رواية عهود الحب والورد الفصل الثالث 3 بقلم سارة أسامة نيل
رواية عهود الحب والورد الفصل الثالث 3 بقلم سارة أسامة نيل
رواية عهود الحب والورد البارت الثالث
رواية عهود الحب والورد الجزء الثالث
رواية عهود الحب والورد الحلقة الثالثة
لم تترك نفسها للصدمة والحزن والضعف والهوان، أفاقت سريعًا وابتسمت بإتساع .. فهل الذي بجوار ربه ضعيف!!
من أين يأتيه الضعف..!
اقتربت منهم ومازالت الإبتسامة لم تُمحى، عقدت ذراعها ورفعت رأسها تقول بقوة نابعة من إيمانها:-
– أكل وشرب ومصروف!! يعني إنتِ مفكرة إن بالطريقة دي مثلًا ممكن تخليني أتراجع يا ماما وأقولك خلاص هخلع اللبس دا من بكرا..
ياريت الدنيا كلها تيجي على الأكل والشرب يا ماما، الكلاب بتاكل يا أمي، والعصافير ربنا بيسخرلها رزقها..
يعني دي أرزاق ربنا مقسمها، أنا أموت من الجوع والعطش ولا أرجع خطوة واحدة في الطريق إللي مشيته يا نجلا هانم.
إنتِ أمي وربنا أمرني ببرِك وطاعتك إلا في حالة واحدة..
المعصية .. وأنا بطريقة اللبس إللي بتأمريني بيها بعصي رب العالمين يا أمي، لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق
يا ماما يعني علشان أسمع كلامك أعصي ربنا حبيبي.
واستدارت لشقيقتها التي ظلت تستمع بصمت وأردفت:-
– هو إنتِ مين علشان تحكمي ربي يغفر لي ولا لا.!
يعني هو يقول أنه “غفور رحيم ” وإنتِ تقولي ربنا مش هيغفر ليا، يعني هو بيقول على إللي بيرجع له إنه بيبدل سيئاته حسنات وإنتِ بتقولي مش هيغفر ليا!
يعني هو بيفرح بتوبة عبده وبيقول “إن تابوا فأنا حبيبهم وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم” وإنتِ تقولي مش هيغفر ليا.!
يعني هو كل ليلة يتنزل في السماء الدنيا وينادي “هل من تائب فأتوب عليه، هل من مستغفر فأغفر له؟” وإنتِ تقولي مش هيغفر ليا.!
يعني هو بينادي”عبدي إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أُبالي، عبدي لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك على ما كان منك ولا أُبالي.”
ولم العبد بيرجع له بيستقبله بحفاوة..
وإنتِ تقولي مش هيغفر ليّا.!
كانت تتحدث بُحرقة نابعة من أنياط قلبها، ولم تشعر والدتها وشقيقتها إلا ببعض الدموع تُلقيها أعينهم لا يعلمون ما سببها.؟!
تابعت عهود بصدق:-
– أنا عارفة إن مش كنت كويسة، وكنت بنت طايشة وفضلت فترة بشعري وبعد ما قررت ألبس الحجاب مكانش يتسمى أبدًا حجاب، عملت كل الممنوع .. الذنوب كانت دافنة قلبي..
أدمعت أعينها وأكملت:-
– بس هو كان بيحبني، وإبتلاء صغير كشف كل حاجة قدامي، ولسه بعاني وخايفة من ذنوبي ومن الإنتكاس، محتاجة حد يشدد بأزري يقويني وأنا حاسة إن كل حاجة ضدي بقاوم لواحدي… بس عرفت مؤخرًا إن أجري بيكون أعظم من إن يكون كل شيء مُهيأ ليا..
أنا مش هتراجع ولو خطوة واحدة يا أمي وبلغي بابا بالكلام ده .. أنا مش هعصي ربنا علشان أراضيكم.
وبالنسبة للأكل والشرب والمصروف فرزقي على الله، أنا ظني فيه حسن ومتيقنة إن مش هايسبني أبدًا..
وابتسمت ثم زادت:-
– تصبحوا على خير.
دخلت عهود غرفتها ثم تنفست بعمق وهي تُزيل دموعها وهمست بقوة:-
– خلاص مفيش أيّ بُكى وحزن من النهاردة، إنتِ أقوى من كدا، إنتِ مخلوق من صُنع الله تقدري على دا كله..
الله لم يخلقكِ هكذا عبثًا.
هطور من نفسي وأتعلم كل جديد، هفرح نفسي بنفسي ودي تبقى أيه يا ست عهود .. دي عهود الورد.
جلست على فراشها ثم أخذت تقرأ سورة المُلك وتسطحت على الفراش وغرقت في نومٍ عميق.
بالغرفة المجاورة جلست والدة عهود بجانب زوجها على الفراش بذهنٍ شارد.
– مالك يا نجلاء في أيه.!
-عهود.
– مالها!
– قلبي واجعني عليها، دي كانت جاية ميتة من الجوع وخلصانة خالص، وإنت قولت أقرص ودنها بالأكل والشرب والمصاريف، بس يا توفيق عهود عمرها ما تيجي بالطريقة دي، كل ده مش فارق معاها وعنيدة أنا مش تايهة عنها..
قال توفيق بقسوة مزيفة يشوش بها على نزعات الحنان التي تتلاعب بقلبه:-
– مش هتستمر وعلى بكرا هتفوق وترجع لنا.
– أنا سبت الأكل في المطبخ على أساس لو خرجت بليل تاكل وكدا بس أنا مش تايهة عنها دي عنيدة ومش هتعملها..
– نامي يا نجلاء .. نامي وعهود بكرا تعقل.
************
كانت كالفراشة تسير وسط الزروع والورود بثوب فضفاض باللون الزيتوني تحمل أطرافه نقوش بسيطة من الورد، وعلى رأسها خمار مزدوج تلفه بطريقة رقيقة مُبتكرة أخفت معالم جسدها.
بتدأ تُباشر عملها حيث تخصصت في العناية بالتربة والنباتات فكان في غاية السعادة لحبها النباتات والورود ولعملها بينهم كل اليوم.
– صباح الخير.
التفتت فور أن سمعت صوته وزفرت بإحباط ثم ردت ببساطة:-
– صباح النور، أهلًا يا باشمهندس أمان.
– عاملة أيه يا عهود وأخبار الشغل هنا معاكِ.
– الحمد لله بخير، أنا بحب مجال شغلي جدًا وإن شاء الله أقدم شيء كويس.
قال بأعين مليئة بالكثير من الدفء:-
– واثق يا عهود واثق فيكِ.
ابتسمت بسخرية وتسائلت:-
– نفس الثقة قبل ست سنين.
– لا يا عهود .. أنا آسف يا عهود آسف سامحيني وإنسى بقى..
إنتِ بعد ما سيبتي الكلية أقسمت يمين ماعدت أدرّس تاني كأستاذ جامعي في كلية الهندسة .. وحرمتها على نفسي بعد خروجك منها إللي كان بسبب ظلمي لكِ..
دورت عليكِ كتير أووي يا عهود واتعذبت أكتر بسبب تأنيب الضمير، إنتِ عيشتي معايا وفي مُخيلتي وفكري ست سنين.
ابتلعت ريقها وأردفت بتوتر:-
– مفيش داعي للكلام ده حضرتك أنا قولتلك إن مش زعلانة ومسامحة ربنا يسامحنا جميعًا..
– أنا واثق إن كل حاجة هتتغير، أنا كفيل بده بس أما يبقى ليا الحق، ويلا أسيبك لشغلك..
وقبل أنا يرحل عاد بعض خطوات في ظل تعجب عهود من كلماته وقال بغموض:-
– خلي بالك من الورد .. يا عهود أصل هيشهد على كتير جدًا.
ورحل وتركها في حيرة من أمرها..
– ماله ده وأيه الكلام إللي بيقوله الغريب ده.!
يلا يلا متشغليش دماغك يا عهود يلا خلصي علشان تروحيلها..
**************
وقفت أمام الباب تتذكر كثيرًا من الذكريات عاشتها بهذا المكان الدافيء، ظلت تتأمل بيوت الحارة بأعين مشتاقة وهذا المنزل ذا اللون الأخضر التي شيدت بين جدرانه كثيرًا من الذكريات..
– ادخلي يا بنت توفيق ونجلاء ادخلي..
احتضنتها من ظهرها بمرح وصاحت بسعادة:-
– وحشاني أووي يا كونتيسة دلال.
– بطلي بكش يا بت إنتِ .. فينك من كام شهر يعني.
– ما إنتِ عارفة ضغط الإمتحانات إللي كنت فيه، والتخرج والذي منه..
– ااه قولي مشاغل زي توفيق أفندي المُبجل إللي استكبر على هنا وعايز ياخدني في المدينة والفيلا والهلومه.
دا إللي كانوا مهاجرين من القرية رجعوا تاني لأن الجو هنا مش هيتعوض، عايزين أنا بقى أسيب بيتي والمكان إللي عايشة فيه من ساعة ما وعيت على الدنيا وأجي المكان إللي يجيب المرض ده..
– بصراحة يا دولا في دي عندك حق، متعرفيش أنا بعشق أجواء القرية هنا قد أيه.
– غصب عن أنف توفيق الكبيرة والست نجلاء المتغطرسة أنا حكمت عليكِ بالمُأبد هنا..
ألقت عهود الحقيبة على الكنبة القديمة ذات الألوان العديدة والمساند المُبهجة رغم قدمها لكنها تضج بالبهجة..
– يلا بينا … بصي أنا ميته جوع وعندي حاجات كتير عايزة أحكيهالك، قوليلي بقاا عاملة أكل أيه يا دولا.
– بامية يا مصلحنجية.
رددت عهود بخيبة أمل:-
– يييي بقاا يا دولا ما إنتِ عارفة إنها مش بتحبني..
– خليكِ ناصحة يا بت ووقعيها في حُبك.
– تيتا بطلي تتمقلتي عليا.
– خلاص يا أختي بدل ما تعيطي، ادخلي غيري هدومك وصلي وحصليني على المطبخ نكمل سوا الجلاش ومحشي الكوسة..
– يييي تحيا الكونتيسة دلال..
جاءت لترد عليها لكن قطع حديثها صوت رنين جرس الباب، قالت الجدة دلال:-
– طب افتحي الأول كدا شوفي مين، تلاقي حبيب قلبي وصل..
– بقى كدا من ورايا يا دولا وكمان بتقوليها في وشي دا حتى إحنا ستر وغطا على بعض..
– افتحي يا بت وبطلي لماضة..
ذهبت عهود وسحبت مزلاق الباب وهي تبتسم وتقول بمرح:-
– شريرة يا دولا شريرة.
وبمجرد أن التفتت تصنمت بأرضها كمن ضربته صاعقة، وهتفت بصدمة:-
– إنت .. إنت بتعمل أيه هنا.!!
– عهود .. أيه جابك هنا.!
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية عهود الحب والورد)