رواية سيد القصر الجنوبي الفصل الثاني عشر 12 بقلم رحاب ابراهيم حسن
رواية سيد القصر الجنوبي الفصل الثاني عشر 12 بقلم رحاب ابراهيم حسن
رواية سيد القصر الجنوبي البارت الثاني عشر
رواية سيد القصر الجنوبي الجزء الثاني عشر
رواية سيد القصر الجنوبي الحلقة الثانية عشر
غطست فرحة بمغطس الماء الدافئ بحمام الغرفة وهي شاردة العقل، والعجيب إنها تحاول ألا تعترف لنفسها إنها ليست نادمة بما حدث، رغم عهدها مع نفسها، ورغم حيرتها وغموضه، ورغم ماضيه المُبهم التي تقريبًا لا تعرف عنه شيء وتجهل حقيقته … ولكنها كلما تسللت ذاكرتها للساعات الماضية وكلماته الهامسة تبتسم لنفسها سرا وتتخضب وجنتيها حياءً وحمرة.. ريثما أنها الآن زوجته بكل ما تحمل الكلمة من معنى.
وتعود وتستنشق الهواء بعمق خوفا ورهبة من القادم، وبمزاجه المتقلب بين اللحظة واللحظة!.
وبثورته المخيفة والمرعبة إذا غضب ..!
وبتلك الدقائق من الاسترخاء بالماء الدافئ توصلت لحل، أو ربما بداية الخيط لفك شفرة هذا الرجل، ثم خرجت من الماء وبدأت تشعر بثقل يتسلل لعظامها .. وابعدت رغبتها اللحظية في البقاء بالقصر وبدأت تستعد للخروج من المرحاض، وخرجت وهي تحمل منشفة وتجفف شعرها المبتل بالماء ورائحة صابون اللافندر تفوح منها.
ولكن استقلبت وقوفه أمام المرآة وهو يمشط بوجاهة شعره الأسود الذي يصل لبعد أذنيه بقليل، ثم يرفع زجاجة عطره الخاص وينثر رذاذه عليه بتحكم وثقة، استنكرت اعجابها الشديد به وابعدت عينيها عنه بصعوبة، لتقع نظراتها على الفستان الذهبي الفضفاض المُلقى على الفراش … وتعجبت منه ..!
ليس هذا الرداء من ضمن أغراضها !!… لمن يا ترى ؟!
وكادت أن تسأله حتى وجدته بجانبها مبتسما ابتسامته تلك والمكر يتقلّب بنظراته .. فقال وهو يرفع الرداء أمام عينيها:
_ اكيد هيعجبك … ده ذوقي.
واغتاظت من ثقته العالية بنفسه فقالت :
_ يمكن مش مقاسي ..!
وضع زايد يديه بجيبي بنطاله في ثقة وقال بابتسامة :
_ المصممة اللي عملتلك فستان الفرح هي نفسها اللي عملت الفستان ده .. وفي غيره لسه واصلين من شوية على القصر، اكيد هي مش هتغلط في مقاساتك يعني !! ..
فهمت الأمر الآن، فارتبكت وهي تحمله وتسير جهة الغرفة الداخلية الخاصة بالملابس وهي مراقبة بميكرسكوب عينيه .. وفور دخولها وجدت حقيبة كبيرة خمنت إن بها الملابس الذي يتحدث عنها .. فتجاهلتها وبدأت ترتدي هذا الرداء الذي كان فضفاضا طويلًا وواسعاً من بداية الخصر بأكمام منفوشة حريرية .. وبعد دقائق وقفت فرحة مأخوذة بجمال وسحر الرداء عليها، مناسب تمامًا وكأنه صمم خصيصـًا لها ..
ابتسمت بسذاجة لأفكارها .. فهو بالفعل صمم خصيصا لها ..!
وختمت الأمر بإرتداء حجاب مناسب، ووقفت تُعاين مظهرها بدقة من جميع الجهات وهي تبتسم باعجاب وزهو .. حتى انتبهت أنه يستند على الحائط بجانب الباب ويبتسم لها ابتسامة عميقة وعينيه كأنها تنظر لحلمٍ سعيد لا يريد الخروج منه … تفاجأت بوقوفه وهي لم تنتبه لدخوله من الأساس، فحمحمت بارتباك وتوتر وقالت :
_ حلو الفستان .. ذوقك حلو فعلًا..
أخذ نفسا عميق وهو يطالعها مبتسمًا بمكر من مقدمة رأسها حتى أخمص قدميها في صمت، صمته أربكها أكثر فسارت نحو الخزانة لتأت بحقيبة مناسبة للسهرة وانشغلت دقائق واستدارت لتجده ما زال على وضعه .. فقالت بحدة لتخفي توترها :
_ أنت بتبصلي كده ليه ؟!
تقدم لها بخطوات بطيئة ولكنها استشعرت فيها بالانقضاض !، ثم وقف أمامها وفاجئها حينما قال بتلك الابتسامة الماكرة التي تستفزها :
_ تحبي نروح فين ؟ … في مكان معين نفسك تروحيه ؟
أغاظها حينما لم يعلق على طلّتها رغم نظراته المُعلنة أعجابه الشديد، فقالت وهي تكتم غيظها :
_ لا مافيش، شوف أنت هتودينا فين ..
اومأ رأسه موافقًا ثم أشار لها ليستعدان للخروج وتأبطت ذراعه في ارتباك ورجفة اجتاحتها ..
***********
استقبل “فادي” صديقه حسام بعد مدخل باب القصر بقليل ، حتى قال حسام بلهفة وبعض القلق :
_ أنت قولتلي أن فرحة هنا يا فادي ، هي ليه ما سافرتش لشهر العسل وجت هنا ؟! .. أنا عايز اشوف أختي.
حاول فادي أن يهدأ من توتر صديقه وقال بلطف:
_ يابني أهدأ مالك فيك إيه أختك بخير ! .. ممكن يكونوا اجلوا السفر كام يوم مافيهاش حاجة يعني ! … أنا لسه واصل القصر من ساعة ولحد دلوقتي ماشوفتش زايد ومستنيه لما ينزل ..
ورغم معرفة فادي بما حدث ليلة الزفاف ولكنه لم يشأ أن يفزع حسام بما آلت إليه الأمور، ويكون القرار في أخبار يعود لشقيقته وحدها .. فكاد أن يواصل حديثه حتى تفاجأ الأثنان بظهور الثنائي وهما يتهامسان أحاديث سريعة وتبتسم فرحة وهي تنظر للجهة الأخرى ويبدو أن ما قاله سبب تلك الحمرة على خديها، فأطمئن حسام لمظهر شقيقته المبهج واسرع اليها .. واستقبلته فرحة بابتسامة ولهفة وأخذته بين ذراعيها وهي تقول:
_ والله وحشتني من يومين بعدتهم عنك ..
نظر حسام لشقيقته بمحبة وقال :
_ وأنتي كمان يا حبيبتي، بس قوليلي مش المفروض كنتي سافرتي مع زايد لشهر العسل ؟!
تدخل زايد وهو يربت على كتف حسام بلطف وقال مبتسما :
_ فعلا المفروض كنا هنسافر النهاردة، بس الجو مكنش مناسب للسفر فأجلته يومين كمان .. هنقضيهم هنا في القصر وبعدين نسافر .. أطمن على أختك يا حسام، فرحة في أمان.
ابتسم له حسام بنظرة المحبة الذي كان ينظر بها لشقيقته وقال لزايد:
_ أنا متأكد … طالما معاك أنا مطمن عليها.
شاهد فادي تعابير الهدوء على وجه فرحة ، والابتسامة الحقيقية المرتسمة على محيا شقيقه، واطمئن أن الأمر بينهما هدأ وفي طريقه للوضوح وفهم الحقيقة، فتنفس فادي الصعداء وقال بابتسامة ومرح وهو يعانق زايد بود ومحبة:
_ أنا مبسوط عشانكم أوي.
نظر له زايد وفهم جملة فادي وماذا يقصد، فبدت سيماء وجه زايد تعود للغموض بعض الشيء وكأنه يحاول بكل قوته أن ينسى ذلك اليوم ويحذفه من ذاكرته، وانتبهت فرحة لذلك وراقبت نظرات زايد المرتبكة حتى شعرت بالخوف عليه وهمست قائلة:
_ الولية مرات ابوك بتقرب علينا، هعمل نفسي بدلعك وبحبك وكده ..
وبمجرد أن اقتربت نوران بنظراتها الممتلئة بالحقد والكراهية، ضحكت فرحة وهي تضع رأسها على كتف زايد وقالت بصوت متغنج:
_ عارف يا حسام .. زايد ده أجمد حاجة في حياتي ..
التفت زايد لها سريعا وضيق عينيه بنظرة ماكرة وقد تسللت ابتسامة لشفتيه رغما لرؤية الهلع الذي ظهر عليها بعد تفوها بتلك الجملة، ولحظة وكانت ادركت فرحة الخطأ اللفظي التي قالته وصححت سريعا وعينيها قد تلألأت بالدموع:
_ أجمل …. اقصد أجمل حاجة في حياتي والله .. والله العظيم اقصد أجمل.
مرر زايد يده على ذقنه وهي يكافح لكتم ضحكته، حتى قال فادي بضحكة عالية :
_ أنتي هتعيطي ولا ايه ؟!!
وضع حسام يده على يدها مبتسما وقال متفهمًا وهو يربت على يدها لتهدأ بعدما كادت أن تبك :
_ ربنا يسعدكم .. ماتنسيش تكلميني لما تسافري عشان اطمن عليكي أنتي وزايد..
هز فرجة رأسها بموافقة اكتفت بذلك، وقد أخذ فادي صديقه حسام للخارج وهما يتمازحان بصوتٍ عال، وأتى دور الأفعى السامة نوران لكي تدس سمها بالحديث فبدأت قائلة :
_ أنتوا خارجين ؟
أجاب زايد بصوتً حاد :
_ آه ، بتسألي ليه ؟!
رمقته بنوران بكراهية وضربت ضربتها فقالت:
_ كنت عايزة أنصحك .. بلاش توديها أماكن حد يعرفك فيها … حبابيك كتير .. وانتوا لسه عرسان ومش عايزين أزعاج !.
أطرفت فرحة أهدابها بتفكير وهي تشعر أن خلف تلك الكلمات شيء ، تبدو نوران في حرب باردة مع زايد طيلة الوقت أكثر من أبنها المدلل .. فأجاب عليها زايد ولم يخلو صوته من رنة الغضب ويبدو أنه فهم مغزى الحديث:
_ شكرًا على النصيحة اللي مش محتاجها ..!
وسحب فرحة من يدها للخارج وهو يرمي زوجة أبيه بنظرات تحذيرية وتهديد، وبمجرد أن جلس بسيارته ظل ينظر أمامه لحظات في وجوم وصمت، ثم قال وكأنه يحدث نفسه :
_ كنت مصمم أسيبلها القصر كله وأمشي، بس أبويا صمم أبقى معاه وجانبه، وأنا مش عايز ابدأ حياتي هنا … إيه رأيك ؟
شعرت بالدهشة من سؤاله ومطالبته لمشاركة الرأي خصوصا بأمر مصيري كهذا، وقالت :
_ دي حياتك وقرارك وأنت حر تفضل هنا أو تمشي .. مقدرش أقولك تعمل إيه..!
ضيق زايد عينيه عليها بصدمة ثم قال :
_ طب وأنتي ؟! ..
ابعدت فرحة عينيها عنه ونظرت نحو نافذة السيارة ببعض الشرود ثم قالت بصدق :
_ أنا لسه معرفتش الحقيقة يا زايد عشان أقرر اكمل ولا أبعد ..
هز رأسه بصدمة، ليس بعد أن رأى عينيها وهمساتها تنطق بالحب منذ ساعات قليلة فائتة، فكادت أن تتابع حديثها حتى انطلق زايد بالسيارة وعينيه تصرخ بغضب مخيف وحالة ثورة قد استوطنت ملامحه من جديد، فابتلعت فرحة ريقها بخوف شديد وهي تراقبه وقد شعرت ببعض الندم بتصريحها هذا … ثم نظرت للطريق وللسيارة التي تسير على أعلى سرعة وقالت بهلع وهي تمسك ذراعه بتوسل :
_ وقف العربية يا زايد هنعمل حادثة ! … ارجوك نزلني !.
اطبق شفتيه في حالة غضب وكتم أي حديث ممكن أن يلفظه بوجهها بهذا الوقت العاصف بينهما، فعادت تتوسله وهي ترتجف من الخوف ، حتى وقفت السيارة بهما أمام أحد المطاعم ونظر زايد للمكان بنظرة ضيقة شرسة كأنه يضمر شيء في نفسه … ثم ترجل من السيارة وسحبها من مقعدها ليدخلا المطعم وهي تتأسف وتعتذر قائلة :
_ طب ممكن نتكلم بهدوء ، صدقني أنا ..
وتوجه لطاولة بعيدة وكأنه معتاد أن يجلس بهذا المكان تحديدا، وحينما جلسا رجع بظهره للمقعد وجلس بارياحية وعينيه الغاضبة تمسح المكان بحثا عن شيء … فقالت فرحة وقد بدأت تهدأ :
_ أظن دي فرصة مناسبة عشان نتكلم براحتنا وتعرفني الحقيقة .. أنا ..
قطع حديثها خطوات راكضة من خلفها حتى وقف زايد وتبدلت تعابير وجهه لابتسامة منتقمة وحادة وهو يستقبل عناق حار من فتاة فاتنة الجمال بشعر غجري شديد السواد والطول وقد ارتمت فجأة على صدره وهي تبك وتضمه بلهفة واشتياق عنيف، وتقول بصوت يظهر فيه لكنة خفيفة غير عربية :
_ زايد … مش معقول !!
ضمت الفتاة وجه زايد بكلتا يديها وهي تبك بعينيها البراقتان وتردد بدهشة وسعادة عارمة :
_ أنت هنا من تاني ؟! … رجعت عشاني مش كده ؟! .. أنت قولتلي كده ؟!
اختلس زايد نظرة لوجه فرحة الذي شحب من الصدمة وعينيها المتسعتان على آخرهما مما تراه !! .. وابتسم بانتصار وهي يجاري الفتاة ويقول :
_ چين … وحشتيني .
حاوطت چين رقبة زايد بذراعيها في جرأة وهي تصرخ من السعادة وتدب الأرض بقدميها كالطفلة، حتى انتفضت فرحة من مكانها ونزعت چين من بين ذراعي زايد في شراسة وصرخت بهما :
_ هو في إيه وأنتي مين ؟!!!
انتبهت چين لفرحة والتي حقا لم تنتبه لها وسألت زايد بعدم فهم وقالت بتوجس وشك:
_ هي معاك ؟! … مين دي ؟!
صرخت فرحة بوجهها وقالت بعنف :
_ أنا مراته .. أنتي اللي مين ؟!!
شهقت چين من الصدمة وطفرت عينيها سيل من الدموع وهي تنظر لزايد بعتاب شديد والم، وكادت أن تركض مبتعدة وهي تبك حتى تمسك بها زايد وقال لفرحة بحدة :
_ أنتي مراتي فعلا، بس مراتي مؤقتا …
امتلأت عين فرحة بالدموع وهي تنظر له بغضب وقالت وهي تمسح دموعها بقوة :
_ عندك حق ، كويس إنك أثبتلي ظني فيك … عشان مااحسش بلحظة ندم بعدين .. انا مش همشي .. أنا هفضل قاعدة .. خد راحتك ..
وجلست فرحة بعدما مسحت دموعها وتظاهرت بالثبات، فأشتد غضب زايد من قوة ثباتها هكذا وقرر أن يجعلها تعترف بحبها له ، فأخذ چين لحلبة الرقص والتي لم تكن تمانع أي شيء طالما هي بجانبه … وكانت چين وقحة في قربها منه وكأنهما بمفردهما !! ، فغلت الدماء بعروق فرحة وهي جالسة على مقعدها بمظهر ثبات لا توتر فيه ! .. وحاولت بجهد أن تتجاهلهما ولكن هيهات !
رغما كانت تتسلل نظراتها نحوهما وتبتلع ريقها المرير من صعوبة مظهرهما بهذا القرب الفاضح !.
*********
همست چين وهي بعالمٍ آخر من السعادة وسارق قلبها منذ أكثر من عامين يرقص معها على تلك النغمات الشاعرية ! وقالت :
_ أنت قولتلي آخر مرة شوفتك فيها أنك لو رجعت هنا تاني هنكون راجعلي … لسه فاكر وعدك ؟
تسللت نظرة زايد للمرة المليون لتلك العنيدة الجالسة بعيدًا وتتظاهر بالامبالاة ثم أجاب بمقت :
_ فاكر ..
لمست چين بأناملها الرقيقة جانب وجهه وقالت وهي تنظر لعمق عينيه :
_ من وقت ما مشيت وأنا بدور عليك زي المجنونة، معرفش عنك غير اسمك وبس ، كنت فين كل ده ؟! ..
وعندما لاحظت انزعاج زايد من السؤال قالت سريعا:
_ لا مش مهم ، مش مهم حصل ايه ولا عملت إيه ، مش مهم أي حاجة ، المهم إنك هنا ..
نظر لها زايد بسخرية وقال :
_ مش هامك تعرفي عني أي حاجة ؟! .. مش يمكن اطلع مجرم مثلا ؟!
ضمته جين بقوة ودفنت رأسها بعنقه وهي تقول بهمس:
_ هفضل أحبك مهما كنت ..
تنهد زايد بغضب وهو ينظر لفرحة وتمنى لو كانت تحبه لتلك الدرجة، وعندما التفتت له فرحة كان قد اندمج بالحديث مع چين التي كانت متمسكة به كـ أثمن كنز على الكرة الأرضية، وفرحة تأخذ أنفاسها بضربات قلب سريعة من بركان الغضب التي تدفنه بداخلها .. وتذكرت النصيحة الخبيثة التي قدمتها نوران لها قبل الخروج من القصر.
**********
سحبت چين زايد حتى الحديقة الصغيرة المرفقة بالمطعم حتى قال حينما وقفا بجانب شجرة عالية :
_ حاجة إيه اللي عايزاني أشوفها ؟!
ابتسمت چين وهي ترفع شعرها الغجري الطويل لتريه اسمه المنقوش على رقبتها بجانبه جملة” أحبك إلى الابد ” .. شعر زايد بنفاد الصبر ومل من مجارتها فقال بعصبية :
_ أمسحي اللي كتباه على رقبتك ده !!
اقتربت چين منه وقالت بعتاب وبصوت ناعم:
_ مش عجبك ؟!
اعترف زايد كي لا يخدع تلك المراهقة أكثر من ذلك وقال:
_ چين … أنا بحب مر….
قطع حديثه ظهور فرحة التي لم تستطع التحكم بأنفعالها ودموعها أكثر من ذلك، وصرخت به قائلة وهي تبك :
_ ما اعترضتش على تصرفاتك بس مش هسمحلك تهيني أكتر من كده ! .. وهطلقني والنهاردة !
وتركتهما وركضت للخارج نحو طريق السير .. خرجت وهي تركض وتبك واقسم أنها ستعود لمنزل شقيقها وتصمم على الطلاق بلا رجعة لهذا الرجل التي لم تعرف وجها حقيقيا له ومن هو ؟! .
ووقفت على الطريق لتجد سيارة أجرة تقلها حتى وقفت سيارة مجهولة أمامها فجأة، ثم فتح الباب وظهر ذراع ضخمة لرجل يسحبها لداخل السيارة بالقوة …!
وقد كان زايد أتى خلفها ليعنفها حتى رأى مشهد أختطافها وغلق الباب وهي تصرخ وتستنجد به وتناديه !… انتفخت عروق عنقه وعينيه متسعتان من الصدمة ..!
***********
وقد كان زايد أتى خلفها ليعنفها حتى رأى مشهد أختطافها وغلق الباب وهي تصرخ وتستنجد به وتناديه !… انتفخت عروق عنقه وعينيه متسعتان من الصدمة ..!
ولحظات وكانت سيارته تركض بأعلى سرعتها خلف تلك السيارة المجهولة وهو على شفير الأنفجار من النيران التي تستعر بداخله من الغضب.
بينما “فرحة” كانت تصرخ حتى كمّم فمها الرجل الضخم الذي اختطفها وقيد يديها بمجرد أن جرّها بداخل السيارة، فأصبح لا يصدر صوتها إلا كأنين، وأصدر الخاطف أمرا للسائق أن يُغيّر اتجاه السيارة لطريق متفرع مخيف ومظلم ..
واصبحت الرؤية أمامها ضبابية غير واضحة بعد دقائق وهي ترتجف بمكانها مقيدة لا حيلة ولا قوة لها في الخلاص!.
وبعد وقت طويل في السير رغم السرعة وقفت السيارة أمام منزل صغير من طابق واحد وتصميمه لا يشبه المعمار العربي في شيء ، بل وكأنه منزل لعائلة بسيطة من الريف السويسري !.
زجت فرحة داخل هذا المنزل وهي تتلوى وتكافح للفكاك والتخلص من تلك الكارثة، وما أحزنها وأرعبها أكثر أن زايد على ما يبدو أنه لم ينتبه لصراخها وأنشغل بتلك الوقحة عن الجميع، دفعها الخاطف حتى سقطت على آريكة مهترئة بعض الشيء وحملقت فيه بعصبية وهي تبك، ورغم عنف الرجل ولكن على ما يبدو أنه غير معتاد على هذه الأفعال فكان يظهر عليه التوتر والخشية من القادم .. حتى دخل السائق وهمس له بتوجس قائلًا :
_ وبعدين ؟! .. شكلنا هنروح في داهية بسبب عملتك دي يا أندرو ..!
ورد عليه أندور قائلًا بمزيج من العصبية والقلق :
_ أنا مفكرتش كتير في بعدين!، المهم عندي انتقم منه ..
واستمعت فرحة لحوارهما وهي تتعجب من لكنتهما في التحدث وكأنهما تعلما العربية منذ سنوات قليلة، كانت چين أكثر منهما مهارة في التحدث ! … واستوقف فرحة تلك النقطة !
إذًا ربما كان هذان على علاقةً بتلك الفتاة ؟!! … وربما كان زايد يتعرض الآن لخطرًا مثلها !! … ابتلعت فرحة ريقها بصعوبة وهي ترتجف برعب وقد أصبح لب خوفها الآن يتجه نحو زايد !!.
اما أندرو ظهر بمظهر النادم والخائف من جريمته، فجلس بعيدًا وهو ينكس رأسه بحالة عميقة من الشرود والتفكير والتوتر ..! ، لم يفكر سوى بالانتقام من هذا الزايد ! .. حتى خرج شقيقه ” السائق” وترك المنزل وخيم الصمت على المكان بعدها ، وبعد دقائق سمع أندرو صوت يصدر من الخارج فنهض ليكتشف الأمر، وكاد أن يفتح الباب حتى اقتحم زايد المنزل بعدما دفع الباب بجسد شقيق اندرو السائق الذي أصيب بجرح عميق في يده إثر هجوم زايد عليه منذ دقائق ..
ودفع زايد الذي كان يغلي غضبا الرجل المصاب على جسد أندرو ليقعا الأثنان أرضاً، ثم أخرج زايد مسدسه الخاص وأطلق عيار ناري بقدم أندرو أعجزه عن الحركة، وصرخ الآخر من الألم وأصبح في حالة يرثى لها .. ثم توجه زايد بسرعة فائقة رغم عرج قدميه إلى فرحة والقلق عليها أخذ مآخذ الغضب في عينيه، وهي تنظر له وتحاول أن تصدق أنه بخير وأمامها ويخلصها من تلك المأساة !! .. فقال وهو يحرر يدها ويطمئن عليها :
_ أنتي بخير ؟ .. حد عملك حاجة ؟
هزت فرحة رأسها نفيًا وقالت بصوت متقطع :
_ أنا بخير … بس مين دول وعايزين ينتقموا منك ليه ؟!
وشهقت فرحة عندما انتبهت لجرح ينزف دما في يد زايد وقالت بخوف :
_ ايدك بتنزف !! .
لم يبالي زايد بجرحه وظل ينظر لها للحظات وهو يتنفس الصعداء أنها بخير ، ثم جذبها اليه من ذراعها ويبعدها عن الرجلان الذي يتوجعان من الألم ولم يتذكر أنه رأهما من قبل ، حتى ظهرت چين فجأة وتفاجئت بما سقطت عليه عينيها ، فقالت بغيظ لأندرو رغم رؤيته بهذه الحالة المؤسفة :
_ مافيش فايدة في غبائك وتهورك يا أندرو !.
صدم أندرو برؤيتها وقال بارتبك :
_ عرفتي منين اللي حصل ؟!.
ردت بعصبية وقالت ولم تشعر بأي شفقة اتجاهه:
_ كنت طالعة الحق زايد قبل ما يمشي وشوفت اللي حصل ! … لو صبرت شوية وعرفت الحقيقة مكنتش عملت كده ؟! …. اللي أنت خطفتها دي تبقى مراته، وهو بيحبها مش بيحبني أنا .. وطلع وراها وسابني … فهمت ؟!
وقالت چين ذلك وبدأت بالبكاء ، وتعجبت فرحة من الصراحة المفرطة للفتاة على عكس المعتاد والمأثور بتلك المواقف ، فسألها زايد :
_ تعرفيهم منين دول يا چين ؟!
اعترفت چين وهي تنظر لزايد بألم :
_ ولاد عمي ، أندرو بيحبني وكان عايز يخطبني ، بس رفضته وقولتله أني بحبك ومستنياك .. هو عارفك وشافك زمان …
وأكمل أندرو وقال بأسف :
_ لما شوفتك رجعت معرفتش أفكر ، كنت فاكر أنك راجع عشانها ، وهتاخدها مني ، فعملت اللي عملته عشان انتقم منك ..
توجهت چين لتساعد أندرو على الوقوف وقالت بحدة له وهو يستند عليها :
_ تعالى معايا نروح المطعم ، آدريانو هيتصرف وهيعالجك ..
وظل زايد واقفا ويبدو أنه شرد بعض الشيء ، فنظرت له فرحة وقالت بعفوية وقلق :
_ ممكن يبلغوا عنك عشان ضربته بمسدسك ؟!
عادت چين بعدما ساعدت أندرو وشقيقه على الخروج من المنزل والجلوس بالسيارة التابعة لهما، وقالت بعينان دامعتان وحسرة ويبدو أنها سمعت ما قالته فرحة :
_ محدش يعرف عنك حاجة يا زايد ، ولا حتى أنا، وحتى لو حد يعرف مش هسمح أبدًا أنك تتأذى .. أنا أسفة على اللي حصل.
ونظرت لزايد لمدة دقيقة كأنها تتوسله أن يقول شيء ، وعندما تمسك زايد بزوجته وقبل أعتذارها، استدارت چين وهي تبك وخرجت من المنزل وبعدها ابتعدت بالسيارة التي قادتها بنفسها وعادت بها للمطعم الصغير …
**********
اهتمت فرحة بالجرح المصابة به يد زايد ، وكانت قد أجلسته بالمنزل الغريب وصممت على أن تطهر جرحه أولًا قبل الرحيل ، وراقبها زايد بصمت تام وعينيه تتجولان على محياها وانفعالاتها وهي تسعفه .. ثم نظرت له بعد اتمام مهمتها بنجاح، وقالت وكأنها لا تبالي بالأمر رغم النيران بعينيها:
_ أنت عرفتها أزاي البت دي ؟ … وعلاقتكم وصلت لحد فين ؟! شكلهم مش مصريين ولا حتى عرب !!
تنفس زايد بعمق ثم قال بسخرية :
_ يهمك في إيه اللي حصل من سنتين وأنتي عايزة تطلقي ؟!
هيفرق معاكي لو كانت معرفتي بيها سطحية .. أو خاصة ؟؟ .. ابعدي وسبيني للماضي … شوفتي الماضي بتاعي شكله ايه !.
أخفى زايد ابتسامته عندما ضيقت فرحة عينيها عليه بعصبية واستعرت نيرانها أكثر ، حتى هتفت به وهي تنهض من أمامه :
_ خاصة ؟! … أفهم من كلمة خاصة دي إيه ؟! .. ولا على إيه الشرح ما كل حاجة كانت واضحة زي الشمس ! … دي اترمت عليك رامية أنا نفسي ياللي مراتك ما عملتهاش !!
أجاب بغيظ :
_ ما هو من غبائك ..!، اتعلمي بقا.
استفزها رده فهتفت :
_ أنا مش غبية ! .. بس مش بجحة وقليلة الأدب، بقا أنت عرفت حتى تسلم عليا قبل ما اتجوزك ؟! … وعايزة أعرف دلوقتي علاقتك بيها كانت ايه وإلا طلقني ؟
رفع زايد حاجبيه بتعجب وقال :
_ أنتي مجنونة ؟! هو أنا هطلقك كام مرة ! … أنتي مش طلبتي الطلاق قبل ما تتخطفي ولازم النهاردة ؟! ..
ترددت فرحة وهي تقول بارتباك :
_ لأ أستنى .. ما هو .. ما هو لو ما قولتش تطلقني ، ده شرط يعني ..
ضيّق زايد عينيه بمكر وقال :
_ طب لو قولت ؟!
ابعدت عينيها عنه وقالت بجدية :
_ تبقى أثبت أنك فعلًا عايز تبقى انسان نضيف ..
صدم زايد وقال :
_ نعم ..؟!
صححت فرحة وقالت :
_ أقصد يعني تبقى أثبتلي أنك نسيت الماضي فعلًا.
ابتسم زايد بمكر وقال:
_ مع أنه ماضي مشرف مايتنسيش بس نسيته .. خلينا في الحاضر المؤسف .. چين دي اصلا مش مصرية ، من سنتين عربيتي عطلت في الطريق قدام المطعم بالصدفة … كنا الفجر تقريبًا .. وفجأة لقيت بنت جميلة أوي … جميلة جدًا زي ما شوفتي كده بنفسك .. بتفتح شباك اوضتها في الدور التاني فوق المطعم .. وشوية ولقيتها نزلت وجيالي .. جيالي أنا بقا … المسكينة ..!
تحكمت فرحة بأعصابها قدر المستطاع وقالت بهدوء ما قبل العاصفة :
_ وبعدين ؟!
ابتسم زايد بشاعرية بقصد استفزازها وتابع سرده:
_ قربت عليا وكلمتني … سألتني أن كنت محتاج مساعدة ، وعرفت أن عربيتي عطلت ، فأصرت أني أبات في بيتها لحد الصبح ..ما احنا الفجر..!
وكتم ضحكته عندما لاحظ أن فرحة اغمضت عينيها بمحاولة أن تهدأ ، فأضاف بجدية :
_ وبصراحة وافقت .. ما أنا لوحدي … هقف لوحدي يعني ؟!
شهقت فرحة من الصدمة وقالت :
_ حصل ايه قــــول !! .
تظاهر زايد بابتسامة حالمة وهو يتابع فقال :
_ فضلنا نتكلم لحد ما وصلنا للدور التاني .. و ..
حسته فرحة على المتابعة وهي تشتعل غضبا حتى قال زايد بصدق :
_ ودخلت قعدت مع والدها … هو كان راجل كبير وطيب، حبيت الكلام معاه جدًا … وفضلنا سهرانين نتكلم لحد الصبح ، وبعدها چين كلمت ميكانيكي جه لحد المطعم وصلح العربية ومشيت … وذوقيا رحتلهم تاني وجبتلهم هدايا رد للمعروف اللي عملوه معايا ، وكنت كل فترة اروح المطعم لما احب اقعد لوحدي بعيد عن أي حد يعرفني … ولما چين اعترفتلي أنها بتحبني كنت محتار ومش عارف أخد قرار … وقررت ابعد شوية ، وكلمتها بصدق وقولتلها أني لو رجعت هكون رجعت عشانها ، لكن لما بعدت نسيتها بسرعة وعرفت واتأكدت أني محبتهاش … وقررت أبعد للأبد … دي كل حكايتي معاها، وعلاقتي بيها مكنتش موجودة اصلا ..
تنفست فرحة الصعداء وهي تبتسم بإشراق، وتظاهرت أنها تتفحص جرحه وتتأكد أنه بخير فقالت :
_ خلاص مصدقاك..اصلا كان باين إنك مش طايقها .. عندك حق ..!
قال زايد بابتسامة واسعة وسخرية :
_ تخيلي أنتي انسان يبقى مش طايقها ولا طايق حد في الدنيا وطايقك أنتي لوحدك ؟! … حاجة لا تطاق !
ضحكت فرحة بعفوية وقالت :
_ طب يلا نمشي من المكان المخيف ده ..
نهض زايد من مكانه وشعر بثقل يتسلل لقدمه المصابة بالعرج ، فتأوه بخفوت ، فسألته فرحة بقلق وخوف :
_ مالها رجلك ؟!
تنفس زايد والألم مرتسم على محياه وقال :
_ مش عارف ، بس حاسس أنها تقيلة عن العادي ..
خشيت فرحة أن تكن قدمه اصيبت مرة أخرى بسبب مشاجرته مع الرجلان أقرباء چين ، فقالت :
_ طب نروح المستشفى ..
رفض زايد بإصرار وقال :
_ لأ … كام ساعة راحة وهبقى كويس … بس مش عارف هسوق أزاي ؟!.
قالت فرحة وهي تخرج هاتفها من حقيبة يدها الصغيرة التي تمسكت بها حتى وهي مقيدة:
_ أستنى هتصل بفادي يجيلنا .. بس أنا مش عارفة احنا فين بالضبط ..
رفض زايد وقال وهو يطلب منها الهاتف:
_ لأ ، هتصل بالسواق بتاعي يجي احسن … مش عايز حد يعرف حاجة عن اللي حصل.
**************
تنعمت جيهان بالراحة طيلة ساعات النهار حتى الليل ، ولكن تقلّبت بفراشها وقد بدأت تشعر بالملل ، هي هنا ماكثة بغرفتها منذ ساعات ، وأن تحركت وظهر عليها التعافي سيصرف العملاق النظر عن الذهاب للطبيب .. وستفشل خطتها في الهروب ، تنفست بعمق وأغمضت عينيها بنفاد صبر ، حتى تفاجئت بأنقطاع التيار الكهربي ، فقالت بعصبية :
_ أهو ده اللي ناقص كمان !!
ولحظات وقد بدأ يتسلل بداخلها الخوف والخشية من الظلام الذي هبط عليها، فتحركت ببطء من الفراش وتسحبت حتى وصلت للنافذة وفتحتها وهي تستنشق الهواء وضوء القمر المنير … وظلت شاردة حتى شعرت بضوء غريب يأت من الخلف وخطوات تقترب ! … ولحظات وكانت يد توضع على كتفها فاستدارت وهي تصرخ … حتى اكتشفت أن الضوء يأت من شمعة صغيرة بيد أكرم ووقف ينظر لعينيها في صمت .. فتنحنحت وقالت وهي تحاول التحدث بصوت خشن غليظ :
_ افتكرتك عفريت … اصل ما بيطلعوش غير في الضلمة.
لم يرمش لأكرم رمش للحظات وهو يتعمق بعينيها، فارتجفت حياءً ورهبة من نظراته، حتى قال بصوت كالصقيع به رنة غموض:
_ مش العفاريت بس اللي بتحب الضلمة ..
ابتلعت جيهان ريقها بصعوبة ولم تعرف ماذا تقول ، فتوجه أكرم للنافذة بعدما ثبّت الشمعة على المنضدة ، وشرد للبعيد بجانبها ، ثم قال دون أن ينظر لها :
_ ليه حاسس أنك جاي هربان من شيء ، عينك ماليها الخوف ! .. قولي الحقيقة ومتخافش ..
خيّم الصمت عليهما لوقتً طويل ، حتى اعتقد أكرم أن الواقف بجانبه لم يسمع ما قيل ، وعندما نظر وجد جيهان تنظر للبعيد وهي تبك بصمت ، دموع اغرقت وجهها وعينان تتوسل لشيء لم يستطع الكشف عنه ، فجذبها من ذراعها لتنظر اليه وقال بهمس :
_ ليه الدموع دي ؟
نظرت له جيهان وكانت على أهبة الاستعداد للاعتراف بكل شيء ، عن حقيقتها ، وعن ما عانته ، وكل شيء ، ولكنها فجأة ابعدها عنه وكأنه يلفظها .. ثم نظر لها بغضب وابعد عينيه بعد ذلك عنها ، وظل صامتا كأنه يعاتب نفسه على شيء … وعاد قائلًا بفتور :
_ رجلك أخبارها ايه دلوقتي ؟
نظرت له جيهان وهي تمسح عينيها وقد عرفت بحدسها أنه يعرف حقيقة أنها أنثى ، وأنها تتخفى ، ولكنها لا تعرف لمّ لم يحاول الكشف عن حقيقتها ومواجهتها ، فقالت بقرار كانت ستتراجع فيه باللحظات الفائتة القليلة :
_ محتاج اروح للدكتور ، مافيش تحسن خالص.
شعر أكرم بتصميم خفي بردها ، ولكنه وافق وقال :
_ حضر نفسك الصبح بدري ، عشان نرجع بالنهار.
وبعدها ذهب من الغرفة وتركها تتخبط في أفكارها ، ولكن هذه المرة لم تكن أفكارها فقط المشتتة، هناك شيء في القلب أشار إليه !! ..
**********
وبجناحهما الضخم بالقصر … وفي جنح الليل..
ظلت فرحة تنظر لزايد النائم بسلام بفراشهما الدافئ وهي تتذكر أحداث الساعات الماضية ، وما كادت أن تتهور وتفعله ، فعاتبت نفسها وقالت بخفوت :
_ لازم أوصل للدكتور واعرف منه اللي حصل، احساسي بيقولي أن زايد فعلًا بريء ، الدكتور نفسه قال كده ، بس برضه لازم أعرف الحقيقة كاملة .. من حقي أعرف ، ولو اتأكدت أنه بريء هيكون ليا حساب كبير من نوران وأبنها … ومش هكون فرحة الضعيفة اللي متخيلنها … ومش هسمح لمخلوق يقرب من زايد أو حتى يضايقه … بس قبل كل شيء لازم اعرف الحقيقة ، وطالما زايد رافض يقولي … يبقى الدكتور هو الوحيد اللي هيقدر يوصلني ليها …
وتقلّب زايد في نومه وتبدلت ملامحه للضيق وكأنه يرى كابوسا مزعج ، فربتت فرحة على رأسه بيدها وتمتمت ببعض آيات الذكر الحكيم …
*********
وبالصباح الباكر استعدت جيهان للذهاب للطبيب ، واستقبلت أكرم الذي على ما يبدو أنه لم يغفو ولو لدقيقة واحدة بعينيه المرهقتان وملامحه المنزعجة المقتطبة … حتى أنه كان صامتا تماما وهو يقود السيارة وهي جانبه ..
وكانت تختلس اليه النظرات بوجوم، وشعرت بغصة كلما تذكرت أنها لن تراه مجددًا ، ولم تكتشف بعد ماذا يجري لها ، حتى قال بعد وقتً طويل :
_ أنا عارف عنوان دكتور كويس ، هننزل نفطر في أي مكان على ما العيادة تفتح .. فاضل ساعتين تقريبًا ..
وكانت قد أشرقت الشمس واصبح الهواء دافئًا منعشا ، حتى وقف أكرم بالسيارة وترجل منها أمام مطعم شعبي صغير ، لن يتردد عليه بالتأكيد أحدًا من معارفه وأصدقائه الأثرياء … وأشار لها أن تتبعه ، ثم دخلا وجلسا على طولة صغيرة ومقعدين من الخشب القديم ، وشعرت جيهان وهي تنظر للوجوه وكأنها لم ترى البشر منذ فترة كبيرة، وبعدها طلب أكرم الطعام الشائع بالمكان وانتظر احضاره، حتى قالت جيهان بتوتر وعيون زائغة :
_ ثواني ورجعالك ، هروح التواليت ..
قال أكرم بنظرة ضيقة :
_ إيه ؟!
صححت جيهان بخوف :
_ بقولك هروح الحمام .. الحمام ..
هز أكرم رأسه بسماح وكأنه لم ينتبه ، وذهبت جيهان للحمام واستدارت للتأكد أنه لم يلتفت ورائه ، وحمدت أن للمطعم باب آخر للخروج ، وتسللت حتى خرجت من المطعم وهي تركض بين السيارات قبل أن يراها…
وبعد دقائق قد شعر أكرم بشيء غامض في تأخيرها، فنهض ليبحث عنها ، هو يعرف أنها الفتاة الذي رآها على الطريق بأول لقاء ، ثم رآها وهي تركض أمامه ليلًا داخل القصر ، وتتابعت خطتها في التنكر وهو يسايرها حتى يعرف الرد المقنع على جميع اسئلته … وعندما ذهب ليبحث عنها لم يجد لها أثرًا ، فركض كالمجنون يبحث عنها … وقلبه ينتفض ..!
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية سيد القصر الجنوبي)