روايات

رواية حبيسة قلبه المظلم الفصل الخامس والخمسون 55 بقلم سارة علي

رواية حبيسة قلبه المظلم الفصل الخامس والخمسون 55 بقلم سارة علي

رواية حبيسة قلبه المظلم البارت الخامس والخمسون

رواية حبيسة قلبه المظلم الجزء الخامس والخمسون

حبيسة قلبه المظلم
حبيسة قلبه المظلم

رواية حبيسة قلبه المظلم الحلقة الخامسة والخمسون

في اليوم التالي ….
جلست تقرأ الصحيفة بملامح جامدة ….
انتشر الخبر في كل مكان …
كان شيئا متوقعا …
سمعت والدتها تتحدث جوارها ….
مصدومة مما حدث …
لا أحد يستوعب بعد الحقيقة …
رغم ان والدتها كانت متأكدة من براءة نديم لكنها لم تتوقع ان يتسبب عمار بكل هذا الأذى …!
والدتها ترفض تصديق حقيقة إن أخ يمكنه أن يفعل هذا مع أخيه …
تجاهلت سماع ما تقوله والدتها وهي تضع الصحيفة جانبا بينما تحمل كوب قهوتها وترتشف منه القليل …
ماذا لو علمت والدتها انها ساعدت بما حدث …؟!
والأهم ماذا لو علمت بما فعلته شقيقتها قبل ما حدث …؟!
عادت بذاكرتها الى الخلف … تتذكر الحديث الذي جمعها به ..
كنان الذي ما زال زوجها وإن ما زالت ترفض ذلك …
ما علمته ان كنان يريد الانتقام لشقيقته رافضا الافصاح عن كيفية تسبب عمار بموتها …
لا نديم ولا حتى هي يعرفان ما فعله عمار بشقيقة كنان …
كل ما يعرفانه انها ماتت بسبب عمار وكنان يسعى لنيل ثأر شقيقته منه …
تنهدت بصمت وهي تتذكر طريقة تفكير كنان التي فاجئتها …
كيف كان يخطط …؟!
والأهم كيف يريد التخلص من عمار …؟؟
والأسوأ انه ذكر هذا امامها وكأنه يدرك جيدا ان ما ينتويه لعمار مستقبلا بعد سجنه حيث التخلص منه سيكون مكشوفا لها فهي ستعلم ما ان ينفذ قراره ذلك انه الفاعل ….
عادت بذاكرتها وهي تتذكر جلوسها معه بينما يحادث نديم بنبرة جادة للغاية :-
” عمار كما توقعت يخطط للسفر …. يريد الهرب باسرع وقت ….”
كانت هي شاردة تماما .. تفكر في شقيقتها المختفية كليا وهاتفها المغلق …
قلقها يتصاعد مع مرور الوقت مما جعلها لا تفكر بشيء غير ايجاد حل لانقاذها فعلى ما يبدو شقيقتها حبيسة لدى ذلك الحقير …
كان كنان يتحدث مضيفا بجدية :-
” زوجته ولدت طفلها البارحة … ”
وهنا انتبهت اخيرا لما قاله فهتفت بسرعة :-
” شيرين انجبت طفلها … ؟!!!”
أومأ كنان برأسه ليهتف نديم متسائلا :-
” أليس الوقت ما زال مبكرا على ذلك …؟! ”
تمتم كنان بجدية :-
” ربما لم تتحمل خبر زواج عمار من مريم …”
انتفضت ليلى تتسائل بعدم تصديق :-
” من أخبرها بذلك …؟!”
نطق كنان على الفور :-
” انا …”
منحته نظرات مشتعلة عندما قال نديم بضيق :-
” لم يكن عليك ان تفعل ذلك .. هي لا ذنب لها فيما يفعله عمار …”
هتف كنان بحنق :-
” اخته لا ذنب لها وزوجته لا ذنب لها … هل تستوعب انك في وضع لا يسمح لك أن تفكر سوى في طريقة تجعل بها عمار يعترف بجريمته في حقك …؟! ”
زفر نديم انفاسه بضيق بينما قالت ليلى بوجوم :-
” ماذا لو أصابها مكروه بسبب الولادة المبكرة ..؟! ماذا لو خسرت طفلها لا سامح الله …؟! ماذا لو كانت الصدمة اقوى من ان تتحملها …؟!”
تمتم كنان باقتضاب :-
” لكنه لم يحدث شيء … ثانيا هي كانت ستعلم بما حدث بكل الاحوال ….”
” شيرين لا ذنب لها بأفعاله …”
قالتها ليلى بحدة جعلته يهدر بها :-
” جيد ، طالما تفكرين بهذه الطريقة فلن تنجحي في استعادة شقيقتك منه …”
عقدت ذراعيها امام صدرها تسأله بحدة :-
” حقا ..؟! وانت سوف تعيدها …؟! كيف ستفعل ذلك …؟!”
تبادل النظرات مع نديم لتلتفت ليلى في نفس اللحظة فتشاهد عدم الرضا واضحا على ملامح نديم لتسأل كنان مجددا بنفاذ صبر :-
” مالذي تخطط اليه يا كنان …؟!”
اجاب كنان بتروي :-
” يمكنك المغادرة يا ليلى وانا أعدك انني سأعيد شقيقتك لك في اقرب وقت .. ”
رفضت بسرعة :-
” لا يمكن .. اريد ان أفهم علام تنوي … انا لا أثق بك وبتصرفاتك …”
تجاهلت الغضب الذي ظهر في عينيه وأكملت بلا مبالاة :-
” ولن أسمح لك أن تؤذي اشخاصا لا ذنب لهم بسبب افعال عمار …”
تحدث نديم اخيرا بضيق :-
” قل ما لديك يا كنان .. دعنا نفهم على الاقل ما يدور في ذهنك …”
نظر كنان له وقال بجدية :-
” انت تريد برائتك و برائتك لن تحصل عليها الا من خلال اعتراف عمار نفسه بإنه من وضع لك تلك الادوية في الصيدلية وهذا يعني حبس عمار عقابا على جريمته وهذا ما أريده انا بدوري لأتمم خطتي كاملة بعدها …”
” كيف يعني …؟! مالذي تريده اكثر من حبسه …؟!”
سألته ليلى بتجهم ليجيب كنان باقتضاب :-
” ما بيني وبين عمار دم … والدم لا يؤخذ سوى بالدم …”
اتسعت عينا ليلى بصدمة بينما قال نديم :-
” وكيف ستفعل هذا ..؟! كيف ستحصل على اعتراف عمار …؟!”
منحته ليلى نظرة مستنكرة هو الآخر بينما قال كنان :-
” ذلك الضابط الذي ساعدك يوم قبضت الشرطة عليك منذ فترة …”
سأله نديم باهتمام :-
” اسمه فادي … ولكن ما علاقته بالأمر ..؟!”
تراجع كنان الى الخلف صامتا للحظات تبعها بتساؤل :-
” هل تثق في ذلك الضابط ..؟! يمكننا الإعتماد عليه والأهم سيتفهم الموقف ويساعدنا للوصول الى غايتنا أيا كانت الوسيلة ..؟!”
رد نديم بتشتت :-
” على حسب الوسيلة … !! إلام تريد أن تصل يا كنان ..؟! مالذي تفكر به ..؟!”
صمت كنان لوهلة بدا وكأنه يفكر قبل أن يقول بجدية :-
” نحن نحتاج الى هذا الضابط … وجوده سيساعدنا كثيرا في التخلص من عمار نهائيا ..!'”
أضاف موضحا :-
” من الناحية القانونية على الأقل …”
سأله نديم بحيرة يغلفها التردد :-
” لماذا لا تتحدث بوضوح يا كنان ..؟!”
هتف كنان بتهكم مقصود :-
” أخاف أن أخدش مثاليتك …”
نهض نديم مرددا بجمود :-
” لا داعي للحديث إذا .. إذا كنت ستتصرف بنفس الطريقة و ..”
قاطعه كنان ببرود :-
” هل تعلم ..؟! أنا شبه متأكد إن أخيك يراهن على سمو أخلاقك هذه والتي يعتبرها بالمناسبة دليل على الضعف والجبن ..”
توقف للحظة يلاحظ انكماش ملامحه ليسترسل بثبات :-
” لكن عليك أن تستوعب إنك لم تعد وحدك .. أنت سوف تصبح أب .. هناك طفلة متعلق مصيرها بك وهناك زوجة أيضا …”
تجهمت ملامح نديم فيكمل كنان ببرود :-
” أنت بيدك سقوطه يا نديم … الآن ترفض لكن بعد أعوام ستلعن نفسك ألف مرة لإنك لم تفعلها … ستندم على كل لحظة تمسكت فيها بمثالية زائفة .. ناهيك عن وضعك ابنتك وزوجتك في المستقبل …”
” ما المطلوب يا كنان ..؟!”
سأله نديم بوجوم ليجيب كنان ببساطة :-
” أنا رتبت كل شيء والطفل سيكون معنا صباح الغد ولكن …”
شهقت ليلى بعدم تصديق بينما توقف كنان للحظة ثم أكمل :-
” سنحتاج صديقك الضابط … ”
لمعت عينا نديم وهو يتسائل بفضول :-
” و مالذي سيحدث بعدها ..؟!”
هتف كنان ببساطة :-
” أبدا .. عمار سيعترف بنفسه على كل شيء … أنت تنال برائتك وأنا …”
أظلمت عيناه وهو يضيف :
” سأتولى مهمة تصفيته فيما بعد … ”
صاحت ليلى على الفور :-
” كلا ، لن اسمح لك بهذا …”
قال كنان بجدية :-
” الطفل لن يصيبه اي مكروه … سوف نستغل وجوده في المشفى ونأخذه …”
” مستحيل …”
قالتها ليلى بقوة قبل ان تنظر الى نديم تهتف برجاء :-
” انت لا يمكن ان توافق على شيء كهذا … ”
لمعت عينا كنان بغيرة شديدة لم تنتبه لها بينما حواسها كلها مع الرجل الذي عرفته لسنوات طويلة …
لا يمكن ان يفعل هذا … نديم ليس كذلك … هكذا اخبرت نفسها فكررت اسمه برجاء ألا يخيب آمالها مجددا …
منحها نديم نظرة جامدة وهو يردد :-
” الأمر ليس سهلا يا ليلى … حياتي القادمة مقابل ذلك .. مستقبل ابنتي …”
تمتمت ليلى بعدم استيعاب :-
” ماذا لو أصاب الطفل مكروه ما ..؟؟ كيف ستغفر ذلك لنفسك …؟!”
هتف كنان بعصبية فشل بالسيطرة عليها :-
” نديم موافق يا ليلى … مصلحته ومصلحة طفلته تقتضي قبوله … وانت يجب ان تفهمي ذلك .. و تتوقفي عن طريقتك تلك …”
التفت نحوه بنظرات حارقة قبل ان تعقد ذراعيها امام صدرها وهي تخبره بتحدي :-
” وانا لست موافقة ولن اسمح لك بذلك …”
” حقا ..؟! وكيف ستفعلين ذلك …؟! هل سوف تخبرين عمار بما نخطط له … ؟! وماذا عن شقيقتك …؟! هل سوف تتركينها له …؟!”
ظهر التردد في عينيها لكن سرعان ما قتلته في مهده وهي تهتف بثبات :-
” سأخبر شيرين بكل شيء ….شيرين يوما ما كانت صديقتي …”
” صحيح .. شيرين كانت صديقتك …”
تمتم بها نديم بشرود بينما قال كنان بجمود لا يخلو من القسوة :-
” لا يمكنك ان تفعليها يا ليلى … انا لن اسمح لك بذلك …”
هتف نديم بجدية :-
” لحظة يا كنان … اسمعني من فضلك …”
التفت كنان له وكذلك ليلى عندما نظر نديم هذه المرة لها يخبرها :-
” انت تعرفين شيرين جيدا … كانت اقرب صديقة لك …”
هزت رأسها مرددة بوجوم :-
” لكنني لم أتحدث معها منذ سنوات …”
” ولكنك تعرفينها جيدا …”
قالها نديم بهدوء لتسأله ليلى بفطنة :-
” هل تريد مساعدة شيرين لك أو بالأحرى لنا …؟؟ ”
هتف نديم بسرعة:-
” نعم ، يمكننا ان نستعين بمساعدة شيرين نفسها بدلا من اللجوء لخطف طفل صغير لا ذنب له بما حدث ….”
سأل كنان بتهكم :-
” ومالذي يجعل شيرين تفعل شيئا كهذا وتضحي بوالد طفلها …؟!”
قال نديم ببرود :-
” لان والد طفلها مذنب اضافة الى كونه خائن … ”
اكمل بثبات :-
” والأهم ان وجود خطر يتعلق بحياة ابنها يجعلها تفعل اي شيء لأجله … لا اعتقد انها تحب عمار اكثر من ابنها …”
هتف كنان غاضبا :-
” انت تعي ما تفعله … ربما ترفض و الاسوأ أن تخدعنا … ”
” لا اعتقد ذلك …”
قالها نديم بجدية وهو يضيف مشيرا الى ليلى :-
” اخبريها بما يخطط له عمار … دعيها تعلم انه يخطط للسفر ومعه مريم … اخبريها ايضا انه يحتجز مريم عنده .. ”
اتجهت ليلى بانظارها نحو كنان لتجد الرفض صريحا في عينيه عندما نطقت أخيرا :-
” سأفعل … سأكون غدا عندها …”
نقل كنان بصره بينهما قبل ان يردد بعدم رضا:-
” افعلا ما تريدان … انا عن نفسي لن اتدخل في شيء … حسنا …” هزت ليلى رأسها على مضض قبل ان تسحب حقيبتها وتتحرك خارج المكان ….
افاقت من ذكرياتها على صوت والدتها تخبرها انها ستتحدث مع نديم وتبارك له ما حدث من باب الواجب …
هزت ليلى رأسها بتفهم بينما أخذت تتذكر زيارتها لشيرين التي اندهشت في بداية الامر من وجودها …
شعرت بالاحراج الشديد وقتها بسبب تصرفات شقيقتها ناهيك عن ترددها باخبار شيرين بمخططات والد طفلها …
ورغم ما فعلته مريم استقبلتها شيرين بود بعدما استوعبت حقيقة وجود ليلى حولها بعد كل هذه السنوات …
تبادلت ليلى الاحاديث سريعا مع شيرين قبل أن تخبرها بعد تردد عما فعله عمار وكيف هو يحتجز شقيقتها ليظهر البرود تلقائيا على شيرين التي أخبرتها بوضوح ان عمار طلقها شفويا منذ اشهر وسوف تتطلق منه رسميا في اقرب وقت …
حينها اخبرتها ليلى عن سبب زيجة مريم من عمار ثم ما لبثت ان اوضحت لها مخطط عمار للسفر خارجا معها وطفلهما ومريم ايضا …
جن جنون شيرين وقتها والتي اخذت تسألها كيف علمت بهذا لتكتفي ليلى بأن تخبرها إن عمار يستعد لبيع اسهمه في شركة والده بل وتصفيه كافة ممتلكاته وانها يمكنها ان تتأكد من ذلك دون ان تخبره …
غادرت ليلى وقتها بعدما أخبرت شيرين بما يخطط له كلا من نديم وكنان ورغبتهما في الانتقام من عمار …
حاولت اقناعها ان دخول عمار الى السجن في مصلحة ولدها خاصة ان كنان نعمان شخص واصل جدا ويمكنه أن ينتقم من عمار بأسوء الطرق وهو بالفعل سيفعل ذلك …
شرحت لها ليلى كيف جاهدت كي تقنع كنان ألا يستغل الطفل في انتقامه وان يمنحها الفرصة لتتحدث مع شيرين التي ربما توافق وتساعدهم …
بدت شيرين مترددة بينما ليلى تذكرها بمخطط عمار حيث السفر خارجا وكيف يريد ان يأخذ مريم معه بينما هي عاجزة عن معرفة مكان شقيقتها التي يحتجزها عمار مضيفة عليها ما يمكن لكنان ان يفعله وكيف سينتقم من عمار …
لا تعرف كيف وافقت شيرين بعدها على مساعدتهم لكن على ما يبدو ان قرارها جاء بعدما اخبرها عمار بمخططه للسفر والتي رفضته هي بقوة ليهددها علنيا بأنه سيأخذ طفلها منها ويسافر به خارجا مما اضطرها للتواصل مع ليلى في اليوم التالي وهي تخبره عن رضوخها للأمر الواقع ومساعدتهم من اجل حماية طفلها الذي تريده ان يسلم من شر والده …
هكذا جرت الأمور وساعدتهم شيرين وتم القبض على عمار بعدها ورغم جميع ما فعله عمار بها لكنها لم تستطع ان تشعر بالسعادة ولا التعاسة حتى ..
مشاعرها كانت جامدة تماما وكأن الأمر لا يعنيها من الأساس …
نهضت من مكانها متجهة الى الطابق العلوي حيث غرفتها واثناء ذهابها الى هناك لاحت منها نظرة الى غرفة شقيقتها …
شقيقتها التي عرفت مكان اقامتها من شيرين فسارعت تذهب مع كنان ورجاله لاخراجها من هناك والعودة بها الى المنزل دون ان تنطق بكلمة واحدة وبدورها مريم لم تتفوه بحرف واحد …
تركتها لوالدتها تتصرف معها بالطريقة التي تريدها وهي تكذب عليها وتخبرها انها وجدتها عند احدى صديقاتها …
لم تستمع حتى للمبررات التي منحتها مريم لوالدتها حيث تركتهما سويا واتجهت الى غرفتها رغبة في الانفراد مع نفسها بعد هذا اليوم الطويل …
افاقت من شرودها مجددا على صوت رنين هاتفها فوجدت السكرتيرة تتصل بها تخبرها ببعض المعلومات المهمة ….
دلفت الى غرفتها وهي تنهي المكالمة مع سكرتيرتها ثم قررت ان تأخذ حماما باردا منعشا قبل ان تتصل بكنان بعد خروجها من الحمام وهي تطلب منه رؤيته فيخبرها انه سوف يمر عليها بعد ساعة بالضبط فهو الآخر يحتاج ان يتحدث معها …

غادرت الفيلا متجهة نحو سيارته حيث ينتظرها هو خارجا …
ركبت السيارة وألقت التحية عليه بجمود ليرد تحيتها وهو يدير مقود سيارته ثم يسألها بعد لحظات :-
” هل تودين الذهاب الى مكان معين …؟!”
تمتمت بخفوت :-
” لا أفضل الذهاب الى مكان مغلق .. يمكنك أن تقف بسيارتك امام البحر ونتحدث هناك .. ”
هز رأسه بصمت وهو يستمر في قيادة سيارته متجها الى اقرب مكان مناسب عندما ركن سيارته قرب احدى الحدائق العامة والتي كانت شبه خالية من الناس في هذا التوقيت المبكر من الصباح …
وجدها تفتح الباب وتخرج من السيارة دون ان تنتظره ليفعل هو هذا فتنهد بتعب وهو يفتح باب سيارته بدوره ويهبط منها سائرا خلفها حيث توجهت الى داخل الحديقة وجلست على احدى المصطبات ليتبعها بدوره حتى وقف مجاورًا لها يهتف بهدوء :-
” أسمعك يا ليلى ….”
أخذت نفسا عميقا ثم قالت :-
” أريد الطلاق …”
تغضن جبينه برفض لتباغته مضيفة :-
” لا يمكنني الاستمرار في هذه العلاقة … لا يمكنني تجاوز جميع ما مررت به بسهولة …”
قال بجدية :-
” سأمنحك الوقت الكافي حتى تستوعبي جميع ما حدث …”
منحته نظرة رافضة وهي تخبره :-
” لن يكون هذا مناسب لكلينا …”
” انا احبك وأريدك …”
قالها بصدق مس قلبها رغما عنها فتجاهلت اعترافه للمرة الثانية وهي تسأله باهتمام :-
” مالذي بينك وبين عمار …؟! كيف تسبب بموت شقيقتك …؟!”
منحها نظرة جامدة وهو يهتف :-
” لا يمكنني الافشاء بالسر الذي كتمته لسنوات عن الجميع حتى عن والدي ووالدتي …”
هتفت بعدم تصديق :-
” حقا …؟! لم أكن أعلم ان الامر صعب لهذه الدرجة …”
هتف بدوره :-
” هل تعتقدين ان قراري بالتخلص من عمار سيكون لسبب تافه يا ليلى …؟؟ ”
أكمل وهو ينظر اليها بقوة :-
” انا لست مجرما ولست قاتلا … انا فقط لا أصمت عن حقي ولا أتهاون به … لا أنكر إنني قوي جدا ومتسلط ولدي جبروت قاسي كما يقولون وهذا بفضل نشأتي واسم عائلتي الذي منحني هذه الهالة لكنني لم أؤذي يوما احدا دون سبب ولم أظلم احدا ابدا .. انا فقط أعامل كل فرد بالشكل الذي يستحقه ولن أمانع استخدام قوتي وسلطتي في عقاب اي شخص يمس من يخصني بسوء ….”
نهضت من مكانها ووقفت جانبه تخبره بينما تحاصر عينيه بنظراتها الحانية :-
” ولكن القتل شيء صعب جدا … اذا قتلته ستفقد جزءا مهما من نفسك .. ستفقد سلامك الداخلي … انت لست مجرم كما قلت قبل قليل ولكنك ستصبح مجرما اذا قتلته …”
هتف رافضا :-
” بالطبع لا .. انا أنال حقي منه .. قصاصي منه … انا لا أريد التخلص منه بدون سبب …”
قاطعته بجدية :-
” نحن لسنا في غابة كي تتصرف بهذه الطريقة فتستخدم نفوذك للتخلص منه بعدما نجحت في سجنه …”
تنهد مرددا :-
” عمار شر متحرك على الارض … موته سيكون لصالح الجميع … وانا كما قلت لا أقتله بدون سبب … انا أخذ حق شقيقتي يا ليلى …”
سألته بتجهم :-
” كيف ماتت شقيقتك …؟!”
سيطر الجمود على ملامحه كليا ..
هو لا يريد البوح …
وجدت نفسها تلمس ذراعه دون أن تستوعب ما تفعله …
تلمسها برقتها المعهودة وهي تخبره بصدق مجددا :-
” يمكنك أن تثق بي …”
قاطعها بنفس الصدق :-
” الأمر لا يتعلق بالثقة صدقيني … انا أثق بك ولكن …”
سألته بتردد :-
” ولكن ماذا …؟! ليس من المعقول ان تحتفظ بسر مهم كهذا لوحدك … هذا ليس مريحا على الاطلاق … خاصة وانت تتخذ هذا السر سببا للتخلص من شخص … لقتله ..!!”
” سأخبرك شيئا يا ليلى عليك ان تفهميه ..”
نظرت له بانصات ليهتف بجدية :-
” الحياة تحتاج الى الشخص القوي الذي لا يتنازل عن حقه … لإن التنازل هو بداية السقوط … انا اذا تنازلت عن حقي في دم شقيقتي الآن سوف أعتاد على التنازل فيما بعد وحينها سأسقط مع مرور الوقت وأنا أستحق هذا السقوط وقتها …”
” ولكن عمار سوف يعاقب … الله وحده يعلم كم عاما سيبقى في السجن …”
قاطعها بصلابة :-
” هو يحاكم على جريمته في حق أخيه … وانا أحاكمه على جريمته في حق شقيقتي …”
” لهذا السبب ساعدت نديم …؟!”
سألته بخفوت وهي تكمل مترجمة افعاله :-
” وجوده في السجن سوف يساعدك في التخلص منه بسهولة بعد ذلك …”
هز رأسه بصمت لتهتف برفض :-
” كلا يا كنان … اياك ان تفعلها .. القتل ليس شيئا عادية .. كيف تستطيع فعلها ..؟! كيف تستطيع تلويث يدك في دماءه أيا كان ما فعله …”
هتف معترضا على حديثها بشدة :-
” ولكنه تسبب بموت شقيقتي .. لماذا لا تفهمين …؟!”
زفرت انفاسها بتعب ليضيف بحشرجة :-
” ياسمين .. شقيقتي الصغرى … مدللة العائلة … انت لا تفهمين ذلك لانك لا تعرفين شيئا … لا تعرفين ما عايشناه منذ رحيلها … ”
تطلعت له بشفقة وهي تهمس :-
” ربما لم أعايشه ولكنني أستطيع استيعاب مدى الألم الذي سببه رحيلها في قلوبكم …”
” ابدا لن تفعلي ..”
قالها بحزم قاطع وهو يضيف :-
” رحيل ياسمين غيرنا كليا … جميعنا اختلفنا … ربما انا أقلهم …. ”
استرسل يخبرها :-
” انت لو كنت تعرفين عائلتي قبل رحيلها لفهمت علي .. حياتنا بوجود ياسمين كانت شيء وبعد رحيلها باتت شيئا آخر … ”
أضاف بألم سيطر على ملامحه :-
” والدي مثلا ترك العمل واعتزل الحياة كليا لسنوات بعد رحيلها وهو بالكاد عاد يتفاعل مع الحياة حوله في آخر عامين …. والدتي ترتدي قناع الصلابة الذي تخفي وراءه حزنها العميق لانها ترفض الانهيار … هل تصدقين ان شريف هانم نصار فقدت النطق لاكثر من عام بعد وفاة ياسمين رغم انها لم تذرف الدموع سوى في ايام العزاء …. في البداية تقبلت الامر بصلابة مثيرة للدهشة .. تبكي بصمت دون ان تتخلى عن شموخها لحظة واحدة وهي تستقبل المعزين … ولكن ما ان مر اسبوع على رحيلها حتى سقطت فجأة لتستيقظ بعدها وهي فاقدة للنطق ولم تستعيد قدرتها على الحديث حتى ولاده علياء لطفلها الاول …”
ترقرقت الدموع رغما عنها داخل عينيها ليضيف متهكما :-
” منذ ذلك اليوم وحياتنا تغيرت … انا باتت حياتي كلها للعمل … عمل فقط لا غير .. وسيف انشغل في عمله هو الآخر.. بات يتعمد ان يقضي اغلب وقته في عمله و الأسوء انه كان دائما ما يذهب في المهمات الصعبة والخطيرة … علياء دخلت في كآبة امتدت لشهور لم تفق منها الا عندما انجبت طفلها قبل موعد ولادته بشهرين .. حينها كان مريضا جدا وتوقع الاطباء رحيله لكن أراد الله ان يحميه ليعيش وتستقر صحته وهذا ما جعل علياء تخرج من قوقعتها بعدها … ”
تنهد بتعب ثم قال :-
” بالطبع انا أخبرك ما حدث باختصار … ”
هزت رأسها بصمت والدموع تترقرق داخل عينيها عندما هتف بصدق وهو يتأمل لمعة عينيها :-
” هل تعلمين انك تذكريني بها …؟!”
سألت والدهشة تلوح في عينيها :-
” كيف ..؟!”
ابتسم بحنين يخبرها :-
” هي كانت مثلك .. رقيقة وناعمة .. بريئة وصادقة … وعاشقة …”
توقف عن حديثه لوهلة عندما أضاف بسخرية :-
” عاشقة قتلها الحب …. ”
سألته بوجع :-
” وانا كنت مثلها … لذلك أردت الزواج مني …”
قاطعها بجدية :-
” انت لست مثلها وان كنتِ عاشقة ايضا … انت مختلفة عنها … رغم كل شيء لم تسمحي للحب ان يقتلك … ”
توقف مجددا يلاحظ جمود ملامحها ليضيف :-
” نعم خذلك الحب ولكنه لم يقتلك …”
سألته بخفوت :-
” هل تعتقد هذا …؟!”
رد بجدية :-
” انا متأكد من ذلك …”
عادت تسأله باهتمام :-
” هل الشبه بيني وبين شقيقتك الراحلة هو من دفعك لملاحقتي والرغبة في القرب مني …؟!”
اجاب نافيا :-
” بالطبع لا …”
اكمل موضحا :-
” لا أنكر انك في البداية بدوت لي مثلها … وقتها سمعت عنك قليلا … مجرد احاديث عابرة لم اهتم لها حقيقة … أتذكر انني رأيت صورتك لأول مرة بعدما جمعني حديث بمريم … كنت جميلة للغاية ورقيقة جدا … رقة ملامحك جعلتني اتذكر قصة الحب المؤلمة التي عشتها فشعرت انك تشبهينها لكن مع مرور الوقت وبعدما علمت الكثير عنك وجدت نفسي مهتما بك بطريقة فاجئتني فأنا لم أهتم يوما بامرأة …”
سألته بفضول :-
” ومالذي علمته وجعلك تهتم بي فجأة …؟!”
ابتسم بشرود وهو يجيبها :-
” في البداية عندما علمت بتضحيتك لأجل نديم … حقيقة زواجك من عمار لاجل حمايته … وقتها تسائلت … هل توجد واحدة تضحي بسنوات كاملة من عمرها لأجل رجل تحبه …؟! وكانت الاجابة واضحة .. لا والف لا .. ”
همت بمقاطعته لكنه اوقفها بإشارة وهو يهتف بمرح لا يلائم اللحظة :-
” دعيني اقول ما عندي …”
تنهدت بصمت ليكمل بصدق :-
” في مجتمعي لا يمكن ان أجد واحدة تفعل ما فعلته … لا توجد امرأة تجازف بهذه الطريقة … واحدة غيرك كانت رفضت الزيجة وأكملت حياتها وربما انتظرت رجلا آخر مناسب ترتبط به … الأمر لم يتوقف عند هنا … في ذلك الوقت بت أراك عاشقة لحدود الضعف ورغم اعجابي الشديد بتضحيتك الا انني رفضت هذه التضحية المبالغ فيها خاصة لشخص لا يستحق …”
ظهرت السخرية القاتمة على ملامحها ليضيف بعدها :-
” وبعدها رأيتك في موقف مختلف … رأيتك وأنت تتجاوزين زواج حبيبك وتتعاملين مع الأمر بقوة تخالف نار العشق الملتهبة داخلك … وبعدها رأيت وجها مختلفا لك … رأيت الابنة التي تسعى بكل قوتها لمساندة والدها الذي كان على وشك السقوط في فخ الافلاس … رأيتك وأنت تحاولين النهوض بشركة والدك مجددا .. رأيتك وانت تقفين في وجه زوجة والدك بقوة ثم ترعين أخيك منها رغم كل شيء … ”
اخذ نفسا عميقا ثم قال بصدق :-
” هنا تأكدت انك المرأة التي أبحث عنها … المرأة التي تليق ان تكون زوجتي وتحمل اسمي وتصبح أما لاولادي …”
اضطربت نبضات قلبها بينما هو مسترسل في بوحه :-
” إمرأة تبدو ظاهريا رقيقة وناعمة تحتاج لمن يحميها من ابسط الاشياء لكن تحمل داخلها قوة كامنة تظهر وقت الحاجة .. امرأة تحمل حنانا لا نهاية له وقوة لا مثيل لها … امرأة أثق جيدا انها ستكون سندا لي دائما وأبدًا .. امرأة يمكنها ان تجابه معي أي مشكلة اتعرض لها … تقف في ظهري دائما وتساندني دون تردد … إمرأة مخلصة لن تتخلى عني مهما حدث … مخلصة بشدة وقوية بطريقتها الخاصة ومليئة بالحب والعطاء …”
كانت نبضات قلبها ترتفع تدريجيا مع كلماته حتى شعرت انها بلغت أوجها …
ازعجها التوتر الذي ألم بها وبمشاعرها فسارعت تغمغم وهي تزيح خصلة من شعرها جانبا :-
” انت تجيد الاطراء و الكلام المعسول بشكل يدهشني …”
هتف ضاحكا :-
” على العكس تماما .. انا بالذات لا اجيد ذلك وانت تعلمين …”
توقفت وهي تنظر لعينيه بما تحملانه من نظرات صادقة لتهمس بسرعة :-
” لا تفعلها يا كنان … لا تلوث يدك في دماءه …”
هتف مستنكرا :-
” بعدما أخبرتك بكل شيء … صارحتك بالسر الذي لم يعرفه احد سواي لسنوات ….”
تمتمت بصدق :-
” أقول هذا لأجلك .. لا أريد أن تنحدر لهذا المستوى …”
صاح بقوة :-
” انا لست مثالي يا ليلى ..”
قاطعته بجدية :-
” لكنك لست قاتلا …”
تجهمت ملامحه بينما عيناه تتأملان تلك النظرة في عينيها …
نظرة تحمل رجاءا خاصة ألا يفعلها او ربما ألا يخذلها وفي تلك اللحظة أدرك انه على حافة الهاوية …
إما أن يختار انتقامه او يختار فطرته السليمة وينصرها على شياطينه رغم كل شيء وربما حينها سيمتلك أملا جديدا في الحصول عليها …. !
الأميرة لا يمكن ان تعشق قاتلا فهل يفعلها ويقتل عمار وبالتالي يفقد أي أمل في نيلها يوما ..؟!
ظهر التردد على ملامحه …
التردد والحيرة ..
شعرت هي بذلك فسارعت تمنحه ابتسامة دافئة …
ابتسامة تحمل ثقتها به .. ثقتها إنه لن يفعلها … لن يلوث يده في دماء عمار مهما حدث …
مدت كفها نحو ذراعه تلمسه برقة تحمل في طياتها دعما صريحا بينما تخبره بصدق :-
” فكر في حديثي يا كنان قبل ان تأخذ خطوة تندم عليها فيما بعد …”

ألقت الجريدة التي كانت تقرأها بعيدا بعنف …
لم تستطع التحمل …
رغم كل شيء يبقى عمار أخيها ولا يمكن أن تتحمل ان تقرأ أخباره تلك وتشاهد صوره وهو معتقلا بيد الشرطة …
مسحت على وجهها بتعب وعقلها لا يتوقف عن التفكير الذي يعذبها …
لم تستطع ان تفرح لشقيقها كما يفترض …
شقيقها الذي ظهرت برائته للعلن أخيرا …
كانت مشتتة بين رغبتها في السعادة لأجله وبين حقيقة الألم المعتمل داخلها على مصاب أخيها الآخر …
رغم انه يستحق ونال نتيجة أفعاله لكنها لم تستطع منع نفسها من الحزن عليه ولأجله …
سارعت تغير ملابسها ثم تجري اتصالا مع فادي فهو الوحيد الذي تستطيع ان تخبره بما تشعر به …
الوحيد من يمكنه ان يفهمها وهي يمكنها بدورها ان تصارحه بكم التخبط داخلها ربما لانه بعيد عن الصورة ولا يمسه فعليا أيا من الطرفين …
غادرت بعدها الفيلا متجهة الى الشاطئ حيث ينتظرها هو هناك …
وجدته لم يصل بعد فاتجهت تجلس امام الشاطئ تتأمل امواجه بشرود قطعه فادي الذي وصل بعد حوالي ثلث ساعة معتذرا عن تأخره في الوصول ..
جلس جانبها بعدها يتأمل البحر بصمت يشابه صمتها عندما قرر الحديث أخيرا :-
” يمكنك أن تتحدثي … لا تتردي في البوح عما تشعرينه امامي ابدا …”
التفتت تنظر له .. تواجه ملامحه الهادئة رغم قوتها …
هتفت بضعف تملك منها لأول مرة :-
” انا لست سعيدة …”
اعترفت بها اخيرا وهي تضيف بأسى :-
” على العكس تماما .. انا حزينة بشدة لأجله … انا لا أستطيع منع نفسي من ذلك … انا حزينة لأجل عمار بل مشفقة عليه ايضا وهذا يجعلني اغضب من نفسي لانني من المفترض أن أشعر بالعكس …”
ترقرقت الدموع داخل عينيها وهي تسترسل :-
” لإنه يستحق الحبس … ونديم يستحق أن أفرح لأجله .. لإنه سينال برائته أخيرا …”
سألها بجدية :-
” أ لست سعيدة لأجل نديم إذا ..؟!”
أجابت بسرعة وهي تمسح عينيها بأطراف اناملها :-
” بالطبع سعيدة ولكنني في نفس الوقت حزينة .. حسنا لا أعرف كيف أشرح ذلك ولكنني كلما أردت أن أفرح لأجله أتذكر إن مقابل براءته سوف يسجن عمار لعدة سنوات و الأسوء انني حزينة عليه رغم ادراكي انه يستحق ذلك …”
” لإنه أخيك ..”
قالها فادي بجدية وهو يضيف :-
” مهما حدث يظل عمار أخيك ابن أبيك … كلاكما يحمل نفس الدماء … هذه حقيقة لا مفر منها ..”
تمتمت بوجع :-
” لكنه لم يعتبرني كذلك ابدا … ولم يعتبر نديم كذلك …”
اضافت بألم ظهر على محياها بوضوح :-
” هل تصدق انني لو كنت تعرضت لحادث سيء او مت حتى ما كان ليحزن علي …؟!”
هتف بجدية :-
” لانه ليس طبيعي يا غالية ..”
نظرت له بتأهب فأضاف :-
” عمار مريض …. من يفعل هذا بأخيه لا يمكن ان يكون طبيعيا …؟! خاصة انه لديه اسبابه حتى وان كانت لا تبرر ما فعله ….”
هتفت ودموعها تساقطت من عينيها :-
” انا مشفقة عليه … لقد عاش حياة تعيسة يا فادي ونهايته كانت تعيسة …”
هتف فادي :-
” اهدئي يا غالية … عمار حتى لو كان لديه عقد نفسية داخله فهذا لا يغير حقيقة انه يحمل شرا مخيفا .. شرا جعله يؤذي أقرب الناس اليه … لا أحد يعلم .. ربما ما حدث يصنع بداية جديدة له … ربما يلقنه درسا … ربما يستوعب ان الله لا يترك حق مظلوم ابدا وان الظالم مهما بلغ ظلمه ومهما تجبر سينتقم الله منه لا محالة … ”
سألته بخشية :-
” هل تعتقد ذلك ..؟! أم ربما يحدث العكس ..؟! ربما يخرج من السجن أكثر قسوة وتجبرا …”
” حينها سأقول وبكل أسف انه يستحق أيا مما يحدث له …”
قالها بصدق ثم اضاف :-
” لا تحزني من كلامي لكنه يجب أن يحاكم على أفعاله … أخيك يحتاج لمن يلجم شره .. عسى ولعل ينجح السجن في ذلك …”
سألته بقلق :-
” كم عاما سوف يسجن ..؟؟”
تنهد مجيبا :-
” غالبا سوف يتم محاكمته بما لا يقل عن سبعة او ثمانية اعوام وربما تصل الى عشرة …”
” يا إلهي ..”
هتفت بها برهبة قبل ان تضيف بأسى :-
” كثير للغاية …”
” هكذا يسير القانون .. هو تسبب بسجن شخص بريء لأعوام وعليه لا بد أن يدفع ضريبه ذلك …”
قالها بهدوء لتهز رأسها بصمت قبل أن تهتف بخفوت :-
” حسنا ، مشاكل عائلتي كثيرة .. أعلم ذلك …”
قاطعها بسرعة :-
” لا تقولي هذا من فضلك .. عائلتك تهمني لإنك تهميني يا غالية ….”
سألته بتردد :-
” هل تحدثت مع والدتك مجددا ..؟!”
هز رأسه بايجاب دون جواب لتهتف ببؤس :-
” ورفضت كالعادة …!”
قال بسرعة وهو يقبض على كفها :-
” لا تقلقي .. سوف أقنعها … وإذا لم تقتنع سوف أخطبك بدونها …”
قالت بسرعة ترفض ما قاله :-
” أبدا يا فادي … انا لن أتزوجك دون موافقة والدتك .. لا أنا ولا حتى نديم سيقبل بذلك …”
زفر انفاسه مرددا بتعب :-
” إذا سأحتاج الى المزيد من الوقت لإقناعها …”
” حسنا …”
قالتها بصبر بينما شرد هو في والدته التي تقاطعه منذ ان أخبره بقراره النهائي بالزواج من غالية فهي قاطعته ورفضت ان تسمعه منذ وقتها ..
…………………..

تقدمت اتجاهه وهي تحمل كوب القهوة له بينما كان يجلس هو في حديقة الفيلا شاردا تماما …
توقفت لوهلة تتأمل شروده بشفقة ..
هي فقط من تعلم ما يدور داخله …
وحدها من تدرك حجم معاناته التي يخفيها عن الجميع …
هو رغم كل شيء ليس سعيدا كما يفترض ان يكون ..
هناك حاجز داخله يمنعه عن السعادة ….
تحركت نحوه وهي تبتسم له بصفاء فرفع عينيه نحوها ما ان سمع صوت خطواتها ليتأملها وهي تتقدم بخطوات حذرة بسبب حملها المتقدم للغاية …
عيناه انحدرت مجددا نحو بطنها البارزة فابتسم بصدق مفكرا ان قدوم طفلته سالمة هو الشيء الوحيد الذي سيهون عليه ما مر به …
مدت حياة يدها بالكوب له فأخذه منها وهو يبتسم لها هذه المرة مرددا :-
” شكرا حبيبتي …”
جلست تجاوره وهي تخبره بجدية :-
” تحدث يا نديم … منذ البارحة وانت لست على ما يرام …”
تنهد ثم قال بصدق :-
” لا أعرف ماذا أقول … لم أتوقع أن يحدث ذلك حتى آخر لحظة … لكنه حدث … عمار اعترف بجرمه في حقي وسينال عقابه كاملا …”
قالت بصدق :-
” أخبرتك ان الله سيظهر برائتك يوما ما وقد حدث وظهرت براءتك لكنك تبدو مستاءا …”
قال بجدية :-
” لست مستاء ولكنني لست سعيد .. ”
توقف قليلا قبل ان يضيف :-
” لن أنكر إنني ارتحت كثيرا … شعور الظلم بشع جدا يا حياة وانا عايشته لسنوات … انا الآن ارتحت .. ارتحت لان براءتي ظهرت للعلن وقريبا سيتم اثباتها بشكل قانوني ولكن رغما عني لا أستطيع أن أفرح … ربما لانني كلما شعرت بالسعادة تذكرت ما عايشته طوال السنوات السابقة فسألت نفسي لماذا ..؟! لماذا كان علي أن أعيش كل هذا ..؟! لماذا فعل عمار بي وبنفسه هذا ..؟! لماذا دمرني ودمر نفسه ايضا …؟! لماذا كرهني الى هذا الحد …؟! لماذا لم يتعامل معي كأخ …؟! لو تدركين كم الأسئلة التي طرحتها على نفسي ولم أجد جوابا واضحا لها .. ”
سألته بتروي :-
” انت مشفق عليه يا نديم …”
تنهد قائلا :-
” للأسف .. مهما حاولت أن أتجاهل ذلك لا أفلح .. رغم كل شيء لم أستطع منع نفسي من الشعور بالشفقة لأجله … ”
” لإنك انسان طبيعي ..”
قالتها بصدق وهي تضيف :-
” انسان طبيعي يا نديم … انسان يحمل عدة وجوده … لا يمتلك شرا مطلقا حتى لو لم يكن ملاكا … انت مهما حاولت ان تكون قاسيًا جلدا لن تستطيع .. لإنك ما زلت تحمل داخلك مشاعرا تشكل العطف والشفقة والحزن حتى وان حاولت أن تقتلها باظهار العكس … انت بشر ولست شيطان .. الشيطان وحده من لا يفعل ذلك ولا يشعر بالشفقة على أحد …”
” لكن عمار لا يستحق الشفقة يا حياة …”
قالها بضيق وهو يضيف :-
” عمار دمرني ولولا رحمة الله بي ما كنت لأستعيد برائتي …”
تنهدت ثم قالت :-
” نعم هو فعل ذلك وهو يستحق السجن ولكنه يبقى أخيك …”
قاطعها بصلابة :-
” اطلاقا .. مشاعري نحو عمار بعيدة عن الأخوة … انا فقط مشفق عليه لإنني أشعر إن ما فعله نتاج ما عايشه في الطفولة والذي والدتي كانت سببا فيه … ”
هزت رأسها بتفهم وقالت :-
” أعلم وأتفهم ذلك وانا سعيدة لانك رغم كل شيءٍ تشفق لأجله لكن اياك يا نديم ان تحمل نفسك سبب ما عايشه عمار … ما عايشه عمار كان بسبب والدتك رحمة الله عليها ووالدك ايضا … هذا ما نعرفه لذا مهما كان ما قاله عمار صحيحا فوالديك من يتحملان مسؤولية ما أصابه وما أصبح عليه .. ”
ابتسم مرددا بمرارة :-
” وهل تعتقدين انني سوف اشعر بالراحة وأنا أعلم ذلك …؟! ”
” بالطبع لا …”
قالتها بجدية وهي تضيف :-
” الأمر صعب ،..”
” انها والدتي يا حياة … هل تستوعبين ذلك …؟!”
قالها بألم ثم اضاف بحرقة :-
” والدتي فعلت كل هذا … تسببت بموت امرأة أخرى … انا لا يمكنني التصديق .. لا يمكنني تقبل هذا مهما حاولت .. انها والدتي … والدتي التي فعلت كل هذا …”
توقف لوهلة قبل ان يهمس بأسف :-
” انا لا استطيع تجاهل ما فعلته والأسوء شعوري بعدم قدرتي على مسامحتها …”
” كلا يا نديم … لا تفعل ذلك … عدم الغفران سوف يتعبك .. سامحها يا نديم … لأجلها ولأجلك انت كي ترتاح .. ”
اضافت بجدية :-
” انا عندما سامحت والدتي ارتحت و شعرت انني تصالحت مع نفسي وحقيقة ما عشته بسبب عدم وجودها …”
اضافت بسرعة :-
” صحيح انك ترى عدم وجود مقارنة بين الوضعين لكن ما اقصده ان الحقد وعدم الغفران يدمران صاحبهما قبل أي أحد ….”
تنهدت وقالت :-
” الحياة لا تستحق ان نحمل داخلنا اية مشاعر سلبية اتجاه أحد … الحياة أبسط من هذه التعقيدات … أبسط من أن نحيا بها ونحن نحمل داخلنا اطنانا من الغضب والحقد والرفض ….”
هتف وهو يبتسم لها :-
” كلامك دائما ما كان بلسما لوجع روحي يا حياة …”
ابتسمت. بحب عندما جذبها نحوه صدره يخبرها :-
” انت وحدك من تستطيعين ان تطفئي نيران الغضب والحقد داخلي .. وحدك من تمنحين روحي السكينة التي أحتاجها … انت دواء روحي يا حياة …”
رفعت وجهها من فوق صدره تقبل وجنته برقة ثم تخبره بحب :-
” وأنت حبيبي … ”
ابتسم لها ثم مال يقبل شعرها بخفة قبل أن يسألها :-
” كيف حال صغيرتي ..؟! أخبريني …”
ضحكت وهي تلمس بطنها البارزة تجيب بسعادة :-
” هي بخير وتنتظر قدومها الى الحياة على أحر من الجمر …”
مال نحوها يلمس بطنه بكفه يهتف بصدق :-
” متى سينتهي هذا الشهر وتصل شمس الى دنيانا …؟! لا تدركين مدى لهفتي لذلك …”
تمتمت بسرعة :-
” تبقى اقل من شهر باذن الله .. ”
سألها بجدية :-
” انت متأكدة من رغبتك في الولادة الطبيعية أليس كذلك ..؟!”
أومأت برأسها ثم قالت :-
” نعم ، لا أريد قيصرية .. حتى الطبيبة أكدت لي ان ولادتي ستكون سهلة باذن الله فلا يوجد شيء يمنعني من الولادة بشكل طبيعي …”
هتف بقلق :-
” والألم ..؟! ألا تخافين أن تتألمي ..؟!”
ضحكت مرددة :-
” انت الخائف على ما يبدو …”
قال بصدق :-
” أخاف عليك .. لا أريدك أن تتأملي …”
ابتسمت له تخبره :-
” لا تقلق علي … سأكون بخير باذن الله وسأتحمل اي ألم مهما كان كبيرا لأجل صغيرتي …”
جذبها نحو صدره اكثر طابعا قبلة اخرى فوق شعرها مرددا بينه وبين نفسه :-
” لا حرمني الله منك ولا منها … “

بعد مرور عدة ايام ..
وقفت امام المبنى الذي توجد به العيادة تطالعه بتردد ….
طوال الايام السابقة شعرت بحاجة لاتخاذ خطوتها هذه خاصة بعد حديثها الاخير مع كنان وتشتت مشاعرها المرهب لها …
لطالما آمنت بأهمية الطب النفسي في حياة الفرد وهذا ما جعلها تلجأ اليه قبل عدة سنوات اثناء زواجها من عمار …
وقتها مرت بنوبات اكتئاب شعرت بها والدتها فنصحتها بالذهاب الى طبيب نفسي وفعلت ذلك ولكنها لم تستمر طويلا وهي تدرك ان علاجها لا يمكن ان يحدث طالما عمار موجود في حياتها ..
واليوم هي قررت ان تذهب مجددا وفي داخلها رغبة في تجاوز محن الماضي بكل ما فيها …
دلفت الى العمارة ومنها الى عيادة الطبيب عندما استقبلتها السكرتيرة بابتسامة لطيفة فمنحتها ليلى المعلومات المطلوبة وهي تأخذ مكانها في العيادة تنتظر دورها …
كانت العيادة هادئة ذات اجواء مريحة …
لقد سمعت عن هذا الطبيب بالصدفة البحته بعدما بحثت في مواقع التواصل الاجتماعي فقرأت تجربة احدى الفتيات وهي تمدح به للغاية وتشجع الجميع على الذهاب عنده فهو نجح في علاج شقيقتها رغم صعوبة حالتها وتقدمها …
افاقت من شرودها على صوت السكرتيرة تطلب منها ان تدخل فنهضت من مكانها وسارت بخطوات آلية الى الداخل ..
ما إن وطأت قدميها غرفته حتى تجمدت للحظات وقد تعرفت عليه فورا …
شعرت بالتردد لوهلة غير مصدقة أن تجمع الصدفة بينهما بهذه السرعة وبهذه الطريقة …
هو الآخر عرفها فورا فمنحها ابتسامة هادئة تماما لا تشبه تلك الابتسامة المشاغبة التي منحها لها وقت الحفل …
قررت ان تتجاهل ما حدث بينهما في السابق وتتقدم الى الداخل فهي أتت لغرض محدد وهو بالطبع يدرك عمله وواجباته كطبيب عليه ان يلتزم بقوانين مهنته ..
” تفضلي …”
قالها بجدية لتتقدم نحوه ثم تجلس على الكرسي المجاور لمكتبه …
دقق النظر بها لثواني …
ملامح جميلة ناعمة..
ترتدي ملابس بسيطة لكنها أنيقة …
ملامحها هادئة تماما …
بل كل شيء بها يدل على الثقة والهدوء ….
تأمل المعلومات الموجودة لديه عنها …
مجرد معلومات أساسية عامة يعرفها عن كل مريض قبل دخوله …!
عاد يرفع بصره نحوها يتأمل ذلك السكون الذي يملأ ملامحها فيتسائل عن روحها …
هل يملأ السكون روحها كما يفعل في ملامحها ..؟!
والإجابة كانت معروفة ..
بالطبع لا ..
وإلا ما كانت لتأتي الى هنا …
نطق أخيرا بإبتسامته الهادئة الرزينة :-
” ليلى أحمد سليمان .. ثمانية وعشرون عاما …”
تمتمت ليلى بخفوت :-
” نعم …”
أكمل وعيناه تنظران الى الملف مجددا :-
” متزوجة أيضا …”
هزت رأسها بصمت مؤكدة المعلومة ليتراجع بجسده الى الخلف يتأمل هذه المرة التردد الذي لاح في عينيها فيحافظ على إبتسامته وهو يسألها :-
” ما الذي دفعك أن تأتي الى هنا ..؟! هل تلقيتِ نصيحة بذلك من شخص ما أم هو قرارك الشخصي ..؟!”
ردت بجدية تحاول طرد التردد الذي عاد يسيطر عليها :-
” قراري الشخصي …”
وهذه المرة منحها إبتسامة مليئة بالإعجاب …
” علي أن أحييك إذا …”
قالها محافظا على نفس الابتسامة قبل ان يضيف :-
” ما الذي حدث وجعلك تتخذين قرارا كهذا ..؟! قرار شجاع لا يتخذه سوى القليل .. القليل جدا …”
تنهدت بصمت ثم أجابت :-
” الكثير .. حدث الكثير .. ”
صمتت لوهلة قبل ان تضيف :-
” هناك الكثير مما حدث ولا أعلم من أين أبدأ حقا وأين انتهي …”
قال بجدية :-
” إبدئي من حيث تشائين … من النقطة التي تريدين البداية منها .. ”
استرسل :-
” مثلا ، ما الشيء الذي جعلك تأتين هنا ..؟! تجربة سيئة لم تتجاوزينها على سبيل المثال .. مشاعر سلبية تسيطر عليك او غير ذلك … ”
أجابت بجدية :-
” الكثير … تجارب فاشلة .. مشاعر متخبطة والأهم تخلخل العديد من المفاهيم لدي .. كل شيء يبدو مختلفا وكل المفاهيم التي أعرفها تغيرت … أصبحت لا أفهم أي شخص حولي ولا استوعب كيف يفكر وعلى أي أساس يقرر … أصبحت لا أثق بأي أحد حتى بنفسي … احيانا أشعر بنفسي تائهة لا أعرف ما يجب أن أفعله ولا أجيد التعامل مع من حولي … لا أفهم الخطأ مني او منهم … ”
توقفت لوهلة لتجده يتابعها باهتمام فتضيف بتردد :-
” أصبحت أخشى من الجميع ولا أثق بأي أحد …أصبحت أتخبط في جميع قراراتي .. أخشى اتخاذ قرار فاشلا … ”
قال بجدية :-
” حسنا ، ما تقولينه صعب ومرهق … التخبط والضياع شعوران مرهقان … التشتت والحيرة وما شابه … لكن بالتأكيد هناك اسباب جعلتك تشعرين بهذه الطريقة … ”
هزت رأسها بصمت مؤكدة ما قاله ليبتسم بجدية مضيفا :
” إذا لنتحدث عن الاسباب … او بمعنى آخر .. لنتحدث كيف تكونت هذه المشاعر لديك ومنذ متى …؟!”
تطلعت اليه بتفكير محاولة أن تبحث عن بداية لحديثها قبل أن تبدأ بالحديث …
تحدثت عن الكثير وأخبرته عن الكثير وهو بدوره يستمع لها ويسجل الملاحظات في دفتره …

عادت الى المنزل تشعر براحة كبيرة على غير المعتاد ربما لانها فضفضت بما يملأ روحها اليه ..
ربما لانها تحدثت بصراحة غير مسبوقة عما تشعر به ويؤرق أفكارها باستمرار دون توقف …
ستذهب اليه الاسبوع القادم في جلسة جديدة تشعر بالحماس اتجاهها …
على ما يبدو انها كانت تحتاج لهذه الخطوة منذ مدة …
دلفت الى الفيلا واتجهت نحو والدتها تقبلها وتسألها عن احوالها قبل أن تخبرها انها بحاجة لأن ترتاح قليلا قبل موعد العشاء ..
و أخبرتها ان حالة والدها كما هي فهي زارته بعدما غادرت عيادة الطبيب للاطمئنان عليه ….
صعدت الى الطابق العلوي ومنه الى غرفتها عندما وجدت شقيقتها هناك …
ظهر الرفض واضحا على ملامح وهي تسألها بحدة :-
” ماذا تفعلين هنا ..؟؟ انت تعلمين انني لا أريد رؤيتك …”
نهضت مريم بسرعة لتتجاهل ليلى ملامحها المرهقة كليا والتي تدل على عدم نومها بل وبكائها المستمر ….
تجاهلت ليلى حالتها وهي تضيف بقسوة :-
” غادري غرفتي حالا واياك ان تدخليها مجددا دون إذني …”
تقدمت مريم نحوها تخبرها برجاء :-
” اسمعيني من فضلك … امنحيني فرصة واحدة ..”
صاحت ليلى بعدم تصديق ؛-
” آية فرصة يا مريم …؟! ألم تستوعبي بعد ما فعلتيه …؟! ”
اكملت بغضب شديد تملك منها كليا :-
” انت تزوجت طليقي يا هانم .. تزوجته دون علم احد .. والمصيبة انه حتى الآن لا أحد يعلم بما حدث … ”
أكملت وهي تقبض على ذراعها بقسوة :-
” ماذا سيكون موقف ماما اذا علمت بما فعلتيه …؟! ربما تموت حينها …”
هتفت مريم بسرعة ولهفة :-
” ولكنك لن تخبريها .. وسيتم الطلاق بهدوء …”
” وهل هذا يغير من الحقيقة شيء …؟! انت لم تفهمي بعد .. لقد دمرتي مستقبلك .. انت تزوجت يا هانم وحتى ان تطلقت .. سوف تصبحين مطلقة بينما في نظر الجميع حولك أنتِ ما زلت آنسة لم يسبق لها الزواج من قبل …”
همست مريم بخفوت :-
” أنا أعلم هذا ومستعدة لتحمل نتائج أفعالي كلها ولكن ارجوك سامحيني وتوقفي عن تجاهلي بل رفضي بهذه الطريقة …”
قالت ليلى بجدية :-
” لا يمكنني ذلك .. انا لا استطيع تقبلك بعد كل ما فعلته يا مريم …. انت خذلتني بل وكسرتني ايضا …وضعتني في موقف بشع … ”
ترقرقت الدموع في عينيها وهي تضيف :-
” كيف استطعت فعل هذا بنا ..؟! كيف سمحت لنفسك بأن تتزوجيه ..؟! كيف ..؟! ألم تفكري بي و بوالديك ..؟! ”
” بلى فكرت ..”
قالت مريم بسرعة وهي تضيف بدموع ساخنة :-
” لكن لم يكن امامي حل سوى هذا .. كان يجب ان اتخلص منه بأي طريقة ممكنة …”
صاحت ليلى :-
” وهل فعلت …؟! كلا لم تفعلي وما كنتِ لتفعلي …”
أضافت بانفاس لاهثة :-
” أيتها الحمقاء .. عمار كان ينوي ان يأخذك الى الخارج معه لولا تدخل شيرين وتعاونها معنا ..”
تمتمت مريم سريعا :-
” انا كنت مضطرة .. عمار لم يكن ليتركني … كان لا بد ان افعل ذلك …”
” كان بامكانك ان تخبريني .. كنت سأتصرف …”
قالتها ليلى بحدة بالغة لتتساقط دموع مريم وهي تقول :-
” خفت عليك … لم أرغب أن أدخلك في مشاكل جديدة … انت تتحملين ما يفوق طاقتك ….”
ضحكت ليلى بعدم تصديق بينما اكملت مريم بصدق :-
” اقسم لك انني خفت عليك …”
قاطعتها ليلى بجمود :-
” كاذبة …”
ثم اكملت بقوة :-
” انا اكثر من يعرفك يا مريم .. زواجك من عمار كان بسبب رغبتك في الانتقام منه ومن أكرم … كعادتك لم تفكري سوى في رغبتك وما تريدين حدوثه … ”
قالت مريم بسرعة :-
” لا أنكر ان هذا كان احد الاسباب لكنه ليس الوحيد … انا أردت فرصة للاقتراب من عمار ثم التخلص منه …”
” جيد .. والآن بعدما تخلصت منه بدخوله الحبس ، ماذا ستفعلين …؟! ماذا ستفعلين وانت تزوجت منه …؟! هل ستخبرين ماما ..؟!”
قاطعتها مريم بسرعة :-
” كلا لن أفعل … لا يمكن ان أفعل … ”
أضافت برجاء :-
” انا أخطأت يا ليلى وأدركت حجم خطأي …ساعديني في تصحيح خطئي من فضلك …”
قالت ليلى بضيق :-
” خطئك لا يمكن تصحيحه … انت الآن مضطرة ان تكملي حياتك وانت تخفين هذا السر داخلك … لإنه لا أحد سيتقبل فعلتك هذه ولا سيحترمك بسببها …”
أخفضت مريم رأسها بخجل لتكمل ليلى بتعب :-
” انت لا تستوعبين ما فعلته بنفسك … انت دمرتي مستقبلك وانا لا أعلم كيف يمكنني اصلاح ولو قليلا مما فعلته …”
قالت مريم بتوسل :-
” ساعديني يا ليلى .. وأنا أعدك إنني لن أتصرف بحماقة مجددا … اقسم لك بذلك …”
زفرت ليلى انفاسها بضيق قبل ان تشيح بوجهها بعيدا عن نظرات مريم المتوسلة محاولة التفكير فيما ستفعله لأجل شقيقتها ..
شقيقتها التي تزوجت من عمار الخولي ويجب ان تتطلق منه بأسرع وقت وبشكل سري …
…….

يراها تقف امامه تبتسم منتشية بانتصارها الذي حققته …
انتصرت عليه ونالت منه كما وعدته …
ضحكتها المختلة جعلته يشعر بالاشمئزاز من نفسه لانه عاشرها يوما …
رغبته بالثأر منها تسيطر عليه فلم يستطع ان يمنع نفسه من تحقيقها ….
” سأقتلك يا هذه …”
قالها بإنفعال مخيف قبل أن يحمل السكينة ويوجهها نحو قلبها بتوعد وإصرار على إنهاء حياتها …
سيقتلها ويرتاح الجميع حينها وهو أولهم …!
طعنها بالسكين في منتصف قلبها وسقطت هي بين ذراعيه بعدها والدماء تخرج منها بغزارة بينما ضحك هو هذه المرة ..
ضحك مثل المجنون …
صوت ضحكاته علا اكثر بينما دماءها تغرق المكان حوله اكثر …
انتفض من نومه بنبضات سريعة وانفاس لاهثة …
لا يصدق ما كان يحلم به …
كان يقتل تقى ..
يذبح قلبها كما تمنى …
جذب قنينة المياة من جواره وسارع يرتشف منها الكثير من المياه دون وعي قبل أن يهبط بالمياه فوق رأسه محاولا الاستيقاظ تماما وازالة آثار النوم عنه ..
نهض من فوق الفراش بعدها متجها الى الشرفة الخارجية حيث وقف خارجا يتنفس بقوة عدة مرات بينما نسمات الهواء تضرب وجهه ونصف جسده العاري …
لم يشعر بالسكينة كما يفترض ..
السكينة التي افتقدها تماما منذ تلك الليلة التي فقد بها طفلته …
لم يستطع تجاوز ما حدث ولم يستطع ان يغفر لنفسه ذلك …
رغم ان الجميع يراعونه بعدما رأوه بتلك الحالة المزرية في المشفى ورغم انهم يحاولون مواساته والتخفيف عنه ولكن لم يؤثر به أي شيء فمع مرور الايام تزداد النار داخل صدره اشتعالا …
اتجه الى الداخل مجددا وسحب لنفسه بنطالا وقميصا سارع في ارتدائهما قبل ان يتحرك خارج الجناح ومنه الى خارج القصر …
قاد سيارته في إنحاء الطريق دون ان يذهب الى وجهة محددة وفي النهاية اختار احد البارات الليلة حيث جلس هناك وبدأ يتناول المشروب حتى ساعات الفجر الاولى …
لا يعرف كم مر من الوقت حتى وجد فيصل شقيقه يتقدم نحوه ويجذبه طالبا منه الذهاب معه …
ذهب معه وهو يترنح ليتفاجئ بشقيقه راجي ينتظرهما خارج البار رافضا دخوله ..
أودعه فيصل داخل سيارته متجاهلا ضحكاته الماجنة وكلامه الغير مفهوم ثم جلس جوار شقيقه الآخر والذي قاد سيارته عائدا به الى القصر ..
وهناك وجد راغب في انتظارهم فضحك مرددا :-
” الكبير بنفسه ينتظرني …”
أشار راغب لشقيقه الصغير :-
” خذه الى جناحه حالا …”
جذبه فيصل معه الى جناحه يتابعه راغب بعينين غير راضيتين …
وهناك القى مهند بجسده فوق سريره وغط في نوم عميق لم يستيقظ منه الا في ظهر اليوم التالي …
استيقظ وصداع شديد يؤلم رأسه فسارع يأخذ حماما وهو يتذكر تدريجيا ما حدث البارحة وكيف عاد الى هنا …
هبط بعدها الى المطبخ يطلب من احدى الخادمات ان تجلب له دواءا للصداع و تعد له القهوة …
شرب الدواء ثم القهوة وتحرك بعدها خارج المطبخ يهم بالعودة الى جناحه فلا رغبة لديه في رؤية احد عندما وجد راغب في وجهه يخبره بجدية :-
” اتبعني الى المكتب …”
اضطر مرغما ان يفعل ما يريده …
دلف الى مكتبه وجلس قباله ليمنحه راغب نظرات هادئة متحدثا بلين :-
” آن الاوان لتتجاوز ما حدث يا مهند … ما تفعله ليس حلا … ”
قال مهند باقتضاب :-
” كنت سأفعل ذلك واتجاوزه لو لم أكن سببا فيه …”
قال راغب بجدية :-
” هذه مشيئة الله يا مهند … لا تحمل نفسك فوق طاقتها …”
هتف مهند بجدية :-
” حسنا … حتى لو تجاهلت خسارة طفلتي بتلك الطريقة .. كيف سأتجاوز ما عايشته جيلان بسببي بدءا من زواجها ثم حملها ومكوثها الآن في المصحة النفسية …؟!”
تنهد راغب وقال بصدق :-
” لا بد أن تفعل … ما حدث مع جيلان لم يكن خطأك لوحدك … كان خطأنا جميعا … ولكن ما تفعله ليس حلا … ”
سأله مهند بتهكم :-
” وما الحل اذا ..؟!”
اجاب راغب :-
” أن تتعلم من اخطائك … أن تتوقف عن افعالك السابقة … أنت عليك أن تتخذ ما حدث عبرة كي تتوقف عن طريقة تفكيرك السابقة وتصرفاتك المتهورة الحمقاء لا أن تستمر فيهم …”
اشاح مهند وجهه بعيدا ليضيف راغب بجدية :-
” جيلان سوف تتحسن باذن الله … ”
” حتى لو تحسنت .. انا لن أسامح نفسي ابدا على ما تسببت به لها …”
قالها مهند ببؤس ليهتف راغب باقتضاب :-
” لا أحد سيسامح نفسه …”
ثم أضاف بجدية :-
” ولكن سنحاول الاستفادة من خطأنا كي لا نكرره …”
هتف مهند عن قصد :
” أنت تعترف انك اخطأت إذا …”
هز راغب رأسه قائلا :-
” نعم أعترف بذلك … وانت من الجيد انك اعترفت بذلك لذا عليك ان تسارع لتصحيح تصرفاتك واخطائك بدلا مما تفعله .. الانهيار والانعزال والبكاء على اطلال الماضي لن يفيدك بشيء … ”
زفر مهند انفاسه بضيق عندما اكمل راغب :-
” ما زال لديك الوقت الكافي لتصحيح اخطائك والنهوض بنفسك من جديد يا مهند .. لا تخسر المزيد من الوقت بالله عليك …”
منحه مهند نظرة غير مفهومة قبل ان ينهض متجها الى جناحه وهناك قضى اليوم بأكمله مفكرا فيما قاله شقيقه حتى ذهب اليه في نهاية اليوم يخبره بجمود :-
” انا اتخذت قراري .. سأسافر بعيدا لفترة غير معلومة … انا أحتاج الى ذلك … أحتاجه بشدة ولكنني سأنتظر مغادرة جيلان من المشفى لأطمئن عليها ثم أسافر بعدها …”

بعد مرور عدة ايام اخرى …
جلس فادي بجانب سيف بملامح واجمة ليهتف الأخير بجدية :-
” والدتك ما زالت مصرة على رأيها .. أليس كذلك …؟!”
هز فادي رأسه مرددا على مضض :-
” وغالية ترفض أن أخطبها دون موافقة والدتي …”
” هذا طبيعي جدا … ”
قالها سيف بجدية وهو يضيف :-
” لا هي ولا حتى عائلتها يمكنهم ان يقبلوا بشيء كهذا …”
هتف فادي بنفاذ صبر :-
” وماذا أفعل أنا ..؟! لا استطيع اقناع أمي … حاولت مرارا دون فائدة … هي تخيرني بينها وبين غالية … هل تتخيل ذلك يا سيف ..؟!”
تنهد سيف ثم قال :-
” حاول مجددا يا فادي … انت لا يمكن ان تخسر رضا أمك عليك … ”
اضاف بجدية :-
” في الحقيقة لا أصدق ان والدتك صعبة لهذا الحد .. كنت أعتقد ان والدتي أصعب امرأة على وجه الكون لكنها رغم كل قوتها وتسلطها لم تقف في وجه كنان عندما أراد الزواج من فتاة ليست على هواها بل تقبلت الفتاة لأجله …”
تنهد فادي مرددا بتعب :-
” هذه أمي للأسف ولا يمكنها ان تتغير … ”
أضاف بجدية :-
” لكن عليها أن تعلم إنني اذا لم أتزوج غالية فلن أتزوج غيرها …”
سأله سيف بجدية :-
” وهل أخبرتها بذلك …؟!”
رد فادي بوجوم :-
” نعم ولم تقل شيئا ….”
” حاول معها مجددا … ”
قالها سيف بأسف على حاله ليهز فادي رأسه بصمت وهو يتذكر ما تفعله والدته واصرارها على مقاطعتها له بل الأسوأ عندما أخبرها بكل وضوح :-
” ليكن في علمك إنني إذا لم أتزوج غالية فلن أتزوج سواها .. ”
حينها أجابت ببرود :-
” أن تبقى عازبا طوال عمرك أفضل من أن تتزوجها …”
ومنذ وقتها ولم يفتح الموضوع معها مجددا …
كلماتها آثرت به وهو لا يصدق انها لا تهتم بسعادته الى هذا الحد …
تبادل الاحاديث سريعا مع سيف قبل ان ينهض مقررا العودة الى المنزل رغم عدم رغبته في رؤية احد من سكانه …
وصل الى هناك ليجد فراس على وشك ان يغادر المنزل عندما وقف يستقبله مرددا ؛-
” مرحبا بسيادة المقدم …”
تجاهله فادي ولم يرد عليه عندما جذبه فراس من ذراعه يخبره بغلظة :-
” أنا أحييك يا هذا …”
دفعه فادي موردا بنفور :-
” وأنا لا أحيي أمثالك …”
صاح فراس وهو يدفعه بقوة :-
” هل جننت ..؟! هل نسيت إنني شقيقك الأكبر …؟! كيف تتحدث معي هكذا ..؟!”
تحامل فادي على نفسه وهو يشير اليه بغضب مكتوم :-
” لا أريد أن أتحدث معك كي لا أتفوه بكلام لن يعجبك …”
ضحك فراس مرددا بتهكم :-
” هذا كله لأجل غالية هانم .. ”
صاح فادي بحدة :-
” لا تجلب سيرتها على لسانك …”
صاح فراس بغضب :-
” تعالو واسمعوا .. فادي بك .. سيادة المقدم المحترم يقاطع أخيه لأجل حبيبته .. يقاطع شقيقه الوحيد لأجل غالية هانم .. ”
انقض فادي عليه يصيح بعصبية :-
” ماذا تفعل انت …؟! هل جننت …؟!”
بينما تقدمت باسمة نحوهما تتبعها لوجين راكضة لتصيح الأم :-
” اترك فادي يا شقيقك .. ”
اضافت وهي تشير اليه :-
” هل ستضرب شقيقك الكبير يا فادي … ”
دفع فادي فراس بعيدا مرددا بنفور :-
” الكبير بأخلاقه يا امي وليس بعمره …”
هتف فراس وهو يهندم ملابسه :-
” ابنك يرفض حتى تحيتي بسبب الهانم التي سلبته عقله …”
صاح فادي به :-
” أخبرتك ألا تجلب سيرتها على لسانك …”
صاحت باسمة بعدم تصديق :-
” ماذا حدث لكما ..؟! تتشاجران لأجل فتاة … هل جننتما …؟!”
اكملت تؤنب فادي :-
” وأنت يا فادي … لا أصدق ما تفعله … كل هذا لأجل غالية تلك ..”
هتف فادي بصلابة :-
” أحبها .. أحبها يا أمي ولن أسمح لأي شخص أن يجلب سيرتها بشكل خاطئ …”
” خذها إذا …؟! خذها يا فادي وانسى عائلتك حينها .. انساني انا أمك وانسى شقيقك وحتى شقيقتك …”
قالتها باسمة بحدة ليتسائل فادي بأعصاب مشدودة :-
” هكذا إذا .. انت تصرين على ذلك .. ما زلت مصرة على الاختيار بينها وبينك ..”
” نعم يا فادي فأنا لن أسمح لتلك الفتاة بأن تدخل عائلتنا مهما حدث … وإذا تزوجتها كما تريد سأغضب عليك ليوم الدين …”
كانت تتحدث بجدية لا تخلو من الغضب عندما هتف بغلظة :-
” افعلي ما تريدين … لكنني سوف أتزوجها …”
تحرك بعدها وهو يصيح بهم جميعا :-
” وسأترك هذا المنزل لكم .. كي تهنئوا به جميعا .. ”
تابعته والدته بعدم تصديق عندما وجدته يهبط بعد دقائق وهو يحمل حقيبة صغيرة تحوي على ملابس له فيتابع نظراتها الرافضة لما يفعله عندما قال ببرود :-
” سآتي غدا وأخذ بقية ملابسي …”
ثم تحرك بعدها خارج المنزل متجاهلا صياح والدته باسمه …

” أحتاج انا أراك حالا … أنا في الخارج عند منزلك …”
قرأت كلماته بدهشة ما لبثت ان تحولت الى قلق عندما سارعت تخلع قميص نومها وترتدي ملابس خروج سريعة …
خرجت من غرفتها متوجهة الى الطابق السفلي ومنه الى خارج الفيلا عندما وجدت نديم في وجهها يسألها باهتمام :-
” أين ستذهبين يا غالية ..؟!”
أجابت بتردد :-
” فادي في الخارج .. يريدني لسبب مهم …”
ظهر الرفض في عينيه لتسارع قائلة برجاء :-
” دعني أراه وأفهم ما يريده ثم نتحدث …”
هز رأسه على مضض عندما تحركت راكضة خارج الفيلا يتابعها هو بتلك اللهفة الواضحة عليها دون ان يمنع نفسه من القلق على شقيقته الوحيدة التي سقطت في عشق ذلك الضابط بكل ما تملك ..
يخشى عليها وعلى قلبها الذي يجرب العشق لأول مرة رغم ثقته بذلك الضابط الذي وجده رجلا بحق يعتمد عليه ويمكن الوثوق به …!!
اتجهت غالية بسرعة نحو فادي الذي كان يقف بجانب سيارته متكئا عليها ليعتدل في جلسته وهو يراها تتقدم نحوه بلهفة وهي تسأله :-
” ماذا حدث يا فادي …؟! هل حدثت مشكلة ما معك ..؟!”
اجاب بسرعة :-
” انا تركت المنزل يا غالية …”
صاحت بعدم استيعاب :-
” ماذا ..؟!”
أومأ برأسه وهو يخبرها :-
” نعم تركته … تركته لأجلك …”
” يعني والدتك لن تقبل ابدا بي …”
قالتها بخيبة ليهتف بصلابة :-
” لا يهم .. انا حاولت معها وكثيرا ايضا .. نحن سنتزوج … ”
هتفت بتردد :-
” كيف ووالدتك غير موافقة …؟!”
” ما بالك يا غالية ..؟! اسمعيني جيدا … لن أتقبل منك أي رفض أنت الأخرى .. انا فعلت المستحيل لأجلك .. تركت المنزل لأجلك .. ”
قالها بعصبية لتهتف بحنق :-
” لماذا تتحدث بهذه الطريقة وكأنك تحملني جميلا على ما فعلته ..؟!”
قال بصوت حازم :-
” انا لا أفعل بالطبع ولكن اريدك ان تفهمي ما فعلته كي نكون سويا فلا تأتي أنت الآن وترفضين ارتباطنا بسبب والدتي …”
ظهر التردد على ملامحها عندما سألها بنفاذ صبر :-
” هل المشكلة فيك أم في شقيقك ..؟!”
ترددت غالية وهي تجيب :-
” بكلينا … انا لا يمكنني قبول ذلك .. لا يمكنني الزواج من رجل عائلته لا تريدني … افهم موقفي من فضلك ….”
” والحل ..؟!”
سألها بعدم استيعاب قبل ان يضيف :-
” هل تريدين أن نفترق اذا …؟! هل هذا ما تريدنه ..؟!”
” انا احبك …”
قالتها بجدية ليهتف بغضب مكتوم :-
” اذا تنازلي قليلا لأجل حبك … لأجل أن تكوني معي ….”
أضاف متأملًا التردد الظاهر في عينيها بوضوح :-
” انا قلت ما لدي وسأنتظر قرارك … لكن عليك ان تعلمي إن رفضك يعني انتهاء علاقتنا بأكملها .. ”
ثم ركب سيارته وشغلها ليتحرك بها بعيدا عن الفيلا تاركا اياها تتابعه بخيبة عندما استدارت الى الخلف لتجد نديم أمامها فسألته بتردد :-
” هل سمعته …؟!”
قال بصدق :-
” كلا ، لكنني أريد أن أفهم ما يحدث …”
تقدمت نحوه بملامح حزينة تخبره :-
” والدته ترفض ارتباطنا وهو ترك المنزل لأجلي …”
هتف نديم بجدية :-
” شيء متوقع … أخبرتك ان الأمر لن يكون سهلا … ”
قالت غالية :-
” يريدنا ان نتزوج رغم رفض والدته … أخبرني انه ترك المنزل لأجلي لذا يجب أن أوافق وإلا …”
توقفت قليلا تلاحظ تغضن ملامح شقيقها فتكمل بجدية :
” وإلا ستكون هذه نهاية علاقتنا …”
قال نديم :-
” معه حق …”
هتفت غالية بعدم تصديق :-
” أنت تؤيده اذا …”
هز نديم رأسه مرددا :-
” نعم يا غالية … لإن الوضع الحالي غير مقبول .. اما ان تعلنان ارتباطكما او يذهب كلا منكما في طريقه…”
همست بتردد ؛-
” كيف أتزوجه ووالدته غير موافقة …؟!”
قال نديم بصدق :-
” هو أمر مزعج حقا ولكن القرار يتعلق بك وبمدى حبك له … اما أن ترفضي هذه الزيجة بسبب رفض والدته و تخرجين فادي من حياتك تماما او توافقين وتتزوجينه وتتجاهلين رفض والدته لك …”
سألت بتردد :-
” وأنت ..؟! هل ستوافق به رغم رفض والدته ..؟!”
تنهد مجيبا :-
” يعني اذا رفضت ستكونين سعيدة والأهم من ذلك انك كبيرة بما يكفي لتقرري الافضل لك … انت تحبينه يا غالية وانا يستحيل أن أقف ضد رغبتك بالارتباط منه وانا أدرك إنك تحبينه بحق وربما لن تحبين غيره … لذا كما أخبرتك .. القرار قرارك .. عليك أن تسألي نفسك عما تريدينه وتستطيعين معايشته وحينها ستخذذين قرارا لا رجعة فيه ..”

بعد مرور عدة أيام أخرى …
تجلس أمامه تتحدث معه وهو يستمع لها بدوره ويمنحها سؤالا مهما رغم بساطته بين الحين والآخر …
منذ الجلسة الاولى وهي التزمت في جلسات العلاج …
وفي كل مرة تتواجد فيها عنده تعري جزءا من روحها امامه لتغادر العيادة بعدها وهي تشعر بتحسن يسيطر عليها …
” إذا أنت ترين نفسك حمقاء لإنك تحاولين حماية الجميع ومساعدتهم حتى لو على حساب نفسك …”
قالها بتروي لتهتف بسرعة :-
” ليس تماما … ”
توقفت بعدها لوهلة قبل ان تضيف :-
” التضحية لأجل من لا يستحق حماقة .:. ”
” وكيف ستعرفين اذا ما كان الشخص الذي تريدين التضحية لأجله يستحق أم لا …؟!”
سألها بجدية لتظهر الحيرة على ملامحها ليضيف :-
” هل تعتقدين إنك لو لم تضحي لأجل نديم وقتها كنت سوف تعيشين سعيدة ومرتاحة …؟!”
هزت رأسها نفيا ليضيف متسائلا بهدوء :-
” لماذا برأيك …؟! ”
نطقت على الفور :-
” لإن وقتها كان سيتعرض للأذى بسبب رفضي لذلك …”
قاطعها بجدية :-
” لكن هذا ليس ذنبك … هذا ذنب أخيه … الأمر لا يخصك ..”
هتفت ليلى مستنكرة :-
” لكنها حياة شخص … لا يمكنني التهاون في أمر كهذا …”
” اذا انت ما كنت لتتحملين ان يصيب نديم مكروه يسبب رفضك الزواج من أخيه ..؟!”
هزت رأسها بصمت ليكمل متسائلا :-
” دعينا نفترض ان نفس الموقف تعرضت له لكن مع شخص آخر … شخص لا يجمعك به رباط قوي كالذي يجمعك بنديم …”
توترت ملامحها قليلا وهي تسأل :-
” كيف …؟!”
بسط كفيه فوق المكتب يشرح مقصده :-
” مثلا هناك شخص ما تعرفينه قليلا … تعرفينه بشكل عابر … وبيدك انقاذه من الموت … من خلال الزواج بشخص لا تحبينه مثلا … اما زواجك من هذا الشخص او موت الآخر …؟! هل كنت ستتزوجين أم تتركين الشخص يموت وتهربين بسرعة من هذه الزيجة …!!”
” مع ان الأمر يبدو غريبا وغير منطقي ولكن بالطبع لن أترك شخصا يموت وفي يدي نجاته …”
ابتسم عادل قائلا :-
” هذه نقطة مهمة … التضحية لديك شيء فطري … انت لا تستطيعين التخلي عن مساعدة شخص يحتاجك مهما كلفك الثمن … طبيعتك هكذا … ”
قاطعته برفض :-
” ولكن هذا خطأ … التضحية احيانا تصبح نقمة على صاحبها …”
” كل شيء له حدود يا ليلى …”
قالها عادل بجدية ثم اضاف :-
” هناك اشياء فطرية … انت هكذا طبيعتك … لا يمكنك التوقف عن مساعدة احد يحتاجك ولا يمكنك أن تتسببي بأي ضرر لمن حولك … ضميرك لا يسمح لك بذلك حتى لو كان على حساب نفسك وسعادتك … مثلما يوجد حولنا أشخاص أنانيين لا يهتمون سوى بأنفسهم يوجد أمثالك ايضا … ”
” إذا …”
هتفت بحرص ليقول بجدية :-
” انت لا يمكنك ان ترفضي طبيعتك هذه او تسعي لتغييرها … انت لا يمكنك ان تغيري فطرتك خاصة انها ليست صفة سيئة او مخجلة … أعلم إن التجربة كانت صعبة وبالتأكيد بسببها أصبحت ترين نفسك غبية و حمقاء لإنك ضحيت بنفسك وسنوات من عمرك لأجل شخص توقف عن حبك وتركك بعدها ولكن هل تعتقدين ان الحل هو أن تتصرفي بعدها بشكل معاكس والأهم هل تعتقدين إنك سوف تستطيعين أساسا تغيير نفسك وطبيعتك هذه ..؟!”
أجابت بصدق :-
” لا أعتقد …”
” سوف أطرح عليك سؤالا مهما وأريدك أن تفكري جيدا قبل الجواب …”
قالها بجدية لتنصت له وهي تومأ برأسها ..
” لو عاد بكِ الزمن الى الوراء وتحديدا قبل ستة سنوات … هل كنتِ سوف تتصرفين بنفس الطريقة …؟!”
غاص في عمق عينيها اللتين جمدتا كليا ما إن سألها ليضيف بإصرار :-
” هل سوف تكررين تضحيتك مجددا يا ليلى …؟!”
تجهمت ملامحها تماما …
أخذ يتابع ردود افعالها المتضاربة …
همس بخفوت :-
” لا تتعجلي في جوابك .. فكري جيدا قبل الجواب …”
ثم استرخي في جلسته يمنحها المساحة الكافية لايجاد الجواب المناسب عندما أجابت بعد حوالي عشر دقائق من التفكير :-
” نعم سأفعل …”
رفعت عينيها نحوه تتأمل ملامحه التي تخبرها أن تستمر في البوح بما تريده لتهمس بتردد :-
” ولكنني سأفكر جيدا قبلها …”
” كيف ..؟!”
سألها بجدية لتجيب بتروي :-
” سأبحث خلف عمار وأتأكد من حديثه … وربما سأحاول أن أجد طريقة للايقاع به … يعني لن أتزوجه حتى تغلق جميع وسائل النجاة في وجهي …”
” جيد .. وماذا بعد ..؟!”
سألها بجدية ليظهر الأسى على ملامح وجهها وهي تضيف :-
” ولن أبني آمالا كاذبة على تضحيتي حينها … ”
سألها باهتمام :-
” كيف يعني ..؟!”
تنهدت وهي تجيب :-
” سأخبر نفسي إنه ليس من الضروري ان يكون هناك مردود لما فعلته … انه ليس من الضروري ان أجد نديم ينتظر مرور السنوات ليخرج ويراني وينقذني من قيد أخيه …. ”
ابتسم عادل مرددا :-
” رائع … ما قلتيه هو العلاج يا ليلى …”
نظرت له بحيرة ليهتف وهو يحافظ على نفس الابتسامة :-
” ليس من الخطأ أن نضحي لأجل من حولنا لكن كما أخبرتك كل شيء له حدود وحتى التضحية …”
استرسل بجدية :-
” عليك أن تتعلمي ألا تستعجلي في قراراتك وألا ترمي بنفسك داخل النار قبل أن تفكري عدة مرات قبلها … الأمور لا تكون بهذه الطريقة يا ليلى … كل قرار تاخذينه يحتاج الى دراسة وتروي … قبل سنوات عاطفتك الشديدة نحو نديم تحكمت بك فسارعت تتزوجين عمار فقط كي تنقذينه من الموت … لم تفكري كثيرا ولم تحاول أن تبحثي عن مخرج لهذا … وهذا يعني إن خطأك لم يكن في تضحيتك بل في تسرعك بهذه التضحية دون دراسة …”
تنهد ثم اضاف :-
” والشيء الآخر هو ما قلتيه .. مشكلتنا يا ليلى إننا نتعامل مع الجميع كما نتعامل مع أنفسنا .. نعتقد انهم يشبهوننا .. ونتناسى اننا مختلفين … وليس من الضروري ان نتشابه في تصرفاتنا وردود افعالنا .. عليك ان تفهمي ذلك جيدا فلا نبني آمالا كبيرة على اي شخص مهما بلغت صلة قرابتك وعمق علاقتك به .. الحياة متقلبة يا ليلى … وجميعنا نمر بظروف مختلفة تترك آثارها علينا … من الجيد أن نضع نصب أعيننا عدة خيارات ممكنة في المستقبل لإن أي شخص في حياتنا قبل للتغيير يوما ما … ”
تأملته بصمت لينهي الحوار قائلا :-
” لا تتخلي عن فطرتك يا ليلى ولا تكرهيها ابدا لكن تعلمي أن تروضيها جيدا كي تستطيعي الاستمرار في هذه الحياة …”

جلست بجواره تتأمل حاسوبه الذي يعمل عليه عندما سألته باهتمام :-
” انت لا تتوقف عن العمل اطلاقا هذه الفترة …”
قال بجدية وتركيزه ما زال منصبا على حاسوبه :-
” يجب أن أنتهي من كل شيء قبل المحكمة حتى يمكنني البدء بالتنفيذ بعدها مباشرة …”
نظر لها وأضاف بتردد :-
” لم يتبقَ سوى شهر واحد على الحكم النهائي …”
قال بجدية تطمئنه :-
” لا تقلق … ستنال برائتك رسميا وتستعيد شهادتك ….”
تنهد قائلا :-
” يارب …”
ظهر الضيق على ملامحها فسألها باهتمام :-
” هل انت بخير ..؟!”
ردت بخفوت :-
” اوجاع عادية ستذهب بعد قليل …”
تابعت غالية وهي تتقدم نحوهما لتجلس قابلهما فيسألها نديم :-
” ماذا حدث يا غالية ..؟! تبدين منزعجة …”
أجابته بوجوم :-
” اتصلت بي ابنة خالة عمار قبل قليل …”
” حقا ..؟! ”
هتف بها نديم مستغربا قبل ان يضيف :-
” ماذا تريد …؟! ”
ردت بجدية :-
” عمار أوكل لها مهمة إدارة نصيبه في الشركة ….”
هتف نديم بجدية :-
” برأيي من الأفضل أن ننهي هذه الشراكة … ”
قالت غالية مستنكرة :-
” كيف يعني …؟؟ هذه شركة والدنا …”
تنهد نديم ثم قال :-
” كنت سأقول هذا بعد المحاكمة النهائية ولكن …”
ثم توقف عندما وجد كف حياة يقبض على ذراعه فسألها بتوجس :-
” ماذا يحدث يا حياة …؟!”
نهضت غالية بسرعة وهي تلاحظ تشنج ملامحها :-
” هل أنت بخير ..؟!”
همست بنبرة موجوعة :-
” بطني تؤلمني للغاية …”
قالت غالية بسرعة :-
” ربما ستلدين اليوم …”
ضغطت حياة أكثر على ذراعه عندما قال نديم بسرعة وهو يقف ويحاول ان يجعلها تقف هي الأخرى :-
” سنذهب الى المشفى .. هيا …”
ثم قادها متوجهين خارج المنزل وحياة بالكاد تسيطر على أنفاسها وتمنع نفسها من الصراخ ..
أخبرته غالية إنها ستقود السيارة فسارع يضع حياة في الخلف ويركب هو جانبها بينما اخذت غالية مكانها في كرسي السائق وشغلت السيارة ثم تحركت بها نحو المشفى …
اثناء الطريق سارعت غالبة تتصل بطبيبتها من هاتف نديم ليجدوا الطبيبة في استقبالهم ما ان وصلوا الى المشفى فسارعت تفحصها قبل أن تخبرهم إنها حالة ولادة بالفعل …
اتصلت غالية سريعا بوالدة حياة التي أتت مع حنين بسرعة بينما نديم يقف في الخارج مدعيا الهدوء رغم القلق الشديد المسيطر عليه …
مرت الساعات طويلة وحياة ما زال تتألم بينما الصغيرة ترفض مغادرة رحمها …
تقدمت غالية نحو شقيقها الذي كان يقف وقد تمكن الخوف من ملامحه فربتت على كتفه تخبره وهي تبتسم له :-
” ستلد بخير ان شاءالله وتأتي لك بأجمل طفلة …”
اما حنين فأخذت تواسي والدتها بينما الحماس يسيطر عليها فهي تنتظر هذه اللحظة منذ أشهر طويلة ..
بعد حوالي ثمان ساعات صدح صوت الصغيرة في المكان فانتفضت حنين تقفز من مكانها تصيح بفرحة :-
” ولدت ..حياة ولدت …”
بينما سارعت غالية تحتضن نديم بقوة والدموع تملأ عينيها …
خرجت الطبيبة من غرفة الولادة ليتقدم الجميع نحوها فيسأل نديم بسرعة عن حالة حياة والطفلة لتخبره الطبيبة إن كلتيهما بخير عندما تقدمت الممرضة خلفها تحمل الصغيرة ملفوفة بقطعة قماش وردية فسارع نديم يتلقفها بين أحضانها متأملًا حجمها الصغير وملامحها الناعمة و وجنتيها الورديتين بعدم تصديق قبل أن ينحني مقبلا جبينها ببطأ ورغما عنه سقطت دمعة من عينه فهو الآن شعر باكتمال سعادته بعدما حصل على هذه الطفلة الرائعة والتي ستكون شمس حياته هي ووالدتها مثل اسمها تماما …

كانت حياة تتأمل الصغيرة بحب بينما حنين لم تتوقف عن التقاط الصور لكليهما …
أحلام تجلس على احد الكراسي وغالية تجاورها بينما نديم يجلس بجانب حياة لا يتوقف عن تأمل الصغيرة التي سلبت لبه …
هتفت حنين وهي تتأمل عيني الصغيرة الزرقاوين :-
” يا إلهي … تحمل لون نفس عينيك يا نديم … ”
أضافت مشيرة الى حياة :-
” عيناها رائعتان …”
قالت أحلام بسرعة تؤنبها :-
” قولي ماشاءالله …”
هتفت حنين :-
” ماشاءالله … ”
ثم اضافت :-
هل سوف أحسدها مثلا ..؟! انا خالتها …”
همست حياة وهي تتملأها بفرحة لا مثيل لها :-
” انها رائعة … ”
ثم أشارت الى نديم :-
” تشبهك كثيرا …”
ابتسمت غالية قائلة :-
” تشبهه فعلا … هذا دليل على مقدار حبك له …”
قالت حنين مشاغبة :-
” هذا يعني انك تحبينه اكثر مما هو يحبك لذا أتت الفتاة تحمل ملامحه …”
ابتسمت حياة بصمت بينما قال نديم :-
” الطفل القادم سيأتي يشبهها ان شاءالله وحينها ستقولين العكس يا حنين …”
هزت حنين كتفيها تتمتم :-
” أنا أقول الحقيقة …”
نهضت أحلام من مكانها وتقدمت نحوها لتتأمل الصغيرة بلهفة مجددا قبل أن تقول :-
” سبحان الله .. يليق بها اسم شمس كثيرا .. حقا اسم على مسمى …”
ابتسمت حياة وهي تتأمل الطفلة بسعادة عندما شعرت غالية بغصة لا إراديًا وهي تتخيل والدتها مكان أحلام ترى حفيدتها وتسعد بها …
نهضت متعللة باتصال مهم خارج الغرفة تبعها نديم تاركا حياة مع والدتها واختها عندما وجد غالية تقف جوار الغرفة عاقدة ذراعيها امام صدرها وتكتم دموعها …
رفعت عينيها الدامعتين نحوه ليجذبها نحو صدره فتشبث به وهي تخبره:-
” اشتقت لماما كثيرا يا نديم …”
تنهد نديم وهو يردد :-
” رحمها الله وغفر لها …”
اخذت غالية تكفكف دموعها قبل ان تبتسم له قائلة بصدق :-
” انا سعيدة حقا لأجلك … مبارك لك ولادة شمس يا أبا شمس …”
ضحك وهو يجذبها نحوه مرددا :-
” العقبى لك يا غاليتي …”
ابتسمت بصمت عندما وجدا زوجة عمهما رحاب ومعها نرمين تتقدمان اليهما فتبارك كلتيهما لهما قبل ان تدخلان عند حياة عندما قالت رحاب وهي تتأمل الصغيرة :-
” ماشاءالله … رائعة كالقمر بل كالشمس …”
أضافت وهي تبتسم :-
” قبل يومين ولدا توأم صلاح واليوم ابنتك يا نديم … ”
هتف نديم مبتسما :-
” عقبال نادر واروى باذن الله …”
ثم اكمل بمرح :-
” نرمين ستكون الأخيرة لانها ما زالت صغيرة …”
ابتسمت نرمين وهي تقول برقة :-
” انا مستعدة أن أتزوج حالا إذا كنت سأحصل على فتاة جميلة كهذه …”
رن هاتف نديم فوجد احد اصدقائه يبارك له بينما اخذت حنين تقلب في الصور التي التقطتها الصغيرة وكذلك حياة عندما تحرك نديم في الخارج يجري اتصالا مع احدهم …
انهى نديم اتصاله ليتفاجئ بفادي أمامه والذي بارك له مرددا :-
” مبارك ولادة الصغيرة يا بك …”
ابتسم نديم مرددا :-
” أشكرك يا سيادة المقدم والعقبى لك …”
ثم أشار الى الداخل مرددا :-
” تفضل …”
ابتسم فادي وهو يسير بجانب نديم عندما دلف الى الغرفة ليصدح صوت نديم قائلا :
” سيادة المقدم أتى ليبارك لنا يا حياة …”
انتفضت غالية من مكانها تتطلع اليه بعدم تصديق بينما ابتسمت حياة مرحبة به عندما بارك فادي لها …
أشار نديم الى البقية يخبرهم :-
” سيادة المقدم فادي الطائي … سيكون خطيب غالية عن قريب … سيرتدون الخواتم قريبا ان شاءالله ..”
ثم التفت لغالية المصدومة يغمز لها بمرح لتبتسم رغما عنها وهي تتبادل النظرات مع فادي غير مصدقة لما يحدث عندما أخذ الموجودين يباركون لهما …
صدح صوت حنين مشيرة الى نديم :-
” لم نلتقط صورة لك مع حياة والصغيرة حتى الآن …”
تقدم نديم نحو حياة وطفلته مشيرا :-
” ماذا تنتظرين …؟!”
سارعت حنين تلتقط صورة لثلاثتهما … حياة تحمل طفلتها مبتسمة لها بحب ونديم يجاورها محتضنا اياها وينظر نحو كلتيهما بحب شديد ..

بعد مرور شهر ..
وقفت امام المرآة يتأمل ملامحه بقلق …
لقد انتظر هذا اليوم طويلا حتى ظن إنه لن يأتي أبدًا …
اليوم نهاية سنوات من الظلم و الألم والضياع …
اليوم سوف تنتهي تلك المرحلة البشعة من حياته والتي سيحاول ألا يتذكرها مهما حدث …
تقدمت نحوه وهي تحمل صغيرتها فسارع يلتفت لها وهو يبتسم للصغيرة التي ضحكت له بطريقة أذابت قلبه و أضائت روحه ..
كل مرة ينظر فيها الى طفلته يشعر بسعادة لا مثيل لها …
لا شيء يضاهي وجودها بين ذراعيه …
اخذها من والدتها يحتضنها بحرص كعادته بينما همست حياة وهي تلمس لحيته :-
” لا تقلق … كل شيء سيكون لصالحنا اليوم …”
تنهد وقال :-
” لن أرتاح حتى أسمع الحكم بإذني …”
أضاف وهو ما زال يحتضن صغيرته :-
” انت مصرة على الذهاب معي …”
تمتمت بجدية :-
” بالطبع يا نديم …. يجب أن أكون معك وحوارك في لحظة مهمة كهذه …”
ابتسم وهو يميل نحوها هامسا بصدق :-
” أحبك …”
طبعت قبلة سريعة فوق شفتيه وهي تخبره بدورها :-
” وأنا أحبك كثيرا يا نديم ….”
ثم سارعت تحمل شمس وهي تخبره :-
” هيا ارتدي سترتك لنغادر … ”
هز رأسه وهو يجذب السترة ثم يرتديها قبل أن يحمل محفظته و هاتفه وبالطبع مفاتيح سيارته …
أشار اها أن تسبقه فتحركت خارج الغرفة ومنها الى صالة الجلوس لتجد غالية هناك والتي استقبلتها وتناولت الصغيرة منها وهي تبتسم لها بحب لتسألها حياة :-
” أنت بخير ، أليس كذلك ..؟!”
تمتمت غالية وهي تربت على ذراعها :-
” انا بخير .. اطمئني …”
ثم وجدت نديم يتقدم نحوها مبتسما بهدوء لتبادله ابتسامته وهي تهتف بخفوت :-
” سامحني لإنني لن أكون معك …”
ضمها نحوه متفهما عدم قدرته على مواجهة الموقف مرددا :-
” لم أغضب منك اساسا كي أسامحك .. المهم أن تكوني بخير …”
تجاهلت العبرات التي ملأت عينيها وهي تبتسم له لينحني نديم نحو الصغيرة ويقبلها من رأسها هامسا لها بحب :-
” ادعي لوالدك يا صغيرة … أنت تميمة حظي يا شمس …”
ثم تحرك مع زوجته مغادرا المكان تاركا غالية تتابعهما بصمت عندما نظرت الى الصغيرة بحب وهي تتمتم بشرود :-
” اتمنى أن تكون الايام القادمة أجمل لنا جميعا …”
ثم اتجهت تجلس على الكنبة تلاعب الصغيرة متعمدة الانشغال بها عما يحدث …
مر الوقت بطيئا وقلقها يزداد …
لا تعلم سبب قلقها بالضبط …
هي قلقة ألا ينال نديم برائته المنتظرة وحزينة في نفس الوقت على عمار وقلقة من أن ينال سنوات طويلة في السجن …
نادت على احدى الخدمات لتمنحها شمس وهي تطلب منها حملها لدقائق ريثما تتصل وتعلم ما حدث …
سارعت تتصل بفادي الذي سيتواجد بالمحكمة كما أخبرها ليأتيه صوتها المرحب وهو يبارك لها :-
” مبارك يا غاليتي .. لقد حصل نديم على برائته رسميا …”
لم تسمع بقية ما قاله فالسعادة تمكنت منها للحظات قبل أن تسأله وهذه المرة الخوف تمكن منها :-
” وعمار …؟!”
أجابها فادي بجدية :-
” حوكم بالحبس لمدة ثمانية أعوام .. “

غادر المحكمة بمشاعر مختلطة …
كلمات القاضي تتردد داخل رأسه دون توقف …
اعلان برائته كان حلمًا لم يتخيل يوما ان يناله …
من كان يصدق أن يحدث هذا ..؟؟
لكن الله عز وجل لا يترك حق مظلوم مهما حدث …
لا بد أن يأتي يوم وينصره ويرد له حقه كاملا …
مهما بلغ الظلم ومهما تجبر الظالم سيأتي اليوم الذي يسقط فيه ….
عانقته حياة على الفور ما إن أصبحا خارج المحكمة ليغمض عينيه وهو يشدد من عناقها …
تقدم فادي يبارك له وهو يمنحه الهاتف ليتحدث مع غالية التي قالت بصوت باكي :-
” مبارك لك يا نديم .. مبارك لك يا حبيبي … الحمد لله .. لقد ظهرت برائتك بفضل الله ….”
ادمعت عينا نديم وهو يستمع لنبرة شقيقته قبل أن يتلقى المباركات من حوله ويرد عليها مبتسما بينما عقله ما زال لا يستوعب ما يعيشه …
لحظة يأس من أن يعيشها وهاهو يحياها أخيرا …
تحرك خارج المحكمة ليتوجه الى كنان الذي غادر قبله فوقف أمامه يخبره بصدق :-
” أشكرك كثيرا … ”
ابتسم كنان مرددا :-
” لا عليك … في النهاية لا بد أن يعود الحق لصاحبه …”
تسائل نديم بتردد :-
” انت لن تتخلص منه كما قلت ..؟!”
ابتسم كنان قائلا :-
” لا تريده ان يموت ….”
تنهد نديم ثم قال :-
” انا لا اتمنى الموت لأي أحد يا كنان … اتمنى ألا تفعلها حقا … ارجوك …”
ربت كنان على كتفه وهو يخبره :-
” اذهب واحتفل بانتصارك يا نديم ولا تقلق ولا تفكر سوى بنفسك اليوم ..”
ابتسم نديم وهو يشكره مجددا قبل ان يتجه لزوجته فيقبض على كفها ويتجه بها عائدين الى المنزل حيث تنتظرهم غالية هناك …
اما كنان فتتجه نحو سيارته ليغادر المحكمة عندما فوجئ بها تنتظره هناك قرب سيارتها ليتقدم نحوها متسائلا بوجوم :-
” لماذا أتيت يا ليلى …؟!”
أجابت بصدق :-
” أتيت لأجلك يا كنان وليس لأجل نديم بالطبع …”
سألها بجدية :-
” ولماذا أتيت لأجلي …؟!”
تنهدت ثم قالت :-
” لكي نتحدث …. ”
” ما زلت تريدين الطلاق …؟! ”
سألها بجدية لتجيب بتردد :-
” أحتاج إليه … ربما انت لن تفهمني ولكنني تعبت يا كنان … تعبت من التسليم بكافة الأمور والقبول بكل شيء ببساطة … انا لا أتذكر إنني اتخذت قرارا بكامل ارادتي منذ ستة سنوات او ربما اكثر … لا أتذكر انني شعرت انني حرة حقا منذ سنوات … ”
تنهدت وقالت :-
” أحتاج الى التحرر يا كنان … أحتاج أن أحيا بحق … دون قيود ودون ارتباطات … ”
سألها بهدوء :-
” كم من الوقت تحتاجين ..؟!”
تمتمت بصدق :-
” لا أعلم … ”
أطلق تنهيدة طويلة قبل أن يقول :-
” انت تعلمين إنني لن أجبرك على الزواج مني … أليس كذلك ..؟!”
أومأت برأسها دون رد ليبتسم مرددا :-
” وتعلمين إنني أحببتك بحق ….”
نظرت له بحزن عندما مال نحوها يخبرها :-
” وتعلمين إنني لم أعد رجلا عاديًا بالنسبة لك .. وإنني تركت داخلك آثرا شئت أم أبيت …؟!”
ابتلعت ريقها بتوتر وهي تهمس اسمه معترضة عندما قال لها :-
” لو أخبرتك إنني سوف أمنحك حريتك التي تبحثين عنها وأنا على ثقة إنك ستكونين لي في النهاية ، ماذا سوف تقولين عني ..؟! أحمق …؟!”
قاطعته بتجهم :-
” مغرور بشكل مثير للاستفزاز …”
اتسعت ابتسامته وهو يقول :-
” لكنك ستعودين مجددا يا ليلى وستكونين لي .. ”
زمت شفتيها برفض ليخبرها بجدية :-
” سأحررك من هذه الزيجة يا ليلى … سأمنحك حريتك التي تريدنها … سأمنحك الوقت الكافي وكل ما تحتاجينه لإنك في النهاية ستكونين لي بإرادتك الحرة … ”
تغضن جبينها بصمت ليضيف بجدية :-
” أنت طالق يا ليلى … ولكن عليك أن تعلمي ان طلاقك مني مجرد بداية … بداية لحياة جديدة سوف ترسمينها بنفسك ونهايتها ستكون معي …”
لا تعلم لماذا شعرت بألم حينما نطق بكلمة الطلاق …
هل كانت تريده أن يتمسك بها .. ؟؟
هل تريده أن يجبرها عليه …؟!
تجاهلت افكارها تلك وهي ترسم ابتسامة مصطنعة له تخبره :-
” أشكرك حقا يا كنان …”
ابتسم دون رد لتتحرك مبتعدة عنه عندما أوقفها مناديا عليها فالتفتت نحوه تنظر له بتساؤل فيردد قائلا :-
” لن أفعلها يا ليلى … سأتركه للزمن … لن ألوث يدي بدمه …”
ابتسمت بعدم تصديق والفرحة ملأت كيانها في تلك اللحظة …
بادلها ابتسامتها وهو يخبرها بشكل غير مباشر انه سيتخلى عن ثأره لأجلها …
وسيفعل المستحيل لأجلها …

في اليوم التالي …
تقدمت نانسي نحو والدة زوجها التي تقدمت تستقبلها بلهفة هي والطفلين يجاورها كلا من صلاح وشريف الذين ذهبا يستقبلانها في المطار ليأتيان بها هي والطفلين الى الفيلا بعدما أصرت والدتهما على ذلك …
سارعت نجاة تحتضن نانسي ثم تقدمت نحو الطفلين تحملهما بلهفة عندما وقفت نانسي قربها تتأمل صلاح الواجم بصمت …
لم تتوقع ما فعلته والدة صلاح ابدا …
نجاة الخولي تمتلك شخصية قوية مثيرة للاعجاب ….
نجاة التي منعت صلاح من تطليقها بعدما أخبرها بتردد عن قراره بالانفصال من زوجته التي تحمل طفليه بسبب وجود خلافات بينهما وعدم قدرتهما على التفاهم ….
لم تتحمل نجاة ما سمعته فسارعت تصب جم غضبها فوق صلاح وهي تطلب منه أن يصبح مسؤولا ويتحمل مسؤولية طفليه فأجبرته على التراجع عن قرار الطلاق والبقاء مع زوجته وطفليه وإلا ستحرمه من كل شيء و سوف تقاطعه وكذلك سيفعل شقيقه ….
ابتسمت نانسي لوالدة زوجها التي رحبت بها بحرارة وهي تتأمل الطفلين بسعادة بالغة قبل أن تخبرها :-
” لقد أتت بمربيتين لهما … اخترتهما بعناية فائقة …”
أكملت بجدية :-
” وجهزت غرفتهما .. يمكنك أن تغيريها اذا لم تعجبك وكذلك يمكنك أن تغيري المربيتين إذا لم تشعري بالراحة معهما …”
قالت نانسي بسرعة :-
” لا داعي لذلك … أنا أثق في اختيارك يا هانم …”
قالت نجاة بسرعة :-
” منذ الآن فصاعدا سوف تناديني عمتي كما يفعلن الكنة عادة فأنت كنتي وأم أحفادي ايضا ….”
أكملت وهي تشير اليها لتعطيها الصغيرة :-
” هاتي كاميليا لأراها …”
ابتسمت نانسي وهي تمنحها الصغيرة ثم تتجه نحو المربية وتأخذ منها كريم لتهمس نجاة بفرحة :-
” ماشاءالله … ما أجملها … حفظها الله لكما وبارك فيها ….”
أشارت الى صلاح مضيفة:-
” أصبحت لديك فتاة مثل القمر يا صلاح .. عليك أن تحميها من أعين الجميع …”
ثم نظرت الى الصغيرة قائلة بحنو :-
” وصبي رائع يشتد به عضدك مستقبلا …”
نهض صلاح من مكانه مرددا بضيق خفي :-
” سأذهب الى غرفتي لأستريح قليلا …”
تابعته نجاة بعينيها حتى غادر ليظهر عدم الرضا على ملامحها عندما تنحنح شريف قائلا :-
” اسمحا لي يجب أن أغادر الى المشفى … عن إذنكما …”
أشارت نجاة الى نانسي :-
” تعالي اجلسي جانبي يا نانسي …”
تقدمت نانسي وهي تحمل صغيرها لتشير نجاة الى المربية لتغادر المكان قبل ان تستدير نحو نانسي تخبرها بجدية :-
” اياك ان تسمحي لصلاح أن ينفذ ما يريده … لا توافقيه على ما يريده …”
هتفت نانسي بجدية :-
” انا لا يمكنني أن أجبره على البقاء معي يا عمتي …”
قالت نجاة بقوة :-
” بلى اجبريه … لأجل طفليك .. صلاح ما زال طائشا للاسف
لا يقدر النعمة التي منحها الله له … هو يحتاج ان يستوعب حجم التغيرات التي طرأت على حياته .. ”
تنهدت ثم اضافت :-
” حاولي ان تتحدثي معي وتقتربي منه تدريجيا … كما حاولي دائما أن تقربي الطفلين منه كي يتعلق بهما ويجد نفسه عاجزا عن الابتعاد عنهما …”
” اتمنى لو أستطيع فعل ذلك …”
قالتها نانسي بصدق لتهتف نجاة مبتسمة :-
“سوف تستطيعين … لأجل ولديك أولا ..”
ابتسمت نانسي لها تخبرها بامتنان :-
” أشكرك حقا .. انا سعيدة حقا بما تفعلينه لأجلي … ”
ابتسمت نجاة مرددة :-
” انت ام أحفادي يا نانسي يعني مكانتك كبيرة عندي … انت الآن أصبحت تنتمين لعائلتنا وجزءا منها … ”
شكرتها نانسي مجددا وهي تشرد في حديثها مفكرة اذا ما تستطيع ان تقرب صلاح من الطفلين عندما نهضت بعدها متجهة مع الطفلين و المربيتين الى الغرفة الخاصة بهما …
بقيت مع الطفلين حتى ناما لتتجه بعدها الى الغرفة التي ستمكث بها والتي تكون غرفة صلاح نفسها بعدما أمرت نجاة بذلك ….
همت بطرق الباب قبل الدخول عندما أتاها صوته وعلى ما يبدو يتحدث مع احداهن فتراجعت الى الخلف لا إراديا وهي تسمعه يتغزل بها بطريقة فجة وقحة بشدة ..
اغمضت عينيها بنفاذ صبر قبل أن تطرق على الباب ليأتيها صوته المتذمر بعد لحظات فتقدمت الى الداخل واغلقت الباب خلفها …
تلاقت عينيها بعينين الغاضبتين ليقول :-
” إذا ستمكثين في غرفتي …”
تمتمت ببرود مصطنع :-
” والدتك من أرادت هذا …”
تقدم نحوها يخبرها بجدية :-
” سأخبرك شيئا مهما يا نانسي … لا تعتمدي على والدتي كثيرا لإنني وقت الجد لا أهتم بأي أحد سواي …”
هتفت بسخرية :-
” لا تقلق .. أنا أكثر من يعلم إنك لا تهتم سوى بنفسك …”
” جيد اذا ..”
قالها بتهكم قبل ان يتجه ويسحب هاتفه ومحفظته متجها خارج الغرفة بأكملها تاركا اياها تتابعه بتعب …

خرج من غرفة طبيبها يتنهد بصمت …
لقد سمح له طبيبها برؤيتها أخيرا …
كان لا بد أن يراها قبل أن يسافر …
لا بد أن يعتذر منها حتى لو داخله يعلم ان اعتذاره لن يغير شيئا …
اتجه نحوها ليجدها تجلس في الحديقة الخارجية للمصحة ترسم شيئا ما كعادتها …
سار نحوها قبل ان يقف جوارها فترفع عينيها نحوه تتأمله بدهشة عندما باغتها يسألها :-
” كيف حالك يا جيلان …؟!”
لقد عادت تتحدث منذ فترة بعدما رفضت الحديث لأسابيع ….
ردت بجمود غلف ملامحها التي اختفت منها معالم الدهشة :-
” بخير …”
ثم سألته بنفس الجمود :-
” لماذا أتيت …؟!”
أجاب بصدق :-
” لأعتذر منك … أنا آسف يا جيلان … لقد تسبب بالكثير من الأذى لك … آسف حقا …”
تأملته بصمت لوهلة .. صمت امتد للحظات قبل ان يجدها تبتسم ببرود …
ابتسامة ليست مرحة على الاطلاق …
اختفت ابتسامتها بعد ثواني لتهز كتفيها تخبره :-
” لا داعي للاعتذار … ما حدث كان أمر طبيعي … ”
أكملت وهي تتنهد براحة :-
” واذا كنت تعتذر عن الحادث وما فعلته حبيبتك بي فلا تفعل لانني ممتنة لها حقا فهي خلصتني من تلك الطفلة التي كنت ارفض وجودها وانت تعلم ذلك .. الحمد لله تخلصت من العائق الوحيد في حياتي والرباط الذي كان سوف يربطني بك للأبد …”
اكملت ببسمة رائقة :-
” وانت كذلك … تخلصت منها ومن مسؤولية كنت في غنى عنها … تستطيع الآن أن تعود الى حياتك القديمة …”
هتف بصدق :-
” لكنني لست سعيدا لذلك … على العكس تماما .. انا تألمت بشدة لخسارتها … رغم كل شيء ورغم الظروف التي تكونت بها إلا أنني أحببتها وما زلت أرفض مسامحة نفسي لخسارتها …”
ضحكت وهي تعاود التركيز على رسمتها ليتنهد بحرارة ثم يخبرها :-
” انا سأسافر يا جيلان … ”
تمتمت دون ان تنظر اليه :-
” مع السلامة ….”
” اعتني بنفسك جيدا ….”
قالها بصوت مبحوح وهو يشملها بنظرة قلقة في عينيه لتهز رأسها بصمت دون ان تنظر اليه عندما تحرك مبتعدا عنها عائدا الى القصر حيث سيودع عائلته قبل ان يتجه بعدها الى المطار ليغادر البلاد لفترة لا يعلم مدتها ..
اما هي فعادت بعد مدة الى غرفتها تتذكر حديث ريم ابنة خالتها التي أتت لزيارتها مرتين أخبرتها في الاولى عما حدث مع عمار بتردد محاولة التخفيف عنها فتقبلت جيلان ما سمعته ببرود لتأتي في المرة الثانية وهي تخبره إن عمار يريدها أن تسافر مع شيرين وطفله الى الخارج لتكمل هناك دراستها …
أرادت أن ترفض لكنها تراجعت مفكرة ان السفر خارجا افضل بكثير من العودة الى قصر عمها …
اخبرت ريم بموافقتها لتخبرها بعدها ان عمها يريد التحدث معها فيسألها عن حقيقة رغبتها بالسفر لتؤكد له رغبتها بذلك فيشترط عليها عدم السفر قبل أن تنهي فترة العلاج التي تحتاجها ويسمح لها الطبيب بمغادرة المشفى …
ابتسمت بتهكم وهي تتذكر ابنة خالتها التي ظهرت من العدم ودخلت حياتها كمندوبة عن أخيها عمار الذي على ما يبدو تركها في الخارج تكمل مهامه بينما هو يقضي حياته داخل القضبان …
لا تنكر انها استغلت مرضها النفسي وما عاشته في اجبار عمها على الموافقة على السفر بعدما اخبرته بوضوح لا يخلو من القسوة انها لا تريد وصايته عليها فهو فشل في حمايتها وهي بدورها ستسافر مع زوجة اخيها وتبقى تحت ملاحظة ريم ابنة خالتها …
ضحكت بخفة وهي تتذكر فرحة ريم بموافقتها والأخيرة لا تدري انها وجدتها فرصة استغلتها الهروب من هذه البلاد والبدء في حياة جديدة ومختلفة …
اتجهت نحو المرآة ووقفت أمامها …
تأملت ملامح وجهها …
تمتلك جمالا لا بأس به …
هل يمكنها أن تصبح فاتنة …؟!
هذا العالم لا يناسب الضعفاء وهي كانت ضعيفة ..
هذا العالم لا يتحمل الاغبياء وهي كانت غبية ..
لسنوات كانت تحيا مسلوبة الارادة … يسيرها الجميع كما يشاء ولكن كل شيء سيتغير بعد الآن …
هي لن تتغير فقط …
هي ستخلع عن نفسها رداء الضعف والغباء و الخنوع وترتدي رداء مختلف تماما …
الحياة تستحق الكثير من التمرد ، التحرر وربما المجون …

بعد مرور مدة زمنية ..
دلف الى الغرفة المخصصة لاستقبال الزوار ليجده كما توقع ..
تقدم نحوه مرددا ببرود :-
” كنت أنتظرك …”
منحه نديم نظرة باردة ليجذب عمار الكرسي ويجلس قباله قائلا :-
” هيا .. قل ما لديك .. استغل هذه الفرصة جيدا …”
أضاف وهو يميل نحوه بتهكم :-
” أنت سعيد الآن ..سعيد للغاية .. قلها يا نديم … لا تتردد …”
استرسل بسخرية :-
” ولكن لا تفرح كثيرا … فهذه ليست نهايتي … ”
هو رجل لا يرهبه السقوط ….لا يخشى الهزيمة لانه يدرك جيدا أن هزيمته ما هي الا بداية انتصار جديد ومختلف ….
” كم سأبقى سجينا ..؟! خمسة أعوام …؟! أو ربما عشرة …؟! لا يهم … الحياة لن تتوقف … سأخرج يوما ما … عاجلا أم أجلا سأعود … وأنت والجميع يعلم ذلك جيدا …. ”
” أعلم …”
قالها نديم بثبات وهو يضيف :-
” لست هنا لأشرح لك شعوري بعدما نلت برائتي لإنك لن تفهم ما سأقوله أبدًا …”
أضاف وعيناه تناظرانه بقوة :-
” انا هنا لسبب واحد فقط … ابنك ….”
هدر عمار بغضب :-
” لا علاقة لك به .. لا تقترب منه .. هل فهمت …؟!”
ابتسم نديم قائلا :-
” لقد رأيته يا عمار … صبي جميل .. يشبهك …”
التمعت عينا عمار بحقد دموي ليضيف نديم بصدق :-
” ربما أنت تحتاج أن تراه أيضا لكن بعين مختلفة عن المعتاد … عسى ولعل تقضي على سوادك و حقدك الدفين لأجله …”
هتف عمار :-
” ابني خط احمر يا نديم …”
قال نديم بتجهم :-
” انت تعلم انني لا استخدمه اساليب كهذه … اساسا لم يعد بيني وبينك شيء … ما أردته حصلت عليه وانتهى اي شيء عدا ذلك ….”
نهض من مكانه يخبره ببرود :-
” انظر الى ما وصلت اليه يا عمار … أخبرني كم استفدت من افعالك المؤذية بحق من حولك … كان من المفترض ان تكون الآن بجانب طفلك … تشاهده وهو يكبر امام عينيك عاما تلو عام … تحيا مع أسرتك الجميلة .. لكن أين أنت الآن أخبرني …؟! هنا خلف القضبان … ”
أضاف متأملًا جمود ملامحه :-
” اتمنى أن تعيد حساباتك يا عمار وأن تتخذ ما حدث فرصة لك للتكفير عن ذنوبك من جهة وبدء حياة جديدة مع طفلك من جهة …”
نهض عمار من مكانه مرددا بسخرية :-
” بالله عليك توقف .. لا انتظر منك نصائح غبية لا جدوى منها .. برأيي أن تهتم بنفسك وبعائلتك … حسنا …”
منحه نديم ابتسامة باردة وهو يخبره :-
” لا فائدة .. مهما حدث فلن يكون هناك فائدة أبدًا .. عمار سيبقى عمار مهما حدث ….”
ثم تحرك خارج المكان تاركا الآخر يتابعه بجمود مرددا بينه وبين نفسه :-
” عمار سيخرج يوما ما من هنا يا نديم وحينها ستتمنى انت ومن حولك لو لم يخرج أبدا …”

غادرت عيادته بملامح مسترخية ….
اتجهت نحو سيارتها وركبتها لتتذكر آخر حديث دار بينهما …
” هل تريدين الهرب يا ليلى …؟!”
صمتت لوهلة …
تفكر في السؤال وتفتش عن الإجابة المناسبة بين ثنايا روحها …
هل تستطيع الهرب …؟!
هل تستطيع ترك كل شيء والمضي قدما …؟!
الهرب من محيطها الحالي …
من كافة الجنون المحيط بها …
التخطيط لحياة جديدة ..
بداية جديدة …
سمعته يخبرها وكأنه قرأ أفكارها وأدرك محياها :-
” عليك أن تبحثي عن الإجابة دون التفكير بمن حولك … لا تفكري في عائلتك ولا المسؤوليات التي تحملينها فوق عاتقك … أريدك ألا تفكري سوى بنفسك وما تحتاجينه …”
نظرت له بعينيها العسليتين تتأمل سكون ملامحه ونبرته الهادئة رغم جديتها بدت مريحة جدا …
في داخلها أرادت أن تفعل … أن تفكر في نفسها فقط …
تتذكر كلماته لها .. تقييمه لوضعها …
كيف وصف حالتها وما نصحه بها …
هو لا يراها مريضة إطلاقا ..
هي فقط تائهة ومشتتة وحائرة جدا …
هي فقط تفكر في كل شيء عدا نفسها …
تتخذ قراراتها بناء على مصلحة من حولها قبل مصلحتها ..
هي يجب أن تفكر في نفسها أولا …
أن تراعي نفسها قبل الجميع ..
أخذت نفسا عميقا وعاد السؤال يتردد داخل عقلها ..
هل تريد الهرب ..؟! او هل تحتاجه بمعنى أدق …؟!
وأخيرا خرجت الإجابة من أعماق روحها :-
” أريد الهرب .. أحتاجه …”
منحها إبتسامة هادئة وهو الذي نجح في توجيه أفكارها نحو مشاعرها وتوظيفها بما يخدمها هي لا غيرها …!!
سألها بنفس الهدوء وعيناه تسبران أغوارها :-
” وهل تعتقدين إنه الحل ..؟! هل تجدين في هروبك فرصة للنجاة …؟!”
ردت بعد صمت ثقيل :-
” انا أحتاج أن أبتعد عن جميع من حولي .. أبتعد عن جميع من تسببوا بالالم لي … أحتاج الى بداية جديدة .. حياة جديدة .. ناس جدد تماما … ”
أغمضت عينيها وهي تضيف :-
” أحتاج لبداية جديدة مع نفسي .. اكون لوحدي وأرتب اولوياتي حينها … ربما يكون في الهرب فرصة للنجاة … فرصة للتغير ….”
افاقت من افكارها وهي تتذكر حديثهما وشعورها بالراحة والفارق الكبير الذي طرأ عليها منذ أن بدأت جلساتها معه …
هي تحتاج لبداية جديدة ..، بعيدا عن الماضي وذكرياته التي تراها في كل مكان من حولها … تحتاج ان تستعيد نفسها وذاتها المفقودة في خضم الايام الفائتة …
تنهدت بصمت وهي تفكر مجددا في والدها ووضعه المجهول …
والدتها وشقيقتها التي وضعت كل تركيزها في دراستها متعمدة التباعد عن الجميع خاصة بعدما طلقها عمار من نفسه دون مشاكل كانت تقلق منها …
تذكرت عبد الرحمن ومصطفى …
هل تتركهم جميعا وتسافر …؟!
هل تستطيع ان تفعلها ….؟!
توقفت افكارها عند صوت رنين هاتفها فسحبته لتتجمد اوصالها كليا وهي ترى رقم طبيب والدها الخاص يضيء الشاشة …
أجابت على الهاتف وهي تنتظر سماع ما يقوله والذي سوف يمنحها جوابا واضحا على سؤالها السابق …

تجلس بجانبه امام البحر ترتشف قهوتها بصمت بينما يجاورها حاملا ابنته داخل احضانه …
التفتت له تمنحه ابتسامة وهي تسأله :-
” هل تتذكر ماذا حدث هنا في هذا المكان …؟!”
ابتسم وهو يجيبها :-
” هنا التقينا لأول مرة … رأينا بعض لأول مرة .. ”
أومأت برأسها وهي تخبره :-
” يومها انقذتني من اولئك الشباب … لم أصدق كيف جمعتنا الصدفة سويا …”
هتف بصدق :-
” كانت اجمل صدفة …”
تمتمت بشرود :-
” هل تصدقني لو أخبرتك إنني يومها شعرت إن هذا اللقاء لن يكون مجرد لقاء عابر ربما لإنك شغلت تفكيري قبلها عندما رأيت صورتك بالصدفة ايضا …”
تنهد قائلا :-
” لا أحد بنا كان يعلم ما يخبئه القدر له … لكن بعدما حدث معي أدركت إن الظلام لا يستمر الى الابد وإن يوما ما سيدخل حياتك شخص يغيرها كليا …”
نظر الى عينيها مضيفا بحب :-
” أنت أجمل شيء حدث لي … أنت دخلت حياتي المظلمة لتضيئها بنورك … ”
” أنا أحبك …”
قالتها بصدق وهي تمنحه ابتسامة واسعة ليهمس لها بصدق :-
” وأنا أحبك أكثر من أي شيء ….”
ثم مال نحوها قليلا وطفلته بين ذراعيه يخبرها بصدق وعيناه تنظران لها وكأنها العالم بأكمله :-
” أنتِ كنتِ الحياة يا حياة ….”

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية حبيسة قلبه المظلم)

اترك رد

error: Content is protected !!