روايات

رواية جمال الأسود الفصل التاسع عشر 19 بقلم نور زيزو

رواية جمال الأسود الفصل التاسع عشر 19 بقلم نور زيزو

رواية جمال الأسود البارت التاسع عشر

رواية جمال الأسود الجزء التاسع عشر

جمال الأسود

رواية جمال الأسود الحلقة التاسعة عشر

تناول “جمال” طعامه فى صمت وعينيه تحدق فى وجهها العابس وشرودها حتى أنها لم تضع لقمة واحدة فى فمها، ترك الملعقة من يده ومسح فمه بالمنشفة الصغيرة ثم قال:-
-ما لك يا مريم؟
نظرت إليه بتوتر وحيرة ثم قالت:-
-مفيش! كمل أكلك
نظر “جمال” إلي طبقه الذي أنهاه بالفعل لكنها لم تنتبه وقال بهدوء شديد:-
-أنا كلت
وقفت “مريم” من مقعدها ببسمة مُزيفة ثم قالت:-
-هعملك القهوة
كادت أن ترحل من أمامه لكنه استوقفها عندما مسك يدها بيده القوية يمنعها من الرحيل فنظرت إليه بهدوء ليقول بجدية:-
-حنان هتعملها، أنا زعلتك فى حاجة؟
هزت رأسها بلا بسرعة تقتل أفكاره الخاطئة ثم قالت:-
-لا محصلش

 

وقف من مكانه ليحدق فى عينيها الحزينتين والقلق يحتلهم، نظر إليها بحيرة من معرفة ما حدث بها، مُنذ قليلًا كانت تبتسم بسعادة وتركته بفرحة تغمرها لكن أين كل هذا ليقول:-
-الورد معجبكيش
-لا والله جميل ورائحته طيبة وجميلة
قالتها ببسمة خافتة، أستسلم لصمتها لكنه يعلم جيدًا بأن هناك شيء حدث معها فسأل من جديد:-
-أنتِ زعلانة عشان منفذتش وعدي وسفرتك، أنا عندي بكرة أجتماع مهم من لجنة من الحكومة وأخلصه وأستلم المشروع ونسافر زى ما تحبي وأنا هسيب الشغل لـ شريف لكن مقابلة بكرة ضروري أكون فيها
هزت رأسها بنعم فى صمت وهدوء على غير عادتها ثم قالت:-
-مش زعلانة، ولو عندك شغلك بلاش السفر أنا مش هحبلك الخسارة أو أسببلك أذي فى شغلك
ترك يدها بثقة من أن هناك أمر حدث بها فهى من كانت تصرخ وتأمره بالسفر معها ليقول:-
-أنا متأكد أن فيكي حاجة، أنا مش لسه بتعرف عليكي يا مريم وعمومًا براحتك، لما تحبي تتكلمي أنا موجود وهسمعك، خلي حنان تجبلي القهوة فى المكتب
تركها ودخل للمكتب مُستاءًا من صمتها وهى تخفي عنه الأشياء بينما نظرت إليه وهو يبتعد عنها بحزن، جهزت لكل شيء من الصباح لتبقي معه طيلة الليل وتصنع الذكريات الجميلة معه، أرادت أن تجعله يبتسم بقدر بسمتها التى لاحقتها مع خبر نجاحها، لكن هذا الغبي دمر كل سعادتها بأتصاله، تعجبت “حنان” من كلمتها وقالت:-

 

-القهوة فى المكتب!!، معلش سامحيني على تطفلي والله مش قصدي أدخل بينكم لكن ضروري أسأل عشان قبل ما أدخل أواجهه جوا… أنتوا أتخانقتوا؟
خرجت تنيهدة من “مريم” مُعبأة بالخيبة والحزن ثم قالت:-
-لا، أنا طالعة أنام
أستوقفتها “حنان” بسؤالها قبل أن تخرج من المطبخ:-
-طب والتورتة مش هتأكلوها
لم تجيب عليها “مريم” بكلمة واحدة وصعدت للأعلي حيث غرفتها وجلست مقابل المرآة تنزع حلق أذنها بشرود فى هذا الأتصال الذي جاء لها من شخص تناساها كل هذه السنوات، نظرت للمرآة على إنعكاس صورتها وبدأت تلوم نفسها على فعلتها، أخبرته أن يأتي لأجلها مُسرعًا ولا يتأخر، دخلت للمطبخ وبدأت تصنع له الطعام تحت إشراف الطباخ لأجل “جمال” وأتصلت بصالون التجميل حتى يأتوا الفتيات ويساعدوها فى التجمل حتى تظهر أمامه جميلة ومُختلفة كيومها وهى بالنهاية ماذا فعلت دمرت كل شيء بسبب توترها وخوفها من القادم فقالت بندم مُعاتبة صورتها المُنعكسة:-
-خايفة من أية وجمال معاكي يا مريم؟
تركت حلق الأذن على التسريحة وهرعت للأسفل حيث تجده، دلفت للمكتب دون أن تطرق الباب لتراه يجلس على الأريكة الجلدية السوداء ويرتشف قهوته وبين سبابته والوسطي سيجارته، رمقها فى صمت لا يعلم ماذا يقول لكنه غاضبًا بعد أن خاب أمله بها، طيلة اليوم وهو يفكر لماذا تنتظره وماذا ستفعل؟ إلغاء كل مواعيده وهرب من عمله الذي يُدمنه لأجلها وهى ماذا فعلت؟ دمرت كل شيء بصمتها وحزنها الغامض، أقتربت منه ليري فستانها يزحف على الأرض معها بعد أن نزعت كعبها العالي وهكذا الحُلي ليبتسم بخفة بعد أن تذكر كيف أخبر “أصالة” اليوم عن حُريتها وكرهها للتقييد، جلست جواره فى صمت ليقول:-
-قررتي تقولي مالك؟
هزت رأسها بلا لتراه يطفيء السيجارة التى أشعلها للتو لأجلها رغم غضبه لكن يهتم بصحتها، فقالت بنبرة خافتة:-
-قررت أثق فيك

 

أدار رأسه إليها بأندهاش من كلمتها فقال بحيرة وعدم فهم لكلمتها:-
-أنتِ حد قالك حاجة عني؟
أخذت يده فى راحتي يديها بلطف شديد ونظرت إليهم ثم رفعت نظرها إليه ورأت عيني “جمال” تحدق بيده التى أحتضنتها للتو بأندهاش لفعلتها ثم رمقها بحيرة وحيرتها تظهر فى عينيه بوضوح حتى لو لم يتفوه لسانه بها لتقول بنبرة خافتة:-
-أنا مُتأكدة أنك معايا ومش هتسبني صح؟
لم يُجيب على كلمتها لتتابع بنبرة هامسة رغم دفئها لكنها تحمل الخوف الذي تحمله فى طياتها:-
-متسبنيش يا جمال، أنا مطلبتش منك أى حاجة ولا أنك تضغط على نفسك عشاني ولا عايزة منك حاجة وقبلتلك وحبيتك زى ما أنت وطلبي الوحيد أنك متسبنيش مهما كان اللى هيمر علينا خليك معايا أنا بقوى وبتشجع بوجودك لكن لو سبتني مليون حاجة ممكن تدوس عليا وتقتلني، أنا ضعيفة أوى من غيرك وبشجعني بيك
ترك فنجان القهوة من يده الأخري ثم لمس وجنتها بلطف وقال:-
-بالله عليكي يا مريم قوليلي ما لك؟ مين اللي قالك أنى هسيبك أو أيه اللى مخوفك أوي كدة، أنا شايف الخوف والحيرة فى عينيك ودا مش من فراغ
حدقت بعينيه بصمت لكن عينيها أخبرته بألا يضغط عليها أو يجبرها على التحدث وهى تسعي جاهدة للشفاء من أوجاعها ليقول بضيق شديد من نظرتها التى قرأها جيدًا:-
-مريم متجبرنيش أعرف بطريقتي، أنا مسافة ما غيرت هدومي كأنك بقيتي حد تانية فى دقائق، متجبرنيش اسأل جين؟
-تحت أمرك يا سيدي
قالها “جين” فور سماع اسمه بصوته الألي ليزيد من ربكة “مريم” وهى تعلم أن هذا الأختراع الألي يملك المكبرات الصوتية ويمكنه الولوج لهاتفها وربما يملك تسجيل المكالمات أيضًا، إذا أمره “جمال” بمعرفة ما حدث سيخبره بالتفاصيل دون أن يهمل شيء لتقول:-

 

-جمال
-أنا مقصدش التطفل ولا أنى أضغط عليكي لكن حالتك وزعلك دول قلقوني عليكي….
تحدث بجدية صارمة بخوف عليها لكنه صمت فور أعترافه بهذا الخوف بأرتباك لتبتسم “مريم” بتلقائية وهذه المرة كانت بسمة حقيقة لا تزيفها وهو حقًا بدأ يعترف شيئًا فشيئًا ويتخلي لسانه عن عقدته لتقول:-
-قلقان عليا
تنحنح بحرج من كلمته وقال بحزم:-
-مريم متغيريش الموضوع، طب أنا زعلتلك فى حاجة فوق، مقنعنيش أن مسافة ما نزلتي السلم زعلتي لوحدك، أنا زعلتك؟
تبسمت بلطف هائمة بعشق هذا الرجل الذي يكره عبوسها وحزنها ثم تركت يده التى أحتضنتها مُطولًا ورفعت يدها إلى لحيته الناعمة تداعبها بأناملها الدافئة وقالت:-
-معقول أزعل منك! لا مُستحيل…
-بس..
قالها مُعترضًا على حديثها لتقول بنبرة أكثر دفئًا وحنانًا وعينيها ترمق عينيه الخضراء بنظرة ثابتة كالعناق الدافيء:-
-بيسألوني أنا أزاى قدرت أحبك؟ قولي لو محبتش راجل بيكره زعلي وبيخاف يكون زعلني من غير قصد، راجل مبيهونش علي زعلي ولا سكاتي هحب مين؟، مرة قولتلي أن خرابك هيتعبني وهيوجعني، طيب أنا أزاى بلاقي سلامي وأماني فى خرابك دا يا جمال، إذا كان كل الحب اللى بتعاملني بيه وبتقدمه ليا خراب فالصلاح عامل أزاى، أنا راضية أكون فى خرابك ومعاك على أني أكون فى الجنة مع غيرك
وضع يده على يدها الموجودة على لحيته بحنان وضربات قلبه تصعق ضلوعه الصلبة المُتجحرة أمام هذا الحب الذي يتلقاه من هذه الفتاة وقال بلطف رغمًا عن قوته وجبروته:-
-أنا مستحيل أسيبك لغيري يا مريم
أندهش من رد فعلها عندما جذبت يدها من يده وعانقته بحنان وتعلقت بعنقه بقوة كأنها لا تريد الرحيل من بين ذراعيه مأواها الوحيد بهذا العالم القاسي الذي يخفي لها الكثير من الوجع وقالت:-
-ودا كفاية عليا والله يا جمال، كفاية أنك متسبنيش
طوقها بذراعيه بدفئ مُشتاقًا لهذا العناق الذي لطالمًا تمناه ولا يريد أن يترك أسرها بين ذراعيه ولو أمكنه سيشق صدره الصلبة ويخفيها بداخله حتى تظل معه للأبد، تبسمت عندما شعرت بيديه تستقر على ظهرها بحنان وهمست فى أذنيه بنبرة ناعمة كاد أن يسمعها وأنفاسها الدافئة تداعب أذنه:-

 

-أنا بحبك يا جمال وهفضل أحبك لحد أخر نفس فيا وهفضل أقولك بحبك بعدد أنفاسي ولو يسمح ليا العالم هصرخ لكل الناس وأقولهم أنى بحب الراجل دا
تبسم علي دفئها وكلماتها التى أطلقت العنان لضربات قلبه حتى تهزمه وأوشك على نطق هذه الكلمة وقال بخفوت:-
-مريم… أنا بــ….
توقف لبرهة من الوقت وعقله الأحمق يتذكر الماضي ويضربه بقسوة أفكاره، تسللت “مريم” من بين ذراعيه وحدقت بعينيه وهي تعلم أنه اوشك على النطق بها، نظر إليها فى صمت بضيق من تلجم لسانه الذي عقده عقله وأفكاره فتبسمت بخفة من محاولته وقالت:-
-متضغطتش على نفسك يا حبيبي أنا مش عايزة أسمعها دلوقت
قبل جبينها بإمتنان لتفهمها حالته وتحجر عقله لكنه واثقًا أن “مريم” ستنتشله من تحجر عقله كما أنتشلت قلبه من تصلبه وأذبت الجليد عنه لتعيد له الشعور بالحب من جديد، تبسمت إلى هذه القبلة بأمتنان كأنها تكفيها منه ولا تطمع بالكثير الآن، وعدت قلبها بأن تكون صبورة معه حتى تحصل على جائزتها الكبري عندما ينطق بهذه الكلمة….
__________________________
ذهب “جمال” بصحبة “شريف” إلى مقر الحكومة التى سيتقابلا فيه وكان مُرتدي بدلة ثمينة للغاية وحذاء أسود يلمع وكأنه أراد أن يظهر قوته وهيبته فى هذا اللقاء من أجل عدوه اللدود، جلس على اليمين وبجواره “شريف” يحدقان بـ “نادر” الذي على اليسار مُقابلهم ويحدق بهما ببسمة خبيثة ليقول “شريف” بهمس:-
-فى حاجة غلط، نادر فيه حاجة غريبة النهار دا، أول مرة ميكنش قلقان وهو قاعد قصادك

 

-يمكن جوازه من رقاصة قوي قلبه
قالها بسخرية ليقاطعهم صوت الرجل الذي أنهي للتو تفقد العرضين من الشركتين وقال:-
-بصراحة العرض مُغري جدًا ويليق بالمشروع والخطة اللى حاطاها الوزارة وبما أنكم قدمته نفس العرض فخلينا نراجع للشئون المالي
أتسعت عيني “جمال” من كلمته وحدق إلى “نادر” الذي تبسم بمكر شيطانية وقاال بتلعثم:-
-نفس العرض
أومأ الرجل له بجدية وقال:-
-ايوة نفس العرض بنفس المميزات وحققي دا معجزة أننا نخلق شقق سكاني تساعد المُصابين بالشلل أو ذو الإعاقة كالمكفوفين والأصمة عن طريق التكنولوجيا
كز “جمال” على أسنانه بضيق شديد من سرقة عرضه وقد فهم للتو سر هذه البسمة الماكرة وقوة قلب “نادر” وجرأته أمامه فهو سرق مُخططه لصنع شقق تساعد ذو الإعاقة، خرج الرجل بالأوراق قليلًا ليقول “جمال” بسخرية:-
-شقق لذي الإعاقة، من نادر تيجي أزاى دى
-أنا طول عمري رجل أعمال بيساعد المحتاجين يا جمال مش جديدة عليا
قالها “نادر” بسخرية من “جمال” وحالة الغضب التي تملكته للتو فقال “جمال”:-
-فعلًا بس يا تري فكرة أنك ترشي حد من شركتي ويبيعلك مشروعي كانت فكرتك ولا فكرة الرقاصة مراتك، أصلًا فكرة عوالم شوية

 

أتسعت عيني “نادر” وهكذا مساعده “تامر” بمعرفة “جمال” بخبر زواجه من “سارة” ليقول بتلعثم:-
-أنت!!
أنفجر “جمال” ضاحكًا بسخرية على تلعثمه ثم قال:-
-ههههه، أنت فاكر أن فى حاجة بتستخبي على جمال المصري، بس السؤال بقي هل اللجنة ممكن تديك مشروع زى دا بعد خبر جوازك من رقاصة
كز “نادر” على أسنانه بضيق ولا يملك جواب عليه، كاد “تامر” أن يتحدث لكن أوقفه دخول الرجل الذي يقول:-
-مُتأسف جدًا يا أستاذ جمال، بما أنكم قدمتوا نفس العرض كأن لازم نبص على المالية وشركة نت ورك الخاصة بأستاذ نادر قدمت ميزانية أقل من حضرتك ب10 مليون
نظر “جمال” بأندهاش من قرار اللجنة وغادر غاضبًا بعد خسارته أمام “نادر” بينما تبسم “نادر” بسعادة لفوزه وأنطلق فى سيارته مع “تامر” الذي يقول:-
-مش كتر 10 مليون ندفعهم من جيبنا عشان خاطر جمال
ضحك “نادر” بعفوية ثم قال:-
-ما تصحح كدة يا تامر هو أنا هدفع حاجة من جيبي كلها فلوس سارة، متنساش أن العقد بيقول لو أنا خدت المشروع دا مش هرجع جنيه واحد من الخمسين وأنا كنت عايز أكسر مناخير جمال وأديني حققت الهدفين بضربة واحد، أدفع الـ 10 مليون من فلوس سارة ويبقي كدة المكسب لينا 40 مليون جم كدة من الهواء وأنتصرنا على جمال دا غير المكسب اللى هيعود علينا من المشروع، أنا أستغفلت جمال وسارة واللجنة … بذمتك مستاهلش حفلة النهار دا
ضحك “تامر” بعفوية ونظرة خبيثة ثم قال:-
-بصراحة تستاهل على المجهود اللى عملته يا ريس، تحب أتصل بواحدة من حبايبك تيجي تسهر معاك
هز رأسه بلا ويديه تخرج هاتفه من جيبه ويتصل بـ “سارة” ثم جعله ينظر إلى أسمها وقال:-
-لا فى الوقت الحالي معايا أجملهم، لكن لو كنت تعرف النهار دا بالذات تجيبلي الفرسة البرية اللى عند جمال كنت غرقتك دلع يا تامر

 

وضع الهاتف على أذنه ينتظر أن تجيبه عليه فقال “تامر” بمكر شيطانية:-
-ههه بلاش النهار دا يصعب عليا يخسر شغله وخطيبته مرة واحدة
ضحك “نادر” بسخرية وسعادة تغمره حتى اجابت “سارة” عليه ليقول:-
-وحشتيني يا وش السعد…. لا بقولك أيه مفيش شغل النهاردة أنا عندي ليكي خبر ب50 مليون جنيه…… ههههه متستعجليش يا حياتي على زرقي هبعتلك عنوان تعدي عليا بعد ساعة فيه لكن خلي بالك محدش يشوفك… سلام يا روحي
_________________________________
كاد أن يجن جنونه من خسارته أمام هذا الرجل الخبيث فقال بغضب سافر:-
-أعرف ليا مين اللى عملها يا شريف، أنا مش هرحم حد
أومأ “شريف” له بنعم بينما يجلس فى الأمام بجوار “صادق” لضرب “جمال” قبضته فى النافذة بضيق شديد من الغضب الذي يكمن بداخله فى الحال، قاطعه رنين هاتفه بأسم “سلمي” ليقول:-
-ألو
-مالك شايط ليه؟
قالتها بقلق بعد أن سمعت صوته ليجيب “جمال” بنبرة أكثر هدوءًا:-
-مفيش مشاكل فى الشغل، عملتي أيه؟
-حجزتلك طيارة خاصة بليل وتحت قيادتي وبعتلك الورق وجواز السفر على الشركة
قالتها بلطف ليؤمأ إليها بنعم وأغلق الهاتف وسيارته فى طريقها للمنزللا يعلم كيف سيقابلها بهذا الغضب والآن لا يريد السفر حتى يرد المكر إلى “نادر” لكنه وعدها بأن يذهب معها اليوم ….
_________________________________
“قصـــــر جمـــــال المصــــري”
كانت “مريم” جالسة فى الردهة على الأريكة تبحث فى هاتفها عن أماكن يجب أن تزورها فى فرنسا حتى قاطعها صوت “حنان” تقول:-
-فى واحد أسمه ياسين على البواب عايز يقابلك بيقول أنه ابن عمتك
رفعت نظرها عن الهاتف بصدمة ألجمتها وصمتت قليلًا تفكر ووضعت يدها على فمها بقلق ثم قالت بحيرة:-
-ماشي دخليه وأنا هطلع اغير هدومي
صعدت للأعلي بقلق وأرتدت بنطلون جينز وتي شيرت أبيض اللون وخف من الفرو ونظت فى المرآة ثم قالت:-
-متقلقيش يا مريم أنتِ فى القصر مستحيل يأذيكي وأنتِ فى ملك جمال

 

ترجلت للأسفل لتراه جالسًا فى الصالون الموجود قرب الدرج وأمام بوابة القصر ويرتشف العصير الذي قدمته “حنان” له، كان كما هو لم يتغير به شيء رغم مرور السنوات، شاب يكبرها بثلاثة سنوات، شعره الأسود القصير وخفيف من الجانبين بدون لحية لكنه يملك شارب أسود فوق شفتيه، حاجبين كثيفين وعينيه أسفلهما باللون البني الداكن جدًا يميل للأسود، بشرته سمراء بجسده العريض رغم أنه بطولها تقريبًا، مُرتدي بنطلون جينز أزرق وتي شيرت سماوي اللون، سارت نحوه وهو يتطلع بها هذه الفتاة التى كبرت عن قبل لم يراها مُنذ خمس سنوات وعندما تشاجر مع زوجها “مُختار” تغيرات كثيرًا من فتاة مراهقة إلى فتاة شابة ناضجة، فتاة قروية فوضوية لفتاة كعارضة أزياء رغم بساطة ملابسها، زاد جمالها مع سنوات عمرها، وقف فور رؤيتها وقال:-
-أحلويتي يا مريومة
جلست أمامه دون ان تصافح يده الممدودة ليتعجب طريقتها، قبل اليوم كانت تعانقه عندما تراه فقال بسخرية:-
-لا وأتغيرتي كمان
جلس بعد جملته فسألته بجدية ولهجة صارمة تعلمتها من “جمال”:-
-جيت ليه؟
-مكنش ينفع أعرف أنك أتخرجتي ونجحتي ومجيش أبارك وكمان على الخطوبة، معقول متعزمنيش
قالها بسخرية ونبرة غليظة لتضع قدم على الأخري بضيق من كلماته ثم قالت:-
-وعرفت كل دا منين بقي؟ أو خليني اسأل السؤال الصح؟ جبت رقمي منين؟
نظر لها فى صمت لتتابع بضيق شديد:-
-من حمزة!! هو اللى أدهولك مش كدة، ويا تري هتساعده فى أيه المرة دى ما هو مش جديد عليك مساعدته
نظر لها بأندهاش من كلمتها وأرتجفت يده التى تحمل كوب العصير لتتابع بحدة وضيق شديد:-
-مستغرب ليه؟ أنا عارفة أنك ساعدته فى التخلص من الجثة

 

سقط كوب العصير من يده بصدمة ألجمته من كلماتها فعندما ذهب للمزرعة كي يطمئن عليها بعد شجار “مُختار” وجده جثة هادمة وهى فاقدة للوعي ليخبره “حمزة” بأنه حاول أغتصاب أبنته فقتله وتخلصا من الجثة معًا لكن “مريم” كانت فاقدة للوعي حينها، على عكس “مريم” التى تبسمت بسخرية على صدمته ونظرت للعصير المسكوب على الأرض بعد أن ساعدها الطبيب النفسي فى تذكر التفاصيل المفقودة فى عقلها وربما هذا ما جعلها ترتجف خوفًا من الأمس وبعد أتصاله لتقف من مكانها بضيق شديد وقالت:-
-أمشي يا ياسين ومتجيش هنا تاني ومتحاولش أنت وحمزة تضايقوني لأن معنديش أستعداد أعاني لوحدي، وأقسملك انى ممكن أبلغ البوليس عنكوا وهو يخلصني منكم
نظرت للجهة الأخري وكادت أن تقف لكن أوقفها “ياسين” الذي هرع إليها بخوف مما تتحدث به ومسكها من ذراعيها بقلق مُحدثها:-
-مريم أنا عملت كدة عشانك مش عشان اساعد حمزة، أنتِ عارفة أني بكره وبكره أذيته ليكي، ساعدته عشان بس أحميكي من أذية مُختار
صرخت به بأنفعال وهى لا تتحمل كلماته التى ألحقت بها للجحيم قائلة:-
-لو مكنتش ساعدته وبلغت البوليس كانوا قدروا يثبتوا أني أتخدرت ومكنش حمزة أبتزني ولا عذابي وأوهمني أني قاتلة، مكنتش شوفت كوابيس لما وشكل الدم اللي ملازمني دايمًا، مكنش كل دا حصل… لكن جاي تقولي عشاني أنت بتكدب علي نفسك الكذبة وعايزني أصدقها…
تبسم بلطف ويديه تمسح على رأسها بحنان بعد أن أهدأ من روعته وقال:-
-مريم أنا عملت دا عشان بحبك وخايفة عليكي
أتسعت عيني “مريم” على مصراعيها من الصدمة التى أحتلت عقلها للتو برؤيته أمامها، يمسكها من ذراعيها ونظرة الإعجاب تتطاير من عينيه بوضوح، دفعته “مريم” بأنفعال شديد من قربه الزائد منها وقالت:-
-أبعد عني أنت فاكراني لسه مريم الهبلة اللى اتربت فى الأسطبل، بص ليا كويس أنا أتغيرت وبقيت حد تاني يا ياسين مبقاش يضحك عليا بكلمتين
نظر إليها بدهشة بعد أن دفعته بقوة بعيدًا عنها ولأول مرة تعامله بهذه القسوة فقال بسخرية:-
-لا أزاى بقيتي مريم هانم اللى كبرت فى القصور ودخلت الكلية وشافت الناس، بقيتي إعلامية
تأففت بضيق من سخريته لها وصمتت ليقطع صمتها صوت سيارة “جمال” التى وصلت للتو ووقفت من مكانها بذعر وقالت:-
-شوفها زى ما أنت عايز، حتى لو بقيت أنا الشريرة فى نظرك لكن ممكن تمشي من هنا، جمال لو شافك هنا هيقتلك ويقتلني
أخذ خطوة نحوها لتبتلع لعابها بخوف من نظرات هذا الشاب وعقلها لا يصدق بأن هذه التصرفات والنظرات تخرج من أخ لأخته، لمس وجنتها بلطف مُعجبًا بجمالها الذي زاد وبزغ مع سنين عمرها التى مرت وقال:-
-خايفة على مشاعره، طب ومشاعري أنا، أنا يا مريومة، ياسين حبيبك، أغلي حاجة عندك مش أنتِ اللى قولتي كدة وقولتي أنك بتحبني، أنا كمان بحبك يا مريم
قالها وأقترب منها على سهو مُحاولًا تقبيلها لتصرخ بذعر منه وهى تقول:-
-أنت أتجننت، أبعد عنى يا ياسين..

 

دفعته بعيدًا عنها بأنفعال وهى تقول بنبرة غليظة قوية:-
-أنا بحبك اه لكن..
كادت أن تخبره أن حبها له أخوي لكنها ابتلعت كلماتها عندما رأت “جمال” يقف أمامها يشاهد فى صمت وأستمع لهذه الكلمة التى تفوهت بها للتو، تبسم “ياسين” بمكر إلى “جمال” الذي يشتعل من مكانه ووجهه يظهر به الخنق، عقد حاجبيه بغل وبرزت خطوط عريضة فى جبهته وعينيه تحدق بها، أغلق قبضته بأحكام قبل أن يقتلها للتو بعد أن سمعها تلفظ بهذه الكلمة مع رجل أخر وهو لا يعرف من هذا الشاب لكنه سمع أخر كلمات حديثهم، أبتلع “ياسين” لعابه خوفًا من نظرة “جمال” إليه التى كادت أن تقتله، لو كانت النظرات تقتل لكانت نظرة “جمال” كالسهم الذي خرج من عينيه وأسرق فى رأس “ياسين” فى الحال، أقترب منها ليضع قبلة على جبينها بلطف وقال:-
-هنكمل كلامنا بعدين…
ألتف لكي يغادر لكنه تلقي لكمة من “جمال” قوية أسقطته على الأريكة وتحمل الغضب الذي تملكه من “نادر” وغيرته التى أحرقته مما رأه، أقترب لكي يكمل نفاث غضبه بهذا الشاب لكن أستوقفته “مريم” بذعر وهى تقول:-
-لا يا جمال
نظر إليها بصدمة ألجمته وهى تمنعه عن معاقبة هذا الشاب على لمسها وكأنها تقبل بهه القبلة، تابعت بنبرة خافتة:-
-عشان خاطري متأذهوش
رحل “ياسين” بخوف مُستغلة فرصة أنشغال “جمال” بالنظر إليها فصعد إلى غرفته غاضبًا منها وألقي بجوازي السفر على الفراش بضيق ويخرج تنهيدة قوية، نزع رابطة عنقه وسترته بأنفعال ثم شق قميصه شقًا لتتساقط الأزرار على الأرض ويظهر صدره العاري من كم الغضب الذي يحمله، قاطعه طرقات على الباب ثم ولجت “مريم” دون أن يأذن لها، أعطاها ظهره قبل أن يفقد أعصابه بها فقالت بنبرة خافتة:-
-دا ياسين أبن عمتي
أدرج للتو هوية هذا الرجل وتذكر حديثها عن تربيتها معه وتراه كأخًا لها فأستدار صارخًا بها وهو يقول:-
-لكنه مش أخوكي يا مريم، معقول تكوني هبلة لدرجة أنك مش شايفة الحب والإعجاب فى عينيه، نظراته ليكي نظرات رجل لست مش أخ لأخته
أومأت إليه بنعم بأسيتاء شديد ثم قالت:-

 

-عارفة…
توقفت عن الحديث عندما هرع إليها غاضبًا وهى تخبره بانها تعلم أن هذا الرجل يحبها ويريدها لكنها سمحت له بتقبيلها أمامه ورفع يده أمام وجهها لكي يصفعها ويعاقبها على هذا الخطأ وقال:-
-أنا قولتلك أنى مبغفرش الخيانة!!!
نظرت بخوف إلى يده المرفوعة أمام عينيه وكاد أن يصفعها بحق لكنه لم يفعل ولم يقوي على ضربها ليصرخ بغيظ وهو يستدير إليها وقال:-
-اااااه ، للمرة التانية أعجز عن ضربك يا مريم، امشي من وشي قبل ما أعمل حاجة نندم عليها إحنا الأثنين
لم تفعل كما طلب منها لكنها أقتربت منه مخالفة أمره وألتفت حوله حتى وقفت أمام نظره ليراها ثم قالت:-
-جمال، أنا …..
صرخ بها بغضب سافر وهز صوته جدران القصر بأكمله:-
-أنتِ عارفة أنه بيحبك وعايزاك وسمحت له يلمسك لو مكنتش دى خيانة ليا تبقي أيه يا مريم، كلكم زى بعض… رغم كل اللى فيا لا كفيتها زمان ومليت عينها ولا كفيتك دلوقت ومليت عينيك، زيك زيها فأمشي من وشي قبل ما يكون مصيرك نفس مصيرها
دمعت عينيها بصدمة ألجمتها مما تسمعه وهو يصفها بالخائنة ويقارنها بزوجته التى عاشرت أخاه وعلى زوجة له بكل وقاحة لتجيب عليه بحزن وسط دموعها التى تساقطت أمامه ولا تقوي على كبح:-
-أنا مش خاينة يا جمال ولا زي حد، أنا مريم وأنت عارفني كويس

 

مرت من أمامه بأنهيار وغضب أحتلها من كلماته وقبل أن تخرج قال بسخرية كأنه يسكب البنزين على النار القائمة بداخلها:-
-أنا برضو كنت عارف ليلي كويس
كبحت ألمها منه وغادرت جاهشة فى البكاء بأنهيار تام لينظر إلى جوازي السفر الخاصة بهما ورحلتهما التى يجب أن يذهبوا إليها مساءًا معًا لكن الآن قد حل الفراق بينهم وقطع الوصال حباله عن قلوبهما…..

يتبع..

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية جمال الأسود)

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *