روايات

رواية ترويض الشرس (أحفاد الجارحي 5) الفصل الثامن والعشرون 28 بقلم آية محمد

رواية ترويض الشرس (أحفاد الجارحي 5) الفصل الثامن والعشرون 28 بقلم آية محمد

رواية ترويض الشرس (أحفاد الجارحي 5) البارت الثامن والعشرون

رواية ترويض الشرس (أحفاد الجارحي 5) الجزء الثامن والعشرون

رواية ترويض الشرس (أحفاد الجارحي 5) الحلقة الثامنة والعشرون

قابله أحد الحرس فأسرع بفتح باب سيارته، وضعها حازم بحرصٍ بالمقعد الخلفي، ثم صعد جوارها وهو يقذف مفتاح السيارة للحارس ليأمره بضيقٍ:
_أنت لسه هتتفرج عليا، اطلع على أقرب مستشفى بسرعة!
التقط المفاتيح ببراعةٍ، وأسرع للمقعد الأمامي، فتحرك به للمشفى على الفور، والاخيرة مازالت متشبثة بزوجها، وتهمس بوجعٍ قاتل:
_مش قادرة يا حازم.
ضمها إليه غير عابئ بإتساخٍ ملابسه، فانحنى تجاه نافذة السيارة يراقب الطريق، وتساءل بقلقٍ:
_لسه كتير؟
هز الحارس رأسه وهو يجيبه:
_لا يا باشا خلاص قربنا أهو .
وبالفعل ما هي الا دقائق معدودة حتى وصل بهما لمشفى خاص، هبط حازم ثم انحنى بجسده تجاهها فعاونها على الهبوط، ثم حملها بين ذراعيه، وأسرع بها لداخل، فهرول تجاهه الممرضين، عاونها على الجلوس على المقعد المتحرك المجاور لباب الأستقبال، ثم دفعوها للداخل، بينما طالبه موظف الاستقبال ببعض البيانات التي قد تعاون الاطباء بسرعة اسعافها داخل العمليات، فطالبوه بهويته ومبلغ دفعة أولى من حساب المشفى، مرر يده على جيب بنطاله بعصبيةٍ بالغة حينما تذكر هبوطه المسرع بها دون اللجوء لهويته أو حتى لمحفظته، فقال للموظف:
_دقايق هطلب حد من البيت يجبلي البطاقة.. بس من فضلك شوفوا حالتها الأول.
أجابه الموظف بلطفٍ:
_أكيد.. الدكاترة جوه بيشوفوا الحالة.
ابتعد حازم عن مكان الاستقبال، ثم نادى الحارس فاستعمل هاتفه بمكالمة طارئه، طلب أخيه وترقب اجابته بصبرٍ زهق عنه، يود بتلك اللحظة التوجه خلفها للداخل للاطمئنان عليها، حمد الله بتلك اللحظة حينما أتاه صوت أحمد يجيب:
_الو.
أجابه مسرعًا:
_أحمد أنا حازم.
باستغرابٍ تساءل:
_رقم مين ده؟!
=مش وقته.. عايزك تجيلي على مستشفى… حالًا، وهات معاك بطاقتي ضروري.
نهض عن الفراش بصدمة وهلعًا:
_بتعمل أيه في المستشفى أنت كويس!!
أجابه بإيجازٍ:
_نسرين بتولد وأنا معاها لوحدي ونسيت بطاقتي وفلوسي.
=متقلقش أنا جايلك حالا
_متقولش لحد أنت شايف الوضع عندك بنفسك.
=حاضر زي ما تحب.. بس ابعتلي الموقع.
انهى مكالمته معه، وأسرع لحمام غرفته، ابدل ملابسه لبنطال رمادي وقميص أبيض أنيق، وجذب مبلغ من المال من خزانته الخاصة وهويته، ثم اتجه للمغادرة، فتوقف فجأة حينما استعاب حاجة أخيه لبطاقته لتقيد المولود واتباع الاجراءات اللازمة، جز بأسنانه على شفتيه السفلى بتفكيرٍ قاطع، كيف سيسمح لنفسه بالدخول لجناح أخيه الخاص، كُل محرم تواجده بالجناح الخاص وبالأخص غرفة النوم لا يسمح لأي شاب مهما كانت مكانته بتجاوز هذا القانون الا لأضيق الحدود بوجود الزوج والرجال أحيانًا، رفع أحمد ساعته اليه ليجدها السادسة مساءٍ، وبالطبع بعد عودتهم بالصباح مازال الجميع بسباتٍ عميق، اتجهت نظراته لزوجته التي تتمدد الفراش بإرهاقٍ، فلم يمتلك أي حلول أخرى سواها، أسرع ليجلس قربها، فأبعد خصلات شعرها المنسدلة لتخفي ملامحها عنه، تردد بإيقاظها لعلمه حالتها المضحكة التي تستحوذ عليها حينما يحاول ايقاظها ومازالت لم تأخذ حقوقها كاملة بالنوم، ومع ذلك حاول مضطرًا لذلك، فهمس بصوته هادئ وابتسامة مضحكة تسبقه:
_آسيل!
عاد ليناديها مجددًا:
_آسيل اصحي محتاج مساعدتك.
كانت كالتمثال المستلقي، فإن حركها شمالًا تنصاع إليه وللجانب الأيمن تنصاع له، ضحك وهو يردد بمكرٍ:
_أنا آسف بس مضطر صدقيني!
وحملها بين ذراعيه ثم ولج بها لحمام غرفتهما، فأسندها أمام حوض المياه، وبذراعه الأخر جذب المياه ليدفعها بوجهها برفقٍ، فتحت عينيها بصعوبةٍ وهي تردد بنومٍ:
_أيه يا أحمد.. حرام عليك سبني أنام أنا استنيتك للظهر ولسه نايمه.
واستندت برأسها على صدره لتغوص سريعًا بالنوم غير عابئة برزاز المياه المنسدل فوق رأسها، أغلق أحمد الصنبور وأبعدها عنه فترنحت على ذراعه، وبذراعه الاخر لطم وجنتها وهو يحاول السيطرة على ضحكاته قدر المستطاع فقال بحزمٍ مصطنع:
_آسيل فوووقي… نسرين بتولد بالمستشفى ومحتاج بطاقة حازم من أوضته وشوية لبس للبيبي ولنسرين!!
فتحت نصف عين وهي تتساءل بنوم:
_مين؟
أجابها بضجرٍ:
_نسرين!
لفت ذراعيها حول رقبته وهمست وهي تنصاع خلف أحلامها الوردية:
_وديني السرير وغطيني وهي هتبقى زي الفل بكره.. عادي بتحصل بتحصل.
برق بعينيه لوهلةٍ وهو يحاول يستوعب ما تقول، ظنها تخبره بأن يساعدها على ارتداء جلباب محتشم لتخرج وتساعده بصدر رحب وفزع ينتابها لمعرفتها بما قال، فدفعها للخلف وهو يصيح :
_فوووقي وركزي.. حازم هناك لوحده والبيت كله نايم!
حكت شعرها بضيقٍ وغيظٍ ينتابها، فتحركت للخارج بخطواتٍ شبه متعثرة، ثم فتحت خزانتها فجذبت جلباب أسود فصفاض ينغلق بأزرار لنهايته، ارتدته واستندت برأسها على باب الخزانة فغفت محلها، راقبها أحمد بصدمة، فصاح بها:
_آسيـل!
اهتز جسدها وكأن أصابها زلزل، فجذبت الحجاب وطرحته باهمال على خصلات شعرها فسقط أرضًا من خلفها دون أن تراه، واستكملت طريقها اليه وهي تخبره بنعاسٍ:
_لبست أهو!
وزع نظراته بين ححابها المترنح أرضًا وخصلاتها المنسدلة، وتساءل بتذمرٍ:
_هتخرجي كده؟
صاحت بعصبية بالغة:
_والله العظيم أسيبك وادخل أنام أنت خنقتني مش كفايا أنت السبب في سهري وقلقي طول الليل راجع تكمل عليا وتقلق منامتي انت ومرات أخوك!
تعالت ضحكاته فأشار لها بهدوءٍ وهو ينحني ليجذب هو الحجاب ويعقده حول رأسها:
_أنا آسف يا روحي.. أنا فعلا اناني وقلبي جاحد اني أزعجتك، وعد مني هسيبك تريحي يومين وههتم بالاولاد لحد ما تعوضي الليلة دي.. مرضية كده.
اكتفت بإيماءة بسيطة وهي تغلق عينيها دون رؤيته، فأشار لها بالانصراف.
ولجت آسيل للجناح الخاص بحازم ونسرين، قضت بالداخل أكثر من ثلاثون دقيقة ومازال أحمد بالخارج يمضي طريقه ذهابًا وإيابًا وكأن زوجته هي التي تخضع لجراحة المولود وليست زوجة أخيه، فهمس بسخرية:
_ممكن تكون نامت جوه!
خابت ظنونه حينما فتحت الباب وخرجت للخارج بخطواتٍ متعثرة، كادت بها بالسقوط، أمسك بها أحمد وهو يردد بضحكة:
_أشهد أن لا اله الا الله… أنا افتكرتك نمتي جوه!
استندت على ذراعه ورددت بتكاسل:
_مش بيجيلي نوم غير في سريري!
تطلع لها بصدمة، وبداخله يحمد الله بأنها كذلك فربما كانت ستغفو بالداخل فوق الأساس ان اضطر الأمر، تمسك بها أحمد وحاول فتح الحقيبة بذراعه الأيسر، فوجدها تخص ملابس المولود ونسرين، أغلقها وهو يتفحص ما أحضرته، فوجد بالمكان الصغير الخاص بالحقيبة جواز السفر الخاص بحازم وقسيمة زواجه، وبعض من متعلقاته الخاصة كأوراق تعليمه ودراساته، وأخيرًا وجد بطاقته الخاصة، انتقلت نظراته إليها فقال ساخرًا:
_أنتي عبيتي كل الاوراق اللي في الخزانة!
وتابع وهو يفصل الاوراق الغير هامه:
ده لو طالع هجرة مش هيحتاج كل المستندات دي!
همست له آسيل وهي تترنح خلف انحناء جسده لوضع الاوراق على الطاولة القريبة من جناح أخيه:
_رجعني سريري بقا.
أشار له وهو يتجه للدرج:
_أنا اتاخرت يا آسيل، أنا همشي وانتي ارجعي كملي نومك.
أومأت برأسها بخفةٍ، فحمل الحقيبة وأسرع للمصاعد، ففتح باب أحداهم وكاد بالولوج، استدار تجاهها فوجدها تجلس على أحد المقاعد وتحتضن الطاولة بجسدها، وتغوص برحلة منامتها غير عابئة بما يحدث حولها، ترك الحقيبة عن يده ثم دنا منها، فحملها وهو يردف:
_أنتي بني آدمة تانية وأنتي نايمة.
وضعها بالفراش وجذب الغطاء ليداثرها، ثم كاد بالخروج فتوقف مجددًا وهو يتجه اليها ببسمة عاشقة تتأمل تفاصيلها، كاد بتحريكها فتوقف وهو يمرر يده على وجهها حتى لا يفزعها للمرة الثانية، فردد بهمس خافت:
_آسيل.
انزعجت معالمها بطريقة تمردت ضحكاته لاجلها، وخاصة حينما قالت:
_عايز أيه تاني يا أحمد!
طبع قبلة على جبينها وهي يخبرها من بين ضحكاته:
_لا مش عايز حاجة.. أنا راجع أقولك اني موبيلي فاصل شحن وبيشحن قدامك أهو عشان متقلقيش عليا زي امبارح.. تمام؟
فتحت نصف عين وهي تخبره:
_أنت رايح فين؟
سقط فوقها من فرط الضحك وردد بصعوبة:
_آسيل عشان خاطري فوقي عايز أمشي ومش هيهون عليا قلقك تاني.. أنا رايح المستشفى عشان نسرين بتولد.. عشان أيه؟!
هزت رأسها وهي تردد كمن يلقنها درسًا تحاول حفظه:
_نسرين بتولد.
ابتسم وهو يشير لها باعجابٍ:
_براڤو… يلا كملي نومك.
وتركها وغادر على الفور، ففتحت نصف عينيها وهي تتأمل الغرفة، فرددت بنومٍ:
_هو كان بيقول أيه؟
وهزت كتفيها بعدم مبالاة، ثم تمددت لتغوص ببحرها العميق وجسدها يحتضن الوسادة براحةٍ
*****
هبط مسرعًا الطابق السفلي، فأسرع بخطاه للخارج، توقف فجأة حينما استمع لصوتٍ خشن يناديه:
_أحمد!
التفت للخلف فوجد ابيه يجلس جوار الشرفة وبيده الجريدة وكوب من القهوة، وضعها عن يده ونهض اليه يتساءل بدهشةٍ:
_رايح فين دلوقتي أنت مش راجع تعبان؟
أجابه سريعًا:
_نسرين بتولد وحازم محتاج بطاقته.. لازم أروحله حالًا لاني اتاخرت.
أسرع إليه حمزة، وهو يجذب جاكيته الملقي على الأريكة:
_استنى يا ابني أنا جاي معاك.. ربنا يسترها وتقوم بالسلامة يا رب.
خطى خطوتان تجاه باب الخروج واستدار اليه يخبره:
_تمام بس حازم مش حابب حد يعرف الوقتي.
أجابه وهو يرتدى جاكيت بذلته الداكنة:
_متقلقش.
*******
بالمشفى.
بقى بالخارج بمفرده يترقب سماع أي خبر من الاطباء، أخر ما وصل إليه بأنه إن تعثر وضعها ستلجئ الطبيبة لاجراء ولادة قيصرية، دثوا المحاليل بأوردتها ومنحوها ثلاث ساعات كمهلةٍ أخيرة، جابت عينيه الردهة المطولة حتى استقرت عينيه على باب المشفى، فوجد أخيه يدلف بصحبة والده، أسرع حمزة تجاهه فجلس لجواره وهو يسأله باهتمامٍ:
_طمني يا ابني؟
رد عليه والقلق يبدو بارزًا بنبرته:
_الدكتورة معاها جوه لسه.
ربت على ساقه وهو يخبره ببسمة هادئة:
_خير يا حبببي.. ان شاء الله تقوم بالف سلامة.
منحه بسمة صغيرة وهو يردد:
_يا رب يا بابا يا رب.
جلس أحمد من جواره، فهزه بمشاكسة:
_الاولاد مش بيجوا بالساهل، اجمد عشان اللي جاي يا زوما.
رسم ابتسامة صغيرة وهو يخبره:
_تقوم بس بالسلامة وأنا جاهز لأي شيء والله.
أكد له بتفائلٍ:
_هتقوم هي والبيبي بالف سلامة.. متقلقش.
منحهما ابتسامة هادئة، وعقله مازال شاردًا بحالتها الآن، صراخها وتأوهاتها الخافتة بين ذراعيه مازالت تتردد داخله، عينيه تترقب باب الغرفة بلهفةٍ، يحسب كل دقيقة بعنايةٍ، ففتح الباب من أمامه وخرجت احدى الممرضات للخارج، أسرع حازم إليها، فتساءل بقلقٍ:
_طمنيني.
منحته بسمة تحمل البشارة ومن خلفها خبره المفرح:
_حمدلله على سلامتها، ولدت وجابت ولد زي القمر.
حملت السعادة لقلب حمزة، فردد بفرحة:
_ما شاء الله تبارك الله.
ولج حازم للداخل على الفور، فوجدها تغفو بالغرفة على فراشها، وجهها كان يصب عرقًا كمن ركضت ألف ميل، حملت الممرضة الصغير لحازم المنشغل بتأملها، فقال دون أن يتطلع تجاهها:
_خديه لوالدي وأخويا بره من فضلك.
انصاعت إليه وغادرت به للخارج، بينما أسرع حازم إليها، فاحتضن كف يدها وهو يناديها:
_نسرين!
فتحت عينيها بإرهاقٍ شديد، ومالت برأسها تجاهه، فمنحته بسمة باهتة، جذب منديلًا ورقيًا، وأزاح عنها عرقها، فدخلت الطبيبة اليهما بعدما انتهت من خلع زي الجراحة، ثم قالت ببسمة عملية:
_حمدلله على سلامتك.. الحمد لله اننا ملجأناش للقيصرية..
اكتفت ببسمةٍ صغيرة، واتجهت نظراتها لمن يجلس جوارها، مال برأسه على جبينه وطبع قبلات متفرقة على يدها، وعاتبها بنبرةٍ خافتة:
_قلقتيني عليكي!
أغلقت عينيها بتعبٍ، وهمست اليه:
_أنا كويسة متقلقش.. هتسمي الولد أيه؟
تابعها باهتمامٍ فوجدها أغلقت عينيها باستسلامٍ لنومٍ بعد عذاب قضته لساعاتٍ، اعتدل حازم بجلسته حينما وجد أحد الممرضات تدنو منها لتساعدها بتغير ملابسها، التقط منها الحقيبة بلطفٍ وبإختيار كلمات مناسبة قال:
_من فضلك تقفلي الباب أنا اللي هغيرلها.
منحته ابتسامة عملية صغيرة، ثم خرجت وتركته بمفرده.
*******
بالقصر.
استعاد نشاطه فقرر الهبوط للأسفل، لانجاز بعض الأعمال المتعلقة بالمقر نيابة عن الشباب، هبط رعد للأسفل، ثم اتجه لغرفة المكتب الرئيسية، فاندهش من رؤيته للضوء يغمره، فتح بابه فوجد ابنه يغفو على الأريكة الجانبية السوداء، ضيق عينيه بذهولٍ، فاقترب منه ثم ناداه باستغراب:
_رائد!
فتح عينيه بتكاسلٍ، فاعتدل بجلسته سريعًا وهو يردد بخفوتٍ:
_بابا!
جلس جواره وسأله بشكٍ:
_رانيا طردتك؟!
منحه نظرة ساخطة، بدت اجابة صريحه لسؤاله، فضرب كف بالاخر وهو يردد بعدم تصديق:
_انتوا لحقتوا!!!!
خرج عن هدوئه حينما صاح بانفعالٍ:
_نفس اللي قولتهولها.. مع انها راكبة معايا وسمعاني وانا بحكي اللي حصل لحضرتك لا مصرة تسمع تاني مني وأنا راجع مش قادر أفتح عيني.
ازاح عنه جاكيته ثم حرر جرفاته، فانتظر سماع باقي الاحداث، وحينما وجده صامتًا، فقال:
_وبعدين؟
امتعضت معالمه وهو يسترسل:
_قالتلي شوفلك مكان تنام فيه لحد ما تفوق وترجع تحكيلي اللي حصل فنزلت هنا!
هز رأسه بسخرية، لحقت نبرته:
_انتوا مش ناوين تكبروا وتعقلوا بقا، دي مريم بقت عروسة!
أجابه باستنكار:
_أنا تربيتك وعاقل هي اللي مخها طاير منها!
رد عليه رعد باستهزاءٍ:
_مهو لو تربيتي طمرت فيك مكنتش وصلت للمرحلة دي مع مراتك.
ولف يده حول كتفيه وهو يدنو منه ليهمس بحديثه الهام:
_يا ابني الستات دول زي البسكوتة، عايزة معاملة خاصة، بمعنى انك تكون حريص في التعامل معاها، وذكي لان أهم حاجة الذكاء مش العناد!
واستطرد بمزحٍ:
_يعني تعرف ازاي تبقى الشاي السخن اللي تدوب البسكوتة فيه، وازاي تبقى اللبن البارد اللي مستحيل يقصر فيها، فهمت حاجة!
لوى شفتيها وأخبره بسخرية:
_احنا هنقلبها سوبر ماركت!، أنا وضعها ده خنقني ولازم تتصرف يا رعد باشا عشان ابنك خلقه كنز!
جذب الملف الموضوع على الطاولة جواره، ثم قذفه بوجه من تمدد استعدادًا لنومٍ مريحًا غير عابئًا بمن يوجهه، استقام بجلسته مجددًا، فتابع رعد بغضب:
_أنت غبي ومتستاهلش المحاضرات اللي قاعد ادهالك.. أنا هقعد أكمل شغل أفضل.
وتركه واتجه للمقعد الرئيسي الخاص للمكتب، فلحق به حتى جلس قبالته على أحد المقعدين، فلعق شفتيه وهو يتساءل بغيظٍ:
_طب أنا أسف قولي أعمل أيه وأنا هعمل!
*****
بالأعلى.
شعر بأظافر حادة تخترق ذقنه النابتة، ففتح عينيه بتكاسلٍ، ليتفاجئ بصغيرته تستقبله بأروع ابتسامة، تململ جاسم بفراشه، وهو يردد ببسمةٍ واسعة:
_مساء الجمال يا تولي.. طبعًا انتي معرفتيش تنامي خالص صح؟
وضعت الرضيعة (البيبرونة) بفمها، وصوته الرفيع يعلو بضحكاتها، التفت جاسم تجاه داليا فوجدها تتحرك بالفراش بانزعاجٍ شديد، فسحب قميصه الملقى على المقعد المجاور اليها ثم ارتداه وحملها للشرفة، وهو يهمس لها بطريقة مضحكة:
_هوووش مامي نايمة وش الصبح وبتتلكك لابوكي، يرضيكي يتنكد عليا دلوقتي؟
تعالت قهقهة الصغيرة ومعها ضحكاته، فقال بدهشة ومازال مستمر بضحكاته:
_أيه اللي يضحك في كده؟!
وبشكٍ قال بعدما وضعها على سور التراس وحاصرها بيده جيدًا:
_شكلك بتنبسطي لما مامي تهزقني صح!
عادت الصغيرة لضحكاتها، فتصنع جديته بنظراته الحادة، فما أن تهدل فمها بغضب طفولي، فكادت باللجوء للبكاء حتى تهللت اساريره وتعالت ضحكاته بنصر:
_أيوه كده لازم تكون مشاعرنا متصلة ببعض مينفعش قلبك يبقى جاحد عليا ده انتي بنتي الوحيدة!
_طب وأنا!
همساتها خافتة لامست أذنيه، ويدها كانت تحتضنه من الخلف، ابتسم جاسم والتفت للخلف، فوجدها استيقظت، تحركت داليا للامام فجلست جوار ابنتها وحركت قدميها بعشوائيةٍ وهي تخبره:
_أنا مش بنتك الكبيرة ولا أيه؟!
حمل الصغيرة عن السور اليه، ثم احاطها بذراعه وهو يغمز لها بمكرٍ:
_انتي بنت قلبي وفلذة كبدي وكل الاجهزة الحيوية.
تعلقت برقبته، ثم مالت لتحتضنه، فردد بصوت منخفض:
_الرضا الغريب ده مش طبيعي، أنتي كويسة؟!
ابتعدت عنه باستغرابٍ، فاشار لها بالاقتراب وهو يقرب خده منها، وضعت خدها فوق وجنته فتفحص حرارتها وهو يردد بدهشةٍ:
_أمورك تمام أهو أمال أيه الدنيا؟
أعادت خصلة تمردت على عينيها وهي تخبره بنظرة خبيثة:
_مفيش.. قررت أجيب أخ لتولين، مش حاباها تكون لوحدها.
جحظت عينيه صدمة، فسألها بقلقٍ:
_متأكدة من قرارك ده؟
أومأت برأسها والارتباك يبدو على معالمها فقال بتعصب وهو يحمل الصغيرة ويدلف للداخل:
_لا أنا مش موافق يا داليا.
لحقت به وهي تردد بتعجبٍ:
_أيه!
قال باصرار:
_زي ما سمعتي كده انتي نسيتي اللي حصل معايا بسبب ولادتك ولا ايه؟!
وحمل الصغيرة واتجه للاسفل على الفور، فما أن غادر حتى انفجرت من الضحك حينما عاد اليها طيف ذكرى ما حدث بولادتها الاولى.
****
كان بطريقه للاسفل ومازال يهمس بكلمات لازعة، عينيه كانت تراقب باب غرفته ظنًا من أنها ستلحق به، اصطدم جاسم برائد فصاح به بانفعال:
_مش تفتح يا معتوه هتوقع البنت منك!
معالمه كانت مشدودة بشكلٍ استدعى الاخير لسؤاله المتهم:
_في أيه.. اتخنقتوا عاشر؟
اتجهت نظراته اليه، فقال ساخرًا:
_وأنت ورانيا الحب بينكم مولع في الاجنحه!
لوى فمه بحنكٍ، فتركه واتجه للاريكة القريبة من الدرج وهو يخبره:
_الستات كلها خلقت للنكد!
حمل جاسم صغيرته واتجه ليجلس جواره، فربت على كتفه وهو يقول:
_ ربنا كبير قادر يهديهم.
هز رأسه باقتناع، والتفت تجاهه ليسأله باهتمام:
_طب قولي انت وداليا متخانقين ليه؟
قال وهو يربت على الصغيرة:
_مفيش.
دفعه برفق:
_يا عم قول أنت هتخبي عليا.
منحه نظرة مشككة، لا يرغب بالبوح له لما سيحدث هنا، فقال بتماسكٍ:
_أختك عايزة تخلف تاني!
ما أن تفوه بكلماته حتى شدد عليه:
_متضحكش!!
كبت رائد ضحكاته بصعوبة وهو يشير له بتقبله للامر وبقائه صامدًا، ولف رأسه للجهة الاخرى ثم تعالت ضحكاته حتى أحمر وجهه، فانتصب جاسم من جواره وهو يصيح به:
_أنت انسان تافه زي أختك.. فكرك اني مجنون هساعدها وبعد كده تفضحني عشان تحفلوا عليا سنة لقدام زي ما عملتوا!
نهض عن مقعده وهو يشير له بثبات يجاهد له:
_أنا مقدر موقفك.. بس هنعمل أيه ده حقها يا حبيبي!
جحظت عينيه صدمة، فقال باستنكار:
_حقها تقوم تسيحلي في نص الشارع وانا واخدها للدكتور بعد ما جالها الطلق بنية سليمة، تقوم تصرخ وتلم علينا الناس وتقولهم اني اتحرشت بيها!!
واستطرد بعصبية:
_انت عارف عملوا معايا أيه في القسم، دول رموني مع المجرمين وأقسمتلهم اني جوزها محدش مصدقني!! كل ده ليه عشان الهانم مش قادرة تتحمل وجع الولادة!!
وارتخت معالمه وهو يخبره:
_عارف لو كنت اتاخرت عليا انت وياسين شوية المجرمين كانوا هيعملوا معايا أيه؟!
انفجر ضاحكًا فربت على كتفه وهو يخبره بصعوبة بالحديث:
_متخافيش يا حلوة شرف العيلة لسه زي البفتة البيضة!
دفعه للخلف بعصبية:
_بتهزر.. أنا اتبهدلت بسبب اختك واترجتها تتكلم وتقول الحقيقة قلبها قسي بسبب وجع الولادة وافترت عليا، حلفت للظابط اني جوزها وانه يشوف البطايق ولا عبر.. ثم اني هتحرش بيها ازاي وهي عاملة زي القنبلة المؤقتة!!
ربت على ظهره ومازال يجاهد لثبات قامته من فرط الضحك:
_ميبقاش قلبك أسود أمال، اللي فات مات.
وضع الصغيرة بين يده ثم قال بسخط:
_خد دي.. روح لاختك عقلها حمل تاني لا الا لو هتضمنلي إني أكون بره مصر وقت ولادتها.. ومش راجع الا لما ترجع لطبيعتها وتبقى بني آدمة تاني!
حمل عنه رائد الصغيرة وراقبه وهو يهرول للاسفل، فاتحه بها خلفه وهو يناديه بدهشة:
_جاسم.. خد هنا.. احنا بنتناقش يا بني آدم!
*******
بالمشفى..
نُقلت لغرفة مريحة بعد الولادة، فما أن استعادت وعيها حتى وجدت حازم وأحمد لجوارها، واستدارت تجاه السرير المتحرك الخاص بالصغير، فوجدت حمزة يحمله بين ذراعيه بحنانٍ، فقابلها ببسمة هادئة وهو يخبرها:
_حمدلله على السلامة يا حبيبتي.
منحته ابتسامة هادئة، ثم قالت:
_الله يسلمك يا عمي.. تسلم.
حمل عنه أحمد الصغير، فطبع قبلة على جبينه وردد بفرحة:
_ما شاء الله تبارك الله قمر.. ربنا يباركلكم فيه يا رب.
لف حازم يده حول كتفيه ثم قال بمشاكسةٍ:
_بص يابو حميد أنت تتكفل بالواد ده عشان يطلع محترم وطيب زيك كفايا خالد بقى منحل زيي.. لذا مينفعش تتخلى عنه سامعني.
قال حمزة بسخرية:
_كويس انك معترف بجنانك وانحرافك، وعلى فكرة انا بنفسي اللي هخلي أحمد ابني يريبه أنت غير مسؤول ومؤهل بده.
تعالت ضحكات نسرين وهي تتابعهما بتسليةٍ، فقال حازم:
_كده يا موزة وأنا اللي كنت هسمى الواد حمزة عشان نستبارك بيه!
رمقه بنظرةٍ حانقة وهو يردد بغضب:
_لا يا حبيبي أبعد عني أنا زي الفريك محبش شريك.. سميه أحمد على اسم أخوك العاقل المحترم، اياكش بس تبعد عنه وتسيبه يطلع لاخوك كفايا خالد اللي يا قلب أمه مقضيها وراك حلبة مصراعة، الولد بقى محتار المرة الجاية هيحدفك بأيه من كتر الابتلاء اللي بقى فيه.
ضحك حازم، وأشار له بجدية:
_عيوني هسجله أحمد أنا أطول انه يطلعله.
ابتسم أحمد اليه، واقترب ليضعه بيد نسرين قائلًا بمحبة:
_ربنا يجعله بار بيكِ، ويحميه من كل سوء.
أمنت بود:
_يا رب.. تسلم يا أحمد.
أشار حمزة لحازم قائلًا ببسمته الهادئة:
_هنخلص أنا واخوك الاجراءات وأنت جهز مراتك عشان هنرجع البيت.
******
لساعاتٍ طويلة حاول بها النوم، ولكنه لم يستطيع، لذا نهض عن فراشه وصعد للطابق الاخير، افتقد وجوده بتلك الغرفة التي تحمل كل ما يخص عمله، ابتسم عدي بتهكمٍ وهو يتأمل الغبار يملأ صالته الرياضية المنعزلة عن الجميع، كان يرفض مشاركة ابناء أعمامه بالصالة الخاصة بهم، كان الجيم لا يناسبه تمامًا، فكان يراهم يمارسون رياضة لا تناسب مستواه كظابط شرطي، تدريباته كانت مختلفة تمامًا عنهم، لذا كان يلجئ للتدرب هنا منعزلًا عن الجميع، يقف بذاك المكان متخبطًا لا يعلم هل يشتاق لبقائه هنا منعزلًا أم لا يشعر بذلك للفترة التي قضاها بصحبتهم، خطى ليصبح بمنتصف الصالة، فمرر يده على جهاز الركض الخاص به وعاد بذكرياته للخلف، ابتسم وهو يردد بغموض:
_مش هتبطل تمشي ورايا وتراقبني؟!
خرج من خلف الباب يجيبه بتذمرٍ:
_يا أخي أنت مركب عيون ورا؟!
استدار اليه عدي، فدنى عمر منه ثم قال بابتسامة يملأها الفرحة:
_طبعًا لازم أكون جانبك واشاركك فرحة رجوعك للشرطة يا حضرة المقدم!
رفع عدي يده على كتف أخيه ثم قال:
_أنا اللي سعيد انك هترجع لشغلك يا عمر.. كنت حاسس بالذنب طول الوقت لما عرفت ان بابا بعدك عن شغلك بسببي.
تلاشت ابتسامته وقال بعتاب:
_لو مكنش عمل كده مكنتش هستمر في شغلي، أنا معاك دايمًا ومشاركك في كل قرار سواء في صفك أو جاي عليك.
وبمزحٍ استطرد:
_وكان نفسي أكون معاك بنفس الكلية والشغل بس أعملك أيه دماغك مش جايبة غير الاسلحة والمجرمين وأنا دكتور محترم!
ضحك بصوته كله، وقال وهو يضمه اليه:
_في دي عندك حق..
_بابا جدو قالي ان حضرتك رجعت الشرطة!
كلمات متلهفة قالها ياسين الذي ركض للاعلى بكل طاقته، ابتعد عمر عن عدي، فوجد ابنه يلتقط أنفاسه بصعوبة، والفرحة تجعل عينيه يلمعان بسعادة، فاتجه اليه وهو يهز رأسه ببسمة صغيرة:
_ياسين باشا سامحلي بده بس لسه قدامي عقبة تانية.
تساءل الصغير بدهشة:
_عقبة مين؟
واتجهت نظراته لعمه فسأله بحزن:
_أنت يا أنكل عمر!
رفع يده بمزحٍ:
_لا والله أنا عقبة بالفراولة يا ياسين!
ضحك الصغير رغم قلق موقفه، فاخبره عدي بضحك:
_مامي لسه معرفتش بالقرار ده.
ضم الصغير شفتيه معًا، وصمت قليلًا يفكر بالامر، وقال بعد حيرة:
_حاول تقنعها يا بابي، أنا عايزك أنت اللي تعلمني عايز أكون زيك أنت.
انحنى عدي اليه وضمه بقوةٍ، وهمس اليه بحب:
_هتكون أحسن مني يا حبيبي!
لاحظ عدي من يقف قبالته، فرفع عينيه ببطءٍ فوجد أبيه يراقب ما يحدث بثبات، فاستقام بوقفته وهو يمسك يد ياسين، فتحرر عن صمته وهو يسأله باستغراب:
_ليه مقولتلهاش لحد دلوقتي؟
أجابه وهو يتطلع لاخيه الذي يشير له بالبوح عل المساعدة تأتيه من القوات العليا (ياسين الجارحي) ، فقال:
_مش حابب أزعلها في وقت زي ده.
دنى منه ياسين بخطواتٍ متهدجة، فرفع عينيه اليه بصرامةٍ تلازم نبرته:
_بالعكس ده الوقت المناسب انها تعرف قراري، عشان متفكرش انك خبيت عليها.
واسترسل قائلًا بمكر:
_أنت تقدر تخلي أي وقت يناسبك ويناسب الكلام اللي هتقوله.. وأنا هقولك تعمل أيه بالظبط!
******
تململت بنومتها بقلقٍ، فانحنت بجسدها تجاه المصباح الصغير المجاور لها، ما أن ساد الضوء الغرفة حتى بحثت عينيها عنه بدهشةٍ، تفاجأت رحمة بعدم وجوده بالغرفة، ولاحظت تحرر مقبض الباب، ليطل بهالته من خلفها، يدفع طاولة صغيرة متحركة، حتى أصبحت مجاورة للفراش، وزعت رحمة نظراتها المستنكرة إليه تارة وإلى الطاولة تارة أخرى، فرسم بسمة جذابة على شفتيه وقال بحنانٍ:
_حضرت غدا صغير خاص بينا.
برقت بعينيها بدهشةٍ، ورددت بعدم استيعاب:
_أنت اللي حضرته!
هز رأسه ونظراته الثابتة تحيط بها، رمشت بعينيها بعدم تصديق، فرفعت اصبعها تجاهه:
_طب ممكن ثانية واحدة.
حاول عدي فهم ما تود فعله، فتفاجئ بها تجذب هاتفها تعبث به وترفعه لأذنيها بذعرٍ، فما أن استمعت لصوت المتصل به حتى خبأت شفتيها بيدها ظنًا من أنه لن يستمع لحوارها الهامس:
_حضرتك عملت أيه في عدي بالظبط؟
صمتت تستمع اليه وقد بات توقعه اكيد بأنه ياسين الجارحي، وخاصة حينما قالت بنفس صوتها المنخفض:
_تخيل محضرلي الغدا بنفسه؟
تفاجئ الطرف الأخر، فأكدت له قائلة:
_أنا مقلقة ومش مطمنة!
ضيق عينيه بغضب، جعلها ترسم ايتسامة مخادعة اليه، فجذب الهاتف عن يدها ثم ابتعد عنها للشرفة، فهمس لابيه:
_شوفت بنفسك لما نفذت اقتراحك حصلها أيه.. كان ممكن أقولها على الموضوع من غير الدخلة دي كلها!
اتاه صوت ياسين الجارحي الرزين يردد:
_اهتم بالتفاصيل تنال الرضا!
احتضن وجهه بيده ثم قال بتريث:
_هحاول.
وأغلق الهاتف، ثم عاد إليها والابتسامة مرسومة على وجهه، فنقل الطعام للطاولة المستديرة القريبة من الشرفة، وأشار لها بالجلوس، جلست قبالته وهي تراقبه بدهشةٍ واستغراب، خاصة حينما جذب العصير وسكبه بالكوب، فقدمه لها، تأملت رحمة الكوب بشرودٍ جعله يردد:
_مش حاططلك سم أكيد يا رحمة!
رفعت رأسها اليه ورددت بتوتر:
_لا أنا بس مستغربة.
واتخذت الطريق المباشر حينما قالت:
_هو في حاجه يا عدي؟
ترك الملعقة عن يده، ثم زفر وهو يخبرها:
_أنا قولتله الطريقة دي مقبضة أكتر من انها تدي أمل رومانسي في الموضوع مصدقنيش..
والقى المنديل الورقي عن قميصه الابيض، ثم قال:
_من الاخر بابا وافق اني أرجع لشغلي تاني.
تجمدت تعابيرها لوهلةٍ، فلعقت شفتيها بتوترٍ، جعله يمسك يدها وهو يخبرها بحنانٍ:
_أنتي عارفة اني سبت الشغل علشانك ومستعد أعملها تاني وعاشر ومليون، صدقيني أنا ميهمنيش غير راحتك.
ونهض عن الطاولة وهو يخبرها ببسمة صغيرة:
_اعتبريني مقولتلكيش حاجة.
وترك الطاولة وكان بطريقه للخارج، فتوقف حينما قالت:
_لو هترجع هترجع بشروطي!
توقف عن المضي قدمًا، واستدار تجاهها وهو يرمش بعدم تصديق لجرائتها بوضع قوانين مفروضة عليه، نهضت رحمة عن مقعدها ولحقت به، فقالت بابتسامة رقيقة:
_أنا كنت واثقة ان بابا هياخد القرار ده في يوم من الايام، وواثقة بردو انه اتاكد من انك اتغيرت عشان كده هيسمحلك ترجع، فأنت دلوقتي مضطر تخضع لشروطي الاخيرة.
رفع أحد حاجبيه وهو يردد باستنكارٍ:
_شروطك!
هزت رأسها اليه، فتحكم بانفعالاته وهو يشير اليها بالحديث، فقالت:
_أولًا.. مفيش رجوع غير لما تبقى كويس.
وتابعت قبل أن تهاجمها عاصفته:
_ثانيًا.. موبيلك ممنوع منعًا باتًا تتجاهل مكالماتي لاني ببقى هموت عليك حرفيًا..
مال برأسه وهو يتساءل بثبات:
_وثالثًا؟
ارتبكت وهي تشير اليه:
_لا هما شرطين حلوين أوي.
بدد ربكتها ابتسامته الصافية، فجذبها لاحضانه وهو يخبرها:
_شروطك مقبولة وأوعدك هعمل بيها.
ابتعدت عنه وهي تردد بعدم تصديق:
_ياسين الجارحي غيرك فعلًا!!
******
بجناح مروج.
رأسه الثقيل جعله يغفو بنومٍ مرهق، ففتح عينيه وهو يردد بتعبٍ:
_مروج.. اعمليلي قهوة من فضلك!
لم يستمع لصوتها فظنها بحمام الغرفة، نهض مازن عن الفراش، ثم اتجه للشرفة فظل بمحله لعشر دقائق يتأمل غروب الشمس التي تلامس الأشجار بدلالٍ، فأغلق عينيه باستمتاعٍ حينما داعبت أنفه رائحة القهوة، التي وضعت من أمامه، ارتشف منها على الفور واستدار اليها في نية صريحة لضمها، فسكب ما بفمه بوجه من يقف أمامه، جحظت عينيه صدمة لما رأه، فتراجع للخلف حتى وصل للتراس فالقى يجسده عن السور وهو يصرخ برعبٍ:
_الحقونـــــــــــي!!
صعق من أمامه حينما وجده يلقي بنفسه عن السور المرتفع عن الارض بثلاث طوابق، فنزع عنه قناع البومة التي يرتديها وتمسك بجسد مازن الواشك على السقوط وهو يخبره ببسمة عريضة:
_صلي على النبي يابو نسب.. ده أنا ميزو!!!

يتبع..

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية ترويض الشرس (أحفاد الجارحي 5))

‫3 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *