روايات

رواية سيد القصر الجنوبي الفصل الرابع عشر 14 بقلم رحاب ابراهيم حسن

رواية سيد القصر الجنوبي الفصل الرابع عشر 14 بقلم رحاب ابراهيم حسن

رواية سيد القصر الجنوبي البارت الرابع عشر

رواية سيد القصر الجنوبي الجزء الرابع عشر

رواية سيد القصر الجنوبي الحلقة الرابعة عشر

اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت ربي، وأنا عبدك لمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعاً، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك، والخير كله بيديك، والشر ليس إليك، تباركت وتعاليت، أستغفرك وأتوب إليك.
صلِ على النبي 3مرات
لا حول ولا قوة إلا بالله 3مرات
وعند أشد ساعات الليل ظلمة وسكون.
اضطرب جفنيه بعد الاستغراق في سُباتٍ عميقٍ طوال ساعات النهار ، وبدأ يستيقظ رويدًا رويدًا .. حتى اعتدلت فرحة بعض الشيء واشعلت المصباح الجانبي لها، وعادت تنظر له بابتسامة عكرها طيف من القلق وقالت :
_ عامل إيه دلوقتي ..؟!
ظل زايد للحظات غير مدرك ما سبب هذا السؤال ، حتى تذكر إزدياد إصابة قدمه بعد ما حدث مع “چين” وقريبها الغبي ، فأجاب وهو يتفقد حركة ساقة ويختبر ثقلها :
_ اتحسنت عن امبارح الحمد لله، ما تقلقيش أنا بخير.
تنهدت فرحة بأطمئنان وقالت :
_ الحمد لله .. هو الدكتور طمني ، بس نومك طول اليوم بالشكل ده قلقني، خصوصا أنك بتحب الحركة ومش كسول.
ابتسم زايد لها وقال :
_ بسبب اللي حصل الحفلة اتأجلت ، وبصراحة أنا مش بحب جو الحفلات والكلام ده ..
همست وهي تكتم ضحكتها قائلة :
_ بصراحة ولا أنا .. بس والدك مصمم ..
تشاركا ابتسامات واسعة سريعة، حتى سألها زايد بأهتمام :
_ بابا كلمك عن أي حاجة تخص اللي حصل يوم الفرح ؟
اومأت فرحة رأسها بالنفي وأجابت :
_ لأ بالعكس ، رجع معاملته ليا زي الأول .. والحقيقة كنت مستغربة ، خصوصا أنه تقريبًا هددني وقتها و…
قاطعها زايد وقال ببعض الضيق:
_ لو سمحتي مش عايز أفتكر اللي حصل … اليوم ده لازم يتحذف من ذاكرتي … عشان أقدر أعيش.
تعجبت منه فرحة، كأنه يمتلك مفاتيح نفسه وأفكاره وعقله ويستطيع حذف ما يشاء !! … ليت الأمور بتلك البساطة !!
لاحظ زايد شرودها فـ شك بشيء وسأل بحدة :
_ حد ضايقك هنا ؟
قالت بتأكيد بعدما فهمته :
_ تقصد الولية مرات أبوك وأبنها المعتوه ؟! …. لأ .. محدش فيهم كلمني ولا شوفتهم النهاردة اصلًا … طول اليوم قاعدة جانبك وبراقبك …
عادت ابتسامته مرة أخرى بمرح وقال :
_ عاجبني تسميتك ليهم، هما فعلًا يستحقوا !.. بس تعالي هنا ، بتراقبيني وأنا نايم ليه ؟ .. مش كفاية وأنا صاحي..!
ودقق النظر بعينيها وهو مبتسما بمكر، فابتلعت ريقها واجابت بتوتر :
_ الله … مش أنت مريض وأنا مراتك ؟! .. الأصول بتقول أبقى جانبك .. هو أنت شاكك أني مابفهمش ؟!
تمتم زايد بشيء وهو يغمض عينيه بغيظ، ثم قال :
_ شاكك ؟! ..
وختم قوله بابتسامة ساخرة أستفزتها، وترددت في قول شيء ، وقد لاحظ ذلك فسأل باهتمام :
_ في حاجة عايزة تقوليها ؟
هزت فرحة رأسها بالإيجاب ثم قالت بضيق :
_ بصراحة أنا جعانة أوي … مكلتش من الصبح، ومكسوفة أطلب أكل ومنزلتش اتغدى معاهم .. أتصرف.
نظر لها للحظات ثم ابتسم واصبحت ابتسامته ضحكة عالية، فاغتاظت فرحة منه ولكمته على كتفه ، ولكنه لم يستطع التحكم في ضحكاته ، فهتفت به بغيظ :
_ أنت بتضحك على إيه ؟! .. يعني أنا غلطانة أني فضلتك على نفسي وفضلت جانبك ومتغدتش !!.
تماسك زايد بعض الشيء ثم قال بابتسامة واسعة :
_ أنتي زوجة صالحة جدًا ! … عشان كده ليكي عندي مكافأة.
وضحك مرة أخرى وهو يأخذ هاتفه ويطلب رقم مطعم شهير يعرفه ، وقال لها وهو يكتم ضحكته :
_ أجيبلك قد ايه لحمة… ولا اتصل بالجزار ؟
ضحكت رغما عنها وهي تأخذ منه الهاتف وتطلب ما تريده، ثم سألته وهي تتظاهر بالجدية :
_ هتاكل ايه ؟ .. اطلبك بيتزاية؟
قال مبتسما بأستفزاز:
_ سي فود ..
أخبرت العامل وانهت الإتصال ، ثم كادت أن تتحدث حتى سمعت دق على باب الغرفة ، فنهضت وهي تأخذ حجابها وتحكمه حول رقبتها وفتحت الباب ، لتجد نوران أمامها بنظرات شامتة وقالت :
_ زايد لسه نايم برضه ؟ … ده ممكن تكون رجله اتكسرت تاني والمفروض أنه كان خلاص قرب يقف عليها !! ..
هتفت فرحة فيها بعصبية وقالت :
_ لأ الحمد لله … صحي من بدري وكويس جدًا ، وطلبنا أكل بالتليفون .
ابتهجت فرحة وهي تتحدث حتى قالت نوران بسخرية :
_ طب ما قولتيش ليه لأي حد من الخدم كان عملكم كل اللي انتوا عايزينه ! ..
اجابتها فرحة بثقة :
_ كسلت أنزل صراحة … طلبلي لحمة مشوية ، وأنا طلبتله سي فود … بنحب بعض أوي اوي يام هيثم.
شهقت نوران بذهول ، ثم قالت بعصبية :
_ إيه ام هيثم دي هو أنتي فاكرة نفسك لسه في الحارة بتاعتك ؟! …
تمتعت فرحة بعصبيتها وقالت غير مكترثة لإهانة نوران :
_ بكبرك يا أم هيثم … ده أنا كنت لسه هقولك يا حماتي كمان ..! الوحدة لازم تحترم ست كبيرة زيك برضه وتديها وضعها..
التهب وجه نوران بغضب ، ثم ذهبت من أمامها بخطوات سريعة حتى أختفت ، نظرات فرحة لها بسخرية ودخلت غرفتها من جديد … حتى وجدت زايد في نوبة قوية من الضحك ويحاول كتم صوته ، ثم قال بضحكة:
_ أنتي كنتي أرق من كده قبل ما تتعاملي معاها !!
قالت بتاكيد :
_ ليه هو أنا كنت هسيبها تضايقك واسكت ؟!
وادركت فرحة ما قالته عندما ابتسم لها بمكر ومحبة بآنّ واحد ، وعادت لشخصيتها الهادئة وقالت بجدية :
_ هي فعلًا أنسانة مش مريحة ، وعندك حقك ما تحبهاش ، تصرفاتها معاك كلها كره زي إبنها بالضبط .. أنت أزاي كنت بتسكتلها السنين اللي فاتت دي ؟
نظر لها زايد بابتسامة هادئة اختفت بالتدريج وقال ببعض الشرود بعد ذلك :
_ أقولك سر … ؟
مش دايمًا السكوت بيبقى تجاهل وثبات ، ساعات بيكون تعب ! .. أول مرة أعترف .. بس الست دي اتسببتلي في أذى نفسي كتير أوي من اول يوم دخلت فيه البيت ده ..
سألته فرحة وبدأت تتولد بداخلها كراهية حقيقية نحو نوران وقالت :
_ اتسببتلك في أذى نفسي ؟! … ليه عملت ايه بالضبط ؟
بدت عينا زايد شاردتان للبعيد ويلتمع فيهما الألم لشيء لم يستطع الافصاح عنه، فقالت لتغير مجرى الحديث :
_ هو الأكل هيتأخر انا جعانة أوي .!
ابتسم بمجاملة رغم المرارة بعينيه، وقال بعدما نظر لساعة الحائط :
_ ساعة بالكتير ..
وبدلت فرحة ملابسها لملابس اكثر احتشامًا واستأذنته لتخرج وتعد بعض الفاكهة سريعا ، وبعد مرور بعض الدقائق استقبل هاتفها نغمة اتصال سريع، ثم رسالة .. نظر له زايد وتعجب بعض الشيء ، ثم تذكر شقيقها فأخذ الهاتف ليتصل به فربما هو من حاول الإتصال ، ليجد رقم المتصل مجهول ! … ولكن اتسعت عينيه بذهول عندما ظهر الاسم على احد برامج كشف هوية المتصل ! … وردد بصدمة :
_ هيثم !!
ظل لحظات في حالة دهشة حتى قرر فتح الرسالة المستلمة من نفس الرقم على برنامج ” الواتساب” ليجد فحوى الرسالة :
_ ده العنوان بالضبط زي ما أتفقنا .. لازم بكرة نتقابل قبل الحفلة .. ومتخافيش ، هعمل نفسي معرفكيش عشان محدش يشك فينا ..
وانتهت الرسالة بمظهر تعبيري ضاحك وساخر ! .. انقبض قلب زايد وتجمد مكانه للحظات ، لم يكن ليجرؤ أن يرسل لها تلك الرسالة لو لم يكونان على أتفاق مسبق ومنذ وقت أيضا !!
تضاربت أفكاره وأصبح كل شيء أمامه ضبابي ومشوش ، لم يكن يظن للحظة أنها خائنة !! … ومع ألد أعدائه أيضاً..!
وربما هي أيضا من سرقت ملفات مشروعه سابقا !! … وضع زايد رأسه المشتت بين يديه في حالة من الصدمة والشك في كل لحظة مضت معها ..!
**************
أغلق ” فادي” هاتفه بعدما ارسل لفرحة الرسالة المنتظرة بعنوان الطبيب ، وخرج من غرفته ، حتى اصطدم بها وهي تقطع بعض الفاكهة في طبق كبير بالمطبخ ، فقال هامسا بابتسامة :
_ ده انا لسه متصل بيكي وباعتلك رسالة حالاً.. حاسس إننا بنعمل جريمة !
وكتم ضحكته ، فسألته فرحة وقاات بلهفة :
_ أنت كلمته وقولتله يعني أني هجيله ؟!
أكد فادي قائلا :
_ وحجزتلك كمان وفهمته سبب الزيارة ، أنا مبسوط أوي من اللي أنتي بتعمليه مع زايد يا فرحة .. لازم تفهمي حالته من الدكتور عشان تعرفي تتعاملي معاه كويس أوي وتفهمي كل تصرفاته ، زايد بيعمل الشيء وعكسه في نفس اللحظة … عشان كده محدش بيفهمه بسهولة…
قالت فرحة بتحذير :
_ طيب كده تمام ، دورك بقا أنتهى لحد كده يا فادي ، مش عايزة والدتك تلاحظ إني بكلمك كتير وتبدأ تخمن وتفكر وتراقبنا ..
قال فادي بتقطيبة صبيانية :
_ يعني مش هاجي معاكي بكرة للدكتور ؟! … وعدتيني وخليتي بيا !!
كتمت فرحة ضحكتها وتذكرت شقيقها حسام وطريقته المشابهة في العتاب، ثم قالت بلطف:
_ لأ مش كده ، بس عايزة اروحله واتكلم معاه وده هيبقى كتير الفترة الجاية … وأنت وراك مذاكرة ودراسة وچيم ونادي وحاجات كتير كده …
وضحك فادي بمرح حتى تفاجأ بفرحة التي اتسعت عيناها فجأة ، وسألها بقلق :
_ في إيه مالك ؟!
قالت فرحة بفزع :
_ أنت قولت أنك اتصلت بيا وبعتلي رسالة ؟! … التليفون ! …
سألها فادي بقلق شديد :
_ ماله ؟!
اشارت فرحة نحو الدرج وقالت :
_ زايد صحي والتليفون بتاعي جانبه ..!!
شحب وجه فادي وقال :
_ انا كنت فاكر أنه لسه نايم !! …
ركضت فرحة على الدرج وحينما وصلت دخلت الغرفة مسرعة لتجد زايد يتفحص أحد الجرائد في هدوء تام وجالسا على مقعد بالشرفة ، ولا يبدو عليه أي أنزعاج !! … فتجولت عينيها بكل مكان بالغرفة ولم يوجد لهاتفها أثرا !! .. فأقتربت منه وهي تدقق فيه النظر وتستشف حالته المزاجية ، حتى دحض زايد ظنونها وابتسم لها ابتسامة طبيعية .. فقالت بارتباك :
_ كنت خايفة تكون رجعت للنوم ..
أجاب بمزاح :
_ لا مش للدرجادي .. أنا بقيت كويس أطمني ..
ابتسمت فرحة وهي تتنفس الصعداء ثم استعادت هدوئها بعض الشيء وقالت وهي تنهض :
_ فين تليفوني أتصل بحسام أخويا وحشني ..
لم يجيبها مباشرة وراقبها بنظرة قاسية من بعيد ، حتى وقفت فرحة قلقة وهي تبحث عن هاتفها ، فنهض زايد من مكانه، وأسرعت إليه كي يستند عليها خوفا من السقوط ، وصدمت عندما أزاح يدها بعصبية واستطاع الوقوف رغم اضطراب عصب فكيه للحظات.. فنظرت له فرحة بدهشة من موقفه المفاجئ منها ، حتى رسم ابتسامة ثعبانية على شفتيه وجذبها اليه واحكم قبضتا يديه على كتفيها قائلًا بابتسامة تخفي غضب شديد :
_ أنا مش محتاج حد يسندني .. أنا مابقعش ، ولو وحصل ووقعت صدقيني … مش هتقدري تتحملي العواقب.
قالت وهي تنظر له ولأول مرة لم تضطرب وتقلق وذراعيه تقبضان عليها :
_ في حد قالي مرة أنك صعب تتفهم ، بتعمل الشيء وعكسه في نفس الوقت … وكان عنده حق !.
وقد تذكرت ما قاله فادي منذ قليل وتأكدت من ذلك ، وأضافت وكأنها تعاتب الغضب المجهول بعينيه وبصوته :
_ انت مكنتش كده من دقايق .. حصلك إيه؟ !!.
قال بسخرية وهو يخمن من أخبرها بذلك :
_ مين يا ترى اللي قالك ؟! … بتتكلمي عني مع مين وبتقولي إيه ؟!
سكتت للحظات وهي مذهولة من عصبيته المفاجئة ، حتى عاد مبتسما بهدوء وقال وكأنه يمازحها :
_ أنتي محدش يعرف يهزر معاكي أبدًا ؟! … وبعدين هو العشا اتأخر كده ليه مش كنتي نازلة تجبيه ؟!
ضربته على صدره بخفة وهي تبتسم وقالت :
_ نسيته ، هنزل حالًا زمانه على وصول ..
واستدارت لتسعد للخروج حتى سمعت نقر على باب الغرفة، فذهبت لتفتح الباب حتى وجدت الخادمات وهي تحمل هاتفها وتقول :
_ لقيت التليفون ده في الطرقة قدام باب أوضتكم يا ست فرحة ..
نظرت فرحة للهاتف بدهشة ولم تتذكر إنها أخذته معها في أي مكان !! .. ولكن ربما حدث وغفلت ، المريح فالأمر أنه لم يقع بيد زايد ، فأخذته فرحة وشكرت الخادمة ، فأجابتها الخادمة بلطف والتي رمقت زايد بنظرة خاطفة مؤكدة على ما أمرها به منذ دقائق … فضيّق زايد عينيه من بعيد كأنه راضٍ عن تنفيذها لأمره …. وخرجت فرحة وأغلقت الباب خلفها ، ليعود ذلك الغضب العنيف لملامح وجهه .. والذي أمتزج مع حزن وخذلان يتقاتلان بعينيه وقلبه .. مجرد الظن بأنها تآمرت عليه وخدعته يجعله يختنق حتى الموت ! .. مهلًا .. إن غدًا لناظره قريب !!
*********
اقتحمت منزلي وحياتي وعزلتي .. ثم قلبي !
ولكن كيف اقتحمت قلبي بذلك العنف والدفء معاً؟!
بتلك البساطة !! .. وكيف لأحتلالها أن يصبح هو ذاته صك حرية ؟! ووجودها أمنية ؟! .. ورؤيتها حياة ؟!
كيف وأنا على الشاطئ .. أحتاج لقارب نجاة ؟!
دوّن تلك الكلمات في دفتر مذكرات صغير ووقف أمام نافذة غرفته شاردًا مبتسما لسكون الليل ، وللهواء والنسمات ، لكل شيء .. أن يعشق رجل أمرأة رغما عن أنف كبريائه وعزلته لشيء عجيب ! ..
وأتت شمس النهار على مهل ، وتقلّب الطقس فجأة ، وظهرت غيوم ليس بموعدها الموسمي ، تنذر بطقس سيئ .. وكان قد تمدد “أكرم” بفراش غرفته منذ ساعات قليلة ، بعد عواصف أفكاره العالية والبعيدة .. المنسوجة كخيط العنكبوت .. حتى فتح عينيه على دق المطر على زجاج نافذته المفتوحة .. وتيار الهواء الشديد ! … فنظر للسماء من النافذة بتعجب وقال :
_ بتمطر !!
وكان دائمًا يشعر بشيء مجهول عندما يرى المطر في غير موسمه !! .. ونهض سريعا ليغلق النافذة، حتى تذكر الفتيات ومعهن جيهان ، وأن ربما الأغطية غير كافية ، فأخرج من خزانته بعض الأغطية الثقيلة وحملهم وخرج من غرفته متجها لغرفة الصغيرات …
وعندما دق على باب غرفتهن فتحت له رضا وهي تفرك عينيها بكسل وقالت :
_ كويس احنا فعلا كنا محتاجين غطا …
وأخذت منه الأغطية وسألها وعينيه تبحث عن الضيفة الحسناء :
_ هي … جيهان فين ؟
حملقت رضا فيه لبعض الوقت عندما نطق الاسم بحميمية هكذا وأجابت بارتباك :
_ مش عارفة ، صحيت مالقيتهاش !
اضطرب قلبه وظن أنها لربما رحلت ! … لما يقف أمام الصغيرة لمدة دقيقة أخرى وذهب ليبحث عنها ، وظل يهتف بأسمها داخل القصر ولكن ما من مُجيب !! … أطبق أكرم شفتيه بغضب واسرع هبوطا على الدرج وخرج من القصر ليستقل سيارته بحثا عنها .. بالتأكيد لا زالت بالطريق ، ولكنه توقف فجأة عندما رآها تنحني وتقطف أوراق ” النعناع ” الطازجة من سلال مخصصة للزراعة ، وتدندن مقطوعة غنائية لفيروز وهي تجمع أوراق النعناع تحت حبات المطر .. وابتسم بسعادة لرؤيتها ، بعدما كان الطقس ممطرا وكئيبا أصبح مبتسما لامعا بدفء المطر في الخلفية …
واستقامت جيهان وهي تبتسم بزهو لباقة الزهور وأوراق النعناع العطرية التي جمعتها حتى وقعت عينيها للمستندا بظهره على سيارته ويراقبها باستمتاع وابتسامة دافئة … وتطايرت فراشات قلبها لهذه اللحظة بينهما .. أشد لحظاتها حياة !
بعمرها الماض كله لم يجعلها رجل ترتبك هكذا ! … وتخاف وتطمئن بنفس اللحظة !
منتهى الثبات .. ومنتهى الجنون !
اصطبغت وجنتيها بحمرة وردية رغم المطر وبرودة الهواء وتابعت ما تفعله لتخفي ابتسامتها ، أو بالأدق .. سعادتها عن رادار عينيه وأفكارها العارية دائمًا أمامه..
ولحظات حتى وجدته يشاركها جمع أوراق النعناع ، حتى استقام وقال ناظرًا لها بعمق :
_ مكنتش بحب المطر … قبل النهاردة !
ابتسمت رغما عن عدم رغبتها في ذلك وقالت وهي تنظر لما بيديها :
_ رغم أنك رجل من جليد!
وضحكت على ما قالته ، رغم تعجبه منه ، فأوضحت مبتسمة برقة :
_ قرأت قصة زمان ، وكان البطل بمواصفاتك بالضبط ، وكانت البطلة بتقوله كده.
قالت ذلك وادركت ما قالته بعد لحظات ! … وامتقع وجهها ، فاتسعت ابتسامة أكرم بمكر وكرر كلمتها :
_ البطلة ؟! …وأنتي قلدتيها وقولتي زيها للبطل .. اللي هو أنا يعني !… ده كلامك !.
استدارت وقالت بجدية وهي تلعن غبائها سرا :
_ عادي يعني … مقصدش !
_ أفتركتك مشيتي وبعدتي.
قال ذلك عندما استدارت وابتعدت خطوات، فتوقفت جيهان وابتسمت مرة أخرى برقة ثم قالت دون أن تنظر له :
_ كنت هتعمل إيه يعني ؟ … كان زمانك مرتاح مني.
استفزته بقصد ، وتقبّل المصيدة بقبولا حسن وقال بنفس ابتسامته بعدما تحرك ووقف أمامها مباشرةً :
_ أنا مبقتش ارتاح غير بيكي !
فغرت جيهان فاها من الصدمة وسقط ما بيدها …!
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖

_ أفتكرتك مشيتي وبعدتي.
قال ذلك عندما استدارت وابتعدت خطوات، فتوقفت جيهان وابتسمت مرة أخرى برقة ثم قالت دون أن تنظر له :
_ كنت هتعمل إيه يعني ؟ … كان زمانك مرتاح مني.
استفزته بقصد ، وتقبّل المصيدة بقبولا حسن وقال بنفس ابتسامته بعدما تحرك ووقف أمامها مباشرةً :
_ أنا مبقتش ارتاح غير بيكي !
فغرت جيهان فاها من الصدمة وسقط ما بيدها …!
رغم جمودها مما قاله فجأةً، كانت عينيها تحترق بالاسئلة المُلحة، وثغرها يتمتم بكلمات متقطعة من الارتباك، راقب ردة فعلها بابتسامة دافئة وانسجام، واستمتع بذلك الخيط الخفي بينهما، فما ادركت شيء الحين غير أنها تريد الاختبـاء ..!
وركضت من أمامه برمقة عين، ليس هروبا منه أبدًا .. أنما لجمع شتات نفسها وأفكارها، فهو ما كاد يُلقيها بطريق حتى يدفعها بالضفة الأخرى المضادة له!.. فتتشتت ويتجمد عقلها، أما قلبها تحلّق فيه الفراشات فقط من النظرة بعينيه !
وجلست على مقعد بالمطبخ تلملم ما تبقى من تركيزها، ونهضت وهي تعزم على أن تُعد حلوى للصغار، حلواهم المُفضلة، ولكن تذكرت نظراته المتلاعبة المتسلية وهو يراقب ارتباكها منذ دقائق، فأغتاظت بعض الشيء وقررت تحديه، حبًا ومشاكسة، وأحبت رفقته وخاصةً تلك اللحظات التي يعلو فيها ظاهريا التحدي، بينما تواري عشقا عظيم، فذهبت وبدلت ملابسها لملابس ذكورية من الچينز، مثلما كانت تتخفى سابقا !، فسألتها احدى الفتيات وقالت :
_ بتلبسي كده ليه تاني يا ماما جيهان؟!
أجابت جيهان بنظرة ماكرة ، مكر أنثى تريد مجابهة رجل تحبه في التحدي:
_ لا ابدًا ، عشان بس الهوا كله تراب ، اللبس ده افضل.
وقد ارتدت “سالوبيت” من الچينز المرقع، واسفله “بلوزة سوداء أنثوية ، مزيج عجيب بين الضدين ! .. القسوة والرقة يمتزجان!، ورفعت خصلات شعرها بلافته الجدية والبدء ، بينما خصلاتها تشع أنوثة ورقة تحاوط جانبي وجهها ذو البشرة الناعمة الصافية، التي لوّحتها الشمس بعض الشيء، واثمرت لون عذب زادها أنوثة صارخة
وعادت للمطبخ وتلهفت لرؤية ردة فعله عندما يرها، ويعرف أنها لا ترغب بلفت أنتباهه .. سيجن بالتأكيد !
اتسعت ابتسامتها وهي تدخل المطبخ ، وللدهشة وجدته يعد طبق من البيض المخفوق ويضع عليه قطع البسطرمة.. وقال وهو يواليها ظهره وتعجبت كيف ادرك أنها القادمة:
_ كنت لسه هندهلك ، تعالي نجهز الفطار للولاد
ابتسمت للدفء والألفة المليئة بصوته، والتي توضح أنه بالاصل رجلًا مهذبا حنون غير متعجرف مثلما يتظاهر … وبدأت تُعد الحلوى بخطوات سريعة وقالت وهي تبتسم :
_ عرفتني من خطواتي !
وشعرت بالابتسامة على وجهه وهو يتحدث وقال وما زال يواليها ظهره نحو الموقد :
_ من ريحة الفانيليا اللي في شعرك ، شعرك ريحته مميزة ..
تعجبت لأنها لايام كثيرة لم تهتم ببشرتها وأدوات العناية الخاصة بها، لماذا رائحة غسول الشعر لا زالت عالقة منذ أيام !
وفجأة وبغمر تركيزها بإعداد الحلوى وجدته يقول بعصبية :
_ ايه اللي أنتي لبساه ده ؟!
اخفت جيهان ابتسامتها ومرحها لعصبيته والتفتت غير مكترثة لما قاله وكأنها لم تسمع جيدًا وسألت :
_ بتقول ايه ؟
اطبق أكرم شفتيه ببعضهما بنظرة ضيقة وادرك محاولاتها أستفزازه وقال :
_ اللي أنتي سمعتيه ! …
لوت جيهان زاوية فمها بإشارة عدم الفهم رغم الضحكة الماكرة التي تشع بعينيها، فهتف اكرم بغيظ:
_ بقولك ايه اللي أنتي لبساه ده ؟! … مش عندك هدوم مناسبة ليكي ! ..
نظرت جيهان لما ترتديه وجاهدت لكي تحافظ على ثباتها وقالت ببراءة :
_ خدت السالوبيت ده من وصيفة ، الفستانين اللي عندي مش مناسبين للمكان هنا .. مُلفتين ، وكمان احنا اتفقنا أني هفضل باللبس ده وكأني ولد.
نظر أكرم لما ترتديه بنظرة سريعة وهتف بغيظ :
_ واللي أنتي لبساه ده مُلفت أكتر منهم ! .. روحي غيريه !
اغتاظت منه وصاحت :
_ نعم ! .. أنت هتتحكم في لبسي ! .. وبعدين أنا في مكان غريب عني وانت شخص غريب عني ، فأكيد مش هعرف آخد راحتي يعني والبس اللي أنا عايزاه وأنت موجود ! .. وبعدين أنت متعصب أوي كده ليه احنا مش اتفقنا اني ابقى ولد ؟! انت بترجع في كلامك ليه ؟!
تنهدت ورسمت مظاهر الأرتياح على وجهها وقالت :
_ عمومًا كلها يوم أو يومين وترتاح مني وتفضل لوحدك زي ما كنت.
استدارت وهي تكتم ضحكة كادت أن تفلت من شفتيها وتظاهرت بخفق البيض بطبق عميق، فـ ساد الصمت للحظات وهو ينظر لها بنظرة ضيقة نارية، ثم خرج من المطبخ وركل بقدمه في غضب علبة سمن فارغة من الصفيح، فضحكت جيهان ملء فمها واكملت إعداد الحلوى وهي تضحك بمرح .. يبدو أن كلماتها المازحة جعلته كالثور الهائج…!
وبعد الانتهاء كانت قد شعرت ببعض الضيق والإنزعاج من اختفائه، ونزلت للطابق الأرضي ولم تجد له أثرًا، فخرجت من القصر وصادفت أحد الصغار فسألته قائلة :
_ ما شوفتش أكرم … أقصد الزعامة ؟
أجاب بقلظ عليها وهو يشير لمكان بعيد خلف المزرعة الواسعة وقال :
_ شوفته رايح لبيت الخيل .. مش هنفطر بقا؟!
اطرفت جيهان عينيها نحو المكان المُشار إليه والتي للتو اكتشفته، رغم وجودها هنا منذ أيام ولكن هناك الكثير من الأماكن هنا لم تدخلها ولم تتعرف عليها وما تحتويه ، وها هي الآن تكتشف أن ذلك القصر يضم إسطبل للخيل أيضاً … وأجابت على الصغير:
_ روح أنت والولاد حضروا السفرة يا بقلظ ، أنا خلصت الفطار والحلويات في المطبخ ، هتعرفوا تحضروا السفرة ولا لأ ؟!
ركض بقلظ بحماس وهو يهتف :
_ ده أحنا عفاريت ، هتشوفي هنحضرها أزاي يا فوشياكيكة
ابتسمت جيهان لتذكرها ذلك الاسم المضحك ، ثم نظرت للإسطبل بتردد ، ولكن أخذها فضولها لرؤيته، فساقتها قدماها تبعا لرغبتها المُلحة بتفقد المجهول، حتى وقفت أمام مكان يكسوه الخشب من الخارج ، ومدخل واسع فسيح ذو ارتفاع مُهيب ، وبعض من الزكائب والغرائر لحفظ العلف والحبوب مخزنة بترتيب بزاوية مخصصة بالمدخل ..
وتقدمت جيهان خطوات للداخل بحذر شديد وهي تنظر يمنة ويسرة، والإضاءة شبه منعدمة باستثناء أشمعة الشمس الباهتة لهذا اليوم والتي تتسرب من خلال النوافذ والأبواب وتنير المكان ، وهتفت :
_ في حد هنــا ؟!
لم تجرؤ أن تناديه باسمه دون رسميات في حضوره ! .. وكررت ندائها ولا من مُجيب..!، حتى رأت باب عريض لغرفة تبدو ضخمة المساحة ، فتقدمت اليها بقلق ثم دفعت الباب ببطء ، والذي أصدر صريرا مزعجاً ومخيفا!.
كأنها تفتح بابا لمنزل تسكنه الأشباح !، فأبتلعت جيهان ريقها ببعض الصعوبة والخوف، وقد بدأ منسوب الادرينالين يرتفع بجسدها، وما أن رفعت يدها عن الباب وتقدمت للداخل خطوة واحدة حتى تجمدت عندما غلق الباب بصريره المخيف دون أن يدفعه احدًا، كأنه صمم لأن يبقى مغلقاً دائمًا..!
تمتمت جيهان بصعوبة ثم تصاعدت نبرتها وصاحت بهلع :
_ أكـــــــرم …!!
وما جمدها أكثر عندما رأت وحشين مخيفين يلتمع جسدهما الأسود تحت ضوء الشمس الضعيف الصادر من النافذة العالية ، حسنًا هذان زوجان من الخيل العربي .. لا داعي لعقلها أن يضخم حالة الرعب هذه مثل العادة ، فتنهدت وهي تلتقط أنفاسها قليلًا، حتى تجمدت مجددًا عندنا سمعت صوته يقول :
_ كنتي بتناديلي ليه ؟!
ضيقت جيهان عينيها بدهشة ، وقد هجمت الطمأنينة على قلبها بوجوده، وقالت بتعجب وهي تتجول بنظرها في كل زاوية ولا تلمح له ظلا :
_ أنت فين ..؟!
خرج ذلك الرجل الذي على رغم من بنيته الضخمة إلا أنه أختفى بين زوجان الخيل ، وبدا اشرس وأعنف بعض الشيء ، خاصة بعدما حرر منتصف أزرار قميصه الأسود وظهر عنقه طويلًا بصدر عريض وخصر نحيل أبرز عرض منكبيه .. فقال بنظرة ضيقة ثابتة وساخرة :
_ وأنتي جاية ورايا ليه ؟! مش أنا غريب عنك ؟! بتدوري على الغريب ليه ؟!
ارتبكت جيهان واجتثت نظراتها من عليه ورمتها بعيدًا عنه ثم أجابت بصعوبة :
_ أنا …. أنا كنت جاية أقولك أني … حضرت الفطار، والولاد مستنينك ..
ظل واقفا للحظات وهي تتهرب بعينيها منه وتغرق بتوترها أمامه، ثم ترك سير لجام الفرس من يده وخطا نحوها ببطء دغدغ أعصابها وتخشبت أطرافها، وعندما وقف أمامها مباشرة نظر بثبات وقال بعصبية :
_ أنا ما بتهددش ! .. مش كل ما تتكلمي تهدديني أنك هتمشي ! .. اللي عايز يفضل هنا يفضل أنا ما طردتكيش ، ولو عايزة تمشي مش همنعك الباب مفتوح ..!
وعاد قائلًا بشراسة وتهديد:
_ لكن مش هسمحلك تستخدمي الاسلوب ده معايا !!
دهشت وهي تراه يعود لذلك الرجل المخيف مرةً أخرى! ، بعدما ظنت أنه يخفي بذلك المظهر الفظ أرق والطف رجل قابلته بعمرها!! … وحديثه أوجعها، أشعرها أن قبضتيه مرتخيتان في التمسك بها ! .. وأنه لم يحبها بالدرجة التي تخيلتها ! ..
فقالت بحدة وعينيها بدأت تذرف الدموع :
_ مالوش داعي تسمحلي أو ما تسمحليش ، لأن انا مهددتكش بحاجة ! .. أنا ضيفة في رحلة قصيرة ، والحقيقة أن فعلًا وجودي هنا هيبقى لأيام قليلة عشان أشهاد ، وعشان شامي كمان ، وعشان لما أمشي من هنا محسش بالذنب أني فرقت ما بينكم .. ولو كنت فاكر أني جتلك عشان أعتذر .. فمش هنكر
ابتلعت ريقها ودموع جرت على خديها وقالت وهي تنظر له بألم :
_ مش عايزة أمشي وحد هنا مضايق مني.
زم أكرم شفتيه واسودت عينيه من الغضب تحت كلماتها ، فعادت جيهان خطوات خوفا منه حتى التصق ظهرها بالحائط ، واكملت بدموع :
_ وأتمنى لما حد منكم يفتكرني ، يفتكرني بكل خير ..
ضرب أكرم يده بالحائط جانبها وصاح بوجهها بجنون، كأنه يكره مضمون هذا الحوار بينهما وقال بشراسة:
_ أنا مش عايز أفتكرك أصلًا، ولا عايز أفتكر وجودك هنا في يوم من الأيام .. أطلعي برا ، وأمشي من هنا دلوقتي حالًا !
ذهلت جيهان وهي تراه يتحدث بتلك الطريقة الجنونية العنيفة ، فنزف قلبها وهي تركض من أمامه باكية واقسمت أن لا تظل هنا لحظة واحدة ، حتى لو عادت مئات الكيلو مترات زحفا !! .. وتفاجأت وهي تركض وبدت لها الخطوات والحركة ثقيلة والدوار يملأ رأسها ، بأنه أمتطى أحد الخيول وخرج خلفها على الأسود الراكض وينهب الأرض ركضا، ووقفت جيهان تنظر له بدهشة وهو يدور حولها بذلك الحصان الأسود الضخم ويغلق بذلك الحاجز الترابي أي ممر للعبور والهروب من أمامه !!
كأنه يحتجزها ! .. كأنه يقول كلمة لا للرحيل دون التفوه ! .. تكونت سحابة ضخمة من الأتربة حولها من جميع الجوانب وسعلت بشدة ثم سقطت مغشيًا عليها بعد دقائق..!
**********
وبنظرة تخفي أجيج من النيران راقب “زايد” زوجته فرحه وهي تستعد أمام المرآة للخروج ، وقال بغموض :
_ للدرجة دي مستعجلة على الخروج !
استدارت فرحة وقالت بابتسامة واسعة وهي تحمل حقيبتها:
_ حجزت ميعاد في الكوافير ، هاخد وقت عشان هعمل شعري كمان ، ما تنساش الحفلة هتكون بدري ولازم استعد كويس ، دي حفلة معمولة عشانا اصلًا ، يعني العيون كلها هتكون علينا.
ابتسم بسخرية وقال :
_ تعملي شعرك ؟! .. هو مش أنتي محجبة ؟!
قالت فرحة بمرح وفرحة طفولية :
_ ايوة طبعا ، وهفضل بحجابي ، بس حبيت استغل الفرصة واغير تسريحة وشكل شعري ، وممكن اصبغه كمان ..
حذرها بعصبية :
_ مش هيحصل ! … مش عايزه غير أسود !..
نظرت له وأرادت كسب وده لهذا اليوم بكامله دون افتعال مشاكل، فقالت بضحكة مرحة :
_ أمرك مُطاع يا مولاي .. تؤمر بحاجة تاني ؟
قال بنظرة حادة :
_ ما تتأخريش ..
وافقت وهي تركض من الغرفة ، وانتظرها زايد حتى تأكد أنها خرجت من المنزل بكامله وابتعدت بالسيارة ، ثم استعد سريعا وخرج وقد تأكد أن لا أحد رآه ..
وعندما وقفت فرحة عند صالون التجميل أمرت السائق بأن يعود للمنزل وينتظرها حتى تتصل به ليأت إليها ، وبمجرد أن أخافى السائق من أمامها أوقفت سيارة أجرة وذهبت مباشرة لعيادة الطبيب المختص سابقا بحالة “زايد” …
**********
بعد مرور ساعة تقريبًا كانت تجلس أمام الطبيب بعيادته النفسية وقد بدأت الحديث منذ دقائق ، وأضافت بحيرة:
_ يعني حضرتك ما تعرفش عن اللي حصل لزايد بالضبط ؟! … أنا محتاجة أعرف التفاصيل بالضبط ، عايزة أعرف الحقيقة !
رد عليها الطبيب بهدوء وقال مؤكدًا :
_ اللي فاكره من القضية دي لأنها كانت وقتها قضية متداولة ورأي عام ومنشورة في أكتر الجرايد بأن ولد مراهق شهد على انتحار أمه ودخل بحالة نفسية عنيفة وحس انه المسؤول عن وفاتها لأنه مقدرش يوقفها أو ينقذها ، ده اللي اتنشر في الجرايد وقتها ودي الحقيقة فعلًا .. أنا فاكر أةل مرة قابلت فيها زايد كان بيصرخ ومصر أن هو اللي قتلها !
صدمت فرحة وهتفت بصياح:
_ ايوة ، هو ده اللي شوفته في الفيديو ، كان بيصرخ وبيعترف أنه قتلها ..
أكد الطبيب وقال :
_ وده اللي قاله زايد وفضل مصر عليه ، لحد ما شوفت فيديو تاني ، لكاميرا في العمارة اللي قصاد شقتهم ، بتبين زايد وهو متمسك بإيد ولدته وبيصرخ ، وهي اللي زقت ايده عشان تقع وتموت .. الفيديو ده كان قاسي جدًا ، بس للأسف ملحقتش اوريه لزايد لأن تليفوني اتسرق وكل حاجة راحت ..
صمتت فرحة والحيرة تملأ عينيها ثم قالت وهي تتنهد بارتياح :
_ المهم أني اتأكدت من حضرتك أنه بريء ، ولو أني عايزة الفيديو ده بأي طريقة ! ..
شرح الطبيب وقال :
_ الفيديو دلوقتي مالوش لزوم ، وقتها كان مهم لأن زايد في حالته دي كان ضروري يشوفه ، لكن دلوقتي هترجعيه لحاجة هو بيحاول ينساها بكل قوته .. فمانصحكيش تعملي كده ..
قالت فرحة بعدما تذكرت نوران وأبنها الحقير وما يخططان له :
_ الفيديو ده هيظهر في الوقت المناسب ، هيبقى رد وانتقام لأي حد يفكر يشوه سمعته ويأذيه … أنا مش هعرضه للموقف ده واخليه يرجع يفتكر حاجة بشعة زي دي ، أنا عايزاه حماية ليه وأثبات أنه بريء .. ارجوك ساعدني اقدر اوصل للفيديو ده أزاي ، وساعدني أعالجه من حالة الغضب والتشنجات اللي بتحصله ..
صمت الطبيب لبعض الوقت وقال :
_ أنا هساعدك يابنتي وهحاول أوصل لصاحب العمارة اللي خدت منه الفيديو ، رغم أنه بعدها الراجل ده أختفى تماما وحاولت الاقيه بس فشلت ، لكن بالنسبة للعلاج الدوائي فلازم ده يبقى بعد كشف طبي كامل على زايد عشان أقدر اديه العلاج المناسب ، بس العلاج النفسي أقدر أفيدك فيه ..
قالت بألم :
_ ساعات كتير بتصدم فيه ، بيبقى شخص واللحظة اللي بعدها بيتحول لشخص تاني ! .. بيعاقبني أني بدور على الحقيقة ! .. متخيل أني كده محبتهوش كفاية ! .. انا هدور على الحقيقة ليه واتعب نفسي لو مكنتش فعلًا عايزة اتأكد أنه بريء وأفضل معاه! ..
أجابها الطبيب وقال :
_ زايد كان بيحب والدته جدًا، كانت بالنسباله مصدر الأمان والحنان والثقة ، وفي لحظة قررت تسيبه وبقرارها هي ، وده اثبتله أن حتى أقوى احساس حب ممكن يحسه بشر وهو حب الأم لولادها ممكن جدًا ما يبقاش حقيقة وتتخلى عنهم بسهولة ! … زايد محتاج الأمان اللي اتحرم منه بالطريقة البشعة دي ، بس محتاج مع الأمان ثقة وتأكيد أنك هتفضلي معاه … هتشوفي كتير منه ، بس لو بتحبيه هتتحمليه لحد ما يتخطى المحنة دي … موافقة ونبدأ رحلة العلاج ولا مش قدها وما أتعبش نفسي ؟
قالت فرحة بلهفة وبكل ثقة وتأكيد :
_ موافقة وقدها .. وهتشوف بنفسك ..
ابتسم لها الطبيب وقال بمرح :
_ زايد محظوظ جدًا … مستني اللحظة اللي هحكيله فيها عن زيارتك دي واللي هتعمليه عشانه …
نهضت فرحة وهي تشع أملًا بالآت ، وبكلمات الطبيب المتفائلة بالخير ، وخرجت من العيادة وهي تتنفس بارتياح ، ولكن صدمت بوجود هيثم !! … والذي يبدو أنه ينتظرها منذ وقت طويل ! … واقترب منها وهي تقف أمام المصعد وقال :
_ كنت وراكي خطوة بخطوة من عند صالون التجميل ، لحد ما هربتي وجيتي على هنا، عايز اتكلم معاكي شوية يا فرحة !
انعقدت الكلمات بحلقها وهي تراه يتجاهل وجوده أمام عيادة الطبيب النفسي! .. وحتما عرف سبب الزيارة ! … فهتفت بعصبية في وجهه :
_ ماشوفتش في بجاحتك ! … أنت عايز مني ايه ؟!
قال بخبث وبلعبة شيطانية :
_ عايز أساعدك في علاج زايد ، يمكن دي تكون صفحة جديدة ما بينا ، انا زهقت من كتر عداوتنا ومش شايف ليها اي داعي بصراحة ..
نظرت له فرحة وفهمت لعبته الحقيرة ، ولكنها قالت :
_ بجد !! .. طب كويس ، سيبني أفكر ، عن أذنك .
ونزلت على درجات السلم حتى لا يتمادى ويدخل معها المصعد بالاجبار ، فلحقها حتى الدرجات الأخيرة وتحدث معها بهدوء قائلًا :
_ طب ممكن تركبي معايا أوصلك ؟… اكيد مش هسيبك تركبي تاكسي وعربيتي هنا !!
قالت بنفاد صبر وهي تتصنع الابتسامة :
_ لأ اكيد في البيت محتاجينلك أكتر عشان الحفلة ، بعد أذنك ..
فأوقف هيثم سيارة أجرة وحاسب السائق قائلا لها :
_ لو أحتجتي أي حاجة كلميني ..
لم تجيبه فرحة وتجاهلته عمدًا وهي تفكر كي تتجنب شره حتى لا تفشل خطتها مع الطبيب ، وحينما كانت تحاول جاهدة أن تتجنب نيران من كومة حطب ، كان ينتظرها بركان ناري بعينيه التي تحولت للجحيم وهو مصدوم برؤية هيثم معها ويخرجان من نفس المبنى لعيادة الطبيب النفسي ، ماذا يفعلان سويا وما يخططان له ؟! …
*************
فتحت جيهان عينيها ببطء لتجد الصغار حول فراشها والدموع بأعينهم وخائفين ، وبمجرد أن استفاقت قليلًا اقتربوا منها بلهفة وقال بقلظ بقلق شديد :
_ خضتينا عليكي أوي ..
وانتقلت بعينيها من طفل لآخر يتحدث معها ويطمئن عليها ، بينما كان هناك من يقف وينظر للنافذة والحزن يكسو معالم وجهه ، خلاف ما شاهدته تماما من عنف وشراسة بوجهه قبل أن تفقد الوعي ، وتسمرت عينيها عليه بدموع وخذلان ، حتى تحرك وجهه نحوها ببطء وقال للصغار وهو يتهرب من عينيها :
_ خلوها ترتاح شوية …
وأضاف والألم يملأ عينيه :
_ عربيتي جاهزة في أي وقت تحبي تمشي فيه ، هوصلك بنفسي عشان أكون مطمن عليكي وتكوني في أمان .. أنا مكنتش عايزك تمشي .. بس دي رغبتك للأسف ..
وصمت بعدها ، ولكن دموع الصغار لم تصمت، وارتفعت الأصوات بالبكاء ، فخرج أكرم من الغرفة ولم يعد يحتمل الموقف أكثر من ذلك .. وعاد لغرفته ، ولكن في طريقه للعودة لاحظ أن بكاء الصغار وأصواتهم انقطعت فجأة .. فما الذي حدث ؟!

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية سيد القصر الجنوبي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *