روايات

رواية ترويض الشرس (أحفاد الجارحي 5) الفصل الثاني والعشرون 22 بقلم آية محمد

رواية ترويض الشرس (أحفاد الجارحي 5) الفصل الثاني والعشرون 22 بقلم آية محمد

رواية ترويض الشرس (أحفاد الجارحي 5) البارت الثاني والعشرون

رواية ترويض الشرس (أحفاد الجارحي 5) الجزء الثاني والعشرون

رواية ترويض الشرس (أحفاد الجارحي 5) الحلقة الثانية والعشرون

أسند رأسها بين يده، وهو يراقب انغلاق جفن عينيها ببطءٍ، ولسانها يردد دون توقف:
_متمشيش … عدي!
تثاقلت رأسها على ذراعه، فاحنى يده أسفل ساقيها، وحملها اليه، عاد بها للداخل، فشمل المنزل بنظرةٍ خاطفة، خشى الصعود للأعلى فيجرح خصوصية الفتيات خاصة بعدم معرفته بأي الغرف تنتمي، لذا فضل البقاء بالأسفل، فولج لاحد الغرف الجانبية المخصصة لاستقبال الضيوف، كانت تشمل عددًا من الأرائك المريحة، فاختيار ياسين للمنزل كان غريبًا للغاية، المنزل كان بسيطًا لا يتسم بمظاهر الثراء، تحيط به الحقول من جميع الاتجاهات، وبعيدًا عن المارة، اختياره كان الامثل ليحفظ سلامتهم وربما هذا ما زرع الشك بداخل عدي، لذا اتخذ قرارًا متهورًا هكذا، أبعد عدي الوسادات الصغيرة، ووضعها بحرصٍ عليها، ثم عاد لسيارته مجددًا، فبحث بالدرج المجوف لها عن حقيبته السوداء الصغيرة، فتحها وعبث بما تحتويه من مشط صغير وغيرها من ادوات خاصة به، فجذب زجاجة عطره الصغيرة، ثم عاد اليها مجددًا، اسندها عدي اليه ثم قرب يده الممتلئة بالبرفيوم اليها، تسلل اليها دفءٍ اجتاز مغارتها، كانت تركض وهي تسعى لايجاد طريق للخروج من تلك المتاهة، حتى اهتدت به وإليه، تمسكت بذاك الطيف بكل ما اتت به من قوةٍ، حتى أخرج بها مما خاضته، ففتحت جفنيها الثقيل لتقاوم نوبة نومها بوقتها الغريب هذا، وجدته يضمها اليه، فاستدارت لتقابله وهي تردد بتوترٍ:
_عدي.
منحها نظرة نجح باخفاء حزنه فيها، فرددت بصوتها الشاحب:
_أنا أسفة.. معرفش أنا قولت كده إزاي!
ملامحه الصامته لم توحي لها بالكثير، ومع ذلك حاولت ان تعلم ما الذي يضمره لها، اعتدلت بجلستها حتى باتت قبالته، تتمعن به وتترقب أي رد فعل قد يصدؤ عنه، تحرر لسانه الثقيل حينما تساءل بألمٍ:
_إنتي شايفاني كده يا رحمة!
عاد الخوف يتدفق اليها من جديدٍ، فازداد ألمه ضعفين وهو يراها تشير له بالنفي، قرب يده منها ثم ضمها اليه، احاطها بذراعيه فاخرجت ما بداخلها من بكاءٍ حرق قلبه قبل أن تصل دمعاتها لقميصه الأسود، فرددت بصعوبة:
_أنت اللي بتحسس اللي حواليك بشخصية مش شبهك.. محدش قادر يكون فكرته عن شخصيتك بسبب تصرفاتك!
تدفقت دمعاتها الصامتة وقلبها يعاكس ذاك السكون، يصرخ داخلها علها تفيض بالمزيد، إن تراجعت الآن ستخسر ما خاضته من البدايةٍ، فقالت بترددٍ:
_انا مش عايزاك تكون غامض ومش مفهوم يا عدي، عايزة اقدر افهمك وأفهم ايه اللي ممكن تعمله واللي يخليني اقف وأقول انك متعملش كده بكل ثقة، لو فكرت في كلامي هتلاقي ان اللي حواليك دايمًا بيفهموك غلط لانك مش قادر تبني ليهم انطباع خاص عنك.
فتح أزرر قميصه حينما شعر بالاختناقٍ يهاجمه، فتابعت قائلة:
_أنا يتيمة وماليش حد، بعتبرك الورث الوحيد ليا في الدنيا دي، انت وعيلتك، ربنا رزقني بأب عظيم عوضني عن حرمان الاب اللي فقدته وانا عندي ١٨سنة، صدقني انا لو ابويا موجود لحد النهاردة مش هيعمل اللي عمي ياسين بيعمله معايا..
وانهارت بالبكاء وهي تسترسل:
_هو الوحيد اللي فهم الحالة اللي انا فيها، اخدني لدكتورة نفسية قعدت معايا وبعد كده طلبت انها تكون معاه لوحدهم، معرفش قالتله ايه بس اللي واثقة منه ان وجودي هنا وشغلي في المقر هما جزء من علاجي!!
رفعت جفنها لتتطلع اليه، وعاتبته بحزنٍ:
_اللي انت عايز تعرفه مش هقدر اقولهولك لأنه ائتمني عليه، مقدرش أخون الامانة دي وبالذات بعد ما وصفتلك اللي بحسه نحيته!!
احاط خدها الأيمن بلمسة يده الحنونة، وقربها اليه ثم قال بصوتٍ عذب طبطب على خوفها وحالتها الغير مستقرة:
_مش عايز أعرف حاجة… كل اللي عايزك تعرفيه ان مفيش في الدنيا شيء يهمني غيرك انتي.
واستكمل بدمعة لمعت بعسلية عيناه:
_لو انا مكنتش الزوج المثالي ليكي بعد كل الوعود اللي ادتهلك فالغلط من عندي انا.
بسمة صغيرة احاطتها، وباستنكارٍ تساءلت:
_تفتكر انا وصلت للدرجة المجنونة دي في حبك ليه! اكيد لانك أعظم راجل أنا حبيته، كفايا انك ابن ياسين الجارحي!
اتسعت حدقتيه على وسعهما، فردد وهو يتمادى بالضحك:
_بصراحة انا شايفه سبب مقنع!!
كزت على لسانها بأسنانها، وحينما وجدته يضحك شاركته الضحك، ضمها عدي اليه ثم جذب احد الاغطية الموضوعة جانبًا، فاحاطها به جيدًا، اتكأت برأسها على صدره حتى غفت تمامًا، بينما ظل هو مستيقظًا، تسجيلاته تمر ببطءٍ، فتريه ملخص سريع لعلاقته بعائلته، ما أخبرته به كان صائبًا للغاية، ربما لذلك يبذل أباه كل ذلك المجهود المفرط ليبدل عقيدته، وربما ما حدث بينه وبين رائد ومعتز كان لذلك، انغمس برحلة لم تكن هينة قط، حتى تسلل ضوء الشمس النافذ من الشرفة فغمرتها بضوئها، وبحذرٍ شديد نهض عدي عنها، ثم اعاد طرح الغطاء الخفيف عليها، ومن ثم منحها نظرة أخيرة قبل ان يجذب مفاتيح السيارة ويغادر سريعًا خشية من أن تهبط الفتيات للأسفل دون علمهن بوجوده بالأسفل، عل أحداهن لم تكن ترتدي ثيابًا مناسبة.
******
صف عدي سيارته بالأسفل، ثم اتجه لجناحه الخاص، فما أن ولج للداخل حتى وجد عمر يغفو على المقعد الجانبي للصالون الخاص به، عقد حاجبه بدهشةٍ، فهزه وهو يناديه بذهولٍ:
_عمر!
فتح عينيه بانزعاجٍ، فانتصب بوقفته بعيدًا عن المقعد، وهو يردد بنومٍ:
_رجعت أخيرًا.. أنا بستناك من بدري.
جلس على الاريكة المقابلة له وهو يتساءل باستغراب:
_مستنيني أنا ليه؟
احتل مقعده من جديدٍ، ثم قال بتريثٍ والضيق يضجر معالمه:
_كنت عايز أعرف عملت أيه مع بابا وليه اتاخرت لحد دلوقتي.
منحه نظرة ساخرة قبل أن يخبره:
_هو ياسين الجارحي بيتعمل معاه حاجة يا عمر!
ترنحت منه ضحكة كانت مسموعة لمن تبدل نظراته للصرامة، فأشار له الاخير بحزمٍ:
_الحمد لله ان المعلومة دي أخيرًا وصلتلك.
ونهض عن مقعده وهو يخبره بابتسامةٍ واسعة:
_كده أنا اتطمنت عليك أروح أنام بقى.
راقبه بأعينٍ متسعة، لا تصدق البرود الذي أحاطه فجأة، فرفع ساعته يتفحص الوقت، فوجدها السادسة صباحًا، جذب عدي حاسوبه الخاص ثم عاد ليستكمل عمله على ملفه الخاص، عله يحصل على الخلاص من العمل بالمقر مثلما قال أبيه!
*******
بالوكر الخاص بالأفعى الخبيثة.
زرع طلب عدي برؤيته لمهاب خوفًا وقلقًا عظيمًا، فنفث دخان سيجاره بشراسةٍ وهو يستمع لحديث فؤاد بعنايةٍ، انهاه حينما أشار له بانفعالٍ:
_لا معتقدش انه عايز يتفاوض معايا زي ما قال، عدي الجارحي مش سهل ولا ضعيف انه يستسلم بالسهولة دي، أكيد وراه شيء أكبر من كده الا لو كان كشفني وعرف انا مين!!!
ارتعب من يستمع اليه، وتلقائيًا تساءل:
_طب والحل يا باشا.. هندور على طريقة نخلص منه تاني.
نفى اقتراحه بتشددٍ:
_لا طبعًا مستحيل اخلص منه بالبساطة دي… كل اللي بفكر فيه اكسب المناقصة دي ووقتها هتنفذ اللي انا قولتلك عليه.
واسترسل بوجومٍ:
_ولحد ما ده يحصل لازم نتلاشى أي غلطة ممكن يمسكها علينا هو أو أبوه لحد ما أفوقلهم!
*******
ملأت رانيا وشروق الطاولة المستديرة بالطعام والشاي الساخن، فجلست الفتيات يتناولن طعام الافطار قبل الاستعداد للذهاب للمقر، لاحظت نور ملامح رحمة الباهتة، فحاولت مرارًا معرفة ما أصابها، وكل ما تخبره به بأنها على ما يرام فقط لم تحظو بالنوم المثالي، وحينما فرغن من تناول الطعام تحركن للمقر على الفور..
*******
استعد الشباب للذهاب للمقر، وتبقى عدي بغرفته يعمل على حاسوبه بانجذاب، جعله يتناسى ساعته المحددة، وحينما انتهى اغلق الحاسوب واسترخي بجلسته وهو يفرد ظهره بوجعٍ، فرفع ساعده ليتفاجئ بتأخره الملحوظ، ولج سريعًا لحمام غرفته، فابدل ثيابه ليستعد للهبوط، كان بطريقه لسيارته حينما لمح عمر يسرع من خلفه، فتساءل بدهشةٍ:
_أنت لسه هنا ليه!
رفع احد حاجبيه بسخطٍ:
_وأنت يعني رايح أول الناس! ثم اني مش رايح دلوقتي في مشوار مهم كده هقضيه على السريع.
تجعد جبين عدي وتساءل باستفهامٍ:
_ليه رايح فين؟
ارتدى نظارته السوداء بعنجهيةٍ وهو يشير له بتعالي:
_لما أجي هتعرف… عن إذنك.
وتركه مشدوهًا وغادر، فاستقل عدى سيارته وتحرك للمقر.
********
بالمقر..
اجتمع الشباب بالطابق العلوي المخصص للفتيات، وما أن وصلت الفتيات حتى ردد جاسم بسخرية:
_العصابة وصلت.
اتجهت نظرات الجميع لهن، فنشبت حرب شرسة بين كلا الطرفين، وخاصة حينما قال معتز بسخطٍ:
_المرة الجاية مش هتبقى خناقة بالمقشات واللذي منه، هتبقى حرب أسلحة!
تعالت الضحكات بينهم، فاضاف حازم:
_ولسه في مواهب متدكنة تقريبًا ياسين الجارحي اللي بيساعدهم على خروجها.
اتجهت كل فتاة لمكتبها بصمتٍ تام، مما دفعهم للتمادي، فقال رائد باستهزاءٍ:
_الهدوء القاتل ده مش لايق عليكم… شكلكم بتخططوا لكارثة جديدة مش مستريح بصراحة!
خرجت نور عن طور هدوئها:
_هو في أيه يا أستاذ منك له، أنتوا فاكرين سكوتنا ده ضعف لا ثواني كده.
ورفعت سماعة الهاتف ثم استدارت تجاه ياسين الجالس جوار أحمد يراقبان ما يحدث بصمتٍ تام، وتساءلت:
_رقم ياسين الجارحي كام يا ياسين، خليه يجي يشوف اللي بيحصل هنا بنفسه.
اسرع حازم تجاهها، فأغلق سماعة الهاتف وهو يردد بخوفٍ:
_الطيب أحسن يام عدي.
لاح على وجهها بسمة عريضة، وبغرورٍ قالت:
_أيوه كده اتعدلوا.. احنا مش لوحدنا على فكرة.. صح يا بنات؟
اجابوا معًا:
_صح.
اتجهت نظرة كل شاب لزوجته، فحملت توعد ووعيد، فأصبهن وابل من الفزع لما هو قادم، نهض أحمد عن مكتبه ثم قال بضجرٍ:
_لو خلصتم المهزلة دي كل واحد يروح يشوف شغله.. احنا مش فاضين للعب العيال ده!
فور انتهاء جملته غادر الشباب الطابق بأكمله، واستعد أحمد وياسين لاعادة طرح ما يفيدهن بالعمل المبدئي قبب الاستعداد للعرض، استغلت آسيل انشغال ياسين مع داليا وانسحبت تجاه أحمد، وضعت الملف من امامه ثم قالت بصوتٍ منخفض:
_احمد عشان خاطري ساعدني أطلع عيب واحد.. شكلي هيبقى أيه قدام ياسين أنا طول النهار براجع فيه ودماغي حرفيًا قفلت.
ضحك حتى ظهرت غمزات وجهه، وقال مستنكرًا:
_سبق وقوللك مش هتلاقي.. أنتي اللي صممتي تاخدي ملفي!
ذمت شفتيها بضيقٍ اتبع تعصب نبرتها:
_يعني أيه هتتخلى عني!.
ضحك وهو يخبرها:
_عمرك شوفتي شخص بيقدر يطلع عيوب في شغله.. لو حابة استعيني بمساعدة اخوكي يمكن يفيدك!
وجدتها فكرة ليست سيئة، فاخرجت هاتفها ثم التقطت صور للملف بأكمله، وارسلتها لجاسم، فتفاجئت به يجيبها
«خلي الليدر بتاعتكم تساعدك 🙂»
أرسلت اليه
«هتتخلى عن أختك الوحيدة يا جاسم 😔»
رد عليها
«وعن أبويا نفسه لو اتحالف مع نور يا حياتي 😉»
القت هاتفها بغضبٍ أصبح بدرجة خطيرة فور رؤيتها ابتسامة شماتة تتسع على شفتيه، كزت على أسنانه بغيظٍ، فالتقت الملف وأسرعت تجاه مكتب ياسين وهي تناديه بحنقٍ:
_يــاسيـــــــن.
رفع رأسه مسرعًا اليها، فالقت الملف من أمامه وهي تخرج ما قد يجعلها بالأمس مترددة من قوله الآن:
_معرفتش أطلع عيوب في الملف ومش مضطرة اتزلل لحد يساعدني!
سألها بملامح جادة:
_هل أنا رفضت مساعدتك؟
أشارت له بالنفي، فقال باستهزاءٍ:
_يبقى براحة طيب اتخضيت من الداخلة!
جذبت أحد المقاعد ثم جلست على بعدٍ منه تستمع ما يخبرها به للايقاع بأي عرضًا يقدم لها حتى وإن كان احترافي مثل زوجها، ومن ثم منحها ملفًا أخر، لتطبق درس اليوم مثل الفتيات، ولم يتبقى إليه سوى رحمة، لاحظ ياسين ارتباكها أمامه، واجتهادها للحديث، فقالت بحرجٍ:
_أنا ماليش عين حتى أعتذرلك يا ياسين، حاولت والله بس مقدرتش.
ابتسم وهو يردد بمرحٍ:
_انتي شكلك ناوية على طردي من المقر يا رحمة، ياسين الجارحي مش هيعجبه الحال ده.
واسترسل بهمسٍ ساخر:
_أنتي بالذات عليكي توصية زيادة!
رسمت بسمة باهتة، وحانت منها التفاته جانبية تراقب من حولها انشغال الفتيات بالعمل، وعادت تتطلع اليه وهى تجاهد لاخبره ما تود، فقالت بتوتر:
_ياسين أنا كنت عايزة أسالك عن حاجه وأتمنى انك تساعدني.
اعتدل بجلسته وهو يجيبها باهتمامٍ:
_لو أقدر مش هتأخر أكيد!
كان عليها فهم اللغز الغامض الذي فشلت بفهم مغزاه، فقالت بارتباكٍ جعل حديثها غير مرتب:
_امبارح عمي كان زعلان من عدي جدًا، وكانوا بيتكلموا عن تفاوض عمله عدي وده اللي خلى عمي متعصب.. أنا مش فاهمه يعني أيه تفاوض وهيتفاوض مع مين وليه!
استمع اليها بحرصٍ، وقد بدأت الخيوط تتصل ببعضها حتى تكونت فكرته الكاملة عما حدث بالتحديد، فقال برزانةٍ:
_بصي يا رحمة، التفاوض ده بيتم بين رجال الأعمال، بيكون بمبدأ تنازل وتعويض بمعنى لما تكون في مناقصة هتفيد حد من الطرفين أكتر من الطرف التاني بيطلب منه ينسحب منها مقابل شيء بيتفقوا عليه، في رجال أعمال ممكن تنسحب من المناقصة مقابل مبلغ محترم وفي اللي بينسحب وعنده اليقين بالرد والتعويض في مناقصة تانية تجبر اللي انسحب عشان ينسحب هو كمان.
واسترسل موضحًا اهم نقاط هذا العرض الغير محبب:
_بس المبدأ نفسه مرفوض عند كبار رجال الأعمال وبالأخص شركاتنا لانها تعتبر في عيون الخصم ضعف وعدم ثقة انك قادر تواجهه!
رددت بعدم استيعاب:
_طب ليه عدي يعمل كده مع مهاب ده، ليه يطلب منه ينسحب ويعرض مكانة المقر لشيء زي ده!
أجابها بملامح بدت أكثر حزنًا:
_أنا فاهم عدي كويس، عدي مطالبش يشوف مهاب عشان يتفاوض معاها، عدي شاكك انه ورا الحادثة اللي حصلتله واختفائه الغريب مأكدله ده، واللي ميعرفوش ان عمي فاهم دماغه ومش عايزه يوصل للنقطة دي… من الأخر اللي حسيته من طريقة عمي انه مش عايز يخلي عدي يكون عداوة ليها في المجال ده.
كانت تعلم السبب الحقيقي وراء ما يفعله ياسين الجارحي، لذا لجئت للصمت والشرود فيما هو قادم!!
*******
بالمكتب الرئيسي لمقر شركات الجارحي.
كان يجلس ياسين على مقعده باسترخاءٍ، حينما استمع لطرقات باب مكتبه، فسمح للطارق بالدخول، فتح الباب وولج للداخل بخطوتٍ متهدجة ربما أقرب للثقة بقراره تلك المرة، جذب المقعد المقابل لابيه ثم وضع من امامه الحاسوب، عقد حاجبيه وهو يتابعه بريبةٍ، يحاول دراسة تعابيره ليستكشف ماذا هناك؟
فتح عدي الحاسوب، ثم قربه من أبيه وأشار له بهدوءٍ غريب:
_كنت حابب أخد رأي حضرتك في العرض اللي حضرته.
رمش بعينيه وإن كانت حركة جسده ثابتة، فسحب عينيه لشاشة الحاسوب، ليتتقل من صفحة للاخرى وملامحه يكسوها الانبهار، تابعه عدي ببعض القلق، وخاصة حينما انتقل بعينيه اليه، وبثباتٍ قال:
_اعتبر إن أول صفقة هتكون لينا بالعرض ده.
ابتسامة صافية رسمت على وجهه، فمنحه ياسين بسمة هادئة، ومن ثم أغلق الحاسوب وهو يخبره بغموضٍ:
_العرض كفيل يهزم مهاب وعشرة زيه، فياريت متلجئش للمقايضة دي تاني.
كاد بأن يجيبه فقاطعه بحزم لينهي ما خلق داخله:
_مش مهاب اللي ورا اللي حصل معاك يا عدي… شيل الاوهام دي من دماغك وركز للي جاي.
هز رأسه بتقبل تام لما قال، وردد بحيرة:
_حسيت ان الموضوع مش طبيعي.
وحينما وجد نظراته تحتد رويدًا رويدًا، قال:
_أنا مش حابب أشغل دماغي بيه.
وعبث باصابعه باللافتة الصغيرة التي تحمل اسم اباه بشرودٍ، انهاه حينما قال بترددٍ:
_أنا ممكن أعرف الدكتور اللي رحمة راحتله شخص حالتها بأيه؟
لم يكن مندهشًا لمعرفته بالأمر، بل لزم رزانته وهيبته حتى في اجابته البسيطة:
_مش لازم.. اللي بعمله وهعمله هو الأهم ليها خليك واثق في ده.
منحه ابتسامة صغيرة، ثم نهض يحمل حاسوبه ويتجه للخروج، فتوقف حينما نداه ياسين قائلًا:
_عدي.
التفت اليه وهو يتساءل باستغرابٍ:
_حضرتك بتناديني!
هز رأسه وهو يخبره بابتسامةٍ صغيرة:
_أنا فخور بيك وبالعرض الفريد من نوعه ده.. أثبتلي انك تستحق ادارة المقر من غيري.
ابتسم وهو يمازحه بضيق مصطنع:
_يعني ده معناه أيه لاني ابتديت اقلق، اتفاقنا كان إن العرض لو عجب حضرتك والمناقصة رست علينا هأخد حريتي!
عاد بجسده لمقعده ثم تابع العمل على الاوراق من أمامه وهو يخبره بثباتٍ:
_أنا مبرجعش في كلامي وأنت عارف.
اتسعت ابتسامته وبنبرة ملأها الحب قال:
_عارف.. عن إذن حضرتك.
اكتفى باشارة من يده فما أن خرج وأغلق الباب من خلفه، حتى ترك ياسين الاوراق من يده والابتسامة تتراقص على شفتيه الباسمة!
********
اجتمع الشباب بالمكتب المخصص اليهم بالمساء بعد مغادرة الفتيات وأغلب الموظفين، فتساءل أحمد بقلق:
_فين عمر من الصبح مش باين!
اجابه معتز وهو يلتهم الشطيرة بجوعٍ:
_معرفش مجاش المقر النهاردة.
قال ياسين باستغراب:
_غريبة اول مرة يعملها!
واشار لحازم قائلًا:
_كلمه كده شوفه فين؟
جذب حازم هاتفه ثم طلب عمر فانطلق مسمع صوته اليهم، فتح الباب وولج للداخل وهو يشير اليهم بغرور:
_لسه فاكريني!
سأله رائد باستغراب:
_انت كنت فين من الصبح!
مشط الغرفة بعينيه ثم سأله بحذر:
_عدي هنا.
اجابه احمد:
_لا مشى من زمان… فهمنا بقا في أيه!
هرع للاريكة، فجلس جوار جاسم واحمد، ثم اخرج من جيب بنطاله جهاز صغير، قام بتوصيل اسلاكه لهاتفه، اجتمع الشباب من حوله فتساءل ياسين بدهشة:
_ده ايه؟
وزع نظراته بينهم ثم قال:
_مش عايزين تنتقموا من اللي حصل امبارح.
بات امره غامضًا للجميع، فردد حازم بعدم فهم:
_انتقام ايه متيجي سكة ودغري يا دكتور المسالك انت!
اشار لهم بغرور:
_هفهمكم.
ورفع الازرر، ثم بدأ بتحريك اصابعه على عدد من الازرار، وفجأة انطلق صوت الفتيات من المسجل الصغير بحوزته، واستمعوا لصوت شروق تصرخ وهي تردد:
_الحقووووني يا بنااااات تعالوا..
حرك عمر اللوحة مجددا فتعالت صراخهن، جذبه احمد وهو يشير لما يحمله:
_ده أيه فهمني.
قال وهو يعدل قميصه بكبرياء:
_هما مش عاملين فيها ابطال الحرب القومي، انا روحت وزرعت في البيت كله اجهزة هتخليهم يلفوا حولين نفسهم وشوية وموبيلاتكم مش هتبطل رن وطلب النجدة مع التوسلات هو بس اللي هنسمعه…
واشار لهم على الهاتف وهو يسترسل:
_انا ربطته بموبيلي بس طبعا مش هنقدر نفتح كاميرا فهنسمع اللي هيحصل بس.
صمتوا جميعًا ليستمعوا لما يحدث..
*******
بالمنزل..
جحظت عين رانيا وهي ترى اسدالها ترتديه امرأة تحمل رأسها بين يدها وتهرول من حولها وكأنها تزفها، تخشب جسدها وهي تحاول الصراخ لداليا الغافلة على السرير المقابل لها، وفجأة انطلق صوتها يستنجد:
_داليـــــا
فتحت عينيها فزعًا، فاستقامت بجلستها وهي تردد بحنقٍ:
_نعمين أنا عارفة اني مش هعرف انام منك النهاردة… في أيه؟
برقت بعينيها للحائط عل الاخيرة ترى نا تراه، فصرخت بنفاذ صبر:
_ما تخلصي عايزة أنام.
اتبعت نظراتها تجاه الحائط فانتفضت بجلستها بفزعٍ وخاصة حينما قامت المرآة بركلها برأسها المحمولة بين ذراعيها، ولكن لم يصيبها شيئًا ملموس، لم يكن سوى اشكالا الكترونية لشريط العرض المتحكم به عمر، هرولت الفتيات للاسفل، خرجت نور على صوت صراخهم، فتساءلت بانزعاجٍ:
_خير يا بت منك ليها!
وجدتهن يهبطن جميعًا للاسفل ومن خلفهم يركض الشبح الحامل لرأسه كالكرة بين يده، كاد بالهبوط من خلفهم ولكنه توقف فور رؤيته نور تحمل وساداتها وتتطلع له باعين ترفض تصديق ما تراه، فرفعت اصبعها تشير للدرج وهي تهمس بصوت شبه مسموع:
_نزلوا.. نزلوا من هنا.
هرع الشبح للاسفل، وترك راسه تدور من خلفه فنادته الاخيرة بشحوبٍ:
_كابتن رأسك وقعت!
وحينما تفهمت مجرى الامور سقطت ارضًا وهي تنادي بصراخ:
_رحمــــــــــة الحقيني يا رحمة… اتصلي بالبوليس بسرعة او بالكهنة في شبح خرج من فيلم هندي ومش عارف يرجع!
خرجت رحمة على صراخها، فوجدتها تزحف ارضًا ومن خلفها تزحف رأسًا بكيس قماشي، التقطت اذنيها صراخ من الاسفل، فطلت برأسها من الدربزاين لتجد الجسد بالاسفل يلاحق باقي الفتيات، استجمعت شتات امرها ثم هرعت مرة واحدة لغرفتها فاغلقتها من الداخل وانطلقت تحرر صرخاتها حتى صمت الاذان..
*******
رفع عمر قدميه على حافة المكتب واسند ظهره للخلف، مستندًا بيده على رقبته، وبتعالي قال:
_راقبوا موبيلاتكم وعدوا من ١ لتلاتة.
وقبل أن ينتهي من جملته انطلقت حفلة جماعية من الرنين المتوسل للاجابة وصراخ الفتيات بالنجدة هو المسموع!!
*******
صف سيارته على جانب الطريق، ثم هبط من سيارته واتجه ليقف قبالة النيل، خلع عدي جاكيت بذلته الانيقة ثم جلس أرضًا على الصخور وعينيه شاردة بالمياه القاتمة من أمامه، ربما كان يفضل البقاء بمفرده على الدوم ولكنه الآن يشعر بأن ثمة شيء ينقصه لا يعلمه هو، المكان كان يعج بالمارة من حوله، حتى الباعة بكافة، تسلل لانفه رائحة الذرة المشوي الذي يعشق تناوله وبالأخص حينما يجلس بذلك المكان، وكأنه يحمل مصباح سري ليجد يدًا ممدودة بالذرة، التفت جواره فتفاجئ بمن يجلس جواره، التقط منه الذرة ثم قال ببسمة غامضة:
_عرفت مكاني ازاي!

يتبع..

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية ترويض الشرس (أحفاد الجارحي 5))

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *