روايات

رواية وجلا الليل الفصل الثالث 3 بقلم زكية محمد

رواية وجلا الليل الفصل الثالث 3 بقلم زكية محمد

رواية وجلا الليل البارت الثالث

رواية وجلا الليل الجزء الثالث

وجلا الليل
وجلا الليل

رواية وجلا الليل الحلقة الثالثة

لم تشعر بعبراتها التي فاضت من مجرى مقلتيها، وانسابت على وجنتيها بغزارة، تطالع ما حولها بتشوش، وكم ودت لو أن يقوم أحد باستأصال مضغتها ويرميها بعيدًا، لعلها تُشفى مما هي فيه، وضعت يدها على موضع قلبها النابض بعنف، يا للسخرية لا تطرق طبول فرحك بل أقم مأتم بداخل جدرانك، فما تتمناه صعب الحدوث، بعيد المنال والفوز به .
ولوهلة أُضيء بصيصًا من الأمل، وكأن تلبسها الجنون لتنظر لشقيقتها قائلة بلهفة :- بت خالد ولا مؤمن ؟
ضحكت بصخب على غبائها، ولنقل رفضها لتقبل الواقع، واقتربت منها قائلة بتأكيد :- لاه، بت يحيى دول لسة عُزاب .
وكان ذلك الضربة القاضية لها، والذي حطم المتبقي منها، يا ليتها ما سمعت ما شق صدرها لنصفين، شعرت بألم حاد يسكن حنايا روحها، فيا ليته ينهي عليها لترتاح .
أردفت ” نورا” بكره :- فوقي يا شمس دول عدوينا، وشوفي بقى لما أمي ولا أبوي يعرفوا هيعملوا إيه .
لعنت ذاتها لانهيارها بهذا الشكل أمام أختها، لطالما فضلت أن تسقط حصونها بمفردها، دون أن يراها أحد، ولكن هذه المرة عرّت نفسها لها، والتي فهمت كل شيء، لا تعلم بأن تلك الخبيثة تعلم بمكنونات صدرها منذ زمن، عندما اكتشفت سرها دون أن تعلم .
نهضت بصعوبة بالغة تحاول سبر أغوارها، وترمم ذلك الجبل الذي تفتت لتوه، عليها أن تظل قوية لا تضعف أبدًا، حتى وإن اضطرت أن تدهس قلبها بقدمها في طريقها للعبور للنيل بكرامتها أولًا، لاحت شبح ابتسامة طفيفة على فيها، ورددت بتلعثم :- أنا مزعلناش على حد، أنا بس زعلانة عشان هيكتموا على نفسي .
ابتسمت بتهكم وهي تفطن بأنها تكذب، ولكن قررت أن تسايرها فأردفت بمكر :- معلوم، أومال ما أنا خبراكِ زين أنتِ هتقوليلي !
أردفت بهروب وهي تستجمع كلمات غير مترابطة ببعضها، فكل ما يهمها هو الهروب والانفراد بالنفس، لترى ماذا ستفعل في الصاعقة التي أصابتها، وكيف ستتعامل معها :- أنا هروح أغير خلقاتي وأنزل المزرعة .
قالت ذلك ثم اختفت في لمح البصر، بينما رددت بهمس الأخيرة بضحك خافت :- مش كنتِ نازلة تساعدي الچماعة ! والله عليكِ أمور مش على حد .
أنهت كلماتها وخرجت لتتابع سير الأمور، وترى ماذا ستفعل والدتها حيال ذلك الأمر .
★★★★★★★★★★★★★
في وقت الراحة، جلست في مكان بعيد عن الأعين، تتحدث مع “راضي” عبر إحدى تطبيقات التواصل الاجتماعي، تبتسم بغرور لكلماته التي تثني على جمالها، وهي لا تعلم أنها كالفأر في المصيدة، وقريبًا سيقتنص الصياد الفرصة وسيفتك بها .
أتت صديقتها التي جلست إلى جوارها قائلة بعدم رضا وهي تربع يديها :- وأخرتها إيه يا ملك ؟
نظرت لها بانتباه قائلة بعدم فهم :- مفهماش تقصدي إيه بحديتك دة !
تابعت بسخط وهي تلوي ثغرها بحنق زائد من تهورها :- قصدي اللي بتتحدتي وياه ليل نهار دة، هملتي مذاكرتك عشانه، هي دي الأمانة ؟ دة چزات أخوكِ وأبوكِ اللي چابولك محمول عشان يساعدك في مذاكرتك تقومي تعملي إكدة ؟
تجمعت شرارات التحدي بعينيها وأردفت بغضب :- أنا مبعملش حاچة غلط دة هو اللي مدلوق، وأنا مش ساهلة بردو .
ربتت على كتفها بهدوء قائلة بغموض :- ما هو دة اللي خايفة منيه، النهاردة واعرة بكرة الله أعلم هيكون إيه ! يا ملك دة واد طايش بيتسلى .
أردفت بتحدٍ :- وأنا كمان بتسلى، شايفاني عشقانته إياك !
ضربت على صدرها بقوة قائلة بصدمة :- بتتسلي ! هي وصلت لإكدة يا بت نعيم ؟ لاه دة أنتِ يتخاف عليكِ .
ضحكت بغرور قائلة بثقة :- لاه، متخافيش أنا خابرة زين بعمل إيه، أنا هچيبه راكع لحد عندي، وساعتها هوري الست أماني كيف تتريق علي تاني .
أردفت بخوف ومهاودة :- يا ملك يا خيتي مش إكدة، مش عشان تغيظي أماني تدخلي حالك في متاهة .
رددت بعند وقد لغت عقلها، وكل ما يتمثل أمامها هو غريمتها وما قالته :- ولا متاهة ولا حاچة، أنتِ بس قلقانة على الفاضي . ©بقلم زكية محمد
مطت شفتيها بضيق وتابعت باستسلام :- براحتك يا ملك بس متنسيش إني حذرتك .
ضحكت بسماجة قائلة وهي تحاول أن تلهيها :- تعالي بس وأقعدي چاري إهنة، رايداكِ في موضوع إكدة .
&&&&&&&&&&&&&&&
ليلًا في صحن الدار يجلس هو وزوجته، وقبالتهم ابنهم وابنتهم الصغرى، يتسامرون سويًا حتى قاطعهم صوت وقع أقدام مقبلة نحوهم، رفعوا أنظارهم نحوها لتصيبهم زلزلة عصفت بهم بدون رحمة، وقفوا يطالعونهم بعدم تصديق وكأنهم طيف وسيختفي بعد قليل، أو أنها مجرد تخيلات، ولكنهم لم يتبخروا كما ظنوا ليدركوا بأنهم حقيقة .
ظل ” عامر” يحدق فيه بنظرات طويلة حملت العتاب والقسوة، الاشتياق والوعيد فبالأخير هو أخيه، وإن أرغم قلبه على القسوة يظل ذلك الرابط الدموي قائمًا، لا شيء يمكن التأثير عليه، ولكنه سرعان ما هو رأسه بنفي هو هنا لإثبات وعده، والذي قطعه منذ زمن وأتى اليوم الذي سيثبت له حديثه، كم مر العمر سريعًا وكأن ما مر تم البارحة .
تقدم نحوه بخطوات واثقة وقال بثبات :- إزيك يا ولد أبوي، كيفك يا سالم ؟
ظل جامدًا للحظات، بالكاد يصدق أنه ماثل أمامه بالفعل، شعر بضياع الحروف وأنه لا يفقه شيء عن الكلام، فما عاد بمقدوره أن يتحدث، فتابع الآخر بسخرية وهو يرى توتره بداخل عينيه :- إيه يا واد أبوي مفكر إني مهرچعش ؟ لاه دة بيت أبوي وبيت عيالي يعني لينا فيه كيفك بالظبط .
ثم حول بصره نحو البقية، ليلاحظ ابن أخيه الذي أصبح شابًا يافعًا، غير الذي تركه منذ أربعة عشر عامًا، وتلك الصغيرة التي كانت تركض في الفناء كَبُرت هي الأخرى، كم هي قاسية القلوب التي تحرمنا من عيش اللحظات بأمان وحب، لاحظ غياب الاثنتين ولكنه لم يكترث فكل ما يهمه الآن كيفية التصرف وفقًا لهذا الموقف، أردف بسخرية :- وه وعلمت عيالك قلة الأصل مش يقولوا إزيك يا عمي !
خرج عن طور صمته وقد قرر أن يرد له الصاع صاعين، فهتف بغضب :- كيف ما عملت مع وِلدك يا عامر .
رفع شفته باستخفاف وردد بهدوء :- لاه أنا علمتهم الأصول، بس أديهم الفرصة أنت .
ثم نظر لأبنائه قائلًا بصرامة :- هِم يا وِلد منك ليه سلموا على عمكم .
لم يتزحزح منهم أحد، وكل ما كانوا يفعلوه هو إطلاق نظرات صوبه، لو كانت رصاصًا لقتلت، ولو كانت نارًا لحولته لكومة رماد، تقدم الابن الأصغر الذي جز على أسنانه بعنف، فالود فوده يقسمه لنصفين، ولكنه لن يفعل ما يصغر والده، مد يده ليصافحه هاتفًا من تحت ضروسه :- أهلًا يا عمي كيفك ؟ ©بقلم زكية محمد
قال ذلك ثم سحب يده سريعًا، كما لو كانت عدوى ستصيبه، ليردها له بغيظ مكبوت :- يا مرحب بيك يا مؤمن، مش مؤمن بردك ؟
هز رأسه بموافقة وذهب ليقف إلى جوار والدته، بينما طالع “عامر” ابنيه وهو يحذرهما بعينيه بأن ينفذا ما قاله لتوه، زفر ” خالد” بضجر وقد قرر الامتثال لوالده، فتقدم نحوه وألقى عليه التحية، ومن ثم وقف بعيدًا ينتظر ذلك الفهد الحبيس، والذي على وشك أن يفتك بفريسته .
لم يرفع مقلتيه عنه منذ أن وطئت قدماه المكان، ينظر له بحقد فهو لم ينسى ما فعله بهم، ولن ينسى وسيريه نتيجة خطأه الفادح ذاك، وأنه سيندم أشد الندم على فعلته، أصطكت أسنانه ببعضها بقوة محدثة صوتًا، وأذنيه يخرج منهما نيران لو طالته لأردته قتيلًا .
سار تجاهه وهو على نفس الحالة، ليقف قابلته ويمد له كفه ببرود، ليصافحه الآخر وهو يزدرد ريقه بتوتر،
فضغط على كفه بقوة وكأنه يرسل له رسالة تحذيرية، بأن القادم لا يبشر بالخير .
جلس “عامر” على الأريكة براحة، وأردف ببرود :- لو مش هنتعب الشغالين حداكم خليهم ينضفوا الدور بتاعي وبتاع عيالي يا سالم، أصلنا چايين من سفر كيف ما أنت خابر .
ثم نظر لبقية أفراد عائلته مرددًا بثقة :- تعالوا أقعدوا لحد ما أوضكم تچهز، واقفين ليه ؟ تعالي يا چنا يا بتي أقعدي إهنة چاري .
امتثلت الصغيرة لطلبه، فمشت بخطوات بطيئة نحوه، وما إن وصلت عنده حملها ليجلسها على قدميه، ثم أخذ يلهو معها دون أن يكترث بالأوجه التي تكاد أن تنفجر .
بعد سويعات كان الطابق الخاص بهم على أتم استعداد لاستقبالهم، حيث قام العاملون بأخذ أمتعتهم ورصها بغرفهم، وبعد أن انتهوا نهض “عامر” قائلًا بخبث، وهو يراقب تعابير وجوههم بتشفي :- طيب تصبحوا على خير يا چماعة .
صعدوا للأعلى تاركينهم يغلوا كالمرجل، هتفت ” زبيدة” بحقد :- كيف يا سالم تهملهم إكدة ؟ يعني دول هيعيشوا وسطينا ؟ لاه اعمل أي حاچة بس متخلهمش إهنة في الدار ويانا، دول تلات شباب وأنت حداك بتين .©بقلم زكية محمد .
نفض جلبابه بغيظ قائلًا :- همليني لحالي دلوك خليني أشوف النصيبة اللي حطت علينا دي .
ضغطت على فكها باحتداد ورددت بغل :- ماشي يا سالم لما نشوف أخرتها إيه .
“””””””””””””””””””””””
بعد أن انتهت من عملها، دلفت للداخل بإرهاق جلي، لاحظت الوجوم على وجه والده عندما مرت عليه أثناء دلوفها، وها هي تجد والدتها تفعل المثل، تقدمت نحوها قائلة بهدوء :- في إيه يا أما ؟
نظرت لها بإهتياج قائلة بحدة :- إخفي من وشي منقصاش هم هي، خليني في غلبي اللي أنا فيه .
تراجعت للخلف بفزع عندما صاحت بوجهها هكذا، وعلى وجهها إمارات الدهشة، توجهت للأعلى وقد قررت أن تسأل شقيقتها، توجهت للغرفة الخاصة بها وطرقت الباب، فسمحت لها الأخرى بالولوج، لتدخل هي قائلة بتعجب :- متعرفيش إيه اللي حُصُل تحت ؟ كلاتهم قالبين وشهم !
تركت مبرد الأظافر من يدها، وهتفت بمكر :- وه أنتِ متخبريش إن عمك عاود ومعاه عياله .
شحب وجهها وارتجفت يديها بشكل ملحوظ، ورددت بتلعثم :- عمي عاود ! ميتا دة ؟
أجابتها بحالمية وهي تتذكرهم بمخيلتها :- من يچي تلات ساعات إكدة، بس إيه يا بت مقولكيش ولا النچوم .
أردفت بتهدج وتردد :- طيب و … ومرت يحيى كيفها يعني ؟
أحنت رأسها للأسفل بأسف قائلة :- للأسف ميتة من زمان ياچي مقارب على التلات سنين إكدة .
شهقت بصدمة ورددت :- وه ماتت ! لا حول ولا قوة إلا بالله .
تطلعت لها بحاجب مرفوع قائلة :- وه زعلانة ! دة أنتِ المفروض تفرحي .
اتسعت عيناها بذهول قائلة :- إيه اللي بتقوليه دة ؟ أفرح في واحدة ميتة بدل ما أترحم عليها ! وبعدين أنا مالي ومالها ؟
مطت شفتيها بسخرية وقالت بخبث :- أيوة صُح مالك ومالها .
أخذ صدرها يعلو ويهبط بعنف، ومن ثم هتفت بهروب :- أنا رايحة أنعس .
تركتها وذهبت مسرعة تختفي بغرفتها، وما إن دلفت حررت حجابها وجلست على الفراش، وهي في حالة تيه كاملة تشعر بالضياع والتخبط، لا تعلم أتفرح أم تبكي ؟ أتفرح بعودة ذلك الفتى الذي تركها منذ أن كانت صغيرة ؟ أم تحزن لزواجه من أخرى حتى وإن كانت متوفية ؟
لمعت الدموع بعينيها، ترثي تلك الأيام التي كانت ترسم فيها حلم ليس من حقها، كم هي غبية بعقلها منذ أن كانت طفلة، يجب أن تستيقظ من ذلك الحلم الوردي، وترى الواقع حتى وإن كان مؤلم بالنسبة لها، وأن تنسى تمامًا الترهات التي نسجتها بعقلها، ثم راحت تفكر كيف ستلتقي به بعد كل هذه السنوات؟ وكيف يبدو ؟ هل تغير أم ظل كما هو ؟ أخذت تفكر وتفكر إلى أن أخذها قطار النوم، لتذهب في سبات عميق .©بقلم زكية محمد
♠♠♠♠♠♠♠♠♠
صباحًا خرجت من غرفتها وقد نوت على السير قدمًا، وأن لا تستسلم لجروحها، بل ستدهسها إن تطلب الأمر، ستسير للأمام وتنحي مشاعرها جانبًا، نزلت بهدوء وهي في حالة تأهب، لا تعلم كيف ستستقبل عمها وزوجته ؟ فهي تخشى من والدها ووالدتها، سحبت شهيقًا طويلًا وقد قررت التصرف على سجيتها .
ما إن وطئت قدماها الصحن الكبير، وجدتهم يجلسون في انتظار وجبة الإفطار، وقفت جامدة وهي تتطلع إليهم بحنين، رفعت زوجة عمها عينيها نحوها، وابتسمت إبتسامة مشرقة قائلة بحب وهي تفتح ذراعيها لها :- شمس ! كيفك يا بتي ؟ أتوحشتك قوي .
ما كان أمامها سوى أنها لبت النداء، فركضت نحوها وأحتضنتها بشوق جارف قائلة بخفوت :- أتوحشتك قوي يا مرت عمي .
ربتت على ظهرها قائلة بدموع فرح :- وأنا كمان يا بتي، ولا زمان يا شمس، كبرتي و ….
قاطعتها قائلة بمرح :- وتخنت موعياش إياك !
ضحكت بخفوت وقد فطنت أنها حزينة لهيئتها تلك فأردفت بحب :- بس لساتك كيف القمر يا بتي .
ابتسمت لها بود، فهي تطيب جروحها عكس تلك التي تذكرها بعيبها، فتزيد من الفجوة بينهما، تابعت أمينة بمزاح :- روحي سلمي على عمك ولا نستيه .
هزت رأسها بحرج قائلة :- لاه منستهوش، كيفك يا عمي ؟
قالتها وهي تقبل يده باحترام فربت على رأسها بحنو قائلًا :- زين يا بتي، كيفك أنتِ ؟ يا زين ما ربيت يا سالم، مع أني أشك أنها تربيتك .
نظر له بغيظ شديد من تلميحه، بينما تابع الآخر بهدوء :- أقعدي يا بتي والله زمان، سبتك عيلة صغيرة .
جلست في المنتصف بينهما، بينما رددت أمينة بحنان :- دول ولاد عمك مؤمن وخالد أكيد عارفاهم طبعًا .
هزت رأسها كعلامة للترحيب بهم، فرسموا لها ابتسامة بسيطة ممتنة، لتتابع الأخرى وهي تشير للصغيرة :- أما دي چنا بت يحي، تعالي سلمي على عمتك يا چنا .
تقدمت الصغيرة نحوها ومدت كفها قائلة :- أزيك يا عمتي ؟
بادلتها التحية بقلب يطرق بشدة، وهي ترسم ابتسامة ضعيفة قائلة :- أهلًا يا حبيبتي كيفك أنتِ ؟
ابتسمت لها قائلة :- زينة يا عمتي . ثم وجهت سؤالها لجدتها، وكأن الأخرى بانتظاره :- وين بوي ؟
أجابتها بحنو :- راح شغله .
عبست ملامحها بضيق قائلة بتذمر :- مشي من غير ما يصحيني !
ربتت على شعرها قائلة بضحك :- معلش كان مستعچل، بس هيچيبلك وياه حاچة حلوة قوي .
اتسعت عيناها بفرح وهزت رأسها بلا بأس.
على الجانب الآخر غلت الدماء في عروقها، وهي ترى انسجام ابنتها معهم، ضاربة بقراراتهم التي اتخذوها مسبقًا عرض الحائط، ودت لو تبرحها ضربًا على فعلتها تلك، فهي دومًا ما تتعبها لا تسمع لحديثها مثل أشقائها .
نظرت بصدفة لوالدها لتجده يطالعها بشر، فأخفضت عينيها على الفور وهي تردد بداخلها ماذا ستفعل للخروج من هذا المأزق ؟
هربت من نظراتهم بانخراطها في الحديث مع زوجة عمها، والتي كانت تواقة لتعرف ما الذي حدث طيلة تلك السنوات التي غابوها بعيدًا عن بعضهم البعض .
استأذنت منهم للذهاب إلى الأعلى لإحضار متعلقاتها والذهاب إلى عملها، وما إن وطئت غرفتها وجدت قبضة قوية على ذراعها، وصوت هدر بعنف :- بقى بتكسري حديتنا يا هانم لأچل أمينة ؟
هتفت بضجر وضيق :- وه يا أما دي مرت عمي، وعمي وعياله يعني من لحمي ودمي، كيف رايداني محدتهمش وإحنا تحت سقف واحد .
جزت على أسنانها بعنف قائلة بتهديد وانفعال :- هي كلمة وهتسمعي الحديت رچلك فوق رقبتك .
نظرت لها بتحد قائلة :- وأنا مهاحربش حد معمليش حاچة عفشة .
صفعتها بقوة قائلة بغل :- فوقي يا بت ولا أمينة عملتلك عمل ؟ بقلم زكية محمد
وضعت يدها على وجنتها، تكبت الدموع بقهر، ثم أخذت ملتزماتها وغادرت الغرفة كمن يطاردها شبح، بينما أردفت الأخيرة بغيظ :- بت فقرية وهتچيب أچلي قريب .
★★★★★*********★★★★★★*******
بعد العصر عاد من أسيوط، بعد أن تم إجراءات نقله لجامعة جنوب الوادي، بدى الأرق على وجهه وتجهم وجهه عندما لمح عمه، فمر عليه وألقى عليه التحية باقتضاب، مما أثار سخط الآخر، دلف للداخل ونظر حوله فوجد والدته التي استقبلته بوجه بشوش، سألها عن ابنته قائلًا :- وينها چنا ؟
هتفت ببساطة وهي تجلس قبالته :- مع شمس في المزرعة .
انتفض في مجلسه قائلًا بفزع وجنون :- ويا مين يا أما ؟ سايباها لعيال سالم ؟ وينها المزرعة دي، وينها ؟
رددت بهدوء وهي في دهشة من أمرها من حالته تلك :- متقلقش يا ولدي، دي هي شبطت فيها والبنية خدتها معاها .
صاح بغضب عارم أحدث جلبة في المنزل :- لو حصلها حاچة مش هبيت عمي ولا عياله إلا في الچبانة .
قال ذلك ثم هرول للخارج بسرعة البرق، وشغله الشاغل هو رؤيته لابنته سالمة نصب عينيه، فهو يخشى أن يصيبها مكروه من أبناء عمه الذين بالتأكيد ورثوا الحقد من والديهم، لذا أقسم إن لحق بها مكروه سيدفنها حية .
وصل للمزرعة في لحظات، بعد أن دله أحد العاملين على مكانها، كان في أتم استعداد للانفجار بوجهها كالقنبلة، ولكنه وقف متسمرًا في محله، عندما سمع ضحكات طفلته الرنانة التي ملئت الأرجاء .
كانت تمتطي مهرة صغيرة، والأخرى بالقرب منها خشية أن تقع فتلحق بها، هتفت “شمس” بحنو :- يلا يا چنا بزيادة إكدة عشان نعاود، هيقلقوا عليكِ .
هزت رأسها بنفي قائلة برجاء :- لاه خلينا كمان هبابة يا شمس .
هزت رأسها باستسلام قائلة :- ماشي هبابة وهنزلك طوالي .
دلف للداخل لتصيبه الصدمة حينما وجد ابنته تعتلي ظهر المهرة الصغيرة، والأخرى تقف تراقبها وهي تبتسم لها، ولكنه اندفع نحو ” جنا” فجأة، فاصطدم بالأخرى التي تراجعت للخلف وهي تحاول أن تتزن كي لا تسقط، فتعثرت في إحدى الأخشاب التي غُرزت بحذائها ومن ثم قدمها، كتمت أهة كادت أن تخرج من ثغرها وهي تنظر لذلك الأحمق، لتصيبها صاعقة كهربائية حينما علمت من هو، وكيف لا تعرفه وقلبها الذي يضخ طرقاته بعنف منذ لحظات، وكأنه بانتظار رؤيته .
احتضن الصغيرة وأخذ يتفحصها بلهفة قائلًا :- فيكِ حاچة، أنتِ زينة ؟
هزت رأسها بتأكيد قائلة بخفوت :- أنا زينة يا أبا، عمتي شمس ركبتني الفرسة الصغيرة حلوة قوي يا أبوي .
التف بجسده نحوها، ليتطلع لها لأول مرة بعد تلك الأعوام الطويلة، لقد تغيرت لم تعد تلك الطفلة البلهاء والتي كان يدعوها ب ” سوكة العبيطة”، خرجت كلماته الصارمة وهو يوبخها على استهتارها ذاك :- أنتِ كيف تركبي عيلة صغيرة الفرسة، أفرضِ وقعت واتكسرت ؟
قبضت على يدها بألم، وتحلت بالصبر قدر المستطاع، رسمت ابتسامة ساخرة خطت وجهها، فهو لن يتغير أبدًا ذلك الأبله، نظرت له بتحدٍ قائلة :- والله أنا كنت مرعيالها زين، متخافش عليها مهقتلهاش يعني .
هدر بانفعال :- ولا تقدري تهوبي نحيتها، لا أنتِ ولا اللي يتشددلك . ©بقلم زكية محمد
هزت رأسها بعنف، وكأنها تعنف ذاتها، أهذا الذي تنتظره طيلة تلك المدة ؟ لقد تغير كثيرًا وللأسوأ، يا للحسرة !
أصطكت أسنانها بعنف قائلة بحدة :- بقولك إيه يا أخينا أنت بتك أها چارك صاغ سليم، ملهاش عازة النفخة الكدابة دي .
رفع حاجبه باستنكار قائلًا :- أنتِ هبلة !
هزت رأسها بنفي قائلة بدون وعي :- لاه، أنا شمس .
توقفت فجأة وهي تشعر بقطار الزمان عاد للخلف، وخصيصًا عند ذلك الموقف، ابتسمت بحنين لتلك الذكرى، وبداخلها يثور متفاعلًا بكل خلية مع الحدث .
لاحت طيف ابتسامة على ثغره، فيبدو أنها كبرت تاركة عقلها عند تلك المرحلة، استعاد ثباته قائلًا باستفزاز :- وعبيطة كمان، اه صُح مش اسمك سوكة العبيطة ؟
اتسعت عيناها بغل من إهانته تلك، فرفعت إصبعها بوجهه قائلة بتهديد :- بطل حديتك العفش دة، وإلا ….
طالعها بتحد قائلًا :- وإلا إيه ؟ هتعملي إيه يعني ؟
وصلت لأعلى مراتب الكمد، وقد نست ألم قدمها الذي تسبب فيه كعادته، ثم بحركة بلهاء منها توجهت نحو حقيبتها وأخرجت حقنة خاصة بتطعيم الحيوانات وقالت بوعيد :- هدخل الحقنة دي في چتتك المنحسة دي وأخلص منك .
رفع شفته باستخفاف وردد بتهكم :- روحي العبي بعيد يا سوكة، أنتِ مخبرانيش زين .
صرخت بحدة وهي على وشك البكاء، فقد سئمت السخرية وخاصة الموجهة لها منه بالتحديد :- أمشي من إهنة يا لطخ .
عض على شفتيه بغيظ مكبوت من هذه البلهاء، التي تهذي بما يجعله في قمة احتداده وهو لا يريد ذلك، فلو خرجت قسوته لعصفت بها في الحال، أنزل الصغيرة أرضًا، ثم توجه نحوها بخطوات دبت الوجل بداخلها، راقبها بابتسامة متشفية وهو يود أن يضحك رغمًا عنه، فهي تبدو كالأوزة في مشيتها .
رجعت للخلف وهي تفكر في حياة للفرار منه،
داست على قدمها المصاب لتطلق صرخة خافتة، فأردف بسخرية :- مالك چبتي ورا ليه دلوك ؟
أردفت بألم جلى على قسمات وجهها :- بَعِّد يا يحيي، رچلي وچعاني ورايدة أمشي .
هز رأسه بعدم تصديق، وهو يظن أنها خدعة منها :- وچعاكِ موچعاكيش أتقي شري أحسنلك، ولسانك دة تربطيه بدل ما أقطعه وأعلقهولك على باب البهايم دي اللي فرحانة بيها .
قوست شفتيها بأنين، ولم تهتم بما قاله بل اتجهت للخارج وهي تعرج فالألم اشتد عليها، ولم تستطع التحمل أكثر من ذلك، تعجب هو فقد كانت تقف سالمة منذ لحظات، ولكنه سرعان ما تذكر دفعه لها، فيبدو أنها تأذت بسببه، زفر بضيق من نفسه على تسرعه، فيبدو أن لقاءاتهم سيئة الحظ وللغاية، نادى باسمها لعلها تتوقف، ولكنها لم تعيره انتباه بل أكملت سيرها، وهي تسبه بأفظع الشتائم وهي تود لو تعود وتلكمه بوجهه، ذلك القاسي متبلد المشاعر، هي تهفو له شوقًا بينما قابل ذلك بكل برود .
اغتاظ منها وأسرع من خطواته، فوقف قبالتها قائلًا بغلظة :- مش بنادي عليكِ ولا خرستي !
لم ترد عليه مما أشعل فتيل الغضب بداخله، فقام بجذبها من ذراعها بقوة، فأخذت تتململ في محاولة منها للتحرر من قبضته، فأختل توازنهما، فسقطا أرضًا لتطلق هي صرخة مدوية .
في تلك الأثناء كان في طريقه للمزرعة، فمنذ أن علم أنه متوجه لأخذ ابنته، أسرع ليتفقد ابنته هو الآخر فمكوثهم معًا لا يجوز، لتصيبه الصدمة حينما رأى ذلك الوضع، فخرجت كلماته قائلًا بصياح :- بتعمل إيه يا ابن ال ****** .

يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية وجلا الليل)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *