رواية سيد القصر الجنوبي الفصل الحادي والعشرون 21 بقلم رحاب ابراهيم حسن
رواية سيد القصر الجنوبي الفصل الحادي والعشرون 21 بقلم رحاب ابراهيم حسن
رواية سيد القصر الجنوبي البارت الحادي والعشرون
رواية سيد القصر الجنوبي الجزء الحادي والعشرون
رواية سيد القصر الجنوبي الحلقة الحادية والعشرون
اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت ربي، وأنا عبدك لمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعاً، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك، والخير كله بيديك، والشر ليس إليك، تباركت وتعاليت، أستغفرك وأتوب إليك.
صلِ على النبي 3مرات
لا حول ولا قوة إلا بالله 3مرات
وفجأة انقطعت الاضاءة، وتصاعدت دقات قلبها ونظرت للستائر الحريرية وهي تتطاير من هواء الشرفة المفتوح بابها على مصراعيه.
ويطل من خلفها نور القمر الذي كسر الظلمة بعض الشيء، واحتاجت جيهان إلى استنشاق بعض الهواء النقي، علها تستطيع أن تثلج قلبها المتقد كالجمر.
ولكن بعد خطوات قليلة نحو الشرفة ظهر أمامها هيكل بشري ضخم وكأنه أتى من المجهول.
لم تستطع رؤيته بوضوح ولكن خطواته إليها تبدو مألوفة
حتى أنفاسه .. ورائحة عطره تعرفها حق المعرفة.
لم يلزمها الكثير من الوقت لتعرف أنها أمام سيد القصر الجنوبي.
واليوم هو من أتى .. ولكن هل أتى ليغلق ملفات الماضي، أم ليفتحها من جديد ويبدأ وقت الحساب؟.
انعقد صوتها واصبحت كالخرساء وجبينها بدأ يتصبب عرقا من فرط التوتر، وبدأت تتراجع خطوات للخلف كلما اقترب!.
حتى أضاء “ولاعته” الخاصة واصبحا الآن يرا بعضهما بعض الشيء، ريثما نظراته التي بدت مخيفة خلف نيران القداحة بيده، وكأن هذه النيران مصدرها تلك العينان المليئتان بالغضب، تمتمت جيهان وارتجفت أكثر عندما اصطدم ظهرها بالحائط، وقالت بصوتٍ ضعيف يكاد يصل لمسمعه:
_ أنت … دخلت هنا أزاي …؟!
وبالكاد انهت جملتها حتى انقض عليها أكرم وقطع المسافة بينهما بطرفة عين، واصبح أمامها مباشرةً وهو يقول بصوتٍ يحوي نبرة خطرة مهددة :
_ زي ما أنتيِ في يوم من الأيام دخلتي بيتي من غير أذني !… أنا النهاردة هنا .. في بيتك، مش أنتي لوحدك اللي شاطرة في اللعبة دي ..!
وهدر بصوتٍ كأنه بركان يطلق حممه :
_ النهاردة أنقذتك من تهمة مافيش مخلوق غيري كان هيقدر يطلعك منها … بس مافيش مخلوق برضه هيقدر ينقذك مني..!
أزدردت جيهان ريقها وتلاحقت أنفاسها تحت نظراته المخيفة المصوبة نحوها، وصرخت وهي تخفي وجهها حتى لا يقترب أكثر، وبدأت تشعر بثقل يقتحم رأسها فجأة، ثم سقطت مغشيًا عليها بعد لحظات.
وآخر شيء ادركته هما يدان تحملانها نحو فراشها، وصوتً يردد اسمها في لهفةً وقلق عكس ما كان منذ قليل..!
وتسير الرياح بإتجاه عواصف الهوى، بأعنف مراحل خريف الحب.
*************
بدأت جيهان تستعيد وعيها ببطء حتى عندما فتحت عينيها بشحوب وجدت المربية العجوز تجلس جوارها وقالت وهي تربت بيدها على جبينها:
_ الف سلامة عليكي يا حبيبتي ..
نظرت جيهان للمربية للحظات، ثم انتفضت من مكانها وقالت وهي تنظر حولها في خوف :
_ هو فين ؟ … أنا شوفته … كان هنا !.
تعجبت المربية منها وقالت :
_ هو مين يابنتي ؟!
بدأت تستعيد جيهان وعيها وقالت:
_ أنتي هنا من أمتى يا دادة ؟!
قالت المرأة وهي تمرر يدها على رأس جيهان بحنان وأجابت :
_ لما سمعت صوت صرختك، طلعت جري لقيتك على سريرك بس حالتك قلقتني عليكي ، حاولت اصحيكي معرفتش، جبتلك دكتور واداكي محلول وفضلت جانبك بعدها ..
نظرت جيهان لها وهي تحاول تذكر ما حدث قبل الاغماء، ولكنها تذكرت أنها شعرت بيديه وهي تحملها وتنقلها من الأرض للفراش، وبصوته وهو يردد اسمها بلهفةً لم تكن بصوته منذ أول لقاء!.
جلست على فراشها وبدأت أنفاسها تهدأ بعد الانفعال والتوتر .. وقالت وهي تنهض مرةً أخرى :
_ حضريلي شنطة هدومي يا دادة .. هروح اقعد في شقة التجمع، عايزة أبقى لوحدي شوية .. ما تقوليش لحد أنا فين إلًا الدكتورة مروة لو سألت عني.
عارضتها المربية وقالت :
_ مستحيل اسيبك وانتي في الحالة دي !.
ربتت جيهان على يدها برفق وقالت :
_ أنا بخير ما تقلقيش … بس النهاردة مكلتش طول النهار واليوم كان كله مشاوير من مكان لمكان .. عشان كده تعبت… لكن بقيت كويسة الحمد لله.
فعادت السيدة تتحدث بقلق :
_ يبقى عايزة تروحي شقة التجمع وتقعدي لوحدك ليه طالما أنتي بخير ؟!.
تنهدت جيهان بثقل ثم قالت :
_ عايزة هدوء أكتر .. حاسة أني هرتاح لو بقيت لوحدي.
لم تقتنع السيدة بما قالته جيهان، ريثما أنها تعرفها حق المعرفة وتدرك أن تلك الفتاة لطالما بغضت الوحدة والعزلة، فلمّ الآن تميل إليهما لو كانت على ما يرام!، ولكن ليس بيدها سوى الموافقة فقط.
**********
وصل اكرم بسيارته أمام بوابة منزله الضخم بأحد أرقى أحياء القاهرة، منزله الذي هجره منذ بضعة أشهر، منزل يرتسم عليه الأناقة والفخامة بكامل تفاصيله، ورغم ذلك كلما وقعت عينيه عليه شعر بالأختناق والضيق ورغبة الفرار والهروب للبعيد .. لم يضيفا له الثراء والمال لحياته سوى التفاف المخادعين والمنافقين حوله، سوى الكثير من النفاق والرياء وتجمع نخبة النفاق.
فهنا بتلك الساحة الواسعة حول هذا المنزل كان يقيم حفلات كبرى احتفالا بانجازاته المتتالية، ومشاريعه الناجحة.
وتصافحه الأكف بالمباركات والتهنئة الحارة التي تخفي قلوب حاقدة حاسدة افسدت حياته كليًا.
وبتلك الغرفة المطلة على الحديقة مباشرةً كان يمارس عمله ك ملحن، عبقري عصره مثلما اطلق عليه.
وبالغرفة المجاورة لتلك الغرفة يوجد مكتبه الخاص، الذي يرتشف فيه قهوته قبيل الغروب، وقته المفضل، وهو يقرأ بعض الكتب، ولم يسلم هذا المكان من الخيبات أيضا، فبذلك المكتب تلقى ضربات موجعة بعمله وأخبارًا كاذبة نشرت ضده ومكائد كارثية كادت أن تدمر ما اقامة لسنوات …
وبتلك اللحظة أيقن أنه لم تكن كراهية والدته وما اكتشفه عنها السبب الوحيد في هجرانه لكل شيء والهروب للقصر الجنوبي البعيد عن البر والبشر،
كان هناك تراكمات نارية بداخله كالجمر المتقد .. تراكمات انتظرت فقط النفخ فيها لتشتعل اكثر !.
أغلق أكرم سيارته ودخل للمنزل بخطوات ثقيلة كأنه يُجر للإعدام.
_حمد الله على السلامة !.
قابله هذا الصوت وهو يرتقي أول درجة من السلم الرخامي الفخم داخل القصر ، تنهد أكرم بضيق شديد ولم يرد بكلمة .. وحينما تابع صعوده صاحت والدته بعصبية :
_ أقف عندك !!…لما اكلمك تقف وتكلمني وترد عليا باحترام يا ولد !.
وقف اكرم مواليًا ظهره لها وهو يتنفس بعصبية، ربما لو كانت تحدثت برفق اكثر من ذلك لكان حدثها واخذ العطاء والود مجراه بينهما، ولكنها مع كل شيء فعلته لا زالت تلك المرأة القاسية.
أتى ولدها المدلل خالد وظهر فجأة بجانبها وقال عندما لاحظ عصبيتهما :
_ سيبيه معلش، ده لسه واصل وأكيد مرهق وعايز يرتاح شوية، الحمد لله أنه رجع بالسلامة.
قالت “تهاني” بغضب :
_ ومستغرب اني مش بحبه ! .. ما هو من قلة أدبه دي معايا طول عمره، زي ابوه بالضبط مايفرقش عنه كتير.
نظر لها خالد بعتاب ثم قال :
_ مش وقته الكلام ده يا ماما ارجوكي .. أكرم كتر خيره وعدني انه هيرجعلنا كل حاجة من راندا وهنرجع نعيش في بيتنا من تاني .. هو غلط فيه ولا قل أدبه في ايه ؟ .. هو ما اتكلمش اصلًا معاكي!.
وهنا أستدار اكرم وقال بحزن يفتك عينيه :
_ أول حاجة هعملها بعد ما ارجعلكم اللي سرقته راندا منكم أني هبيع القصر ده ، بكره كل حاجة فيه ، كل ركن بيفكرني بذكرى أبشع من التانية ، كل حاجة بتفكرني أني كنت مطمع حتى للي مني .. وياريت بعد ده كله وسابوني في حالي ورحموني … !
عارفة يا أمي أنك اكتر حد وجعني في حياتي ، وأكتر حد مش قادر أقسى عليه عشان ما احتقرش نفسي أكتر .. بس نفسي من زمان أقولك حاجة ..
مش ذنبي أنك بتشوفي فيا راجل معرفتيش تكسريه وتخليه يتذل ليكي عشان ترجعيله .. مش ذنبي أني شبهه ونسخة منه ، مش ذنبي أنك معرفتيش تخليني أكرهه .. ومش ذنبي أنك رغم كل شيء لسه بتحبيه لحد دلوقتي ومش قادرة تعترفي حتى لنفسك ..
ونظر لعينيها بألم وقال :
_ أنتي حبيته بس حبك لنفسك وعنادك كان أكتر بكتير … معرفتيش تقتنعي أنه بسهولة سابك وطلقك رغم أن الطلاق كان قرارك أنتي ! … مهانش كرامته معاكي وانسحب بهدوء وده طبعا معجبكيش .. تحبي أفكرك عملتي فيه إيه لما عرفتي أنه هيتجوز ؟
ولا تحبي أفكرك لما اتقابلتوا وقالك أنه ما بقاش يحبك ونساكي وحب واحدة تانية هددتيه وقولتيله ايه ؟!
ومحاولاتك اللي كلها فشلت أنك تكرهيني فيه لحد ما كرهتيني أنا شخصيا!.
أنا ليه بدفع تمن اللي حصل ما بينكم ليـــه ؟!
وبعد تلك الكلمات الموجعة تلقى أكرم صفعة موجعة على وجهه من يد والدته التي كانت تنظر له بغليان وغضب قاتل .. حتى صرخت بوجهه قائلة :
_ أنا لو بحبه مكنتش كرهتك وكرهت حتى أبص في وشك .. أنت كلك على بعضك هو، نسخة بالكربون منه، شكله وبروده وغروره وشخصيته المستفزة .. حب !
حب ايه ؟! .. ابوك لو حبني مكنش سابني وراح حب واحدة تانية بعد كام شهر من طلاقنا .. ولما قابلته عشان نرجع كنت بفكر فيك أنت وبس، واعترفلي انه حب واحدة تانية واتهانت كرامتي بسببك أهانة مش هنساها العمر كله … عشان كده كل ما ابصلك افتكر اللي حصل وأكرهك … لإنك السبب ، مكنتش بتبطل عياط وسؤال عنه .. دلوقتي أنا اللي قاسية وطمعانة فيك ؟!.
ولا أنت اللي غبي ومحبتش غير أبوك اللي رماك وسابك وعاش حياته !.
ازدرد أكرم ريقة بمرارة قد اغرقت عينيه قبلا وقال بألم :
_ أبويا لما سابني معاكي مكنش بيرميني، أبويا سابني لإنه عارف إني مكنتش هبطل اسأل عنك وأطلب اشوفك، وكان متأكد أنه لو خادني منك كنتي هتعمليها حجة وهتسببيله في كوارث .. ده غير إنه ..
قاطعته والدته بعدما اقترب منه وجرته من ياقة معطفة بغضب شديد وصرخت به وهي تهزه بعصبية :
_ لما قولتلك إنك نسخة منه مكنتش بكدب … وأخرس خالص مش عايزة اسمع حتى صوتك !.
ركض خالد لهما واستطاع ابعاد والدته الغاضبة عن شقيقه أكرم بصعوبة، بينما أكرم يقف مغمضا عينيه وعروق فكيه بارزةً من شدة الغضب الذي يتحكم به ويكظمه بداخله .. حتى قال خالد بضيق من والدته :
_ أظن كفاية كده يا ماما ، الحقيقة أن أكرم ما يستحقش منك المعاملة دي !.
تلقى خالد دفعة قوية من والدته ليبتعد عنها وصرخت فيه قائلة :
_ آه ما أنت لازم تدافع عنه ، ما هو أنت برضه زي أبوك منافق وكداب .. ممكن تعمل أي حاجة عشان مصلحتك … بقا حلوة دي عشان هيرجعلك اللي اتسرق منك بسبب إنك …
ابتلع وخالد ريقه بعصبية من السباب والشتائم الذي تلقاها بعد ذلك … حتى رمتهما تهاني الأثنان بنظرات محتقرة وركضت لغرفتها بخطوات منفعلة … فأقترب خالد لأكرم وهم أن يقول شيء، حتى أشار له أكرم ليصمت وقال بحسرة :
_ مالوش داعي الكلام في اللي حصل .. كام يوم وكل شيء هيرجعلكم .. وده كل اللي بيربطنا وبعد كده كل شيء هينتهي.
فسأله خالد بقلق :
_ انت فعلا هتبيع القصر ده؟
لم يتلقى إجابة من أكرم فتأكد أن الأمر مؤكدا، فقال باعتراض :
_ لا يا أكرم تبقى غلطان .. أنت مسيرك ترجع لحياتك وشغلك ، مش معقول تفضل قاعد في المكان الغريب والمهجور اللي كنت قاعد فيه مع شوية مشردين ! … دي مش حياة حد يعيشها !.
ابتسم أكرم ابتسامة يملأها القهر وقال وهو ينظر حوله بسخرية :
_ وهنا اللي كنت عايش مش كده ؟! … أنا قبل ما أشوفك أنت وراندا بدقايق وتدخلوا تدمروا حياتي من تاني كنت أسعد واحد …. هناك في القصر المهجور ده عشت أسعد لحظات حياتي .. كنت حاسس اني اتولدت من جديد ، والأطفال المشردين دول اللي بتحتقرهم كانوا أحن عليا من اللي ولدتني ..
سأله خالد بتردد وقال :
_ طب … وجيهان ؟
أغمض أكرم عينيه بألم شديد ثم أجاب بعذاب :
_ ما تفرقش عنكم كتير … مش أول مرة حد أحبه ويوجعني ويغدر بيا .. بس أن كنت رحمتكم من أنتقامي .. مش هرحمها هي.
وقبل أن يطرح خالد سؤالا جديد غادر أكرم من هذا القصر اللعين ..
***************
كان قد ابتعد زايد عن مكان الفندق الكثير من الكيلومترات حتى وجد نفسه يسير بطريق وكأنه هجره البشر، وتندر رؤية السيارات به، وهتفت فرحة للمرة المائة تقريبًا فيه حتى يتوقف .. فتوقف بالسيارة وقال بهدوء :
_ هنا بقا لا هتقدري تهربي ولا هتلاقي اللي تستنجدي بيه مني ولا حد هيسمعك مهما صرختي … انسب مكان نتناقش فيه.
نظرت فرحة حولها بذهول وقالت :
_ أنت مجنون ؟! … أنت عارف احنا فين اصلا ؟! .. رجعني لو سمحت !.
تثاءب زايد وارجع ظهره للمقعد بكسل ثم أجاب بابتسامة :
_ أنا أسف … مش هنرجع دلوقتي ..
تحكمت بعصبيتها وقالت لتستفزه :
_ ما نرجع بالذوق احسن ما نلاقي مجرمين بيهجموا علينا في المكان المقطوع ده ويبهدلونا ..
نظر لها زايد بابتسامة ساخرة ثم أخرج سلاحا مرخصا من السيارة ، فشهقت فرحة فزعا، وقال بعد ذلك ببساطة :
_ وعموما متخافيش .. الطريق ده عارفه كويس وجيت هنا كتير .. أمان.
التهبت عينيها غضبا من جديد للإشارة الخبيثة في جملته ، ريثما أنه أكدها بتلك الابتسامة الماكرة الآن، فهتفت بعصبية :
_ ويا ترى بقا مين اللي كانت معاك فيهم ؟ … ما أنت متعود على قلة الأدب والعيشة القذرة دي ..
جذبها زايد وقرب منها سلاحه فصرخت بخوف، فضحك قائلا :
_ طالما مش قد الغلط وطولة اللسان يبقى تسكتي …
صاحت فيه مرة أخرى :
_ يعني المسدس ده هو اللي مقوي قلبك يعني ؟…
القى زايد السلاح بعيدًا ونظر لها بثبات قائلا :
_ ادينا رميناه …. سمعيني صوتك بقا كده ؟ .. ما تتكلمي !!.
فتحت فرحة باب السيارة وغادرتها مبتعدة .. ولكن بعد دقيقة واحدة نظرت للطريق المظلم وابتلعت ريقها بخوف وتيبس جسدها فجأة، ريثما من فوبيا الظلام … حتى وجدت نفسها تندفع لصدر عريض وعينان تنظر لها بقسوة ولهفة عندما التقط نظراتهما.. تحت الضوء البسيط للقداحة .. وقال زايد بهمس وعتاب :
_ هتفضلي تهربي لحد أمتى يا فرحة ؟ ..
سقطت دموعها وقالت :
_ طول ما أنت بتجبرني على العيشة معاك والعذاب ده !….أنا استحمل أي شيء إلا الخيانة.
همس من جديد ورقت نبرته :
_ وأنا لو بخونك هجبرك تفضلي جانبي ليه وأرفض الطلاق ! … إيه اللي هيخليني خايف أطلقك ؟… ما تعقلي بقا وحكمي عقلك مرة واحدة وشوفي عملت وبعمل إيه عشانك ؟!.
بكت وهي تجيب :
_ بقيت بحس إنك بتستمع بعذابي .. عايزني جانبك بس واجعني طول الوقت .. خليتني أصدق الكلام اللي اتقالي عنك .. إني بس عشان كنت مش سهلة معاك .. هيثم قالي كده كتير ومكنتش بصدقه ..
انتفض صوت زايد بغضب هاتفا بها :
_ متجبيش سيرة الشيطان ده تاني قدامي .. ده أكتر واحد بيتمنى موتي، لو جتله نص فرصة مش هيتردد وهيعملها .. ومن وقت ما دخلتي في حياتي وهو بيحاول بكل الطرق أنه يبعدك عني .. كره فيا وحقد طول عمري شايفه منه وأمه.
تحدته قائلة :
_ أنا مش غبية وعارفة أن كتير من كلامه كدب، بس في جزء من اللي بيقوله أنت بتصرفاتك بتثبتلي إنه بجد وحصل .. ده غير إنه مكدبش لما قالي إن حياتك مكنتش شغل في شغل زي ما انت فهمتني ! …
تنفس زايد بعصبية ثم قال :
_ أنا شغلي بيجبرني على المجاملات والعلاقات والمعارف .. بس حياتي الشخصية ومشاعري شيء تاني .. لازم تفهمي إني لما أكون لطيف مع أي عميلة وجنتل مان ده مش معناه أني بحبها أو حتى عجباني !! .. أنتي لو فكرتي بالشكل ده تبقي غبية !.
تحكمت بغضبها وقالت لتستفزه :
_ تمام .. خليك فاكر كلامك عشان هفكرك بيه لما أشتغل أنا كمان ويكون ليا معارف وأجامل زيك ..
جذبها زايد إليه بعصبية وقال والغضب يملأ عينيه :
_ مش هيحصل ومش هسمحلك .. وبعدين مين اللي قالك اصلا أنك هتشتغلي ؟!… أنتي ناسية أنتي بقيتي مرات مين ؟!.
ضيقت عينيها بسخرية وشعرت بالرضا من محاولة استفزازه الناجحة ثم قالت وبدات ترتبك من قربه :
_ ده كان اتفاقنا من البداية إني هشتغل وقت ما أحب!.
يبدو أنه راقه قربه منها وارتباكها الواضح، فقال بنظرة متحدية ماكرة :
_ ده وأنتي معايا وجانبي .. مش في أي مكان تاني على الكوكب،
اخفت ارتباكها وهي تتظاهر بعدم الاكتراث وقالت:
_ عموما رأيك ما يهمنيش .. كده كده هنتطلق وهشتغل براحتي!.
ودهشت عندما وجدته يبتسم ويقترب ليهمس لها في أذنها قائلا ببطء :
_ برضه مش هيحصل .. ومش هطلقك.
ابتلعت ريقها بارتباك شديد وحاولت الابتعاد عنه، ولكنها لم تستطع ..
**********
بقصر عائلة الزيان
نزل وجيه على درجات السلم الرخامي كي يتوجه لمكتبه، حتى لاحظ جلوس الصغيرة على احدى الآرائك بالطابق الأرضي، وتعجب من وجودها بهذا الوقت المتأخر من الليل !.
فأسرع إليها حتى لاحظ أيضا بوادر الضيق على وجهها الشارد، فأقترب إليها وقال برفق :
_ قاعدة كده ليه يا ريمو في الوقت ده ولوحدك كده !.
أجابت الصغيرة بتبرم وهي تنظر أمامها:
_ مجاليش نوم .. الدادة راحت تعملي عصير توكتيل.
ابتسم وجيه من نطقها للكلمة الأخيرة وجلس بجانبها قائلا :
_ شكلك زعلانة .. مين اللي مزعل ريمولينا بقا ؟! … يوسف ؟
هزت الصغيرة رأسها بالنفي وقالت :
_ لأ .. كنافتي مش بيزعلني خالص .
فقال وجيه بتساؤل :
_ طب جار أو رعد أو آسر ولا ميـن ؟!
أجابت الصغيرة بتكشيرة وهي تعقد يديها حولها بغيظ:
_ الست مراتك .. أم النونة.
كتم وجيه ضحكته وقال :
_ الست مراتي دي اللي هي مامتك !.
اعترضت الصغيرة وقالت :
_ طالما مزعلاني تبقى الست مراتك.
ضحك وجيه وقال لها بمشاكسة :
_ طب والست مراتي مزعلة القمر في إيه ؟
مطت الصغيرة شفتيها بتكشيرة طفولية وقالت :
_ بتقعد مع النونة بتاعتكوا اكتر ما بتقعد معايا .. نسيتوني خالص.
ابتسم وجيه وحمل الصغيرة حتى اجلسها على قدميه وقال بحنان :
_ محدش ممكن يخلينا ننساكي يا حبيبتي … بس النونة الصغيرة دي تبقى أختك حبيبتك … وعايزينها تكبر بسرعة عشان تلعب معاكي وتعلميها أنتي بنفسك كل اللي بتتعلميه في المدرسة .. مش هتبقي مبسوطة معاها ؟
اتفرجت شفاه الصغيرة بابتسامة حالمة بريئة وقالت :
_ أيوة هبقى مبسوطة أوي … هي هتكبر أمتى وتتكلم ؟
ربت وجيه على رأسها برقة وأجاب مبتسما بمحبة :
_ شوية مش كتير … بس ماما بتفضل معاها كتير عشان هي صغيرة قد كف ايدك الصغير الجميل ده ومحتاجة رعاية وحد يفضل جنبها عشان يخلي باله منها لحد ما تكبر وتتكلم وتمشي لوحدها .. زيك كده يا ريمو.
أتت ليلى من للطابق الأرضي واسرعت نحو أبنتها قائلة :
_ مالقتكيش في أوضتك يا ريمو ونزلت جري، اتخضيت عليكي يا حبيبتي .. أنتي بخير ؟.
ابتسمت الصغيرة ببراءة فهمس لها وجيه قائلا :
_ شوفتي بقا أن محدش ناسيكي خالص ؟
فهمت ليلى مضمون نقاشهما من تلك الجملة ، فاسرعت نحو أبنتها وأخذتها لصدرها قائلة بمحبة وهي تضمها بقوة :
_ ده أنا أنسى روحي ولا أنساكي .. أنا حتى لما فعلًا كنت ناسية كل شيء منستكيش أنتي يا حبيبتي ..
وقف وجيه ونظر لليلى بمكر ، ثم همس لها قائلا :
_ ريمو بس اللي كنتي فكراها !… يا كدابة !
ابتسمت ليلى وكتمت ضحكتها من غمزة عينيه الماكرة وقالت لتغيظه :
_ آه هي بس اللي كنت فكراها ..
تدخلت الصغيرة وقالت ببراءة :
_ والشاطر وجيه برضه يا ماما !.
ضحك وجيه عندما وجد ليلى تنظر بغيظ لأبنتها ..
************
داعبت نسمات الفجر خصلات شعرها وهي تقف شاردة بحزن شديد عند باب الشرفة المطل على الحديقة، وحاولت أن تغفو قليلًا قبل أن تغادر هذا المنزل مؤقتا، ولكن لم تفلح جيهان في ذلك ..
فحاولت الهاء نفسها بتحضير أغراضها اللازمة للإقامة لبعض الوقت، ربما يستغرق الأمر قرابة الشهر أو أكثر، فلابد أن تأخذ معها كل ما ستحتاجه خلال تلك المدة .. وبعد الأنتهاء لاحظت ان الأمر قد استغرق وقتً طويلا حتى ظهرت خيوط الصبح وبدأت أشعة الشمس تحتد.
نقرت على الباب المربية ودخلت بعد ثوانً قائلة:
_ أنا حضرتلك الفطار عشان تفطري قبل ما تمشي ، وكمان حضرتلك كام أكلة جاهزة بس على التسخين .. وياريت تاخديني معاكي يا بنتي عشان ما افضلش قلقانة عليكي.
ابتسمت لها جيهان وربتت على يدها برفق وقالت :
_ ما تقلقيش عليا أنا بخير .. كام يوم وهرجع بإذن الله، ما تقوليش لحد أنا فين مهما كان مين هو .. إلا وجيه ، لو اتصل يعني ، وعموما أنا هسيب الشنط في الشقة وهروح على المستشفى عشان أعرفه مكاني.
تسائلت المربية بحيرة :
_ طب خالك لو اتصل أقوله إيه ؟ … أنتي على طول بتقفلي تليفونك ومحدش بيعرف مكانك بسهولة !.
أجابت جيهان ببساطة :
_ ما تقلقيش .. بس لو اتصل ومعرفتيش تكلميني قوليله أي حاجة وابعتيلي السواق على شقة التجمع يقولي .. وعموما برضه أنا هسيب التليفون مفتوح.
اطمئنت المربية بعض الشيء وتركت جيهان تفعل ما يحلو لها، فبمجرد أن تناولت افطارها سريعا غادرت منزلها في الحال ..
***********
فتحت فرحة عينيها ببطء وتنفست بعمق بعدما تثاءبت، حتى ادركت بعد قليل أنها جالسةً في السيارة ورأسها على صدر زايد الغارق في نومه على مقعد القيادة، نظرت له بارتباك لبعض الوقت ثم شعرت بالغيظ من نفسها .. للمرة المائة تصدق حديثه وتعود بصدمة أعنف من سابقتها .. لن يحدث ذلك مرة أخرى ، ويبدو أنها كانت تفكر بصوتً عال حتى فتح زايد عينيه بكسل وقال بتنهيدة :
_ بلاش سيرة الطلاق على الصبح … اليوم جميل ما تقلبهوش نكد.
وابتسم ابتسامة ماكرة وترتها واستفزتها بآنً واحد، فقالت بأمر :
_ رجعني الفندق دلوقتي ..
تنفس زايد ومط ذراعيه بتثاؤب ثم أخذ قنينة ماء بجانبه وترجل من السيارة، وفتح غطاء القنية وصب مائها على رأسه ووجهه ، ثم قال لها ورأسه كاملا تقطر الماء :
_ محتاج أفوقلك عشان الرأفة ما تنفعش مع أمثالك.
شهقت فرحة من جملته حتى دهشت عندما وجدته ينظر لأسفل السيارة ويضحك، خرجت من السيارة سريعا وفغرت فاها من الصدمة عندما رأت إطار السيارة الذي يبدو أن الطريق الحجري فسده … والعجيب أن زايد لم يبد ردة فعل غاضبة نهائيًا بل قابل المفاجأة بمرح وضحكات ..!!
فقال بعدم اكتراث :
_ هبقى اتصل بميكانيكي يجي يصلحها.
هتفت به بعصبية:
_هتبقى! .. هو أنت لسه هتبقى تتصل؟! ما تتصل بأي ميكانيكي دلوقتي خلينا نمشي من المكان المقطوع والمرعب ده!
وضع زايد يديه في جيبي بنطاله في نظرة ثابتة عليها وقال:
_ مش هنمشي من هنا غير لما تعقلي وتبطلي غباء.
ضيقت فرحة عينيها في ذهول وقالت:
_ يعني إيه؟! ..
رد باستفزاز:
_ يعني اللي أنتي فهمتيه ..هنفضل هنا.
صاحت فيه:
_ هنا فين؟! .. في طريق مقطوع زي ده!، أنت فعلا مچنون! ..
لم يكترث لعصبيتها وثورتها وذهب وهو يصفر ويدندن ويبدو عليه تحسن المزاج، حتى أخرج شيء من حقيبة السيارة الخلفية وقال وهو يفرد ثناياها:
_ دي خيمة صغيرة كده بسيبها في العربية للطوارئ، أهي نفعت.
دبت على الأرض بقدمها في اعتراض وهتفت وهي تشير له بأصبعها:
_ رجعني احسنلك!
وكان قد بدأ زايد في تثبيت الخيمة وقال بتسلية تتلاعب بعينيه وابتسامة خبيثة:
_ ما تزعقيش .. أصل مافيش حاجة اخاڤ منها، مراتي وخطڤتها في حتة بعيدة، حد يقدر يكلمني؟!
وغمز لها بابتسامة ماكرة وقال:
_ خصوصا إننا في شهر العسل… ساعات بعشق جناني.
ابتلعت فرحة ريقها ونظرت بعيدًا عنه، ريثما مع نظراته المتسلية والماكرة .. وقالت وكأنها لا تكترث لما قاله:
_ اعمل اللي انت عايزه، بس برضه هنطلق، أصلنا مش هنعيش هنا على طول!.
ضحك زايد وقال بنظرة متلاعبة:
_ ليه هو أحنا لما نمشي من هنا هنكون لسه متخاصمين؟!.
وارتفعت ضحكته عندما ابعدت عينيها عنه بارتباك، وعاد لتثبيت الخيمة وقال:
_ هنا بقا هيكون شهر العسل اللي بجد … هو ده الكلام.
وارتفعت ضحكته مجددًا عندما رمقته سريعا پغضب وعصبية، ونظرت حولها وشكت أنه يستفزها فقط .. فجلست تراقبه وهو يثبت الخيمة بمهارة عالية .. حتى قالت بتوتر :
_ بما إنك ناوي تفضل هنا كتير … إيه هتعيش على ورق الشجر ؟ .. هتاكل إيه وهتشرب منين ؟
أجاب ببساطة :
_ هطلب الأكل والمية دليفري
هتفت به بغيظ :
_ أنت بتهزر ؟!
نظر لها مبتسما وأكد :
_ وأهزر ليه ! .. هنا في شبكة وأنا عارف المكان ، هوصفه لأي مطعم ويوصلي لحد هنا بالأكل والمية وكل اللي محتاجه …لأ ومش بس كده ، هتصل بالفندق يجبولنا الشنط بتاعتنا .. كل حاجة عندي ليها حل ..
قالت بسخرية :
_ في حد هيرضى يسمع كلامك ويجيلك في المكان المقطوع ده ؟! … أنت بتحلم !.
رد عليها بسخرية أعلى :
_ هتشوفي بنفسك … وبعدين المكان ده مش مقطوع، طالما متعرفيش حاجة هنا ما تتكلميش وسبيني اتعامل ..
أخرج زايد هاتفه واتصل بالفعل بمطعم شهير وأخبره عن مكان لا يبدو أنه هذا المكان الذي يجلسان فيه، فقالت بتعجب :
_ هو ده عنوان المكان ده ؟
أشار زايد لها لتصمت حتى اتصل بالفندق وأنهى الأمر بسلاسة ، فقالت لتخفي غيظها :
_ فعلًا .. ما هي الفلوس تعمل كل حاجة في الزمن ده !.
شرد زايد قليلا ثم ابتسم بسخرية مؤلمة وقال :
_ غلطانة .. الفلوس بتخلص المصالح مش أكتر .. لكن عمرها ما عرفت تخلص انسان من تعاسته .. عمر السعادة وراحة البال ما كانت مقتصرة على الغني وبس .. مثال بسيط
أنا .. وأنتي .. أنا غني وأنتي فقيرة .. مين فينا اللي كان مبسوط بحياته أكتر ؟
وأنتي دلوقتي المفروض أنك غنية … لكن مابقتش أشوف اللمعة اللي في عنيكي زي الأول … المال لو بيسبب جزء من السعادة، فهو جزء بسيط جدًا ..
ردت عليه قائلةً:
_ كل واحد بيشوف السعادة في الجزء المحروم منه في حياته.
نظر لها لبعض الوقت وقال بصدق:
_ فعلًا … أحيانًا بحس أنك بتفهمي !
جملته أغاظتها وضحكته التالية لحديثه أغاظتها أكثر، حتى أتمم التخييم وأشار لها لتدخل وتشاهد الخيمة التي اصبحت وكأنها منزل صغير، فأعترضت فرحة وقالت :
_ مش هقعد فيها .. خليهالك.
***********
ذهبت جيهان للمشفى بعدما تركت حقائبها بشقة التجمع، وفور وصولها استقبلها وجيه بممر الطابق الثالث وقال :
_ كويس إنك جيتي … هنروح للمحامي النهاردة بعد ما أخلص شغل ..
تسائلت جيهان بلهفة :
_ مش مهم المحامي دلوقتي ، سمر فين وأمجد عامل إيه ؟
تنهد وجيه بضيق ثم أجاب :
_ للأسف اللي خوفت منه حصل ، أمجد لما بدأ يفوق معرفهاش ولا اتعرف على حد … وسمر جالها انهيار عصبي والدكاترة هنا اتعاملوا مع حالتها .. هي دلوقتي نايمة ، ماينفعش تصحيها خالص … لازم تنام وتهدى عشان حالتها النفسية صعبة أوي ..
وضعت جيهان يدها على فمها من الصدمة وامتلأت عبنيها بالدموع على وضع صديقتها ، حتى قال وجيه بتحذير :
_ لسه في أمل يا جيهان، حالة أمجد رغم صعوبتها بس في أمل ، وحتى لو فقد الذاكرة برضه في أمل .. لازم لما تشوفي سمر ما تحسسيهاش أنك خايفة ومتوترة ، طمنيها على قد ما تقدري.
شعرت جيهان بدوار يغزو رأسها فقالت :
_ أنا راجعة البيت يا وجيه مش قادرة أقف ومش هقدر أشوفها في الحالة دي، أنا اصلا أعصابي مدمرة، لما تروح للمحامي اتصل بيا احصلك، وعلى فكرة أنا قاعدة في شقة التجمع دلوقتي مش في الفيلا ..
وافق وجيه وقال :
_ هبعت السواق بتاعي معاكي ..
رفضت جيهان قائلة :
_ لأ .. هعرف أسوق ما تقلقش .. على ما تخلص شغلك هكون اتحسنت أكتر ..
وغادرت جيهان المشفى وعادت لشقتها والدموع تسترسل على خديها من كل شيء..
**************
وقد تجاهلت فرحة زايد تمامًا وجلست بالسيارة .. حتى غفت لبعض الوقت دون أن تدرك، وعندما استيقظت فجأة اكتشفت اختفائه!، فخرجت سريعا ونظرت حولها بخوف ولم تجد له ظلًا .. وذهبت هنا وهناك باحثةً عنه ولم تجده فبدأت تهتف باسمه عاليًا ولم تجد إجابة تخفف من خوفها !!.
فقالت بقلق :
_ هو راح فين ؟! … ما كان هنا من شوية !
هتفت تناديه مرارًا وتكرارًا وظهر بصوتها الخوف بوضوح ، والغريب أنه اختفى تمامًا كأن لم يكن له وجود من الأساس !!.
نظرت للسيارة المعطلة وللمكان الموحش المخيف الذي يملأه أشجارا عاجفة كئيبة المنظر ونجيلة خضراء تخفي قدميها … وحتى هاتفها نفذت طاقته ! … كيف يتركها وحيدة بهذا المكان ؟!.
فقالت بصوت خائف على حافة البكاء :
_ يا زايد أنـــت فيــن ؟!!!
وجلست على الأرض مستندة بظهرها للسيارة وبدأت بالبكاء ، حتى شعرت بأنفاس بجانبها فرفعت رأسها برعب لتجده ينظر لها مبتسما بتسلية قائلا :
_ مش عارفة تعيشي من غيري نص ساعة وكل ما تشوفي وشي تطلبي الطلاق ؟!.
احمرت عينيها غضبا منه فقال محذرا :
_ نفطر الأول وبعدين نتخانق … جبت شوية حاجات هتقضينا مش أقل من أسبوعين .. ولو احتاجنا حاجة هطلب تاني.
نظرت فرحة بدهشة للشنط البلاستيكية الكبيرة وزجاجات المياه الضخمة كأنهما سيسافرا أشهر بالصحراء !! … فقالت:
_ أنت ناوي تقعد هنا بجد ؟!
هز رأسه بتأكيد :
_ ده أحسن قرار ممكن أخده في حياتي …
لم تصدق فرحة أنها ستجلس هنا لأياما وربما أسابيع ، فجذبها حتى تنهض ويعدا طعام الافطار سويا، وقال بسعادة نادرا ما كانت تراها بعينيه :
_ أنا متأكد لما نمشي من هنا هتكوني زعلانة … كام يوم بس اوعدك مش هتنسيهم أبدًا ..
كان هناك دفء غريب بعينيه جعلها تنظر باتجاه آخر وتترك لابتسامتها العنان … رغم أنها لا زالت غير متقبلة فكرة مكوثها هنا!!
**********
وقبل الغروب بقليل
كانت جيهان تجلس مع وجيه بمكتب المحامي الذي اطلعهما على تطورات القضية وقرب الخلاص من تلك الغمة، حتى انتبهت لنقر على باب المكتب وبعدها دخلت سكرتبرة المحامي قائلة :
_ أستاذ أكرم اللي حضرتك حددتله ميعاد مستني حضرتك برا يا فندم ..
وتجمدت جيهان بمكانها وشحب وجهها بصدمة، حتى قال المحامي على الفور :
_ دخليه حالًا ..
كاد أن يتوقف قلبها حتى عندما وجدته يدخل المكتب كأنه يقتحمه وعينيه يرتعد فيهما الغضب أكثر من قبل لم تستطع الثبات أو التظاهر بالقوة … أخذت حقيبتها وركضت للخارج تحت أنظار الجميع … ظل وجيه يستوعب ما فعلته للحظات ثم خرج خلفها سريعا .. وكان لابد أن يتحلى أكرم بالحكمة ويجلس متغاضيًا عما فعلته وكأن الأمر لا يعنيه .. ولكنه منذ أن علم من حارس فيلتها أنها غادرت لمكان لا أحد يعلم عنه شيء وهو كالمجنون ..
أسرع هو أيضا خلفها وضرب بما يقال عنه وتظنه الظنون عرض الحائط ..
**********
دخلت جيهان شقتها بالطابق الارضي بمبنى ضخم وكبير، بعدما قادت سيارتها بسرعة جنونية حتى وصلت لهنا سالمة بأعجوبة، وبعد دقائق انتبهت لجرس الباب ، فابتلعت ريقها بخوف وتسحبت لتتأكد من ظنونها ، ولكن ما رأته بالعين السحرية لم يكن سوى وجيه ، ففتحت الباب وظهر وجهها الشاحب وعينيها المنتفخة من البكاء أمام ناظريه ، فقال بدهشة :
_ أنا لازم دلوقتي أفهم في ايه ؟ … والشخص ده كل ما تشوفيه تترعبي منه ليه ؟ … هو بيهددك ؟
نفت جيهات قائلة :
_ لأ مش بيهددني .. بس مش عايزة أشوفه.
تسائل وجيه بحيرة :
_ يبقى في ايه ؟!!
أغمضت جيهان عينيها بألم ثم قالت :
_ أنا اسفة يا وجيه مش هينفع اقولك ادخل وأنت عارف أني لوحدي وكمان في وقت زي ده .. بس ..
قاطعها وجيه وقال بتفهم :
_ أنا فاهم ومطلبتش أدخل ، بس تصرفك صدمني وكان لازم على الأقل اطمن أنك بخير وفي أمان .. الشخص ده لو مسببلك أي أذى قوليلي وابعدي أنتي واوعدك الموضوع هينتهي .. بس فهميني في بينكم ايه ؟
قالت جيهان بتعب شديد :
_ مش هينفع اتكلم دلوقتي .. اديني فرصة أهدى على الاقل ..
تنهد وجيه بنفاد صبر وقال :
_ كل مرة الحالة اللي بتبقي فيها هي اللي بتخليني اسكت واصبر … بس بكرا هستناكي في المستشفى ولازم أعرف الموضوع ده ، أنا كل ما أشوفك في الحالة دي بحس بالذنب !
قالت جيهان بصدق :
_ المرادي أنت مالكش أي ذنب فعلًا …
تنفس وجيه بضيق وقال :
_ خلاص يا جيهان أنا همشي ، بس أنتي عارفة رقمي الخاص ورقم البيت ورقم ليلى كمان … أي وقت تحتاجيني فيه ماتتردديش تتصلي بيا … أي وقت أنتي فاهمة ؟
شكرته جيهان قائلة :
_ فاهمة ومش عارفة أشكرك أزاي .. بس صدقني الحكاية مش بالخطورة اللي أنت متخيلها .. هفهمك بعدين.
رد وجيه بتقبل عدم افصاحها :
_ زي ما تحبي …
وبعدها غادر وظلت جيهان أمام باب شقتها للحظات وشعرت بالاختناق، خرجت للحديقه التي تحاوط شقتها بالطابق الارضي من جميع الجهات، ثم شعرت بالتعب والارهاق يشتد فأستندت بظهرها على جسد شجرة ضخمة .. واغمضت عينيها بألم وهي تتذكر ذلك المشهد الاخير مع حبيبته الخائنة…
فلماذا يركض خلفها بكل هذا الغضب وشرر الانتقام ؟!
هل لمجرد أنها أفلتت من براثنه وتلاعبه بها وبقلبها وهربت أغضبه لهذا الحد ؟!
ولكن تبقى حقيقة واحدة .. أن له حبيبة هرب من الجميع بسبب خيانتها وعندما عادت سامحها ببساطة!، فما الذي يرغمه على ذلك سوى أنه يعشق تلك المرأة؟ !
اصبحت جميع الظنون أمامها مأساوية وكئيبة ولا تفسر سوى أن سيد هذا القصر رجلا مغرور ومتعجرف وبلا قلب .. وفجأة وجدت جيهان نفسها تجر من أحد ذراعيها بيد قوية اختبرت قوة قبضتها قبلًا ..
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية سيد القصر الجنوبي)
من اجمل الروايات
جميله
روعه
تحفه
من احلي الروايات
تحفة
جميلة
حلوة
باقي
الاحداث
:::
**
ك
ك
تم
ناااايس
تم
روووعة
جميلة جداً
منتظر
جميل
✌
💐
👀👀
مشوقة