روايات

رواية عهود الحب والورد الفصل التاسع 9 بقلم سارة أسامة نيل

رواية عهود الحب والورد الفصل التاسع 9 بقلم سارة أسامة نيل

رواية عهود الحب والورد البارت التاسع

رواية عهود الحب والورد الجزء التاسع

عهود الحب والورد
عهود الحب والورد

رواية عهود الحب والورد الحلقة التاسعة

استلقت على فراشها المريح بمنزل جدتها بأعين شاردة، الهدوء يسيطر على الأجواء وبالأخص داخلها، كان الجو شديد الحرارة وهي قد أتت من العمل منهكة، ظلت راقدة تستظل بجو منزل الجدة اللطيف، فعلى الرغم من قسوة الحرارة إلا أن هنا تجد المنزل به ريح خفيفية باردة تُنعش النفس..
تنهدت بثقل ثم تحركت تُخرج ملابس صيفية خفيفة واتجهت نحو المرحاض لتنال حمامًا باردًا..
بعد قليل خرجت عهود وأخذت تجفف خصلاتها بشرود، قد مر أسبوع على الأحداث المنصرمة، عملت فيها على زيارة شقيقتها يوميًا واصطحابها خارج المنزل في نزهات لطيفة حتى تماثل شفاءها النفسي، تجنبت الإحتكاك بوالدها الذي بدأت تشعر تجاهه أنه حقًا يبغضها ويريد الخلاص منها، لكن هل من أبٍ يبغض ويكره قطعة من روحه.!
تركت العنان لشعرها وخرجت للشرفة الخاصة بالغرفة والتي تطل على حديقة المنزل الخلفية، جلست على أعقابها وبدأت بزراعة ورود جديدة، والأعتناء بكل الزروع والورد وتستنشق رائحته المريحة، ورائحة التراب المختلط بالماء التي تعشقها..
وبدأت تُدندن بصوت رقيق هاديء:-
الورد جميل .. جميل الورد
الورد جميل وله أوراق .. عليها دليل من الأشواق
اذا اهداه حبيب لحبيب .. يكون معناه وصاله قريب
شوف الزهور واتعلم .. بين الحبايب تتكلم
شوف شوف شوف
شوف الزهور الزهور .. شوف واتعلم
و النرجس مال .. يمين وشمال
على الأغصان بتيه و دلال
عيونه تقول معانا عزول .. خلينا بعيد عن العزال
شوف الزهور واتعلم .. بين الحبايب تتكلم
شوف شوف شوف
شوف الزهور الزهور..شوف واتعلم
يا فل يا روح يا روح الروح
من شم هواك عمره ما ينساك
لكل جميل تقول بلغاك
حبيب مشتاق بيستناك
شوف الزهور واتعلم .. بين الحبايب تتكلم
شوف شوف شوف
شوف الزهور الزهور .. شوف واتعلم
شوفو الياسمين جميل نعسان
حلي له النوم على الاغصان
بكل حنان تضمه الايد
و بيه تزدان صدور الغيد
شوف الزهور واتعلم .. بين الحبايب تتكلم
شوف شوف شوف
شوف الزهور الزهور .. شوف واتعلم.
كان أمان يقف مستندًا على جدار الحديقة من الجهة الأخرى مغمض العينان يستمع لعُهود الحُب والورد خاصته بعذوبة شديدة..
منذ ما حدث بالمشفى وهي تلتزم صمت مُميت، تأتي للعمل وتعمل بصمت وهدوء يُحلق فوقها، يأتي الجدة دلال لزياراتها فيجدها بنفس الحال .. نعم تتحدث وتضحك وتذهب هنا وهناك لكن كل هذا تشعر أنه خاليًا من الروح..
ليته يستطيع أن ينتزع كل الحزن الذي بداخلها ويضعه داخل قلبه…
ليته يحمل الحق في جذبها لأحضانه ليُدثر برودة الوحدة التي تشع من عينيها..
ليته تحلل من حُرمة بث حبه لها بالحلال وجأر بما له من صوت أنه مُتيم بعهدها المتين..
ابتسمت عهود للورد وهمست لها:-
– إنتوا أصدقائي الأوفياء .. إنتوا إللي بتسمعوا من غير ما تملوا.. إنتوا نعمة من الرحمان.
خرجت من غرفتها، بحثت عن جدتها فلم تجدها قد عادت..
ظلت ترتب بعض الأمور وتُجهز طعام الغداء وبعد مرور قليل من الوقت سمعت صوت الباب يُغلق فعلمت أن جدتها قد عادت..
خرجت لها بفم مبتسم واقتربت منها مقبلة رأسها..
– الحمد لله على سلامتك يا دولا.
تنهدت الجدة بحرارة وأجابتها بصوت ضعيف ليس كعادتها:-
– الله يسلمك يا عهود..
تسائلت عهود بتعجب:-
– مالك يا تيتا فيكِ أيه، في حاجة حصلت.!
– لا .. لا مفيش حاجة يا عهود أنا بس هبطانة شوية..
– لا مش كدا .. أنا مش تايهة عنك يا تيتا، قوليلي حصل حاجة..
– عهود .. هو إنتِ مروحتيش لسمر من إمتى..!
زاد التوتر لدى عهود وأجابت باستغراب:-
– كان عندي شغل إمبارح والنهاردة ومعرفتش أروحلها بس إن شاء الله هكلمها..
– ااه ماشي.
وثبت عهود بقلق وعلمت أن بالأمر شيء، تسائلت بصوت مصبوغ بالبكاء:-
– هتقوليلي في أيه .. ولا أعرف أنا بطريقتي يا تيتا، وبقالك يومين بتخرجي وترجعي مهمومة وأنا مش راضية أضغط عليكِ.
أخفضت الجدة رأسها بحزن وقالت:-
– علشان ابني..
طرق قلب عهود خوفًا وقالت بتيهة:-
– قصدك بابا..
– أيوا..
– ماله .. في أيه..
– تعب فجأة وفي المستشفى بقاله يومين..
عادت للخلف ولم تدري إلا والدموع تهبط من عينيها وتُحرك رأسها بلا..
تسائلت بحذر:-
– ماله..
– فيروس في الكبد..
تجمد الدمع بعينيها .. وعادت للخلف ثم ولجت للغرفة مغلقة الباب .. وقفت وسط الغرفة قلبها يدق بعنف وصدرها يعلو ويهبط بجنون وأعينها تدور بأركان الغرفة تغرق بالتوهان..
مازال لم يحتضنها بعد!!
مازال لم يُسقيها الحنان.!!
وقفت الجدة دلال أمام غرفة عهود تترجى خروجها:-
– عهود يا بنتي طمنيني الله يباركلك..
فتحت عهود الباب وخرجت بكامل ملابسها..
– راحة فين يا عهود؟
ركضت تجاه باب المنزل ومن ثم أخذت تركض بعرض الشارع بأعين تنسكب منها الدموع سكبًا..
ظلت الجدة دلال تهتف بأسمها حتى تجمع الجيران وخرج أمان الذي كان خلف المنزل ليجد عهود تركض بتلك الحالة سقط قلبه وركض يُناديها بصوته كله:-
– عُــــــهــــــــود.
تشبثت الجدة به بانهيار وهتفت باستجداء:-
– أمان .. إلحقها يا بني .. عهود يا أمان..
وجاء يواصل السير خلفها فلمحها تستقل أحد سيارات الأجرة من بداية الشارع..
– إنتِ عارفة هي هتروح فين يا ستي..
صمتت قليلًا وقالت بثقة:-
– هتروحله .. هتروح لأبوها..
– طب يلا بينا..
*********
– هبطت من سيارة الأجرة التي كانت تود أن تصبح طائرة، هرولت لداخل المشفى واستعلمت عن مكان والدها ولم تتوانى عن الركض برواق المشفى تبحث عن رقم الغرفة بجنون..
وقفت بتخشب عندما رأت والدتها وشقيقتها يقفان أمام الغرفة المنشودة..
صُعقت كلًا منهما فور رؤيتها وجاءتا يقتربان منها إلا أنها اقتحمت الغرفة بلهفة..
وقفت بسكون والعالم يدور من حولها أمامه..
لماذ يبدو بهذا الشحوب..؟!!
متى أصبح نحيلًا هكذا..!!
أما توفيق فلم يكن أفضل حالًا منها وهو يتأملها بدئًا من حالتها المشعثة ووجها الغارق بدمعه وصدرها ينهج بجنون…
اقتربت منه بينما الغرفة تمتلىء بالممرضات ووالدتها وشقيقتها وأمان والجدة اللذان وصلوا للتو..
صاحت عهود بنبرة لم يتوقعها الجميع:-
– إنت فاكر إن هسيبك تمشي..
إنت مش هتسبني علشان إنت لسه مديون ليا بكتر..
أنا مشبعتش منك لسه..
أخر مرة أخدتني في حضنك إمتى..!
إنت بقالك قد أيه سايبني لواحدي، أنا مش هسمحلك تمشي وتسبني ألا ما تروي حرماني..
متبقاش أناني .. أنا لسه ماحكيتش لك على العذاب إللي شوفته .. أنا لسه ماورتكاش نجاحي .. أنا لسه ماظهرتش برائتي..
أنا معملتش حاجة .. مش هتصدقني صح..!
إستنى أقولك الليل كان بيعدي عليا إزاي وأنا متكسحة..!
إستنى أقولك شعور النبذ إللي حسيته..!
علا صوت بكاء توفيق الشديد وبكى من كان بالغرفة..
جلست بأحد زوايا الغرفة وضمت ركبتيها لها وهتفت وهي تنظر للسماء:-
– شوفت هو إللي عايز يسيبني ويمشي إزاي..!
كلهم بيسبوني .. عالطول أنا لواحدي كدا .. مش إنت كنت شاهد .. هما مش عايزيني..
ليه كدا .. ليه .. أنا كنت وحشه زمان بس عمري ما أذيت حد ..ودلوقتي أنا مش وحشه والله
طب جرب تقرب مني..
بس أنا مش هسيبك .. إنتوا كرهتوني بس أنا حبيتكم..
وقامت مسرعة نحو والدها ففتح ذراعيه لها وألقت نفسها بينهم وأحكم الغلق عليها ليُقسم بأشد الأيمان أنه لن يتفلتها أبدًا..
*********
وقفت أمام الطبيب تستمع لحالة والدها ختم الطبيب قوله:-
– الكل بيعمل الفحوصات اللازمة علشان هنشوف من المتطابق مع والدك ويقدر يتبرع بجزء من الكبد لأن الفيروس موجود من فترة طويلة وقضى على الكبد ودا الحل الوحيد يا آنسة عهود..
– أقدر أعمل الفحص دا أنا كمان، إعمل اللازم يا دكتور، تقدر تعمل التحاليل..
– حضرتك متأكدة..
– أكيد، أمي أصلًا مريضة، واختي لسه خارجة من عمليات الأسبوع إللي فات وجدتي كبيرة في السن..
– في كمان المهندس أمان بيعمل التحاليل..
– أنا عايزة أعملها يا دكتور…
– تمام .. اتفضلي..
بعد مرور ساعتين من إنتظار نتيجة الفحص والوقت يمر ببطء شديد..
خرج الطبيب وهتف بحسم:-
– آنسة عهود هي الوحيدة المتطابقة وتقدر تتبرع لوالدها..
صُدم الجميع بينما ابتسمت بهدوء واقتربت من الطبيب وقالت بحزم:-
– أنا جاهزة يا دكتور .. متتأخرش أكتر من كدا نقدر ندخل العمليات دلوقتي..
هرعت والدتها وقالت بخوف:-
– عهود يا بنتي بلاش .. إحنا هنشوف أي متبرع تاني..
– متحاوليش يا أمي .. محدش هيتبرع لبابا وأنا موجودة .. خلص الكلام..
توضأت وصلت ركعتان ثم نظرت للسماء وهمست بيقين:-
– دايمًا كنت معايا .. مخذلتنيش أبدًا، ودايمًا عند حُسن ظني ومتأكدة إن دي كمان هتعدي..
اشفي أبي يا الله ولا ترني به مكروهًا..
كل ظني الجميل بك يا شافي يا معافي يا أرحم الراحمين فلا ترد يدي صفرًا خائبة يا الله..
اقتربت من والدها وجعلته يتوضأ وساعدته في صلاة ركعتان وهو كان عاجزًا عن الحديث ينظر إليها يتأملها فقط ويتسائل ماذا قد فعل بحياته حتى يرزقه الله بنعمة كهذه..!!
مسد على كتفها بحنان ونظر لها:-
– مسمحاني يا عهودي.
ابتسمت بصفاء:-
– ومن إمتى عهودك بتزعل منك يا غالي عليا..
احتضنها وهي أغمضت أعينها بسكينة وراحة زارتها أخيرًا..
خرجت وبدأت تستعد للدخول لغرفة العمليات، نظرت للطبيب وقالت له وللجميع:-
– مش عايزة بابا يعرف إن أنا المتبرعة رجاءًا.
حرك الجميع رؤسهم بقلة حيلة ودخلت للداخل بقوة بينما قلوب الجميع كانت منتزعة لهذا الدخول..
وقف أمان كالغارق كل خطوة تخطوها للداخل تنسحب روحه أكثر، هبطت دمعة حارة اختبأت في لحيته وهو يسير خلفها حتى أُغلق الباب..
نظرت عهود خلفها فوقعت أنظارها عليه من الزجاج ولمحت دمعه الذي أثبت لها الناقص، أهدته إبتسامة بسيطة وأُغلق الستار…
رقدت أعلى الفراش وسط الأجهزة الطبية والغرفة الكئيبة التي لطالما كرهتها وتشائمت منها من كثرة ولوجها بالماضي إليها، رقد والدها بالجهة الأخرى يفصلهم ستار، نظرت عهود نحو تلك الجهة وابتسمت وهي تمد يدها للطبيب ثم تدريجًا أغمضت أعينها مستسلمة لسائل مخدر هرع يقبض على عقلها يُخضعها للاوعي والإنفصال عن الواقع..
همست قبل الذهاب بعالم آخر:-
– اشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد حبيبي ونبيّ ورسول الله..
**********
بعد مرور بضع ساعات كان الجميع ينتظر أسفل نيران القلق، الجميع يدعوا بقلب مُلبد بالخشوع، منهم من ينفرد بزاوية يدعو، ومنهم الذي يقرأ أيات الله..
وخرج أمان سرًا للصدقة..
التف الجميع حول الأطباء الذين خرجوا من غرفة العمليات، الجميع ينظر بترقب شديد..
وأمان يستند على الحائط مُغمض العينين بقلب ملهوف..
– طمنا يا دكتور الله يباركلك..
ابتسم الطبيب وقال:-
– الحمد لله العملية نجحت وجسم المهندس توفيق مطردش العضو ومسألة أيام وهيرجع أحسن من الأول..
قالت الجدة دلال بإمتنان:-
– الحمد لله يارب .. لك الحمد يارب العالمين..
للآن لم يرتح قلبه، للآن يغلي بحميم القلق، تسائل الجميع مرةً أخرى بلهفة وترقب:-
– طب وعهود..
أخفض الطبيب رأسه بحزن ووزع نظراته بين طاقمه، مما جعل والدة عهود تضع يدها على قلبها وأمان فقد خانته أعصابه وتراخت أقدامه..
– للأسف…
صاحت سمر شقيقة عهود بجزع:-
– للأسف أيه يا راجل إنت..!
– الآنسة عهود مقدرتش تستحمل من ضعفها..

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية عهود الحب والورد)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *