روايات

رواية وخنع القلب المتجبر لعمياء الفصل الرابع والعشرون 24 بقلم سارة أسامة

رواية وخنع القلب المتجبر لعمياء الفصل الرابع والعشرون 24 بقلم سارة أسامة

رواية وخنع القلب المتجبر لعمياء البارت الرابع والعشرون

رواية وخنع القلب المتجبر لعمياء الجزء الرابع والعشرون

وخنع القلب المتجبر لعمياء

رواية وخنع القلب المتجبر لعمياء الحلقة الرابعة والعشرون

ارتفع صراخ حاد بأرجاء الغرفة جعل الأجواء تغرق في الصمت، صراخ مرير مُعذّب لم يعد يطيق الصمت والصبر أكثر من هذا…
ولم يكن مصدره سوى حنجرة حُسيّن والد يعقوب الذي اقتحم الغرفة وأخذ برِفقة خلف ظهره وصاح ببأس شديد:-
– كفاية بقاا كــــــفايــــــــة، مش مكفيكِ إللي حصل لإبني .. دا وقت تهديدك وكبريائك ده..
في الحقيقة يا أمي سبب رقدة يعقوب كدا هو إنتِ … إنتِ السبب الرئيسي وإنتِ إللي هدمري يعقوب وهتخليني أخسره للأبد…
رِفقة مرات يعقوب ومش هتبعد عنه شبر واحد، أيوا يا أمي لازم تتخطيني الأول، وأنا هحمي البنت دي بروحي لغاية ما يعقوب يفوق واسلمهاله في إيده…
كفاية بقاا حرام عليكِ .. حتى اعملي حساب لرقدته دي .. يلا يا لبيبة يا بدران اعملي إللي تقدري عليه..
كانت لبيبة تشد على قبضتها وأعينها لم تبرح من فوق يعقوب الهامد فوق الفراش ورأسه المُلتفة بالضمادات البيضاء، تنظر له نظرات ملتحفة بالغموض ثم بهدوء عجيب انصرفت من أمام مدخل الباب…
استدار حسين يذهب حيث يعقوب وفاتن التي ركضت نحوه وهبطت تحتضنه وهي تردد ببكاء:-
– يعقوب ابني حبيبي .. مالك يا ابني … رد عليا يا يعقوب .. حقك عليا يا يعقوب حقك عليا يا نور عيني…
شهقت رِفقة ببكاء وهي تهمس بلوم:-
– أنا السبب … يعقوب بيحصله دا كله بسببي، هي عندها حق … رقدته دي بسببي لو مجاش ورايا كان زمانه بخير..
يمكن هي عندها حق في إن لازم أبعد عنه في مكان ميقدرش يوصلي فيه..
استمعت فاتن لحديثها لتهرع نحوها تحاوط كتفيها بكفيها وتهزها متشدقة برجاء وبكاء:-
– إياكِ يا رِفقة أوعي تبعدي عن يعقوب، والله يموت فيها …. والله ابني ينتهي يا رِفقة…
بيكِ أو من غيرك يعقوب طلع من ثوب لبيبة بدران من زمان…
اتمسكي بيه زي ما هو متمسك بيكِ يا رِفقة، لو بتحبيه خليه يفتح عينه يلاقيكِ..
انصبت الدموع على وجهها حتى شعرت بعينيها تحترقان من شدة الألم وقالت بتقطع بهسترية:-
– أنا خايفه عليه أووي يا ماما … فاتن.. أنا خايف يحصل ليعقوب زي … أنا مرعوبة … كان هيحصله أيه لو الضابط براء مكانش اتصل …كان هيحصل أيه ليعقوب…
جذبتها فاتن لأحضانها تهدهدها وهي تمسح على ظهرها بحنان وقالت وهي تكبح بكاءها:-
– متفكريش بالطريقة دي يا حبيبتي، ربنا كبير يا رِفقة .. مستحيل يسيبكم … ربنا رحيم..
وأنا واثقة إن يعقوب هيبقى كويس ومش هيحصله حاجة …علشان يعيش متهني معاكِ ويفرح بقااا..
كان حُسين في عالم أخر بعيدًا عنهم وهو يجلس بجانب فراش يعقوب بدموع حبيسة وهو يُطالعه بحنان، وضع يده فوق كفه وسنوات الطفولة القصيرة التي قضاها معه تلّف عقله، ويوم ولادته اليوم الذي اشتم به رائحته للمرة الأولى..
هو أول من رأت عينه، وأول فرحته، وبه ابتدت أبوته…
يتذكر كيف تركه بصحبة والدته وهو مؤمنٌ بأنه معها أفضل بكثير من وجوده بصحبتهم؛ وذلك لحبها الشديد له وتعلّق يعقوب بها…
والدته من اقترحت عليه تركه معها وهو الجاني الذي وافق معتقدًا أن الأفضل هذا، فهُم سيسافران لبناء فرع أخر من إمبراطورية بدران وتشييد مجد جديد ووجب عليهم التفرغ…
يتذكر كيف تمسّك يعقوب بأقدامه وترجاه ببكاء وهم يرحلون بأن لا يتركوه أو يبقون بجانبه لكنه قد وعده بأنهم سيأتون مرةً أخرى ويعودون بأقرب وقت، وبأن هنا منزله الذي يحبه وأصدقاءه وعالمه الذي لا يُريد أن يقطعه عنه…
تطوف به أيضًا تلك الذكرى المؤلمة التي أدرك فيها فداحة ما قام به…
حين عودته هو وزوجته متلهفين لرؤية يعقوب الذي تركوه طفلًا وعادوا إليه رجُلًا…
تركوه في ذات المكان وعادوا إلى ذات البقعة لكن لم يجدوه كما تركوه … حتى أنهم لم يجدوه باستقبالهم بعد غياب…
وعندما رأهم لم يكن منه سوى صمت .. جفاء
.. برود ولا مبالاة مصحوبين بجملة ساخرة “الحمد لله على السلامة .. حققتوا أمجادكم؟!”
وعندما صرخ بوجه لائمه على هذا الجفاء فاض يعقوب وانفجر أمامهم يروي لهم بنبرات متحسرة متألمة عن كل ما لاقاه وغفلوا عنه وما اقترفوه بحقه لتبتلعهم حينها أمواج الصدمة وتلقفهم يد الندم … وماذا يُفيد الندم عن اللبن المسكوب!!
همس حُسين بخزي ونبرة تحمل ندم العالم أجمع:-
– حقك عليا يا ابني .. سامحني يا يعقوب..
•••••••••••بقلم/سارة نيل••••••••••••
بالطابق الأخير المرتفع جدًا للمشفى تقف ثابته ملامح وجهها لا تُفسر، بؤبؤ عينها ثابت بنقطة ما في الفراغ الشاسع أمامها…
قبضتيها المزين بخنصرها الأيمن خاتم ألماسي به أحد الأحجار الغريبة الهيكل..
هدوء مُخيف يحاوط الأرجاء إلا من صوت صفير الرياح الكئيب الذي يدور بالوسط…
رفعت هاتفها فوق أذنها برتابة وقالت بنبرة يغشها الويل وهي تصرّ على أسنانها بعصبية:-
– الكلاب إللي هربوا توصل لهم وتجبهم لو من تحت الأرض..
انتهت لبيبة من إملاء أمرها ثم سارت بهدوء حتى دلفت المصعد لتهبط حيث الطابق المتواجد به غرفة يعقوب..
وقفت أمام الغرفة ثم ولجت بهدوء يناقض النيران المتقدة بداخلها.
كانت الغرفة خالية إلا من يعقوب الذي مازال يغرق بنومته الطويلة وممرضة تتفحص المحلول المُعلق بذراعه..
أردفت الممرضة باحترام:-
– الدكتور خرّج الزوار إللي كانوا هنا علشان مش كويس لغاية ما يفوق..
أشارت لبيبة لها بالانصراف فانصاعت الفتاة وخرجت مُغلقة الباب بهدوء تاركة لبيبة أمام يعقوب..
سارت بخطوات رزينة حتى أصبحت بجانب الفراش، جلست بجانبه بهدوء شامخ وظلت تتأمل ملامحه الغافية لتلين ملامحها المشدودة على الفور..
رفعت يدها اليُمنى تسير بها على رأسه بحنان صارخ، انحنت تُقبل رأسه ثم اعتدلت وهي تهمس بينما أنظارها مازلت مُعلقة به:-
– يعقوب ….يا اسم غالي عليا…
يا نقطة ضعف لبيبة في الدنيا دي كلها…
خفت عليك من الهوا الطاير نفسه، خُفت عليك علشان كدا قفلت في وشك كل أبواب العاطفة، كنت عيزاك متتأثرش لو حتى الدنيا اتهد قدامك..
عيزاك متنكسرش ولا تنهزم أبدًا، أنا خوفت تطلع ضعيف فتنجرح..
حتى جرح القلب خوفت عليك منه…
مكونتش عايزه يحصل معاك أي حاجة من إللي حصلت مع لبيبة زمان…
إنت أغلى حاجة في حياة لبيبة ومستعدة أحرق الدنيا دي كلها لو حد مسّ شعره منك…
أنا ربيتك بالطريقة إللي تحميك يا يعقوب بس واضح إن يعقوب كبر أوي ونسى لبيبة إللي كان بيجري على حضنها أول واحدة، نسى كل حاجة عملتها لبيبة..
وحط جدته موضع المجرم والمتسبب الرئيسي لكل همومه… بس صدقني يا يعقوب باشا الدنيا دي عايزه كدا لإما هتنداس…
في الخارج تخشب كلًا من حسين وفاتن الّذين جاءوا للإطمئنان على يعقوب بعدما أقنعوا رِفقة بشق الأنفس أن تبقى بغرفة أخرى بعيدة عن مرمى أنظار لبيبة ووقف لحمايتها كالسد المنيع الضابط براء الرفاعي..
وقفوا يستمعون إلى حديث لبيبة بدران والحنان المتدفق منها بصدمة وعندما صمتت قرر حسين الدلوف للداخل فمهما حدث ومهما كان هي والدته لا يُجوز حديثها بتلك الطريقة التي حدّثها بها، هي والدته ولا يجوز أن يرفع صوته أمامها..
وفور أن دلوفوا استقامت لبيبة بشموخ وانبلجت ملامحها القاسية الباردة مرةً أخرى…
اقترب والد يعقوب منها ثم انحنى يُقبل يدها وأخذ يُقبل رأسها وقال بأسف:-
– آسف يا أمي أن كلمتك بالطريقة دي، بس دا من خوفي ورعبي على يعقوب، بس الحمد لله الدكتور طمنا وقالنا إن يعقوب بخير وإن الأشعة كويسة مفيش حاجة…
– رِفقة … رِفقة…
كان هذا همس يعقوب الضعيف الذي جذب كل أسماعهم وأنظارهم وطرقات قلوبهم..
ليسرع حسين وفاتن نحوه بلهفة وتقول والدته بإلحاح:-
– يعقوب … يعقوب حبيبي إنت سامعني..
فتح أعينه وظل يغلقهم ويفتحهم مرارًا حتى اعتاد الضوء متأوهًا بخفة..
ظلّ ينظر في الوجوه من حوله بلهفة بحثًا عنها ليُفزع من فوق الفراش بتلهف بسرعة جعلت رأسه تدور..
استقام يدور في الغرفة تحت رجاء والدته، يسير حافي القدمين يبحث عنها بجنون، صاح بغضب وهو يضع يده يُمسك رأسه ويقف أمام لبيبة:-
– رِفقة فين … عملتوا فيها أيه … عملتي فيها أيه المرة دي … ودتيها فين … والله لأدمركم وأخلص عليكم لو شعره منها اتأذت..
هي فين … رِفقة فين انطقي…. إنتِ فاكره إنك تقدري تبعديها عني .. دا أنا أحرق الدنيا دي كلها، ولو وديتها كوكب تاني هوصلها بردوه…
تلاحقت الدموع من بين جفون فاتن وحاولت تهدأته لكن دون جدوى، أصبحت ردات فعله جنونية، فقد انتزع الإبرة من ذراعه بعنف وأصبح يدور في الغرفة بملابس المشفى رغم عدم اتزانه الواضح..
اقترب منه والده يضع يده على كتفه يقول بهدوء:-
– إهدى يا يعقوب .. هي…
قاطعه يصرخ بانفعال وتوحش:-
– ابعدوا عني … ابعدوا عني … سيبوني في حالي بقاا … انطقوا عملتوا فيها أيه..
في هذا الحين بالغرفة التي تبعد غرفتين عن غرفة يعقوب، كانت رِفقة جالسة ولسانها لم يجف من الدعاء والتوسل لرب العِباد…
اقتحم براء الغرفة وهو يهتف بلهفة:-
– مدام رِفقة … يعقوب فاق … بسرعة تعالي بسرعة..
توقف قلبها عن الهدر وتوقفت مسرعة تهرول بتعثر ولهفة للخارج وهي تتسائل بتلعثم:-
– حصله أيه .. ماله يعقوب .. خدوني ليه بسرعة…
وخرجت وهي ترهف بسمعها صوت صياح يعقوب الحادة…
داهمت الغرفة وهي تنادي بنشيج باكٍ بلهفة سبقها بها قلبها قبل لسانها:-
– يعقوب … أوب…
التفتت للخلف بسرعة البرق ليراها تقف على أعتاب الغرفة وعينيها الصافيتان تغرقان في بحرٍ أحمر تنساب أمواجه على وجنتيها المشربة بالحُمرة…
وثب الخطوات التي تفصلهم بخطوتان ليتلقفها بعمق أحضانه بلهفة حارقة وأصبح يحملها بأحضانه يعتصرها وكأنه يريد زرعها خلف أضلعه والتوصيد عليها..
رفعت ذراعيها تطوق عنقه شاهقة ببكاء تهمس له بنبرة تئن وجعًا:-
– أوب … أنا كنت مرعوبة .. إنت كويس .. إنت شايفني …عيونك حصلها حاجة ..طمني عليك..
كانت لبيبة ملتزمة الصمت والهدوء، فقط تنظر للأحداث بأعين ضيقة وملامح ثابتة غير مقروءة..
دار بأعينه على وجهها وكامل جسدها ليتسائل برعب وهو يرى فستانها السماوي الغارق بالدماء:-
– رِفقة .. حبيبتي فيكِ حاجة … إنتِ كويسه .. أيه الدم ده..!!
ترددت إبتسامة على شفتيها وقفزت بأحضانه من جديد وهي تقول براحة:-
– الحمد لله يعني عيونك كويسة وشايفني..
مش تقلق عليا أنا بخير .. دا مكان جرحك يا أوب..
كفكف دموعها بحنان وتنفس براحة وقد التمعت أعينه بالعشق فيكفيه قربها وحبها الذي فيه ما تشتهيهِ الأعيُن وتلذ الأنفس..
– أنا بخير يا رِفقة .. دا مجرد خربوش بسيط محصلش حاجة..
دلف الطبيب يقول ببشاشة:-
– الحمد لله على سلامتكم يا يعقوب باشا، خوفتنا عليك يا راجل .. دا إنت كان شكلك جعان نوم..
ضحك يعقوب وقال وهو يحوي رِفقة تحت ذراعه باحتواء:-
– حاجة زي كدا يا دوك .. المهم أقدر أمشي من هنا صح..
اعترضت والدته تقول:-
– تطلع إزاي يا حبيبي مش تنتظر تشد حيلك شوية..
قال الطبيب بتفهم:-
– بص إنت كويس مفيش أي حاجة فيك ألا الجرح إللي في راسك من ورا، وإرتجاج طفيف..
بس مطلوب منك راحة وهدوء كدا، الحمد لله إن الضربة مكانتش قوية على مكان خطير زي ده، ربنا لطف بيك يا يعقوب..
رددت رِفقة تُكرر بصوت مرتفع:-
– الحمد لله يارب …الحمد لله، اللهم لك الحمد حمدًا يليق بجلال وجهك وعظيم سلطانك..
لك الحمد حتى ترضى ولك الحمدُ إذا رضيت ولك الحمد بعد الرضى..
ابتسم يعقوب وردد بصدق وامتنان:-
– ألف حمد وشكر لك يارب..
طب يا دكتور أنا همشي بقاا من هنا…
ردد الطبيب بمزاح:-
– دا إنت عايز تخلص مننا بقاا..
قال يعقوب بهدوء:-
– أبدًا يا دكتور بس مش برتاح في المستشفيات وهكون مرتاح أكتر في بيتي..
– خلاص تمام .. تتغذى بقا كويس واتفضل دي الأدوية إللي هتمشي عليها..
ضحك يعقوب بخفة وقال بمزاح:-
– يعني احطها دلوقتي وأمشي فوقيها، دا يصح بردوه يا دكتور … أنا مش عارف أيه نصايح الدكاتره الغريبة دي يا أخي…
ضحك الطبيب وردد بمزاح متبادل:-
– وأنا مش عارف أيه المرضى إللي بيهلوسوا بفضايح وحاجات غريبة أووي..
– ما خلاص بقاا يا دكتور إن الله حليم ستار..
– خلاص يا باشا لقد عفونا عنك، استروا من في الأرض يستركم من في السماء…
المهم ألف سلامة عليك يا باشا..
وخرج الطبيب بهدوء تاركًا الجميع في جو مشحون، يعقوب الذي ينظر للبيبة نظرات ناقمة يتطاير منها الشرر..
بينما رِفقة فمتشبثة به بقوة كأنه طيف سيتسرب منها..
تسائلت والدته وهي تبتسم له بحنان:-
– هتيجوا معانا على القصر صح يا يعقوب..
قال بنفي حاد:-
– لأ أنا مليش مكان هناك، أنا هرجع على بيتي أنا ومراتي..
جثم القلق على قلب فاتن لتقول باعتراض:-
– بس أنا بقول علشان أهتم بيك و….
قاطعها بحسم:-
– مفيش داعي يا فاتن …أنا بخير ومعايا رِفقة دا كفاية عليا…
قالت هي بعناد:-
– يبقى جيب المفتاح أسبق وأعملك أكل على ما تحصلني.
••••••••••••بقلم/سارة نيل••••••••••••
بعدما بدّل ملابسه خرج بصحبة رِفقة التي لم تتركه طرفة عين..
– الحمد لله على سلامتك يا يعقوب، خوفتنا يا باشا..
ردد يعقوب بإمتنان:-
– الله يسلمك يا براء … وشكرًا جدًا على وقفتك دي وإللي عملته .. أنا مش هنسى معروفك أبدًا..
– ولا معروف ولا حاجة يا يعقوب دا واجبي..
تنحنح بخفة ونقل أنظاره نحو رِفقة وقال ببعض التردد:-
– مدام رِفقة بما إنك موجوده وأنا شوفتك، في حاجة لازم تعرفيها..
أنا عارف إن مش وقته بس..
أثار حديثه قلق يعقوب فقاطعه باهتمام:-
– قول عالطول يا براء …في حاجة..
– بصراحة عفاف هتترحل على النيابة، بس هي صرعتنا وبتصرخ على أخيرها إنها عايزه تقابل مدام رِفقة … غير إن إحنا لازم ناخد أقوال مدام رِفقة علشان بردوه تكون كل حاجة تمام..
امتقع وجه يعقوب وهدر بحِدة:-
– لا طبعًا رِفقة مش هتقابل المجرمة دي .. وهي عيزاها ليه .. ليها عين وجرأة تجيب اسمها على لسانها إللي عايز قاطعه..
تنفست رِفقة بعمق ورددت بهدوء وهي تضع كفها على ذراع يعقوب:-
– إهدى يا يعقوب … مفيش مشكلة أما أقابلها، هي خلاص مش هتقدر تعملي حاجة..
وكمان بعد دا كله أنا محتاجة أشوفها..
أنا هروح مع حضرة الضابط بس بعد ما نوصلك البيت الأول علشان ترتاح..
هدر يعقوب باعتراض:-
– بيت أيه وراحة أيه يا رِفقة، طبعًا هاجي معاكِ طالما إنتِ عايزه كدا…
يلا بينا..
جاءت تعترض:-
– بس…
قاطعها بحسم:-
– متبسبسيش يا رِفقة …يلا بينا..
قال براء وهو يمد يده بشيء:-
– دا مفتاح عربيتك … مركونه قدام المستشفى..
ردد يعقوب وهو يتجه للخارج:-
– خليك سوق إنت أنا حاسس أنا مش مركز كفاية…
حرك براء رأسه بإيجاب وسبقهم للخارج…
وعندما وصل عند السيارة وفتح الباب لرِفقة وأجلسها تفاجئ بشقيقة يامن يركض نحوه يقول بتلهف:-
– يعقوب إنت كويس .. أيه إللي حصل..
ردد يعقوب باقتضاب:-
– أنا كويس..
انجلي الخبث على وجه يامن وشمله بنظره من أعلى لأسفل ثم قال وهو يحاول النظر داخل السيارة:-
– كنت عايز أشوفها .. إللي إنت متجنن عليها أوي كدا..
رماه يعقوب بنظرة غاضبة وقال بتحذير:-
– اكسر عينك علشان هتوحشك ومصفاهاش لك..
همهم يامن ببرود ثم قال بمكر:-
– على فكرا غادة فاضل رفضتك ومش عيزاك، وإحنا هنتجوز؛ لأنها عيزاني أنا، يعني اتقدمتلها وقبلت..
نمى على فم يعقوب إبتسامة جانبية ساخرة وهو يضع نظارته السوداء فوق عينيه وقال وهو يرميه بنظرة تقيمية باستخفاف من الأعلى لأسفل:-
– ااه ما واضح إن ذوقها وحِش….
وصعد للسيارة تاركًا هذا الذي احمرّ وجهه غيظًا وغضبًا..
••••••••••••بقلم/سارة نيل••••••••••••
بمركز الشرطة وقفت رِفقة باضطراب من وجودها في مثل هذا المكان جانب يعقوب الذي شعر بها فدعمها وهو يُمسك بيدها بحنان…
فور أن ولجت عفاف التي أصبحت حالتها يُرثى لها بعدما اجتمعت عليها النسوة الشديدات وأبرحوها ضربًا فينكسر كبرياءها للأبد..
فور أن رأت رِفقة هرولت نحوها ثم فجأة جثت عند أقدام رِفقة التي عادت للخلف مسرعة.
أردفت ببكاء وتوسل:-
– أنا مجرمة أستاهل العذاب ألوان وإنتِ الكرم والخير والطيبة كلها يا رِفقة…
إلهي تنستري وتنجبري يا بنتي … عيالي مرميين في المستشفي وحالتهم تصعب على الكافر، مش لاقيين حد يخدمهم ولا علاج يعالجهم..
مش هتشوفي وشي للأبد بس سامحيني …سامحيني بقلبك الكبير واتنازلي علشان أقدر أرجع لعيالي وأخدمهم..
خلاص أنا أخدت عقابي .. مفيش أسوء من كدا وكفاية الذل إللي شوفته اليومين دول..
رِفقة قولي حاجة …بحلفك بالله يا رِفقة …وعلشان خاطر بناتي الغلابة…
تقوست شفتيّ يعقوب وهدر بغضب وكُره:-
– إنتِ تستاهلي كل إللي يجرالك يا مجرمة دا قليل عليكِ … وإللي بتطلبيه ده في أحلامك…
كانت عفاف تتطلع لرِفقة بترقب ورجاء لتردف رِفقة بما اهتزّ له بدن يعقوب:-
– ماشي أنا مسمحاكِ وبتنازال عن المحضر والشكوى..وتقدري ترجعي لبناتك علشان هيحتاجوا خدمتك…
بعد مرور ساعة كانت رِفقة تدلف للمنزل بصحبة يعقوب الواجم والذي التزم الصمت منذ أن كانا بمركز الشرطة…
تنفست رِفقة بعمق وقالت براحة:-
– أخيرًا وصلنا البيت… فين رينو .. إنت حاطه في قفصه في البلكونة صح..
– ليه..؟!!!
كان هذا تساؤل يعقوب بنبرته الحادة المعترض كُليًا لما حدث قبل قليل..
أمسكت رِفقة كفه وقالت وهي تسحبه وتسير بحذر:-
– يلا نقعد أنا تعبت أوي يا أوب..
كرر تساؤله اللحوح الغاضب:-
– ليه يا رِفقة، ليه سامحتيها بعد كل إللي عملته..!!
تنفست بعمق ثم قالت بهدوء مبتسمة:-
– حاضر يا يعقوب هقولك…
أولًا هي خلاص أخدت أشد عقاب لها ومفيش أسوء من إللي حصلها، ودي عدالة رب العالمين..
كمان أنا أكتر واحدة عارفه إن بناتها هيحتاجوها في حالتهم دي قد أيه، وأنا مقدرش أحرمهم من إللي اتحرمت منه..
أنا عفيت عنها علشان أكون من المحسنين إللي ربنا بيحبهم لما قلنا (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)
أنا بس حاولت أكظم غيظي، أيوا أنا بشر وزعلت واتقهرت منها وطلبت من ربنا يجيبلي حقي، وصفحي عنها مش ذُلّ ولا عار، بل هو إحسان بيقربني لله عزّ وجل ويخليني أكسب محبته سبحانه..
الغضب بيتحول لحقد دفين .. والحقد من أمراض القلوب ربنا يكفينا شره وأنا مش عايزه أبقى كدا..
الغيظ والغضب حاجة تقيلة في القلب وبيخلوا القلب مشغول ومش مرتاح أبدًا لكن إحساسك وإنت بتعفوا وتصفح بتحس نفسك اتخلصت من التقل ده..
تعرف يا أوب الرسول قلنا أيه عليه أفضل الصلاة والسلام..
قلنا “مازاد اللهُ عبدًا بعفو إلا عِزًّا”
أنا مش ملاك ولا مثالية يا يعقوب بس أنا بحاول اقتدي بحبيبي محمد..
هقولك على حاجة، تعرف لما الرسول فتح مكة ووقف قدام الناس إللي خرجوه منها وحاربوه وأذوه وعذبوا أصحابه، تعرف قالهم “ماذا تظنوني أني فاعلٌ بكم”
ردوا عليه بكل عشم “خيرًا أخٌ كريم وابن أخٌ كريم”
وقتها كان في إيده يعذبهم ويرد إللي عملوه فيه وأصحابه، لكن هو بقلبه الرحيم قالهم “اذهبوا فأنتم الطُلقاء” الرسول كان مثال للعفو والتسامح، ودا ديني وتعاليمه وأنا بجاهد نفسي وبحاول أطبق منه على قد ما أقدر.
الحقد ملهوش مكان في قلب المسلم الحق الواعي لتوجيهات دينه يا يعقوب، لازم ندرك قيمة العفو وصفاء القلب في مغفرة الله علشان نعيش مرتاحين البال.
وكمان الرسول قلنا إن صفاء القلب سبب في مغفرة الله لما قال صلّ الله عليه وسلم في الحديث..
“ثلاث من لم يكن فيه غفر له ما سواه لمن شاء: من مات لا يُشرك بالله شيئًا، ولم يكن ساحرًا يتبع السحرة، ولم يحقد على أخيه”
وبس كدا دي أسبابي يا سي يعقوب، فمفيش أي سبب يخليني شايله في قلبي، وأنا كدا ارتاحت..
كان يعقوب ينظر لها بانبهار ويسأل نفسه، أي نقاءٍ هذا، أي طهارة قلب تلك..!!
لقد فاق النهاية في عشقه لها، لم يعد هناك المزيد، لقد ضعضعت كل حصونه حقًا…
تعجبت رِفقة من صمته لتتسائل بتعجب:-
– أوب إنت ساكت ليه…!
جذبها يعقوب إليه وقبل مقدمة رأسها وباطن كفها وردد بصدق:-
– أنا مش عارف أنا عملت أيه حلو في حياتي علشان ربنا يرزقني بيكِ يا رِفقة..
الحياة قلبك مكانتش حياة، يعقوب قبلك مكانش عايش…
تخضبت وجنتيها بالشفق لتقول بخجل:-
– خلاص بقاا يا أوب أنا عارفة إن حاجة محصلتش..
قهقه يعقوب وقرص وجنتيها وقال متسائلًا بمكر:-
– بس أنا سمعت إنك كنتِ هتتجنني من خوفك عليا..
أردفت بمزاح:-
– بيني وبينك كنت خايفة أوي ليحصل حاجة لعيونك وتبقى زي…
ساعتها يا حسرة هنقعد نطقش في بعض زي البطيخ وكانت هتبقى حكايتنا حكاية..
بس المشكلة كان مين هيعملي الأكل والوصفات إللي ناويين نجربها … يا نهار دا أنا كان ممكن يحصلي حاجة … أمال البانيه والحوواشي والمكرونة بالبشاميل وغيره وغيره دا كله هيروح فين.. لا لا مش قادرة أتصور…
انفجر يعقوب ضحكًا وشاركته الضحك حتى أخذها بأحضانه وهدأ ضحكهم فيقول بصدق:-
– إنتِ ضي عيوني يا رِفقة، من غيرك كل الدنيا ضلمه في عيني..
•••••••••••بقلم/سارة نيل••••••••••••
– لبيبة هانم …إحنا وصلنا للسبب إللي علشانه عايز يعقوب باشا المبلغ ده كله…
همهمت لبيبة بصمت وهي مازالت على وضعها، فأكمل الرجل يقول:-
– عملية خاصة برِفقة …علشان ترجع تشوف…
وعرفنا ميعاد العملية .. بعد يومين ورغم إللي حصله هو مأجلهاش…
قالت بثبات:-
– تمام …هتنفذ إللي هقولك عليه بالحرف..
وأخذت تُملي عليه بعض التعليمات المهمة جدًا والذي جعلت أعين الرجل تتسع بصدمة لكنه التزم الصمت..
ثم أشارت إليه بالانصراف..
رددت بأعين شادرة:-
– البنت دي بقت خطر على يعقوب..

يتبع..

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية وخنع القلب المتجبر لعمياء)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *