روايات

رواية ديجور الهوى الفصل السابع عشر 17 بقلم فاطمة طه سلطان

رواية ديجور الهوى الفصل السابع عشر 17 بقلم فاطمة طه سلطان

رواية ديجور الهوى البارت السابع عشر

رواية ديجور الهوى الجزء السابع عشر

ديجور الهوى
ديجور الهوى

رواية ديجور الهوى الحلقة السابعة عشر

احرس على من تحب فالأيام قصيرة.
#مقتبسة
أنا الٱن لا أعرف أي حزنٍ غيرني لهذا الحد!
‏”محمود درويش”
كل جرحٍ أشتاق بإنك تكون ضماده.
#مقتبسة
أفتقدكَ وأنا هادئ لا أقاتل هذهِ المرة .
#مقتبسة
____________
يجلس كمال بجانبها على الفراش، ووالدته تجلس على مقعدها المتحرك بجانب الفراش من ناحية فردوس، فبعد غيابه عن المنزل لأكثر من يوم تهربًا من تواجده بعد إتيان أفنان وعدم رغبة داغر في الحديث معه أيضًا، وهاربًا من مشاعره التي لا تهدأ خقًا كأنه مُصاب بالسحر، قلبه لا يمل مهما حدث، لذلك كان يحاول الإبتعاد قدر المُستطاع والعيش في هدوء مع داليا…
لكن اليوم تلقى اتصال من والدته وهذا نادرًا ما يحدث دومًا هو من يتصل بها ويأتي لزيارتها، ولكنها أخبرته بأن يأتي في الحال بطريقة جعلته يظن بأن هناك كارثة، وكان ردها عليه حينما حاول معرفة ما يحدث بأن فردوس في غرفتها وقد تجاوز الوقت الخامسة مساءًا وهي تظن أن هناك شيء بها ولكنها لم تعتاد على اقتحام غرفتها هي أو أي شخص بالمنزل فأخبرته بأنه عليه أن يأتي ورُبما لأنها كانت تريده في الوقت نفسه.
صدقًا مكالمة والدته جعلته يأتي كالمجنون، وأحسنت استخدام العبارات التي تجعله يظن بأن هناك كارثة.
ولكنه حينما أتى وشاهدها نائمة بعمق رهيب، وأنفاسها منتظمة بدأ يشعر بالطمأنينة قليلًا حتى أنه جلس يلتقط أنفاسه بجانبها على الفراش هو لا يعلم كيف وصل إلى هنا.
تمتمت منى بنبرة منزعجة وهي تخاطب ابنها الشارد:
-يا ابني ما تشوف مالها أنتَ هتفضل متنحلي كده؟!.
غمغم كمال بنبرة ساخرة وهو يشير على فردوس:
-يا ماما سبيني اخد نفسي أنا جيت على ملا وشي وبعدين مالها يعني؟!! دي قدامك واحدة نايمة في سابع نومه.
أردفت منى مستنكرة:
-ده المغرب هيأذن يا ابني نايمة ايه؟! هو ده طبيعي؟! وده مش طبع فردوس على فكرة أخرها الضهر وبتكون قامت؛ وبعدين أحنا بقالنا نص ساعة مولعين النور وقاعدين بنتكلم جنبها وهي مش دريانة بالدنيا ايه البرود اللي أنتَ فيه ده؟!
والدته محقة بالفعل هذا شيء عجيب يذكره بتلك الليالي التي يأتي بها وتكن نائمة ولا تشعر به ولكن هو أمامه أمرأة نائمة، أنفاسها منتظمة كالملاك غير المرأة الحديدية التي تحاول أن تتقمص شخصيتها…
غمغم كمال بحيرة وبنبرة ظهرت جادة:
-طب ادلق عليها مياة ساقعة زي ردودها أفوقها؟!.
-يا ابني بطل هزار.
أسترسل كمال سلسلة اقتراحاته العظيمة بنبرة أبعد ما يكون عن كونها بريئة:
-تنفس صناعي ايه رأيك؟!.
ضحكت منى رغمًا عنها بسبب تصرفات ابنها وحديثه وكأنه بات مراهق أمامها مما جعلها تتحدث ساخرة:
-تنفس صناعي ايه خلي الطابق مستور هو لو في من الكلام ده كان ده بقا حالكم؟! وبعدين احترم اني موجودة.
ثم أسترسلت حديثها بتهكم:
-أنا بقولك فوقها مش بقولك عندها مشكلة في النفس دي نايمة وبتتنفس زي الفل.
قال كمال بأسف:
-يا خسارة أن معندهاش مشكلة خسرت كتير.
تململت فردوس في نومتها لتصبح نائمة على جنبها في مواجهة كمال الذي كان يميل ناحيتها قليلا منذ أن أتى…
أردف كمال ساخرًا:
-كنت ناوي أقولك قدأت تندع بعد ما بقالنا نص ساعة قاعدين جنبها وهي مش حاسة؛ لا دي مش بتندع ولا حاجة دي اتقلبت علشان تكمل نوم عادي جدًا ولا كأننا صوت عصافير جنبها ده لو عصافير بتصوصو كانت صحيت.
أبتلع كمال ريقه تم نادى عليها ولمس كتفها مغمغمًا:
-فردوس، فردوس، اصحي…
ضيقت فردوس عيناها بكسل وهي بدأت بالفعل تستيقظ وتلتقط أذنيها صوته أخيرًا..
مما جعلها تغمغم في صوت ناعس ومازالت تغلق عيناها وهي ترفع يدها تلقائيا وتضعها على كتفه فهو يتواجد بالقرب منها:
-كمال…
فتحت عيناها بكسل تلك المرة محاولة السيطرة على الخمول الذي يتواجد بها، كانت تناديه بصوت ناعم ويداها انتقلت من كتفه إلى عنقه تلمسه بعفوية، رُبما كانت تظن أنها في أحلامها الوردية حينما يحدث بها ما لا تسمح به في الواقع، حينما تسمح لمشاعرها بالانطلاق والخروج في العلن…
رُبما هذا واحد من أحلامها، أما هو كان مأخوذًا بالفعل بسبب نظرة عيناها ولمستها التلقائية بادرت هي بسؤاله:
-أنتَ هنا؟ بجد!!!!!…
أبتلع ريقه ثم أجابها بنبرة هادئة وخبيثة:
-تقريبًا أنا هنا؛ بس للأسف أنا مش هنا لوحدي الحاجة معايا.
خرجت ضحكة من منى لم تستطيع كبحها؛ وعندما سمعتها فردوس تمنت الآن أن يكن مجرد حلم أكثر من أي وقت أخر، لم تجرؤ على النظر ناحية صوت الضحكة حتى لا تواجهها بنظراتها؛ خجلت جدًا، ويداها سقطت عن عنقه مرة واحدة..
وهنا تحدث كمال بنبرة مرحة ولئيمة لم يستطع كبحها:
-اه كده فردوس تمام لكن من دقيقتان مكنتش تمام ومكنتش كويسة عندك حق يا امي.
أبتعد عنها قليلا تاركًا لها المساحة حتى تعتدل، وبالفعل أعتدلت وهي تتمنى أن تنشق الأرض وتبتلعها الآن…
قالت منى مقتحمة الصمت والتوتر البادي على ملامحها، تحدثت بنبرة حنونة:
-ايه يا بنتي مالك؟! كل ده نوم؟!! أنا قلقت عليكي جدا ده احنا بقينا المغرب.
تذكرت فردوس أنها قامت بتزويد الجرعة من تلقاء نفسها كما أصبحت تتناوله من تلقاء نفسها أيضًا، يبدو أن هذا هو السبب..
ولكنها حينما شعرت بأن الرجل المتربص أمامها يريد إجابة منطقية وكذلك المرأة التي سألتها من الأساس..
تحدثت فردوس بنبرة هادئة محاولة أن تبث الثقة في نفسها:
-أنا كانت معدتي تعباني ومصدعة من تغيير الجو وكمان نمت الصبح أصلا فعلشان كده طولت في النوم متقلقيش..
أقتحم كمال الحديث متمتمًا بنبرة قلقة:
-طب ايه رايك اوديكي تكشفي أنتِ بقالك فترة بتنامي نوم تقيل جدًا..
تود سؤاله من أين علم؟!.
ولكنها تحدثت بنبرة عادية وهي تقول:
-مفيش حاجة أنا كويسة جدًا هو برد بس بسبب تغيير الجو، متقلقوش على الفاضي.
قالت منى باستسلام:
-الحمدلله انك بخير، أنا همشي بقا، وأنتَ يا كمال أبقى تعالى علشان عايزاك.
-حاضر يا ماما.
وبالفعل قامت منى بتحريك مقعدها ونهض كمال وفتح لها باب الغرفة فقط، فهي في أغلب الأوقات ترفض أن يساعدها أحد في تحريك مقعدها لأنه بات أحدث وتستطيع التحكم به وحتى قبل ذلك حينما كان مقعدها ليس تقني كانت ترفض في أغلب الأوقات بسبب رفضها للشعور بالعجز.
وبالفعل بعد رحيلها أغلق الباب مرة أخرى، وعاد لها وهي كانت قد جلست على طرف الفراش وقالت بنبرة هادئة:
-أيه اللي رجعك؟! ما تروح ما قالتلك عايزاك.
تمتم كمال ساخرًا:
-قالت ابقى مقالتش تعالي دلوقتي حالًا.
غمغمت فردوس بنبرة متوترة وهي تنهض :
-لا أنا شايفة أنك تروح علشان هي واضح أنها عايزاك في حاجة مهمة.
أقترب منها وبحركة واحدة كان يحاوط خصرها هاتفًا:
-الأول أحنا عايزين نكمل المحادثة، اللي بدأت بأنتَ هنا.
أبتلعت فردوس ريقها وهي تنظر له بارتباك وتضع يدها على صدره محاولة أن تبعده ولكن يدها لا تدفعه تضعها على صدره فقط..
غمغمت فردوس بتوتر رهيب:
-ملهاش تكملة.
سألها بكل جدية رغم أن عينه شاردة بها وفي ملامحها:
-بجد ملهاش؟!.
أردفت فردوس بشكٍ هي الأخرى وكأنها تتمنى أن تطيل تلك اللحظة:
-تقريبًا.
تحدث كمال في استفسار أحمق:
-يعني مش متأكدة؟!
-يعني….
قالتها وهي تنظر في عينه ولم تمنع نفسها من قُربه حتى لو لحظات، وظنت بأنه لن يبتعد مادامت هي لم تردعه كالعادة..
ولكنه أبتعد عنها من تلقاء نفسه متمتمًا بهدوء:
-المهم أنتِ كويسة مش محتاجة تروحي للدكتور؟! يمكن عندك اي مشكلة مسببه ليكي خمول.
شعرت بالخواء والضيق من ابتعاده وهذا الشيء ازعجها أكثر…شعورها أنها تحتاجه كلما مر الوقت يغضبها…
تحدثت فردوس وهي تذهب ناحية الخزانة:
-لا أنا كويسة لو محتاجة اروح لدكتور كنت قولت.
تمتم كمال بنبرة جامدة سرعان ما اكتسبها:
-تمام عايزة حاجة؟! أنا رايح اشوف ماما عايزة أيه.
-لا شكرًا.
ثم سألته بانزعاج وهي تستدير مرة أخرى بعد أن كانت توليه ظهرها:
-بايت فين النهاردة جدولك فين؟!.
لم تتخلى عن سخريتها مما جعله يجيبها بنبرة مماثلة لنبرتها:
-لما تبقي مهتمة هتبقي تعرفي ان شاء الله.
قال كلماته قبل أن يغادر الغرفة بأكملها…
________________
ستموت…
منذ أن أستيقظت على هذا الخبر وهي تبكي وتنوح بشكل هستيري، تحديدًا حينما رأت المقطع بنفسها؛ النقطع الذي انتشر لها بسرعة رهيبة، هي لأول مرة ترى نفسها مصورة بتلك الطريقة وأنه قد شاهدها هذا الكم من الناس….
لتكن صريحة مع نفسها سبب حالتها المتوترة تلك، هو ثائر..
نعم تخشى بأن يكون شاهد المقطع، نعم كونه يعلم شيء، ويشاهد شيئًا أخر، يا ليتها لم تسمع حديث عبدة ولم تعد للعمل مرة أخرى، لا تظن بأنها سوف تستطيع الهبوط مرة أخرى إلى الشارع، أو السير كما كان في السابق لا تعلم حتى كيف تواجه الناس…
هي فقط تبكي وتنوح وصراخاتها وقتها بعد معرفتها بالخبر أيقظت والدتها النائمة وها هي تجلس بجانبها على الأريكة وعبدة يجلس على المقعد بعدم اكتراث وتحدث ساخرًا من تلك الحالة البائسة التي أصابت المنزل بها…
-ما خلاص بقا كفاية مناحة ده المفروض تفرحي بعد السنين دي كلها في يوم وليلة صحيتي لقيتي مصر كلها عارفاكِ، ده أنا في اتصالات كتيرة اوي من الصبح…
صرخت شمس بانفعال جعل والدتها القابعة بجانبها تنتفض:
-ياريت تسكت أحسن؛ أنا اتفضحت رسمي زمان كل الحتة تحت عرفتني وعرفت اني رقاصة ولا هعرف انزل من مكاني ولا اتحرك.
أردف عبدة بنبرة ذات معنى:
-اللي بيبص على فيديوهات الرقاصين يا عين أمك مش بيركز على وشها بيركز على حاجات تانية، وبعدين احنا كده كده كنا ناويين نعزل من بكرا نمشي هشوف أي شقة ايجار جديد مفروشة نمشي فيها مؤقتًا لغايت ما نجيب شقة تمليك، حضروا حاجاتكم والبيوتي سنتر نقفله خلاص ملهوش لازمة.
حياتها تنتهي، حياتها التي تقربها من ثائر يقومون بمحوها بالفعل، نعم كانت تريد ذلك من قبل لكن الآن لا تريد هي لا تستطيع الابتعاد عن ثائر أبدًا…
تحديدًا بعد اعتذاره وبعد وقوفه بجانبها حتى ولو كان الأمر أنه يشفق عليها، لا تستطيع أيضًا…
لكن كيف ستواجه الناس هنا بعد هذا المقطع هي تخجل من أن تهبط حتى إلى الأسفل، نعم رقصت أمام الكثير من الناس منذ سنوات ولكن أن يكون هناك مقطع مصور باحترافية والجميع رأه هذا شيء مخيف ومخجل جدًا…
كان هاتفها بين يدها تنتظر اتصال منه، حتى ولو اتصال غاضب تريد أن تعرف هل علم بالأمر أم لا؟!..
هل رأى المقطع؟!!!!…..
وحتى لو حدث ذلك لما قد يحادثها من الأساس!!!
الكثير من الأسئلة تأتي في عقلها هي تشعر بالخوف، هذا المقطع سيهدد حياتها معه أكثر مما هي مهدده من الأساس يبدو أن حتى الشفقة والمساعدة لن تحصل عليها بعض الآن.
أردفت سوسن كالعادة تتفق مع حديث زوجها:
-أنا شايفة اللي عبدة ببقوله هو عين العقل وبعدين دي طاقة القدر واتفتحت ليكي….
نهضت شمس تاركة أياهم وتوجهت صوب غرفتهم قبل أن تدب شجار معهما وهي لا تتحمل أي شيء من الأساس…
________________
بعد أن طرق كمال الباب وأذنت له والدته، ولج كمال إلى الغرفة وأقترب من والدته التي كانت تجلس على مقعدها وعلى حجرها يتواجد المصحف ولكنها أغلقت ما أن رأته أمامها….
أقترب كمال منها ثم أمسك كف يدها وقام بتقبيله، سألته والدته بحنان:
-عامل ايه يا حبيبي؟! ومراتك داليا عاملة ايه؟!.
تمتمت كمال بنبرة مهذبة:
-الحمدلله احنا بخير، وهي هتيجي بكرا علشان تشوفك وتشوف أفنان وتسلم عليها.
سألته منى في نبرة مستنكرة:
-وهي هتيجي وفردوس هنا؟!.
فكر كمال في حديث والدته وحاول فهم المغذى منه ولكنه تحدث بتلقائية:
-فردوس لو ناوية تعمل حاجة كانت عملت، ومعتقدش انها هتقل من نفسها وهتعمل اي حاجة وأراهنك أنها هتقعد قي الاوضة بتاعتها ومش هتتحرك، علشان ثقتها بنفسها فوق المستوى، أما بالنسبة لداليا هي معندهاش أي مشكلة مع فردوس وهي جاية تعمل الواجب وبس.
أبتلع ريقه ثم أسترسل حديثه بنبرة عادية فهو يعلم جيدًا بأن داليا لن تأتي من أجل الاحتكاك بفردوس:
-ولولا أنك مش بترضي تخرجي كنت عزمتك عندنا هي اقترحت بالفعل بس أنا قولتلها رغبتك.
أنهى حديثه ثم ذهب ليأتي بمقعد خشبي متواجد في أحد الجوانب ويضعه أمام والدته ثم جلس عليه متحدثًا باهتمام:
-طمنيني عنك أنتِ ياست الكل.
بنبرة حنونة أجابت منى عليه:
-أنا زي ما أنا يا حبيبي، عايزة اطمن عليكم وبس وأهم حاجة عندي تكونوا كويسين.
ثم أسترسلت حديثها بعتاب:
-بس يعني الأيام اللي فاتت مكنتش بتيجي خالص وتعدي عليا بعد الشغل، ده ياترى علشان بتهرب من فردوس ولا من حاجة تانية؟!.
شعر بالتوتر من سؤالها الثاني…
مما جعله يتحدث في نبرة عقلانية:
-كل الحكاية يا امي أن دي أيام داليا وأنا بديها حقها في وجودي جنبها .
كان صادق في كلماته يكفي أنه أحيانًا يكون معها وعقله غائب..
أردفت والدته بشكٍ وعدم تصديق:
-ياريت يكون كده فعلا يا ابني.
تحدث كمال بنبرة مرحة ولكنها لم تخرج منه كما ظن:
-مهوا كده يا حبيبتي هيكون ايه غير كدة؟!.
غمغمت منى بانزعاج:
-هو أنتَ كنت عارف حوار أختك وابنها؟!.
هز كمال رأسه نافيًا بعفوية شديدة، مما جعل منى تسأله بنبرة ساخرة:
-غريبة يعني أن داغر وافنان يخبوا حاجة زي دي، وحجتهم تعبي…
حاول كمال أن يمهد لوالدته أمر قد يحدث بالفعل في القريب العاجل، فقاطعها مغمغمًا:
-العلاقة بين أفنان وداغر مش مستقرة يا أمي في بينهم مشاكل كتير من ساعة ما اتجوزوا خصوصًا لما سافروا وبقت أفنان لوحدها هناك وأفنان كانت صغيرة برضو متحملتش الغربة.
تمتمت منى بسخرية:
-مشاكل كتير زي ايه؟!! ومشاكل ايه اللي تخبيها على امها؟! وهل المشاكل مبرر أنها متقولش أنها خلفت؟! ماهو لو كان في مشاكل كانت أطلقت يعني من بدري او عرفتنا.
مازال الموضوع يزعجه رغم أن الحقيقة واضحة وضوح الشمس إلا أن داغر لم يرغب في ترك توضيح له حينما أتصل به وطلب منه أن يخبره بالحقيقة أو حتى أن يجلس معه، ووقتها كان رد داغر عليه بأنه حينما يشعر بأنه جاهزًا ليخبره كل شيء وسيجده أمامه وقتها….
قال كمال حتى يُنهي الجدال في هذا الأمر:
-ماما ياريت نبطل كلام في الموضوع ده، خلاص هما غلطوا أنهم خبوا بس خلاص مش هنعلق ليهم حبل المشنقة يعني.
ابنتها تتهرب منها خلال تلك الأيام…. تتهرب من الجلوس معها بمفردها…مما جعلها تفكر في الأمر بمفردها وتعيد تلك الذكريات.
هتفت منى بنبرة منزعجة:
-طيب يا كمال هحاول اصدق اللي أنتم قلتوه؛ المهم مروح النهاردة ولا لا؟!..
أردف كمال بسخرية وألم واضح في الوقت نفسه:
-ما شاء الله البيت كله بقا بيسألني هنام فين، بقا عندي احتمالات، عموما أنا بايت هنا النهاردة ان شاء الله.
تحدثت منى بنبرة ذات معنى:
-مع فردوس؟!..
هز رأسه نافيًا مما جعل والدته تعقب بسخرية:
-اومال فين؟!.
قال كمال برد قاطع:
-هنام على الكنبة في المكتب لغايت ما ينضفوا الاوضة اللي في الجنينة هنام فيها.
تحدثت منى باستنكار شديد وعدم تصديق:
-أنتَ بتتكلم بجد؟! هتنام في الاوضة دي؟!! دي مفيهاش أي حاجة يا ابني ومقفولة من سنين طويلة وبعدين اوضة اختك موجودة، واوضتك أنتَ شريف ممكن تقعد فيها.
لا يرغب في غرفة شقيقته كما أنه لا يرغب أيضًا في غرفته السابقة مع شقيقه لا يتحمل الذكريات…
-عادي ممكن أخد سريري اللي كان في اوضتي مع شريف واحطه فيها لغايت ما أجيب سرير واظبطها يعني.
أردفت منى بسخرية وهي تلوح بيدها:
-ما تنام في اوضتك مع فردوس، دي كانت أوضتكم أنتم الاتنين بس واضح أن الفجوة اللي عملتوها نسيتكم.
تحدث كمال بلا مبالاة وضيقٍ واضح وجلي على ملامحه:
-علشان شعور الرفض وحش، وخلاص مبقتش اتقبله ولا اتحمله، وأنا مشيت شوارع علشان فردوس لكن هي محاولتش تمشي علشاني خطوة واحدة بس علشان كده هي اللي لازم تيجي تطلب مني ده وساعتها أنا هعمله غير كده أنا مش هقعد معاها في اوضتها.
حسنًا هو يشعر بكل كلمة يخبرها لوالدته فهو يستطيع الحديث معها بحرية عن أي شخص أخر، هي التي تفهمه دومًا، وتتقبل مشاعره التائهة، ولكن رُبما السبب الأقوى بأنه لن يستطيع الالتزام بالحدود التي تريدها لو جلس معها في غرفة نوم واحدة فقلبه يريدها أم عقله لا يقبل بالرفض مرة أخرى…
لا يقبل أبدًا، فهي استنزفت أغلب طاقته والباقي قليل جدًا لذلك يحاول إدخاره….
أردفت منى بنبرة لينة:
-أنا عارفة يا حبيبي أنك استحملت كتير، وعارفة أنتَ بتحبها قد ايه، وأن مفيش راجل يستحمل اللي استحملته، بس برضو فكر من ناحيتها هي، أخوها مات مقتول يوم فرحها؛ واللي قتله أخوك، اخوها اللي مكنتش بتحب في الدنيا قده، وملهاش غيره.
ابتسمت منى بلين ثم قالت مدافعة عن فردوس كالعادة:
-جوا عقل مراتك اللي عندها تلاتين سنة، عيلة صغيرة، عيلة صغيرة حاسة أنها لوحدها، حاسة أن ملهاش حد، هي مش عارفة هي عايزة أيه، خايفة تقرب منك؛ ومش عارفة تبعد علشان بتحبك وعلشان معهاش حد يسندها أو حتى يعوضها غيابك أو يقنعها أنها هتعرف تتخطاك لو سابتك.
أبتلعت ريقها ثم أردفت بجدية:
-فردوس وحيدة تصرفاتها دي علشان هي مش متقبلة الواقع اللي هي فيه، ولا عارفة لو خرجت منه المفروص هتعمل ايه، لأن حياتها هتكون فاضية مفيش عيلة تسند ولا فيه شغل يشغل عقلها مثلا ويشغلها عن الوجع اللي هتمر بيه لو بعدت عنك.
ها هي والدته للمرة المليون تقوم بالضغط على قلبه مخبره أياه بألا يمل منها، نعم تلك الكلمات ليست جديدة هو نفسه يمرر الكثير من الأشياء لها لأنه يدرك حقًا بأنها وحيدة، ولكن مازال بداخله رجل غاضب وحانق لا يقبل بأن يتم رفض كل محاولاته للقُرب…….
وبداخلة قلب لن يقم بانعاشه غيرها…
أين الحل؟!!!!!…
هتف كمال بنبرة منزعجة:
-أنا عند رأيي يا امي برضو مش هفرض نفسي عليها، ولا هفرض وجودي.
-انا متأكدة أنها هتأخد خطوة؛ وهتحاول تغير من نفسها، وبعدين نومها الكتير ده قالقني.
أردف كمال بنبرة جادة:
-معاكِ حق بس هي عنيدة ومش عايزة تروح تكشف ممكن يكون عندها مشكلة في الغدد او في اي حاجة.
-علشان كده بقولك قرب منها يمكن تكون حالة نفسية هي حالتها النفسية مش متظبطة طبعًا.
تحدث كمال في سخرية:
-ساعات بحسك امها مش امي أنا، وبعدين سؤال بسيط هي نفسيتها مش متظبطة وأنا نفسيتي ايه متشخلعة؟!!!!.
-الراجل له قوة تحمل عن الست، وهو اللي له القوامة عليها علشان هو أعقل منها ويقدر هو اللي يحتويها، احتوي فردوس يا كمال واوعى تيأس منها وابقى عليها، وصدقني هي اللي هتاخد الخطوة دي وساعتها بلاش كرامتك تنقح عليك وتخربها خالص.
ضحك كمال ثم غمغم بجدية زائدة وهو ينهض متأهب للرحيل إلى الشركة حيث يتواجد جده اليوم:
-موعدكيش بصراحة.
أبتسمت له منى ثم قالت:
-لما تخرج لو لقيت أفنان فاضية قولها تبطل تهرب من وتيجي تقعد معايا وتجيب الواد.
-حاضر يا ست الكُل، لو لقيتها هقولها تجيلك، عن اذنك بقا واشوفك على العشاء بليل.
-تمام يا حبيبي تروح وتيجي بالسلامة.
هبط مرة أخرى وانحنى وقبل كف والدته ورأسها، وما أن ابتعد خطوتان تحدثت منى بما جعل ولدها يتسمر مكانه:
-سلم على شريف وقوله وحشت أمك.
للمرة الأولى منذ سنوات والدته تبادر هي بالسؤال عن شريف، وتعبر عن اشتياقها له؛ هو مدرك أنها تموت شوقًا وحزنًا عليه وظهر ذلك على صحتها ولكنها كانت تكبت كل ذلك بداخلها، لكن لما الآن تخرج مشاعرها وتترك لها العنان؟!
هل قتلها الشوق لدرجة أنها ما عادت تتحمله؟!!.
أم أنها قد عرفت!!!!!
أو على الأقل بدأت في ربط الأحداث..
كان يرغب في أن يستدير ويخبرها لما الآن؟!
ولكنه سمعها مرة أخرى تتلو القرآن يبدو أنها ألتقطت مصحفها وبدأت في القراءة لذلك غادر الغرفة بأنفاس مسلوبة….
____________
في اليوم التالي.
بعد أن تناول كمال الغداء مع العائلة كان يجلس في المكتب الخاص بجده ولكنه ما عاد يجلس به أغلب الأوقات..
كان الغريب اليوم هو أن فردوس جلست معهم على سفرة واحدة تتناول الطعام في مشهد غريب وهو كان يشعر بأن نظرات الجميع حولها ليس هو الوحيد المندهش على الأغلب…
لكنها على الرغم من ذلك كانت تتناول طعامها في ثبات رهيب؛ فحتى حينما منعها من الخروج أو شراء أو طلب الطعام منذ عدة أشهر لم تتناول معهما تكتفي بأي شيء بسيط وخفيف تستيطع تناوله في غرفتها، رُبما لو كان حدث هذا منذ وقت طويل لفرح أو شعر بالسعادة؛ هو لا يشعر بالضيق ليكون صريحًا هو فقط خائف ومشوش لا يفهمها هو لا يفهمها الآن أكثر مما مضى…
لا يعرف ماذا تريد!!!!
هذا التغيير المُريب بدلًا من أن يفرحه وضعه في حيرة….
فتتغير لهفتنا في بعض الأحيان بسبب الأشياء التي انتظرناها طويلا ولم تحدث..
وعلى ذكر فردوس في عقله ها هي تدخل إلى المكتب بخطواتها الثابتة والواثقة وتغلق الباب خلفها..
مما جعله يضع كوب القهوة المتواجد بين يديه على الطاولة المتواجدة أمامه هاتفًا:
-خير!!.
تحدثت فردوس في ضيقٍ:
-اتعامل معايا بأسلوب أحسن من كده ياريت.
عقب كمال ساخرًا وهو ينظر لها وهي مازالت واقفة في مكانها:
-حاضر هحسن من نفسي اوعدك.
-شاطر.
رفع حاجبيه في تهكم من نبرتها، مما جعلها تقترب قليلا وتقف خلف الطاولة لتكن هي الفاصلة بينهم:
-أنا عايزة أتكلم معاك في كذا حاجة لو كنت فاضي.
قال كمال بنبرة هادئة:
-اتفضلي اقعدي، أنا فاضي لمدة نص ساعة وبعدين هنزل.
جلست على طرف الأريكة الذي يجلس عليها بينهما مسافة مناسبة وقالت بثقة:
-أنا كنت عايزة أقولك اني عايزة اشترك في الجيم.
رفع حاجبيه بدهشة فهي لم تكن يومًا انسانة رياضية أو تهتم بتلك الأمور:
-اشمعنا يعني؟!.
أجابته بصدقٍ:
-أبدًا هروح مع إيمان، اهو أسلي وقتي واحرك نفسي بدل ما أنا طول النهار قاعدة في البيت مبعملش حاجة، هطلع طاقتي هناك.
عقب بنبرة متهكمة ووقحة كما أخبرت نفسها حينما سمعتها:
-كان في ايدك تضيعيها وتخرجيها في حاجة مهمة بس يلا ملهوش لازمة الكلام.
وقبل أن تعقب على حديثه قال بنبرة جادة:
-حوار الجيم ده بجد ولا أي حوار علشان في الآخر اكتشف أنك بتعملي حاجة من ورايا؟!!!!..
أردفت فردوس بصدقٍ:
-بجد والله، مش هعمل حاجة ولا في دماغي حاجة أنا عايزة أشغل وقتي ولو مش مصدق ابقى راقبني..
اقتراحها الأخير كان بين السخرية والجدية لم يفهم ماهيته ولكنه تحدث بعفوية:
-أنا عمري ما راقبتك ولا دورت وراكِ يا فردوس طول عمري بثق في كلمتك بس اللي عملتيه في الفترة الاخيرة هز ثقتي ومش عارف اعديها، بس ياريت متتكررش، ياريت يا فردوس متخلنيش أندم..
كان يشدد على كلماته وكأنها يرجوها بألا تفعل شيء قد يجعله يغضب عليها أو منها…
علاقتهما لا تحتاج لشيء قد يعكر صفوها أكثر مما هي عليه، وبخنوع لا يليق بها كانت تغمغم:
-حاضر يا كمال اوعدك والله ما هعمل حاجة تزعلك بعد كده.
أبتسم لها ابتسامة هادئة ترافقة كهدوء مشاعره وانفاعلاته تلك الأيام…
-خلاص أنا موافق على موضوع الجيم ده، ولو احتاجتي أي حاجة تخص الجيم قوليلي.
بجدية أجابته ولم تدرك مغذى كلماته:
-عادي لسه هشوف ممكن انزل اشتري لبس، وهروح ادفع الاشتراك مع إيمان.
لسبب ما هو لا يرتاح إلى تلك المرأة رغم معرفته الجيدة بأنها كانت حبيبة حسن وكان على وشك خطبتها رُبما هي ضحية ولكنه لا يحبها ولا يشعر بالراحة تجاهها؛ وهي خط أحمر لدى فردوس لا تقبل عليها أي كلمة لذلك لم يعلق وأستطرد بعبث مقصود:
-يعني تحتاجيني في تفريغ طاقة، مثلا مثلا تقوية عضلات..
-على أساس أنك كوتش يعني ولا شغال في جيم ولا بتعتبه عمرك كله.
قبل أن يستريل في وقاحته التي تخجلها جدًا في الواقع ولكنها لا تظهر ذلك تمتمت:
-وفي موضوع تاني حابة اتكلم معاك فيه.
عقد ساعديه وسألها باهتمام:
-موضوع ايه ده؟!.
قالت فردوس بتردد:
-أنا هبيع دهب من دهبي الخاص..
قبل أن يثور عليها حينما رأت عينه التي اشتعلت في ظرف ثواني:
-مش هبيعه علشان أصرف علي نفسي، لا أنا عايزة أكمل ترميم البيت وتصليحه مكان ما حسن وقف قبل موته، لازم بيت ابويا وامي يرجع من تاني، واللي باقي عموما فيه مش كتير.
تفكيرها اذهله وأغضبه، جعله يشعر بالغيظ..
ولأول مرة شعر بالخطر…
الخطر الحقيقي بأنها تقوم بفعل هذا كله وتجهز ذاتها للابتعاد وللانفصال، وإلا لما ترغب في ذلك الآن؟!!…
وجد نفسه دون أن يتحكم بلسانه سألها:
-اشمعنا؟!.
هتفت فردوس بنبرة ثابتة ولا تقبل النقاش في هذا الأمر تحديدًا:
-كده علشان ده بيت أهلي ولازم ذكرتهم تكون حلوة، ولازم كل حاجة فيه تبقى احسن من الأول اعتقد مفيش سبب اقوى من كده، والموضوع ده أنا بقولك عليه علشان مترجعش تقول اني عملت حاجة من وراك ولا اني بيعت دهب من وراك ونرجع نتخانق وأنا مبقتش حِمل الخناق اللي طول الوقت ده.
-خلاص أنا هشوفلك الموضوع مش محتاجة تبيعي حاجة…
قاطعته فردوس بإصرار وعناد لن تكف عنه:
-أنا مُصرة على اللي أنا بقوله يا كمال، وده شيء مش واجبك تصرف عليه، وياريت منتكلمش في النقطة دي، لو سمحت بعد أذنك لأني مش هتراجع.
نظر على ساعة يده يبدو أنه حان وقت ذهابه إلى منزل عائلة داليا التي ستأتي لزيارة العائلة ويجب عليه الذهاب لاحضارها ثم ألقى نظرة على فردوس ولسبب ما لم يرغب في الشجار فهو يعلم بأنها تمتلك رأس كالحجر لذلك تحدث بنبرة دبلوماسية:
-تمام اللي يريحك وبرضو فكري تاني مع نفسك يمكن تغيري وجهة نظرك…
ثم أردف وهو ينهض من مكانه قائلا:
-أنا لازم امشي دلوقتي لو مفيش حاجة تانية عايزة تتكلمي فيها.
نهضت هي الأخرى متمتمة:
-حاجة أخيرة، أنتَ ليه نمت هنا في المكتب امبارح؟! ليه مطلعتش تنام فوق.
رغم أنه يعلم ما تقصده من نظره عيناها ومن نبرتها المرتبكة إلا أنه سألها بعبث:
-أنام فين؟!.
أجابت باجابة بسيطة:
-في الاوضة.
لم تجيبه أي حجرة ولكنه يدرك جيدًا ما تعنيه فلم يرغب في إطالة الحديث:
-اللي اعرفه أني مليش مكان فيها.
أرادت قتله بسبب بروده الذي لم تعتاده ورغبته في احراجها على ما يبدو فحاولت ألا تكن فظة ولكنها لا تستطيع:
-يعني بما أنه وضع مؤقت فأنا ميرضنيش أنك تنام على الكنبة تحت دي نومة مش مريحة.
سألها بنبرة مرحة وساخرة في الوقت نفسه:
-يعني هتنيميني جنبك على السرير؟!
-يعني مش بالظبط، ممكن تنام أنتَ على السرير عادي وأنا أنام على الكنبة أنا أقصر منك.
خرجت ضحكة منه لم تفهم ماهيتها، ولكنها أسترسلت حديثها بفظاظة لم تستطع كتمها:
-وبعدين يعني ليه أفنان مقعدتش في اوضتها؟!.
كاد أن يصرخ في وجهها وهو يقول:
-تاني بتدخلي تاني في اللي ملكيش فيه؟
حاولت الحديث بنبرة عادية:
-مش بدخل بس مستغربة مش أكتر، وبعدين في ليه؟! أنا اللي غلطانة يعني أنك صعبان عليا نومتك على الكنبة وبقولك تعالي نام فوق؟! ده جزائي يعني؟!.
-أنا بقيت مش متحمل أحاسيسك المُرهفة دي يا فردوس، بقت بتقلقني.
رفعت فردوس إصبعها محذرة:
-كمال متندمنيش.
-أنا ولا ندمتك ولا جيت جنبك، وعموما هفكر هشوف أنا هرتاح في ايه وهعمله وشكرًا على التنازل الكبير اللي قدمتيه يعني وصدقيني أنا هقدره جدًا، بس أنا حاليًا مستعجل علشان اتأخرت.
سألته فردوس في دهشة وهي تضع يديها في جانبيها:
-هو أنتَ رايح فين؟! ومستعجل أوي كده ليه؟!.
أجابها كمال بعفوية وهو يلتقط هاتفه:
-رايح أجيب داليا من بيت أهلها علشان جاية تسلم على ماما وتسلم على أفنان وتعمل الواجب.
-والله؟!.
عقب مكررًا حديثها بسخرية:
-اه والله تخيلي؟!.
شعرت بالغيظ الشديد، نيران اشتعلت بها، ولذلك قالت:
-ربنا يعينها وتعمل الواجب يا حبيبي دايما.
ثم أسترسلت حديثها بنبرة منفعلة ومجنونة مثلها:
-بقولك ايه يا كمال من خمس دقائق اقترحت عليك اقتراح، اعتبرني مقولتوش.
ضحك كمال ثم سألها:
-بالسرعة دي غيرتي رأيك؟!.
-اه بالسرعة دي.
قالتها قبل أن تختفي وترحل من أمامه…
ما ينقصها هو أن تظهر داليا أمامها…
وكأنها تؤكد لها حقيقة الوضع بأنه باتت شريكة لها فيه…
_____________
بعد مرور ساعة تقريبًا.
كانت أفنان تجلس على الاريكة وطفلها يجلس بجانبها، وعلى الأريكة الأخرى تجلس داليا بجانب كمال..
ووالدته تجلس على مقعدها المتحرك..
توفيق لم يكن بالمنزل ولا بكر، أما دعاء كانت تتواجد في غرفتها بعد أن اخبرها الطبيب بأن تجلس تلك المدة على الفراش لا تتحرك إلا لأجل المرحاض أو في أضيق الحدود..
أردفت منى بترحاب:
-نورتي البيت يا داليا يا بنتي والله.
أجابت داليا بابتسامة خجولة:
-البيت منور بحضرتك يا ماما.
“جتك مو يا شيخة”
كان هذا تعقيب فردوس التي تقف بجانب العمود المتواجد عند الدرج تراقبهم من الأعلى محاولة الاختفاء قدر المُستطاع..
جاءت دعاء من خلفها وهي تضع يدها على كتفها مصيبة أياها بالذعر لتنتفض فردوس قائلة بعد أن علمت هاويتها:
-خضتيني..
أردفت دعاء بنبرة مرتفعة بعض الشيء ولكنها لم تصل لهم بالأسفل:
-مستخبية من ايه يا مزة؟! بتتصنتي مش عيب عليكي في السن ده؟!.
وضعت فردوس يدها على فمها وتحدثت بنبرة منخفضة:
-داليا تحت، وطي صوتك هتفضحيني.
فهزت دعاء رأسها بتفهم وألقت نظرة من خلف العمود، وهنا أبعدت فردوس يدها عن فم دعاء لتقول:
-محدش قالي أن عندنا ضيوف أنا لسه صاحية من النوم وكنت جاية أنادي عليهم يعملولي اي حاجة أكلها جعانة أوي، وأول ما فتحت الباب لقيتك في وشي.
ثم سألتها باستغراب:
-وبعدين يعني ايه اللي جابها؟!.
قلدت فردوس حركات كمال بيدها ومحاولة أن تقلد نبرته بطريقة جعلت دعاء تضع يد على بطنها ويد على فمها لتمنع ضحكتها:
-اصل جاية تسلم على طنط منى وتسلم على أفنان وتعمل الواجب، عملها أسود ومهبب.
أخيرًا بدأت فردوس في الحديث بتلك الطريقة عن داليا ويبدو أن دروس دعاء أتت بفائدة، ونيران الغيرة تأخذ وضعها، فشعرت دعاء بالفخر..
هتفت دعاء بنبرة نسائية من الدرجة الأولى حينما ألقت نظرة على داليا تلك المرأة استطاعت تمييزها جيدًا عن يوم الزفاف:
– بس البت معضمة يعني وأنتِ كلك امكانيات يا مزة ميصحش واحدة زيك تقعد كده تراقبها من بعيد ثقي في نفسك..
ما ان انهت حديثها أمسكتها من يدها وفتحت باب غرفتها وسحبتها خلفها مما جعل فردوس تسألها باستفهام بمجرد أن اصبحا بداخل الغرفة..
-في ايه؟!.
أردفت دعاء بنبرة ساخرة:
-ياختي عايزة اخلصك من المراقبة الصامتة دي ولو هي رفعت رأسها بالصدفة وشافتك هيبقى شكلك وحش يا تقعدي في اوضتك يا تنزلي تسلمي عليها لكن شغل ورا العمود ده مش حلو لسمعتك.
تنهدت فردوس ثم قالت وكأنها تشتكي إلى دعاء؛ وكأنها باتت بمثابة والدة لها أو شقيقة كبرى أو رُبما صديقة اي مسمى فهي تشعر بالاختناق وهي أكثر من تخبره بما تشعر به تلك الفترة:
-أنا قولت لكمال يجي ينام معايا في الاوضة والظاهر أنه مش عايز.
ضيقت دعاء عيناها متمتمة بعدم تصديق ووقاحة وهي تغمز لها:
-استحالة يا مزة يعني كمال يعمل كده يبقى معندوش نظر يعني، في مزة زيك وإمكانياتك ومراته ولما تعرض عليه عرض زي ده وهو ميرضاش ده أنا أشك في قدراته…
ضربتها فردوس على كتفها متمتمة بخجل بعد أن احتقن وجهها بالدماء:
-أنتِ دماغك راحت فين يا بني أدمة انتِ؟!!! أنا قولتله يطلع علشان مينامش في المكتب على الكنبة وقولتله ينام على السرير وأنا هنام على الكنبة.
حقًا مبرراتها الحمقاء جعلتها تشعر بالخجل أكثر يبدو أنه من غضبها ما عادت تعرف ما تقوله، هذا شيء خاص لم تتحدث به أمام أحد كيف تخبر دعاء!؟..
تلك المرأة استحوذت على عقلها على ما يبدو.
سخرت دعاء مصيبة أياها بالخجل مرة أخرى:
-والله يعني أنتِ قولتيله يجي ينام على السرير وأنتِ تنامي على الكنبة ومستغربة أنه مرضيش ليه؟!! يا بجاحتك يا شيخة، يا بجاحتك أنا شوفت كتير وقليل مشوفتش في بجاحتك.
-دعاء متنرفزنيش.
-لا هنرفزك، مش قولنا شوقي الراجل، حتى لو مش هدوقي شوقيه.
رغم خجلها أجابتها بصدقٍ:
-أنا محطتش لكمال لوحده حدود يا دعاء أنا كنت بحطها لنفسي معاه في فجوة ما بينا كبيرة؛ أنا حتى مش عارفة أبين اهتمامي بيه، مش عارفة المفروض اعمل ايه، مش عارفة المفروض أقوله ايه، كل ما باجي اعمل حاجة بخربها أكتر ما هي خربانة.
أبتلعت ريقها ثم أسترسلت حديثها بجدية:
-وكمان أنا مش عارفة أنا عايزة أيه، خايفة لو قربت منه الوم نفسي بعدها، أنا عايزة أحس انه جوزي واتعامل على الأساس ده بس مش عارفة اعمل حاجة وخايفة حتى لو عملته اني وقتها مقبلش الوضع واكره نفسي.
من يقوم بمعاتبة نفسه الآن هي دعاء الآن أدركت كم أنها كانت إنسانة سطحية حينما لم تشعر بمعاناتها، تدعو الله بألا يضع أي فتاة في موقف فردوس..
فأرادت دعاء أن تمزح معها متمتمة:
-والله أنتِ لو شوقتي كل مشاكلك دي هتتحل اسمعي مني أكبر منك بيوم يعرف عنك بسنة وشوفي أنا اكبر منك بخمس سنين.
أبتلعت فردوس ريقها ثم أردفت بجدية:
-خشي اغسلي وشك وفوقي كده، وبكرا برضو تعيدي طلبك لكمال وتفهميه أنك مهتمة…
“بالأسفل”
أردفت داليا بنبرة هادئة:
-حمدلله على سلامتك يا أفنان، كنت عايزة اجي في يومها او تاني يوم بس قولت يعني اسيبكم ترتاحوا من السفر.
هتفت أفنان ببشاشة:
-تسلمي يارب حقيقي نورتي ومبسوطة جدا اني شوفتك واتعرفت عليكي كمان.
قالت داليا بابتسامة واسعة:
-أنا اكتر يا حبيبتي، وان شاء الله هستناكي يوم أنتِ وفهد وداغر تتغدوا معانا، وياريت لو ماما تقتنع وتيجي.
ابتسمت لها منى بحبور ولم تعقب فهي لا تحب الخروج من المنزل ابدًا وهبطت من غرفتها لأجل مقابلتها لكنها في العادة لا تفعل ذلك…
أما أفنان تحدثت برفقٍ:
-ان شاء الله هنيجي.
لم يكن داغر متواجد في المنزل كعادته هاربًا من كل شيء، وحينما أتت داليا أخبرها كمال بأنه في زيارة أحد أصدقائه..
حينما سألت عن فردوس أخبرها باقتضاب بأنها تتواجد في غرفتها؛ وهذا جعلها تشعر بالراحة قليلا، ولكن في الوقت نفسه هي تشعر بالغيظ او الضيق الطفيف من تجاهل فردوس التام لتواجدها في الحياة او عدم رغبتها حتى في رؤيتها وهذا شيء يجعلها تشعر بالحيرة أكثر في ماهية تلك المرأة…
أردفت داليا بنبرة هادئة وهي توجه انظارها لكمال:
-اعتقد أني اتاخرت ولازم امشي..
قاطعتها أفنان بسرعة بينما يدها تعبث في خصلات طفلها الذي يصمت أمام الجميع تقريبًا:
-ليه خليكي شوية وحتى اتعشي معانا.
تمتم كمال بهدوء رغم رفضه لجلوسها أكثر من ذلك فهو كان يرى أعين فردوس التي كانت تراقبهما واختفت فجاة ويخشى بأن تهبط وتجن مرة واحدة ويشب شجار، جزء بداخله كان قلق رغم ثقته في رزانة فردوس على الأقل أمام الاخرين وليس معه…
فهي تتبع معه مقولة “القط ميحبش إلا خناقه” رُبما لذلك يحبها لا يعلم ، ولكن ذلك المثل ينطبق عليهما…..
-لو عايزة تقعدي اقعدي يعني أنا كده كده هوصلك.
قالت داليا بهدوء:
-يعني مرة تانية ان شاء الله، علشان يدوبك أروح علشان ادي ماما الحقنة بتاعتها قبل ما تنام.
أردفت أفنان بنبرة عادية:
-سلامتها يا حبيبتي.
-الله يسلمك.
وبعد أن نهضت داليا وكانت على وشك الرحيل.
فجاة صدع صوت خطوات انثوية بكعب عالي تهبط من فوق الدرج وصدع صوتها الانثوي الذي جعل كمال وداليا يستديرا:
-أيه خلاص ماشيين؟! الظاهر اني اتأخرت.
أجابها كمال بنبرة مقتضبة ذات معنى واضح وصريح:
-فعلا اتأخرتي…
وهنا تحدثت داليا بنبرة عفوية:
-ازيك يا فردوس.
اجابتها فردوس بثقة وهي تعقد ساعديها وتقف خلف مقعد منى، فجعلتها دعاء تكتسب الثقة بنفسها بشكل رهيب بعد أن كانت فقدتها تمامًا:
-الحمدلله أنا في أحسن حال، أنتِ ايه اخبارك؟!.
أجابتها داليا بعدم ارتياح هي نفسها لا تدري سببه، ولكن ثقة تلك المرأة التي تتواجد أمامها بنظراتها الحادو وكلماتها ازعجتها قليلا، هي تشعر بمشاعر لم تكن عرف عنها شيئًا منذ زواجها من كمال:
-بخير.
ثم وجهت حديثها إلى كمال:
-يلا يا كمال علشان متأخرش على ماما.
قبل أن يتحدث كمال غمغمت فردوس بنبرة باردة:
-يلا يا كمال علشان متتأخرش…
رمقتها داليا من اسفلها إلى أعلاها بضيقٍ، ثم أخذها كمال من يدها مشبكًا أصابعه بأصابعها بطريقة أشعلت فردوس، ثم خرج بصحبتها من المنزل متفاديًا أي شجار….
اما منى وأفنان أخذوا يتبادلون النظرات، وفردوس كانت تحاول ضبط أعصابها قبل أن تصعد وتتناول الشريط بأكمله حتى لا تستيقظ مرة أخرى………..
_______________
بعد أن قام كمال بتوصيل داليا الصامتة طوال الطريق ولم يرغب هو في فتح اي شجار لا يتحمل بالفعل، فبعد ان قام بتوصيلها إلى منزل عائلتها، أتت رسالة من داغر ليخبره بأنه يتواجد أمام مقر الشركة الخاصة بهم، إذا كان يريد الحديث فليأتي ويفتحها ويجلس معه فقد ذهب الجميع على الأغلب…
ولم يمهل كمال نفسه وقت للتفكير بل قاد سيارته وذهب فورًا إلى مقر الشركة وصعد معه داغر..
وفتح الشركة وولجوا إلى مكتب كمال..
وقام كمال بصنع القهوة لهما ولسبب ما هو سعيد جدًا بتواجد داغر معه هنا، فهذه عادتهما منذ سنوات طويلة التجمع سويًا في الشركة بعد ذهاب الجميع…
جلس كمال بصمت يتناول القهوة وكذلك داغر أخذا ينظرا لبعضهما كلاهما ينتظر أن يبدأ الاخر الحديث…
وشرع داغر هو في القول بنبرة غامضة:
-تحب نبدأ من يوم فرحك لما أفنان جت تقول أن شريف بيتخانق مع حسن…
قاطعه كمال بنبرة مختنقة:
-اعتقد بلاش نبدأ من هنا.
هتف داغر بجدية شديدة بعد أن أخذ رشفة من قهوته:
-يبقى نبدأ أنا طلقت مراتي ليه وايه اللي حصل لما روحت القاهرة.
لم يفهم كمال بالفعل ما علاقة طلاقه لزوجته الثانية بأمر أفنان وشريف، لكنه عقب بهدوء:
-ماشي اللي يريحك…
قاطعته داغر ساخرًا:
-مفيش حاجة بتريح أصلا احنا في دنيا مفيهاش راحة، بس بلاش جو الصعبنيات ده وخليني أقولك علطول، أنا طلقت مراتي لأسباب كتير جدًا منها…
أبتلع ريقه ثم أردف بنبرة متألمة:
-اني مبخلفش.

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية ديجور الهوى)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *