة مندفعة ليس إلا …”
ثم سحب هاتفه من جيبه يتأمل صورته هو وحبيبته التي تحتل الشاشة فيزفر بضيق وهو يتذكر شبه إنعدام التواصل بينهما منذ عودتهما الى البلاد فهي دائما منشغلة إما مع شقيقتها أو في الخارج مع توليب وفيصل أبناء خالتها او مع صديقاتها القدامى وغيرها من أشياء تسردها بإختصار عليه تبرر من خلال ذلك سبب إنشغالها الدائم عنه منذ وصولها الى البلاد ..
نقر على حروف الشاشة المضيئة يرسل لها :-
” إشتقت لك يا هالة …”
ثم ضغط على زر الإرسال وأغلق هاتفه وهو يتنهد بملل بينما قلبه يشتاق لها بشدة فيخبر نفسه إنه لم يتبقَ سوى بضعة أيام ويعودان الى أمريكا ويقضيان أغلب أوقاتهما سويا ..
……………………………………………………….
تقدم نضال نحو والدته يتسائل بحنق :-
” مالذي أتى بك الى هنا ..؟!”
سألته ببرود :-
” وهل هناك ما يمنعني من ذلك ..؟!”
أضافت عن قصد :-
” أم إن زوجة والدك ترفض وجودي هنا ..؟!”
زفر مرددا بضجر :-
” ما علاقة هذا الآن ..؟! انا اتسائل بوضوح فأجيبي بنفس الوضوح ، ماذا تفعلين هنا ..؟!”
ردت بقوة :-
” أتيت لأجلك بعدما تركتني وسافرت بل وتجاهلت إتصالاتي طوال المدة السابقة …”
هتف بسخرية متعمدة ؛-
” حقا ..؟! وما المشكلة في ذلك ..؟! قررت أن أفسح لك المجال لتقضي وقتك كاملا مع زوجك …”
” لا تتواقح ..”
قالتها بجزم وهي تضيف :-
” توقف عن التحدث معي بهذه الطريقة ..!!”
” آية طريقة …؟!”
سألها بإستفزاز لترد بجدية :-
” وكأنني إرتكبت جرما عظيما ..”
هز رأسه يردد بنفي :
” كلا ، من قال هذا لا سامح الله ..؟! انت لم ترتكبي جرما أبدا .. انتِ فقط تصرفتِ بشكل يصعب علي تقبله لذا أنا قررت الإنسحاب من حياتك بعد قرارك الأخير فعلام تلومينني بالضبط ولماذا أتيت هنا أساسا ..؟!”
هتقت بعدم تصديق :-
” أنت تنوي مقاطعتي حقا ..؟! تنوي أن تتركني للأبد .. وأنا التي فنيت حياتها لأجلك .. أنا التي ضحت بسنوات عمرها لأجلك ..”
هدر ببرود :-
” حسنا توقفي عن هذه المناحة .. طريقتك هذه لم تعد تجدي نفعا معي .. غادري من هنا بسرعة ولا تعودي مجددا .. إذهبي لزوجك …”
قبضت على ذراعه تصيح به :-
” إنتبه على حديثك يا نضال .. انا والدتك .. لا يحق لك أن تتحدث معي بهذه الطريقة ..”
أضافت بقوة :-
” انت في الثلاثين من عمرك يا هذا .. لست صغيرا لكي لا تفهم كيف يجب أن تتحدث مع والدتك وتحترمها..!!”
ضحك مرغما وهو يردد :-
” حقا ..؟! الآن تذكرتِ إنني في الثلاثين من عمري ..!! لماذا لم تتذكري هذا وأنت تتزوجين مجددا وأنا في هذا العمر دون مراعاة لي ولمظهري أمام الجميع …؟!”
” ما به مظهرك .. لم أفعل شيئا حراما .. لقد تزوجت على سنة الله ورسوله ..!!”
قالتها بعناد ليرد ببرود :-
” حسنا هنيئا لك .. لكن عن نفسي لا يمكنني تقبل هذا .. انت حرة في قرارك لكن لا تنتظري مني تقبله او التعامل معه ولا يمكنكِ إجباري على هذا …”
صاحت بعدم تصديق
” أنا أمك يا هذا .. انت مجبور أن تتعامل معي وتحترمي وترعاني ..”
هتف ببرود متأصل به :-
” بالله عليك لا تفعلي هذا .. هل تظنين إن حديثك هذا سيؤثر بي حقا ..؟! ”
توقف عن حديثه عندما وجد والده يهبط درجات السلم متقدما نحويهما برزانة بينما كانت حنين ما زالت في الخارج تمتنع عن الدخول حتى تغادر والدة نضال فهي لا تريد أن تختلط بها بأي شكل من الأشكال ..
” اهلا إنتصار ..”
قالها والده محييا والدته برزانة لتبتسم إنتصار بسخرية وهي تردد :-
” أهلا أشرف ..”
أضافت وهي تتأمله عن كثب :-
” أصبحت عجوزا …”
هتف ببرود :-
” ماذا تتوقعين بعد كل هذه السنوات مثلا …؟! هل سأبقى شابا كما أنا … ؟! ”
هتفت بإستهزاء :-
” بالطبع لا .. لكن هذا لا يعني أن تبدو أكبر من عمرك بعقدين وأكثر ..”
قال ببرود مستمر :-
” تركت الشباب والجمال لك يا إنتصار ..”
هتفت بغرور متأصل بها :-
” بالطبع عزيزي .. كنت ولا زلت الأجمل والأصغر ..”
إستغفر نضال داخله محاولة السيطرة على غضبه من تصرفات والدته التي إستطردت تتسائل :-
” أين زوجتك يا أشرف ..؟! أليس من المفترض أن تسارع لإستقبال ضيوفها كأي سيدة مجتمع راقي ..؟! أم إنها لا ترغب برؤيتي هنا …”
هم نضال بالرد لكنه والده أوقفه بنظرات حازمة وهو يخبرها بصبر طويل :-
” أحلام ليست هنا .. هي مسافرة ..”
همست بتهكم تدعي التصديق :-
” صدقت.. صدقت …”
زفر نضال أنفاسه بعصبية بينما هتف أشرف بدبلوماسية :-
” تفضلي يا إنتصار .. لا يجوز أن تبقي واقفة هنا …”
همست ببرود :-
” وأخيرا قال أحدكم كلمة منطقية في هذا المنزل ..”
ثم تحركت بغرور الى الداخل ليأمر أشرف ولده :-
” إذهب خلف والدتك وانا سأذهب وأرى أين ذهبت أختك وآتي فورا ..”
ثم تحرك الى الخارج ليجد حنين تقف في الحديقة تقلب في هاتفها عندما نادى عليها فسارعت تركض نحوه ليسألها :-
” لماذا تقفين في الخارج يا حنين ..؟!”
ردت تبتسم كاذبة :-
” أبدا .. ودعت كرم .. ثم إنشغلت في التحدث مع صديقتي ..”
سألها والدها مدهوشا :-
” متى أتى كرم ومتى غادر ..؟!”
ردت بجدية :-
” أتى لتوديعك قبل سفره لكنه غادر عندما أتت والدة نضال وقال إنه سيأتي مجددا ويودعك قبل سفره ..”
” حسنا ، تعالي الى الداخل ..”
سألته بحذر :-
” هل والدة نضال ستبقى هنا ..؟!”
سألها بجدية :-
” هل أزعتجك بشيء يا حنين ..؟!”
ردت بسرعة :-
” أبدا .. مجرد إستفسار ليس إلا ..”
تنهد وهو يقول :-
” هي ضيفة في منزل وعلينا أن نضيفها بأفضل طريقة ..”
أضاف وهو يربت على وجنتها بحنو :-
” وبما إن والدتك ليس هنا فأنتِ ستتولين مهمة ضيافتها ..”
” أنا ..؟!!!”
قالتها بعدم تصديق ليهز رأسه وهو يقول :-
” بالطبع يا حنين … لقد كبرت وآن الآوان لتتعلمي الأصول والواجبات …”
هزت رأسها وهي تردد على مضض :-
” حسنا …”
ثم دلفا الى الداخل لتتجه حنين الى المطبخ تطلب من الخادمة تجهيز الضيافة بينما عاد أشرف الى صالة الجلوس ليجد نضال يتأمل والدته التي تجلس بتفاخر كعادتها بوجوم شديد ..
تقدم أشرف وجلس قبالتها يتسائل :-
” كيف حالك يا إنتصار ..؟!”
ردت إنتصار وهي تضع قدما فوق الأخرى :-
” بأحسن حال كما ترى ..”
أضافت وهي تنظر الى نضال :-
” أتيت لرؤية إبني الذي لم يرفع سماعة الهاتف ويتصل بي منذ عودته الى هنا ..”
قال أشرف بحيادية :-
” إعذريه يا إنتصار .. ربما كان مشغولا …”
قالت بعدم تصديق :-
” مشغول عن والدته …”
تدخل نضال مرددا من بين أسنانه :-
” أخبرتك إنني لا أريد التواصل معك بعد الآن…”
قاطعه أشرف بحزم :-
” توقف يا نضال .. لا يجوز أن تتحدث بهذا الإسلوب مع والدتك ..”
لوت إنتصار فمها تردد بسخرية متعمدة :-
” ونعم التربية يا نضال .. تتجاهلني وتقرر مقاطعتي ثم ترفع صوتك علي .. لم يتبقَ سوى أنت تضربني …”
” إنتصار من فضلك ..”
قالها أشرف بتنبيه لتهز كتفيها وهي تردد :-
” ماذا قلت الآن ..؟! هل أخطأت ..؟! ماذا تفسر تصرفاته هذه ..؟! أنت فشلت في تربية ابنك .. ابنك الذي يتجاوز حدوده مع والدته ..”
هتف نضال ببرود :-
” ولماذا لم تنجحي أنتِ في إصلاح فشله في تربيتي وأنا أُقيم معك منذ إثني عشر عاما ..”
هدر أشرف بحزم :-
” يكفي توقفا .. ما هذه الطريقة ..”
همت إنتصار بالحديث لكنها تراجعت وهي ترى حنين تتقدم أمام الخادمة التي تحمل الضيافة لتزم شفتيها بعبوس عندما إبتسمت لها حنين تردد :-
” مرحبا بك يا هانم ..”
بالكاد ردت إنتصار بنبرة شديدة الإقتضاب :-
” أهلا ..”
” تعالي يا حنين … إجلسي جانبي ..”
قالها أشرف وهو يشير الى المكان جانبه عندما تقدمت حنين وجلست جانبه لتتأملهما إنتصار للحظات قبل أن تتمتم :-
” إبنتك كبرت وأصبحت شابة جميلة يا أشرف ..”
ابتسم أشرف وهو يربت على كتف حنين :-
” هل رأيت يا إنتصار ..؟! الأولاد كبروا ..!!”
مطت شفتيها وهي تضيف :-
” لكنها ليست جميلة بالقدر الذي توقعته ..”
منحها نضال نظرات نارية لتكمل تدعي العفوية :-
” انا لم اقصد .. هي بالطبع جميلة .. لكنها لم ترث شقارك وعيونك الملونة كنضال .. تشبه والدتها كثيرا ..”
هم أشرف بالرد لكن حنين سبقته وهي تهتف بإبتسامة واثقة :-
” معك حق .. انا لم أرث ملامح بابا لكنني ورثت صفاته … كما إنني محظوظة لذلك لإنني لا أحب العيون الملونة والشعر الأشقر عموما .. لكن بابا ونضال إستثناء لذلك بالطبع ..”
أنهت جملتها الأخيرة وهي تنهض من مكانها تضيف :-
” عن إذنكم .. يجب أن أذهب الى غرفتي الآن
…”
ثم تحركت بخفة خارج المكان ليهتف نضال بوالدتها :-
” ما هذا الذي تفعلينه بالضبط ..؟!”
نهضت إنتصار من مكانها تردد :-
” لم أفعل شيئا ..”
أضافت وهي تنظر إليه :-
“أنا باقية هنا لبضعة أيام .. يجب أن نتحدث يا نضال ..”
أضاف وهي ترمق أشرف عن قصد :-
” أنتظرك غدا في الفندق الذي أقيم به كي نتحدث على إنفراد …”
ثم غادرت المكان ليهتف نضال بعصبية :-
” طالما تريد أن نتحدث على إنفراد، لماذا أتت هنا وتصرفت بهذه الطريقة ..؟!”
هتف والده وهو ينهض من مكانه ويتقدم نحوها يربت على كتفه :-
” لا بأس يا نضال … اهدأ يا بني …”
منح والدته نظرة صامته للحظات قبل أن يتحرك منفعلا نحو غرفته في الطابق العلوي تاركا والدته يضرب يده كفا بكفا وهو يردد :-
” أتمنى أن تنتهي زيارتك على خير يا إنتصار دون مشاكل كالعادة ..”

كانت تجلس أمام والدتها التي وصلت أخيرا بعد رحلة طويلة دامت لساعات حيث إستقبلتها حياة مع كلا من مايكل وجينا قبل أن تصر جينا على أن تأتي والدة حياة معهما في شقتهما بينما كانت والدتها قد قررت الإقامة في فندق خلال الأيام القادمة لكن إصرار جينا جعلها تتراجع عن موقفها وتوافق على المكوث في شقتها بعدما خجلت من أن تستمر في رفضها لطلب الفتاة التي ترحب بها بسعادة حقيقية وتصر على إستضافتها في شقتها …
وصلت بعدها الى الشقة لتجد إن جينا قد جهزت لها غرفة خاصة بها لتدلف إليها وهي تجر حقيبتها متوسطة الحجم خلفها تتبعها حياة التي سألتها إذا ما تريد مساعدة لكن أحلام رفضت ذلك وطلبت منها الجلوس لتتحدثان قليلا وها هما تجلسان أمام بعضيهما وحياة تلتزم الصمت الذي قطعته أحلام بسؤالها المتوقع :-
” ماذا حدث يا حياة ..؟! ما سبب هذا الطلاق المفاجئ والسريع ..؟!”
ردت حياة بجدية وقد جهزت جوابها مسبقا :-
” لم نتفاهم … لا يمكننا أن نستمر سويا … ”
” لماذا لم تتفاهما ..؟! أساسا أنتما لم تقضيا مع بعض الوقت الكافي حتى تقررين إنه لا يمكنكما أن تكونان سويا … ”
قالتها أحلام بنفس جدية إبنتها وهي تضيف بتروي :-
” كما إنه دائما في بداية الزواج تحدث مشاكل بسبب إختلاف الزوجين وعدم قدرتهما على التفاهم في الكثير من الأشياء لكن مع مرور الوقت يستطيعان أن يصلا الى نقطة معينة يتفاهمان عندها ويتجاوزان أي خلافات موجودة وأي إختلافات مهما كانت …”
همست حياة :-
” صدقيني الطلاق هو أفضل حل .. ما بيننا لا يمكن أن ينتهي …”
سألتها أحلام بقوة :-
” وما هو الذي بينكما ..؟!! ”
إلتزمت حياة الصمت لتضيف أحلام بإصرار :-
” أريد أن أعرف ما جرى يا حياة ودفعكما لإتخاذ قرار سريع وصادم كهذا …”
” لا يوجد شيء ما أقوله عدا السبب الذي ذكرته …”
قالتها حياة بجدية لتهتف أحلام :-
” بلى يوجد .. أخبريني الحقيقة .. لماذا تطلقتما ..؟!”
كانت تتأمل والدتها بسكون .. ترفض الحديث ..
تأبى الإفصاح عما حدث وأدى إلى طلاقها ..
” تحدثي يا حياة من فضلك ..”
همست برفض :-
” أخبرتكِ إنه لا يوجد ما أقوله ..”
تسائلت والدتها بحنق :-
” بل ستقولين .. يجب أن أفهم لماذا تطلقت..؟! ”
ردت ببرود :-
” لقد تطلقت وانتهى .. ”
أضافت بتهكم مقصود محاولة أن تقلب دفة الحديث :-
” يُفترض أن تكوني سعيدة الآن فأنتِ كنت ترفضين هذه الزيجة بقوة ..”
قالت أحلام بهدوء :-
” حتى لو لم أكن راضية عنها لكن هذا لا يعني أن أتجاهل طلاقك بعد مدة قصيرة كهذه دون أن أسمع سببا مقنعا على الأقل .. ”
هتفت حياة بنفس البرود :-
” كل ما سأقوله إن هذا أفضل لكلينا …!”
” هكذا .. بكل بساطة …”
رددتها والدتها بذهول لتهز حياة كتفيها تهمس ببساطة مفتعلة :-
” نعم .. عندما يكون الزواج خاطئا والعلاقة بين الطرفين ليست سليمة فالإنفصال هو الحل المثالي…”
أضافت بنبرة مقصودة :-
” انت بالذات يجب أن تفهميني جيدا .. لقد تصرفت بنفس الطريقة منذ سنوات .. الزمن يكرر نفسه يا والدتي العزيزة ولكن لأسباب مختلفة .. هل تعلمين أين الفرق الوحيد في ما حدث بين الماضي والحاضر ..؟!”
تأملتها والدتها بملامح شاحبة لتلوي فمها وهي تكمل :-
” إنني لم أترك ضحايا خلفي بسبب قراري هذا .. ضحايا أبرياء لا ذنب لهم بقرارات غيرهم الخاطئة …”
إسترسلت بعينين تراكمت العبرات فيهما :-
” ربما تصرفي تسبب بالأذى لنديم .. لكنني متأكدة إنه سيتجاوز هذا الألم … أثق بقوته وقدرته على التجاوز ..”
أنهت حديثها بنبرة معذبة :-
” سيتخطى هذه العلاقة وسوف ينسى ما حدث وينساني أنا أيضا .. بالتأكيد سيفعل ..”
ورغما عنها كانت تتألم لفكرة أن يتخطاها وينساها ..
نهرت نفسها على أنانيتها هذه عندما سمعت والدتها تهتف بحزم متجاهلة ما تفوهت به منذ لحظات رغم إنه أصاب قلبها ألما :-
” لا تتحدثي يا حياة لكنني سأعلم ما حدث .. انت ابنتي ويحب أن أفهم ما يحدث معك بالضبط ..”
أنهت حديثها وقد عقدت العزم داخلها على رؤية زوج إبنتها أو من بات طليقها ..
ستتحدث معه حتى لو كان هذا سيزعج حياة الماثلة أمامها ..
ستتحدث معه وستحاول أن تفهم منه فهو بالطبع لن يفعل كما تفعل إبنتها العنيدة ..
رغم كل شيء فهو شخص هادئ ورزين وستعرف كيف تتفاهم معه وتفهم منه ما يحدث ..!
قالت حياة ببرود :-
” لا يوجد شيء معين ستعلمينه .. ”
” فقط أريد سببا مقنعا … سببا واحدا يقنعني بصحة قرارك … سببا واحدا يجعل إستمراركما سويا مستحيل … ”
تشنجت ملامح حياة لتضغط أحلام أكثر تحاول قراءة ما يدور داخلها :-
” أخبربني عن السبب وأعدك إنني لن أفتح فمي بكلمة واحدة إذا وجدته مقنعا حقا …”
نطرت حياة إلى والدتها وقد تجمعت الدموع داخل عينيها لتتأملها والدتها بألم وهي تسألها :-
” ماذا حدث يا حياة ..؟! حياة أنت تبكين … أخبريني ماذا يحدث يا إبنتي .. تحدثي وأخبريني فأنا والدتك .. والدتك التي ستقف بجانبك وتدعمك في قرارك أيا كان لكن لأعرف السبب أولا …”
نطقت حياة أخيرا بصعوبة :-
” لم يحبني …”
نظرت لها أحلام بدهشة لتضيف حياة وهي تمسح دمعة خائنة كادت أن تتسلل من عينيها المليئتين بالدموع :-
” ألم تكوني تريدين معرفة السبب ..؟! هذا هو السبب … هو لم يحبني … انا لست حبيبته … ولن أكون ..!!”
أنهت كلماتها لتنهض بسرعة مندفعة نحو الحمام تكتم شهقاتها المتألمة بصعوبة ..!

…………………………………………
في صباح اليوم التالي
أخذت تنظر الى هاتفها بعصبية وهي التي تحاول الإتصال بها منذ يومين تقريبا دون رد …
شعرت بالقلق يسيطر عليها وهي لا تعرف ماذا تفعل وأين تذهب وفي النهاية حسمت قرارها وقررت الذهاب الى الفندق هذه المرة حتى لو كانت شقيقتها ترفض ذلك بتعنت …
غيرت ملابسها وغادرت بسرعة عندما قابلتها والدتها فتوقفت مكانها تلتقط أنفاسها لتسألها تهاني :-
” إلى أين في هذا الوقت المبكر جدا من الصباح ..؟!”
ردت هايدي بضيق :-
” لدي عمل …”
أوقفتها تهاني بعدما كانت تهم بالمغادرة :-
” أي عمل هذا ..؟! هل أصبحتِ تعملين وأنا لا أعلم ..؟!”
هدرت هايدي بأنفاس عصبية :-
” ماما من فضلك .. دعيني أغادر ولا تضغطي علي ..”
قبضت تهاني على ذراعها تسألها وهي تتأمل ملامحها بريبة :-
” ماذا يحدث يا هايدي ..؟! لماذا تبدين بهذه الحالة الغريبة ..؟!”
حاولت هايدي تماسك أعصابها وألا تفضح ما تمر به أمام والدتها فردت بنبرة جعلتها عادية قدر المستطاع :-
” آية حالة يا ماما ..؟! ”
أجابت تهاني بجدية :-
” تبدين متوترة جدا وعصبية جدا و …”
قاطعتها هايدي بتهكم مقصود :-
” ربما لإن الظروف حولي تجعلني على هذا الشكل ..”
تراجعت تهاني تسألها بحدة :-
” ومن سبب هذه الظروف يا هايدي ..؟!”
مطت هايدي شفتيها وهي ترد بعدم إهتمام :-
” لن أجيب لإن جوابي لن يعجبك ..”
هتفت تهاني بعدم تصديق :-
“هل تلقين الذنب عليَّ ..؟! هل أصبحت أنا السبب ..؟! هل أنا من ذهبت وتزوجت دون موافقة والدتي من شخص مستهتر لا يصلح لأي شيء ..؟!”
ردت هايدي بصوت محتقن :-
” إذا كانت نانسي أخطأت فأنتِ من دفعتها لهذا الخطأ بطريقتك المجحفة معها … لا تنتظري منها خضوعا وتقديرها وأنتِ لم تحاول مرة واحدة أن تقتربي منها وتحتويها … لكل فعل رد فعل … والضحية في جميع الإحوال هي نانسي …”
” تغيرتِ يا هايدي … تغيرتِ كثيرا ..وكأنني أقف أمام واحدة أخرى غيركِ ..”
إبتسمت هايدي مرددة بسخرية :-
” نعم تغيرت كثيرا ..”
أضافت وهي تعصر جفنيها بقوة :-
” او بالأحرى إستيقظت من غفوتي طوال تلك السنوات وأدركت سوء تصرفي بحق شقيقتي الوحيدة عسى أن تستيقظي أنتِ أيضا وتدركين مدى الأذى الذي سببتهِ لإبنتك ..!”
أنهت جملتها الأخيرة وغادرت تاركة والدتها تتابعها بعدم تصديق لما تسمعه على لسان إبنتها التي لطالما كانت تشبهها و الأقرب بها من بين أبنائها الثلاثة …
اما هايدي فركبت سيارتها وقادتها متجهة بأقصى سرعة حيث الفندق الذي تمكث به شقيقتها …
كادت تدعو ربها داخلها أن يكون كل شيء بخير رغم شبه تأكدها من وجود مشكلة ما حدثت مع شقيقتها التي لم تجب على إتصالاتها منذ ليلة البارحة …
لعنت نفسها وهي التي سمعت كلامها وتركتها تبقى في ذلك الفندق لوحدها على أمل أن يعود صلاح ويتحدثان سويا في مشكلتهما ..
ماذا لو آذاها ذلك اللعين ..؟؟
ماذا لو فعل بها شيئا سيئا ..؟!!
كانت الأفكار السيئة قد وصلت ذروتها عندما وصلت الى الفندق وهبطت من سيارتها تتجه الى الداخل وتحديدا عند احدى موظفات الإستعلامات تطلب منها السماح بالذهاب الى الجناح الذي تمكث به شقيقتها لكن صدمتها كانت شديدة عندما أخبرتها الموظفة بشكل مختصر عن ذلك الحادث الذي أصاب شقيقتها قرب الفندق بعدما تذكرت نانسي فورا ..!!
تجمدت هايدي للحظات تحاول إستيعاب ما سمعته قبل أن تسيطر على أعصابها وهي تسأل الموظفة بصوت خرج متحشرجا :-
” أين هي الآن ..؟! في أي مستشفى ..؟؟”
أحابت الموظفة بعملية :-
” حقيقة انا لا أعرف تفاصيل كثيرة … يمكنك أن تسألي حراس الأمن في الخارج ..”
ركضت بسرعة وهي تخرج هاتفها من حقيبتها تحاول الإتصال بصلاح لكن كالعادة هاتفه مغلقا ..
لعنته بسره وهي تركض نحو الحراس تسألهم عن ذلك الحادث الذي حدث مساء أول البارحة فيخبرها أحد الموظفين إن زوجها من نقلها في سيارته الى المشفى ولا يعرفان أي مشفى ذهب فهو رفض أن يساعده أي أحد ..
تراجعت الى الخلف وهي تشعر بدوار خفيف وعقلها بدأ يصور لها أبشع التخيلات …
لمَ أصر أن يأخذها وحده دون مساعدة أحد ..؟!
أين ذهب بها ..؟!
لحظات قليلة سيطرت عليها أبشع الأفكار الممكنة عندما تذكرت شقيقه وتلك المشفى الذي يعد هو أحد مالكيها فدب الأمل داخلها من جديد وهي تفكر إنه ربما آخذها الى مشفى شقيقه خوفا من الفضيحة ..
لا تعرف كيف ركضت بتلك السرعة وركبت السيارة وهمت بقيادتها لكنها توقفت وهي تتذكر إنها لا تعرف عنوان المشفى فسارعت تبحث عن موقع المشفى فتجده لتدير مقود سيارتها متجهة الى هناك ..
وصلت الى المشفى وسألت فورا عن شقيقتها وبينما كانت تبحث الموظفة عن إسم نانسي شاهدت صلاح وهو يدلف الى المشفى وفي يده يحمل القهوة الساخنة لتتجه راكضه نحوه بملامح متقدة غضبا لينتبه صلاح إليها فيقف مستمرا مكانه للحظات عندما قبضت هي على قماش التيشرت الذي كان يرتديه تصرخ به بإنفعال ولا وعي و قد سقط قدح القهوة أرضا :-
” أين نانسي ..؟! ماذا فعلت بها ..؟! تحدث أيها الوغد ..؟؟ أين شقيقتي ..؟!”
حاول صلاح إيقافها وهو يهمس لها :-
” هايدي توقفي بالله عليك .. فقط توقفي وسأشرح لك ..”
بينما أخذت هايدي تصرخ بدموع غزت مقلتيها :-
” أنت السبب … أنت من قتلها .. أيها النذل الحقير ..”
بدأ البعض يتجمع قربهما يراقب ما يحدث بدهشة عندما تقدم شريف بسرعة وهو الذي كان يهم بالمغادرة بعد يومين كاملين قضاهما في المشفى ما بين متابعة حالة زوجة شقيقه وبين الحالات الأخرى المسؤول عنها ..
هتف شريف وهو يبعد هايدي برفق :-
” هايدي اهدئي .. شقيقتك بخير ..”
نظرت هايدي نحوه أخيرا تهتف بلهجة متوسلة :-
” أريد أن أراها من فضلك ..”
هتف بشفقة لا إرادية وهو يتطلع نحوها :-
” حسنا .. سترينها .. تعالي معي …”
قبضت هايدي على ذراعه بحركة لا إرادية تسأله بعينين تترجانه أن يمنحها الجواب المطلوب :-
” هي بخير ..؟! أليس كذلك ..؟!”
أحاب شريف بهدوء مصطنع :-
” نعم ، لا تقلقي ..”
همست بشفتين مرتعشتين :-
” خذني عندها من فضلك ..”
هز شريف رأسه بتفهم وهايدي ما زالت تقبض على ذراعه بكل قوتها وكأنها تتمسك به خوفا من أن يهرب عندما أشار شريف لشقيقه :-
” إنتظرني في غرفتي الشخصية ..”
ثم هتف بهايدي الممسكة بذراعه :-
” هيا بنا ..”
تحركت جانبه وقد حررت ذراعه أخيرا والتي كانت تتمسك بها كطفلة صغيرة تمسك بذراع والدها ..
نعم لقد بدت كطفلة صغيرة بحق بملامحها المتوسلة الباكية وثباتها المتزعزع كليا بسبب فكرة خسارتها شقيقتها الوحيدة ..
كانت طفلة تائهة تبحث عمن يمنحها الأمان من خلال إخبارها بنجاة شقيقتها وبقائها على قيد الحياة ..
وأخيرا وصلا الى الطابق الذي توجد به تلك الغرفة التي تمكث نانسي بها .. غرفة العناية المشددة …
وقف شريف بالقرب منه لتتطلع نانسي إليه بعينين متلهفتين فيخبرها بحذر :-
” هي في العناية المشددة حاليا .. يجب أن ترتدي ملابس الوقاية قبل الدخول إليها …”
هزت رأسها موافقة عندما جاءت احدى الممرضات بعد دقائق قليلة تحمل الملابس الوقائية تطلب من هايدي أن تتبعها لترتدي هذه الملابس فوق ملابسها ثم تدخل عند شقيقتها …
بعد دقائق أخرى دخلت هايدي عند شقيقتها لتتأملها وهي نائمة بسلام فوق سرير المشفى لا تعي شيئا بينما الأجهزة والمعدات الطبية تحيطها وهي نائمة بسلام لا حول لها ولا قوة …
إرتعشت شفتيها وهطلت دموعها بغزارة …
بقيت تبكي دون توقف ..
عندما سمعت الممرضة خلفها تخبرها بحزم :-
” لا يمكن أن تبقي كثيرا هنا ….”
بالكاد سيطرت على دموعها وهي تتقدم نحو شقيقتها حتى وقفت جانبها تهمس برجاء خالص والدموع تغرق وجنتيها :-
” إستيقظي من فضلك … لا تتركيني أرجوكِ .. أنا أحتاجك معي .. بالله عليك لا ترحلي …”
كانت تتحدث دون وعي عندما سمعت الممرضة تخبرها مجددا :-
” من فضلك هيا… ”
إنحنت هايدي نحوها تطبع قبلة على جبينها ثم تنظر الى بطنها للحظات تتسائل عن مصير الجنينين قبل أن تخرج فتسقط أرضا وهي تكتم شهقاتها بقوة لكنها لم تستطع المقاومة كثيرا فأخذت تنتحب بصوت مسموع عندما شعرت به يقف جانبها يخبرها بتروي وشفقة على حالها :-
” اهدئي يا هايدي … ”
نهضت بسرعة تسأله بصوت متلهف وهي تقبض على ذراعيه الإثنتين بقوة ورجاء :-
” ستعيش أليس كذلك …؟!”
رد شريف محاولا تهدئتها :-
” ستعيش بإذن الله …”
أضاف بلطف :-
” تعالي الى غرفتي لنتحدث قليلا من فضلك ولا تقلقي فشقيقتك هنا بأمان وتخضع لكامل الرعاية المطلوبة ..”
سارت جانبه بصمت ودموعها توقفت أخيرا لكن خوفها وحزنها لم يتوقف ولن يفعل حتى تستيقظ شقيقتها..
……………………………………
جلست هايدي بتعب فوق الكنبة المقابلة للغرفة الخاصة بشريف عندما وجدته يقدم لها قدحا من الباء البارد تناولته منه وشربت القليل ثم وضعته على الطاولة أمامها وهي تسأله بصوت متحشرج :-
” أخبرني من فضلك عن وضع شقيقتي ..؟!”
تنهد وهو يقول :-
” الحادث كان صعبا ونحن حاولنا قدر المستطاع الحفاظ على حياتها .. الأيام القادمة ستوضح ما ستؤول إليه الأمور …”
سألته بتوتر وعادت الدموع تغزو مقلتيها :-
” هل يمكن أن نخسرها ..؟!”
قال وهو يميل نحوها :-
” بإذن الله لن يحدث هذا ..”
سألته بتردد :-
” والطفلين ..؟!”
رد بخفوت :-
” لم نفقدهما حتى الآن ولكن وضعهما خطير جدا ومن الممكن أن نخسر أحدهما أو كليهما في أي لحظة ..”
أضاف بمهنية :-
” علينا أن ننتظر قليلا فإذا مرت الأيام القادمة على خير ستتجاوز نانسي مرحلة الخطورة وعندها ستبقى تحت المراقبة هي والطفلين إذا كُتِبت النجاة لهما أيضا ..”
” يارب ..”
قالتها وهي ترفع وجهها برجاء عندما دلف صلاح الى الداخل ليتفاجئ بهايدي …
إستدارت هايدي نحوه تتأمله بنظرات حاقدة للحظات عندما أغلق صلاح الباب وتقدم نحوها هي وشقيقه لتنهض هايدي من مكانها تردد بسخرية :-
” أهلا بالباشا .. أهلا بسبب المشاكل جميعها .. أهلا صلاح بك ..”
نهض شريف متأملا ما يحدث بضيق رغم تفهمه لتصرف هايدي فوضع شقيقتها صعب وهي يحق لها أن تفعل أي شيء ..
تحدث صلاح قائلا بخفوت وملامحه مرهقة تماما :-
” أقسم لك لا دخل لي … هي من سارعت لترمي بنفسها أمام السيارة ..”
جحظت بعينيها للحظات قبل أن تنقض عليه بشراسة مخيفة وتدفع جسده نحو الخلف حيث إرتطم جسده بالحائط فتحاصره وهي تقبض بكفيها على ياقة قميصه مرددة بعصبية مدمرة :-
” أيها النذل الحقير .. ستكذب مجددا .. انا متأكدة إنك وراء ما حدث .. أنت من دفعتها أمام تلك السيارة لتتخلص منها ومن الطفلين لإنك لا تريدهما ..”
هتف صلاح من بين أسنانه :-
” نعم لا أريدهما ولكنني لست مجرما …”
تقدم شريف محاولا إبعادها فدفعته هو الآخر وهي تصيح بلا وعي :-
” إتركني …”
أضافت وهي تنظر الى صلاح :-
” أنت أقذر رجل رأيته في حياتي … أنت قمة في النذالة والسفالة .. أيها الوغد الحقير …”
ثم بصقت عليه ليشتعل صلاح غضبا وهو يهم بالتقدم نحوها بغضب مخيف عندما وقف شريف أمامه يهدر به :-
” ماذا تفعل يا صلاح ..؟!”
صرخ وقد فقد صبره تماما ؛-
” ألم تسمع ما تقوله وترى تصرفاتها ..؟! الآن أصبحت أنا المذنب وشقيقتها الطاهرة العفيفة .. ؟!”
أضاف وهو يتحدث غير مباليا بأي شيء :-
” انا من أجبرتها على ما حدث بيننا تلك الليلة وأنا أيضا من أجبرتها على الإحتفاظ بالحمل .. رغم إنها أخطأت مثلي تماما إلا إنني تزوجتها فقط لأصحح خطئي الذي كانت هي شريكة به ولكن حضرة جنابها لم ترضَ بذلك .. علمت إنها تحمل طفلا ومع هذا إحتفظت به دون أن تأخذ رأيي .. كانت تريد وضعي أمام الأمر الوقع .. كانت تعتقد إنني سأخضع .. لكن والله لن يحدث …. لن تنال مرادها ..”
همست هايدي بعدم تصديق :-
” أنت بشع .. مقرف …”
” نعم وشقيقتك الشريفة الطاهرة …”
قالها ضاحكا بتهكم ليصرخ به شريف بحزم :-
” يكفي …”
أضاف وهو يقبض على وجهه بكلتا يديه يحذره :-
” أفق يا صلاح .. نانسي تصارع الموت ومعها طفليك .. إذا حدث شيء لها او لهما لا سامح الله فستندم ندما لا نهاية له ….”
هتف بقسوة لا يعرف شقيقة متى إمتلكها :-
” انا لست مسؤولا عما حدث .. هي من أرادت ذلك وهي وحدها من ستتحمل المسؤولية مثلما هي من رمت نفسها أمام السيارة …!! ”
أضاف وهو ينظر الى هايدي بتحدي :-
” أتمنى ألا تفتحي فمك بكلمة واحدة أخرى لإن لا أحد سيتضرر سوى شقيقتك التي ستصبح سمعتها في الوحل ..!!”
هزت هايدي رأسها بعدم إستيعاب بينما دفعه شريف الى الخارج بحزم :-
” غادر فورا يا صلاح .. هيا غادر …”
خرج صلاح من المكان أخيرا ليلتفت شريف نحو هايدي الذي وجدها تأخذ أنفاسها بصعوبة فتقدم نحوها يهتف برجاء :-
” اهدئي يا هايدي من فضلك ..”
قالت من بين أنفاسها وهي ترفع أناملها في وجهه بتوعد :-
” سأقتله لا محاله إذا لم تنجُ شقيقتي من هذا الحادث بسلام .. والله سأقتله ..”
ثم هطلت دموعها مجددا وإنخرطت في نحيب لا نهاية له ..
………………………………….
كانت شاردة تماما عندما سمعت والدتها تتحدث معها لتنظر إليها أخيرا وهي تتمتم :-
” جيد ما فعلتي ..”
رمقتها والدتها بنظراتها للحظات قبل أن تهتف بإقرار :-
” انتِ لست بخير .. ماذا يحدث معك …؟!”
نظر لها ليلى للحظات وبدت نظراتها تائهة تماما عندما كررت والدتها سؤالها بإهتمام أكبر وقلق خفيفي لتتنهد ليلى وهي تجيب بتردد:
” لقد وصلتني رسالة البارحة من رقم مجهول .. رسالة مكتوب فيها إن نديم تطلق ..!!”
لمحت ليلى الدهشة في عيني والدتها يتبعها قلق واضح لا يقبل نقاشا عندما تحدثت والدتها أخيرا :-
” وهل هذا صحيح ..؟! ”
هزت ليلى كتفيها دلالة على عدم معرفتها عندما تسائلت والدتها مجددا بحذر :-
” وإذا كان صحيحا بالفعل فهل يعنيك بشيء ..؟!”
رمشت ليلى بإرتباك للحظات .. لحظات حتى أجابت بصدق :-
” لا أعلم …”
سألت والدتها مجددا بجدية لا تخلو من حنوها المعتاد وهي ترى إبنتها الكبرى ضائعة في ملكوت الهوى:-
” هل ستفرحين لطلاقه ..؟!”
توقفت أنفاس ليلى للحظات وبدا السؤال مهما جدا وهي تهربت من مجرد التفكير به لكن الآن كان لا بد أن تسأل نفسها .. هل يسعدها خبر طلاقه ..؟!
تأملت والدتها ملامح إبنتها التي غرقت في أفكارها تماما فإلتزمت تمنح إبنتها حرية التفكير والتعبير عن مشاعرها أيا كانت ..
كانت ليلى تدرس مشاعرها ربما وفكرت ماذا لو طلق تلك الفتاة وعاد ..؟! هل يسعدها ذلك …؟!
سؤال كان معقدا جدا بالنسبة لها ولكن داخلها لم تكن سعيدة بخبر طلاقه كما يجب أن يكون رغم إنها تأثرت للحظات وتحركت مشاعرها قليلا لكن ليس بالشكل الذي تخيلته …
ليس كما يفترض أن يحدث مع إمرأة تسمع خبر إنفصال حب عمرها عن زوجته ..!!
لماذا لم تنتفض فرحا كما كان يجب أن يحدث ..؟؟
هل لإن إنسانيتها حكمت عليها بذلك فكيف تفرح لإنفصال زوجين عن بعضهما أم إن مشاعرها لم تعد كالسابق أم الإثنين معا ..؟!
” كلا لم أفرح …”
نهضت والدتها من مكانها ما إن سمعت جواب إبنتها حيث جلست جانبها ثم جذبتها داخل أحضانها تسألها بنبرتها الأمومية الدافئة :-
” تحدثي يا ليلى .. قولي ما يعتمل داخلك … لا تكتمي مشاعرك بهذه الطريقة المؤلمة والمرهقة تماما …”
تمتمت ليلى بخفوت :-
” لم أعد أفهم مشاعري … انا مشتتة وضائعة …”
” قولي ما تشعرين به فقط …”
قالتها والدتها بجدية لتأخذ ليلى نفسا عميقا ثم تقول :-
” نديم … ”
” ما به نديم …؟!”
أجابت وهي تحتمي بإحضان والدتها أكثر :-
” هو الرجل الذي أحببت .. وهو نفسه الرجل الذي خذلني ..”
أضافت بصوت ضعيف :-
” لكنني لم أكرهه .. وفي نفس الوقت لا أشعر بنفس الطريقة المشابهة التي كنت أشعر بها نحوه …”
سألت والدتها بتركيز :-
” كيف تشعرين نحوه ..؟!”
أجابت ليلى بخفوت :-
” كان من المفترض أن تكون مشاعري أكثر وضوحا .. إما كراهية شديدة وحقد بالغ بسبب تخليه عني او عشق لعين لا ينضب ..”
تشكلت الدموع داخل عينيها وهي تضيف بصوت مبحوح :-
” اما انا فلا أشعر لا بهذا ولا بذاك .. لا أكرهه ولا أحقد عليه .. لا أتمنى أن يصيبه سوءا أبدا وفي نفس الوقت لا أشعر بنفس قوة مشاعري السابقة نحوه ..”
” هل تعتقدين إنه يجب عليك أن تكرهيه وتحقدي عليه ..؟!”
سألتها والدتها بعناية لتنهض ليلى من بين أحضانها وهي تردد بدموع حبيسة :-
” أليس هذا ما يجب أن يحدث …؟! أليس هذا ما يجب أن أشعر به إتجاهه ..؟!”
سألتها والدتها مجددا :-
” لماذا لم تشعري بذلك إذا ..؟! لماذا لم تكرهيه ..؟! او بالأحرى لماذا لم تتمني له السوء ..؟!”
أجابت ليلى بصدق :-
” لإنه لا يستحق ذلك .. لا يستحق السوء أبدا ..”
توقفت عن إكمال حديثها عندما باغتتها والدتها :-
” لإنك تحبينه تقولين هذا أم ..”
أجابتها ليلى بجدية :-
” كلا ، لإن نديم لا يستحق الألم .. لا يستحق الأذى .. ربما تستغربين كلامي .. لكن هذه الحقيقة .. حتى لو خذلني يوما ما فهذا لن يغير حقيقة إنه إنسان جيد ومحترم ويستحق كل خير … ”
أضافت وعيناها تشردان بعيدا :-
” نعم هو أخطأ وأوجعني لكن وجعه كان أكبر .. آلمه كان أقسى … ”
إسترسلت وهي تنظر الى والدتها :-
” الجميع يخطأ … لا أحد منا معصوم عن الخطأ .. ونديم حتى لو أخطأ فما عاشه كافيا ليبرر له أخطائه مهما كانت …”
” طالما لا تشعرين بأي كراهية أو حقد إتجاهه فأين تكمن المشكلة ..؟! هل تخشين من حقيقة إنك ما زلت تحبينه ..؟!”
ردت ليلى بتساؤل هي الأخرى :-
” أليس من الطبيعي أن أخشى ذلك ..؟!”
عادت والدتها تسألها :-
” هل تريدين التوقف عن حبه ..؟! نسيانه ..؟!”
أجابت ليلى ببديهية :-
” بالطبع .. هذا سيكون الأفضل لي …”
ابتسمت والدتها بتفهم وهي تقول :-
” لن تنسيه طالما أنتِ تريدين ذلك ..”
عقدت ليلى حاجبيها بتعجب لتضيف والدتها بحكمة :-
” لا تحاصري مشاعرك وتحاولين قتلها لإنك بهذه الطريقة ستدخلين في حرب خسارة مع مشاعرك التي ستطفو الى السطح مجددا …. تعاملي مع مشاعرك بإعتيادية .. تقبليها .. ولكن لا تجعليها تتحكم بك .. لا تبحثي عن طريقة للنسيان … تقبلي الواقع وتعاملي معه بسلاسة حتى يأتي الوقت الذي ستخفت به تلك المشاعر تماما وربما تنتهي أيضا ..!!”
هزت ليلى رأسها بصمت عندما قبضت والدتها على كفها وهي تقول :-
” انا سعيدة بما قلته .. سعيدة بكونك لم تحقدي عليه وتتمني له السوء .. صدقيني يا ليلى ستنسيه .. الأمر فقط يحتاج الى وقت .. وقت ليس إلا ..”
سألتها ليلى بصوت مبحوح :-
” هل تعتقدين ذلك …؟!”
ردت والدتها بيقين :-
” أثق بذلك تماما …”
إبتسمت ليلى من بين دموعها عندما سألتها والدتها بجدية :-
” ماذا عن زاهر ..؟!”
نظرت لها ليلى وهي تجيب :-
” ما به زاهر ..؟!”
قالت فاتن بجدية :-
” أصبح واضحا مدى حبه لك ..”
توترت ملامح ليلى عندما أضافت والدتها تسألها :-
” لكن ماذا عنك ..؟!”
أضافت بجدية :-
” لا أتحدث عن مشاعرك .. مبكرا جدا أن نتحدث عنها لكن أتحدث بصورة عامة .. هناك رجل رائع يعشقك فهل تملكين ولو حتى القبول له ولمشاعره …؟!”
بهتت ملامح ليلى وعقلها أخذ يتسائل بنفس الطريقة ..
هل تملك هي حتى لو القبول فقط لمشاعره ..؟!
…………………………………………………..
في قصر ضخم جدا …عتيد … ينتمي لقصور العصور الوسطى التي ورثها أبنائها جيلا بعد جيل ..
قصر رغم قدمه الشديد لكن الحداثه تظهر عليه بعدما كان يتم تحديثه بشكل مستمر حتى بات يجمع بين أصالة الماضي العتيق وحداثة الحاضر ..!!
كانت شريفة تتحرك برقي كعادتها تلقي الأوامر على الخادمات اللواتي يتحركن هنا وهناك يجهزن المكان والطاولة وكل شيء كما تريده الهانم الكبيرة بالضبط دون زيادة او نقص ..!
كل شيء كان يتم بدقة شديدة ونظام صارم لا يحيد عنه أي أحد يسكن هذا القصر أو ينتمي له بأي صفة كانت ..
أما هو فنفذ ما أرادته والدته فكان في قصر عائلته قبل الوقت المحدد حيث قضى وقتا خاصا مع أبيه ليصل شقيقه الأصغر بعدها فيتحدث معه قليلا يسأله عن أحواله رغم كونه يتواصل معه بإستمرار ..
كان تجمعا عائليا معتادا في كل فترة حيث تتولى والدته ترتيب كل شيء لتتجمع العائلة في القصر الكبير ويقضون اليوم بأكمله سويا وهو رغم كل شيء كان ملتزما مثل البقية في حضور هذا التجمع وما يماثله من تجمعات ومناسبات تخص العائلة على نطاق أوسع ..
كيف لا يفعل وهو نشأ منذ صغره على هذه العادات الموروثة سواء من عائله والده أو والدته ..؟!
العائلة قبل كل شيء …!!
وقف بعيدا يدخن سيجارته بشرود لحظي أطاحت به والدته وهي تخبره بإقرار :-
” علياء ستصل مع زوجها وطفليها بعد قليل …”
هز رأسه متفهما عندما أطلقت والدته تنهيدتها المعتادة وهي تضيف بنبرة يعرفها جيدا :-
” متى يأتي اليوم الذي تأتيني فيه ومعك زوجتك وأطفالك كشقيقتك ..؟!”
أجابها بهدوء وثقة بعدما رمى سيجارته أرضا :-
” قريبا .. قريبا جدا ..”
سألته بجدية وعيناها تترقبان ملامحه التي بدت جادة فعلا لا تمزح :-
” هل هذا يعني إنك وجدت فتاة مناسبة لك ..؟!”
إستدار نحوها يرمقها بنظراته من أسفل رموشه الكثيفة وهو يؤكد ما قاله :-
” نعم ، وجدتها …”
لمعت عينا والدته وهي تسأله بإهتمام شديد لمعرفة من تلك الفتاة التي إختارها ولدها كزوجة له :-
” من هي ..؟! ما إسمها والأهم من عائلتها و …”
قاطعها بهدوء :-
” على مهلك شريفة هانم .. ستعرفين كل شيء في الوقت المناسب …”
رددت بقوة :-
” المهم أن تكون فتاة تليق بك وبنا .. ”
سألها بجدية :-
” هل تشكين في ذلك ..؟!”
هزت رأسها نفيا وهي تقول :-
” كلا ، أثق جيدا بك وبخياراتك … أعلم إنك ستختار الزوجة التي تليق بك وبمكانتك بل بنا جميعا …”
ابتسم برتابة وهو يجذب كفها يقبله مرددا برقي :-
” ثقي بي شريفة هانم وسأجلب لك أجمل عروس قريبا …”
إبتسمت بصفاء وهي تدعو داخلها أن يأتي هذا اليوم بأسرع وقت ممكن عندما غادرت بعدها تستمر في مهامها التي لا تتوقف تتابعها عينا كنان الذي فكر رغما عنه في حديثه مع والدته وعروسه المنتظرة …
يعلم جيدا إن ليلى مثالية في كل شيء …
جميلة وذكية وإبنة عائلة كبيرة ومعروفة ..
نشأت في بيئة تشابه بيئته وترعرعت بين أحضان عائلة معروفة بالأوساط الراقية …
هي تمتلك جميع المؤهلات المطلوبة لتكون الزوجة المناسبة له من وجهة نظر شريفة هانم نصار بإستثناء شيء واحد ..
شيء واحد يدرك إن والدته سترفضه لا محاله وبسببه ستنسى أي ميزات أخرى مهما كانت ..
لكنه لا يهتم..
منذ متى وهو يهتم ..؟!
هو إختارها وإنتهى الأمر ولو مهما حدث لن يتراجع عن قراره بالزواج منها …
اما والدته فهي حرة في قرارها طالما هو راضي وموافق فلا يحق لأحد أن يتدخل في قراره أيا كان …
أطفأ سيجارته أخيرا وهو ينهض من مكانه متجها الى الشرفة المطلة على الحديقة الشاسعة ليجد والده كعادته جالسا هناك يرتشف مشروبه المفضل وهو الشاي الأخضر عندما إبتسم له مباشرة ما إن رأه ليبادله كنان إبتسامته وهو يجلس أمامه يتأمل ملامح والده التي ظهر عليها التقدم في العمر بوضوح والشيب الذي لم يترك شعرة واحدة من شعره دون أن يغزوها ..
سأله والده وهو يتأمله بإهتمام :-
” ما أخبار العمل …؟!”
رد بجدية :-
” أكثر من رائعة ..”
إبتسم والده بصمت بات رفيقه منذ سنوات …
صمت قطعه كنان وهو يخبره :-
” مكتبك ينتظرك بابا .. ”
لكن والده رفض بقوة كعادته :-
” أخبرتك إنني إعتزلت العمل بكل ما فيه … انت موجود وأكثر من كافي …”
تنهد كنان وهى يقول بثقة :-
” أعلم ولكن …”
لكن والده قاطعه بحسم :-
” لا يوجد لكن يا كنان .. لقد مرت سنوات على ذلك اليوم الذي منحته فيك حق إدارة كل شيء ورغم هذا ما زلت تجادل في نفس النقطة ..!!”
برر كنان ذلك :-
” ربما لإن الوقت ما زال مبكرا على إعتزالك العمل بشكل نهائي ..”
تمتم والده بإختناق خفي :-
” هكذا أفضل .. تلك الأجواء جميعها لم تعد تناسبني … انا مرتاح هكذا … ”
ردد كنان رغم عدم إقتناعه :-
” ما يهمني هو راحتك يا بابا لذا أنت حر بالطبع طالما الأمر يصب في صالحك …”
سأله والده بضيق خفي :-
” شقيقك غادر بسرعة كالعادة …”
قال كنان بجدية :-
” انت تعرف ظروف عمله يا بابا … ”
هز والده رأسه على مضض قبل أن يغمغم :-
” الظروف … !! هذا المبرر الدائم .. الظروف نفسها من جعلتكما تتركان القصر وتقرران العيش بشكل منفرد بعيدا عنا ..”
هتف كنان يدافع عن نفسه وعن شقيقه :-
” انت تعرف إننا أردنا أن نستقل في حياتنا …”
قال والده بجدية :-
” هل تعتقد إنني ضد حصولكما على الإستقلالية يا كنان ..؟! الفكرة لا تكمن هنا .. الإستقلالية يا بني ستنالها في الوقت الذي يستدعي ذلك .. عندما تتزوج حينها بالطبع ستغادر هذا القصر وتصنع حياتك الخاصة مع زوجتك وأطفالك ولكنك انت وشقيقك إستعجلتما وقررتما المغادرة دون وجود سبب وجيه .. انت اولا عندما قررت العيش منفردا بحجج غير منطقية ليسارع شقيقك لفعل نفس الشيء فيشتري شقة خاصة به يسكنها متحججا بعمله وأشياء جميعها كاذبة ورغم ذلك إدعيت إنني صدقتها …”
” أنا أعتذر عني ونيابة عن شقيقي يا بابا … نحن فقط وجدنا إن هذا أفضل لنا ولا أظن إننا مقصرين في حقك وحق ماما …”
قالها كنان بصدق ليأخذ والده نفسا عميقا ثم يهتف بجدية :-
” أنا لا يعجبني هذا الوضع ليس لأجلي بل لأجلكم انت وشقيقك وشقيقتك …”
” لماذا يا بابا …؟! ”
سأله كنان بحيرة ليرد والده بجدية :-
” إذا كنتما من الآن قررتما الإستقلال بشكل تام في حياتكما والإبتعاد عن قصر العائلة فماذا سيحدث بعدما يتزوج كلا منكما وتصبح لديه عائلته الخاصة وتتضاعف مسؤولياته والأهم ماذا سيحدث بعد وفاتنا انا ووالدتك وكيف ستبقى رابطة الأخوة قائمة بينكما وأنتما منذ الآن بعيدان عن بعضكما وكلا منكما يسبح بعالمه …”
قال كنان بسرعة :-
” بعيد الشر عنكما يا بابا …”
أضاف بجدية :-
” كما إنك تبالغ حقا … انا وسيف نتواصل بشكل مستمر ونلتقي كثيرا خارجا … لقائاتنا لا تقتصر على التجمعات العائلية كما تظن .. انت تدرك جيدا مدى عمق علاقتي بسيف ..!!”
” أدرك …”
قالها والده مرغما ليبتسم كنان وهو يسأله :-
” لمَ القلق إذا ..؟!”
تنهد والده وهو يقول :-
” عدني يا كنان .. عدني أن تحافظ على رباط العائلة الوثيق بعد رحيلي … عدني إنك ستكون عمود العائلة وقائدها الذي سيجمع شقيقه وشقيقته حوله وسيسعى دائما للحفاظ على روابط الأخوة والمحبة بينكما …”
تنهد كنان وهو يتمتم بصدق :-
” أعدك يا بابا ..”
أضاف بجدية :-
” حفظك الله لنا ولا أرانا فيكَ مكروها …”
ابتسم والده له بصمت امتد للحظات قبل أن يقطعه وهو يسأل :-
” هل تلعب الشطرنج معي ..؟!”
ضحك كنان مرددا بمزاح :-
” سأغلبك وستنزعج …”
تمتم والده بجدية :-
” الأب عادة يفرح عندما يغلبه أحد أبناءه ولا ينزعج أبدا …”
ابتسم كنان قبل أن يهتف بحماس :-
” لنبدأ إذا …”
إنتهت اللعبة بفوز كنان المستحق عندما مازح أبيه كثيرا قبل أن ينهض من مكانه يستقبل شقيقته التي وصلت أخيرا مع زوجها وطفليها ..
رحب بهم وهو يتبادل التحية مع زوج شقيقته وابن خاله في نفس الوقت بينما إحتضنته شقيقته علياء بسعادة ثم ولديها ليجلس أخيرا معهما بعد قدوم والديه ويتحدثان قليلا وسط جوي عائلي بإمتياز …
مر الوقت ونهضت والدته تطلب من الخدم تجهيز المائدة عندما إنفردت علياء به مستغلة إنشغال زوجها بالحديث مع والدها لتسأله بإهتمام :-
” ما أخبارك يا كنان ..؟!”
رد مبتسما بخفة :-
” أخباري جيدة جدا ..”
” حقا ..؟! هل من جديد ..؟!”
سألته بنفس الإهتمام ليضحك مرغما وهو يقول :-
” تتحدثين عن نفس الموضوع ، أليس كذلك ..”
زمت علياء شفتيها بعبوس وهي تردد :-
” أريد أن أفرح بشقيقي الكبير يا كنان ..”
قال كنان بخفوت :-
” ستفرحين قريبا .. لا تقلقي ..”
هتفت بسعادة وحماس :-
” حقا ..؟! من هي ..؟! أخبرني … حدثني عنها بسرعة …”
” على مهلك .. ما زال الوقت مبكرا قليلا .. ستعرفين كل شيء في الوقت المناسب ..”
قالت علياء بفرحة :-
” انا سعيدة حقا والأهم إنني أموت شوقا لرؤية تلك المحظوظة التي أوقعت شقيقي الكبير في أسرها وجعلته يقرر الزواج أخيرا …”
هتف يبتسم مرغما :-
” هل ترينها محظوظة حقا ..؟!”
هتفت بجدية :-
” وكثيرا أيضا …”
أكملت بهدوء :-
” ليس بسبب ميزاتك المعروفة للجميع عن كونك ثري ومن عائلة كبيرة ورجل اعمال ذكي وهذه الأشياء .. محظوظة لإنها ستأخذ رجل حقيقي .. رجل بكل ما تعنيه الكلمة من معنى …”
ابتسم لها بحب أخوي خالص عندما هبط بعينيها نحو بطنها التي بدأت تظهر عليها آثار الحمل فسألها :-
” متى ستعرفين جنس الجنين ..؟!”
ردت وشفتيها تعلوها إبتسامة سعيدة :-
” الشهر القادم .. أريدها فتاة يا كنان .. ”
ضحك بخفة يردد :-
” معك حق …يكفيك هذين المشاغبين مع والدهما .. إجلبي فتاة تخفف من أجواء البيت الذكورية البحتة ..”
” ان شاءالله …”
تمتمت برجاء صادق قبل أن ينهض الجميع ليجلس على مكانه المخصص له على مائدة الطعام عندما بدأ الجميع يتناول الطعام المعد ما عداه هو حيث شرد لا إراديا في ذلك المقعد الفارغ .. المقعد الذي فقد صاحبه منذ سنوات .. فقده دون رجعة ورغم مرور تلك السنوات لم يستطع هو تخطي هذا الفقدان ولا يظن إنه سيفعل ..!!
………………………………………………………
قضت يومها كاملا في غرفتها .. تعتزل الجميع وعقلها غارق في أفكارها التي لا تنتهي ..
تسأل نفسها مرارا عن الكثير من الأشياء فلا تجد سوى أجوبة غير منطقية ولا حقيقية ..
أجوبة يطغى عليها ضباب الماضي مختلطا بواقعية الحاضر ….
تبحث عن طوق للنجاة فلا تجده …
تبحث عن مرسى لمشاعرها لكن دون فائدة ..
كل شيء بها مبعثر ومشاعرها تتخبط دون رحمة …
لا تفهم إذا ما كانت تلك الرسالة وحدها هي السبب أم هناك أسباب أخرى تجاهلتها عمدا مستغلة مشاكل عائلتها والشركة فإتخذتها حجة للهروب من كل هذه الفوضى المحيطة بها ..
فوضى بحاجة لترتيبها مجددا …!!
ألقت بجسدها فوق السرير تنظر الى سقف غرفتها العالي بصمت ..
أغمضت عينيها وعقلها يراجع حديثها مع والدتها وتخبط مشاعرها وتشتتها وحيرتها ..!!
ورغما عنها فكرت به .. ابن خالها الذي أفصح عن عشق سرمدي لا نهاية له .. عشق لم تنتبه له يوما فهي كانت مولعة بآخر تماما … والآن العشق بات مكشوفا بإعتراف صريح لا يقبل خطئا .. عشق تتمناه أي أنثى على وجه الأرض عداها هي .. عشق لا يرضيها رغم من المفترض إنه يفعل …
زاهر رجل مثالي في كل شيء .. هو حلم لأي إمرأة عداها هي …
هي لا تناسبه .. هكذا فكرت …
لكنه يحبها ..!! نهرت نفسها مجددا تذكرها بهذه الحقيقة .. حقيقة عشقه الصريح لها والذي تعاملت مع بأريحية في بادئ الأمر لكن الآن وبعد حديثها مع والدتها وسؤالها الجدي عن مدى تقبلها لمشاعره تلك بات الأمر مختلفا وبات عليها أن تحسم هذا الأمر دون تردد …
إعتدلت في جلستها تتذكر لا إراديا تفاصيل الماضي ..
الماضي الذي بدأ يطفو الى السطح ..
إقامته في الخارج منذ الطفولة ..
سفرها هي وعائلتها سنويا هناك ..
رقيه ولطافته الدائمة ..
مشاكساته لمريم …!!
اما هي فلا تتذكر شيئا معينا كان بينهما ..
لا ترى علاقة من أي نوع ..
هل هي لم تنتبه أم هو من تعمد ذلك ..؟!
كان بينهما مودة طبيعية بين أي قريبين لكن لم يكن هناك شيئا عدا هذا …
لا تتذكر موقفا مريبا جمعهما يوما ..
لا تتذكر غيرة ولو بسيطة عندما كانت تتحدث عن نديم او تسرد مخططاتهما أمام العائلة بل حتى علاقته بنديم كانت جيدة جدا ..
كيف كان يعشقها ولم يظهر عليه أي تصرف ولو بسيط يدل على عشقه ولا لمحة غيرة ضئيلة …!!
هل هو من كان ناجحا في إخفاء مشاعره كليا أم هي من لم تنتبه لها ..؟!
نهضت من مكانها تحمل هاتفها تنظر له بتردد ..
عقلها يطلب منها أن تحسم الأمر ..
أن تتخذ القرار الصحيح فلا تتركه معلقا هكذا دون جواب واضح …
معلقا بأمل ربما لا وجود له من الأساس ..
بينما قلبها يخبرها أن تتراجع فورا وأن تترك الأمور تسير كما هي .. أن تجعل القدر يسير حياتها بينما تكتفي هي بدور المتفرج فترى إلى أين ستنتهي قصتها ..؟!
وفي النهاية كانت الغلبة لعقلها فبعثت رسالة له مختصره في جملة قصيرة :-
” هل يمكنني أن أراك ..؟!”
ثم عادت تجلس فوق سريرها بتوتر واضح تتوقع رفضه أو تجاهله لرسالتها لكنها أجابها بالقبول بعد حوالي ثلث ساعة من إرسالها الرسالة ..
ثلث ساعة من التوتر والتردد والندم على تسرعها ..
نهضت من مكانها وسارعت تغير ملابسها بعدما إتفقا أن يأتي هو ويأخذها من المنزل …
إرتدت فستانا بسيطا أبيض اللون طويل قليلا ورفعت شعرها الأشقر عاليا ووضعت عطرها المفضل ثم إختارت أن تردتي حذاءا أنيقا ذو كعب متوسط الطول بني اللون …
حملت حقيبتها ثم غادرت بعدما رن هاتفها ينبأها بوصوله ..
اتجهت نحوه وركبت جانبه في سيارته بعدما ألقت عليه التحية فرد تحيتها بإبتسامة هادئة وهو يدير مقود سيارته متجها الى احد المطاعم المناسبة ليتناولان العشاء سويا …
بعد مدة من الزمن ..
كانت تجلس أمامه على الطاولة تتناول الحساء الدافئ بصمت وهو يفعل المثل ..
تبادلا أحاديثا عادية تماما …
لم تتطرق لما حدث بينهما ولم يفعل هو بدوره وقد شكرته داخلها كثيرا لذلك …
ورغم هذا كانت تبدو غير مرتاحة أبدا ومضطربة بشكل ما عندما همس يسألها وكأنه شعر بتوترها وإضطرابها :-
” هل أنت بخير يا ليلى ..؟! تبدين متوترة قليلا …”
نظرت له وردت :-
” نعم .. متوترة قليلا .. ”
سألها بإهتمام وهو يضع ملعقته جانبا :-
” لماذا …؟!”
ردت بخفوت وهي تضع ملعقتها بدورها جانبا كما فعل :-
” ربما لإن كل ما يحدث معي يوترني ..”
سألها مجددا :-
” ومالذي حدث معك ..؟!”
نظرت له بتردد لكنها حسمت أمرها وقالت :-
” لقد وصلتني رسالة مساء البارحة من رقم مجهول مختصرها إن نديم طلق زوجته …!!”
ران الصمت للحظات وملامحه كانت مبهمة تماما عندما أكملت :-
” لا أفهم من بعث تلك الرسالة وما غايته ..؟! مالذي يريده مني ..؟! لماذا يخبرني بشيء كهذا ..؟!”
تحدث زاهر أخيرا :-
” ربما لإنه وجد في إخبارك ضرورة … ”
هتفت بحنق :-
” ما شأني بنديم وزواجه .. ؟! لقد إنتهت علاقتي به .. تزوج أو تطلق ليس من شأني ولا يهمني …”
هتف ببرود :-
” ربما لإنه لا يرى ذلك .. يرى عكس ما تقولين …”
سألته بتعجب :-
” كيف يعني ..؟!”
هتف بجدية :-
” يعني ليس من الضروري أن تكون غايته سيئة … ربما هو يريد الإصلاح بينكما بطريقة ما …”
قاطعته بسرعة :-
” الإصلاح بيننا ..؟!! هل تعي ما تقوله يا زاهر ..؟!”
رد وهو يبتسم ببطأ :-
” أعيه تماما يا ليلى .. ”
أضاف وعيناه تتأملان ملامحها الحانقة :-
” بما إن نديم طلق زوجته فهذا يعني إن أمل عودتكما عاد مجددا الى الواجهة ..”
هتفت بخفوت :-
” عودتنا .. بعد كل ما حدث بيننا .. بعد كل الآلام التي عايشنها …”
تراجع الى الخلف مرددا ببرود :-
” أنت نفسك قلتها .. إستنكرتِ فكرة العودة بسبب ما حدث بينكما … بسبب الألم الذي عايشتماه وتجاهلتي أهم سبب يمنع العودة ..”
سألته بتوجس :-
” ماذا تقصد يا زاهر ..؟!”
رد بهدوء :-
” الحب … الحب الذي لم تتطرقِ إليه لإنه ما زال موجودا .. الحب الذي لم تتحررِ منه بعد .. وطالما الحب ما زال حيا فالعودة ليست مستحيلة …”
هتفت بإنفعال مكتوم :-
” أعود إليه .. بعدما تزوج غيري .. بعدما فضل أخرى عليه ..”
قال بسرعة :-
” وأنت فعلت نفس الشيء … تزوجتِ غيره … تزوجت أخيه وهو كان يعايش أسوأ ظروف ممكنة ..”
قالت تدافع عن نفسها :-
” انا تزوجت عمار لأجله .. لأجل حمايته و …”
قاطعها بقوة :-
” وهو تزوج تلك الفتاة لإنه يحتاجها .. لإنه وجد بها ملاذه .. أفيقي يا ليلى .. نحن لا نتحدث عن شخص عادي .. نحن نتحدث عن رجل عاش طوال حياته فخورا معتدا بنفسه .. رجل يرونه الجميع مثاليا ويتمنى الكثير أن يكونون مكانه .. رجل فقد كل هذا في لمح البصر .. فقد أهم شيء يمتلكه الإنسان ويمشي بسببه مرفوع الرأس بين الناس .. ! نديم تحول من شاب يملك كل شيء الى سجين سابق بتهمة دمرت سمعته ومستقبله تماما … نديم بات شخصا منبوذا من الجميع وهو الذي يعيش في مجتمع لا يرحم من يسقط أيا كان سبب سقوطه فكيف إذا كان السببب مرتبطا بسمعته …؟! ”
أضاف متأملا إضطراب ملامحها :-
” ماذا كنتِ تنتطرين منه وهو فقد كل شيء وعلى رأسهم أنتِ ..؟! هل كنت تنتظرين أن يخضع لعشقك مجددا ما إن يراك ..؟! هل كنت تنتظرين أن يعيش راهبا في محراب عشقك ..؟!”
إبتلعت غصتها بينما زاهر يسترسل غير مباليا إذا ما كان يقسو عليها خلال كلماته فهي يجب أن تواجه الحقيقة كاملة :-
” لو كنتِ مكانه .. لو نديم تخلى عنكِ وتزوج بأخرى … هل كنت ستنتظرينه ..؟! هل كنت ستعيشين على أطلال حبه ..؟!”
أجابت بصوت متحشرج :-
” لم لا ..؟! ربما كنت سأفعل ..”
” هل كنت ستسامحينه حتى لو زواجه لأسباب قوية .. ؟! هل كنت ستغفرين له أم إن كبريائك سيرفض ذلك يا ليلى ..؟! كبريائك الذي جعلك لا تخبرينه عن حقيقة زواجك من عمار إلا قبل ساعتين أو أقل من زفافه…؟! ”
أضاف وهو يحاصرها بنبرته القوية :-
” لقد تفهمت موقفك وسبب زواجك وإحترمته لكن كان بإمكانك أن تخبريه الحقيقة عند خروجه .. لكنكِ تأخرتِ .. تأخرت كثيرا .. وعندما دخلت حياته أخرى جننتِ .. وبدلا من أن تسارعي وتعالجي الموقف وتخبريه الحقيقة وتدعميه سمحتِ لأخرى أن تحتل المكانة التي كان يجب أن تحتليها أنت بدلها .. سمحتِ لأخرى أن تمنحه كل شيء فإنتفضتِ لكبريائك وقررتِ الإنسحاب حتى يأتي الوقت المناسب وتمنحينه الضربة القاضية في يوم لا مجال للتراجع به .. ”
أنهى كلماته بحسم :-
” لو كنت أخبرتهِ من أول يوم بالحقيقة ولو برسالة قصيرة لكنتِ إختصرت على كليكما سنوات من الوجع …”
تطلعت له بعيني مغرقتين بالعبرات للحظات قبل أن تسحب حقيبتها وتنهض من مكانها خارج المطعم بأكمله ودموعها تغرق وجنتيها ليس بسبب كلماته القاسية بل بسبب صدق حديثه ..
زاهر وحده من واجهها بالحقيقة التي هربت منها طويلا ..
حقيقة تجاهلتها تماما ليأتي هو ويعرض جميع الحقائق أمام عينيها دون تمهيد .. هكذا دفعة واحدة ..
…………………………..
في صباح اليوم التالي ..
وقفت ليلى بسيارتها الحديثة أمام منزل خالتها تنظر إليه بتردد وتتسائل إذا كان ما ستفعله صحيحا أم لا …
ترددت لحظات لكنها عادت تذكر نفسها إنها تفعل ذلك بدافع حسن فلا داعي للتردد إذا ..!!
أخرجت هاتفها من حقيبتها وإتصلت بإبنة خالتها عندما جائها صوت غالية يرحب بها بنبرة لا تخلو من الدهشة لترد ليلى بهدوء :-
” انا في الخارج يا غالية .. يجب أن أتحدث معك …”
أغلقت الهاتف بعدما أخبرتها غالية إنها آتية عندما وجدتها تخرج بعد دقائق وهي ترتدي بنطالا من الجينز وقميصا بسيطا وشعرها مرفوع عاليا بشكل فوضوي قليلا فأدركت إنها كانت ما زالت نائمة عندما إتصلت ..
هبطت ليلى من سيارتها بكامل أناقتها فهي ستنهي حديثها مع غالية وتذهب الى الشركة عندما تقدمت غالية نحوها ترحب بها بإبتسامة صادقة :-
” اهلا ليلى ..”
بالكاد رسمت ليلى إبتسامة على وجهها وهي ترد :-
” اهلا غالية .. آسفة لإنني أيقظتك لكنني أردت أن أخبرك شيئا هاما قبل ذهابي الى الشركة ..”
قالت غالية بخفة :-
” لا عليك .. ”
أضافت بتردد :-
” يمكنك الدخول ..”
لكن ليلى قاطعتها بحزم :-
” شكرا لكنني لا أريد …”
هزت غالية رأسها بتفهم بينما قالت ليلى بصوت جاد ؛
” لقد وصلتني رسالة ليلة أول البارحة …”
نظرت لها غالية بإهتمام عندما أضافت ليلى :-
” مكتوب فيها إن نديم طلق زوجته ..”
نظرت لها غالية بدهشة تجاهلتها ليلى وهي تضيف :-
” لا أعلم إذا ما كان لديك علم أم لا ولكن وجدت إنه يجب أن يعرف أحدا ما بذلك لإن من أرسل هذه الرسالة شخصا يضمر شيئا ما ربما لي او لنديم …”
توقفت للحظة ثم قالت :-
” أظن إنه عمار .. وإذا كان هو بالفعل فهذا يعني إنه يتعقب نديم لذا وجدت الأفضل أن يكون لديكِ علم كي تحذري نديم …”
غمغمت غالية :-
” شكرا يا ليلى ..”
ردت ليلى بتهكم :-
” لا شكر على واجب …”
همت بالتحرك لكن غالية قالت :-
” مهلا توقفي ..”
نظرت لها ليلى بتساؤل لتهتف غالية بجدية :-
” لماذا خمنتِ إنه عمار ..؟!”
ردت ليلى ببساطة :-
” لا أعلم .. مجرد تخمين .. ”
هزت غالية رأسها تردد بتفكير :-
” هل يُعقل أن تصل تصرفاته الى هذه الدرجة فيتعقب نديم حتى وهو يعيش في قارة أخرى ..؟!”
ضحكت ليلى مرغمة وقالت بعد لحظات وهي تقطع ضحكتها :
” إنه عمار يا عزيزتي .. يبدو إنك لم تعرفي أخيك جيدا بعد …”
قالت غالية ببرود :-
” بل أعرفه وأعرف مدى حقارته ولكن هذا الأمر لا يعرف به أحد عداي فكيف عرف هو ..؟!”
تجاهلت ليلى إقرار غالية بحقيقة محتوى الرسالة ومعرفتها بأمر الطلاق لترد ببديهية :-
” أخبرتكِ منذ قليل إنه ربما يتعقبه ..”
اومأت غالية مؤيدة حديث ابنة خالتها عندما قالت ليلى بجدية :-
” انا يجب أن أغادر … عن إذنك …”
لكن غالية أوقفتها مجددا وهي تقول :-
” ليلى لحظة من فضلك ..”
نظرت لها ليلى لتهتف غالية :-
” انا لا أحب ما يحدث بيننا …”
رفعت ليلى حاجبها فأكملت غالية بجدية :-
” أنا أخطأت في حقك يا ليلى وإعتذرت … نحن طوال عمرنا كنا بمثابة شقيقتين .. لا أحب أن تصل الأمور بيننا الى هذا الحد …”
قالت ليلى بهدوء :-
” مالذي تريدينه يا غالية ..؟! أن نعود كما كنا ..؟! هل تعتقدين إن هذا ممكنا بعد كل ما مررنا به …؟!”
هتفت غالية :-
” ليلى انا أخطأت لكنني لم أكن أعلم شيئا وعندما أدركت الحقيقة كان الوقت قد تأخر وأنت أيضا أخطأت عندما لم تخبريني الحقيقة .. كان بإمكانك حتى لو بعد فترة من زواجك .. كنت سأساعدك وأحاول أن أصل الى حل .. كنا سنصل الى حل سويا .. انا أتفهم خوفك لكن كتمانك السر بهذه الطريقة عن الجميع كان خطئا …”
همست ليلى ببؤس :-
” للأسف ما تقولينه صحيح .. لا يمكنني أن أجادلك فيه .. انا أخطأت .. كان بإمكاني أن ألجأ إليك وأنا أدرك جيدا إنك ستحفظين السر بل وسوف تساعديني أيضا لكنني لم أفعل ..”
أضافت بوجع :-
” لا تفكري إنني ألقي اللوم عليكِ انتِ فقط وعلى نديم بل ألوم نفسي أيضا لكن ما حدث قد حدث والموضوع إنتهي الى هنا .. جميعنا اخطئنا حتى لو بغير قصد وجميعنا ندفع ثمن أخطائنا الآن …”
أضافت منهية الحوار :-
” لكن لا تطلبي مني أن نعود كالسابق .. انا اسفة يا غالية لكن هذا سيكون صعبا علي للغاية.. أنا بحاجة أن أتعافى من الماضي بكل ما فيه وأنت ومن حولك جزءا من هذا الماضي .. لن أتعافى طالما سأتواصل مع هذا الماضي بأي شكل ..”
إبتلعت غالية غصتها بقوة وهي بالكاد تقاوم دموعها الحبيسة عندما فوجئت بليلى تحتضنها وهي تهمس لها :-
” آسفة .. أعلم إنك ستفهميني جيدا وتتفهمين أسبابي … انت دائما كنت بمثابة شقيقتي .. مكانتك غالية جدا عندي وستبقى كما هي لكنني يجب أن أبتعد .. ”
منحتهت غالية إبتسامة مرتعشة وهي تهمس بدورها :-
” وأنا آسفة يا ليلى .. آسفة كثيرا .. ”
ابتسمت ليلى بسماحة وهي تقول :-
” إعتذارك مقبول يا غالية …”
أضافت وهي تتنهد :-
” لا أحد يعلم ما سيحمله المستقبل لنا .. ربما كل شيء سيتحسن وربما لا ..”
قاطعتها غالية بثقة :-
” كل شيء سوف يستحسن للأفضل ..”
تمتمت ليلى بتمني :-
” ان شاءالله ..”
ثم ودعتها أخيرا وهي تتجه نحو سيارتها تتابعها عينا غالية وإبتسامة حزينة مرتسمة على شفتيها …
……………………………………………………
دلفت الى غرفتها وهي تضع هاتفها فوق أذنها تتصل بحياة التي أجابتها أخيرا ترحب بها فسألتها غالية بسرعة :-
” من يعرف بأمر طلاقك أنت ونديم يا حياة ..؟!”
تعجبت حياة لسؤالها لكنها أجابت :-
” ماما وحنين …”
أضافت :-
” وجينا التي أقيم عندها حاليا …”
زفرت غالية أنفاسها وهي تتسائل مجددا :-
” ألا يوجد أحد غيرهم يعرف بهذا الأمر ..؟!”
قالت حياة بسرعة :-
” كلا يا غالية .. لم أخبر سوى حنين لأطلب منها أن تتحدث مع ماما بشأن عودتي ..”
أضافت تسأل بجدية :-
” لماذا تسألين ..؟! هل حدث شيء ما ..؟!”
ترددت غالية لكنها حسمت الأمر وقالت :-
” هناك من يعلم بأمر الطلاق وبعث رسالة لليلى يخبرها بذلك ..”
هتفت حياة بعدم تصديق :-
” ماذا ..؟!”
قالت غالية بجدية :-
” من يمكن أن يعرف بهذا الأمر ويسعى لإيصال الخبر لليلى ..؟! انا لم أخبر أحدا حتى هذه اللحظة .. لا أحد يعلم سواي ..”
قالت حياة بجدية :-
” ربما نديم أخبر أحدهم و ..”
قاطعتها غالية بجدية :-
” كلا ، نديم لم يخبر أحدا .. أساسا حتى أنا لم يكن يريد إخباري وعندما أخبرني حذرني ألا يعلم أي شخص بالخبر حتى يعود الى البلاد وأنا إلتزمت بكلامه فحتى ماما لا تعرف أي شيء ..”
تمتمت حياة بحيرة :-
” انا لا أفهم يا غالية .. عن نفسي لا أحد يعلم سوا ماما وحنين .. حتى مي صديقتي لم تعرف بعد وبالطبع لا ماما ولا حنين سترسلان الرسالة إليها وأنت تقولين إنه لا أحد يعرف من طرفكم .. إذا من أرسل الرسالة ..؟!”
” لا أعلم يا حياة ولكن يجب أن أعلم …”
قالت حياة بعد لحظات :-
” ربما نديم من فعلها …”
تجهمت ملامح غالية وهي تسأل :-
” ما هذا الكلام يا حياة ..؟! هل تستوعبين ما تقولينه ..؟!”
همست حياة تشرح وجهة نظرها :-
” ربما يريد جس نبضها إذا ما ستعود إليه أم ..”
هتفت غالية بحزم :-
” توقفي عن هذا الهراء من فضلك ..”
أضافت بعدم تصديق :-
” كيف تفكرين بهذه الطريقة ..؟! انا لا أصدق .. هل هذه طريقة تفكيرك بنديم ووجهة نظرك به …؟!”
أضافت تؤنبها عن قصد :-
” ألم تفهمي بعد مدى الأذى الذي سببه إنفصالكما له وأنت تشكين في كونه يحاول جس نبض ليلى والعودة إليها بعد مرور أيام قليلة على إنفصالكما لا تذكر …”
قالت حياة بإستيحاء:-
” غالية انا …”
قالت غالية بقوة :-
” لم أعهدك هكذا يا حياة .. لطالما كنت ذكية وقوية .. هذا ما وجدته عليه منذ تعارفنا .. ماذا يجري معك لا أفهم ..؟! كيف تحولتِ هكذا فجأة ..؟!”
ران الصمت الثقيل بينهما عندما أضافت غالية :-
” أفيقي بالله عليك يا حياة .. عودي حياة التي عرفتها بكل ذكائها وقوتها وحيويتها …”
شعرت حياة بغصة شديدة تجاهلتها وهي تسأل :-
” من أرسل الرسالة إذا ..؟! هل تشكين بأحد معين ..؟!”
قالت غالية بجدية :-
” من بعث الرسالة شخص سعيد بأمر الطلاق من وجهة نظري ويسعى لتشتيت نديم أكثر بأن يخبر ليلى بهذا الأمر عسى ولعل تتواصل ليلى مع نديم او تحاول الرجوع إليه .. محاولة لتشتيت نديم و تخريب علاقتكما أكثر ..”
هتفت حياة بتوجس:-
“لا يوجد شخص يمكنه إيذاء نديم بهذه الطريقة سوى عمار ..”
” للأسف أنا أيضا أقول هذا … ”
قالتها غالية بحنق لتضيف :-
” لكنني سأجن .. كيف علم بأمر إنفصالكما ..؟! هناك من أخبره بالأمر .. لكن من هو هذا الشخص ..؟!”
صمتت حياة لوهلة تراجع ما حدث والأشخاص الذين علموا بخبر إنفصالهما ..
والدتها وشقيقتها ..
تصنمت للحظة وهي تتذكر نضال فهو من حجز تذكرة السفر لوالدتها …
هل يُعقل إنه وراء هذا ..؟!
أفاقت من أفكارها على صوت غالية وهي تهتف :
” أين شردت يا حياة ..؟!”
ردت حياة :-
” أفكر معك يا غالية …”
قالت غالية :-
” ألا يوجد أحد عدا والدتك وحنين تعرفان بالخبر ..؟!”
أرادت غالية أن تخبرها عن نضال لكنها تذكرت في نفس اللحظة ماذي …!
ماذي عرفت منذ البداية …
قالت بسرعة :-
” ماذي …”
عقدت غالية حاجبيها تسألها :-
” من ماذي ..؟!”
ردت حياة بإختصار :-
” فتاة تعرفنا عليها بالصدفة .. يعني تعرف نديم عليها وجاءت عندنا في حالة صعبة وساعدتها وهكذا ..”
” هل تمزحين يا حياة …؟! تقولينها هكذا بكل بساطة …”
قالت حياة بجدية بعدما شبه تأكدت من كون ماذي هي وراء معرفة ليلى بالخبر :-
” لا تقلقي يا غالية .. سأحل هذا الأمر ..”
” حياة انتظري .. ما قصة هذه الفتاة ..؟! أخبريني من فضلك …”
تنهدت حياة ثم بدأت تخبرها عن ماذي وكيف دخلت حياتهما عندما قالت غالية أخيرا :-
” هذه من طرف عمار .. أرسلها لتحوم حولكما وتنقل أخباركما وتحاول الإيقاع بنديم في نفس الوقت .. الأمر لا يحتاج الى ذكاء …”
قالت حياة بجدية وحزم :-
” هذا ما يبدو بالفعل لكن لا تقلقي .. انا سأتصرف معها …”
” حياة .. عمار ليس هينا وهذه الفتاة من طرفه ..”
قالتها غالية بقلق لتهتف حياة بقوة :-
” أخبرتك ألا تقلقي يا غالية .. إطمئني .. ”
ثم ودعتها وعقلها شرد بماذي وجميع تصرفاتها فتبحث عن طريقة مناسبة للتعامل معها والتخلص من هذه الشيطانة التي دخلت حياهما لأجل تخريبها ..
………………………………………………..
في صباح اليوم التالي
يوم طويل وممل …
هكذا فكرت وهي تتأمل ذلك الملف الذي تعكف على قرائته منذ مدة ..
تحاول أن تشغل نفسها التائهة من خلال العمل ..
تحاول أن تنهي حيرتها …
أن تصل الى منطقة محايدة حيث لا أفكار مزدحمة ولا متاعب بلا نهاية …
أغلقت الملف وألقته جانبا بإهمال وعادت بظهرها الى الخلف وعقلها عاد مجددا يفكر بنفس الموضوع وعرضه الذي جاء في وقت هي في أمس الحاجة له ورغم هذا لا تستسيغ قبوله ..
شركة العائلة تنهار وهي تعرف هذا ومهما حاولت أن تتجاهل وتستمر في محاولاتها لإنقاذ ما يمكن إنقاذه ستكون النتيجة واحدة ..
خسارة فادحة لا يمكن تعويضها مهما حدث ..
الشركة تحتاج الى معجزة كي تنهض من جديد في عالم التجارة المليء بالأشواك …
وهناك عرض مهم جدا .. عرض واضح وصريح ونجاحه مضمون .. عرض مهما حاولت تجاهله تعود وتفكر به مجددا وهي تدرك جيدا إنه الحل الوحيد المتوفر لتلك المعضلة التي تمر بها الشركة ..!
الحل يتمثل بكنان نعمان ..
ذلك الرجل الذي لم تره سوى مرتين فقط ورغم هذا شعرت بالخطر يحوم حولها منذ أول مرة رأته عندما شعرت بنظراته القوية الجريئة تقتحم دواخلها دون رحمة ..
نظرة تبعها حديث مقتضب ثم رقصة تمت إجبارا عنها وهو الذي سحبها بين ذراعيه يراقصها مرغمة ولا ينكر إنه أجبرها بالفعل ولا يهتم ..!!
رجل مقدام ، جريء ومخيف …
هذا الوصف الأمثل له ورغم هذا فهو يملك بيده الحل السحري لإنقاذ الشركة من الإفلاس ..!!
كنان نعمان .. الإسم الصعب في عالم الإقتصاد …
شراكته حلم للعديد من الشركات فالنجاح معه مضمون والإكتساح عنده حقيقة ثابتة لا تتغير ..
هذا ما عرفته عنه لتدرك أهمية هذا الرجل وأدركت في ذات الوقت ما يملكه من سلطة وهيمنة وعلاقات متعددة تمنحه هالة خاصة به تبث الرهبة في قلوب منافسيه ..!!
تعلم جيدا إن رغبته في تلك الشراكة معها ليست لدوافع نزيهة ..!
هناك شيء ما يكمن خلف ذلك …
هل الأمر يتعلق بكونه معجب بها حقا كما شعرت من خلال نظراته وحديثه ..؟!
وإذا كانت أفكارها صحيحة فمالذي يتوقعه منها ..؟!
هل يظن إنها ستخضع ..؟! ستنحني له مقابل ما سيقدمه لها ..؟! ماذا يعتقد بالضبط ..؟!
لقد فكرت مرارا وهي التي قررت ألا تأخذ قرارها قبل تفكير طويل وعميق لتصل الى جواب نهائي وأكيد .!!
أما هو فكان يترأس طاولة الإجتماعات الطويلة والتي يجلس عليها مدراء أقسام فرع شركته الأصلي والأضخم من بيه فروع المتعددة لشركات آل نعمان …
يتحدث بهدوء وحزم .. ثقة وصرامة ..
يخطط ويناقش بعملية بحتة لطالما أثارت إعجاب كل من يسمعه ويراه وهو على هذه الحالة حيث منغمسا بشكل كامل في الحديث عن إحدى الصفقات المهمة والتي ستدر على شركته بالملايين كالعادة ..!!
إنتهى الإجتماع بنتائج إيجابية كالمعتاد عندما نهض متجها خارج قاعة الإجتماعات الضخمة والفخمة جدا في آن واحد وجانبه يسير نائبه يتحدثان في بعض الأمور المهمة عندما وجد سكرتيرة مكتبه تقف ترحيبا به وهي تردد :-
” بوسي النجار تنتظرك كنان بك …”
هز رأسه متفهما وهو يخبر نائبه الأول إنها سيتحدثان مطولا فيما بعد قبل أن يشير الى سكرتيرته أن تطلب له فنجانا من القهوة يحتاجه الآن بعد هذا الإجتماع الطويل أكثر من أي شيء ..
دلف الى الداخل ليجد بوسي تجلس على الكرسي المجاور لمكتبه واضعة قدما فوق الأخرى وذلك الفستان القصير جدا يبرز طول ساقيها الرفيعتين بسمارها الجذاب ..
تقدم الى الداخل ملقيا التحية بإقتضاب عندما سحب كرسيه خلف المكتب وجلس عليه لترد تحيته بهدوء قبل أن تخبره :-
” لقد إتخذت قرارا هاما يجب أن تعرفه …”
نظر لها بتركيز لتضيف بجدية :-
” انا خارج هذه اللعبة بعد الآن ..”
نظر لها بصمت للحظات وكاد أن ينفجر ضاحكا مما يسمعه ..
هي خارج اللعبة وقبلها ليلى ومريم ..!!
ماذا يحدث بالضبط ..؟!
ليلى أصبحت خارج هذه اللعبة الثقيلة منذ أن خط صك ملكيته لها ومريم تبعتها كونها شقيقتها فكل ما يخصها يخصه وهاهي بوسي تتبعهما بشكل فاجئه لكنه لا يهتم …
ليغادر الجميع هذه اللعبة وليبقى هو وحده أمام عمار الخولي وجها لوجه ..!!
” كنا تريدين ..”
قالها بسلاسة وهي التي توقعت رفضا قاطعا وإصرارا على إكمال ما بدئاه لكن ملامحه كانت مسترخية تماما وهدوءه بدا مريب …
أتت السكرتيرة بالقهوة سريعا وغادرت لتهتف بوسي بتردد :-
” أنت لن تفعل شيء و ..”
قاطعها ببرود :-
” مالذي سأفعله مثلا ..؟! أنتِ حرة يا بوسي … أنتِ أردتِ الإنتقام والآن تتراجعين عنه ..”
هزت رأسها وهي تؤكد :-
” نعم أتراجع …”
ضحك مرددا بخفة :-
” تخافين منه …”
رمقته بنظرات ثابتة وهي تردد :-
” ليس تماما لكن أولوياتي تغيرت قليلا …”
أضافت وعيناها تشردان بعيدا :-
” ما حدث هو ذنبي أيضا … انا من سمحت له أن يتجبر علي … أنا من منحته الضوء الأخضر .. وهو كما هو .. عمار الخولي بكل ما يملك من دناءة وحقارة ووضاعة ورغم هذا تجاهلت هذه الحقيقة ومشيت في طريقي المظلم معه ..”
” وخسرتِ ..”
قالها بتأكيد لتهز كتفيها مدعية عدم الإهتمام :-
” ماذا سأفعل ..؟! الخطأ كان خطئي لذا فلا بد أن أتحمل نتائج هذا الخطأ ..”
هتف بتهكم :-
” الوداعة لا تليق بك يا بوسي …”
سألته بحنق خفي :-
” ماذا تقصد ..؟!”
رد بهدوء وثبات :-
” إعترفي إنك تخشين منه رغم إنني منحتك حمايتي ودعمي الكامل .. وإعترفي أيضا إنك قررت الإنسحاب بعدما وجدتِ إن إنتقامي كافيا لتأخذي ثأرك منه دون أن تشاركي فيه ..”
أضاف وهو يبتسم بسخرية :-
” قلتِ لنفسكِ بدلا من المشاركة في هذه اللعبة والدخول في متاهات صعبة ومتعبة لأقف وأتفرج وأنتظر نهاية عمار وأشعر بلذة سقوطه دون تدخل مني في الأمر .. أنتِ تعرفين جيدا إنني سأنال غايتي بكل الأحوال ففضلتِ الإنسحاب طالما هناك من سيعاقبه بدلا عنك ..”
قالت عن قصد :-
” يمكنك ألا تفعل .. يمكنك أن تتراجع أنت الآخر ..”
قاطعها بحزم :
” لا يمكن .. لن أتراجع حتى آخر نفس في صدري ..”
أضاف وعيناه تغيمان بنظرات بثت الرعب داخلها :
” ما بيننا دم لا يمكن تجاهله أو تناسيه …!!”
هزت رأسها بجمود ثم حملت حقيبتها وهي تنهض من مكانها تردد بإبتسامة رسمية :-
” سعدت بمعرفتك كنان بك … أتمنى أن يجمعنا يوما عملا ما ..”
نهض بتثاقل يحييها بخفةقبل أن تغادر المكان ليزفر أنفاسه بملل وهو يعاود الجلوس على كرسيه بملامح شاردة ..
شرود أيقظه منه رنين هاتفه الذي سحبه يتطلع إلى المتصل بإهتمام فيجد إسمها يضيء الشاشة ..
شعر بنبضات قلبه تضطرب رغما عنه ونفس الشعور يغزوه مجددا ..
شعور لا يعجبه رغم لذته ومع هذا لم يتجاهله بل تركه يتسرب داخله دون توقف ..
وأخيرا أجابها ليأتيه صوتها الناعم والذي يعبث بنبضات قلبه :-
” كنان بك ..”
هتف بصوته الرجولي الرخيم :-
” ليلى هانم …”
وهنا نطقت ليلى بقرار حاسم إتخذته بعد قرار طويل :-
” انا موافقة على عرضك …!!”
……………………………………………………..
سارت داخل حديقة الفيلا الواسعة تتأمل الحفل النهاري الذي أعدته ماذي بحماس شديد وهي التي إعتادت على إقامة هذا النوع من الحفلات حيث يجتمع الأصدقاء والمعارف من مختلف الجنسيات يرقصون ويتناولون المشروبات الكحولية دون توقف .. يعيشون لحظات مجنونة تشبه ذلك المجتمع الذين يعيشون به …
كان إتصال ماذي المفاجئ ودعوتها الغريبة لها مع ذكرها عن مجيء نديم للحفل فرصة أكثر من مناسبة لتواجهها وهي تعلم إنها تخطط لشيء دفعها لتدعوها الى الحفل ..!
تأملت حياة المكان والوضع بملامح غير راضية فالجو لا يناسبها أبدا ..
أرادت أن تتراجع بسرعة لكنها نهرت نفسها وهي تذكر نفسها من جديد إنها هنا لأجله ..
تقدمت بخطواتها عندما انتبهت ماذي إليها فلوحت لها بكفها وهي تتجه نحوها بسعادة تحتضنها فتبادلها حياة عناقها مجبرة كي لا تلفت الإنتباه ..
هتفت ماذي بحماس :-
” من الجيد إنك أنيت .. تعالي لأعرفك على أصدقائي ..”
سارت حياة مرغمة وعيناها تبحث عنه لا إراديا ..
ألن يأتي. ..؟! هل يعقل ألا يفعل ..؟! لقد راهنت نفسها على مجيئة وهي تدرك إن هذا هدف ماذي أساسا ..!!
سارت جانبها لتجذبها ماذي من كفها نحو مجموعة من الشباب والبنات تعرفهم عليها فوجدت ترحيبا حارا بها شعرت به مفتعلا ولا تعرف لماذا ..؟!!!
قالت ماذي وهي تسحبها من كفها :-
” تعالي لأعرفك على شقيقتي ستيلا …”
سارت حياة معها بضيق عندما تقدمت ماذي نحو إمرأة تبدو في بداية الثلاثينات من عمرها تجلس مع مجموعة من الرجال والنساء تتبادل الأحاديث معهم وفي يدها كأس يحوي مشروبا كحوليا …!
توقفت ماذي بجانب شقيقتها تشير لها :-
” هذه حياة يا ستيلا …”
تطلعت حياة الى المرأة بذهول تتأمل جمالها الذي لا يمكن وصفه ببضعة كلمات ..
جميلة ، فاتنة ومثيرة ..
كل شيء بها مكتمل … شعرها الأشقر المموج .. عينيها الزرقاوين بلون البحر العميق و السماء الصافية .. أنفها الدقيق وشفتيها الممتلئين بجاذبية مخيفة وعندما نهضت ظهر طولها الفارع وجسدها الذي يليق بعارضة أزياء خاصة مع ذلك الفستان الشبه عاري الذي ترتديه …
توقفت حياة عن تأملها عندما سمعتها ترحب بها بهدوء :-
” أهلا حياة ..”
تمتمت حياة بخفوت :-
” أهلا …”
تبادلا التحية وستيلا تقيم حياة بنظرة مبدئية قبل أن تشير الى أجواء الحفل وهي تسألها :-
” هل أعجبك الحفل ..؟! ”
ردت حياة بصراحة :-
” في الحقيقة لا .. هذه الأجواء لا تناسبني ..”
ابتسمت ستيلا تردد بتفهم :-
” هذا واضح ..”
قالت ماذي وهي تشير الى حياة :-
” ما رأيك أن تأتي وترقصي معنا ..؟!”
لكن ردت حياة تعترض بسرعة :-
” كلا شكرا ..”
باغتتها ستيلا تقول :-
” إتركيها معي وإذهبي انتِ مع أصدقائك .. انا سأهتم بها جيدا ..”
تبادلت الشقيقتان نظرات تخصهما وحدهما عندما إنسحبت ماذي تاركة ستيلا تنفرد بحياة ..
جلست حياة جانبها عندما هتفت ستيلا وهي تشير الى قدحها :-
” لا تتناولين المشروب بالطبع ..”
اومأت حياة برأسها فأشارت ستيلا الى النادل وطلبت منه أن يجلب عصيرا لها بينما إنحنت نحوها تخبرها :-
” ماذي تحدثت عنك كثيرا ..”
ابتسمت حياة مجاملة :-
” حقا …؟!”
هزت ستيلا رأسها وهي تضيف بثرثرة :-
” مدحتك كثيرا .. ”
أضافت تسألها بإهتمام كاذب :-
” هل ستعيشين هنا بشكل نهائي ..؟!”
هزت حياة رأسها نفيا وهي تجيب :-
” كلا سأعود الى البلاد خلال أيام ..”
وضع النادل العصير أمامها بينما أخذت ستيلا تستمر في ثرثرتها مع حياة ..
وفي نفس الوقت وصل نديم الى الحفل عندما ركضت مادي نحوه تبتسم بفرحة وهي تقبله على وجنته بشكل مفاجئ فأبعدها برفق لتهتف بسعادة:-
” من الجيد إنك أتيت …”
تجاهل حديثها عندما جذبته من كفه وهي تسحبه خافها تردد :-
” سأعرفك على أصدقائي ..”
سار جانبها وهو يبحث بعينيه عنها لكنها كانت منهكمة فالحديث مع ستيلا التي تجلس بعيدا عن المكان المخصص للمشروب والرقص ..
لحظات وأشار لها بجدية :-
” يجب أن نتحدث … ”
أضاف بحذر :-
” بعيدا عن هذه الضوضاء …”
ابتسمت بخفة وهي تشير الى الداخل عندما سار جانبها فدخلا الى الفيلا ليقف أمامها عاقدا ذراعيه أمام صدره يسألها بهدوء غامض :-
” ماذا تريدين مني يا ماذي ..؟!”
رفعت حاجبها تدعي عدم الفهم :-
” مالذي سأريده منك يا نديم ..؟! ”
هتف بتروي :-
” إنظري سأختصر الأمر برمته فأنا لا أحب التطويل ..”
شعرت إن ما يقوله لن يرضيها عندما قال بجدية :-
” أنا أفهم جيدا ما تحاولين فعله … أفهم غايتك من هذه التصرفات .. لكن صدقيني ما تفعلينه لن يجدي نفعا …”
تمتمت بخفوت :-
” مالذي أفعله يا نديم ..؟! انا فقط ..”
قال ببرود وصلابة :-
” انت تحاولين إغوائي لسبب لا أدركه ولا يهمني أن أدركه .. ربما إعجاب او رغبة أو أي شيء آخر .. ما يهمني أن تبتعدي عني تماما … لقد شرحت لكِ ذلك مسبقا بوضوح ومع ذلك دعوتني الى هنا وانت تخبريني بعفوية مصطنعة إن حياة ستأتي الى الحفل وأنا أعلم جيدة إنك تحيكين خطة ما وراء ذلك وها أنا أقولها من جديد لآخر مرة .. لن تفلحي أبدا في مخططاتك فلا تحاوبي عبثا ..”
” لماذا لا تنظر الى الأمور من جانب مختلف ..؟! لماذا لا تفترض إنني أحبك مثلا ..؟!”
قالتها وهي تعقد ذراعيها حول صدرها بدورها ليبتسم بتهكم مقصود قائلا :-
” لا أعتقد إنك تعرفين الحب أساسا يا ماذي …”
هم بالتحرك لتقبض على ذراعه تهتف برغبة صادقة هذه المرة خارج حساباتها الأخرى :-
” لماذا لا تمنحني فرصة صغيرة ..؟! دعني أحاول على الأقل ..”
أخذ نفسا عميقا ثم قال :-
” لا أريد يا ماذي ولن أريد ..”
هدرت من بين أسنانها :-
” توقف عن إدعاء المثالية .. داخلك تريد وبشدة ولكن مثاليتك ترفض ذلك فتجبرك بدورها على الرفض ”
تأملها بهدوء للحظات قبل أن يردد بثقة :-
” انا لست رجلا كاملا ابدا .. لست مثاليا .. بل ربما أصبحت العكس حاليا .. شيء واحد فقط لا أفعله .. مهما بلغت سوداويتي لن أفعله .. لم أفعله يوما ولن أفعله حتى آخر عمري .. الخيانة …!! انا لا أخون إمرأة تحمل إسمي .. لا أخون من وثقت بي … صدقيني مهما حاولت لن تفلحي أبدا .. ”
تأملته بعينين مشتعلتين عندما قالت بقوة :-
” ولكنك لست متزوجا حاليا ولا توجد إمرأة تحمل إسمك …!!”
ابتسم مرددا بغموض مربك :-
” يخيل لكِ .. حياة كانت وستظل على ذمتي وتحمل إسمي .. إرتاحي أنتِ ولا تشغلي نفسك بنا ..”
منحها إبتسامة أخيرة جامدة قبل أن يغادر المكان تاركا إياها تشتعل من الغضب والغيرة…
………………………………
خرج الى الحديقة مجددا يتأمل الحضور بملل بينما عقله مشغول تماما يستائل إذا ما كانت ستأتي بالفعل كما إدعت ماذي أم إن الأخيرة كانت تكذب فقط ..!!
زفر أنفاسه بضيق فهو يريد مغادرة هذا المكان بأكمله ولكن مضطرا أن ينتظر قليلا كما كان مضطرا أن يأتي ليس لأجل حياة فقط بل لأجل أن يخبر ماذي بكل شيء دون تزويق وينهي أي مجال للتواصل بينهما ..
هم بالتحرك الى داخل الحديقة حيث مكان الحفل عندما شعر بيد تلمس كتفه فإلتفت لا إراديا وعقله يخبره إنها حياة لكنه تفاجئ بأخرى شقراء فاتنة تبتسم له برقة وهي تمد يدها له بكأس من المشروب تخبره :-
” هل تشرب ..؟!”
رفض بلباقة :-
” شكرا لا أتناول المشروبات الكحولية ..”
إبتسمت وهي ترتشف من المشروب بدلا عنه وتقول :-
” يمكنني أن أطلب العصير لك …”
رد بعدم إكتراث وعيناه تتحركان مجددا نحو الطاولات التي تتوسط الحديقة على مسافات قريبة :-
” شكرا .. لا أريد …”
هتفت وهي تبتسم له مجددا تحاول جذب إنتباهه :-
” بالمناسبة انا ستيلا .. شقيقة ماذي ..”
إلتفت لها بسرعة يتأملها مجددا قبل أن يقطب جبينه قائلا بهدوء :-
” أهلا ستيلا …”
هتفت وعيناها تتأملان وجهه الوسيم وعينيه الزرقاوين :-
” أخبرتني ماذي إنك وسيم لكنني لم أتوقع أن تكون وسيما الى هذا الحد …”
إبتسم داخلة بسخرية مفكرا إنها لا تختلف عن شقيقتها بتاتا وهو في الحقيقة لم يتفاجئ ..!!
تجاهل حديثها مرددا بفتور وقد قرر المغادرة :-
” عن إذنك…”
قالت ستيلا بسرعة :-
” إلى أين ، هل ستغادر بهذه السرعة ..؟!”
رد ببرود :-
” نعم ، فالأجواء هنا لا تناسبني …”
قالت ستيلا وهي تمط شفتيها :-
” لماذا أتيت إذا ..”
رد بهدوء مصطنع :-
” أتيت لسبب محدد ..”
قاطعته :-
” لأجل زوجتك ، أليس كذلك ..؟!”
عقد حاجبيه بينما أكملت هي بإبتسامة مفتعلة :-
” لقد أتت منذ فترة … تعرفت عليها وتحدثنا كثيرا .. إنها جميلة ومميزة ..”
سألها بحدة لا إرادية :-
” أين هي ..؟!”
همت بالرد لكنها توقفت وهي تتأمل تلك التي تتقدم نحويهما عندما إلتفت نديم لا إراديا فيجدها أمامه أخيرا ..
تأملها من رأسها حتى أخمص قدميها بذلك الفستان الأحمر والذي رغم بساطة تصميما منحها هالة مختلفة تماما مع مكياجها الناعم بإستثناء ذلك اللون الأحمر القاني الذي يراه يحتل شفتيها لأول مرة ..
شعرها البني القصير المصفف بعناية ..
بدت مختلفة تماما .. أكثر جمالا وجاذبية ..
لم يتخيل أبدا أن يكون اللون الأحمر لائقا بها الى هذا الحد لكن الآن عندما رآها بهذه الطلة المختلفة توقفت أنفاسه داخل صدره للحظات ثم عادت من جديد عندما وصلت إليه أخيرا تهتف بهدوء :-
” أنت هنا يا نديم …”
قالت ستيلا بسخرية مقصودة :-
” كان يبحث عنك …”
تبادلا النظرات فرأت بعينيه شوقا شديدا لتضطرب ملامحها عندما هتفت ستيلا مقررة الإنسحاب :-
” عن إذنكما …”
هتفت حياة بصوت مبحوح وهي تحرك خصلة من شعرها لا إراديا تضع خلف إذنها :-
” كيف حالك ..؟!”
رد وهو يهز كتفيه ببساطة :-
” بخير …وأنت ..؟! كيف حالك ..؟!”
أضاف وعيناه تتأملان تفاصيلها بتهكم مقصود :-
” مع إن الأمر لا يحتاج الى سؤال …”
عقدت حاحبيها تسأل بإندفاع :-
” ماذا تقصد ..؟!”
” فستان أحمر .. مكياج كامل ومظهر جديد تماما … ماشاءالله عليك .. عالمكِ وردي هذه الأيام …”
قالها بغيظ خفي وهو يضيف بسخرية متعمدة :-
” مظهرك يناسب عروس جديدة وليست واحدة تطلقت منذ أيام …”
رفعت حاجبها تردد بهدوء مقصود :-
” هل الطلاق يعني أن أبكي على الأطلال ..؟؟ ”
إلتوى فمه بإبتسامة هازئة وهو يقول :-
” إطلاقا .. على العكس تماما .. إفرحي وإمرحي .. يمكنك أن ترقصي أيضا .. ها هي الأغاني حولك تشجع على الرقص حقا ..”
ردت من بين أسنانها :-
” شكرا ، لم آتِ لكي أرقص …”
سألها ببرود :-
” لماذا أتيت إذا ..؟؟”
هتفت بحنق :-
” ما شأنك ..؟!”
سألها مجددا ببرود :-
” هل تلاحقيني ..؟!”
صاحت معترضة :-
” بالطبع لا .. انا مدعوة هنا مثلي مثلك تماما ولو كنت أعلم إنك ستأتي ما كنت لأخطوة خطوة واحدة في هذا المكان ..”
أضافت وهي ترفع ذقنها بتحدي :-
” وأتمنى أن تنتبه على طريقتك وأنت تتحدث معي .. انا لم أعد زوجتك فلا تنسى هذا من فضلك ..”
همت بالتحرك مبتعدة بغضب عندما جذبها من ساعدها لتشهق بفزع قبل أن يميل نحوها قائلا بخشونة :-
” يمكنني إعادتكِ إلى عصمتي بكلمة واحدة فقط فلا تتحديني يا حياة ودعي اليوم يمر بسلام ..”
منحته نظرات حادة قابلها بنظرات قوية صارمة لتبدأ حربا شديدة من النظرات بينهما بينما وقفت ستيلا بجانب أختها التي تتآكل غيظا تهمس لها بخفة :-
” لقد فشلت مخططاتك يا ماذي .. بل أظن إنها لم تفشل فقط وإنما ستحقق نتيجة معاكسة .. إنهما مولعان ببعضيهما .. الكيمياء بينهما عالية جدا …!”
……………………………………………….
همست حياة أخيرا وهي تشيح بعينيه من حصار عينيها تباغته بسؤال خطر على بالها فجأة مناسبا لتصرفه معها ونظراته الحادة والحانقة دون سبب وجيه :-
” لا أفهم ماذا جرى لك حقا ولماذا تتصرف هكذا ..؟! مالذي فعلته ..؟!”
أكملت وهي تنظر له بقوة :-
” مالذي يضايقك أن تراني هكذا ..؟! مالذي يزعجك لا أفهم حقا ..؟؟”
هتف مدهوشا :-
” ألا ترين حقا ما تفعلينه …؟!”
أضاف بجدية :-
” إنظري الى نفسك والى الحفل الذي تتواجدين به ..”
همست بتحدي :
” هو نفس الحفل الدي تتواجد أنت فيه …”
أضافت وهي تقترب منه مجددا :-
” ولكن هذا لا علاقة له بتعليقك على مظهري … ”
هتفت وهي تفرد كفيها ببساطة :-
” أنت تحدثت بهده الطريقة لإن مظهري ضايقك .. ولكن لماذا ..؟!”
برمت شفتيها وهي تسترسل :-
” لإنك كنت تنتظر مني شيئا مختلفا ..؟! كنت تريد أن تراني وأنا أتعذب وأموت بالبطيء بعد إنفصالنا ..؟!”
أكملت وهي تضغط على حرف من كلماتها أمام عينيه المشتعلتين :-
” أم لإنك تغار مثلا ..؟!”
وهنا توقفت عن الحديث تنتظر ما سيقوله معقبا على كلماته لكن لم يتحدث .. لم يقل شيئا .. حتى عينيه جمدتا تماما ..
تهدل كتفيها بيأس وهي التي كانت تنتظر كلمة ما فقالت بصوت متحشرج :-
” كالعادة لا إجابة لديك .. ككل مرة أسألك فيها عن شيء يخصني .. لا تمنحني إجابة شافية أبدا …”
همت بالتحرك لينطق أخيرا :-
” لم لا ..؟! ربما ما تقولينه صحيحا …؟!”
نظرت له بعدم إستيعاب ؛-
” ربما السببين صحيحين …”
أضاف وهو يأخذ نفسا عميقا :-
” ربما لإنني توقعت منك تأثرا ولو بسيطا بإنفصالنا … وربما لإنني أراك بهذه الطلة الخاطفة للأنفاس وأنت بعيدة عني ..! ”
همست بلا وعي :-
” هل صعب عليك جدا قول إنك تغار ..؟!”
راوغ متسائلا :-
” ألا يحق لي أن أغار يا حياة …؟!”
أجابت وهي ترفع ذقنها بإعتداد :-
” لقد فقدت جميع حقوقك في ذلك بعدما تطلقنا ..”
شهقت بفزغ وهو يجذبها نحوه لاصقا جسدها النحيل بجسده الصلب مرددا وعيناه تلتهمان تفاصيل وجهها كاملة :-
” يمكنني أن أعيدكِ إلى عصمتي الآن بكلمة واحدة ….”
أضاف وهو يميل نحو ثغرها بأنفاس حارقة :-
“أم نجعلها قبلة أفضل ..؟!!”
هتفت بخجل شتت مشاعرها :-
” نديم توقف .. ”
” لماذا ..؟! ”
سألها بعينين قويتين لتضيف بحرج .-
” نحن في مكان عام و …”
إنحنى نحو وجهها مقربا ثغره من ثغرها مرددا بمكر :-
” لنجرب الخيار الثاني ، ما رأيك …؟!”
دفعته بعيدا عنها وهي تردد بوجع خفي :-
” نحن تطلقنا يا نديم .. ”
هتف بقوة :-
” بسببك … بسببك انت يا حياة …”
أضاف وهو يندفع نحوها مجددا :-
” انا نفذت لك ما أردتِ .. ما سعيت له منذ البداية …”
هتفت تدافع عن نفسها :-
” لماذا تتحدث وكأنني أردت الإنفصال دون سبب محدد .. هكذا من تلقاء نفسي ..”
همس ساخرا :-
” ستعودين الى نفس الإسطوانة … المشاعر وكلام فارغ لا معنى له …”
ترقرقت الدموع في عينيها وهي تردد بقوة :-
” كلامي ليس فارغا وانت لا يحق لك أن تستهين بمشاعري أبدا ..”
لوى جانب فمه مرددا بقسوة :-
” مشاعرك ..؟! آية مشاعر تلك ..؟! مشاعرك تلك التي جعلتكِ ناقمة على زبجتنا من اول يوم .. مشاعرك التي جعلتك تبتعدين عني طوال الوقت وترفضين أي نوع من الوصال بيننا أغلب الأحيان ..؟! مشاعرك تلك التي جعلتك تريدين الإنفصال بين يوم والآخر ..؟!”
تضاعفت دموع عينيها عندما أكمل غير مباليا :-
” أين ذلك الحب الذي تتغنين به طوال الوقت ..؟! كنت تجاهرين بمشاعرك وحبك دون تردد … كنت تمنحيني وعودا كثيرة لكن جميع هذا كان كذبا .. مجرد وعود واهية ومشاعر مندفعة ضعيفة خسرت في اول حرب حقيقية لها ..”
أنهى كلماته بحسرة :-
” أنتِ لم تحبيني بما يكفي أو ربما لم تحبينني من الأساس .. ربما أعجبتكِ الفكرة .. فكرة أن تكوني بطلة القصة .. البطلة الجميلة المليئة بالحياة والتي ستنتشل بطل قصتها من ظلامه الأبدي .. لكنكِ لم تنجحِ وأدركتِ متأخرا إن القصة التي رسمتها في خيالك لن تتحقق فقررت الهرب من سطور روايتك التي تمنيتِ عيشها على الفور ..”
” يكفي ..”
صاحت به وقد تساقطت الدموع من عينيها بغزارة لينقبض قلبه لأجلها لكنه لن يتراجع عما قاله عندما أضافت هي بقوة متجاهلة الدموع التي غزت وجهها :-
” يمكنك أن تشكك بأي شيء عدا حبي لك .. حبي لك كان صادقا وأنت تعرف ذلك جيدا .. ”
أضافت بألم :-
” ليس ذنبي إنني بحثت عن الحب عندك ولم أجده … ليس ذنبي إن مشاعري كانت من طرف ولا ذنبي إنني لم أتقبل تلك الحقيقة وكنت أضعف من أواجه حقيقي إن حبي من طرف واحد فقط .. لست وحدك من تتعذب بل أنا أيضا .. إذا كنت أنت تعذبت بسبب خذلاني لك فأنا تعذبت بسبب حبي المؤلم الذي لا أمل فيه من جهة وبسبب خذلاني لك من جهة ثانية…”
إندفعت باكية مبتعدة عنه بينما بقي هو مكانه واقفا وكلماتها تتردد داخل عقله ..
ليس ذنبي إنتي بحثت عن الحب عندك ولم أجده ..!!
…………………………………………………..
كانت تهم بمغادرة المكان بأكمله عندما أوقفتها ماذي التي كانت تتابع ما يحدث من بعيد وسألتها بخبث خفي :-
” ماذا حدث يا حياة ..؟! هل تشاجرت مع نديم ..؟!”
حاولت حياة أن تشيح بوجهها لكن ماذي منعتها وهي ترفع وجهها تتأمل الدموع التي تغرق وجنتيها فتهمس ببرود :-
” كل هذه الدموع لأجله … ليته يستحق …”
تأملتها حياة للحظات قبل أن تسألها :-
” هل يمكنني الذهاب الى الحمام لغسل وجهي ..؟!”
قالت ماذي برفق :
” بالطبع تفضلي …”
عادت تتحرك الى نفس الإتجاه مجددا عندما وجدت نديم يقترب منها ويسألها بقلق :-
” هل أنت بخير ..؟!”
ردت بنبرة جافة :-
” انا بخير ..”
أضافت وهي ترمق ماذي بنظراتها :-
” هيا يا ماذي من فضلك ..”
أوقفها نديم وهو يتسائل :
” إلى أين ..؟! لنغادر الحفل هيا …”
قالت ماذي ببرود :-
” أنت يمكنك أن تغادر الحفل لكن حياة ستبقى …”
نظرت لها حياة من أسفل رموشها المبللة وقالت :-
” وأنا أيضا سأغادر لكن أريد الذهاب الى الحمام أولا …”
هزت ماذي رأسها بتفهم وسحبتها خلفها تاركة نديم واقفا مكانه وقد عقد العزم على إنتظارها حتى خروجها من دورة المياه ليأخذها معه فهو لن يتركه هنا لوحدها مهما حدث …
دلفت حياة الى الحمام وأخذت تجفف دموعها ثم ما لبثت أن إنتهت فخرجت دون أن تبالي بتعديل مكياجها عندما وجدت ماذي تقف في إنتظارها كما طلبت منها وهي تسألها :-
” كيف أصبحت الآن ..؟!”
إبتسمت حياة بتصنع وهي تقول :-
” بخير ..”
أضافت بجدية :-
” هل يمكنني إستعارة هاتفك .. أريد التحدث مع جينا لتأخذني فهاتفي لا رصيد فيه ..”
قالت ماذي بجدية :-
” لماذا ستغادرين الآن ..؟! ما زال الحفل في بدايته …”
قالت حياة بنبرة واهنة:-
” انا متعبة حقا يا ماذي ….”
قالت ماذي مجددا :-
” يمكنني إيصالك ..”
لكن حياة قاطعتها وهي تبتسم لها بلطف :-
” كلا ، أساسا إتفقت مع جينا أن تأتي لتأخذني .. فقط أريد الإتصال بها …”
” حسنا .. ”
ثم مدت هاتفها الذي تحمله معها دائما بعدما فتحته لها لتبتسم حياة بخفة وهي تتناول الهاتف ثم تكتب الرقم الذي حفظته جيدا فيظهر لها إسمه بوضوح ” عمار ”
منحت ماذي نظرة هادئة وهي تضغط على الرقم بينما ماذي لم تنتبه لما يحدث وهي تظن إنها تتصل بالفعل بجينا ..
لحظات قليلة وجاء صوت عمار يرحب بماذي :
” أهلا ماذي … ”
لكن حياة باغتته وهي ترد :-
” انا لست ماذي … انا حياة … حياة زوجة أخيك …”
حل الصمت المطبق للحظات بينما نظرت لها ماذي بذهول لتكمل حياة بتهكم ترمق به تلك الواقفة أمامها :
” مفاجأة ، أليست كذلك ..؟!”
وأخيرا تحدث عمار مرددا :-
” اهلا بزوجة أخي عفوا طليقته …”
تجاهلت حياة ما قاله وهي تردد :
” إسمعني جيدا يا عمار .. توقف عن العبث مع نديم ..”
لكن عمار أوقفها وهو يردد بهدوء لا يخلو من السخرية :-
” توقفي انت يا صغيرة … انت لا زلتِ حتى هذه اللحظة خارج هذه العلبة فلا تتدخلي فيما لا يخصك وتنالي نصيبك أنت الأخرى …”
قبضت حياة على الهاتف وهي تردد بقوة :-
” كل شيء يخص نديم يخصني وأنا لن أسمح لك بإيذائه مجددا ..”
همس بإستهزاء :-
” حقا ، وأين هو …؟! ولماذا لم يتحدث بنفسه معي بدلا من إرسال طليقته تتحدث بدلا عنه ..”
كزت على أسنانها وهي تقول :-
” هو لا يعلم شيئا وهذا من مصلحتك أنت ..”
ضحك مرددا بإستخفاف :
” شكرا على كرمك الكبير يا حياة هانم لكن لا تقلقي يمكنكِ إخبارك بكل شيء ومع الأدلة أيضا ..”
أضاف بعدما توقف عن ضحكاته :-
” إسمعيني جيدا يا فتاة … انت ما زلتِ صغيرة .. فتاة جميلة وذكية وصغيرة مثلك لا تستحق حياة كهذه ولا زيجة كهذه .. إنفذي بجلدك من عالم نديم المظلم قبل أن تنالين من ظلامه أنتِ الأخرى …”
صمتت لثواني بعدما قاله …
رغم كل شيء يبقى هو رجلها الأول .. حبيب عمرها ..
يستحق أن تدافع عنه .. أن تحميه من نفسه وشر مَن حوله …
يستحق كل شيء منها حتى لو بقيا هكذا دون عودة …
حتى لو غادر حياتها دون رجعة وإختار حياة جديدة بدونها ..
هو رغم كل شيء يستحق كل العشق والتضحية ..
نطقت وعيناها تشعان بقوة شديدة لا تستخدمها إلا قليلا .. قوة تظهرها بشكل مختلف كليا عن المعتاد :-
” لا تحاول عبثا .. مخططاتك جميعها ستفشل لا محالة .. لا أنت ولا أي شخص خلفك سينجح في هدمه .. أنا معه وجواره .. لن أسمح لأي شخص أن يؤذيه مجددا …”
أضافت بثقة في حبيبها ومالك قلبها :-
” ولا هو سيسمح بذلك .. نديم أقوى مما تتخيل أنت وغيرك .. نديم لا يسقط .. ربما يتعثر نعم لكنه ينهض بعد كل عثرة .. ينهض أقوى وأكثر صلابة وثبات ..”
هتف وقد إختفت :-
” انتِ حرة ولكن أتمنى ألا تندمي فيما بعد ..”
أكمل بمكر :-
” مثلما أتمنى ألا يخذلك نديم بأي طريقة كانت فتندمين على كل كلمة قلتها بحقه قبل ثواني ..”
رددت بثقة شديدة :-
” لن أندم طوال عمري على ما قلته.. إذا كان هناك شخص ما سيندم فهو أنت .. الشيطان اللعين الذي لا يتوقف عن بث سمومه هنا وهناك لكنني أثق بعدل الله سبحانه وتعالى .. أثق جيدا بعدله الذي سيتحقق لا محاله وعقابه الذي كلما تأخر كلما تضاعف وأنت يا عمار سيكون عقابك وخيما بقدر أعمالك القذرة .. عقاب يليق بشيطان مثلك …”
أنهت كلماتها وأغلقت الهاتف دون أن تنتظر ردا منه عندما رمته في وجه ماذي وغادرت هذا المكان دون رجعة ..

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية حبيسة قلبه المظلم)

اترك رد

error: Content is protected !!