روايات

رواية مرسال كل حد 2 الفصل السادس عشر 16 بقلم آية السيد

رواية مرسال كل حد 2 الفصل السادس عشر 16 بقلم آية السيد

رواية مرسال كل حد 2 البارت السادس عشر

رواية مرسال كل حد 2 الجزء السادس عشر

مرسال كل حد 2
مرسال كل حد 2

رواية مرسال كل حد 2 الحلقة السادسة عشر

مقدريش أنكر إني بمجرد ما سمعت اسمه قلقت, بس كان لازم أرد علشان ميشكيش إن خالد معي, أنا عارف إنه أكيد شاكك وإلا مكنش اتصل بي بس كان لازم أمحي الشكوك دي فردت وابتسمت وأنا بقول: صباح الخير يا حسام.
بصلي وهو رافع أحد حاجبيه وبنظرات عدم ارتياح قال: متأكد إنه خير؟
“وليه مش هيكون خير؟”
“أنت مشيت امتي من البيت يا هادي”.
“وبتسأل ليه أو أصلا ايه الي يهمك في الموضوع, أنا آسف يا حسام بس يعني احنا يدوب معرفة يومين ومأظنش إنها تتديك الحق تسألني عن حاجة تخصني, أنا ممتن أكيد لكونك استضفتني في بيتك بس كنت مجرد ضيف ومشيت, مشيت امتي وازاي دي حاجة متخصكش”.
“ده الواضح إنك اتضايقت من الكلام جامد بقي”.
“ماتضايقتيش, أنت أكيد كان معاك حق, مينفعيش نثق فى الناس بسهولة”.
“طب كويس إنك عارف ده وأظن إن كلامي كان في محله”.
“قصدك ايه؟”
“سيبك من قصدي واديني خالد”.
“مش فاهم اديك خالد ازاي؟ هو مش معاك؟”
“لا يا راجل متقوليش, وهو أنت متعرفيش إن لا خالد ولا مهاب في البيت؟”
“فعلًا؟”
“هادي متستغاباش أنا عارف كويس إن خالد معاك لان مستحيل حد يفتح باب البيت إلا أنا وهو او رئيس الخدم, وعلى افتراض انك فتحت الباب محدش يقدر يعدي من البوابة الرئيسة بسبب الحراسة المشددة ومفيش غير طريق واحد علشان تخرج من غير ما تعدي على الحرس وأظن إن الوحيد الي عارف بالطريق ده غيري هو خالد, فمتحاوليش تستغبني علشان متأكد إنه معاك”.
حطيت ايدي جمبي بشكل معاكس وأنا بسند عليهم بتكلم ببرود : بص حوالك لو مش مصدقني, لا فيه خالد ولا مهاب هنا…
بعدين بصيت لدي بي وطلبت منها تلف بشكل دائري علشان توريه الي موجود في المكان كله.
كان بيتمعن في المكان لحد ما لقيته ابتسم وبعدين اتكلم بشكل جدي وهو بيقول: آسف بخصوص اتهامي لك.
استغربت النبرة الي اتكلم بها, ايه الي حصل خلاه يغير شكوكه بالسرعة دي أنا كنت على تكة وهعترف, مكنتش عارف أنا عملت ايه او هو بيفكر في ايه بس الي واثق منه إنه أكيد وصل لحاجة وأنا معرفاهاش, قفلت معه المكالمة وأنا مش مطمن, شردت بتفكيري بقلق لحد ما قاطع شرودي صوت خالد وهو بيمدلي ايده بالقهوة بيقول: مش عارف بتحبها ازاي بس أغلب الفنانين بيحبوها سادة.
ابتسمت وأنا باخدها منه بقول: فعلًا؟
“يعني بشوفهم بيعلموا كدا”.
ضحكت وأنا بشرب منها بقول: أساسًا مبحباهش, أنا بشرب شاي أخضر ديما.
بصلي باستغراب وهو بيقول: بتتكلم جد؟
“اه”.
ابتسم ابتسامة واسعة وهو بيقول: وأنا كمان, أنت متأكد إنك مش أخوي التؤام التايه في ضواحي أروبا والي اتخطف من عصابة بتاجر في الاعضاء وبعدين واحد فيهم قرر يريبك علشان مراته مش بتخلف وواثق إن ده هيفرحها فعشت معهم في كنف حبهم والراجل الي رباك مغفل الزعيم على اساس إنك مت وكدا بس أنت عايش وبعدين بتجري ورا حلمك الي خلاك تقابلني هنا في باريس.
ضحكت وأنا بقول: دنت خيالك واسع, ثم مش عايز أحبطك بس الشبه الي بيني وبين عيلتي قوي للدرجة إنه مش محتاج تحليل DNA وبعدين, عمر ده ألطف مخلوق ممكن تقابله في حياتك هو مش بيعرف يقتل صوصور أصلًا علشان يبقي شغال مع عصابة.
ابتسم بيسأل: عمر ده باباك؟
“أه”.
“أمال مين حد غريب ده”.
“ده جدي”.
“أبو باباك؟”
“لا أمي”.
“أمال ليه بينادوك باسمه”.
“دي حكاية يطول شرحها”.
ابتسم وهو بيقعد جمبي وبيمسك قهوته بايده الاتنين وبيبصلي بانتباه بيقول: وأنا سامع.
“مُصر إنك تعرف؟”
“اه وخصوصًا ازاي اسمه حد غريب”.
ابتسمت واحتست من القهوة تاني بس كنت حاسس إني هرجع, بصلي وهو بيقول: مش لازم تشربها لو مش بتحبها, استنى لحظة هروح أجبلك شاي.
“لا لا استنى انا حابب أشربها علشان أجرب احساسه مش أكتر”.
“ده أكيد رماح”.
“اه, تقريبًا كانت الحاجة الي بيتغذى عليها, الغريبة إن فيه لوحات استلهمها من كتر حبه للقهوة, كنت منبهر أوي بجمال اللوحات, عارف كان فيه لوحة منهم جسد فيها القهوة على شكل ولد, حاجة كدا خارج عن المؤلف والي هو حقيقي متوقعتش على اعتبار إن أي تجسيد ليها هيكون في هيئة بنوتة علشان مؤنثة بس هو فاجيء الكل, اللوحة كان ليها معني أعمق بكتير مما تبدو عليه, كانت فكرتها عن اعتيادنا اليومي على اسشتخدام القهوة كجزء من حياتنا في كل حاجة وارتباطها بكل حاجة فيها حتى وإن مكنش ليها علاقة بالحاجات دي بس احنا الي ربطنها بالقراءة والموسيقي والروتين الصباحي, وبعضهم استغلها في المداوة كانت الفكرة هنا الاعتياد والمداوة يمكن محدش بيحب القهوة لطعمها يمكن لمجرد إنها اعتياد وترسيخ معتقد في العقل بأنها منشط صباحي اعتاد عليه, زي أغلب كتير من البشر في حياتنا أو حالنا احنا في حياة كتير من البشر مجرد اعتياد في يومهم بيحسوا بالنقص من غيره علشان اتعودوا على وجوده لكن بمجرد ما يتعودوا علي حد جديد غيرنا مع الايام هنكون ولا كأننا كنا في حياتهم, كلها مسألة وقت وعلاقتنا تبصح معدومة في حياتهم, الجزء التاني من اللوحة كان بيعبر عن معنيان في المدواة الجزء الاول هو فكرة الاستغلال أوقات بنكون مهمين أو بنحس باهميتنا في فترة ما في حياتهم وأوقات تانية بنحس وكأننا لا نمثل ليهم أي شيء, ده مش علشان احنا مهمين فعلًا ده علشان هم في وقت ما كانوا مجروحين أو كانوا في حاجة لينا فاستغلونا كمجرد مداوة يطيبوا بها الجرح حتى وإن مكنش ذا أهمية زي القهوة تمامًا طعهما مرة لكن رغم كدا بنشربها لمجرد احتياجنا لمنشط صباحي, أو مسهر ليلي, الجزء التاني من المدواة مثله في القهوة نفسها هي عندها قدرة على المداوة بس معندهاش القدرة تتدوي نفسها وده مثله في الولد الي جسد به القهوة وهو بينزف من الخلف وبيداوي في جراح الي حواليه الي فيه بعض الاسهم والطلقات جاي منهم زي أغلب حال كتير مننا عنده قدرة يدوي الغير بس معندوش قدرة يدوي نفسه وأوقات كتير الناس الي بندويها دي بتكون المسبب الاعظم للألم في حياتنا…
بعدين بصيت للقهوة باشمئزاز وأنا بكمل: بس بصراحة مش قادر أحس بالي بيحسه علشان أستلهم أي حاجة كل الي حاسس به إني محتاج أتقيء.
ضحك خالد وهو بيقول: بس رغم كدا هتشربها برود علشان عايز تجرب احساسه للاخر.
“بالظبط هو نفس التخلف ده”.
ابتسم وبعدين كمل: بس تعرف يا هادي, أنا بدأت أحسد رماح ده بجد, حقيقي يعني تخيل إن يكون عندك شخص في حياتك مهتم بكل تفاصيلك المفصلة وعنده القدرة الكبيرة ده من الشغف والحب, على قد ما رماح محظوظ على قد ما الحظ لسه مش من نصيبه علشان يقابلك ويعرفك, الطريقة الي حللت بها اللوحة كانت عظيمة, أنت مش بس عندك قدرة انك تعبر بالخطوط وكمان عندك قدرة تعبر بالكلمات عن الخطوط دي”.
حسيت بالخجل فخللت بين شعري على مؤخرة رأسي وانا بقول: أظن ده اكثر مما استحق.
ابتسم وهو بيقول: لا دي حقيقة… بس قبل ما ننسي بقي احكلي عن حكاية جدك.
“أنت لسه مصر؟”
“جدا جدا جدا”.
“دنت مصر بالتلاتة بقي.”
ضحك ومعقبيش فبدأت في سرد الحكاية من بدايتها من أول يوم قابلت فيه مرسال حد مرورًا بكل التقلبات الي حصلت في حياتهم لحد ما ازاي قابلته في الطيارة, بصراحة أنا مش عارف ليه حكيت من الاول بس يمكن لأني كنت محتاج أحط رماح في نص حكايتي يمكن كنت محتاج حد يشاركني نفس رأئي إن مرسال غلطت بجوازها من “حد” أكيد كان الوضع هيختلف لو كانت وافقت على طلب رماح بالزواج من الأول, خلصت حكايتي وخالد كان بينصت هو ومهاب باهتمام بالغ من كتر التفاصيل الي بحكيها, الله يحفظها أمي كانت بتحكلنا الحكاية لحد ما حفظتها أكتر من اسمي.
ابتسملي خالد وهو بيقول: حاسك مش مقتنع وكانك كنت عايز تغير في مجرى الحكاية.
“يعني شوية”.
“بس حط في اعتبارك إن لوما اختيار جدتك ل”حد” مأظنش إنك هتكون موجود حاليًا”.
“بس كانت ممكن روحي تتخلق في هيئة جديدة غير هيئتي الجسدية عادي وابق حفيد رماح برود عادي”.
“دي أنهي دراسة ولا نظرية الي بتقول الكلام ده”.
“لا دي مش دراسة ولا نظرية ده مجرد هبد تخيلي مش أكتر”.
ضحك وهو بيقول: امم قولتلي بس عمومًا لو عايز رأيي, أنا شايف إن مجرى الحكاية مش محتاج تعديل ومش شايف “حد” بالسوء الي متخيله ومأظنش أن دي كانت أسباب أو مبرارت تخيلك تتضايق منه, الناس ديما بتتكلم وبيصدر عنها السوء وهو مش مسؤول عن أذية الناس لك, هو كمان مالوش ذنب في اسمه, الي لازم تفهمه يا هادي إن فيه ثوابت في حياتنا مالناش دخل فيها, لا حد فينا بيختار اسمه ولا حد فينا بيختار أهله بس كل واحد فينا بيقدر يختار حياته, ثم كونك عندك عيلة بتحبك وبتهتم بك ده لوحده يكفيك ويغنيك عن أي حد, مش لازم تنخرط بالعالم ويكون عندك صداقات, اوقات كتير الانخراط مع العالم المحيط بيلوث فطرتنا السليمة, ثم أنا بحس ديمًا إننا مش في حاجة لكل الناس حوالينا يكفينا شخص واحد أو اتنين قريبن منا.
“ده لما تكون مصدر اهتمام في وسط عيلتك مش مجرد هامش, يمكن في البداية كنت أقدر أقولك إن حد ده شخص سيء ومتصنع لأبعد حد بس لما تعاشيت معه أدركت إنه مستحيل الانسان يقدر يتصنع طول حياته, يمكن بقيت مؤمن إنه كشخص هو كويس بس مقدرتيش أحبه, يمكن لاني كنت لسنين طويلة مقتنع إنه السبب ورا كل انعزالي عن العالم لأن بسببه ديما كنت بتعرض للسخرية فكنت بعتزل الناس, يمكن أنت شايف إنه عادي بس عمره ما كان عادي بالنسبالي, يمكن عيلتي لطيفة, بس هي مش مهتمة غير بشخص واحد بس, أنا مؤمن إن مرسال بتحبني بصدق وإنها الشخص الوحيد ال مهتم لأمري بس أوقات بحس إنها لو اتحطت في موضع هتختار فيه بيني وبين “حد” هتختار “حد”, مش بس مرسال الحقيقة, الكل هيعمل كدا, عارف أنت الاحساس ده؟ احساس إنك موجود في الصورة بس مهمش محدش مركز عليك, احساس إنك بتحاول ديما تبعد عن أي موقف تتحط فيه مع غيرك في وضع اختيار علشان واثق إنهم هيختاروا غيرك, رغم إن بابا ومرسال يعرفوا عني كل حاجة تقريبًا بس محدش فيهم يعرف حاجة عن طبيعة مشاعري والي لسنين كتير مسبللي غصة في قلبي”.
“الي شايفه إنهم أقرب لك منه علشان كدا بتغير عليهم وعلى مشاعرهم, قصدي إنك بتحبهم هم أكتر وعايز كل اهتمامهم موجه لك أنت فلما بيهتموا ب”حد” بتحس بغيرة إن أنت كنت أحق بالاهتمام ده منه لأنك عمرك ما بصيلته بعين المحب, لو كنت بتحبه مكنتش هتغير من اهتمام الي حوالك به ثم أنت عايز يعاملوه ازاي؟ ده كبير العيلة يا هادي, ومش أي كبير عيلة على حسب كلامك لأنه العكاز الي العيلة كلها بتتسند عليه وبيستمدوا منه الطاقة الي بتخليهم مكملين رغم كل الي بيواجههم, بيستمدوا منه الحب والاهتمام والتقدير والاحترام والدعم وأظن إن دي من أهم المقومات المعنوية الي ممكن أي انسان يحتاجها, تفتكر ليه حالات كتير من الناس بتفكر تنهي حياتها قبل ما تخلص؟”
بصتله بملامح عدم معرفة فتابع كلامه: الوحدة, فقدهم للمقومات دي, هو الي بيدخلهم في دايرة عميقة من الألم النفسي والجسدي, شعور مميت بيتخلل لأعماقك, احساس بيبقي نفسك تتخلص منه بس مش قادر, أنت مؤمن إنك في الوقت الحالي مش محتاج أكتر من حد يأنسك وحدتك بغض النظر عن ماهيته ايه, صديقك قريبك شريكك أو حتى حيوانك الأليف, وجود الشخص الي بيمدك بكل الطاقة دي هو كفيل يزيل عنك أي شعور بالوحدة أو الاكتئاب مهما كانت درجة المشاكل الي بتواجهها في حياتك, لأن المشكلة مش المشاكل الي بنواجه, المشكلة ديما كانت في الشخص الي بنواجه معه المشاكل دي, وهم بيلاقوا فيه الشخص ده, أنا لو مكانهم أكيد هعمل أكتر من الي بيعملوا وأمسك فيه بايدي لحد النهاية, يمكن مش هتقدر تتفهم كلامي, بس بمرور رحلتنا دي هتدرك قد ايه أنت كنت غني بعيلتك وبحبهم الي أغنوك عن شعورك بالوحدة, مش هتحس به دلوقتي, بس هتحس به أول ما هتفقد القدرة على الكلام معهم في أشد وقت هتبقي محتاج فيه ليهم, أنت اتعودت إنك لما تبقى مضايق تلاقي الي يسمعك سواءًا كان جدتك أو باباك بس في الوقت الي هتبقي محتاجهم فيه ومش هتلاقيهم هتحس بكل معني قصدته, أنت مغفل أوي يا هادي أنت كان المفروض تستغل وجود جدك وتستمد منه كل الحب والدعم بدل مانت مركز هو ليه بياخد حبهم منك, متناسي إن اختلاف الحب غير اختلاف درجات الحب, يعني مثلًا جدتك أكيد حبها لجوزها مختلف عن حبها لحفيدها, نوع الحب اختلف بس درجة الحب ماختلفتش.”
“أنا عمري ما فكرت في الأمر بالشكل ده بس كلامك الأخير فكرني بكلام مرسال, هي قالتلي حاجة مشابهة لكلامك عن اختلاف طبيعة علاقتي وعلاقة حد بها”.
“قولتك مغفل بس مصدقتنيش”.
“مش عارف يا خالد بس أنا لسه مش مقتنع, ولسه مش بحبه بس مبقتيش اكرهه فاهمني بس الي هو لسه حاسس إنه لو كان رماح كان هيبقي أمثل”.
“فيه حاجة أنت لسه مش مدركها دلوقتي يا هادي وهتدركها بعدين بس الي لازم تعرفه هو أن مفيش حد مثالي بشكل كامل, حبك المبالغ فيه لرماح ماهو إلا حبك لشخصية وهمية مالهاش وجود على الواقع, أنت عمرك ما قابلته او عاشرته علشان تحكم وتجزم بحبك ده, أنت كل الفكرة شايفه من خلال لوحاته وبس, من خلال الصورة المثالية الي رسمتها في خيالك, إنما على أرض الواقع أنت محبتهوش لسه؛ لأنك لسه مشفتهوش أو اتعاملت معه حتى, فاهمني؟”
“بس أنت شوفته”.
“يعني مش ديما”.
“ازاي؟”
“بابا مكنش بيحب رماح, وعلشان كدا أخد بيت مستقل غير الي جدي عايش فيه مع رماح, كنت بروح عندهم الاول في البيت لحد ما بابا بدأ يمنعني وبقى جدي هو الي يجيلي, بس مكنتش حابب الوضع أوي علشان كنت بحب أدخل ديما على جدي مكتبه في وسط أوراقه وأقعد معه لحد ما يخلص شغله, وبعدها كان بيلعب معي, اوقات كتير كان بيحاول مع رماح إنه يجي معنا يخرج أو نلعب سوا أو حتى ناكل بس رماح ديما كان في عزلته, ديما كان في المرسم بتاعه, نادرًا اوي لما كان بيخرج لينا وحتى لما كان بيقعد معنا على مائدة الطعام, كان بيفضل ساكت طول الوقت, يحرك المعلقة يمين شمال لحد ما يقوم من على الأكل ويقول شبعت, كنت بلاحظ ديما في عيون جدي حزن غالب وهو مش عارف يعمله حاجة, مكنتش بصراحة مدرك شعور جدي وقتها, هو مالوش ذنب في زعله علشان يزعل عليه, صحيح مكنتش عارف رماح ليه منعزل كدا او يمكن لحد ما قبل ما تحكلي مكنتش عارف بس أدركت ليه دلوقتي, بس عارف لما كبرت وعلاقتي بدأت تقوى بحسام حسيت بشعور جدي, خصوصًا لما حسام قرر يسافر ويسبني, كنت حاسس إني عاجز مش عارف هل أسيبه يشق طريقه من غيري ويسبني ولا اخليه جمبي”.
“على ذكر حسام هو اتصل بي لما روحت تشتري القهوة”.
بصلي باستغراب ممزوج بقلق: انت بتتكلم جد؟ طب ايه؟
“لا متقلقيش قولته انك مش معي وهو في الاخر اقتنع”.
“حسام اقتنع؟!!”
“انا زيك مستغرب بس يمكن لأني ورتله المكان حوالي اقتنع”.
ضرب خالد جبهته وهو بيقولي: أنت بتهزر صح؟
“ليه؟”
“هادي حسام عرف مكاننا”.
“ازاي يعني”.
“أنت مفكرتش خالص إنه فضل يستدرجك علشان تورليه المكان حواليك ومن خلاله يعرف احنا في أنها مدينة, حسام يعرف كل شبر ومدينة في باريس زي اسمه بالظبط هو دلوقتي أكيد اتأكد إننا في “لوبلون مينيل”
“دلوقتي فهمت سبب ابتسامته المريبة, بس المفروض هنعمل ايه حاليا؟”
“هنسافر لمدينة “Drancy”
“ليه؟”
“علشان نكسب وقت”.
“ده علشان باباك ولا حسام؟”
“حسام كدا كدا هلاقيانا في أي مدينة حتى وإن غيرنا وجهتنا دلوقتي, بس أنا بحاول أكسب وقت لحد ما بابا يسيب فرنسا ويرجع مصر”.
“يسيب فرنسا؟ هو هنا؟”
“أكيد بقى هنا, حسام كلمك الصبح ودلوقتي بيقنا 3 العصر وكونه لسه مجاش لحد دلوقتي فده معناه إن بابا اكتشف غيابنا وراح عند حسام علشان يدور علي عنده وبما إنه لسه ملاقنيش فهو أكيد حاطط حسام تحت المراقبة فلو جه دلوقتي عندي فأكيد بابا هيكتشف وجودنا هو أكيد بيمثل معهم دلوقتي إنه بيدور على وأكيد بينزل على مدن ومناطق بعيدًا عن المدينة الي احنا فيها علشان عارف إن عيون بابا بتراقبه فهو عايز يضللهم ويثبت لبابا إنه فعلًا ميعرفش, أما سر ابتسامة حسام مكنش علشان عرف المكان بس هو ابتسم لمجرد إنه اطمن إننا في مكان بعيد عن بابا دلوقتي, لأنه مستحيل يفكر إني هنا هو أكيد كل تفكيره إني حاليًا في باريس علشان أدور على جدي مأظنش إنه هيخط على باله إني هسافر لضاحية من ضواحيها”.
“ضاحية؟ قصدك إن لسه ضدامنا وقت لحد ما نوصل باريس”.
“مش أوي, الموضوع بس محتاج شوية وقت وكمان فلوس, علشان كدا بمجرد ماهننزل في درنسي هندور على شغل هنقعد هناك كام يوم لحد ما حسام يلاقينا أو احنا نمشي بعد أربع أيام”.
“ليه لحد ما حسام يلاقينا؟”
“علشان ده معناه إن بابا أكيد فك الرقابة من عليه فقدر يتحرك ويجلينا هو أكيد لو ملقنيش هنا هيبقي مدرك إني سافرت درنسي”.
“ليه؟”
“علشان على الخريطة هي المدينة الي بعد لوبلون مينيل وعارف إننا أكيد مش هنبعد علشان عارف إن الفلوس الي معنا أكيد هتخلص بسرعة ومش هتتحمل نفقات الفنادق فأكيد مش هنبعد وهنطول شوية لحد ما نجمع فلوس تاني علشان نكمل باقي طريقنا”.
“هنركب مترو برود؟”
“لا؛ علشان أكيد المحطات دي متراقبة احنا هناخد تيكونول حر “.
ميزة التيكونول الحر إنه مش مرتبط بأي جهة حكومية أو رسمية, يعتبر مليكة خاصة وحتى الي بيسوقه بنى آدم مش آلة يعني يقدر يتحرك في أي جهة ولأي مكان بدون ما حد يقدر يتكلم معه أو يعرف هو فين على عكس التيكونول العادي الي بيكون محدد الحركة علشان مرتبط بالحي أو المنطقة الي الجهة الحكومية بتحددها, يعني يعتبر زي العربية الخاصة بس الفرق إن التيكونول الحر مرخص للعمل على عكس العربية الي بتكون للاستخدام الشخصية, حاجة كدا كانت شبه خدمات موجودة في مصر من عقود فاتت كان اسمها “أوبر” و “كريم”.
أخدت شنطتي على ضهري والتانية في ايدي وأنا بقول: طب مش يلا؟
ابتسم وأخد هو كمان شنطه علشان نمشي, ركبنا التيكونول علشان وجهتنا الجاية, كنت مفكر إننا بمجرد ما هنوصل درانسي مش هيقبي فاضل كتير علشان أحقق هدفي بس للاسف كنت غلطان ومش حاسب حساب ايه الي ممكن يحصل, طول الطريق كان السواق عمال يتكلم كتير ويسألنا أسئلة من باب الكلام مش أكتر شوية يكلمنا عن حياته وشوية يكلمنا عن ازاي الوضع وصل به للدرجة إنه بقي مجرد سواق بعد ما كان عنده وعنده بس هو مش زعلان لا هو بيخدم فرنسا بلده الي مستعد يضحي بحياته علشانه ده حسب كلامه يعني وكنت خلاص هطق من كتر الكلام, مالها الآلات يعني ماهي بتفضل خرسة لحد ما بنوصل, كنت مضطر أستحمل رغيه لحد ما ابتدى يسألنا عن أسمانا, بكل تلقائية ردت وقولته اسمي انا وخالد, فاستغرب الاسماء وسألنا إذا كنا عرب ولا لا وبعدين أبتدى يسألنا عن دياناتنا ولما عرف إننا مسلمين وقف بعد نص الطريق ونزلنا من العربية, مكنتش فاهم سر التحول الغريب ده بس الواضح إن لسه عقدة الدين موجودة في نفوس الناس دي, وبعد السنين دي كلها لسه الاسلام بيتبصله على إنه دين ارهاب رغم إنه دين السلام مش بس السلام المادي بينا وبين الناس وكمان السلام النفسي بداخلنا احنا كأشخاص, نزلنا من العربية ولسه هناخد شنطنا لاقيناه رماها عالطريق وحتى مهاب كان لسه بينزل كان لسه بيحط رجله التانية على الأرض ولاقينا السواق مشي بالعربية للدرجة إن مهاب كان هيقع على وشه بس الحمدلله خالد مسكه قبل ما يقع, للاسف الشديد كان الطريق خالي ومفيش أي وسيلة للمواصلة, كنا مضطرنا نكمل باقي الطريق مشي, كنا شوية بنمشي وشوية بنستريح, ولأن مهاب مكنش عنده قدرة كبيرة إنه يمشي لمسافة طويلة, أوقات كنت بشيله على كتفي وخالد بيشيل باقى الشنط, وأوقات خالد كان بيبدل معي, فضلنا على الحال ده يوم كامل لحد في فجر اليوم الي بعده واحنا خلاص التعب والجوع والعطش بلغ منا محله, اتمددت في نص الطريق على ضهري وأنا بقول: لا خلاص تعبت أنا مش قادر.
بصلي خالد وبابتسامة حط ايده على كتفي وهو بيقول: احنا خلاص وصلنا, بص وراك.
رفعت عيني لفوق فمشوفتش حاجة عادي فقومت قاعد وأنا ببص وراي مش مصدق, أخيرًا وصلنا, لأول مرة في حياتي أحس إني عملت انجاز صحيح الأمر كان متعب بس لحظة الوصول بتنسيك التعب, بصراحة أول حاجة فكرت فيها هي إننا نروح مطعم علشان نأكل وأظن مهاب هو كمان كان بيوافقني الرأي والشعور كمان لأننا الاتنين كنا جعانين جدًا, وكان واضح ده علينا على خلاف خالد الي كان عادي,حتى لما دخلنا المطعم قالنا إنه هيخرج يشوف حاجة ويرجع عالسريع عقبال ماحنا ما نطلب الأكل, بصراحة الفرنسية بتاعتي مكنتش تمام أوي كنت نص النص يدوب بقدر أفهم شوية والنص التاني بيطير حتى السواق لما كان بيتكلم قدرت أفهم مضمون كلامه مش كل كلامه, ولأن المنيو كان فيها حاجات غريبة, قعدت ادور بشكل الكلمة لحد ما لقيت جملة طويلة اسمها “Un rôti de porc” بصراحة شكلها كان باين عليه إنه محترم وكل تفكيري إنها طالما طويلة كدا يبقي أكيد حاجة دسمة تسد جوعنا, وفعلًا طلبت تلاتة أطباق منها وبعد نص ساعة كان الأكل جاهز قعدت استني خالد شوية بس لا انا ولا مهاب اتحملنا وبدأنا ناكل, كانت الوجبة عبارة عن لحم مشوي وكنت مبسوط أوي باختياري مش لالزم أكون متمكن في اللغة علشان أطلب, الحاجات دي بتجي بالاحساس عادي, هو طعمه كان غريب شوية بس بصراحة مركزتش اوي عالموضوع المهم إنه حاجة بتتأكل وخلاص, يدوب خلصنا أكل ولقيت حسام دخل من باب المطعم, بصتله وأنا بقول: أخيرًا جيت, كنت فين كل ده؟
“كنت بببص نظرة سريعة عالمكان بس”.
“كل ده ونظرة سريعة؟”
ضحك ومعقبيش وبعدين ابتسم بيسأل: ها طلبتوا حاجة؟
“طلبنا؟ احنا طلبنا وخلصنا كمان بس طلبتك زينا”.
“ابتسم ولسه بيبص على طبقه وفجأة لقيت ملامح وشه اتغيرت وبصلي بصدمة وهو بيقولي: هو أنتوا أكلتوا من نفس الطبق ده؟
“اه, حلو صح؟”
كانت نظرات الصدمة على وشه, بصلي وقالي: طب طب وريني كدا طلبت ايه من المينو, أتاكد بس.
شورتله على الوجبة الي طلبتها وفجأة لقيته بيتمتم: أ..أغ..أغوتي دي بووووغ… كان بيقول الكلمة الاخيرة وهو بيبصلنا واحنا مش فاهمين حاجة وكرر سؤاله تاني: هادي أنت متأكد أنكوا طلبتوا ده وأكلتوا ده؟
بابتسامة واسعة من العين دي للعين دي ردت بكل فخر: اه دنا الي طالبه بنفسي عجبك صح؟
رد بحسرة وكأنه هعيط: أمممممممممم
“أوع تقولي إن دي وجبتك المفضلة؟”
ولسه خالد ماتكلميش ولقيت مهاب بياخد الطبق من قدام خالد وهو بيقوله: لو مش عجباك أكله أنا.
خالد شد الطبق من ايده وهو بيقول: اياك تقرب منه. وبعدين قام من مكانه وكبه في الزبالة واحنا مش فاهمين حاجة برود مهاب اتضايق وبص لخالد بنقم وهو بيقول: خالد أنت رخم كدا ليه؟ كنت هأكله.
“هتأكل ايه يا حبيبي ده لحم خنزير مشوي.”
هو قال كلامه منها وأنا جتلي صدمة منها واتصلبت مكاني, بصتله وأنا بحاول أتكلم: ل..ل..لحم ايه معلش.
“خنزيييير”.
“خالد أنت بتهزر صح, قولي إنك بتهزر”.
“وأنا لو كنت بهزر كنت كبت الاكل, أنا كنت هحذرك من انك تاكل أي لحم هنا علشان أغلبه أكل بيبقي داخل فيه لحم خنزير أو أي مشتق من مشتقاته حتى الفراخ نفسها بيلفوها بشرائح من لحم الخنزير”.
“ومحذرتنيش ليه؟”
“افتكرتك هتطلب من الأول حاجة نباتية وهتأكد عليه بأنها تبقي معمولة بزيوت نباتية او زبد بقري”.
“فكرت؟ خالد أنت عارف إن الفرنساوي بتاع مش قد كدا, و أنا مشيت ورا احساسي على اساس… ومكملتش كلامي وميلت راسي عالتربيزة بعيط من الصدمة مش قادر أستوعب وأنا بردد : يعني كدا خلاص هخلد في جهنم؟
ضحك خالد وهو بيجر الكرسي بتاعه جمبي بيطبط على كتفي بيقول: ماهو أنت مكنتش تعرف يعني معلكيش ذنب إن شاء الله.
“أنا من البداية عارف إني كدا هخش النار, اكيد كل ده ذنب امي الي مشيت من وراه, أنا بقيت كافر خلاص؟ أنا متخيلتش إن فرنسا هتغيرني بالشكل ده.
ابتدى خالد يضحك وتتدرجت ضحكاته من التكتم للعلن وهو بيحاول يهدني بس من ناحية تانية مكنش قادر يوقف ضحك بدون ما يراعي مشاعري المجروحة وأنا مش عارف مصيري بقي ايه كدا, كنت عمال أردد الشهادة وأنا بعيط وأقول يارب أنا مسلم يارب مكفرتش دول هم الي ضحكوا علي.
مكنتش فاهم ايه المضحك في كلامي علشان خالد يضحك بالشكل الهستري ده, زحت ايده عني وأنا بقول: ينفع ملكش دعوة بي, ماهو لو كنت هنا كان زماني مسلم دلوقتي.
حاول يوقف ضحك ويمسح دموعه وهو بيقول: يابني متقلقيش أنت لسه على دينك عادي, ثم ده كان عن جهل مش عمد.
في وسط كل الجدال ده, مهاب كان قاعد في النص مش فاهم حاجة لحد ما بدأ هو كمان يعيط, وقفت عياط ورفعت راسي وأنا بسأله: بتعيط ليه؟
“مش عارف بس أنت كمان بتعيط وبتقول إننا هنخش النار, انا مش عايز اخش النار يا هادي”.
قال كلمته الاخيرة وهو بيترمي في حضني, بصلنا خالد بعصبية وهو بيقول: جماعة أنتوا متخلفين كدا ليه؟
اتنهد وحاول يهدي نفسه وبعدين مسح على شعر مهاب الي كان داثر راسه بين أكنافي بيقول: بص يا مهاب يا حبيبي ده حلم خنزير هو حرام اه بس ده مش معناه إنك كفرت مثلًا أو هتخش النار أنت مكنتش تعرف”.
قال وهو لسه بيعيط في حضني: أنا مش فاهم أصلًا يعني ايه لحم خنزير.
“لا ده حيوان كدا بيأكل كل حاجة , الزبالة و الفضلات والنجاسة، والجرذان والفئران، وكمان الكائنات الميتة بما فيهم جثث صحابه عادي وفوق كل ده بيحمل 450 مرض تقريبا و…”
مكنتش قادر اسمع أكتر وكنت حاسس إني هتأقيء وبسرعة جريت على الحمام وأنا مش قادر, لحقني مهاب هو كمان عالحمام بيحاول يخرج الي أكله وهو بيغسل فمه جامد وما بين يغسله ويعيط وهو بيقول: ااااااه أنا كلت زبالة وحيوانات ميتة.
كلامه كان بيخلني أشمئز أكتر من نفسي وحطت راسي تحت الماء بحاول أغسل عقلي علشان يفقد ذاكرته, مكنتش متحمل فكرة إني كلت كل القرف ده, ورغم الوضع السيء الي دخلت فيه انا ومهاب, خالد كان كل ما يبصلنا يضحك, هو صحيح قدر حالتي النفسية وشالي الشنط بس كنت عايز اكسر أي حاجة فوق دماغه, كنت ماشي أنا ومهاب بنتخبط في الطريق مش عارفين مصيرنا هيبقي ايه, يعني واكلين جثث حيوانات وزبالة وكمان هنخش النار, ده ايه الحظ ده, أنا مكنتش عارف أنا رايح فين بس كنت ماشي ورا خالد وخلاص وانا ماسك ايد مهاب, لحد ما فجأة وقفنا عند بيت, ابتسم خالد وقالي: لما سبت المطعم ومشيت كنت بدور على أي فندق أو بيت بيأجر الاوض بتاعته هنا بسعر يتناسب مع الحالة المادية بتاعتنا وكمان علشان خاطر موضوع الامان ده, بصراحة كان فيه سكان منازل عرضوا بيوتهم بسعر أرخص,بس مكنتش مطمن لأصحاب البيوت دي على خلاف صاحب البيت ده, هو رجل عجوز عايش لوحده مع ابن ليه تقريبًا في الحاجة وتلاتين او اربعين مش عارف الحقيقة الجميل في الامر إنه عربي.
“وطبعا أنت اتطمنتله لمجرد إنه عربي مش أكتر”.
“يعني حاجة زي كدا”.
“بيعجبني فيك اختياراتك فائقة الأمان”.
“أنت مش واثق في؟”
“بصراحة بعد الي حصلي في المطعم ده مبقتيش أثق في نفسي حتى”.
ضحك خالد ومعقبيش ودخل من بوابة البيت ورن الجرس, فتحلنا الباب رجل عجوز وكأنه في الستين او السبعين, بس بصراحة خالد كان معه حق, البيت يبعث عالراحة وكمان ملامح الراجل نفسها مبهجة وبتديك احساس بالسكينة,أول ما شافنا اخدنا بالاحضان وبسعادة غامرة كان بيقول: اخيرًا شوفت مصريين في البلد الكحيانة دي غيري.
انفك عنا وابتسم وعرفنا بنفسه وهو بيمد ايده بيقول: أنا راشد علوان, وأكيد اتشرفتوا بمعرفتي
ابتسمت وكنت سعيد المرادي باختيار خالد الحقيقة حتى الاوض بتاعتنا كانت مريحة زي مالك البيت بالظبط, حطينا شنطنا في الاوض ورتبنا حالنا وبمجرد ما خلصنا ندهلنا علشان ناكل, بصراحة أنا مكنتش طايق أي أكل خالص وأظن إن مهاب كان عنده نفس الشعور بس نزلت علشان أقعد معهم مش أكتر, قعدت أنا ومهاب على الكنبة بنبص على خالد الي كان عمال ياكل باستمتاع بالغ, بصتله بنقم وانا بقول: دلوقتي مبسوط وبتأكل؟ طبعًا مانت تاكل أكل بني آدمين واحنا ناكل من الزبالة”.
ضحك وهو بيتعمد يملى فمه بالأكل بيقول: مش ذنبي إنك جاهل, علشان تتعلم فرنساوي كويس بعد كدا وتبطل تهرب من دروسك”.
اعترضت وانا بقول, مكنتش بهرب أنا كنت بنام بس”.
ضحك وكمل أكله متعمد يغظني, بصلنا راشد باستغراب فحكله خالد على الحكاية, ضحك وهو بيقول: كنت زيك كدا اول ما جيت فرنسا, بس مع الوقت اتعلمت وبقيت اتكلم فرنسي أحسن من الفرنسين نفسهم لو حابب أنا ممكن أساعدك.
“متتصوريش هاكون ممتن لك ازاي”.
خالد متكلميش أكتر من كونه كان بيضحك, بصتله بنقم, فاعتذر وهو بيقول: آسف بجد بس شكلك أنت ومهاب كان يموت من الضحك, ياربي مش قادر وخصوصًا ساعة ما افتكرتوا إنكوا كفرتوا, لا بجد مش قادر”. قال كلماته الاخيرة وضحكاته في تزايد, كنت مضايق منه انا ومهاب بس ضحكنا على ضحكه في النهاية, عدى الوقت واحنا عايشن مع عمو راشد حوالي أربع أيام بالصبح بنطلع ندور على شغل وبنجي بليل نقعد معه شوية وننام, لحد الصبح, ونبدأ تاني ندور على شغل, وبرود مش لاقيين, لحد ما في نهاية اليوم الخامس, رجعت هلكان من التدوير انا وخالد بس ايدي كانت بتأكلني علشان ارسم بقالي وقت كبير مرسمتش, طلعت على اوضتي وبدأت أرسم لحد ما أخدني الوقت وأنا مش حاسس بالصبح الي طلح لحد ما راشد طلع يخبط علىّ علشان الفطور, مسمعتش صوت خبط الباب علشان كنت منهمك في الرسم, ففتح راشد الباب ولسه هيتكلم, لقيته سكت وقرب مني وهو بيبص على لوحتي بيقول: واو أنت بتعرف ترسم؟
“يعني شوية”.
“شوية بس؟ دنت فنان كبير لا وكمان بترسم بايدك مش بالالات السخيفة دي, حقيقي أنا مندهش”.
“هو مش واو اوي للدرجة أنا بس مجرد هاوي”.
“واضح إنك مش مقدر موهبتك صح, طب هادي بقولك ايه بما أنك بتدور على شغل ومش لاقي ايه رأئك تبيع لوحاتك؟”
“ابيع لوحاتي؟”
“اه, اظن ناس كتير هتحب شغلك جدا, خصوصًا إن الطريقة الي بترسم بها تكاد تنعدم”.
“بصراحة يا راشد أنا بعتبر لوحاتي جزء مني ومعنديش استعداد اتخلى عن لوحة فيهم.”
“بس أنت مضطر يا هادي, فكر فيها كدا, في بلد غريبة ومتعرفيش حد وعلى حسب كلامك أنت وخالد أنكوا لسه هتسافروا باريس يعني أنت محتاج فلوس علشان تقدر تسافر وأظن إن الفلوس الي معاكم قربت تخلص, حتى خالد نفسه بعد ما كان متفق معاك إنكوا تمشوا بعد أربع أيام رجع في قراره لحد ما يقدر يأمن مبلغ كافي تنتقلوا به لل Le Bourget واظن ده سبب كافي يخليك تعمل كدا وبعدين انت مش هتبيع لوحاتك الي رسمتها انت بس هترسم الناس في حديقة العواجيز في مقابل مادي بسيط.”
“ارسم الناس في حديقة العواجيز؟”
“اه ده مكان الناس بتحب تروحه علشان تستمتع بجمال باريس زمان قبل ما التكنولوجيا تحتل العالم, فبيروحوا هناك كل اجازة, يقضوا وقت بعيدا عن كل ما يخص التكنولوجيا, حتى الكاميرات نفسها بيستغنوا عنها, فلما انت تروح هناك وتوثق اللحظات دي برسمك بدل الكاميرا أظن هيجليك مقابل كويس وعدد لا بأس به من الزبائن, قولت ايه؟”.
كنت متردد ومش عارف أعمل ايه بس هو معه حق احنا فعلًا فلوسنا قربت تخلص وشوية كمان وهنشحت يمكن مفيش حل قدامنا غير ده, نزلت مع راشد وكان خالد مستنيني هو مهاب على مائدة الفطور, قررت أقترح على خالد الموضوع بس قبل ما اتكلم سمعت صوت جرس الباب بيرن, كنت لسه هقوم, فخالد قالي خليك مكانك أنا هروح افتح.
راح خالد وبصلي راشد وهو بيقول: أتمني تفكر في الي قولتهلك, بكرا السبت يعني اجازة و الناس هتكون موجودة هناك, خد وقت وافكر عادي بس رتب امورك بسرعة علشان تلحقوا ترتبوا نفسكوا قبل ما فلوسكوا تخلص و…”
وفجأة قاطع كلام راشد صوت تكسير, جريت بسرعة علشان اشوف ايه, لقيت فيه فازة مكسورة على الارض وخالد بيميل بيلمها وهو بيوجه كلامه لواحد واقف على الباب بيقول: ده مش بيتنا علشان نكسر فيه.
كان الشخص ده حسام الي جث على ركبته ووقع الي في ايد خالد من قطع ازاز مكسورة وهو بيقول: سيبك من الهبل ده وجاوبني أنت ليه مشيت من غير ما تقولي؟ أنت مدرك حالتي كانت عاملة ازاي, ما بين خوف وقلق وارق طول الليل مش عارف أنام, خايف يكون جرلك حاجة وفي ذات الوقت مش قادر انزل بسبب باباك كنت خايف يعرف مكانك وياخدك ومشفكيش من بعدها للابد, أنت متخيل أنت عملت فيّ ايه بسبب غبائك ده, انا كنت محاط بالنار من كل جهة ومش عارف اتحرك ولا عارف اعمل حاجة”
“أنا آسف يا حسام مكنش قصدي يحصلك كل ده بس كنت مضطر”.
“مضطر لايه بالظبط؟ انا وعدتك إني هساعدك, انا حقيقي مش متخيل إنك وثقت في بني آدم غريب عنا وموثقتيش في, صاحب عمرك لو كنت ناسي؟”
“انا مش ناسي يا حسام بس هادي برود…”
“ينفع متجبليش اسمه علشان حقيقي مش طايقه ولو شوفته قدامي دلوقتي هقتله, انا واثق إنه الي فضل يحرض فيك علشان تمشي معه, هو عارف أنا بخاف عليك ازاي كان عايز يعيشني كل الي عشته ويثبتبلي إنه قادر يتحكم فيك, كل ده علشان واجهته بالحقيقة”.
“حسام أرجوك كفاية, هادي مش بالسوء الي انت متخيله ده, ثم مش هو الي اقنعني اروح معه, انا الي فرضت نفسي عليه وقررت امشي من نفسي”.
“حلو وكمان بتكدب على علشان تتدافع عنه”. قال كلمته الاخيرة وقام من مكانه وهو بيشد خالد من ايده بيقول: أنت لازم تجي معي فورًا, لازم ترجع مصر قبل ما ابوك يكتشف وجودك في فرنسا ووقتها هنقنعه باي حاجة هنفهمه إنك سافرت سويسرا ولا اي حتة تريح دماغك يومين ومهاب شبط فيك.”
وقف خالد مكانه ومرضيش يتحرك وهو باصص في الارض, بصله حسام باستغراب , فألفت ايده من ايد حسام وهو بيقول: آسف يا حسام بس أنا مينفعيش أرجع معاك.
“ليه؟ عايز تكمل باقي وقتك مع واحد جاي من الشارع منعرفيش عنه اي حاجة.”
اتضايقت من كلامه بس مكنش عندي طاقة اتخانق معه ولا ازعق او اجادل ولا حتى ابررله اي حاجة, بصله خالد بنقم وهو بيقول: على الاقل احترم إنه الشخص الي كان واقف معي وأنت مش موجود.
“انت الي قررت مبقاش موجود بحركاتك الغبية دي”
“أنت عارف يا حسام انا كنت مبسوط لما شوفتك وكنت واحشني جدا كان نفسي احضنك اوي بس حاليًا انا فعلًا عايزك تمشي, وياريت مترجعيش تاني, دي حياتي وأنا هتصرف فيها زي مانا عايز, انت ملكش دعوة”.
“ده لما تكون حياتك دي ملكك, إنما هي ملكي زي ما هي ملكك, انت هتجي معي بدون نقاش أنا ادرى بمصلحتك”. قال كلمته الاخيرة وهو بيممسكه من ايده بيمشي, حاول خالد يبعد ايده عنه وهو بيقول: حسام متخلكيش رخم قولتك مش جي معاك, هو مش عافية.
وقتها كان لازم اتدخل واتقدمت ناحية حسام وانا ببعبد ايده عن خالد بقول: مينفعيش تجبره على حاجة مش عايزها.
كان بيبصلي بنقم وفجأة لقيته لكمني لكمة وقعتني على الارض وهو بيقول: انت بالذات متدخليش بينا.
لكمته كانت جامدة اوي للدرجة إني مكنتش قادر احرك فكي مسحت فمي ولقيت في ايدي بعض قطرات الدماء, خالد جري على وهو بيتفقد وشي بيقول: أنت كويس؟ فيك حاجة؟
“متقلقيش انا تمام”.
فجأة جه حسام وأخد خالد من ايده وهو بيقول: يلا مينفعيش نقعد هنا أكتر من كدا.
ألفت خالد ايده بقوة وهو بيقول: قولتك مش جاي معك, ومش هجي, انت انسان مجنون اصلًا ومحتاج تتعالج مش بتهتم غير بالي عايزه وبس حتى ولو حساب غيرك, ياخي ملكش دعوة بي, اعتبرني مت او كأني مكنتش موجود حتى, امشي وملكش دعوة بي انا قرفت منك ومن تصرفاتك بجد.”
بصله بصدمة وكأنه مكنش مستوعب الي بيقوله, بصله بيسأل: أنت بتكلمني أنا يا خالد, بتقولي أنا الكلام ده؟ بالسهولة دي نسيت كل السنين الي ما بينا,وبالسهولة دي عايز تخرجني من حياتك.
تجاهل خالد النظر ليه ومعقبيش, بصله حسام وهو بيتراجع بخطوات لورا تجاه الباب بيقول: ماشي يا خالد, أنا ماشي, بس متجيش تعيطلي في الاخر لما تكتشف حقيقة البني ادم الي اتخليت عني علشانه”.
قال حسام كلمته الاخيرة وركب العربية ومشي, لاحظت على خالد ملامح انزعاجه الي اتحولت تتدرجيًا لملامح حزن , اتقوقع في نفسه ودثر راسه بين ايده على ركبته وبدأ يعيط, ضامته وأنا بربت على ضهره بقول: أكيد لما يهدي هيرجع.
ضمني خالد وهو بيعط بحرقة بيقول: مستحيل يرجع.

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية مرسال كل حد 2)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *