روايات

رواية ثري العشق والقسوة الفصل الثاني والعشرون 22 بقلم آية العربي

رواية ثري العشق والقسوة الفصل الثاني والعشرون 22 بقلم آية العربي

رواية ثري العشق والقسوة البارت الثاني والعشرون

رواية ثري العشق والقسوة الجزء الثاني والعشرون

رواية ثري العشق والقسوة الحلقة الثانية والعشرون

نحتاج إلى لحظة هدوء ،،،
إلى هدنة مع الحياة …
إلى صمت يكتم ضجيج الروح …
إلى وسادة سلام تسند أحلامنا المتعبة …
إلى نغمة هادئة تغمُرنا بالسكينة … سحابة عابرة تغسل ما بداخلنا
أو .. عزلة .. نعيد فيها حساباتنا .. ننصت لصوت العقل والقلب معًا لنشعر ببعض السكينة .. ونستعيد انفاس الامل …!!
نحتاج خلوة انفراديه طويله المدي
❈-❈-❈
بعد ساعتين في قسم الشرطة
تجلس عفاف تبكي بشدة وسامح يكاد يجن واضعاً كفيه حول عقله لا يستوعب أن صغيرته قد خطفت .
أما زينب فحالتها كمن أشعل لهيب القهر في قلبها ولم ينطفئ إلا برؤية صغيرتها ، أنفاسها تكاد تختفي وعقلها يعمل بشكلٍ عكسي تكاد تجن من هول ما يراودها .
لم يجدوا تلك الصغيرة إلى الآن والشرطة تتابع كاميرات المراقبة التي لا توضح شيئاً بسبب الزحام .
أسرعت نهى تركض إليهم متسائلة ببكاء حاد وصدمة :
– عرفتوا حاجة ؟ ،، قالولكم أي حاجة ؟
نظر لها سامح بضياع وأسدل كفيه يردف قائلاً وهو يهز رأسه :
– لااااء مبيقولوش حاجة ، أنا عايز أعرف بنتي رااحت فييييين .
قالها بحدة فأسرعت نهى إليه تهدئه قائلة بنبرة يغلفها الأمل برغم قبضة صدرها الحادة :
– هيلاقوها ،، استهدى بالله يا حبيبي وقول يارب ، إنتِ عارف إن ريما شقية شوية يمكن قالت على واحدة تانية إنها ماما ومشيت وراها ، إن شاء الله خير يا حبيبي .
يحاول تصديقها مردداً بحزن شديد :
– يارب يااارب .
وحال زينب كما هي لا تعطي رد فعل على كلام أحدهم سوى البكاء الصامت والقهر المغلف بالجنون الذي تشعر به ، تدعو الله سراً وتتوسله قبل أن تنهار وينهار معها كل شئ .
خرج الضابط إليهم وعلى وجههُ ملامح الأسف قائلاً :
– فيه كاميرا قريبة من السوق ظهرت راجل شايل بنت صغيرة نايمة على كتفه وتقريباً نفس مواصفات البنت اللي قولته عليها ، بس ملامحه مش باينة لأنه لابس كاب والكاميرا مش جيباه كويس .
صرخت زينب بقوة عند سماعها لهذا الحديث بينما هو هز رأسه يردف بحسرة :
– يعنى إيه ؟ ،، يعنى بنتي اتخطفت ؟ ،، طب مييين ، هاتووولي بنتي ، هاتوهااالي الوقتي هي مرعوووبة ،، هاتوهاااالي أبوس إيديكم .
وقف الضابط يطالعه بحزن خصوصاً بعد أن سقطت زينب مغشياً عليها فلحقها هو ونهى وعفاف تكاد تموت عجزاً وقهراً وقلة حيلةّ ، تشعر أنها المتسببة في كل هذا ومقيدة لا تستطيع فعل شئ .
تحدث الضابط برأفة وهو يرى حالتهم ويشعر بحسرتهم :
– هعمل أقصى ما عندي وهرجعهالك ، هدور في كل الكاميرات القريبة وهوصله ، بس خلي تليفونك مفتوح لإن ممكن يكلموك لو هما قصدهم فدية .
يقف يساند زينب التي تجاهد لتظل واعية ويستمع إلى حديث الضابط بضياع ، داخله وحشاً ملعوناً يريد أن يتحرر ولكن يقيده عدم معرفته بداية الخيط .
تركهم الضابط وعاد إلى مكتبه ووقف هو ونهى يسندان زينب التي باتت في حالة تتمني الموت ولكنه لم يأتِ .
وأخيراً تحرك سامح يركض للخارج ليبحث هو ، ليحاول إيجادها بأي طريقة .
ظلت نهى تبكي وهي لا تعلم ماذا عليها أن تفعل ثم مر صقر على عقلها لتقف تاركة زينب في حالة يثرى لها وتجاورها عفاف .
توجهت إلى الخارج وهي تتناول هاتفها من حقيبتها لتهاتفه .
كان في تلك الأثناء يجلس في مركب هو ونارة يتناولان غدائهما سوياً وسط رحلة نيلية رائعة وبرغم ذلك فهو يلاحظ صمتها وهدوئها الذي يقبض على صدره .
رن هاتفه فترك شوكته وتناوله من جيب سترته ليجدها شقيقته نهى .
زفر مطولاً ليتفح الخط ويضعه على أذنه دون حديث فوجدها تبكي بشدة قائلة بنبرة ضائعة وصلت إليه :
– صقر الحقنا يا صقر .
انتفض جسده وتنبهت حواسه متسائلاً :
– في إيه ؟
تحدثت تسرد له ما سمعته وهى على وشك الإنهيار :
– بنت سامح اتخطفت ، كانت مع ماما في السوق وفجأة ملقتهاش ، ولما الشرطة فحصت الكاميرات لقت راجل شايلها وهي نايمة بس ملامحه مش ظاهرة ، بالله عليك يا صقر لو تقدر تعمل أي حاجة أعملها ، أمها هتموت وسامح هيتجنن .
تحولت نظرته ليسأل بغموض تحت أنظار نارة المستفهمة :
– حصل فين بالضبط الكلام ده ؟
أردفت باكية بنحيب وقلبٍ يكاد يتوقف :
– في سوق —– بس هما شافوا كل الكاميرات اللى هناك ، حاول يا صقر علشان خاطري ،، حاول توصلهم يمكن يكونوا عايزين فلوس .
أغلق معها فوقفت نارة متسائلة بقلق :
– فيه إيه يا صقر ؟
تحدث بجمود وهو يتناول أغراضه من فوق الطاولة :
– علينا العودة في الحال .
بعد قرابة النصف ساعة وصل صقر إلى منطقتهم بعد قيادةٍ سريعة ، أوقف سيارته أمام ڤيلا عائلة نارة وترجل يلتفت لها .
ترجلت بتعجب تطالعه متسائلة بقلق :
– صقر فهمني فيه إيه ؟ ،، طول الطريق ساكت ، فهمني إيه اللى حصل ؟
نظر لها بتمعن قائلاً بملامح متوعدة يخفيها عنها :
– حسناً ، أخبرتني نهى أن إبنة سامح الجارحي قد اختطفت ، وطلبت مساعدتي .
شقهت بصدمة وجحظت عينيها ثم تحدثت بحزن :
– بنت أخوك ؟ ،، مش كدة ؟
أومأ لها قائلاً بثبات :
– الآن ستظلين هنا مع والدتكِ إلى أن أعود ، لن أكرر خطأ أمس ، هيا جميلتي ادخلي كي أذهب .
أومأت بحزن من أجل تلك الطفلة المختطفة ثم قالت بنبرة مترجية :
– طيب ابقى طمنّي يا صقر لو سمحت .
أومأ لها بينما فتح الحارس البوابة ودلفت وظل حتى تأكد من دلوفها الڤيلا ثم عاد يستقل سيارته يستقلها وتناول هاتفه يطلب رقم ماركو قائلاً بعد أن أجاب الأخر :
– أين أنت ؟
أجابه ماركو وهو يتماطأ :
– استيقظتُ للتوِ ، ماذا هناك ؟
تحدث بصرامة وقسوة :
– انتظرك في الخارج ، انزل فوراً .
❈-❈-❈
وصل سامح إلى السوق الذي تم خطف الصغيرة فيه وبدأ يبحث هنا وهناك كالمجنون ويسأل الجميع مرةً ثانيةً وهم في حالة من الأسف عليه فهو قد سألهم منذ ساعات وأخبروه بما رأوه .
وقف بينهم يلتفت بضياع ثم بدأ ينادي بصوتٍ حاد باسم غاليته ودموعه تنساب قائلاً :
– ريماااااا ، بنتـــــي .
أسرع بعض الرجال يحاولون مساندته قبل أن يسقط ويجاهدون لبث الطمأنينة فيه ولكن قلبه يصرخ قهراً باسمها .
وحال زوجته مثله حيث ظلت جالسة أمام قسم الشرطة ورفضت بشكلٍ قاطعٍ العودة إلى المنزل دون ابنتها ، ستنتظرها هنا إلى أن تعود .
كانت عفاف تطالعها ولا تقوى حتى على نطق كلمة مساندة واحدة ، كل ما تشعر به أنها المتسببة في كل هذا الألم .
❈-❈-❈
كانت قد دلفت نارة إلى والدتها التي رحبت بها متعجبة ولكن زال تعجبها بعدما أخبرتها نارة بمَ حدث ليحل محله الصدمة والدعاء لهؤلاء الذين لا تعرفهم .
كانا في الجهة الخلفية من الحديقة يجلسان عمر ومايا على العشبِ الأخضر وحولهما تركض القطة ومايا تلاعبها .
كانت مستمتعة جداً وسعيدة بالحديث مع عمر حيث تحدث معها عن عمله في الصالة الرياضية وبعض المواقف التي قابلته ولم يخلُ الحديث من بعض التعليمات الدينية التي يلقيها خفيةً من بين حديثه بمغزى .
ملست على فراء القطة التي استكانت بجوارها لتسأله بعد أن سردت له عن حياتها في إيطاليا قائلة :
– وإنت يا عمر ؟ ، مكلمتنيش عن باباك ومامتك خالص ؟ .
تبدلت نظرته من الهادئة إلى أخرى صادمة فقد فاجأته ، نعم لم يتطرق للحديث عن ماضيه أبداً ، كل ما تظنه أنه الابن الوحيد لصديقة قديمة لوالدتها ، ولكنها حتى لا تعلم اسم عائلته ، ولكن الآن وبعد أن قرر ونوى إعطائهما فرصة كيف سيشرح لها هذا الأمر ، ماذا سيفعل إن نظرت له نظرة مختلفة عن تلك التي تطالعه بها الآن .
لم يكد ينطق حتى ظهرت آسيا لتنجده قائلة بصوتٍ عالٍ وهي تقف في شرفة الڤيلا :
– مايا تعالي نارو هنا .
انفرجت أسارير مايا واعتدلت تقف قائلة وهى تنظر إلى عمر بحب :
– عمر هروح أسلم على نارو ونبقى نتكلم وقت تاني ، يالا بااااي .
قالتها وهي تلوح بيدها ثم خطت للداخل لترى شقيقتها .
❈-❈-❈
بعد وقتٍ
استطاع صقر وحارسه المصري أن يحصلا على تسجيلات من مناطق أخرى ، مناطق معينة وأزقة ضيقة يستعملها المجرمون والخارجون عن القانون للتخفي بها ، وها هو يجلس مع ماركو وفايز حارسه يتابعون السجلات بتمعن ودقة خصوصاً هو ، يدقق النظر كي يلاحظ ما يمكن أن يلتقطه ويصل به إلى شئ .
رأى هذا الرجل الذي يحمل الطفلة النائمة وهو يغادر متلفتاً حوله بقلق ، ركز جيداً في يده التي تحاوط الصغيرة حتى أنه قال .
– كبّر تلك اللقطة .
أومأ له فايز وضغط زر التكبير والإيضاح لتظهر له إسورة سوداء في يد هذا الرجل ، إسورة مميزة رفيعة سوداء ذات نقشٍ أحمر في منتصفها .
تأكد من شكوكه حيث أن خاطفيها هم عصابة تجارة الأعضاء وليس كما ظن الباقيين للمساومة على مالٍ .
وقف يضغط على هاتفه ليطلب رقم الجراح الذي يحتاجه في المهام الخاصة كيوم زفافه .
أجابه الجراح قائلاً بنبرة استفهامية :
– أسمعك سيد صقر ؟ .
تحدث بقسوة ونبرة مرعبة يغلفها التوعد :
– هل لك يد في تجارة الأعضاء ؟
تفاجأ الجراح لينفي فوراً قائلاً :
– بالطبع لا ، لو كانت لي يد لكنت علمت ذلك ، ولكن أخبرني ماذا حدث ؟
تحدث صقر بثبات ونبرة مخيفة وعينه منكبة على الإسورة أمامه عبر الشاشة :
– أحدهم اختطف طفلةً تخصني ، وعند الفحص تبين لي أنه رجلاً تابعاً لمافيا الأعضاء ، والآن أخبرني شيئاً مفيداً .
تساءل الجراح مترقباً :
– في أي منطقة تم خطفها ؟
أخبره صقر بالمنطقة ليعاود التحدث بثبات وانتماء :
– حسناً أعلم من يقوم بتلك العمليات ، هو يعد زميل مهنة ، يمكنني أن أدلك على مكانه .
أردف صقر بجمود وهو يقف :
– قل مكانك وانتظرني .
أغلق معه بعدما أملاه الرجل مكانه وتحرك على الفور هو وماركو وفايز ، استقلوا سيارته وغادروا .
رفع صقر هاتفه يطلب رقم أحد من رجاله قائلاً بملامح قاسية حيث الآن يظهر الوجه الآخر لشخصيته :
– أحضر كيفين وتعالا معاً إلى العنوان الذي سأرسله لك وأخبر ليون أن يجهز للحفلة .
أغلق معه ثم طلب رقم نهى التي أجابت تتساءل ببكاء ولهفة :
– ها يا صقر عرفت حاجة ؟ .
تحدث بجمود قائلاً :
– أرسلي لي صورة الطفلة .
أغلق بعدها فوراً وثواني وأرسلت له نهى صورة الطفلة التي ما إن رآها ولمح نظرتها حتى تأكد أنها تابعةً له ، نظرتها تشبههُ كثيراً ، تأملها لثواني ثم أغلق الهاتف وانتظر القادم بذرة من الصبر وأما عن الرحمة فوجودها الآن يعد ضرباً من ضروب المستحيل .
❈-❈-❈
وصلت السيارة إلى هذا المكان النائي الذي يصعب على المارة الوصول إليه .
تحدث الطبيب مشيراً :
– هنا منطقتهم ، وهنا تتم عمليات نزع الأعضاء وحفظها إلى أن تباع لمشتريها .
نظر صقر لهذا المبنى الذي يبدو عليه التآكل وأومأ ، كان قد أرسل الموقع إلى رجاله ليتبعوه في الحال .
نظر للطبيب قائلاً بجمود :
– أنت ستذهب مع فايز تنتظرني في بيت الصحراء ، وجهز أدواتكَ .
أومأ الطبيب وترجل صقر وماركو وجاء رجاله بسيارتهم ثم بدأوا في رفع أسلحتهم جميعاً وخطوا بطريقة مدروسة جيداً اتبعوها لسنوات .
صعدوا هذا المبنى حتى وصلوا إلى الطابق الثاني بحذر وهدوء يدب الرعب في من يترقبه .
ليركل صقر الباب بقدمه فجأة فيفزع من في الداخل .
كان يوجد رجلاً يمتلك ملامح شيطانية وآخر يبدو أنه الجراح وآخر عندما رآه صقر عرفه فوراً من معصمه فهذا هو الخاطف الذي ظهر في كاميرات المراقبة .
كادوا أن يخرجوا أسلحتهم ليطلقوا عليه ولكن صقر وماركو ورجاله انتشروا بطريقة تشبه الأشباح حول المكان وسيطروا على حركتهم وقيدوهم قبل أن يستوعبوا ما يحدث ، يحاولون الفكاك من قبضة رجال صقر القوية ولكن هذا لا يفيد في شئ حيث حسم الأمر وانتهى .
لف صقر نظره حول المكان ، تلك الغرفة معدة لتبدوا كغرفة عمليات في إحدى المستشفيات .
سرير رفيع مبطن ومغطى بالجلد وتجاوره طاولة تحمل أدوات جراحية وتشريح وثلاجة لحفظ الأعضاء ولوازم أخرى كثيرة يحتاجونها لهذا العمل الإجرامي البشع .
نظر باشمئزاز لهم ، هذا المكان وما يحدث فيه جعله يشعر كم هو مظلم ، يشعر كم هو قاسي ، جعله يشمئز من عالمه كله .
نظر صوب هذا الخاطف قائلاً بنبرة مرعبة استطاعت أن تهز جسده :
– أين الأطفال ؟
لم يتحدث الرجل برغم رعبه بل نظر له نظرة حاقدة لو تجسدت لالتهمت صقر ومن معه .
غضب صقر لذا أخرج سلاحه المعلق به كاتم الصوت وصوْب نحو ساقه وأطلق دون تردد فصرخ الرجل متألماً تحت أنظار البقية فعاد صقر يردد سؤاله بنبرة أشد ظلاماً وتقطع :
– أيــن الأطفـــال ؟
أشار الرجل بيدٍ مرتعشة إلى إحدى الغرف ليسرع صقر إليها ويحاول فتحها حيث كانت موصدة ، زفر بنوعٍ من الملل ثم دفع الباب بقدمه لمرةٍ واحدةٍ كانت كافية لتفتحه على مصراعيه .
خطى للداخل ليجد ما يقرب العشرون طفلاً وطفلة مقيدون ينتظرون مصيراً غير معلوم ، كل ما يعلمونه أن البكاء بات ميئوساً منه ، براءتهم ونقاء ملامحهم ينافي تماماً هذا المكان ويبدو أن قدر الله هو نجاتهم .
نظر للركن الآخر ليري تلك الطفلة التي تجلس باكية ومرتعبة ، ترتعش حينما رأته ، لأول مرة يشعر بوخزة في قلبه ، لا يتقبل فكرة المساس بأطفال ، يعلم أنهم أنقياء العالم ، يعلم أنهم يستحقون الأفضل .
أردف وعينه عليها بصوت عالٍ ليطمئنهم :
– متخافوش ، كلكم هتروحوا بس متتحركوش من هنا .
عاد للخارج وتركهم لتعود له ملامحه المرعبة ويردف بقسوة :
– أفحصوا المكان جيداً وتأكدوا أن لا أحد سيبقى هنا سوى الأطفال .
بالفعل تحرك رجلٍ له يفحص المكان جيداً وعندما تأكد من خلوه عاد يخبره ويؤكد له فتحدث صقر :
– حسناً ، هيا بنا .
تحرك للخارج وماركو ورجاله خلفه يسحبون هؤلاء الشياطين .
وصلوا لسياراتهم واستقلوها ثم أخرج صقر من درج سيارته الأمامي علبة تحتوي على عدداً لا بأس به من الخطوط الهاتفية وتناول أحدهم ثم التقط هاتفاً يدوياً يحتفظ به في سيارته وقام بوضع شريحة الاتصال الجديدة به وطلب رقم الشرطة قائلا بلغة مصرية سعى كي تبدو صحيحة في نطقها :
– بيت قديم في شارع **** في منطقة التلة ، فيه عشرين طفل وطفلة مخطوفين ، ياريت تلحقوهم بسرعة ومن ضمنهم أطفال متبلغ عن خطفهم .
أغلق ثم نزع الشريحة ليقوم بكسرها وينطلق فوراً هو ورجاله .
❈-❈-❈
وصل بعد وقتٍ إلى منزل الصحراء الذي اتخذه مكاناً لتفيذ عملياته وانتقاماته ، دلفوا يسحبون من أتوا بهم إلى الداخل حيث تم تجهيز الحفلة التى كانت عبارة عن سرير طبي رفيع يشبه الذي كان في ذاك البيت وأدوات طبية مناسبة للعمليات الجراحية وأمبولات تخدير وغيرها من معدات تلزم مستخدميها والجراح يقف عندهم ينتظره .
قيدهم رجال صقر في تلك المقاعد بنفس الطريقة المعتادة ثم وقف صقر وماركو ينظران لهم بتشفي .
تحدث ماركو متسائلاً بنبرة جليدية :
– والآن ماذا تنوي ؟
نظر صقر في عينه ثم تجاهله ولف نظره يطالعهم ببرود ظاهري وتحدث بنبرة يغمرها الغضب :
– والآن بأيٍ منكم نبدأ ؟ ،، هل بالطبيب الفاعل ؟ ، أم باللص الصياد ، أم بالتاجر ؟
قالها وهو يشير على كل واحدٍ بطريقة تثير الرعب داخلهم فلم يجب منهم أحداً فكيف وأفواههم مغلقة بفعل لاصقٍ قوي والكل أدرك مصيره ليتابع وهو يقف بقسوة :
– حسناً ، لاختار بنفسي ، يقولون أن طاهي السم يتذوقه ، إذا لنفعل نفس الأمر ، لننزع أعضائكم النتنة ونوّردها لمستحقين ، ما رأيكم ؟ ، أظن أن ذلك منتهى العدل .
كانوا يحاولون الفكاك من قيودهم وأصواتهم مكتومة ولكن لا جدوى حيث نظر لماركو يردف بابتسامة مرعبة :
– لنبدأ بالتاجر إذاً يا صديقي .
وبالفعل استطاع رجال صقر أن يمددوا هذا الرجل ذو الملامح الحادة على هذا السرير ليبدأ الجراح بتخديره أمام أعين الأخرين المرعوبة .
❈-❈-❈
وصلت الشرطة المكان المنشود واقتحموه مستعدين للإشتباك ولكن تفاجئوا من خلوهِ ليتجهوا لغرفة الأطفال المرعوبين والمقيدين .
فكوا أسرهم وأخذوهم إلى قسم الشرطة التابع للمنطقة كي يستدل على ذويهم حيث كانوا مرتعبين ويبكون بشدة .
وصلت سيارة الشرطة إلى القسم وترجل منها الشرطيون وبدأوا ينزلون الأطفال فرأتهم نهى التي كانت تجلس تساند زينب وعفاف .
جحظت عينيها وهى تردف بأمل يتوغلها :
– زينب ، لقيوها يا زينب ، ريمااا معاااهم .
ليتحول لهيب قلبها إلى رطباً في لمح البصر وتقف على قدميها تنظر صوب السيارة فتجدهم ينزلون أطفالاً صغاراً ومن بينهم ابنتها .
رأتها فتجمدت لثواني وكأن قدميها التصقت بالأرض قبل أن تصرخ باسمها وتركض بقوة لا تعلم من أين أتتها .
وصلت إليها ونهى وعفاف تتبعانها وقبل أن يستوعب الشرطي نزعت من يده صغيرتها الباكية تعانقها بقوة تكاد تفتك العالم إلا هي ، تعانقها وتبكي والصغيرة تتعلق بها وتبكي أيضاً في مشهدٍ يبكي الحجارة ويفتت القلوب .
ترجل الشرطي يتنفس براحة وسعادة فهو يدرك تماماً حالتها لذا تحدث بهدوء :
– الحمد لله ربنا بيحبكوا ، فاعل خير بلغنا ووصلنا لمكانهم في الوقت المناسب تماماً ، حمدالله على سلامتها بس ياريت تيجوا معانا إنتِ وباباها علشان نقفل المحضر .
لم تسمعه ، من سمعه نهى وعفاف التي سجدت أرضاً شكراً لله ، سجدت لعودة حفيدتها سالمة ، أما نهى فتحدثت إلى الضابط قائلة برتابة وسعادة :
– حاضر يا فندم ، حالاً هكلم أخويا أطمنه .
تناولت هاتفها وطلبت رقم سامح الذي كان يجول الشوارع كمن فقد عقله وقلبه يبحث عنها بيأس .
تناول هاتفه وأجاب بحسرة :
– مش لقيها يا نهى ، حاسس إني هموت .
أسرعت تردف بنبرة تتوغلها السعادة والحماس :
– لقنيها يا سامح ، رجعت يا حبيبي تعالى حالاً عن القسم .
استطاعت أن تجبر انكسار قلبه بجملتها التي ردت إليه الروح ليتنفس بعمق كأنه كان منقطع النفس ويردف متسائلاً ببكاء :
– بجد يا نهى ؟ طب خليني اسمع صوتها ؟
أسرعت نهى تناول الهاتف لزينب التي ما زالت متعلقة بصغيرتها وقالت :
– زينب ده سامح ، عايز يسمع صوت ريما .
التقطت زينب الهاتف ووضعته على أذن ابنتها التي هدأ بكائها تحثها بنظراتها على التحدث فقالت الصغيرة بصوتٍ متحشرج ضعيف :
– بابا ؟
أغمض عينه وشكر ربه وانسابت دموعه ثم قال بوهن وسكينة :
– نعم ، نعم يا عمري .
لم تقل سوى هذه الكلمة وعادت تنام على كتف والدتها التي تناولت الهاتف منها وتحدثت بدلاً عنها قائلة بهدوء ينافي ما كانوا عليه :
– سامح تعالى يا حبيبي .
❈-❈-❈
ليلاً عاد صقر بسيارته التي أوقفها أمام ڤيلا السيدة آسيا .
رفع هاتفه وطلب رقم نارة التي أجابت بلهفة متسائلة :
– صقر ،، لقيتوا الطفلة ؟
تحدث بثبات وصوتٍ مثقلٍ بالهموم :
– أنا في الخارج أنتظركِ .
أغلقت معه ووقفت تودع والدتها ومايا فتساءلت آسيا بترقب :
– مقالكيش لقيوها ولا لاء ؟
هزت رأسها بلا فأومأت آسيا بتفهم وودعتها إلى أن خرجت من البوابة واستقلت بجواره وتحرك بها صوب ڤيلتهما .
وصلا إلى منزلهما ثم صف السيارة وترجلا ودلفا سوياً إلى الڤيلا فتساءلت بترقب :
– طمني يا صقر لقيتوها ؟ ،، إنت ليه مش بتتكلم ؟
زفر قائلاً بضيق ومراوغة :
– لا أعلم ، أنتظر اتصالاً لأطمئن ثم أطمئنكِ .
خطت تجلس على الأريكة واتجه يجاورها ويرفع رأسه مستنداً على ظهر المقعد ليغمض عينيه بعدها ، يشعر أنه معبأً بالهموم ، لم يعد يشعر بلذة الإنتقام بل يشعر بمدى سوءه وسواده .
نظرت له فلاحظت حالته وإرهاقه لتقول بنبرة حنونة معتقدة أن حزنه على فقد الصغيرة :
– أعملك قهوة ؟
هز رأسه يردف بضيق :
– لا شكراً لكِ .
أومأت لتصمت بعدها لثواني ثم أعلن هاتفه عن إتصالٍ ينتظره ، اعتدل وفتح يجيب على شقيقته بغموض :
– فيه أخبار ؟
أردفت نهى بسعادة وفرحة وهي لا تعلم أنه منقذها :
– أيوة يا صقر رجعت الحمد لله ، الشرطة رجعتها هي وأطفال تانية كتير ، الحمد لله كنا هنموت ، معلش يا حبيبي تعبتك معايا بس مكنتش عارفة أعمل إيه وقتها .
شعر بالإرتياح يتوغله رويداً رويداً ثم تحدث بهدوء :
– تمام ، تصبحي على خير .
أغلق معها ثم نظر لنارة وابتسم قائلاً بارهاق :
– الطفلة رجعت .
ابتسمت بسعادة قائلة وقد انفرجت ملامحها :
– الحمد لله ، أنا كنت زعلانة علشانها وعلشان أهلها أوي .
نظر لها ولعينيها بتأمل ، كم هي شفافة ونقية تحمل قلباً ليناً ينافي جمود قلبه ، تحدثت وهي تقف متجهة للمطبخ :
– خليني أجهز عشا سريع وارجعلك .
أومأ لها وتحركت هي صوب المطبخ لتحضر بعد دقائق وجبة سريعة أحضرت معها عصير الكيوي الذي يفضله .
تحركت باتجاه الحوض لتضع الملعقة وتغسل يدها لتتفاجأ به يعانقها ويلف يده حول معدتها وفكه يستند على كتفها قائلاً بنبرة ثقيلة مجهدة لأول مرة تسمعها منه :
– أنا متعبٌ جداً ، أشعر أني أحمل فوق رأسي حجراً ثقيلاً ، فقط عانقيني لأرتاح .
التفتت إليه تردف بحزن لما آلت إليه الأمور بينهما قائلة :
– ربما أنت بحاجة للطعام ، فمؤكد لم تأكل منذ أن تركتني ، هيا تعال لتتناول وجبةً خفيفةً وهذا العصير وبعدها ستشعر بتحسن .
تحرك معها بينما حملت هي الصينية واتجهت إلى الخارج تضعها على طاولة تحيطها الأرائك .
جلسا سوياً لتبدأ في إعداد اللقيمات له وهو يتناول منها برأسٍ مشوشة ، ناولته كوب العصير وارتشفه ليبدأ الصداع يختفي تدريجياً بعد دقائق .
– صقر تعالى نطلع فوق .
قالتها بحب كأنه صغيرها فأومأ لها وتحرك معها للأعلى حيث غرفتهما ، دلفا سوياً بينما هو إتجه إلي غرفة الملابس ليفتح خزنته ويحضر مفتاح المكتب الخاص به كالعادة ، خطى للخارج يردف وهو ينظر لها مبتسماً بهدوء :
– سأذهب إلى المكتب وأعود سريعاً .
أومأت له بتعجب ، فهو كان يعاني من صداع الرأس منذ قليل ، ألم يمكن تأجيل العمل أو أي شئ أخر إلى الصباح ؟ ، لمَ يذكرها بغموضه وهي التي لم تتخذ قرار بخصوصه بعد ، ولكن عليها أن تبحث داخله عمّا تريده .
تركته يغادر وتناولت إحدى الأقراص التى أحضرتها لحاجتها للنوم أو ربما للهروب منه .
أما هو اتجه لمكتبه ودلف يغلق خلفه ثم تحرك حيث جلس خلف مكتبه ليفتح حاسوبه ويبدأ بفحص بعض الصور التي أرسلت له من قبل رجاله كالعادة .
زفر مطولاً بارهاق ثم نسخها في ملفٍ وأرسله لميشيل وتبعها برسالةٍ محتواها صارماً ومتوعداً
( لنعتبر هذا رداً مؤقتاً لم أسعَ له ، لقد قضيت لك على فرعٍ من فروع تجارة الأعضاء في مصر ، وأحذرك للمرة الأخيرة ، ابتعد عن زوجتي )
أغلق بعدها ووقف يغادر ، صعد للأعلى ودلف وجدها تستعد للنوم ، زفر واتجه يعيد مفتاح مكتبه ثم انتقى سروالاً قصيراً واتجه للحمام ليخرج بعد دقائق عاري الصدر يريد أن ينسى عالمه معها .
لمحها تنام كملاكٍ منعم في حضرة شيطانٍ آثم فخطى للمرآة ونثر عطره ثم عاد إليها بخصلاته الرطبة وتمدد يلتصق بها ويعانقها بقوة حنونة خاصة بها ، همس بشفتيه قرب من أذنها بنبرة يغلفها التعب :
– هل نمتي جميلتي ؟
كان المنوم قد أعطى مفعوله معها لتمتم دون وعي ، تعجب منها فهي تعد من صاحبات النوم الخفيف ولكن مر على عقله الأمر نسبةً لعدم نومها بشكلٍ كاملٍ الليلة الماضية ، زفر يقبل عنقها ويستنشق رائحتها التي يدمنها ليقرر النوم دون التنعم معها بالمشاعر التى تعد بالنسبة له الدواء من داء ظلامه ولكن ليكن في الصباح لقائهما .
❈-❈-❈
فجراً
عند ميشيل الذي يجلس يشاهد الصور التي أرسلها صقر ويردد رسالته ، تجهمت ملامح وجههُ بنظرة شيطانية متوعدة ، لقد بات حقاً يتلاعب به وإن لم يلقنه درساً سيسهل عليه تصفيته .
لذا رفع هاتفه يطلب رقم رجل صقر والذي لم يكن سوى المدعو ليونيل أو ليون الذي جنده لحسابه .
أجاب الرجل بجمود قائلاً :
– أسمعك سيد ميشيل .
تحدث ميشيل بجمود مماثل بل أشد متسائلاً :
– هل أحضرت لي دليلاً ؟
صمت الرجل لثواني ثم أجاب بالقليل من القلق :
– نعم لدي .
انفرجت ملامحه البغيضة ثم تساءل بهدوء واستدراج :
– إذا لمَ لم ترسلها لي ؟ ،، هيا إنني في انتظارها منذ وقتٍ ، وإن أعجبتني حينها سأضاعف المبلغ لعائلتك .
تحدث الرجل باقتناع بعد حديثه الخبيث قائلاً :
– حسناً سيد ميشيل سأرسلها لك فوراً .
أغلق معه لينتظر ميشيل بتأهب وبالفعل أرسل له ذلك الرجل مقطع فيديو تم تصويره بكاميرا ذكية ودقيقة على شكل ساعة يد ارتداها هذا الرجل ليوثق لحظة قيام صقر هو ورجاله بعملية نزع أعضاء رجال المافيا التي قام بها اليوم .
ضحك ميشيل ضحكةً نزعت من فمِ شيطانٍ ملعون بعد أن شاهد المقطع قائلاً بانتشاء وتوعد :
– لتعود لمكانك ومكانتك أيها الصغير ، ولترى ماذا يستطيع ميشيل فعله ، هل ظننت أنني سأتركك لتلك الساقطة ؟ أنا لم أفعلها قديماً وانتشلتك من يدِ أبيك وشقيقتي ، وستعود إلي دوماً ، ليس لك سبيلاً سواي .
❈-❈-❈
صباحاً استيقظ صقر ليجد أن نارة ما زالت نائمة على نفس وضعها ، حالتها غير مألوفة بالنسبة له ، بدأ يشك في كونها تناولت شيئاً يساعدها على النوم .
حاول إيقاظها ينادي بهدوء :
– ناردين ؟ ،، يكفي نوماً إلى هذا الحد .
تململت بالفعل فهي لم تاخذ جرعة كبيرة ، بدأ عقلها في الإدراك واتضحت الرؤية ، يجلس على الفراش يطالعها بتفحص .
اعتدلت لتستند على حافة الفراش تبتسم له قائلة بهدوء وتحشرج :
– صباح الخير .
تعمق في عينيها يحلل وضعها الصحي بعين الصقر خاصته ثم ابتسم قائلاً بترقب :
– صباح الخير جميلتي ، ما كل هذا النوم .
تعلمه جيداً وتدرك نظرته الإستكشافية لذا تحدثت بصدق :
– أشعر بالأرق منذ أول أمس لذا تناولت حبة منوم سريع المفعول ولكن تركيزه خفيف ، لا تقلق .
احتدت نظرته ليسأل بترقب :
– ومن أين حصلتِ عليه؟
تحدثت بثبات مماثل وهي تهز كتفيها :
– طلبته أثناء تواجدنا في الصيدلية وأنت كنت تجاورني ، ولكن ربما أنت انشغلت بمكالمة ماما ولم تنتبه ، ثم أن لا داعي لحدتك صقر أنا كنت اتناوله بعد وفاة بابا بسبب الأرق .
إذاً هناك ما يحزنها ، هناك ما يشغل عقلها ومؤكداً تلك الرسالة التي بعثها هذا الحقير ميشيل ، إذاً أصبح وجودها معه يطغي على روحها الحزن ، كيف يمكنه أن يمحو الألم والحزن والضيق والشك من ذاكرتها ، إن علمت الحقيقة يوماً لتعلمها منه هو فقط .
تلمس وجهها بكفه يردف بحنو :
– وما سبب الأرق الآن ؟ ،، هل أنا أحزنتكِ دون قصد ؟
نظرت له بتعمق ثم تحدثت بتروي لربما أصلحت ما كسره :
– حسناً أنا لا أريد حياةً وردية خيالية صقر ، أنا كل ما أريده حياةً هادئةً سعيدة ، وإن كانت تحمل خلافات لتكن خلافاتٍ طبيعية تحدث بين المتزوجين عامةً ، ولكني أرى أنك تتجه بي لطريقٍ متملك أنا لم أعتده ، طريقاً مجهولاً يملؤه الشك وينزع العلاقات ، لتثق بي ولتترك لي العنان وتأكد أني لن أخذلك أبداً ، لن أتركك أبداً ، ولكن ثق بي ، لا يجب تقييدي صقر ، أنا لم أعش مقيدة طوال حياتي ، إما الثقة أو فسخ هذا العقد .
كان يسمعها بهدوء إلا أنّ جملتها الأخيرة أيقظت وحش غضبه ليردف فوراً بملامح مخيفة :
– احذري من نطقها مرةً أخرى ، حياتنا معاً نهايتها الموت ، العقد الذي بيننا ليس ورقة كتب عليها توقيعنا ، بل هو رباطٍ أصبح فكاكه درب من دروب المستحيل .
لا تعلم أتفرح أم تحزن بحديثه الذي ما زال يحكمه التملك ، ولكن لتعتبر هذا نابعاً من حبه ، تحدثت لثبت داخله ثقتها به :
– وأنا لا اريد أبداً الإبتعاد عنك ، أنا أثق بك صقر .
نظر لها لثواني بصمت ثم قرر توثيق لحظتهما بعشقه لياخذها ويسافر عبر الزمن في رحلةٍ لطالما باتت هي متاعه الوحيد .
مال عليها يقطع الحديث قائلاً :
– إذاً أتركي الأمور كلها لي ، لا تحزني مجدداً ، وسأعمل دوماً على نشر ابتسامتكِ .
أنهى جملته وانهال على شفتيها يقبلهما بتلذذ واستمتاع ، ليعلوها ويغيب معها في نوبة العشق هذه التي ما إن أصابتهما حتى غابت العقول وتجمعتا الإثارة والمتعة معاً .
بعد وقتٍ يقبل جبينها قبلاً عدة وهو يستند بظهره على السرير قائلاً بسكينة وتخمة من فرط المشاعر :
– ربما أصطحبكِ ذات يوم لمنزل نهى شقيقتي .
انفرجت ملامحها قائلة بحب :
– حسناً أود هذا كثيراً ، وأود إصلاح علاقتك بشقيقك .
زفر ثم تحدث مغيراً دفة الحديث :
– والآن لا أريدكِ أن تتناولي هذا المنوم ، إن أردتِ النوم أخبريني وخلال ثواني ستكوني نائمة بين ذراعي .
أبتسمت تومئ له ثم تحدثت وهي تتململ من جواره :
– حسناً سأذهب لأغتسل وأعود .
تحركت للحمام أمامه وزفر وكاد أن يلحق بها لولا رنين هاتفه بمكالمة عمل لذا اعتدل يجيب بملل على مسئول التسويق الخاص بشركته .
بعد دقائق انتهت وخرجت سريعاً لتجده في الشرفة يقف وما زال يتحدث مع أحدهم ، تنهدت وكادت تتناول هاتفها ولكنه دلف يبتسم لها ويردف وهو يضع هاتفه بجوار مفاتيحه على الكومود قائلاً :
– سأذهب لأغتسل وأعود لكِ ثم سنحضر فطوراً شهياً ونقضي الصباح عند المسبح .
أومأت له تبتسم قائلة بهدوء :
– حسناً أنتظرك .
تحرك إلى الحمام وأغلقه وجلست هي تزفر وتبتسم بسعادة على نقطة التفاهم التى وصلا إليها .
أعلن هاتفها عن رسالةٍ لتتناوله وتنظر لها فتجدها من شركة الإتصالات ولكن لاحظت إشعاراً برسالةٍ أخرى وصلتها منذ ثلاث ساعات .
تعجبت حيث أنها عبارة عن مقطع فيديو مع رسالة نصية محتواها ( هذه حقيقة زوجكِ الذي يخفيها عنكِ )
مدت يدها تفتحه وعقلها يترجاها أن لا تفعل ، يتوسلها أن تحذفه ولا تبالي بها ولكن جزءاً ما داخلها أجبرها على فتح المقطع .
فتحته ليبدأ الفيديو بعرض رجلٍ ممدٍ على سرير طبي يبدو كمريض وأحدهم يقوم بنزع أحشاؤه بطريقة مدروسة والإحتفاظ بها عبر عبوات زجاجية معقمة بسائلٍ معين يساعد على حفظها ثم يضعها في صناديق بلاستيكية مبطنة تحتوي على ثلجٍ .
حبست أنفاسها وجحظت عينيها لا تصدق ما تراه ، لا تستوعب أي شئ يحدث ، تظن أنها تتوهم وتخدعها عيناها ، ما تراه الآن لا تقبله عيناها ، دوماً كان مشهد الدماء يرعشها وبالفعل قد كان وأصبحت ترتعش وفكها يهتز لا إرادياً ، بشاعة المشهد أدخلتها في نوبة ذهول وگأنها فقدت الإدراك .
ولكن فجأة دارت الكاميرا بهدوء لتظهر وجه شخصٍ كان منذ قليل يغرقها بعشقه ، لتظهر ملامح شخصٍ يفصل بينها وبينه باباً فقط بينما منذ قليل كانا لا يفصل بينهما شئ ، آخر ما تمنت هو رؤيته الآن وفي هذا الفيديو .
تنميل حاد بدأ من رأسها لينتشر في سائر جسدها ويسقط منها الهاتف على الفراش بفعل تلف تحكمها بأعصابها .
أذنيها تسمع صوت المياه الصادرة من الحمام وعينيها ترى صورته وهو يقف يباشر على نزع أعضاء الرجل كأنه ينزع أحشاء سمكةٍ ما وعقلها يردد مستنكراً أنها زوجة قاتل وسفاح ؟ وأما باقي حواسها فكانت في حالة صدمة وتصنم .
لتشعر كما لو كانت على حافة الموت ، وليت الموت يلبي ندائها الآن ، ليتها لم تولد ولم تكبر في تلك الحياة أبداً ، ليتها أي شئٍ آخر عدا الإنسان ، لا تتحمل ما رأته ، لا تستوعب أبداً .
علقة متحجرة تقف عند مجرى تنفسها الذي جف تماماً كما لو كانت تركض في صحراءٍ قاحلة .
عقلها يجبرها على النهوض والركض ولكن تخونها أعضاؤها جميعها ، كل ما بها مخدرٌ ويبكي ، كل عضوٍ يشتكي لأخيه وينزف ألماً .
صرخ عقلها يعنفها إن لم تركض الآن لن تركض أبداً ، سيصبح مصيرها كمصير هؤلاء ، اهربي نارة واركضي بأقصى سرعتك ، كل شكوككِ كانت حقيقة مفزعة ، اركضي إلى أبعد نقطة تستطيعين الوصول إليها .
لتتحرك بسرعة ضيئلة وجسدٍ مرتعش تنزع إحدى ثيابها ثم لمحت مفاتيحه على الكومود لتنزعها وتركض للخارج ومنه للأسفل ، تركض بسرعة وجنون نزع عنها الحكمة والتروي ، سرعة قصوى لم تكن تعلم أنها تمتلكها ، وصلت للباب الخلفي الخاص بالطوارئ وفتحته بمفاتيحه بيدٍ مرتعشة ولكن نجحت .
يبدو أن القدر أراد مساعدتها حتى وصلت للباب الخلفي للحديقة والذي أوصد بأمره لتحاول فتحه أيضاً وعينيها لا تتوقف عن البكاء ونحيبها يؤلم حلقها .
فتحته بصعوبة ولكن نجحت وانطلقت بعدها تركض بعبث وتبعثر في الشوارع الخلفية التى لم تطأها قدماها أبداً .
لتلهث وتركض وتبكي وتسقط دموعها شاهدةً على خطوات مبعثرة ، نبضها سيتوقف من سرعتها ولكن هذا سلاحها الوحيد الآن لذلك فهي تركض لأبعد مكان حتى أحست بمن يتبعها لتقف أخيراً بعدما فقدت قوتها وتلتفت تواجههُ .

يتبع..

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية ثري العشق والقسوة)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *