روايات

رواية ما بين الألف وكوز الذرة الفصل الرابع عشر 14 بقلم رحمة نبيل

رواية ما بين الألف وكوز الذرة الفصل الرابع عشر 14 بقلم رحمة نبيل

رواية ما بين الألف وكوز الذرة البارت الرابع عشر

رواية ما بين الألف وكوز الذرة الجزء الرابع عشر

ما بين الألف وكوز الذرة

رواية ما بين الألف وكوز الذرة الحلقة الرابعة عشر

لا تَقُل: غَفِيرُ البِناء (بمعنى الحارس).
قُل: خَفِيرُ البِناء.
الخَفِيرُ: الحارِسُ والحامي، والعامةُ تقولُ: غَفِير، وهذا خطأ شائع، لأنّ الغَفِيرَ هو الكثيرُ من كل شيء.
صلوا على نبي الرحمة …
___________________
تلك الكلمة التي اخترقت الجمع لتجذب لها جميع الحواس، بينما صاحب الكلمة كان يتكأ بظهره على المقعد يضم ذراعيه لصدره بكل برود وعلى فمه ترتسم بسمة ناعسة وكأنه يجلس جلسة ودية مع رِفاق قدام له ….
تحولت جميع الانظار من فورها صوب سعيد الذي وضع قدم على قدم وهو يرميهم ببسمة مخيفة وزهرة تنظر له بشر، بينما صلاح واخيرًا أُتيحت له فرصة رؤيته وجهًا لوجه، وميمو تناظره ببرود شديد وهي تضم ذراعيها لصدرها تستمع صوته الذي صدر منه هامسًا :
” اؤمروا يا حبايبي، اساعدكم ازاي ؟؟”
ابتسمت له ميمو وهي تميل بنصف جسدها على الطاولة تردد بمزاح ساخر :
” الأمر لله وحده يا غالي، احنا بس كنا عاملين قعدة على الضيق كده بنشوف هنخلص منك ازاي ”
نفخ سعيد وهو يكور شفتيه في حركة تدل على صدمته، ثم مال بجسده كـ ميمو يقول بجدية كبيرة :
” اوووه، شكلي كده قطعت شيء مهم، معلش مكنتش اعرف، بس مش مشكلة أنا موجود يعني لو عايزين تاخدوا رأيي في حاجة، احب اموت امتى او اموت ازاي، اموت وانا لابس ايه وهكذا، بعدين مش عيب عليكِ تبقي مرات ابويا وتصاحبي الناس الوحشة اللي بتزعلني ؟!”
كان يتحدث بسخرية وهو يرمق صلاح بطرف عينيه، وصلاح فقط ابتسم له بمكر شديد، وقد أدرك أن اللعب في المرحلة القادمة سيكون مكشوفًا للجميع أو كما يقال ” على عينك يا تاجر”
اعتدل في جلسته يرمق زهرة التي كان وجهها قد أحمر لا يدري أغضبًا كان أم صدمة مما حدث؟! لوح سعيد بيديه في وجهها ساخرًا مخفيًا جحيمه أسفل نبرته :
” وأنتِ دايسة مع أي حد عايز يخلص مني كده ؟؟ ايه مفيش ذرة اخلاص واحدة يا مدام ؟؟”
ضربت زهرة الطاولة بقوة وهي تصرخ في وجهه :
” احترم نفسك يا سعيد ؟! ايه مدام دي ؟؟ مفيش اي علاقة بينا ”
” حرقتك مدام اوي ؟؟ ما أنتِ جاية تقعدي مع مرات ابويا وصاحبها عشان يخلصوا مني يا دكتورة ”
وكان الرد من زهرة نظرة مخيفة وكأنها تُذكّره بحديثهم السابق حينما طلبت منه عدم الظهور امامها، وها هو يخالف كلمته، فهي تعلم جيدًا أنه وصل هنا بسبب مراقبته لها .
ابتسم سعيد ببرود شديد وقال وهو يراقب ملامح الجميع التي لم يظهر على ايًا منهما أي صدمة، وكأن وجوههم نُحتت من صخر، عدا طبيبته الحبيبة التي كان غضبها واضحًا للاعمى…
” يعني لو عايزين حد يفيدكم عشان تخلصوا مني مش هتلاقوا حد احسن مني ولا ايه ؟؟ أنا ممكن اساعدكم واقولكم نقاط ضعفي، عندكم مثلا أنا مش بحب الاسباجتي ولا باكل اللحوم بسبب حساسية عندي، وكمان بكوباية عصير فريش تخطفوا قلبي، واكبر نقطة ضعف بقى هي الغدر ”
أنهى حديثه الساخر وهو ينظر لزهرة التي كانت تحدق به في هدوء شديد، تبتسم بسمة جانبية :
” امال، وقولهم أنك كمان ضعيف قدام الاطفال متخبيش سعيد الإنسان ”
لم يجبها سعيد على هو تجاهلها ببساطة شديدة،
فقط نظر لصلاح الذي كان يرمقه ببسمة :
” واخيرًا اتقابلنا يا …استاذ صلاح ”
وضع صلاح قدم أعلى الاخرى يردد بهدوء شديد :
” اتشرفت بمقابلتك والله، شكلك على الحقيقة غير الصور خالص ”
ابتسم له سعيد بسخرية لاذعة، ثم حدق في ميمو التي كانت تخفي صدمتها من ظهوره وتحدث :
” قولولي بقى كنتم عايزين المدام …”
قاطعه زمجرة من زهرة التي تجلس جوارها ليُعدل من كلمته وهو يرمقها بنظرة جانبية :
” الدكتورة…حلو الدكتورة؟؟ كنتم عايزين تعرفوا ايه من الدكتورة زهرة ؟؟ اسألوني أنا، هي اساسا متعرفش حاجة ”
ختم جملته وهو ينظر بلوم لزهرة التي أبعدت عيونها عنه، وهو فقط كان يشعر بنيران تحرقه، لولا أنه قرر الذهاب لرؤيتها بعد شوقٍ اضناه، ليجدها تتحرك بالسيارة فتحرك خلفها، وجاء ليُصدم بجلوسها مع ميمو وصلاح، وبالطبع هم لم يجتمعوا لأجل إقامة حفلة عيد ميلاد مفاجأة له .
وصل له صوت صلاح الذي أخرجه من شروده ذاك :
” لا متقلقش، احنا لو عايزين حاجة بنوصل ليها، مش عايزين نتعبك معانا ”
استند سعيد بظهره على المقعد وهو يتناسى جميع من على الطاولة عدا ذلك القذر الذي تسبب في أرق لياليه الطويلة، ودنس اسمه بمساعدة زوجة والده العزيزه بالطبع .
” لا متقولش كده يا جدع، تعبك راحة، ده أنت حتى من طرف الغالية مرات ابويا ”
نظر لميمو وقال بنظرة ملتهبة :
” ولا ايه يا حياتي ؟؟”
لم تجبه ميمو سوى بنظرات غامضة وبسمات متهكمة، لكن صلاح تدخل وهو يشير له :
” صدقني يا سعيد باشا اللي احنا عايزينه مش هيكون لطيف بالنسبة ليك ”
” ما ده طبيعي، مش جاي منك أنت وميمو هانم، والدكتورة العزيزة بتاعتي ؟؟ اكيد مش خير ”
تحدثت ميمو أخيرًا بغموض :
” الخير عمره ما يجتمع مع اسمك يا سعيد، ولا ناسي أنت عايش ازاي ؟؟”
اشتد ضغط سعيد على قبضته وقد بدأت اجراس الانذار يرتفع رنينها ف رأسه تنبهه بوجود زهرة التي تتابع كل شيء باهتمام، زهرة التي لا تعلم عن عمله وحياته شيئًا، زهرة التي إن سمعت ما ستقوله ميمو الآن قد تقتل نفسها ولا تقترب منه، ومن فوره نطق بكل ما اعتمره من غضب ليمنعها من قول كلمة واحدة أمام زهرة
” اشششش، أنتِ آخر شخص يتكلم عن الخير يا ميمو، واحدة زيك بدل ما كانت تقعد في بيتها تحاول تلملم كرامتها اللي جاد داس عليها بالجذمة، طالعة تمشي مع رجالة وبتدور على انتقام وهمي من الشخص الغلط، فوقي يا ميمو جاد اللي وصلك للنسخة الشيطانية دي مات خلاص، فكك من اللي عايشة فيه ده لانه مش هيرجع اللي حصلك”
صمت يرى نظرات ميمو تشتعل بجنون وهي ترمقه بتحذير أن يسترسل في الحديث، و النظرة التي علت عيونه منذ ثواني خوفًا أن يُفضح أمام زهرة، هي نفسها ما يراه في عيون ميمو الآن، مهلًا هل هي وذلك الصحفي ……
صمت وقد حقق نقطة إضافية ينظر لصلاح الذي لم يكن يقل غضبًا عن ميمو، بل كانت ملامحه مشتعلة أكثر ليلقي بالقنبلة :
” هو حبيب القلب ميعرفش الحاج عمل فيكِ ايه ؟! متقوليش أنه ميعرفش إن جاد كــ ”
وقبل أن يتم كلمته شعر بشيء عنيف يصطدم في رأسه وشظايا زجاج تتطاير حوله، ولم يكد سعيد يستوعب شيء حتى وجد صلاح يلقي بقايا الكوب الزجاجي ارضًا وهو ينهض دافعًا إياه للأرض وهبط فوقه يكاد يقتله بين يديه .
وسعيد الذي استعاد بسرعة نفسه، قلب الوضع وأخذ يضرب هو صلاح واشتعل الشجار بينهم، سعيد النازف يضرب صلاح بجنون، وصلاح لا يرى أمامه سوى اللون الاحمر كثور يلوح أمامه أحدهم براية حمراء .
ولأن القوى كانت متكافئة تقريبًا، لم يسقط أحدهم ارضًا ليتوقف الآخر، بل استمر القتال بينهم، صلاح امسك المقعد وهبط به فوق سعيد الذي تجنبه وهو يضربه في معدته بقدمه …
وزهرة تقف مرتعبة وميمو فقط تشاهد ما يحدث وكأنها في عالم آخر لا تشعر بما يحدث حوله…
ولولا صرخة زهرة التي تدخلت تجذب سعيد، والأمن الذين ركضوا صوبهم، لكان الشجار احتدم ووصل للقتل.
كاد سعيد يفلت من يد الأمن ليهجم على صلاح بعدما وجه له الاخير نظرة مرعبة وألقى له بسبة نابية وقد تدمرت ملامحه، كما حدث لسعيد بسبب ذلك الشجار .
لكن يد زهرة أمسكت سعيد وهي تصرخ في وجهه :
” بس بقى، متتحركش، سعيد متتحركش ”
نظر لها سعيد من بين الدماء التي غطت جميع وجهه بسبب رأسه النازفة، وقبل أن يفعل شيئًا شعر بزهرة تجذبه بقوة وشراسة مخيفة من أمام الجميع تخبره بالتحرك، وقد فعل لكن قبل ذلك ألقى بنظرة غامضة لميمو ….
بينما صلاح ابعد رجال الأمن عنه بقسوة يحمل حقيبة ميمو، ثم سحبها وخرج من المكان والشياطين تلاحقه، وتلك المسكينة كانت قد سقطت في هوة سحيقة لا تدري ما يحدث حولها، سوى أنها شعرت بنفسها في سيارة صلاح الذي قادها بسرعة كبيرة في الاتجاه المعاكس لسيارة زهرة والتي تحمل داخلها سعيد الذي استند برأسه على المقعد واغمض عينه دون كلمة واحدة …
______________________________
كان منفصلًا عن الكون من حوله، يحمل آله حادة بين أصابعه يسير بها على ذلك الشيء المسطح أمامه بكل دقة، لمست الآلة الشيء أمامه ليحركها هو ببطء شديد وبحرص يشعر بقطرات من العرق بدأت تنتشر على جبينه وقبل أن يتم ما كُلف به انتفض محمود يسمع صوتًا خلفه :
” محمود أنت بتعمل ايه ؟!”
نظر محمود خلفه لزهرة التي كانت تحدق فيه بعدم فهم، وهي تراه يتعامل مع قطعة الكيك أمامه بشكل غريب .
تنفس محمود بصوت مرتفع :
” كنت بقطع الكيك ”
” بتقطع الكيك ؟! كده ؟!”
لم يفهم محمود مقصدها، ثم نظر للطاولة التي أعدها كما لو كان في غرفة التشريح، وكي لا يبدو غريبًا حاول تبرير ما كان يفعل :
” اصل الحاجات دي محتاجة دقة واني افتح القلب براحة عشان متنزفش…قصدي عشان الحشوة متخرجش ”
ابتسمت هاجر بعدم تصديق وهي تقترب منه تقول بمزاح :
” محمود أنت بتعامل الكيكة كأنها جثة ؟! دي كيكة عادي ناقص تديها حقنة لبن عشان تتبنج قبل ما تتقطع ”
فرك محمود رقبته وهو يبتسم بخجل من حالته، هو فقط أراد أن يقطع الكيك بدقة كبيرة، كي يريها أنه يستطيع أن يجاريها فيما تحب، يستطيع أن يشاركها بكل ما تريد ..
أمسكت هاجر السكين من يده تتشدق بلطف خطف قلبه ولم تنتبه للشوق الذي بدأ يهز ذلك الواقف امامه، ولا انتبهت حتى لنظراته التي بدأت تُوجه لها كما السهام في الحرب ..
” بص تقطيع الكيك عادي وسهل جدا، أنت بس بتكون واخد بالك أن جميع القطع يكونوا قد بعض، بتمسك السكينة كده وتبدأ تقطع براحة …”
وهكذا استرسلت هاجر في شرح كل ما تريد وهو فقط يدعي انتباهًا زائفًا، يعطيها اهتمامًا وهميًا، يخفي خلفه شوقًا عارمًا، شوقٌ كافٍ لجعله ينسى كل ما يحيطه ويسحبها لعالمه الموازي وينصبها ملكة عليه، ومن بعدها يمسك يدها ويقودها لساحة القصر يضمها لصدره، ومن ثم يتمايل بها ويدور في كل مكان معها.
” تمام كده ؟؟ ”
خرج محمود من سجن خيالاته على صوتها، ينظر حوله للمكان يتساءل أين هو ؟؟ للتو كان يتراقص مع بسكوتته في ساحة واسعة ذات ارضٍ رخامية ينعكس عليها ضوء القمر، يشعر أن خيالاته كانت حقيقية لدرجة أنه ما يزال يسمع تلك الموسيقى في أذنه، ام أنها بالفعل تصدح في المكان ؟!
نظر حوله ليجد مسجل صوت يرن في المكان بكلمات راقية هادئة رومانسية، ابتسم بسخرية على حالته، يا ويله دخل حالة سُكْر دون مخدر، أم أن عينيها تولت المهمة ؟؟
تلك المرأة أمامه تمنحه حالة انتشاء وسعادة يقسم أنه ما كان ليصل لها ولو استنشق من النباتات من يعيد تعمير صحراء بأكملها .
” محمود أنت معايا ؟؟ عرفت تعمل الكيكة ازاي ؟؟”
ماذا يخبرها ؟؟ أنه كان يراقصها منذ ثواني بدلًا من الإنتباه لما تفعل ؟؟
هز محمود رأسه ببسمة واسعة لتمنحه هي بسمة أخرى لطيفة وهي تتحرك صوب الصينية التي جهزتها وقالت :
” كده تمام هروح اوصل الاوردر ده للزباين تكون خلصت تمام ؟؟”
هز محمود رأسه لها بطاعة، ومن ثم انكب بكامل اهتمامه وتركيزه على قطعه الكيك أمامه وكأنها تمثل له تحديًا، امسك السكين كمسكته لمشرط الجراحة يحدق به في تحدي :
” احنا نعتبرها جثة ونقطعها بكل دقة وحرص ”
وبالفعل شرع يقطع الكيك أمامه ببسمة واسعة دون السماح لها بالنزيف _ اخراج حشوتها _ ومن ثم بدأ يضعها في أطباق كثيرة، ثم استند على الرخام الموجود خلفه يحرك السكين في يده بتكبر وحينما سمع صوت هاجر تعود قال :
” تعالي يا هاجر شوفي أنا عملت ايه ”
اقتربت منه هاجر بحماس لترى قطع الكيك في الطبق، فتحت عيونها بانبهار شديد وصدمة :
” أنت لحقت تعمل كيك ؟؟”
اعتدل محمود في وقفته :
” لا اعمل ايه، أنا قطعته بس هو أنا المفروض اعمل الكيك؟!”
ابتسمت له هاجر بسمة صغيرة وهي تشير صوب اطباق الحلوى :
” لا اصل لما ناديت عليا وأنت فرحان كده كنت مفكرة أنك يعني عملت إنجاز و…انسى خلاص، تسلم ايدك التقطيع شكله جميل اوي ”
ابتسم محمود وقد نال لتوه اكبر ثناء قد يحوزه خلال حياته، وكأن مدير المشفى كرمه للتو وأخبره كم هو طبيب ماهر، ما سمعه من هاجر منذ ثواني دفع لصدره فخرًا كبير يرفع الصينية لها :
” بجد حلو ؟!”
تعجبت هاجر من مقدار اهتمامه بالأمر، لكنها رغم ذلك منحته بسمة رقيقة :
” جميلة اوي تسلم ايدك ”
ازدادت سعادة محمود وهو يحدق بها لتخجل هاجر من نظراته وتعود للخلف بتوتر :
” هو أنا هروح اوصل الاوردر للزباين و…”
أوقفها محمود قبل الخروج من منطقة التقديم وهو يمد يده بالصينية :
” طب خدي الصينية ”
فتحت هاجر عيونها بصدمة وهي تعود له تلتقط الصينية منه مبتسمة بخجل اكبر واكبر من سابقه :
” اه صحيح، معلش نسيت ”
اخذت منه الصينية وركضت الخارج تواري خجلها وتصرفاتها البلهاء امامه، لكن لم تدري هاجر أن محمود في تلك اللحظة لم يكن يهتم لأي تصرف أبله أو غيره، هو فقط كان فقط يشرد بها، قبل أن يسمع صوت تكسير واصطدام جعله يركض للخارج بسرعة ليجد هاجر تجلس ارضًا تحاول تجميع قطع الحلوى التي سقطت وهي تعتذر للجميع، ركض صوبها يشير لها بالنهوض …
لتشير هاجر للحلوى وهو تقول بتوتر وكأنها هي من تعمل عند محمود وهو مديرها الذي سارع لتوبيخها :
” الكيك وقع غصب عني و….”
جذب محمود الصينية من يدها يخبرها أن تنهض وهي ترفض قبل أن تتدارك الأمر، لكن نظرة محمود أجبرتها على ذلك
” قومي وانا هلمهم بلاش تقعدي بالشكل ده قدام الكل، ادخلي المطبخ وانا هلمهم وجاي ”
تحدثت هاجر ببلاهة شديد نابعة من توترها وخجلها من ذلك الموقف وخاصة أمام محمود :
” أيوة بس أنت دكتور ومينفعش تـ ”
قاطعها محمود بسخرية :
” حاضر هروح اجيب البالطو الم بيه الكيكة، هاجر الله يكرمك قومي من الأرض مينفعش كده ”
نظرت له هاجر ثواني قبل أن تنظر حولها للزبائن الذي يحدقون بما يحدث، وقبل أن تفعل شيئًا وجدت محمود يجذبها من ثيابها لتقف، ثم أجبرها على الدخول لمنطقة التقديم واجلسها على مقعد بالداخل ومن ثم حمل طبق حلوى ووضعه بين أناملها وهي ما تزال تحدق به مصدومة ..
” كلي جاتوه يا هاجر لغاية ما اخلص واجيلك ”
أنهى حديثه يحمل قطعة قماشية لمسح الأرضية بعد لملمة البقايا التي سقطت في الخارج وهاجر ما تزال تنظر لاثره بصدمة قبل أن تبتسم دون شعور، بسمة ناتجة عن شعور الدفء الذي تخلل لها، أهكذا يكون شعور أن يهتم بك أحدهم ؟؟ شعور يصيبها بقشعريرة لذيذة ….
_____________________________
” نعم ؟؟؟ منال ؟؟”
تعجبت منال ملامحه تلك، لكنها حاولت التغاضي عنها وهي تمنحه بسمة صغيرة مترددة :
” أنا ازعجتك ؟؟ أنا بس كنت بستخرج الإفادة من الجامعة وقولت اجي اشوفك لاني حابة اتكلم معاك قبل ما ارجع البلد”
في تلك اللحظة كان رائد بعيد كل البعد عن تعقله أو يفكر في شيء عدا تسبيح التي لا يعلم عنها شيء ولا ….صمت فجأة قبل أن يهتف فجأة :
” التليفون …”
رمشت منال دون فهم :
” التليفون ؟؟ محتاج تليفون ؟!”
لم يهتم لها رائد وهو يرفع هاتفه أمام عيونه ليتصل بتسبيح وقد نسي للحظات أنها تمتلك هاتفًا، بينما منال تراقبه بتفحص، فهيئة رائد تلك مختلفة تمامًا عن ذلك الشاب الذي غادر بلدتهم، هذا أكثر رجولة ونضوجًا .
ابتسمت وهي تراه يرفع عيونه لها وكأنه لم يعي وجودها سوى الان، انزل الهاتف يزفر بحنق شديد :
” نعم يا منال، اتفضلي فيه حاجة ؟؟”
توترت منال من طريقته في الحديث، نظرت حولها وهي تقول بصوت منخفض :
” يعني هو مش ممكن نقعد في مكان تاني نتكلم ؟! يعني أنت عارف اللي في البلد و…”
قاطعها رائد بهدوء شديد واحترام، يعلم أنه إن جرحها الآن سيكون أفضل لها هي قبله، بدلًا من الزواج بشخص لا يميل لها وتعيش جحيمًا، عليها أن تبحث عمن يحبها :
” اسمعي يا منال بخصوص البلد والحوارات دي كلها، أنتِ اكيد اعقل من أنك تفكري أن جواز اتفقوا عليه من سنين ممكن يتم، يعني الحوارات دي بطلت من زمان اوي”
فغرت منال فمها بصدمة من حديثه وهو ينظر لها نظرة أخيرة قبل أن يضيف :
” الافضل ترفضي لأن صدقيني مفيش جوازة بتتم كده بين اتنين مش عارفين اساسا عن بعض حاجة، ده اكبر غلط بيحصل، عشان كده ارجو تكوني عاقلة وتعرفي أن الجوازة دي عمرها ما هتكون في مصلحتك ولا مصلحتي حتى ”
” أنت… أنت ازاي بتكلمني كده كأني رامية نفسي عليك؟؟”
كانت منال تتحدث بكرامة مجروحة وغضب ناتج جراء رفضه لها دون حتى أن يمنحها فرصة للتحدث، دون أن يرميها بنظرة تفحص يراها إن كانت تصلح له أو لا، طعنها وبقوة في أنوثتها دون أن يهتم .
لكن رائد في تلك اللحظة كان قاب قوسين أو أدنى من الانفجار في وجه أي أحد بسبب كل تلك الضغوطات التي يتعرض لها منذ الصباح، وكانت منال المرشح الافضل لاستقبال ذلك الانفجار، لكنه لم يفعل …
ومنال نظرت له بنظرات مشتعلة :
” أنت مفكر نفسك مين اساسا عشان تقف في وشي كده وتبجح ؟؟ ومين قالك اني كنت جاية عشان اترجاك وابوس ايدك تتجوزني ؟؟ أنا اساسا كنت جاية اقولك ياريت ترفض عشان أنا مش اللي اتجوز واحد معرفوش، ده غير اني بحب زميلي في الكلية وهو مستني الوقت المناسب عشان يجي يطلبني ”
نظرت له من أعلى لاسفل تضيف بتهكم :
” أنت اساسا not my type ”
أنهت حديثها، ثم رمته بنظرة مشتعلة وغادرت من أمامه ورائد ما يزال يحاول استيعاب ما نطقت به، وقبل حتى أن يفرح بما قالت سمع صوت رنين هاتفه ليسارع ويجيب :
” الو يا تسبيح، أنتِ فين ؟؟”
كانت تسبيح تقف في أحد أركان النيابة العامة وهي تضم الهاتف لاذنها بقوة وقالت بنبرة بكاء خافتة :
” رائد … أنا..أنا مش عارفة اعمل ايه، مش عارفة اقول ايه”
تحرك رائد بسرعة صوب سيارته يلبي نداءها الذي تلقاه قلبه واضعًا إياه في قائمة الأمور العاجلة الضرورية مخبرًا عقله أن يلقي أمر الزواج جانبًا الآن..
” طب اهدي تسبيح، أنتِ فين دلوقتي ؟؟”
” أنا ..أنا روحت النيابة لوحدي ومكنتش عايزة اكلمك عشان كنت قليل الادب معايا الصبح وقولت مش هكلمك تاني، بس …بس انا مش عارفة اعمل ايه لوحدي هنا ”
ولم يدري رائد أنه أطلق ضحكة عالية قبل أن يسمع سؤالها تتذمر :
” بتضحك على ايه ؟! ”
” على إني قليل الادب ”
” أنا مقصدش كده انا اقصد أنك كنت واحد مش محترم وأنت بتتكلم معايا ”
ابتسم رائد بسخرية :
” مفرقتش والله يا تسبيح، الاتنين واحد، كده اتهزقت وكده اتهزقت ”
خجلت تسبيح من ذاتها وهي تصف شخصًا وقف جوارها ولبى جميع حاجاتها قبل حتى أن تطلب دون أي سأم أو ملل، شخص تحمل انهياراتها واحدًا تلو الآخر .
” أنا آسفة مش قصدي والله ”
ابتسم رائد يتعجب تلك الراحة التي انتشرت بين اوصاله حين اطمأن فقط عليها، تنهد بصوت وصل واضحًا لها :
” أنا اللي اسف يا تسبيح أنا كنت متعصب وعصبيتي خرجت فيكِ وأنتِ ملكيش ذنب، هو بس الحاج الله يسامحه حرق دمي على الصبح ”
ابتلعت تسبيح ريقها تنظر حولها وقد تحركت تجلس على أحد المقاعد رافضة التحرك دونه، فهي لا تفقه أي شيء بتلك الأمور :
” خير الكل كويسين في البلد عندك ؟؟”
” أيوة أيوة متقلقيش الكل كويسين، هو بس الحاج ناوي على شللي قريب، تقريبا شافني الفترة دي رايق فقال أما اقوم انكد على الواد رائد ”
وبفضول شديد لا تعلم له مصدرًا تساءلت بشكل غير مباشر :
” لعله خير يارب ؟؟”
ابتسم رائد بسخرية لاذعة :
” الحاج بيجهز فرحي عقبال فرحك يا شابة ”
وخفقة غادرة اشتدت داخل صدرها وهي تردد :
” تتجوز ؟! أنت هتتجوز؟!”
” ده حسب كلام ابويا، ولو طولنا المكالمة شوية هتلاقي بعت رسالة يباركلي فيها على المولود الأول ”
ابتلعت تسبيح ريقها بصعوبة :
” مبارك، ربنا يتمملك على خير، ويجعلها جوازة العمر يارب ”
ضحك رائد بتهكم شديد :
” الله يباركلك يا ضنايا، عقبال عندك يارب ”
” إن شاء الله”
زفر رائد بحنق وهو يتشدق بصوت منخفض :
” مش قولتلك زي امي، نفس الدماغ ياربي ”
” نعم ؟!”
” أنعم الله عليكِ يا ست الكل اقفلي وانا شوية واكون قدامك ”
وبهذه الكلمات أنهى الكلمات يلقي الهاتف جانبًا، ومن ثم أخذ نفس عميق يتحرك لسيارته .
وعلى الجانب الآخر كانت تسبيح تحدق في الهاتف دون شعور، لا تدري ما تلك الحالة من الجمود التي تلبستها..
____________________________
” يابني كفاية بقى الشاي بلبن هيدمرك ”
صدرت تلك الكلمات من فم محمود تزامنًا مع انتزاعه للكوب القابع بين أصابع صالح، بينما الاخير حدق به في غيظ وشر، ثم تنفس بصوت مرتفع :
” محمود ينفع تتقي شري دلوقتي ؟؟”
ضرب محمود طاولة المخبز حيث جاءه صالح بعد انتهاء العمل ليجلس ويتناول بعض المخبوزات، ومازالت ملامحه مقتضبة :
” لا انسى يا صاحبي، مش انا اللي اسيبك في ظروف زي دي، فكرك يعني لما تفضل تشرب شاي بلبن وتغيب عن الدنيا هتخلى عنك ؟؟ ”
في تلك اللحظة انتبه محمود لرجل مسن يتوسط أريكة جلدية في أحد أركان المخبز وأمامه بعض الحلوى ومشروب دافئ، لكنه ينظر في الإرجاء وهو يصدر ذلك الصوت الذي تصدره كلما قابلت هرة صغيرة ( بسبسة) .
تجاهله محمود ثم أضاف :
” بعدين يعني يا صالح مش عشان بنت تبهدل روحك بالشكل ده ”
نظر صالح لنفسه بتعجب، ثم حدق في محمود الذي قال :
” محمود أنت عبيط ؟؟”
اعتدل محمود في جلسته وقد عاد يتكأ على ظهر مقعده في برود واضح، يضم ذراعيه لصدره وهناك بسمة متشفية تتوسط فمه :
” لا أنت اللي عبيط، اصل العبيط يا صاحبي هو اللي يسيب حاجة هيموت عليها تمشي وتطير من بين ايده ”
كان يتحدث وهو ينظر بطرف عيونه لذلك الرجل الغريب الذي أخذ يميل بجسده وينظر أسفل الطاولات .
ارتشف صالح المزيد من الكوب أمامه يدعي برودًا لا يمتلكه :
” أنا مش فاهم أنتم شاغلين بالكم بيا ليه ؟؟ كلكم شايفين اني خسرت، مع اني زي ما أنا عادي اهو ولا فيا حاجة ”
رفع محمود حاجبه ساخرًا وما كاد يتحدث حتى استقرت هاجر على أحد المقاعد تضع لهم المزيد من المعجنات والحلوى وهي تقول ببسمة واسعة :
” اتفضلوا دوقوا دي هتعجبكم ”
جذب محمود الطبق له وهو يقول :
” اكيد هتعجبنا، تسلم ايدك ”
ابتسمت له هاجر ثم نظرت لصالح :
” مالك يا صالح كده ؟!”
نفخ صالح بحنق لا يدري ما بال الجميع كلما نظروا لوجهه يتحدثون بهذا الشكل وكأنه عجوز مسكين ترمل لتوه بعد وفاة زوجته وتركه وحيدًا .
” أنا كويس يا هاجر تسلمي ”
عارضه محمود الذي قال بصوت مرتفع وبين أسنانه يمضغ قطعة حلوى شهية كصاحبتها :
” لا مش كويس، ده كداب، كله من بنت اختك هتضيع الولد الحيلة ”
ارتفعت أصوات البسبسة الصادرة من ذلك الرجل الذي بمجرد رؤيته لهاجر حتى زاد فيما يفعل، ومحمود يرمقه بتحفز وشر .
رمقته هاجر ببلاهة وصالح مد يده عبر الطاولة وصفعه بغيظ شديد، ثم نظر لهاجر :
” متاخديش في بالك هو واحد دماغه على قده ”
” أنا برضو اللي دماغي على قدي ؟! ياض ده أنت ريحة شياطك غطت على ريحة الفراولة اللي على حتة الجاتوه دي ”
صمت، ثم ضرب الطاولة وهو ينظر للرجل :
” ايه يا حاج فيه ايه ؟؟ قاعد في محل قطط عمال تبسبس لينا ؟؟ ناقص تفتحلنا علبة تونة مش كده ”
نظرت هاجر حيث ينظر محمود، ثم ابتسمت موضحة :
” ده الحاج فرغلي ”
” بتاع العصير ؟؟”
” لا ده بتاع القطة اللي تحت رجلك دي ”
تعجب محمود حديثها وهو ينظر أسفل أقدامه :
” قطة ايه مفيش …”
وفجأة أطلق صرخة عالية وهو يبعد القطة عن قدمه، وهاجر تحاول تهدأته، لكن فشلت مساعيها بسقوط محمود ارضًا وجلوس القطة أعلى صدره بهدوء شديد تتمطأ وتنام بعنق .
” ايه ده ؟؟ هي نامت ؟؟ أنت يا حاج تعالى شوف القطة بتاعتك دي، حد يشيل البلوة دي من فوقي ”
وبالفعل ثواني فقط حتى كان الرجل ينتزع قطته ويتحرك بعيدًا وهو يتحدث لها بكل حب كما لو كانت تفهمه، ومحمود ينظر له بغيظ :
” مش عارف الناس مستحملة الكائنات دي ازاي ؟؟ بجد حاطة صعبة اوي ”
نظرت له هاجر تتعجب حديثه :
” ايه ده ؟؟ أنت مش بتحب القطط ؟؟”
صمت محمود يفكر قبل أن يعطيها جوابًا :
” والله على حسب، أنتِ بتحبي القطط ولا لا ؟؟”
” بحبها جدًا ”
” أيوة وانا كمان بحبها اوي، ده انا في حياتي دي كلها مش بحب قد القطط، كائنات كده لطيفة و….ولطيفة ”
ابتسمت له هاجر وهو استدار يلوي شفتيه باشمئزاز يكره كل ما يتعلق بذلك الكائن ذو الشعر المتساقط في كل مكان، انتبه من شروده على نظرات صالح ليعتدل وكأن شيئًا لم يكن، ينفض ثيابه ثم أمسك الملعقة التي كان يتناول بها الحلوى وأكمل :
” طب اقطع دراعي واشرحه حتت كده اما كنت دلوقتي هتموت وتروح ليها اسكندرية ”
تغضنت ملامح هاجر متقززة من تخيل ما وصف محمود، كل ذلك وهو يتناول الطعام، ألا يشمئز ذلك الشخص؟؟
ولم تدري هاجر أن ذلك الشخص الذي يجلس أمامها يحفظ طعامه في ثلاجات الموتى ليحميهم من التعفن دون الاهتمام .
ابتلع محمود ما في فمه، ثم قال يدرك أن صالح يحتاج ضغطة واحدة لينهض ويقطعه بسكين الحلوى، لكن وهل يهتم :
” بدل ما أنت قاعد تبصلي كده كأني مرات ابوك ومش طايقني، كنت روحت جرجرتها من شعرها اول ما حضنت اخوها وقولتلها، مش هتتحركي من هنا، لكن نقول ايه انت اللي لسانك طري معاها ومدلعها ”
فجأة ضرب الوعي هاجر التي كانت تستمع لهم دون التدخل، لكن عند تلك النقطة استوعبت ما يقول محمود :
” لحظة بس، أنتم بتتكلموا على رانيا ؟!”
ابتسم لها محمود بسمة غبية :
” حمدالله على السلامة، ايه مالك يا نواعم فوقي معانا كده عايزين نوفق راسين في الحلال ونخلص من الاتنين البهايم دول عشان نشوف الدنيا ونجهز الجناح بتاعنا ”
فتح صالح عيونه فجأة يحاول أن يستوعب كلمات صديقه الذي كان منشغلًا في حديثه مع هاجر حول زفافهم، لكن صرخ بصوت مرتفع حينما شعر بصالح يجذبه عبر الطاولة وهو يقترب منه بهمس بشر :
” قولت مين ؟!”
ردد محمود بعدم فهم :
” مين ايه ؟؟ والله كنت بتكلم على اوضة ابويا محبتش سيرتك ”
جذبه صالح أكثر حتى كاد جسد محمود يتمدد أعلى الطاولة :
” محمود متستهبلش، أنت قولت من شوية حضنت مين ؟!”
ابعد محمود يد صالح عنه، ثم لكمه بغيظ شديد يعود لمكانه ويعدل من ثيابه بملامح متذمرة :
” اخوها يا حبيبي، هو أنا مش قولتلك أن عبدالجواد ده اخوها ؟!”
ابتسم صالح دون وعي، بينما محمود رمقه بشر ثم عاد ينظر لهاجر التي كانت تتابع ما يحدث بفم مفتوح صدمة، هل صالح يحب رانيا ويغار عليها أم أنها لم تفهم ما وصل لها ؟؟
في تلك اللحظة أفاقت هاجر على صوت رنين الهاتف لتنظر له بطرف عينيها وتقول ببسمة :
” رانيا …”
على الطرف الآخر كانت رانيا تجلس في غرفتها رفقة مروة بعدما انتهت من قص عليها كل ما حدث دون أن تغفل عن شيء سوى مشاعرها هي تجاه صالح أو ما حدث ليس لأمر سوى أنها هي نفسها لا تدرك ماهية تلك المشاعر ..
ابتسمت مروة بسعادة خالصة وقد تلألأت عيونها بقوة :
” يعني اللي شوفناه في المؤتمر ومعرفنيش يبقى اخو الأستاذ صلاح مش صلاح نفسه ؟! يعني الاستاذ صلاح اكيد فاكرني ”
ضربتها رانيا بالوسادة في حنق شديد :
” يابنتي أنا بقولك ايه وأنتِ بتقوليلي ايه ؟؟ ما تفوقي بقى معايا شوية ”
” معاكِ والله، بس انا مش فاهمة يعني فيه حب في الموضوع ؟!”
في تلك اللحظة سمع الاثنان صوتًا خارج الغرفة يستأذن للدخول وحينما أذنت له رانيا، دلف عبدالجواد وهو ينظر لهما بغموض ومن ثم قال :
” موضوع ايه ده اللي فيه حب ؟؟”
ابتلعت رانيا ريقها واتسع فاه مروة التي نظرت لصديقتها بشفقة، لكن فجأة وجدت نظرات عبدالجواد موجهه عليها لتقول ببلاهة :
” فيه ايه انت بتبصلي كده ليه ؟؟”
رفع عبدالجواد حاجبه وهو ينظر لها بشر وفكره كله يدور حول أن المقصودة بذلك الحب ليس سوى تلك الغبية الحالمة التي جعلته يدور حولها اسبوع كامل فقط ليحضر بنظرة منها .
لكن مروة وكأنها استوعبت نظراته لتنتفض بقوة صارخة :
” ايه ؟؟ لا مش انا، دي اختك اللي بـ ”
وقبل أن تكمل شعرت بضربة قوية تسقط أعلى ذارعها من يد رانيا التي حملقت فيها بتحذير أن تفتح ذلك الفم الغبي مجددًا ومن بعدها نظرت لعبدالجواد الذي كان بالمرصاد لمروة وقالت :
” هي مش قصدها، احنا كنا بنتكلم على مسلسل بنتابعه مش اكتر ”
رمقها عبدالجواد بسخرية شديدة قبل أن يعود بنظره صوب مروة التي كانت تتلاشى النظر لعيونه، لكن جملته أجبرتها على ذلك :
” معلش يا مروة ممكن كلمة معاكِ ”
ابتسمت رانيا وهي تدفع برانيا :
” أيوة أيوة روحي يا مروة كلميه، وانا هكلم خالتو واطلع ليكم على طول ”
وبالفعل ما إن رأت مروة تتحرك حتى أجرت اتصالًا بهاجر لتخبرها بعودتها سالمة، وما هي إلا ثواني حتى وصل لها صوت آخر غير هاجر، صوت رجولي أكثر يتحدث بجدية :
” الو يا رانيا …”
ازداد قرع ضربات قلب رانيا التي نظرت حولها وكأنها تبحث عمن يخبرها أنها بالفعل تسمع صوته، أبعدت الهاتف تتأكد أنها اتصلت بهاجر لتسمع اصوات صادرة من الهاتف ..
وضعته أعلى أذنها مجددّا :
” صالح !!”
” أيوة أنا ”
صمت وهي صمتت، وماذا تقول فهي لم تتخطى بعد رحيلها وهي ترى نظراته تلك .
فجأة سمعت صوت صالح يتحدث بجدية وبصوت خافت :
” هي هاجر كانت بتجيب طلب لمحمود وسابت التليفون على الترابيزة ”
كان يتكلم وهو ينظر بطرف عينيه لمحمود الذي وقف أمام هاجر يمنعها من اللحاق بصالح، بعدما اختطف الهاتف من بين أناملها بمجرد سماعه اسم رانيا .
عاد لرانيا التي قالت بتفهم :
” أيوة فهمت، خلاص لما ترجع بلغها تتصل بيا ”
وقبل أن تغلق سارع هو بالقول دون وعي وبحديث نابع من غيظه :
” ما تصبري يا ختي هاكلك يعني لو اتكلمتي معايا ؟؟ ”
نعم ها هو صالح قد عاد، تقسم أنها كادت تشك به حينما حدثها بشكل آدمي هادئ في البداية، والآن ها هو عاد للساحة بلسانه الذي ينافس برج خليفة طولًا .
” لما تحترم نفسك الاول وتكلمني زي الناس يبقى اصبر ”
” اكلمك زي الناس ازاي معلش ؟؟ كل الناس بتتكلم من بؤقها وانا بتكلم من زلومة ؟؟ ”
” لا بتكلمني زي ما بتتكلم دلوقتي، أنت مش عارف تتكلم براحة في مرة ؟؟ يا اخي نفسي مرة تتكلم معايا زي الناس الطبيعية ”
نفخ صالح بحنق شديد، ماذا يفعل هذه طريقته مع الكميه يستفزهم ليخرج اسوء ما فيهم حتى يتحدث معهم على طبيعته السيئة .
” على فكرة أنا كلمتك قبل كده عادي، مرتين كمان، فاكرة يوم ما عطيتك التليفون، وقبل ما تمشي لما عطيتك كشري وحواوشي ولا دول نسيتيهم كمان، ما أنتِ زي القطط تأكلي وتنكري ”
وصل له صوت تنفس عنيف صادر من جهة رانيا وكأنها تحاول أن تصبر نفسها :
” عايز ايه ياصالح ؟؟ بترد على التليفون يعني عشان تحرق دمي ؟؟”
” واحرق دمك ليه؟؟ أنا بس حبيت اطمن أنك وصلتي بخير ”
حسنًا هذا جديد، صالح يطمئن عليها؟؟ هل سقطت السماء على الأرض، ام ذاب القطبين ؟؟ أو ربما هي تحلم، نعم هي كذلك.
” أنتِ وصلتي بخير صح ؟؟”
” أيوة، أنا كنت مع عبدالجواد ”
صمت ثم قال :
” عبدالجواد ده اخوكِ ؟؟”
هزت رانيا رأسها كأنها تراه أمامها، ثم فتحت فمها للتحدث لولا اقتحام مروة لغرفتها وهي تقول ببسمة واسعة وحماس شديد ملتهب :
” رانيا، فيه عريس جالك تحت ومحمد لسه مرجعش من الشغل مفيش غير عمي وعبدالجواد، تعالي بسرعة شوفيه قبل ما يمشي”
اتسعت أعين رانيا تتوقع قيام حرب في الاسفل، لذلك أغلقت الهاتف دون شعور وهي تركض مع مروة ..
وعلى الجانب الآخر ما كاد صالح يلتقط أنفاسه لاكتشاف أن عبدالجواد شقيقها حتى هبطت فوق رأسه ضربة أخرى عبارة عن ( رانيا جاء لها عريس ) ….
__________________________
تجلس جواره في سيارته، لكن روحها هائمة في ماضي أزاح سعيد الغبار عنه، حاولت أن تخفي ارتجافة يدها عن أعين صلاح المتربص والذي كان غضبه يكاد يحرق السيارة بهما .
ينظر لها كما لو كان ينتظر منها أي تفسير عما سمع، لكن أي تفسير قد تخبره إياه؟؟ تخبره أنها منذ سنوات كادت تنتهي وينتهي معها أي أمل في العيش كأنثى طبيعية؟!
كانت صرخات ميمو تهز جدران المنزل بأكمله وزينب في الخارج تصرخ وتبكي وتولول، تطرق الباب بعنف :
” يا جاد حرام عليك سيب البنت، أنت ايه يا اخي دي اصغر من ابنك، حرام عليك سيب البنت هتموت في ايدك ”
لكن صرخات ميمو في الداخل غطت على رجاءها وهي تلطم وجهها وتنتحب بصوت مرتفع وتصرخ به أن يتركها :
” يا جاد ابوس ايدك يا اخي لتسيب البنات، لو فيه في قلبك رحمة سيبها، والله انا اللي عطتها البرشام، أنا اللي عطيته ليها، تعالى اضربني أنا ”
تبكي وتنتحب وتندم أشد الندم أنها أعطت حبوب منع الحمل لتلك المسكينة فقط لتتجنب أن تحمل ببذرة فاسدة من ذلك الحقير، تقسم أنها لم تقصد كل ذلك، تقسم أنها فقط أرادت مساعدتها فقط بعدما ترجتها ميمو .
لكن ذلك الذي نُزعت الرحمة من قلبه كان في الداخل يحمل حزام بنطاله بين يديه وهو يهبط به في كل مكان تطاله يديه، وميمو تبكي وتناجي والدتها واخوتها..
” بقى أنا يا بنت الـ *** تضحكي عليا وتاخدي الزفت ده من ورايا ؟؟ ايه مش عايزة تشيلي ابني ؟؟ أنتِ تطولي يا زبالة ”
كان يتحدث بحقد وسواد قد ملء قلبه وميمو في تلك اللحظة تخدر جسدها بالكامل من شدة الضرب لتستقبل ضرباته بصدر رحب دون أن تُمتع سمعه بصرخاتها، ازداد غضب جاد وتضاعفت شياطينه أمام عيونه وهو يراها لم تعد حتى تهتم لضرباته ليرفع قدمه ويهبط بها فوق معدتها بقوة وجنون واضح :
” مش أنتِ مش عايزة تحملي مني ؟! أنا بقى هخليكِ متشيليش عيل لآخر عمرك ”
وبقوة اكبر من سابقتها هبط بقدمه على معدته لتخرج صرخة ذبيحة من تلك المسكينة هزت جدران المنزل بأكمله وزادت من هلع زينب التي اخذت تضرب الباب بجنون :
” يا اخي اتقي الله، الله لا يسامحك يا جاد، الله لا يسامحك يا جاد، البنت قد عيالك يا اخي، حسبي الله ونعم الوكيل فيك ”
كانت تبكي وهي تضرب الباب والندم يأكلها بشراسة حتى لمحت منقذها يتحرك صوبها بأقدام مهرولة حينما سمعها تصرخ باسم والده وقد تخيل أن والده يضربها …
” ماما فيه ايه ؟! حصل ايه ؟؟”
ارتمت زينب بين احضان سعيد تحاول تقبيل يده وهي تتوسله :
” ابوس ايدك يا سعيد وقفه، هيقتل البنت، هيقتلها ابوس ايدك وقفه ”
سمع سعيد صوت والده يسب من الداخل وقد وسوس له شيطانه لحظات ألا يتدخل يكفيه تلك المواجهة الشرسة بينه وبين والده منذ أيام، لكن بقايا ضمير منتفضة أسفل رماد شياطينه وبكاء والدته جعله يبعد الأخيرة وهو يضرب الباب بقدمه حتى حطمه بعد عدة ضربات ..
وبمجرد أن انفتح الباب فتح الاثنين أعينهم بصدمة من مرأى ميمو، ولم يكد سعيد يستوعب ما حدث حتى سمع صرخة والدته جواره التي سقطت ارضًا تصرخ بجنون :
” قتلها …قتلها ”
” ميمو …ميمو مالك، ميمو ؟؟ ياربي مالك بتترعشي كده ليه ؟؟”
كان ذلك صوت صلاح الذي اخترق غيوم ذكرياتها بعدما رأى ارتجاف جسدها وهي تضم معدتها بقوة وكأنها تلقت ضربات جاد منذ ثواني وليس سنوات، نفس الوجع يتردد صداه في جسدها، نبضات الوجع تشعر بها الآن قوية كما كانت.
كانت عيونها شاخصة وهي ترتعش بقوة جعلت صلاح يوقف السيارة يصرخ بها برعب جلي :
” بصيلي ..ميمو بصيلي، بصي، اششش اهدي، ميمو بصيلي ارجوكِ ”
نظرت له ميمو بعيون ضبابية وفجأة شعرت بموجة اشمئزاز تندفع من معدتها بقوة لتنفض يده وتهبط من السيارة بسرعة كبيرة تسقط على ركبتيها تصدر اصواتًا كما لو كانت ستتقيأ، لكن لا شيء.. كانت معدتها فارغة، لتستشعر مرارة لاذعة في حلقها، ووجع في صدرها وكأن روحها تنازع للخروج.
وصلاح يناظرها بصدمة كبيرة قبل أن يهبط لها يتحرك صوبها، منعته وهي ترفع يدها، لكنه لم يهتم بها وهو يجلس على ركبتيه جوارها يراقبها برعب :
” مالك ؟؟ ميمو ارجوكِ متخوفنيش عليكِ ”
لكن ميمو في تلك اللحظة ولأول مرة تبكي، تبكي أمامه بضعف، بضع دموع سقطت أعلى قلب صلاح تحرقه، بكت بوجع وهي تنحني ارضًا أمام أعين صلاح الذي ظن كل ذلك سببه سعيد ليزيد الغل والغضب داخله منه، يتوعده بالويل اضعافًا .
استمرت ميمو تبكي وهي ما تزال على نفس وضعها تشهق وتسعل بقوة، ويدها تضغط على معدتها بقوة.
ليقترب منها صلاح يخرج منديل من جيبه يجفف فمها بلطف عكس نظراته السوداوية، ثم اردف بحنان شديد يرى الخزي يزين نظراتها بسبب ما فعلته أمام عينه هو تحديدًا من بين الجميع :
” نفس الهوا بتاع المرة اللي فاتت ؟!”
نظرت له ميمو ثواني، ها هو يدعي للمرة الثانية أنه لم يرى ضعفها، يهتم ألا تظهر ضعيفة أمام نفسها قبله، يقويها ويدعمها في أشد لحظاتها انهازمًا .
رددت بصوت خافت متعب تجاريه مجددًا وكأنها تشكر صنيعه ذاك وهناك بسمة صغيرة تشق وجهها من بين دموعها :
” لا ده كان إعصار مش هوا ”
” شكلك تعبان اوي …”
ابتسم لها صلاح بحب شديد لم يخفيه، بل تعمد أن يُظهره لها مدركًا جيدًا أنها تقرأ نظراته، نظر لها ولوجهها الشاحب :
” يمكن أنتِ من النوع اللي بيدوخ من العربيات ؟؟
وانا صغير كنت بحس بدوخة لما بركب العربية وببهدل الدنيا، يعني مش لوحدك متخافيش ”
ولكم أرادت أن ترتمي في أحضانه الآن ترتشف منه ذلك الحنان بنهم، لكنها رغم ذلك تمالكت نفسها وقد استقرت ارضًا تبتسم بتعب شديد :
” وانا كمان كنت كده ”
ابتسم صلاح يراها تجلس ارضًا مستندة على السيارة بكل راحة تتحدث معه ببسمة واسعة وكأنها منذ ثواني لم تكن ترتجف مرتعبة من أمر يجهله _ لكن ليس طويلًا _ :
” المرة الجاية هبقى اجبلك برشامة عشان الدوخة، وميحصلش اللي حصل ده ”
ابتسمت له بسمة صغيرة موجوعة :
” صدقني هحتاج اكتر من برشامة دوخة عشان ده ميتكررش ”
اقترب منها صلاح يهمس :
” اطلبي بس وانا اجبلك كل اللي محتاجاه يا ميمو ”
نظرت له ميمو ثواني ترتشف كل قطرة حنان يقدمها لها بنهم شديد، حنان كانت تتوسله قديمًا ومازالت :
” نفسي أكل بيتزا، أنا جعانة اوي ”
فتح صلاح عيونه بصدمة من حديثها، قبل أن ترتسم بسمة أعلى فمه يجاريها ذلك الجنون، يخرج هاتفه يبحث فيه عن رقم معين، تسمعه يتحدث مع أحد المطاعم المختصة في ذلك الصنف، ومن ثم استدار لها يسألها عن نوعها المفضل لتقول دون فهم :
” فراخ او سي فود ”
ابتسم يملي المطعم طلبه، ثم تحرك صوب السيارة يخرج من الصندوق الخلفي الغطاء الذي يضعه أعلى سيارته عادة، ومن ثم قام بفرشه ارضًا وهو يشير لها لتجلس عليه وجواره .
وكذلك فعلت ميمو بابتسامة متسعة وهي تراه يستند على السيارة براحة شديد وقد بدأ هواء الشتاء البارد يهب عليهما، تنفس صلاح بصوت مرتفع، يقول فجأة ودون مقدمات :
” تحبي تسمعي باقي مغامراتي أنا وصالح في الحقول ؟؟ ”
ابتسمت ميمو بسمة واسعة قبل أن تنفجر في الضحك وذكرى تلك المرة التي قصها عليه من رقص في الحقول ما تزال تراودها وتضحكها كلما تذكرتها .
” احب اوي، يا ترى عملت ايه المرة دي أنت وهو ؟؟”
ابتسم صلاح وقد حاز مكافئته حينما ضحكت له، ليقرر نزع رداء هيبته والقاءه بعيدًا وهو يقول :
” مرة قعدنا في وسط محصول الذرة وولعنا ولعة زي ما كنا بنشوف الناس في الأراضي جنبنا بيعملوا، كنا اطفال صغيرين عندنا لسه ٩ سنين، ولعنا عشان نفسنا ناكل درة مش اكتر، لكن فجأة عينك ما تشوف إلا النور، الولعة مسكت في محصول الدرة وبقى فشار”
فغرت ميمو فمها بصدمة كبيرة من تلك الخسارة التي تكبدها الجميع :
” أنت بتتكلم بجد ؟؟ ولعتوا في محصول الدرة كلها ؟! طب وابوكم عمل ايه ؟؟”
” ملحقش يعمل لأن اول ما المحصول ولع أنا وصالح هربنا وفضلنا مستخبيين في بيت عم سليمان ابو رائد اسبوع كامل مرعوبين نرجع البيت، واول ما رجعنا امي خبيتنا في عشة الفراخ يوم بتأكلنا معاهم لغاية ما نار ابويا هديت وعرف يصرف باقي المحصول اللي نجى من الحريق وانشغل في حوارات تانية ”
بمجرد انتهاء القصة التي يخجل منها نال جائزته الاعظم والتي كانت ضحكات مجلجة من فم ميمو ومشهد بقائهما مع الدجاج في العش الخاص بهم تقتلها، يا الله رؤية صورته وهو طفل الآن أصبح حاجة ملحة، تحتاج لرؤية وجهه لتتخيل المتسبب بتلك الورطة .
” بجد مش قادرة، وريني صورتك وأنت صغير، عايزة اشوفها ”
حسنًا طالما طلبت منه الأمر وهي تضحك هكذا سينفذه، أخرج هاتفه يبحث عن صور له أثناء طفولته والتي التقطها من الصورة الفوتوغرافية الأصلية في المنزل حتى عثر على واحدة له يرتدي جلباب ويحمل فأسًا جوار صالح الذي كان يجلس ارضًا والاثنان ينظران للكاميرا ببسمات واسعة واعين شبه مغلقة بسبب الشمس .
ابتسمت ميمو وهي تقول بانبهار :
” ماشاء الله عليك من صغرك، ماسك الفاس ولا اجدعها فلاح”
رفع صلاح حاجبه يتساءل بخبث :
” مين قالك إني أنا اللي ماسك الفاس ؟؟ مش يمكن أنا اللي قاعد في الارض؟؟”
نظرت له ميمو بمكر وهي ترفع حاجبها :
” أنت اللي ماسك الفاس صح ؟؟”
” صح، بس ازاي عرفتيه ”
اعتدلت ميمو في جلستها بحرك خصلات شعرها بتكبر :
” قدرات يابابا قدرات ”
ردد صلاح كلمتها التي اخترقت مسامعه خلال السباق صباحًا :
” يا جامد ”
ضحكت له ميمو وهي تقول وقد نست كعادتها كل شيء معها، تخرج هاتفها بحماس شديد :
” استنى هوريك صورتي أنا كمان وانا صغيرة ”
تلهفت كل خلية به وهو يمد رأسه ليرى تلك الصور يتأمل تلك الطفلة البريئة الجميلة، فتاة ناعمة كبتلات الازهار، كان يتابعها وهي تقلب الصور أمام عينيه بسعادة شديدة، تشارك أحدهم كنزها الذي حصلت عليه بصعوبة منذ سنوات قليلة حينما اكتشفته في منزل عمها القديم .
وصلاح يستمع لها باهتمام شديد يشاركها الحماس واللهفة وينغمس معها في تفاصيل تلك اللحظات بسعادة كبيرة، سعادة تولدت من سعادتها هي …
_____________________
كانت تقود السيارة وهي تكاد تنفجر غضبًا مما حدث منذ ثواني وجوارها سعيد يغني ويصفر بكل برود واستمتاع كما لو أنه ذاهب إلى رحلة.
وفجأة صمت بسبب كلمات حادة من زهرة :
” اسكت، تعرف تسكت !؟”
نظر لها سعيد ثواني بعدم فهم، قبل أن يميل بنصف جسده يحضر زجاجة المياه ثم مررها لها ببسمة وهدوء :
” خدي بس اشربي كده واهدي ”
نظرت له بقوة جعلته يرفع حاجبه في المقابل ساخرًا :
” بالله عليكِ ما تبصيلي كده مش انا اللي كنت رايح أبيعك وافتن عليكِ ”
صمت وهو ينظر أمامه بحنق قبل أن ينظر لها مجددًا واصفًا إياها:
” يا فتانة، بزمتك مش مكسوفة من نفسك ؟! بقى ده شكل دكتورة نفسية، رايحة تتفق على المريض بتاعها مع مرات أبوه والصحفي اللي مش طايقه ؟!”
توقفت زهرة بالسيارة فجأة وهي تنظر له قبل أن تقول بكل بساطة :
” اولًا أنا لما روحت مكنتش اعرف ميمو عايزاني ليه؟! أنا روحت بس عشان هي صاحبتي وطلبت تشوفني، ومكنتش اساسا اعرف إن الموضوع ليه علاقة بيك، ثانيا أنت مش مريض عندي ولا ناسي”
ابتسم سعيد يعض شفتيه بتأثر، ثم مال عليها يدعي أنه سيستند على كتفها :
” يااه يا زهرة وانا اللي ظلمتك وفكرتك فتانة ؟؟”
أبعدت زهرة كتفها فورًا محذرة :
” اياك تلمسني، ابعد وارجع للكرسي بتاعك ”
نظر لها بسخرية :
” ايه خايفة ابقع ليكِ الفستان ؟؟ ”
” كويس أنك عارف، ابعد بقى ”
أعادت زهرة تشغيل السيارة الخاصة بها وسعيد اتخذ الصمت وسيلة لتلاشي أي شجارات معها، لكنها أخذت عهدًا على نفسها دائمًا بتعكير صفوه :
” مكانش لازم تقول اللي قولته لميمو هناك ”
” دي مشاكل عائلية عادي، متاخديش في بالك”
ذلك الرجل يتفنن في أذية من حوله، ولا تنتابه لحظة ندم واحدة حتى، ياالله كيف تستطيع أن تبتعد عنه، هي لن تتمكن من إكمال حياتها بهذا الشكل، ملت أن تظل طوال الوقت متحفزة لظهوره أمامها، لا هو يريد اصلاحًا، ولا يبغى بُعدًا، اناني هو يريدها له دون أن يُغير بنفسه مكان شعرة واحدة .
كان سعيد يستند على مسند السيارة ومازالت جروحه تنزف بقوة، وفي رأسه مئات الأفكار التي تتصارع، أشخاص كُثر يتشاجرون، البعض يلومه والبعض الآخر يقف ويصفق له بفخر .
هو وميمو، وجهان لعملة واحدة، كلامها رأيا من جاد الكثير، لكن كلٌ منهما تلقاه بطريقته، فهو امتص كل ما سقط عليه من جاد لينمو داخله جاد آخر اشد شرًا من الاول، بينما ميمو كان سطحها عاكسًا، عكست جميع شرور جاد التي سقطت عليها ونهضت لتدمر كل من يقف في طريقها ويبدو أن انتقامها في كل مرة يقودها نحوه هو .
ابتسم يسمع صوت زهرة تردد بجدية :
” خليك هنا هنزل اجيب حاجات من الصيدلية وراجعه ”
نظر لها بطرف عينه وهو يعترض على حديثها :
” لا أنا هنزل معاكِ و…”
وقبل أن يكمل كلماته أغلقت هي السيارة بسرعة بشكل تلقائي لمنعه من الخروج تشير له أن يبقى مكانه :
” ولا حركة لغاية ما ارجع ”
وبالفعل غابت عن اعينه ثواني وهو في السيارة يناظرها بأعين ضبابية يتساءل، ألا تستحق امرأة كزهرة رجل نقي مثلها؟!
سيدة بمثل نقائها لا تستحق شخص ملوث مثله، نتن هذا صحيح؛ لذلك سيعمل هو على تلويثها إن لزم الأمر، لكنه لن يتركها على أية حال .
عادت له زهرة وبمجرد أن صعدت للسيارة أمرته بنبرة حازمة كتلك التي تتعامل بها مع مرضاها أن يستدير، وبالفعل فعل لتنغمس هي في تطبيب جراحه :
” الجرح في راسك شكله كبير محتاج خياطة ”
لم يهتم سعيد أو يأبه لما تقول :
” حطي أي لازقة وخلاص ”
ضغطت زهرة على جرحه بقوة ليتأوه سعيد وعيونه الخضراء تلتمع بالشر وهو يسمعها تقول :
” قولت محتاج مستشفى عشان تتخيط”
وبهذه الكلمات أصدرت فرمانًا يقضي بذهابه للمشفى، ثم تحركت صوب اقرب مشفى لهما وبمجرد دخولهما تحدثت ببرود شديد وهي تتركه :
” أنا كده عملت ما يميله عليا ضميري، أنت خلص وروح البيت براحتك ”
ردد سعيد قبل أن ترحل :
” دلوقتي ضميرك اشتغل ؟! ما أنا كل يوم بستعطفك تجيبي حضن وتحني عليا وأنتِ معندكيش ضمير ”
اشتد خجل زهرة في تلك اللحظة وهي تنظر حولها صوب الممرضة والطبيب، قبل أن تعود بعينيها له وقالت بتحذير :
” أنا مش هكرر كلامي اللي قولته قبل كده في الدار تاني، لكن تأكد المرة الجاية اللي تطلع في وشي بالشكل ده، الخياطة مش هتنفعك يا سعيد ”
أطلق سعيد صوتًا ساخرًا وهو يتجاهل نظرات الممرضة نحوه وتحذيرات الطبيب له ألا يتحرك :
” طب اجري من هنا روحي شوفي شوية المجانين بتوعك، يلا اتكلي على الله وبطلي تقولي كلام أنتِ مش قده ”
ونظرات زهرة التي اسودت أخبرته جيدًا أنه انتزع فتيل صبرها، وها هي ردة الفعل تأتيه على هيئة ضربة قوية في رأسه من حقيبتها كادت تؤذيه بسبب عمل الطبيب الذي صرخ عليها لكنها لم تهتم وهي تنحني برأسها لتصبح أمام خاصته :
” المجانين دول اللي بتقول عليهم اعقل منك، على الأقل هما مرضى ومعترفين بكده، الدور والباقي على المتخلف اللي فيه كل امراض الدنيا، وماشي يقول أنا زي الفل ”
ابتسم لها سعيد وقال :
” ما أنا زي الفل فعلا ”
همست بشر أمام وجهه وهي ترى إصرار في عينه على ما تنكره هي وترفضه :
” ده خيالك المريض اللي مصورلك كده يا سعيد، اياك ثم اياك تفكر أن حركاتك دي هتخليني انسى اللي أنت فيه، ولا هتخليني اتجاهل حالتك، مفيش انسانة سوية ممكن تعمل كده ومفيش ست عاقلة ممكن عشان الكام حركة دول تسيب كل أمراضك وتوافق تعيش في جحيمك، الست محتاجة شخص سوي حنون متفهم، مش واحد رافض يبص لنفسه في المرايا ويعرف ايه اللي ناقصه ”
صمتت ثم قالت بحسرة وكأنها تدور في دائرة :
” عارف دي المرة الكام اللي اقول فيها نفس الكلام؟! لكن أنت مش عايز تقتنع ”
أعطاها سعيد بسمة مخيفة وهو يهمس :
” خلصتي ؟؟ كل اللي قولتيه ده بلح ”
وكان عنادها اقوى من خاصته وهي تهتف :
” هنشوف يا سعيد، هنشوف ”
وبهذه الكلمات أنهت ذلك اللقاء العاصف كما جميع لقائتهم، سعيد الذي يصر باستماتة على الحصول على زهرته، وتلك الزهرة التي تحيط نفسها بالاشواك رافضة أن تخضع لبستاني مريض كل همه أن يقطفها دون أن يهيأ لها بيئة مناسبة للنمو فيها، وما بين عناد وإصرار يصارع الحب للظهور …
_____________________
يقود السيارة عائدًا للمنزل بعدما انتهى من أمر أخذ شهادتها، وتسبيح جواره صامتة منذ أُجبرت على تذكر كل ما حدث معها أثناء الحديث عنه، ابتلع ريقه يحاول أن يخرجها من شرودها ذلك وقال :
” تحبي اخدك تأكلي في أي حتة ؟؟”
هزت رأسها بلا وهي تشرد أكثر وأكثر ورائد يعجز عن جرها من تلك المنطقة، هو يقدر كل ذلك، يقدر كم يؤلمها تذكر كل ما مرت به، لكنه يتألم أكثر كلما ابصرها تطالع الجميع حولها بتلك النظرات كيتيمة لا تجد لها ملجأ .
تنحنح بغية لفت انتباهها ثم قال بجدية :
” صحيح مسألتيش يعني على الفرح والعروسة وهي عاملة ازاي وايه اللي هيحصل بعدين ولا اي حاجة، ولا كأنك مش قلقانة على مستقبلي ”
نظرت له تسبيح دون فهم، لكنها رغم ذلك سألته ما يريد، ليس لأنه يريد بقدر ما هي تريد أن ترضي فضولها :
” اه أنا …أنا كنت هسألك بس نسيت معلش، هي العروسة عاملة ازاي ؟؟”
انحرف رائد بالسيارة يجيب مبتسمًا دون أن يبعد عينه عن الطريق :
” كنت عارف أنك هتسألي السؤال ده، اكيد فضولك مريحكيش ”
” أنت اللي قولتلي ا..”
لكن رائد قاطع جملتها وهو يقول بتنهيدة عالية :
” ويا ستي عشان فضولك فأنا هجاوبك، العروسة عاملة ازاي ؟! والله انا زيي زيك معرفش ”
حدقت فيه تسبيح ببلاهة ثم سألته السؤال الثاني الذي يريد منها سؤاله :
” طب ايه اللي هيحصل بعدين ؟!”
تنفس رائد بصوت مرتفع يرسم بسمة واسعة وهو يجيبها :
” اه بالنسبة للي هيحصل بعدين فهو يا ستي …أنا زيي زيك معرفش ”
” هو أنت متجوز غصب عنك ”
أجابها رائد دون تفكير وهو ينظر لها للمرة الأولى منذ وجهت له الحديث وبملامح مذهولة :
” ايه ده عرفتي ازاي ؟!”
” لا بس اصلك …ايه ده أنت متجوز غصب بجد ؟!”
نظر لها رائد ثواني، يحرك عينيه في المكان حوله ثم همس يشعر أنه اسقط نفسه مجددًا في فخ لسانه الذي لا يعلم كيف يتحدث أمام تلك المرأة كطفل غبي يتعلم ابجديات الحديث :
” هو أنا المفروض مكنتش اقول كده ؟؟”
لكن تسبيح لم تهتم لذلك وهي تقول :
” أنت بجد متعرفش العروسة ؟؟ متجوز تخليص حق ولا ايه ؟!”
صمت رائد ثواني، ثم هز رأسه بإيجاب :
” بالضبط ابويا بيخلص فيا حق ”
وتسبيح تبتسم بسمة غبية أسفل نقابها لكنه لمح بوادرها في عيونها ليمسك بها متلبسة:
” أنتِ بتضحكي عليا صح ؟؟ ”
” معلش بس اصل الموضوع غريب اساسا، يعني أنت مشوفتش العروسة خالص ؟؟ ازاي ده على الأقل فيه رؤية شرعية ”
” أيوة ما أنا شوفتها وقعدت معاها قبل كده ”
ابتلعت ريقها كما لو كانت تبتلع اشواكًا :
” طب …طب ما ده حلو اهو ”
” اكمل رائد جملته العالقة ببسمة واسعة سخيفة :
” لما كان عندي ٨ سنة وهي عندها ٤ سنين، كانت قمر بالجذمة اللي بتزمر كل ما تمشي بتهزر قلبي بالزمامير بتاعة الجذمة بتاعتها، كان صوتها مزعج اوي الصراحة ”
اتسع فم تسبيح أسفل نقابها، لا تفهم ما يقصد رائد :
” مش فاهمة ”
” مش فاهمة ايه ؟؟ بقولك ابويا عايز يجوزني واحدة مشوفتهاش من وقت ما كانت اربع سنين، غير من ساعتين قبل ما اجيلك لقيتها نطت في وشي عند القسم اللي بشتغل فيه عطتني كلمتين في جنابي وسمت بدني ومشيت ”
حسنًا هذا كثير عليها، وصلت تسبيح لمستوى عالي في قوة تحملها، أطلقت ضحكات حاولت كبتها بكف يدها وهي ترى ملامحه العابسة وكأنه يشكوها أن فتاة وبخته ..
ورائد ينظر لها برضى تام أن نست حزنها :
” أيوة اضحكي ما أنتِ مشوفتيش لما انفجرت في وشي ومشيت واتصلت بيكِ قومتي كملتي عليا وأنتِ بتوصفي قد ايه انا شخص قليل الادب ومش محترم”
علت نظرة ذنب أعين تسبيح، لكنها لم تستطع أن تمنع موجة الضحك التي هاجمتها وتداركتها بصعوبة شديدة تحاول ألا تُخرج لها صوتًا في الحديث أمامه، تتجنب كل ذلك بهدوء، ثم أردفت بنبرة مختنقة بضحكات مكبوتة تود لو تعطيهم إشارة الإفراج :
” أنا آسفة مكانش قصدي والله اقولك كده انا بس كنت مش في وعيي، آسفة والله ”
أصدر رائد صوتًا ساخرًا من حنجرته يحاول تلمس اي نبرة ندم في صوتها، لكن كل ما ظهر له هي ضحكات مكبوتة :
” يا شيخة من غير حلفان واضح الندم عليكِ ”
ابتلعت تسبيح ريقها تحاول أن تدعي الهدوء والرزانة :
” لا بجد والله انا بعتذر منك، أنا فعلا مش قصدي اني اهينك زي ما قولت والله ده خرج من دون وعي بسبب حالتي وقتها، أنا آسفة ”
ابتسم رائد يتجاوز عن كل ذلك، هو يعلم جيدًا أنها لم تقصد، لذلك قال بجدية كبيرة :
” متقلقيش أنا مزعلتش ومتفهم حالتك كويس اوي، بس ممكن يعني تعملي حاجة بسيطة عشاني وانا هنسى كل اللي سمعته عادي ”
صمت يراها قد هدأت وهي تنظر له قبل أن يقول بجدية :
” متقلقيش دي حاجة بسيطة كده مش هتكلفك اي حاجة”
انتبهت له بكل حواسها تدعوه أن يخرج ما يريد وقد كان، إذ تحدث رائد ببسمة وجدية وهو ينظر لها :
” اتجوزيني …..”
_______________________________
ارتطم باب المنزل بقوة في الجدار وصالح يتحرك كالرصاصة في البهو ووجهته محددة، وقبل أن يطأ بقدمه غرفته امسكه محمود :
” أنت يا بني اهبل ؟؟ هو يا تعيش دور البارد يا تبقى زي الطور الهايج كده ؟! مش تصبر نفهم ؟؟”
نظر له صالح يدعي عدم الفهم وهو يسحب يديه ويتحرك صوب الغرفة الخاصة به :
” أنا مش فاهم أنت بتتكلم عن ايه والله ؟!”
دخل خلفه محمود يتشدق بسخرية يراه يفرغ الخزانة بأحد الحقائب :
” والله ؟؟ مش فاهم بتكلم على ايه ؟؟ حضرتك تقدر تفهمني ازاي هتروح تطب على الناس ؟! وبأي صفة ؟! وأنت مالك اساسا تتجوز ولا تخلف !!”
قال صالح بهدوء وهو يضع الثياب في الحقيبة ومحمود يستند على باب الغرفة ببرود شديد يراقبه والسخرية تعلو وجهه :
” ومين قالك اني رايح عشانها اساسا؟؟ أنا مالي بيها ؟؟”
” بجد ؟! طب وشنطتك دي عشان ايه يا استاذ ؟؟”
نظر صالح للحقيبة قبل أن يتشدق بجدية :
” لا أنا بس رايح اصيف يومين في اسكندرية ”
” تصيف في الشتاء ؟؟”
ابتسم صالح وهو يرمقه ببرود :
” اه صحيح، خلاص هشتي ”
مسح محمود وجهه وهو يتحرك ليقف أمامه يمنعه من ذلك الجنون الذي تلبسه بعد سماعه تلك المكالمة، يعلم أن صالح لم يقع بالفعل في الحب بهذه السرعة، هو فقط يشعر أنه يفقد شخصًا عزيزًا وهذا يتسبب في جنونه، صالح الذي يحب أن يستأثر بحب من حوله ..
” صالح بالله عليك لتبطل الهبل وتسيب شنطتك دي على جنب وتكلمني زي الناس، دلوقتي أنت بتحب البنت دي ؟؟”
بلل صالح شفتيه يفكر في حديثه، لا هو لم يسقط صريعًا لحبها في اسابيع قليلة، هو ليس من داعمي فكرة الحب من النظرة الأولى، ليس من ذلك النوع _ كأخيه_ يحدد ما يريد دون أي تردد، هو فقط يشعر بشعور سيء حينما سمع أن هناك من تقدم لخطبتها، لا يحب ذلك الشعور المزعج بالاختناق داخله .
ابتلع ريقه وقال :
” مش عارف، بس تقريبا لا ”
صرخ محمود بعدم تصديق وهو يبتسم باستهزاء :
” هو ايه اللي مش عارف ؟؟ يابني أنت اهبل ؟! يا اما بتحبها وتروح دلوقتي تلحقها قبل ما تطير من ايدك، أو مش بتحبها وتسيبها في حالها لواحد غيرك يقدرها ”
صاح صالح في المقابل بحنق وغضب مماثل :
” أنت بتزعق ليه ؟؟ بقولك معرفش أنا مش فاهم حاجة، بعدين أنا مليش دعوة بيها، أنا قولتلك عايز اقضي يومين في اسكندرية عادي ”
امسكه محمود من تلابيب ثيابه يهتف بجدية :
” اسمع يا صالح، أنت تترزع هنا من غير ما تعمل أي حركة هبلة تخلي وجودك معاها مستحيل، أهلها عمرهم ما هيسلموا بنتهم لواحد متخلف رايح ليهم يمنع جوازة وهو حتى مش متأكد هل بيحب بنتهم أو لا، ياض أنت البنات بيسموا النوع بتاعك ده توكسيك، يا توكسيك ”
ابعد صالح يد محمود بصدمة واستنكار شديد :
” أنا مش توكسيك ”
” لا توكسيك ومهزق ودبشة، يا اخي والله ما لاقي ليك حسنة تخلي البنت تقبل بيك غير أنك دكتور ”
التوى ثغر صالح بعدم رضى لما يسمع ولم يكد يتحدث حتى وجد محمود يدفعه بغيظ وهو يتحرك خارج الغرفة :
” خليك هنا هروح اجيب كوباية مايه نشفت ريقي، واياك، سامع اياك تتحرك أو تعمل حاجة غبية ”
وبمجرد خروج محمود سارع صالح لإكمال ما كان يفعل وهو يدس برأسه داخل الخزانة وفي عقله الآلاف الأفكار دون أن يعلم على أي شاطئ قد ترسو سفينة افكاره .
في تلك اللحظة عاد محمود للغرفة وقبل أن ينطق كلمة واحدة اتسعت عيونه بصدمة يرى صالح منهمك في ترتيب ثيابه وخلف ظهره يقف ذلك الرجل الذي سبق وضربه في المكتب بعدما آفاق، ربما بسبب صراخهما ..
عاد محمود للخلف يتبع نفسه خطته القديمة دون اهتمام بشيء، امسك اول شيء قابله وقد كانت مزهرية من الفخار على إحدى الطاولات الجانبية في المنزل وتحرك ببطء شديد صوب ظهر ذلك الرجل الذي كان يمسك بين يديه مفرش السرير يلفه على مرفقه وعيونه مثبتة على صالح .
رفع محمود يده عاليًا وبقوة وقبل أن ينفذ ما يطمح له، استدار ذلك الرجل له بشكل مخيف جعل محمود يطلق صرخة مرتفعة يدرك أن الخطة لن تسير عليه مرتين ..
نظر الرجل بشر لمحمود الذي مد يده بالمزهرية وهو يقول بتردد :
” أنا آسف والله، استنى هفهمك أنا بس …أنا …اتفضل دي أنا جبتها ليك انزل بيها على دماغ صالح ”
استدار صالح على صرخة محمود وقبل أن يستفسر عن سبب الصرخة تلك انتبه لذلك الرجل، فتح فمه بصدمة وقبل أن تصدر منه حركة واحدة وجد الرجل ينقض على محمود الذي سارع لرفع المزهرية مرة أخرى، لكنه لم يحصل على فرصته لإنزال يده حتى، بل إن ذلك الرجل رفع المفرش بسرعة مخيفة ولفه على رقبة محمود بقوة حتى كاد يخرج روحه وصوته كان كالفحيح ينظر لصالح الذي سقط قلبه رعبًا على محمود يتحسس مديته ( مطوته)، ثم أخرجها بقوة يرفعها عاليًا ليهجم عليه وينقذ صديقه، لولا أن توقف كل شيء فجأة على صوت مدوي صدر مبددًا سكون الليل .
ومن ثم صدر صوت اصطدام أحد الأجساد بالأرض في قوة مخيفة وجميع الأعين اتسعت بقوة وصالح يهمس :
” ازاي ؟؟؟”

يتبع..

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية ما بين الألف وكوز الذرة)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *