روايات

رواية صماء لا تعرف الغزل الفصل السادس والثلاثون 36 بقلم وسام الأشقر

رواية صماء لا تعرف الغزل الفصل السادس والثلاثون 36 بقلم وسام الأشقر

رواية صماء لا تعرف الغزل البارت السادس والثلاثون

رواية صماء لا تعرف الغزل الجزء السادس والثلاثون

رواية صماء لا تعرف الغزل الحلقة السادسة والثلاثون

حبيبي ماذا أصابك؟ هل مللت مني؟!
مللت مناجاة حبي وعشقي؟ مللت غزلي
تخليت عني! فأنا قضية عشقك.. فلا تتنازل عنها.. انت مني ومنك أنا.. فهل لي ملجأ إلا قلبك؟
……………
تقف أمام دورة المياة شاردة منتظرة ظهوره.. أفكار كثيرة تضرب رأسها.. وظنون تتوالى وتتوالى.. منذ فترة تشعر بانقباض غريب يضرب قلبها لاتعلم سببه.. لا تعلم سبب تغيره.. فمنذ أن تواجها معًا وضربته بعباراتها وكلماتها الانتقامية لعلها تهدأ.. بعدها أصبح شخصًا غريب.. لا يشاركهما كعادته الطعام.. امتنع عن هذه العادة الذي كان يستغلها للتقرب منها واللعب من ابنته.. حتى بيسان أمتنع عنها بشكل مثير للشك بعد أن كان يتسلل خلسة بعد نومها للعب مع ابنته والنوم باحضانها نوم هانئ.. فهو متقوقع بشكل غريب داخل صومعته لا يخرج منها إلا للعمل.
وهذا مايزيد خوفها من ابتعاده.. نعم تريد معاقبته ولكن ترفض ابتعاده..
تجده يخرج من دورة المياه بوجه مبتل شاحب جديد عليها.. يجففه بمحارم ورقية.. يرفع عينيه بإرهاق ظاهر قائلاً:
– أنتِ واقفه ليه؟
تقترب منه بحذر مضيقة عينيها تراقب ملامحه:
– أنا ملاحظة إن مافيش لقمة بتقعد في بطنك.. دي تالت مرة يحصل الموضوع ده؟ ده غير إنك اساسًا مش بتاكل حتى هناء بلغتني إن أكلك بقى يرجع زي ماهو وكله شرب سجاير وقهوة.
يقوم بالتحرك من أمامها لإلقاء المحارم بالقمامة قائلًا بابتسامة مغتصبة:
– متقلقيش شوية برد في المعدة.. يلا عشان نكمل شغلنا.
تهز رأسها بالرفض:
– لا يا يوسف كفاية كده.. أنت شكلك تعبان فعلًا.. إحنا بقالنا تسع ساعات شغالين متواصل.. أنا مش فاهمة ليه ضاغط نفسك كده؟ أنا خلاص تقريبًا فهمت كل حاجة.
يتحرك أمام أعينها بإرهاق يجلس فوق مقعدة على طاولة الإجتماعات يمسك ملفًا من ضمن الملفات يفتحه:
– تعالي هنخلص الملف ده.. ده آخر ملف.
غزل بغضب:
– أنا مش فاهمة فيه إيه؟ أنت بتعمل ليه كده؟
يوسف بابتسامه هادئة يمسك كف يدها يجذبها بهدوء غريب لتجلس فوق مقعدها بجواره:
– مالي ياغزل؟ في حاجة ضيقتك مني؟ صدر مني حاجة!
غزل بحدة:
– متتكلمش كده! انا حاسة إنك مش يوسف.
يوسف بصحكةً خفيفة:
– لا أنا يوسف ماتقلقيش.. كل الكلام ده عشان بحاول افهمك شغل الشركة بتاعتك ماشي إزاي وعايزك تعتمدي على نفسك.. مش عليا؟
غزل بألم:
– أنا ماطلبتش ده؟ لأنك موجود.
ليصدمها بعبارته التي ألمتها بشدة.. يقول:
– لازم تتعودي تديري شركتك لوحدك من غيري وتتعلمي تكوني قوية دي شركتك فاهمة؟ فلوسك!
تشعر بتغيره رغم زعمه الدائم على وجود مايثير قلقها.. هل اختار الإبتعاد عنها بعد أن ملَّ المحاولة؟ سيتخلى عنهما بهذه السهولة! شردت في طريقة إمساكه لسجارته لقد كانت دائمًا تميزه وخصوصًا عند سحبه لدخانها.. تذكرت أيضا كيف اجبرها على إدارة إجتماع الشركة بعد تخليه عن إدارته لتجد نفسها هي المتحدث الرسمي له.. وكيف جلس يراقبها ويراقب انفعالاتها بابتسامة لم يفقدها حتى نهاية الاجتماع.. يرسل لها رسائل تشجيعية عن طريق نظراته وإيماءاته.. كان يطمئنها بأنه دائمًا بجوارها حتى إن أبت قربه ووجوده بحياتها سيبقى سندًا لها حتي آخر انفاسه.
أرادت أن تحاول إختراق عقله قبل قلبه تحاول طمأنت حالها أنه كان لها وسيكون لها دائمًا..
حاولت طمئنة حالها أنه لن يتخلى عنها بهذه السهولة فتحاول استشفاف مايدور بعقله فتقول مراوغة:
– على فكرة أنا كنت عايز أخد رأيك في…
يقطع حديثها رنين هاتفها.. تضيق بمن قطع حديثها لتجده يامن فتسرع بفتح المكالمة تقول بسعادة تحت أنظار الاخر المتبلدة:
– أخيرًا افتكرت تكلمنا يادكتور.. شكلنا كدة كنّا عبء عليك وماصدقت تخلص مننا.. ابدا والله أنا عارفة.. ترفع عينيها باضطراب من الجالس أمامها تقول:
– هو كلمك؟ مش عارفة يايامن حاسة اني متلخبطة مش قادره أخد قرار.. حاسة إني مش هقدر أخد الخطوة دي.. لا يا يامن حاسة اني مش…
لتجد يده تمتد وتنزع منها هاتفها ونظره مثبت على وجهها يقول بثبات:
– ايوه يادكتور.. الحمد لله.. اتصل بيه بلغه بموافقتها.. يااااامن! نفذ اللي قولتلك عليه.. لا.. أنا أدرى بمصلحتها..
وياريت تيجي في اقرب وقت عشان تخلص موضوعك مع تقى.. كفاية كدة البنت خللت.. لا آخر الشهر كتير تكون عندي آخر الاسبوع ده.
فيرفع عينه لغزل الذاهلة من حديثه ويكمل:
– عشان خاطر.. غزل وتقى.
تجمدت الدماء باوردتها لم تستطع استيعاب كلماته كالتلميذ البليد الذي يفشل في فهم معلمه.. هل قال إنها موافقة؟ ليس هذا ما يهم بل ما يهمها أنه هو من يسعى لإبعادها عن حياته.. لتفيق من صدمتها وتحاول لملمة افكارها وترتيب كلماتها التي هربت منها:
– انت إزاي تعمل كدة؟ إزاي تبلغه بموافقتي من غير ماترجعلي.
تراه يغلق الملف القابع بين كفيه ويستند بذراعيه فوق الطاولة:
– مش ده الموضوع اللي كنت عايزة رأيي فيه ومش عارفة تاخدي قرار ومتلخبطة؟ أنا عافيتك من حيرتك واديني أهو بقولك وافقي ياغزل.. عامر يستحقك وانت تستحقي إنك تكون مع حد يحميكي انتِ وبيسان.. وبما إن كان قدامك تختاري بين عامر وهشام مع إني مش بالع الاتنين بس عامر بالنسبة لي أرحم من السمج التاني.. على الأقل واثق أنه بيحبك.
غزل بدموع تأبى التحرر من عينيها:
– يعني أنت كده تخليت عن مسؤلياتك بالنسبة لي وبالنسبة لبنتك؟ أنا كدة فهمت ليه انت متغير.. مكنتش متخيلة إنك تكون بالأنانية دي! بس اطمن لو حتى مكنتش موافقة من دقايق على عامر.. أنت دلوقت ساعدتني اهرب من خوفي وأوافق عشان أحقق رغبتك.
…………..
أوقات بخاف فيها وأنا لوحدي
وحاجات تجيب في خيالي وتودي
وده لما ببقى لوحدي مش وياك
مع كل ثانية انا فيها بستناك
لو ضعت مني الحب مش هلقاه
ولا هبقى عايشة حياه دي حياتي بس معاه
انا كل قلقي بس م الأيام
تاخدك وتنسى أوام لإني صعب انسى
قلقانة لا تيجي اللحظة وتسيبني
وتملي ده اللي شاغلني وتاعبني
علشان معاك الدنيا حبيتها
ومشاعري بس انت اللي حسيتها
……….
تجلس بشرفة حجرتها وحيدة شاردة ضامة ساقيها لصدرها.. شعرها يتطاير فوق وجهها تلتحف بغطاء على كتفيها لعلها تنعم ببعض الدفء فالجو في تقلباته الخريفية
ولكن إذا نجحت في تدفئة جسدها هل ستنجح في تدفئة قلبها الذي اصبح كقطعة الجليد؟ تشعر دائمًا بألم يتمكن منه.. تجري دموعها علي وجهها بدون شعور منها وبدون نحيب كأن عيناها قررت أن تشارك قلبها المكسور مواسية له.. لا تعلم كم مر من الوقت وهي جالسة نفس الجلسة متأملة سكون الليل بسمائه الملبدة بالغيوم لعلها تمطر وتشاركها هي الأخرى دموعها.. تسمع كلمات الأغنية التي تصدح من هاتفها.. كل شيء في هذه اللحظة يقف ضدها حتى الكلمات التي تخترق سمعها تزيد من آلامها التي تحاول إخفاءها حتى لا تظهر ضعفها.. ترفض الشفقة ممن حولها.. لقد اتخذت قرارها وقد كان تلامس بأناملها الحلقة المعدنية الذهبية (خاتم خطبتها) الباردة التي تقبع ببنصرها الأيمن مع خروج كلمات الأغنية:
قلقانة لا تيجي اللحظة وتسيبني
وتملي ده اللي شاغلني وتاعبني
علشان معاك الدنيا حبيتها
ومشاعري بس انت اللي حسيتها
…………
يزداد بكاؤها ليتحول إلى نحيب عالي، تعلم أنها وحيدة بالمكان لن يشعر بها أحد لذا أعطت لنفسها الحرية لتخرج مكنونات قلبها في صورة بكاء ونحيب لعلها تستريح من ألمها.. تشعر بأن قلبها سيتوقف هل هذه هي نهاية كل شيء؟ ليته يضمها ويكسر عظامها دفاعًا عن حقه بها ولا يتخلى عنها مثلما فعل.
شردت في لحظة إتمام خطبتها للمرة الثانية على عامر تحت مراقبة نفس الشخص ولكن ليس المكان هو المكان وليس الزمن هو الزمن.. ولا حتى هي أصبحت مثلما كانت.. الشيء الوحيد الذي لم يتغير.. هو.. يوسف!
نفس وقفته التي مرت عليها أكثر من خمس سنوات نفس نظرته لها عندما تمت خطبتها لعامر للمرة الاولى ليتكرر نفس المشهد بعد مرور كل هذه السنوات
ولكن بهذه النظرة شيء مختلف عن النظرة الأولى.. نظرة متألم.. نظرة شخص يتخلى عن حلم عمره عن قطعة من قلبه.. حتى هي لم تشعر بسعادتها التي شعرت بها أول مرة مع عامر هذه المرة تشعر بالاختناق من مصير مجهول.
استمرت في ضم نفسها بذراعيها
مع ازدياد نبرة بكائها ظنًا منها أنها وحيدة بالمكان ولكن مالم تعلمه وجود عينان مراقبتنان متألمتان لألمها يغشيهما الدموع بصمت موجع.
………….
حالة من التوتر والقلق انتابت الجميع جميعهم في أقل من ساعة انتشر بينهما خبر اختفائه.. اختفاء دام لخمس ايّام حتي الآن.. في البداية ظنت أنه يريد الاختلاء بعيدًا عنها.. ولكن عندما مرَّ عليه يوم واثنان بدأت بالبحث عنه لتكتشف عدم وجوده بملحقه خلف الفيلا.. واختفاء اشيائه الشخصية معه.. فتقف مصدومة غير مستوعبة قرار اختفائه.. لتجد نفسها تبحث عنه كالمجنونة بحجرات الفيلا والجراج حتى الشركة بحثت عنه كأنها تبحث عن طفل فقدته أمه.. ليزداد صراخها وانفعالها على كل من يحاول تهدئتها حتى عامر صرخت بوجهه أن يبتعد عنها كأنه المسئول عن اختفائه.
كل يوم يمر تسمع فيه وعود كاذبة بانهم سينجحوا في الوصول إليه حتى يأتي المساء وتختفي الوعود.
تجلس بين أحضان تقى تبكي بصمت تحمل حالها مسئولية اختفائه.. هي من تسببت في قتله حيًا.. كان عليها أن تسامحه وتبدأ من جديد لكن عنادها كان له رأي اخر.. انه لم يتحمل فتركها.. تركها لعذابها بعده.
ترفع رأسها من بين أحضان تقى عن سماعها صوت شادي يقول:
– أنا اتصلت بهشام صاحبي وبيدور عليه في الأقسام والمستشفيات وهو وعدني انه هيلاقيه.
تقول ببكاء:
– محدش هيلاقيه.. يوسف اختار يبعد.. أنا السبب.
يامن مهدئًا إياها:
– ماتحمليش نفسك ذنب.. تلاقيه راح هنا ولا هنا.. هو بس يفتح تليفونه وهنوصله.
عامر بهدوء:
– طيب انتوا سألتوا معارفه واصحابه يمكن يكون عند حد منهم.
للحظات تتذكر شيئا ما لتقول بلهفة:
– نانسي؟ انتو سألتوا نانسي؟ اكيد تعرف مكانه.
فتلاحظ نظرات يامن وشادي المبهمة لبعضهما ليقول شادي:
– نانسي! هو يوسف مقالكيش؟
فتقف مواجهه له بوجه احمر من شدة البكاء:
– هو لسه متجوزها صح؟ هو ممكن يكون عندها مش كده!
شادي بحزن ظاهر:
– نانسي للأسف.. ماتت وهي بتولد إبن يوسف.
صفعة.. صدمة.. لم تشعر بحالها إلا وهي مسنده بين ذراع احدهم بسبب الدوار الذي أصابها عند سماع كلمات شادي.

يتبع..

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية صماء لا تعرف الغزل)

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *