روايات

رواية وجلا الليل الفصل التاسع 9 بقلم زكية محمد

رواية وجلا الليل الفصل التاسع 9 بقلم زكية محمد

رواية وجلا الليل البارت التاسع

رواية وجلا الليل الجزء التاسع

وجلا الليل
وجلا الليل

رواية وجلا الليل الحلقة التاسعة

نصبت مأتم بغرفتها، تنعي فيه كل ما هو جميل؛ إذ أنها ستدلف بعد لحظات إلى جحيم الشياطين، ماتت روحها والآن تقف خاوية تتلقى التعازي من الموجودين، حاولن كثيرًا أن يعدلوا من هيئتها التي لوثتها الدموع الغزيرة، إلا أن ذلك لم يجدِ، أصروا على اعدامها فقدمت نفسها قربانًا لذلك الحب الضائع، والذي علمت أنه مستحيل مهما فعلت .
دلفت ” أمينة” التي شق الحزن مجرى قسماتها، توجهت ناحيتها بخطوات معبئة بالخزي؛ لعدم تقديم يد العون لها والتي طلبتها مرارًا وتكرارًا منها، حاولت التماسك قدر المستطاع حتى لا تزيد الطين بلل، جلست ورسمت ابتسامة باهتة وهتفت بفرح مصطنع، فبداخلها مائدة مستديرة يتشح ضيوفها الأسود لتلقي العزاء تضامنًا معها :- بسم الله ما شاء الله عروستنا كيف القمر .
تساقطت دموعها سريعًا، تهطل كما في ليلة شتاء عاصف، ملبد بالغيوم السوداء فأحدثت ضجيجًا وانهمرت الماء بغزارة، خرج صوتها المتحشرج :- عزيني في روحي يا مرت عمي، خلاص مُت اللي بتحدتك دي واحدة ميتة بياخدوا عزاها .
ربتت على ظهرها بلطف قائلة بمآقي فاضت دموعها، فاتخذت وجنتيها مجرى لتصب فيه عبراتها، رددت بحنو :- بعد الشر عنك يا بتي، إن شاء الله اللي يكرهك، حاولت يا بتي حاولت بس مقدرتش .
ألقت بذاتها بين ذراعيها، تعايش سكرات الموت كالذبيح الذي يلفظ أنفاسه الأخيرة، بينما احتضنتها الأخرى بعاطفة امومية جياشة، وهي تتذكر ما بذلته لمساعدتها، والذي ذهب أدراج الرياح ولم تفلح في أن تحرز أي تقدم ولو ببنت شفة، عادت بذاكرتها للخلف تحديدًا منذ يومين، إذ دلفت غرفته والأمل يغمرها من رأسها لأخمص قدميها، تمني النفس بأنه سيوافق وسيفعل ما تمليه عليه، جلست إلى جواره وبعد أن دلفت معه في نقاش عادي، شعر هو بأنها تحيك لأمر ما، وتريد البوح به ولكنها مترددة، فهتف بفضول :- خير يا أما، في حاچة ؟
ابتسمت بتوتر تشجع ذاتها على أن توشي بما يجثو فوق صدرها فترتاح من تأنيب الضمير الذي يحوم حولها منذ أن علمت بالموضوع، فرددت بتلعثم :- رايدة أقولك حاچة إكدة، بس بالله عليك يا ولدي ما تكسفني .
اعتدل في جلسته وأردف بدهشة :- أنتِ تأمري يا أما وأنا أنفذ، اتفضلي قولي .
أردفت بتلجلج في حروفها :- كتب كتاب بت عمك بعد يومين .
قطب جبينه بتعجب قائلًا بمبالاة :- أيوة يعني وبعدين ؟ بقلم زكية محمد
جزت على أسنانها بعنف قائلة بغيظ من بروده الصقيعي :- رايداك تمنع الچوازة دي بأي شكل، البت مموتة روحها من البُكا، صعبانة علي يا يحيى محدش چارها، هي مرايدهوش بس أمها غاصبة عليها، ساعدها يا ولدي طالما في يدك إنك تساعدها .
لوى شدقه بسخرية وردد باستخفاف :- ريداني أعمل إيه يعني ؟ أروح أهربها ولا أروح اقول لأبوها متچوزهاش ؟
نفخت بنفاذ صبر وقالت بحذر :- ريداك تتچوزها يا يحيى .
انتفض في موضعه كمن لدغته حية، وطالعها بصدمة سرعان ما اكفهر وجهه، وبرزت عروقه وأردف بغضب ملجم بالهدوء للماثلة أمامه :- أعمل إيه ؟ أتچوزها ؟ أنتِ واعية لحديتك دة ريداني أحط يدي في يد اللي قهر أبوي السنين دي كلاتها ؟
تابعت باستمالة لتنل عطفه :- ملناش صالح بيه، إحنا كل اللي يهمنا البنية لا أكتر ولا أقل .
ردد بحدة طفيفة :- حديت إيه دة يا أما ؟ الله يرضى عليكِ بزيداكِ وفري تعبك لأني مهعملش حاچة زي دي واصل، اللي بينا عداوة وتقوليلي أتچوز بته !
هزت رأسها بإصرار فستفعل كل ما بوسعها لإنقاذ تلك البريئة من عرينهم :- هَمِلّك واصل من العداوة دي، ربنا ما يكتبها عليكم بس فكر زين يا ولدي في حد متشعبط في قشاية رايد أي حاچة تنچيه، متبخلش عليه واصل يا ولدي .
زفر بحنق وجلس يهز قدميه بعصبية، بينما ربتت هي على كتفه وأردفت بحزن وقد تغلب عليها اليأس :- هسيبك لضميرك يا ولدي واللي يقولك عليه اعمله، بس وحياة أغلى ما عندك ما تكسف طلبي .
قالت ذلك ثم انصرفت تجر أذيال الخيبة، تاركة إياه يتخبط من درب لآخر يفكر في حديثها، عودة للوقت الحالي وهي تأكدت تمامًا أنه رفض طلبها، فهمست برجاء :- عدلها من عندك يارب .
★★★★★★★★★★★★★★★★★★
بالأسفل ألقى خبره الذي كان بمثابة الرياح العاتية، التي أجتثت ألسنتهم فأخرستهم، بينما ظل هو يتابع وجهه الذي أربد بشكل ملحوظ، وتحول إلى قذيفة نار مشتعلة تحرق من يقترب منه، تقدم منه بثبات ووقف قبالته قائلًا بخبث وهو يرى وجهه الذي شحب :- إيه يا عمي هو عشان خلاف بيناتنا هتچوز مرتي لراچل تاني، وزة شيطان يا عمي ودلوك رايد نكتب الكتاب من تاني عشان أبقى رديتها قدام الكل .
تعالت الهمهمات بالمجلس، وهم يستمعون لتلك التصريحات التي نزلت عليهم كالصاعقة، مال “سالم” نحو “يحيى” وهمس باحتدام :- بتخربط بتقول إيه يا واكل ناسك ؟ أنت واعي للي عملته دة ؟
ابتسم ببرود وهتف بنفس الهمس :- مشيها إكدة بدل ما أقول كاتبين عرفي، وأنت خابرني أعملها وسط الخلق دي . بقلم زكية محمد
اتسعت عيناه ببريق ينم عن الاحتداد القائظ، لقد وضعه بركن لا مفر منه ولا هرب، كيف له أن يفعل شيئًا كهذا ؟ كيف واتته الجرأة من الأساس ؟ قبض على يده بعنف فبماذا سيتحدث أمام ذلك الرهط من الناس ؟
زمجر راشد باعتراض شديد وهتف بجلجلة :- إيه الحديت الماسخ دة ؟ هو دة اللي اتفقنا عليه يا سالم ؟
اذدرد ريقه بتوتر عاجز لسانه عن النطق، ليتدخل “يحيى” الذي أردف بمكر :- معلش يا عم راشد أصل عمي كان رايد يربيني شوية عشان ما أكررش اللي عملته، منچلكش في حاچة عفشة .
تطلع ناحيته وردد بغضب عاصف :- يعني إيه لعب العيال دة يا سالم؟ بتصغرني عشان رايد تربي جوز بتك ؟ ومقولتش ليه أنها متچوزة قبل سابق ؟ مش دي الأصول واصل يا سالم، بينا يا رچالة .
انصرف بصحبة الجمع الذين وفدوا معه، بينما جلس يحيى إلي جوار المأذون وردد بعبث :- يلا يا شيخنا اكتب الكتاب خلينا نفرح، تعال يا عمي يا نسيبي أقعد وحط يدك في يدي .
فارت دمائه وبرزت عروقه، وكاد أن ينفجر كالقنبلة التي لو دوت لأطاحت بهم جميعًا، نظر للجمع حوله فوجدهم يطالعوه بترقب، فما كان أمامه سوى أن يرضخ لطلبه، حيث جلس على الجانب الآخر ومن ثم بدأت الإجراءات لتتعالى بعدها المباركات، تزامنًا مع إطلاق النار بالهواء وأصوات المزمار الصعيدي تصدح في الأرجاء، أردف سالم بغيظ :- مش هعديهالك يا يحيى .
ابتسم بسماجة قائلًا بتهكم :- وه يا عمي دي چزاتي يعني ! يا راچل أفرح دة فرح بتك النهاردة .
عض على شفتيه بغيظ، فقد تمكن منه هذه المرة وردد بغل :- بتصغرني وسط الخلق يا واد عامر هي دي عملة تعملها ؟
حك مؤخرة رأسه وردد بفحيح :- بردلك الچميل يا عمي، ولا أنت نسيت عملت إيه في أبوي !
هدر بانفعال :- عملت إيه ؟ دة حقي ولا أنت هتحاسبني على شرع ربنا روح قول لچدك ليه ما أديتش ورث لأبوي .
كشر عن أنيابه وردد بحدة :- قصدك تقول حق أبوي اللي أنت لهفته .
تدخل “عامر” عندما ارتفع ضجيجهم، وسحب ابنه بعيدًا وهتف بهدوء :- مبارك لبتك يا أخوي ربنا يكتبها چوازة العمر إن شاء الله، وحدوا ربنا إحنا في فرح لا هو وقت عراك ولا وقت عتاب، يلا هنشمت الناس فينا ولا إيه ؟
التزما الصمت وكل منهم يود الفتك بالآخر، نفضا جلابيبهم ومن ثم استدار سالم ليترك المكان، يحاول أن يرسم بسمة سعيدة حتى لا يشك به أحد، بينما أردف عامر بتوبيخ :- إيه اللي أنت عملته دة يا يحيى ؟
أردف بغيظ :- وه يا أبوي دة بدل ما تقولي عفارم عليك إني خليته في وسط خلقاته بين الخلق ؟
أجابه بضجر :- شوف يا ولدي، اللي بيني وبين عمك ملهوش صالح بيكم انتوا عيال عم وهو عمكم يعني واچب عليكم أنكم تحترموه غير إكدة لاه .
صمت قليلًا ثم ربت على كتفه بفخر واعتزاز مرددًا :- بس عفارم عليك يا واد، نچدت البنية من راشد الراچل قليل الأصل دة .
أردف من بين أسنانه بسخط :- نعمل إيه للحچة أمينة ؟ قعدت تزن تزن على راسي .
تابع بخبث :- وضميرك مات إياك ؟
ردد بسرعة :- لاه بس أنا عملت إكدة كيف ما طلبت أمي مني .
هز رأسه بعدم اقتناع وأردف بروية :- ماشي نمشيها الحچة أمينة، يلا تعال نوقف مع الرچالة .
بعد وقت دلف هو للداخل ليصحب عروسه إلى منصة الزفاف الخاصة بهم، ظلت جامدة كالتمثال لا حركة فيها عدا ذاك الشهيق والزفير الذي يلج ويخرج، هزت رأسها بعنف لعلها تستيقظ من ذلك الحلم الوردي الذي تعيش فيه، وان من يقبع بجوارها هو فقط راشد، الذي سينهي على حياتها وسيحولها إلى كابوس أسود تعاني لياليه الموجعة، أخذت تحدق النظر فيه بقوة ربما أُصيبت عيناها بالعمى، وهي تحرك وجهها بإيماءات غريبة دلالة على تشوشها، ورغبتها في معرفة الحقيقة، ليطالعها هو بحرج من الموجودين والمراقبين لهم، فخرج صوته الصارم يهمس بسخرية :- أقفلي خشمك دة واتعدلي الله يخرب بيتك، أختشي من الناس طيب .
جعدت أنفها بغرابة وعقلها يردد أن ذلك الصوت هو الخاص بمعذبها، قطبت جبينها بخوف وهي تشعر أنها على حافة السقوط في بحر الجنون والهذيان، أصبحت تتخيله في كل شخص ولم تكتفي عند هذا الحد، ليتردد صوته في أذنيها، هتفت بخفوت ووجل وهي تنعي نفسها :- يا مرك يا شمس، إتچنيتي ؟ لاه لازمًا اكشف على حالي لأحسن التهيؤات دي تخبلني أكتر ما أنا مخبولة .
نتأت مقلتاه بذهول حينما سمع همسها ليردد بحدة طفيفة :- فوقي يا واكلة ناسك بدل ما أرزعك كف يطيرك .
انكمشت أكثر في نفسها بوجل، ونظرت له قائلة بهلع :- أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، انصرف انصرف .
كاد أن يصل ثغره للأرض، وهو يتابعها بصدمة من تصرفاتها الرعناء، ليتابع بغضب مكبوت :- شوفتي عفريت أياك ؟ والله شكلك رايدالك علقة زينة تعدل راسك .
ارتعشت فرائسها ورددت بهمس :- فوقي يا شمس فوقي مش هو مش هو .
مسح بكفه الكبير على وجهه الذي احتقن بغضب، وهو يود لو يفلقها نصفين تلك البلهاء، التي تتصرف بجنون عاصف من يراها يقسم بأنها خرقاء، وبحاجة لمشفى الأمراض العقلية للتأكد من صحة عقلها الأبله، والذي بالتأكيد سيكون في نطاق العته بسخاء .
اقتربت أمينة تعانقهم بحب، ودموع فرح أنه لم يخيب ظنها، وبادلت الأخرى العناق والتي هتفت بذهول وعدم تصديق :- الحقي يا مرت عمي، راشد چايلي في صورة ولدك يحيى، بايني خرفت بدري !
ضحكت بخفة قائلة بمرح :- لاه يا بتي دة مش راشد دة ولدي يحيى بحق وحقيقي .
توسعت عيناها على اخرهما، وهي تطالعها بنظرات تتساءل فيها عن مدى صدق حديثها، لتهز الأخيرة رأسها بتأكيد قائلة :- أيوة يا بتي صُح دة يحيى، مفيش راشد دلوك في يحيى وبس .
أردفت بصدمة وصوت عال :- وه وه يا أبوي، أنتِ قصدك تقولي إن يحيى هو اللي إتچوزني ؟
ضحكت بصخب عليها، لتتسع مقلتيها بذهول عندما وجدتها تطلق الزغاريد بصخب، لتزيد من صدمتهما عندما احتضنت يحيى بقوة وهي تردد بسعادة :- أنت يعني اللي أتچوزتني مش راشد ؟ أنا مرتك يا يحيى ؟
ابعدها عنه برفق وهو يكاد يتغلب عليه الهذيان، من تصرفاتها الغريبة على غير العادة، وأردف بتهديد خافت وهو يميل على أذن والدته :- أما عقليها بدل ما أقسمها نصين، دي عمايل دي !
كبحت ضحكها بصعوبة على الموقف برمته، مسكتها من يدها قائلة بهدوء :- هدي حالك مش إكدة، الناس تقول إيه عدي الساعة دي على خير وكيف ما بدك تعمليه اعمليه .
اغرورقت عيناها بالدموع ورددت بعدم تصديق :- قولي والله دة مش راشد ؟ يعني دة صُح مش بحلم ؟
أردفت بابتسامة عريضة :- أيوة يا بتي صُح، أنتِ طيبة وتستاهلي الخير .
رفرف قلبها في ضلوعها، ومن ثم جاب جميع الأركان يغني فرحًا، لا يصدق بما نال وحظى به، يا لها من سعادة غامرة اجتاحت سائر بدنها، تنير دروبًا مظلمة ظنت أن لن يأتي عليها ضوء، ها قد أتت فرصتها ولن تضيعها مهما كلف الأمر، لن تدعه دون أن يسقط في محيط العشق كما فعلت، لن تسبح فيه بمفردها بعد الآن فقد كلت وتعبت، آن الأوان أن يشاركها ويمد لها يد العون، قوست جبينها بضيق حينما تذكرت كونها ممتلئة الجسد، ولكنها عزمت على أن تتغير من أجله هو، نعم ستفعل المستحيل ما دامت روحها تسكن الى جواره، فهذه بداية السلم وستصعد إلى أن ترتقي درجاته بأكملها .
انتهت المراسم لتزف إليه، وبينما كانا في طريقهم للأعلى حيث الشقة الخاص به، إذ بنى عامر لأولاده في تلك الفترة ثلاث شقق واسعة مستقلة، شعرت بتخدر في أطرافها وكأن كل ما نوت عليه تبخر في عشية وضحاها، تود الفرار ويحدث ما يحدث، تعالت دقات قلبها الصاخبة والتي تقيم حفلًا صاخب من نوع آخر، تشعر بأنه سيتوقف من كثرة ضخه النازف والمرهق لها، اذدردت ريقها بتوتر وسحبت نفسًا عميقًا تملئ رئتها بالهواء الذي سُحِب منها على عين غرة، كانت والدتها وزوجة عمها تسيران خلفهما حتى يتواروا بالداخل، مدت يدها نحو والدتها وتمسكت بكفها، لعلها تبثها بعضًا من الهدوء، إلا أن ذلك لم يفلح فمالت عليها تهمس :- أما أنا رايدة أچي وياكِ، مريداش أروح وياه .
حدجتها بصرامة وهتفت بهمس مماثل :- بتخربطي بتقولي إيه يا واكلة ناسك ؟ رايدة الفضايح والچِرس لأبوكي ؟ فوتي وخلي ليلتك تعدي .
لم تفهمها كالعادة فمطت شفتيها بحنق، وتابعت سيرها إلى حيث لا تدري ما مصيرها معه، ودت لو تصرح لزوجة عمها بمكنونات صدرها ولكنها خشت أن تخبره بدورها ويعلم حينها، فبأي وجه ستنظر له بعد أن يعرف ؟ بقلم زكية محمد
وصلت معه أخيرًا لوجهتهم الأخيرة، ودلفا سويًا بعد أن غادر من أتى بصحبتهم، وما إن غلق الباب انتفضت بشدة، لاحظ هو ذلك ولكنه لم يعقب وما إن رأته مقدمًا نحوها، هتفت بذعر :- خليك مُطرحك متقربش، سامع ؟
لا تزال تمطره بوابل من المفاجآت، وكأنها تصر على أن تدفعه لهاوية الجنون، ابتسم بخبث ما إن رأى الوجل يشكل خطوطًا بعينيها التي يتحرك بؤبؤيهما بسرعة عاتية، دلالة على الخوف والتوتر، ابتسم بتهكم أليست تلك من كانت تحتضنه أمام الجميع ؟ ماذا حدث لها الآن ؟ لم تحولت لعصفور وهن لا يقدر على الحركة ؟
أخذ يتقدم نحوها بخطوات مدروسة، لتتراجع هي بحرص فركضت فجأة لآخر الغرفة قائلة بصوت مهزوز جاهدت أن تظهر فيه قوتها الواهية :- أنت، أنت بتقرب ليه يا چدع أنت؟ هصرخ وألم عليك الخلق كلاتهم .
إلى هنا ولم يستطع إذ انفجر في نوبة ضحك هستيرية، احتقن وجهه وتحول للأحمر الدامي، بينما أخذت هي تراقبه بتعجب وحيطة، ما إن انتهى خرج صوته الساخر :- هو أنتِ حد قالك إنك هطلة قبل سابق ؟ علي النعمة هطلة وأبصم بالعشرة كمان، الزمن كبرك بس مكبرش عقلك واصل .
جعدت أنفها بضيق جلي، وأردفت بسخط :- ملكش صالح وبعد من وشي خليني أمشي .
رفع حاجبه باستنكار قائلًا :- تمشي ! تمشي تروحي وين يا نبيهة عصرك ؟
تابعت بتلجلج في الإجابة، مصحوب بالخجل الشديد من فكرة وجودها معه بمفردها، فلم تتخيل أبدًا أن يحدث هذا وبهذه السرعة المطلقة :- هروح لأمي، أتوحشتها ..
أردف بعبث وقد فهم ما ترمي له :- أتوحشتيها وهي لسة فيتاكِ ! اه يا خوافة مهتعقليش واصل، أهدي يا بت الناس إكدة خلي ليلتك تعدي .
أردفت بتذمر :- ومالها ليليتي اللي كلاتكم رايدينها تعدي دي ! دي مبقتش عيشة دي .
جز على أسنانه بعنف قائلًا :- وطي حِسَك دة ميعلاش تاني، فاهمة ؟
هزت رأسها بموافقة وتابعت :- طيب طيب بس هملني أروح، مريداش أقعد إهنة .
وما إن توجهت صوب الباب، صرخت بعنف ما إن وجدته يطوق خصرها بأذرعه الشامخة القوية، بينما تابع هو بمكر :- وه يا عروسة رايحة وين في ساعة زي دي ؟
أخذ صدرها يتصاعد ويهبط بعنف مفرط، عندما وجدت نفسها في حضرة حصاره المتين، وبوتقته الخاصة التي تتواجد بها لأول مرة، خرجت كلماتها المتهدجة والضعيفة كحالها، فقد تحولت لخرقة بالية مر عليها الزمن، فقدت سطوتها وقوتها التي أخذت تتظاهر بها منذ قليل :- يحيى، أنت، أنت….
ردد بخبث وهو يتابع انصهارها خجلًا كالفلز الذي يتعرض لدرجة الغليان :- أنا إيه ؟ بقى رايدة تمشي إكدة وتخلي سمعتي هباب .
رفعت مقلتيها تجاه خاصته وأردفت بخفوت وغباء :- وايه اللي دخل سمعتك في إني أمشي ؟
أشار بإصبعه على رأسها بغضب مكبوت وردد بوجه مكفهر :- دماغك دي فيها إيه؟ أنتِ متوكدة إنك دكتورة، ولا أتعديتي من البهايم اللي بتعالچيها ؟
ضيقت عينيها بغل من سخريته المتكررة بشأن عملها، فدفعته بقوة قائلة بحدة :- ملكش صالح بيا ومتتريقش تاني على البهايم عشان هما أحسن منك .
وكانت حروفها الأخيرة بمثابة مسمار أخير دقته في نعشها، عندما وجدته تحول لتنين مجنح يبخ ألسنة النيران من ثغره، فلفحت صفحة وجهها النضرة والتي تحولت للهيب مشتعل، لتهم بالفرار من براثنه، إلا أنه قبض على ذراعها باحكام قائلًا ببسمة شيطانية :- أنتِ اللي چبتيه لنفسك ….

يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية وجلا الليل)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *