روايات

رواية صرخات أنثى الفصل الحادي عشر 11 بقلم آية محمد رفعت

رواية صرخات أنثى الفصل الحادي عشر 11 بقلم آية محمد رفعت

رواية صرخات أنثى البارت الحادي عشر

رواية صرخات أنثى الجزء الحادي عشر

صرخات أنثى
صرخات أنثى

رواية صرخات أنثى الحلقة الحادية عشر

(اللَّهمَّ صلِّ وسلِّم وبارك على من بالصَّلاةِ عليهِ تُحطُّ الأوزار، وتُنال منازل الأبرار، ورحمة العزيز الغفار. اللَّهمَّ إنا نسألُكَ من خيرِ ما سألكَ منه محمد نبيك ورسولك ، ونعوذ بك من شر ما استعاذ بك منه محمد نبيك ورسولك، اللَّهمَّ إنا نسألُك حبَّهُ.. وحُبَّ من يُحِبُّه، وحُبَّ كلِّ عملٍ يُقربُنا الى حُبِّه)
تواجدهم بذلك المكان هدفهم هو راكان والذي كان يعلم هوايتهم الحقيقية بعدما تسرب إليهم خبر القبض على شحنة الأدوية الفاسدة، خشية من أن يكون تم كشفه للحكومة المصرية، الخلاص منه الآن هو الحل الأمثل، وخاصة بعد رفضه مقابلة الرجل الذي يعلوه، توقع آدهم ذلك ولكنه افترض بأن ما يحدث من الممكن أن يكون تابع لرجل الأعمال “النمساوي” بعد أن ناطحه راكان بسوق التجارة، هكذا ما يخبره به راكان، فكان يرفض الحديث عن أموره المشبوهة أمام آدهم فلم يصل لمرحلة الثقة الكاملة به.
أمن آدهم ابتعاد راكان وشمس عن تبادل الرصاص الحي، وعاد ينضم لرجاله، فتفاجئ بعدد من السيارات يحاوطونهم من جميع الاتجاهات، فخرج كبيرهم على ما بدى وقال وهو يشير لرجاله بخفض الاسلحة:
_لا نريد سفك الدماء هنا، جئنا لنصطحب السيد راكان لمقابلة رئيسه، وإن لم يخضع لمطلبنا ستسفك الدماء هنا إن أراد.
تأكدت ظنون آدهم كليًا، لم يخص الأمر مخضع رجال الأعمال بل رد فعل للشحنة التي تم تصديرها بالميناء، لاحت على شفتيه بسمة ماكرة، فإن أراد راكان اخفاء عمله القذر عنه حتى بعد تقربه الشديد إليه في محاولة لدفعه بالوثوق به والحديث عن عمله المتخفي الا أنه كان حريصًا للغاية، وقد أتته فرصته على طبقٍ من ذهب.
أشار لمن يترقب رد فعله وقال:
_انتظر هنا سأعود.
وترك الرصيف وانجرف لليابسة تجاه مكان اختباء راكان، فأشار رئيس الحرس الاجنبي لرجلين من رجاله بتتبع آدهم بحرصٍ لا يجعله يشعر بهما.
وقف آدهم قبالة راكان المتخفي خلف أحد الأعمدة السكنية، فما أن رآه حتى خرج يسأله برعبٍ:
_عملت أيه يا آدهم، خلصت عليهم؟
ادعى برائته خلف قناع خبثه اللئيم:
_عددهم أكبر مننا يا باشا منقدرش نشتبك معاهم.
رد بعصبية قبضت عروق رقبته:
_يعني أيه الكلام ده هتسبهم يقتلوني!
وضع سلاحه خلف ظهره، ثم اقترب يخبره بمكرٍ مستلذًا برؤية الخوف ينهش معالمه:
_كبيرهم أكدلي إنهم مش هيأذوك بيقول أن في رئيسه عايز يقابلك، وفعلًا شكلهم مش جايين وناويين شر.
وضيق جبينه ببراءة وخوف:
_هو إنت تعرف الناس دي مين يا باشا، أنا افتكرتهم تبع النمساوي بس الظاهر إنهم تبع حد تقيل، لو تعرفهم قولي يمكن أساعدك!
ابتلع ريقه بتوتر شديد، فأزاح رباطة عنقه وبدأ يزيح حبات العرق المتصلب على جبينه، هامسًا بهلعٍ:
_دي خدعة عايزين يتخلصوا مني بعد ما اللي حصل.
تساءل بهدوءٍ وقد وصل لعتبة مبتغاه:
_حصل أيه؟
_آدهـــــم!
صوتها الانوثي تحرر مستغيثًا بمن يقف على بعدٍ منها، استدار آدهم وراكان للخلف فتفاجئوا بأحد الرجال يحمل سكين مصوبًا على رقبتها، وكان هو أول من استنجدت به بالرغم من وجود خطيبها المزعوم!!
ارتعب راكان حينما رأى مكانه قد كُشف لهؤلاء، فتراجع للخلف مستغلًا انشغال آدهم بما يحدث وهرول للاعمدة من جديد، بينما تقدم آدهم مشيرًا بيديه للرجل وبهدوء قال:
_دعها في الحال، سبق وأخبرت كبيركم بأنني سأعود بالسيد راكان، لذا من فضلك دعها ولا تؤذيها.
رفض الانصياع إليه وأشار للرجل القابع من جواره، فهرول للرصيف يستدعي كبير الحرس الذي عاد برفقة مجموعة من رجاله يراقب ما يحدث، فقال بضجر:
_أجدك تضيع وقتك في محاولاتك انقاذ تلك السيدة، وللعجب لم تعني للسيد راكان تركها واختبئ دون أن يهتم بها!
تمردت عين آدهم غضبًا، وكلما راقب نظراتها المذعورة وتوسلاتها إليه بإنقاذها رغم صمتها الشديد كان يكور قبضتيه بقوةٍ على وشك أن تفشل مخططاته للكشف عمن يفوق راكان قوة ومكانة داخل تلك المافيا اللعينة، ولكن حينما يتعلق الأمر بها فليذهب كل شيئًا للجحيم!
صوب إليه نظرة قوية، وبتحدٍ لم يكن حاضرًا من البداية قال:
_اخرس واسمعني جيدًا، إن أردت النجاة أنت ورجالك فأمره بتركها في الحال والا سأعد باقي جثمانك لرئيسك محمولًا بأكياس بلاستكية.
انفجر الرجل ضاحكًا وهو يتابع تجمهر رجاله حول ذاك الشجاع بأسلحتهم من جميع الاتجاهات، ومع ذلك يتفنن بالحديث، وقبل أن تنتهي ضحكته الساخرة وجد رجاله الخمس يقعون أرضًا حينما انحنى آدهم ممررًا ساقه بشكل دائري يلامس الارض فاصيب اقدامهم، وبلحظة أخرى جذب الاسلحة الملقاة أرضًا، ونهض يحدج من أمامه بنظرة واثقة ويده تتحرر على الزناد بشكل دائري مستهدفًا اقدامهم ليحول الصمت لصرخات مقبصة جعلت شمس تغلق عينيها صدمة ورعب من ذاك الذي تستنجد به!
تلاشت ضحكاته وتراجع خطوات أقرب للسقوط بهلعٍ حينما عاد السلاح يسلط على ضوءه الأحمر على جبينه، فاجلى آدهم صوته قائلًا:
_والآن ستستمع لي جيدًا، ستأمر ذاك الأرعن بتركها وإن لم تفعل ستعرف رصاصتي طريقها إليك.
ازدرد ريقه بصعوبة بالغة، فرفع اصبعيه يشير للاخر بترك السكين عن عنقها، وما أن فعل حتى هرولت شمس تختبئ خلف ظهر آدهم ويدها تشدد على جاكيته برعبٍ.
رفع كبير الحرس يده للاعلى استسلامًا للسلاح المنصوب أمامه، فترك رجاله الرصيف وهرولوا لبقعتهم فور سماع صوت الرصاص الحي، فأمرهم بذعر:
_تراجعوا سيقتلني!
وعاد يتطلع لنظرات تلك الشرس ثم قال ببسمة يرسمها بالكد:
_أرى أن تلك السيدة تعني لك أكثر من السيد راكان نفسه لذا هاك عرضي، ستغادر برفقتها بأمان ولتتركه لنا.
عند سماعه لتلك الكلمات تحرر الجرذ من مخبأه فخرج يشير لآدهم بخوف لا يعتلي سوى النساء:
_لا يا آدهم اوعى تسلمني ليهم، دول هيموتوني.
وزع آدهم نظراته الصامتة بينهما، يقع على عاتقه خيران كلاهما أبشع من الاخر، ما بين فشل مهمته المكلف بها منذ أشهر وذاك ليس بقاموس ملفه الثري بانجازه أي مهمة عمل بها، وما بين تلك الهزيلة التي تتشبث بجاكيته فتسري رعشتها لقلبه وكأنها تزلزل كل ذرة تمردت على الاعتراف بحبها داخله!
وفوق كل ذلك رأى قسمه الصريح بالا تتدخل عواطفه ومشاعره تجاه عملًا سيخدم الشعب المؤكل بحمايتهم، مازال يتذكر أخر شحنة من أدوية السكر والضغط كم خلفت عدد من الضحايا بسبب هؤلاء اللعناء فجعلته يتراجع عن منصبه السري بالجهاز ويختار السفر والعمل بذاته دون زرع رجالًا، والآن عليه الاختيار.
التقط نفسًا مطولًا وزفره على مهلٍ وهو يستعيد ثقته وشراسته بالحديث، فإن إلتمسوا ضعفه من المؤكد سينتهي الامر بثلاثتهم هنا، فقال:
_أنا من سيصدر الأمر هنا لذا إليك ما سيحدث، شمس هانم ستغادر الآن وسنذهب أنا والسيد راكان برفقتك وإن أرادت أن نخوض تلك الحرب لا مانع لدي ولكن قبل أن يخطو رجالك خطوة واحدة سأنتزع رأسك برصاصتي.
صرخ به راكان بصدمة:
_إنت بتقول أيه يا آدهم!
تجاهله وتابع وعينيه تشير لمكان الرصيف العلوي:
_فلنتظر خلفك… رجالي يحاوطون الجزء العلوي يترقبون اشارتي حينها ستصبح أنت ورجالك بعداد الموتى.
صمت الرجل قليلًا يفكر بالأمر من جميع الاتجاهات، فقال بهدوءٍ:
_حسنًا لك ذلك.
هز رأسه باستحسان وأمره:
_فلتخبر رجالك باخفاض أسلاحتهم.
أشار لهم بالفعل، فترك الجميع أسلحتهم وفي تلك اللحظة استدار آدهم لمن تتمسك به، فمنحها مفتاح سيارته وهو يشير لها بحزمٍ:
_خدي عربيتي وامشي من هنا حالًا يا شمس.
تناولت منه المفتاح بيد مرتجفه وعينيها الباكية لا تفارقه، فقالت بارتباكٍ:
_طب وإنت… وآآ إنتم!
صرخ بها بحدة وصرامة خشية من أن يطولها الأذى:
_امشي حالًا يا شمس ومترجعيش هنا، حالًا.
هزت رأسها وهي تهرول لخارج بقعتهم راكضًا حتى وصلت لسيارة آدهم، صعدت إليها وتحركت بها بعيدًا عن طريقهم تحت مرمى الانظار المتبادلة عليها، فما أن ابتعدت حتى تحدث كبيرهم:
_ها قد نفذنا ما أرادت، هيا لنذهب الآن.
استدار آدهم تجاه راكان الذي يحدجه بنظرات قاتلة، فصرخ بعصبية بالغة:
_إنت أكيد مجنون يا آدهم ازاي تعمل كده وكل ده ليه! ما تغور شمس في داهية إنت ناسي ان العلاقة دي كانت لشكلي العام بالطبقة المخملية، مش على حساب رقبتي يا آدهم!
أجابه بحكمة تجاهد لعدم اثارة ريبته:
_يا باشا افهمني، الناس دي شكلها مبتهزرش وبعدين أنا قولتلك اني قاريهم وقاري دماغهم، هما مش عايزين الأذية ليك، وبعدين ما أنا هكون معاك ومش هسيبك ولسه عند وعدي أفديك بروحي!
ابتلع ريقه بتوتر وهو يتطلع للسيارة التي بانتظارهما للصعود، وعاد يتطلع إليه ليخبره بخوف:
_الناس دي مبتهزرش يا آدهم وأكيد ممكن يتخلصوا مني خصوصًا بعد اللي حصل.
سأله مجددًا وهو يصعد جواره بالسيارة التي تحركت بهما على الفور:
_هو أيه اللي حصل، وأيه طبيعة الشغل اللي بينك وبين ناس خطيرة زي دي صارحني يا باشا علشان أقدر اساعدك؟
أجابه بتوترٍ:
_أنا هحكيلك على كل حاجة.
*****
دعواتها لم تكل أبدًا، يومين كانوا بمثابة عامين بالنسبة لها، تضرعت لربها طالبة برجاء الا يبتعد عنها، رغمًا عنها تجده الأمان والسكينة لها، رغمًا عنها تحتاج لدفء وجوده، والآن هل تتخيل وجوده لجوارها بهذا الوقت المتأخر!
نهضت فطيمة تحمل سجادتها، فاستدارت تجاه الصوت المحيط بها، فوجدته يجلس على المقعد يراقبها ببسمة هادئة، عاد لسانها يردد دون دارية منها:
_علي!
لأول مرة يستمع إسمه دون نسب أي ألقاب قبله، شعر بأن عاطفته تقذفه بمنطقة ستعد الاخطر لمشاعره على الاطلاق، فاستقام بوقفته قبالتها وببسمته الجذابة قال:
_علي المحظوظ اللي ربنا بعته في الوقت ده عشان يسمع بودنه دعواتك وحزنك على غيابي.
رمشت بارتباكٍ، فاتجهت لفراشها تضع السجادة على طرفه:
_آآ… أنا آآ..
لحق بها حتى بات خلفها، فاستدارت لتكن بمواجهته قائلة بحزن متعصب:
_جاي ليه يا دكتور، مش حضرتك سلمت حالتي لدكتور تاني؟
لم تزيح كلماتها ابتسامته، بل فاض بنبرته الحنونة:
_ولا عمري أقدر أعملها، أنا بقالي يومين مبجيش المستشفى.
أحمر وجهها حرجًا، فازدادت ربكتها وتهربت من لقائه مجددًا فاتجهت للشرفة تحيط عينيها الحديقة السفلية.
لحق بها علي، فاختار الوقوف على بعد مسافة آمنة منها وهو يحاول استكشاف معالمها حينما يقول:
_جيت من شوية أستأذن من المدير لاني مش هعرف أجي الفترة الجاية.
فور نطقه بما قال إلتفتت إليه سريعًا بلهفةٍ جعلت عينيها تلمع، فرددت بصوتٍ متحشرج:
_ليه؟
يعلم بأنها مازالت تحارب ذاتها، مازالت تكابر مانعة أن تفرض عليه معاناة قد اختصت هي بها، ولكن الأمر لن يزيده الا اصرارًا، فقال:
_أخويا تعبان ومحتاجني جنبه.
واتجه للاريكة القريبة، يحتلها وعينيه لا تفارقها:
_فقولت أعدي عليكي قبل ما أرجع البيت.
هزت رأسها بتفهمٍ رغم دموعها المتدفقة والتي تحاول جاهدة إخفاءها، فتحرر صوتها يفضح بكائها:
_يعني حضرتك مش راجع المستشفى تاني؟
صمت قليلًا يفكر بما قدمه له أخيه دون أن يعلم، فأخفى ابتسامته الخبيثة وهو يجيبها:
_لا مش هرجع غير لما يرجع يقف على رجله من تاني والله أعلم ده هيحصل أمته!
اهتز صوتها الذي يجاهد بخروجه كخروج روحها:
_ربنا يشفيه ويطمنك عليه.
انحنى يجذب المقعد القريب منه ليضعه مقابله، ثم أشار لها:
_اقعدي يا فطيمة.
عبثت بحجاب اسدالها الطويل بارتباكٍ، ومع ذلك مضت لتجلس قبالته، لتجده يتطلع لها بصمتٍ ثم قال:
_ليه بتكابري يا فاطيما، قلبك ملان بالحب وعيونك فضحاكِ، ليه مصرة تلوثي أفكارك بكلام مالوش أي منطق، أنا اللي اختارتك وأنا اللي طلبتك للجواز وأكيد مخدتش القرار ده في يوم وليلة… أنا عارف أنا عايز أيه كويس واللي عايزه هو إنتِ.
كادت بالحديث فعارضها حينما احتدت نبرة صوته:
_مفيش حد أدرى بحالتك أكتر مني يا فاطيما فأنا عارف كويس اللي حصل واللي بيحصلك، عارف وراضي ومستعد أحارب معاكِ لحد ما تستعيدي نفسك من تاني.
أخفضت عينيها عنه فبكت بصوت وصل لمسمعه فمزقه بنجاح لم تتعمده هي، فهمست بخفوت:
_مالكش ذنب تخوض معايا الرحلة دي، صدقني هتندم، أنت تستحق بنت كويسة وتكون آ..
انتصب بوقفته يصرخ بوجهها بعصبية جعلتها ترتد للخلف بخوف:
_مش أنت اللي هتكرري المناسب ليا يا فاطيما، أنا مش عيل صغير وواعي لاختياري، أنا مستني منك كلمة واحدة وصدقيني عمري ما هندم ولا هديكي فرصة إنك تندمي.
واستكمل بوجعٍ قاطع:
_فاطيما أنا بحبك وعايزك ومتقبلك زي ما أنتِ حتى من قبل ما أعالجك.
جز على أسنانه بغيظٍ من صراخه، فعاد يتحدث بهدوءٍ وعقلانية:
_أنا مش عايز أضغط عليكي عشان كده اعتبري فترة غيابي عن المستشفى هدنة كويسة للتفكير.
ومنحها بسمة صغيرة تكبت الآلآم البادية برمادية عينيه:
_تصبحي على خير يا فطيمة.
وإتجه ليغادر المشفى بانكسار يحتل معالمه حينما فشل مرة أخرى بأن تتقبله، فاتجه لباب غرفتها حرره ووقف على عتبته يراقبها على أمل أن تستدير إليه وتخبره موافقتها، ولكن ازداد ألمه حينما وجدها مازالت تجلس على المقعد ساهمة بالفراغ من أمامها، فقال برجاءٍ إلتمسته بنبرته الحزينة:
_خلي بالك من نفسك.
وغادر للمصعد على الفور، فاستند على المرآة الداخلية للمصعد وضرب بقبضته الجانب المعدني مرددًا بغيظٍ:
_ليه!!
ابتعد وهو ينظم تنفسه تدريجيًا، لم يعتاد رؤية انهياره، اعتاد بأن يلتحف بالقوة والثبات، فجذب نظارته الطبية يرتديها مرة أخرى بعدما فرك عينيه المتألمة، وفور توقف المصعد خرج ليجد الطقس قد ازداد سوءًا، فبدءت الأمطار تهبط بقوتها المعتادة، أسرع علي تجاه الچراچ يستقل سيارته، فخرج بها متفاديًا رزاز الامطار بمساحة السيارة الأمامية.
وقف قبالة مبنى المشفى يترقب أن تخف حدة الأمطار ليتمكن من القيادة، فمال بجسده على الدريكسون بتعبٍ.
فزاحمه ببقعة أحزانه صوتًا خافتًا على نافذته الزجاجية، اعتدل علي بجلسته يحاول رؤية من بالخارج، فلم يستطيع من تزاحم مياه الأمطار، فأخفض النافذة الزجاجية حتى تسنى له رؤية من بالخارج.
_فاطيما!
تراقص لسانه بنطق حروف إسمها، فابتسم حتى أدمعت عينيه تأثرًا برؤيتها باكية من أمامه، وعلى ما بدى من اهتزاز صدرها وإلتقاط أنفاسها بأنها ركضت للأسفل بسرعة أرهقتها.
فتح باب سيارته وهبط يقف قبالتها والامطار تعصف بأجسادهما، وعينيه لا تحيد عن المياه التي تتسلل على عينيها فامتزجت بدمعاتها، فقدت قدرتها على الحديث، فلا تعلم بماذا ستخبره لذا أثرت الصمت ودموعها لا تتوقف.
توقف الزمان من حولهما ولم يبقى سواهما، الجميع يختبئ من غضب المياه عداهما، الحب يمنح أجسادهما طاقة غريبة لتواجهه بعسليتها والآخر برماديته الداكنة، وفجأة وجدته يبتسم وهو يرنو لها وصوته الرخيم يرفرف فرحة:
_أوعدك إنك عمرك ما هتندمي على قرارك ده يا فاطيما، هحطك جوه عيوني وهعوضك عن كل ثانية اتوجعتي فيها، مش هعاملك كزوجة هعاملك زي الملكة طلباتك مجابة وأوامر، دموعك دي مش هتكونلها مكان على وشك من النهاردة.. أوعدك!
ورفع اصبعه للسماء مسترسلًا:
_السما مفتوحة ووعدي ليكِ دين في رقبتي لأخر العمر.
خفق قلبها بقوةٍ وكأن انذار خطر مشاعرها وصل بها لأبعد نقطة، فأخفضت عينيها على استحياءٍ، وخاصة حينما نزع عنه جاكيته ودنى ليرفعه على حجابها ليحجب عنها المياه التي أغرقت اسدال صلاتها الرقيق، فتحرك بها حتى وصل لمقعد السيارة الجانبي إليه.
لعقت شفتيها وهي توزع نظراتها بينه وبين السيارة بتوتر، لا تعلم ماذا ستفعل؟
مازالت تشعر بالريبة من البقاء برفقة أي بشر يحمل جنس “ذكر”، وبالرغم من الأمان الذي يتسرب لها بوجود علي ولكن لم يتخطى تلك الدرجة التي تهيأها للصعود برفقته بالسيارة والذهاب لمكان سيجمعهما بالتأكيد!
طالت بوقفتها ومازالت تحاول اخفاء ما يعتلي أفكارها، لا تعلم بأنه كطبيب يدرس حالتها بشكل أكبر احتمالية بزواجها من شخصٍ عادي، فقال ببسمة هادئة:
_متخافيش احنا هنخرج من هنا على أقرب مطعم، هنتكلم وهناك هتقابلي حد من العيلة كان نفسها تشوفك أوي.
بالرغم من الفضول الذي انتباها لمعرفة هذا الشخص الا أنها اكتفت بهزة رأسها وصعدت للمقعد، يكفيها عشرتها الطويلة له، علي لن يغدر بها أبدًا، ليس كباقي الرجال المستذئبون، هكذا طمنت ذاتها حتى هدأت تمامًا.
أغلق علي باب السيارة واستكان بالبعد عنها، رأته فطيمة يتحدث عبر الهاتف والسعادة تتقاذف من وجهه وعلى ما بدى لها بأنه يقص موافقتها لنفس الشخص الذي ستلقاه بعد قليل!
*****
سعدت للغاية لسماعها هذا الخبر المفرح، فقالت بسعادة:
_ربنا يفرح قلبك يا علي انت طيب وتستاهل كل خير، أنا هلبس وهجيلك حالًا وهجبلك مفتاح شقة بابا تقعد فيه لحد ما تشوف هتعمل أيه مع فريدة هانم.
وتابعت بصدق نابع من داخلها:
_والله أنا لولا حالة عمران كنت جيت قعدت معاها بنفسي..
استمعت لما قال وأغلقت مايسان الهاتف بسعادة، فاستدارت لتجده مازال غافلًا، فخرجت لغرفتها واتجهت للخزانة تجذب ملابسها وترتديها مسرعة، وقبل أن تهبط للأسفل اتجهت بحرج لاحد الغرف، فطرقت على بابها وترقبت أن يُفتح بابها.
فتح أحمد الباب وهو يجاهد لفتح عينيه بنومٍ، فردد بلهفة:
_مايا! عمران كويس؟!
أشارت له تطمنه:
_كويس الحمد لله، أنا بعتذر أني أزعجت حضرتك بس جالي مشوار مهم ولازم أنزل وقلقانه أسيبه لوحده، لو ممكن حضرتك تبقى تبص عليه.
أغلق مئزره جيدًا وخرج يغلق باب غرفته مرددًا بقلقٍ:
_مشوار في الوقت المتأخر ده!
أجابته سريعًا وهي تتفحص ساعة يدها:
_الساعة 11 مش متأخر أوي.
وتابعت بتوضيح:
_أنا مش هتأخر، وهرجع مع علي.
هز رأسه بهدوء فلم يريد أن يتطفل لمشوارها الذي لم تخبره عنه، وتوجه لغرفة عمران قائلًا ببسمته الهادئة:
_روحي مشوارك وأنا هنام جنبه النهاردة.
منحته بسمة مشرقة وهي ترد عليه:
_شكرًا يا عمي.. عن إذنك.
أشار لها بنفس ابتسامته وولج لغرفة عمران ليتمدد جوار بتعب ينتابه لعدم راحته بعد رحلة سفره المرهقة من مصر لانجلترا.
بينما بالغرفة القريبة منه.
مازالت تحاول الوصول لابنتها، فالوقت تأخر للغاية ولم تعد بعد، ألقت فريدة الهاتف من يدها بغضبٍ، وصفقت يد بالأخرى وهي تردد بغيظٍ:
_أتاخرت ليه لحد دلوقتي!
وزفرت بضيقٍ وهي تحاول تخمين سبب تأخيرها الغريب، فاتجهت لغرفة علي عساه يتمكن من الاتصال بها أو براكان، فتفاجئت بالظلام يبتلع الغرفة، حتى فراشه كان مرتبًا بطريقة أوحت لها بأنه مازال بالخارج، فلم تجد السبيل سوى اللجوء لابنه الاصغر.
اتجهت فريدة لغرفة ابنها، فولجت للداخل بعدما فعلت أنارة الغرفة، كادت بايقاظه ولكنه توقفت محلها بصدمةٍ حينما وجدته يتمدد جوار إبنها، ارتبكت بوقفتها وتراجعت بضعة خطوات للخلف، كأنها تود الهروب للخارج لتحجب عينيها عن التطلع لملامحه الوسيمة، انتظام أنفاسه وهدوئه الشديد، تود أن تكتم صدى صوت قلبها الذي يود القفز عن أضلعها.
لوهلة تخيلته زوجها ومن جوار ابنهما! ، ولكن الحقيقة حتمًا موجعة، وأكثر ما ألمها طوال تلك السنوات وراثة ابنائها الشباب لون العين الرمادي بالرغم من أن زوجها لم يكن كذلك، فكلما ردد أحدٌ أمامها بأنهم يحملون نفس لون عين عمهم كانت تشتعل غضبًا، كانت أحيانًا لا ترغب بتأمل علي وعمران فكلما رأتهم تذكرته قبالتها!
ابتلعت فريدة ريقها واستعادت ثباتها، فوقفت أمام المرآة تتأكد من انهدام مئزرها الذي يخفي بيجامة نومها الخفيفة جيدًا حتى إن استيقظ جراء ايقاظها لعمران تكون محتشمة أمامه.
واتجهت تهز صدر ابنها منادية بخفة:
_عمران.
تململ بمنامته على هزة يدها الخافتة، همهم بانزعاجٍ:
_ممم…
رفعت من صوتها قليلًا:
_فوق يا عمران.
فتح أحمد عينيه ليتفاجئ بها تحاول إيقاظ عمران، فجلس باستقامة قائلًا بنومٍ:
_فريدة! في حاجة ولا أيه؟
تحاشت التطلع إليه وقالت بنبرة واجمة:
_مفيش شمس كانت مع خطيبها واتاخرت بالرجوع، هخلي عمران يتصل بيه ويشوف اتاخروا ليه؟
راقب برودتها بالتعامل معه بهدوء، وقال بضيق وهو يراقب عودتها لتحريك عمران:
_طيب براحة على الولد، أنا هصحيه.
وبالفعل ناداه أحمد برفقٍ حتى استجاب إليه فعاونه على الجلوس بوضع وسادة خلفه، فردد باستغراب:
_عمي حضرتك كنت جنبي!! أمال فين مايا أنا قبل ما أنام كانت جنبي هنا!
بدى مرتبكًا لا يعلم ماذا يخبره، فقال بتلعثم:
_هتلاقيها في أوضتها!
ردت فريدة بقلق:
_لا مش في أوضتها أنا لسه جاية من عندها.
انتفض عمران بفزعٍ:
_مش معقول تكون سابتني كده وهربت على مصر زي ما كانت عايزة تعمل قبل كده!!
حينما تطور الأمر، قال نافيًا:
_لا يا عمران هي آآ…
تطلعت إليه لتهاتفه بحدة:
_مخبي أيه يا أحمد!
زفر بضيق لحق نبرته:
_بصراحة مايا جتلي وقالتلي أخد بالي من عمران لانها عندها مشوار مهم.
نهضت عن الفراش تصيح بغضب:
_مشوار مهم فين بالوقت ده!
أجابها بهدوء:
_معرفش بس قالتلي هرجع مع علي!
ضمت يدها لرأسها وصرخت بانفعال:
_هو في أيه بالبيت ده، شمس لسه مرجعتش لغاية دلوقتي ومايا محدش عارف راحت فين وازاي هترجع مع علي وعلي مرجعش البيت لحد دلوقتي!!
اعتدل عمران بجلسته بصعوبة وهو يتساءل بدهشة:
_شمس مرجعتش لسه!
أكدت له وهي تستعيد مطلبها الرئيسي:
_اتصل براكان واساله، لانه مش بيرد عليا وتليفون شمس مقفول.
والتقطت أنفاسها بعنف وهي تستطرد:
_أنا هيجرالي حاجة.
نهض أحمد واتجه أليها بخوف:
_طيب اهدي بس مفيش حاجة هتتحل بشدة أعصابك دي.
وأشار لعمران قائلًا:
_اتصل الأول براكان وبعد كده نشوف مايا.
هز رأسه وجذب هاتفه يحاول الوصول لراكان، وبالرغم من رنين هاتفه الا أنه لم يجيبه من الاساس، فأعاد الاتصال به وحينما لم يجيبه اتصل بآدهم ولكن دون جدوى، فألقى الهاتف جواره وهو يردد بغضب:
_مبيردش لا هو ولا الحارس بتاعه.
تجرد عنها ثباتها الصارم وصاحت برعب:
_يعني أيه، بنتي راحت فين؟!!
رد عليها أحمد وهو يجذب مئزره الشتوي على الفراش يرتديه:
_أنا هروح لراكان البيت أشوف في أيه وهبقى أبلغكم.
وتركهما وهرول للخارج فلحقت به فريدة تجيبه بتوتر شملها:
_أنا كمان هغير هدومي وهجي معاك.
أجابها بعدما وصل لغرفته:
_مفيش داعي يا فريدة خليكي انتي جنب عمران وأنا لو وصلت لشيء هبلغك.
هزت رأسها بهدوء وقالت برجاء:
_بسرعة يا أحمد من فضلك، قلبي هيقف من الخوف عليها.
إلتفت إليها وقد ألمته كلماتها فقال تلقائيًا:
_سلامة قلبك.
ارتبكت للغاية، فتنحنحت وهي تشير على باب غرفة ابنها:
_آآ… هشوف عمران.
أومأ برأسه ببسمة جذابة، فأغلق الباب من خلفها وشرع بتبديل ملابسه ليغادر سريعًا.
*****
انتابها عذاب من جحيم، فأجج لها ضميرها صورًا مقبضة لما سيحدث، وخاصة بعد تضحية آدهم ليفديها من موتة كانت واشيكة في حين ذاك الاحمق كان يختبئ خوفًا على ذاته، ولتكن صادقة لم يعنيها أمره كثيرًا بل كانت تتمنى لو تخلصوا منه.
خوفها كان ينبع تجاه ذاك الحارس، بطل أحداث قصتها التي يسترسلها القلم كلما تلاقت به، منذ بداية ظهوره بحياتها وهو ملاكها الحارس، كل موقف احتاجت المساعدة كان هو أول من قدم لها العون لدرجة جعلتها تتمناه أن يكون خطيبها عوضًا عن ذاك الجبان، لذا أعادت اتجاه السيارة لتلحق بهم بحذرٍ، وها هي الآن تقف على بعد قريب من المكان الذي دلف إليه راكان وآدهم وهؤلاء الرجال، ولا تعلم ما الذي ينبغي عليها فعله بالتحديد، فجذبت هاتفها لتبلغ الشرطة بالأمر، ولكنها تفاجئت بهاتفها نفذ شحنه وأصبح دون جدوى!
*******
قيدوه على المقعد البعيد عن مرمى اجتماعهم، بينما جلس راكان على أحد المقاعد المقابلة لذاك الذي يرتشف من النبيذ الأحمر بتلذذ وكأنه لا يعنيه ارتكاب مثل تلك المحرمات، فنفث دخانه غليونه باستمتاعٍ يجوبه بنظراته تجاه ذاك الذي على وشك البكاء من فرط الخوف، فقال بسخرية:
_إن كانت تخشاني لتلك الدرجة لما قمت بتجاهل طلبي بلقائك بوقاحة!
ابتلع راكان ريقه بصعوبة وهو يجاهد لخروج كلماته:
_سامحني سيدي، خشيت أن تعاقبني على ما حدث بمصر.
وأخذ يبرر لنفسه سريعًا:
_أنا لا ذنب لي بما حدث، هناك ظابط مصري يعبث خلفنا وينصب شباكه لنا.
منحه نظرة قاتلة قبل أن يهدر بانفعال:
_هل نسيت ما وكلتك به، أنت مسؤول عن توصيل تلك البضاعة من الميناء، وبدالًا من القيام بعملك تجلس وتخبرني ترهات ستجعلني أقتلك بيدي بأي لحظة.
ارتعب لمجرد سماعه تهديده، فهرع لمقعده يجلس على قدمه وهو يقبل يده بذل جعل آدهم يمقته بنظرة مستحقرة:
_لا سيدي أرجوك لا تفعلها، أعدك بأنها لن تتكرر مجددًا.
تابعه بنظرة انتشاء، فنفث دخانه بوجهه وهو يشير له ببرودة:
_حسنًا سأمهلك فرصة أخيرة، وإن فشلت سأنحر عنقك بنفسي!
هز رأسه بعشوائية وكأنه لا يصدق بأنه وجد فرصة صريحة للبقاء على قيد الحياة، فنهض “ماريو” عن مقعده تاركه مازال ينحني إليه، ثم خطى لأخر القاعة ليقف قبالة آدهم المقيد على المقعد، فابتسم بتسلية وهو يشير باستهانة:
_هل هذا الذي وُكلته بحمايتك! أراه عاجزًا عن حماية نفسه حتى!
ضحك آدهم بصوته الرجولي مما جعل ابتسامة ماريو تتلاشى باستغراب، وخاصة حينما قال:
_أنا الآن أحترم النقاش المتبادل بين رئيسي وبينك لذا أجلس هنا بهدوء، وإن منحني الآذن حينها لن يروق لك الأمر!
احتدت نظراته تجاهه وخاصة حينما قال باستهزاء:
_لست من النوعية التي تنحني لأحدٌ بحياتها قط.
تحرر صوته المتعصب مناديًا:
_راكان.
هرع إليه مرددًت ورأسه ينحني في طاعة:
_سيدي.
قال ساخرًا ومازالت عينيه تراقب ذاك الشرس:
_امنحه الآذن لنرى ما لديه وهو مقيدًا هكذا!
سحب نظرة محذرة تجاه آدهم الذي لم يراه من الاساس فمازال يناطح ذاك الواقف قبالته، تاركًا زر جاكيته يسجل بكاميرته الخفية وجهه جيدًا للسلطات.
طال الصمت فصرخ ماريو بتعصب:
_هيا أمره بذلك الآن.
تحرر صوته المرتجف قائلًا لآدهم:
_ لك ذلك.
اتسعت ابتسامته الماكرة، فرفع جسده للأعلى بعنفٍ جعله يترنح للخلف فانخلعت مقدمة المقعد، فأخفض الحبل من أسفل ليفك وثاقه بشكلٍ فاجئ من يقف أمامه.
أخرج رجاله أسلحتهم وأحاطوا آدهم الواقف بثقة يتابع من أمامه، بينما ردد كبير حرس ماريو بتوتر:
_احترس سيدي هذا الرجل خطيرًا للغاية، أسقط أربعة من رجالنا وكاد باستكمال فعلته وكأنه لم يفعل شيئًا!
ابتسم آدهم وردد باستهزاء:
_ايوه زي ما سمعت من أختك كده احترس عشان محزمش وسطك بطرحة!
ضيق حاجبيه بعدم فهم:
_ماذا قال للتو؟
ازداد توتر راكان وصاح به:
_آدهم هيقتلونا مكانا اهدى!
تجاهله للمرة الثانية وقام بترجمة ما قال:
_أخبرتك بأن تنتبه لنصيحة رجلك الشهم وتحترس غضبي،وأنا أعدك الا أتركك وحيدًا بقبرك الذي سأصنعه لك، سأضع رجالك معك ليكونوا ونسًا لك، وحينها ستتذكر شهامة المصريين وكرمهم!
ابتسم ماريو وهو يتابعه بإعجاب انقلب إليه بعدما كان متعصبًا، فدنى منه وهو يقف بنظرة ذات مغزى:
_اسمع يا فتى، سأعقد معك صفقة لن تكرر مطلقًا، إن قتلت رجالي ستصبح الرجل الأقرب لي، سأحيطك بالمال وكل ما تريد.
جحظت أعين رجاله بصدمة، مما يستمعون إليه حتى راكان نفسه.
اقترب آدهم المسافة المتبقية بينهما ليردد بنظرة تحدي:
_لست فتى، أنا رجلًا سيحرص أن يلقنك أنت ورجالك دروسًا عن رجولة وشهامة العرب.
واسترسل ببسمة ماكرة:
_أما عن عرضك السخي فأنا أقبل نصفه الأول، لم أكن عبدًا لصبيك حتى أصبح عبدًا لك.
وفور انتهائه من حديثه اشتبك معهم على الفور، تاركًا راكان يفتح فاهه صدمة بينما يراقبه ماريو ببسمة تسلية، فدنى الاخير منه يهمس له:
_سيدي أرجوك أوقفه سيقتل رجالك!
قال بعدم مبالاة وهو يشعل غليونه:
_لا أريد رجالًا ضعفاء أمثالهم.
واستدار بوجهه إليه يخبره ببسمته:
_عليا الاعتراف إنك قمت باختيار الرجل الصحيح لحمايتك أيها الوغد!
******
كانت تحيط الناس من حولها بنظرة مرتبكة، بالرغم من أن المكان لم يكن بالمزدحم، فحاولت اخفاء توترها بتناول الشاي الساخن الموضوع من أمامها تهربًا من نظرات علي المبتسم إليها، وفجأة تسلل لمسمعها صوت أنثوي يردد بحماسٍ:
_علي.
كانت فتاة على ما بدى لها بأوائل العشرين من عمرها، ترتدي فستانًا بسيطًا من اللون الأسود فضفاض، على حجابًا من اللون الأزرق، وجهها بشوش بقدر جعلها تبتسم وهي تراقبها.
اتجهت نظرات مايسان لها، فتساءلت باهتمامٍ:
_دي فاطمة صح؟
أجابها علي ببسمة حب لمن تقف قبالتهما:
_ناديها فطيمة.
قدمت يدها في دعوة ترحاب لها:
_كان نفسي أتعرف عليكي من زمان يا فاطيما، أنا مايسان.
هزت رأسها وهي لا تجيد اجابتها من شدة ارتباكها، فأشار لها علي:
_مايسان تبقى بنت خالتي ومرات أخويا الصغير يا فطيمة.
تحرر صوتها أخيرًا:
_أهلًا بيكِ.
سحبت المقعد المجاور لها وجلست جوارها، تخبرها بلطفٍ:
_ما شاء الله قمر، أنا قولت كده بردو إن مش أي بنت توقع دكتور علي.
تعالت ضحكاته الرجولية لتصل كلماته لها:
_أيوه ادخلي علينا بحواراتك، ده اللي بأخده منك.
واستطرد بجدية:
_قوليلي يا مايا ماما سألتك راحه فين؟
ردت عليه ببسمة فخر:
_محدش شافني وأنا جاية غير أنكل أحمد.
عبثت معالمه ضيقًا،متسائلًا:
_وعمران!
أكدت له باشارة رأسها، فقال بتذمر:
_مكنش ينفع تنزلي بالوقت ده من غير ما تستأذنيه يا مايا!
راقبت فطيمة حوارهما باهتمام، فاجابته مايسان:
_كان نايم يا علي وإنت عارف إنه مكنش بيعرف ينام بالمستشفى فمحبتش أقلقه لكن لما هرجع ان شاء الله هقوله .
أماء برأسه وسألها بجدية:
_جبتي المفتاح؟
أخرجته من حقيبة يدها قائلة:
_عيب يا دوك ودي حاجة تتنسي!
وقف علي يشير لهم وهو يضع مبلغًا من المال على الطاولة:
_طيب يلا نتحرك لإن الوقت أتاخر.
أمسكت مايسان يد فطيمة وخطت جوارها تتهامسان بصوتٍ منخفض، بينما صعد علي بمقعد القيادة يترقب صعودهم بالخلف، ليتحرك بهم للمبنى، بينما يهاتف مدير المشفى لأمر فطيمة حتى لا تحول المشفى للهلاك ظنًا من إنها هربت منها، فأخبره بأنه سيتزوج بها وسيقوم بعلاجها بنفسه، فلم يواجه صعوبات بذلك لتكفله أمرها كاملًا بأمرٍ من “مراد زيدان” شخصيًا.
*******
راقب رجاله الملقون أرضًا ببسمة شيطانية مخيفة، ورفع حدقتيه له يحاول استمالته للمرة الأخيرة:
_متأكدًا من رفضك للعمل معي.
رمقه بنظرة ساخطة قبل أن ينحني ليجذب جاكيته الملقي أرضـًا ثم اتجه لراكان يسأله بنفور:
_هتيجي معايا ولا هتخليك مع فرقع لوز ده.
رفع راكان عينيه لسيده، فسأله بتوتر:
_سأغادر يا سيدي، هل من أمرًا أخر؟
تركهما واتجه لمكتبه فجلس باسترخاء قائلًا:
_دعه يغادر بمفرده ولتبقى هنا أريدك بأمرٍ هام لا أريد لأحدٍ سماعه غيرك.
حدجهما آدهم بسخرية لحقت نبرته:
_وكأنني أهتم!!
وغادر وهو يستطرد لراكان:
_هبعتلك فؤاد ياخدك أو يمكن فرقع لوز اللي جنبك ده يوصلك لإن تقريبًا رجالته بح!
وغادر وابتسامة المكر تحيط به، تعلم أن يسبق عدوه بخطوة، فتوقع أن يطالبه ماريو بالمغادرة لينقاش أمر الشحنة القادمة مع راكان بمفردهما لذا كان الأسراع حينما تصنع انحناء جسده ليجذب جاكيته الملقي أرضًا وقام بزرعة جهاز التصنت بمعدن الطاولة القريبة منه.
أطلق صفيرًا مستمتعًا وهو يرتدي جاكيته ويحرك كتفيه بانتشاء، فخرج من المبنى يبحث بعينيه عن وسيلة مواصلات تعاونه على العودة لفيلا راكان حيث يقطن، وإذ فجأة يعلو صوتًا يناديه كان سهلًا بالتعارف عليه
_آدهــــــــــم.
استدار للخلف وهو يقنع ذاته بأنه يتوهم سماعه، برق بحدقتيه صدمة حينما هبطت شمس من سيارته وركضت تجاهه، فالتفت حوله يراقب أن رآها أحدًا، وهم إليها يصرخ بعصبية:
_شمس إنتِ بتعملي أيه هنا؟ أنا مش طلبت منك ترجعي البيت!
انهمرت دمعاتها المعاكسة للابتسامة الواسعة على شفتيها، فسألته بلهفة وكأنها لم تستمع لاسئلته:
_إنت كويس؟
راقبها بدهشةٍ، فتابعت بحيرة مما ستخبره به بتشتتٍ:
_أنا مقدرتش أمشي، فمشيت وراكم وفضلت هنا مش عارفة أعمل أيه؟
ورفعت هاتفها إليه كأنها تشكو له:
_حتى موبيلي فصل شحن معرفتش أكلم الشرطة ولا أعمل أي حاجة.
منحها ابتسامة تعمقت داخلها، وقال بصوته الرخيم:
_ممكن تهدي طيب.
وتابع وعينيه تشير على المبنى المجاور له:
_متقلقيش راكان كويس، كان سوء تفاهم وراح لحاله.
زوت حاجبها لتتمرد بعصبية شبيهة للجنون:
_ما يولع الجبان القذر.. مستخبي شبه الستات وسايبهم يخطفوني وهو مش همه غير نفسه وبس.
راق له تعصبها وبالرغم من قراءته لمشاعرها بوضوحٍ، الا أنه ادعى الفضيلة:
_طيب راجعه تاني ومعرضة نفسك للخطر ليه وهو مش فارق معاكي!
أزاحت دموعها بغيظٍ من طريقته، تعلم بأنه يود أن ترددها صريحة، ولكنها مشتتة لا تعلم ماذا تفعل، وبالرغم من أنه لا يربطها براكان سوى خطبة الا أنها أحيانًا تشعر بالذنب لمجرد تفكيرها بآدهم، فيزيد من أمورها هو الآن!
ألقت شمس مفاتيح السيارة إليه وقالت بغضب وهي تبتعد عنه:
_أنا غلطانه إني رجعت عشان خايفة عليك، خد مفاتيحك أهي أنا ماشية.
التقط المفاتيح وهرول خلفها يناديها ضاحكًا:
_طب استني طيب هوصلك، الحتة هنا غريبة عنك.
اكملت طريقها دون أن تستدير إليه:
_مالكش دعوة بيا ارجع للباشا بتاعك.
راقبها آدهم ببسمة جذابة، فصعد لسيارته وقادها حتى بات يقودها بنفس مستوى خطاها، فقال وهو يراقب الطريق بحذر:
_شمس بطلي جنان وإركبي.
لم تعيره انتباهًا واستكملت طريقها بخطوات سريعة، متعصبة، وكأنها ستتمكن من الفرار منه، فأسرع من قيادته قائلًا:
_خلينا نتكلم من فضلك.
رفضت الانصياع إليه فزفر بنفاذ صبر، وقاد السيارة ليكسر الطريق من أمامها، ففتح الباب المجاور لها مهددًا إياها بصرامة:
_هتركبي ولا أنزل أشيلك وأدخلك العربية بالعافية.
بللت شفتيها بلعابها وهي تتفحص الطريق المظلم من حولها بخوفٍ، وبالنهاية انصاعت إليه وولجت للسيارة تجلس جواره، فابتسم وعاد للقيادة بصمت.
كظمت غضبها بصعوبة، تود البقاء ساكنة أطول فترة ممكنة ومازال الأخير يراقبها ببسمة تسلية، فقال:
_اتكلمي باللي عايزة تقوليه بدل ما يجرالك حاجة من الغيظ اللي جواكِ ده!
اتجهت بجسدها إليه وقالت بتوتر:
_آدهم أنا بقيت متأكدة إن راكان ده شمال، وخصوصًا بعد اللي حصل النهاردة.
ترك مراقبة الطريق وتطلع إليها:
_أنا حذرتك قبل كده وقولتلك إبعدي عنه.
تجهمت معالمها، وفاهت:
_ماما مش مقتنعة غير إنه شخص مناسب ليا وأنا بحاول أقنعها بس أعتقد بعد اللي حصل النهاردة ده هتغير رأيها.
ترقب لوهلة قبل أن يخبرها:
_مفيش داعي يا شمس، متقوليش حاجة، قريب جدًا والدتك هتقتنع جدًا، لإن راكان هيكون انتهى خلاص.
زوت حاجبيها باستغرابٍ:
_تقصد أيه؟
وبدى عقلها يعمل سريعًا، فرددت:
_هتقتله!
قهقه ضاحكًا، وأضاف مازحًا:
_لو إنتِ بتكرهيه أوي كده عيوني هخلص عليه.
شملها الحزن والألم،فقالت باصرار وغضب ثائر:
_نزلني، وقف العربية.
وزع نظراته بينها وبين الطريق:
_أيه اللي حصل بس؟!
صرخت بعنف وكادت بفتح باب السيارة وهو ينطلق بسرعته القصوى:
_بقولك وقف العربية والا هحدف نفسي.
أمسك راسخها وثبته جيدًا ويده الاخرى تهدأ من سرعته قائلًا:
_طيب طيب اهدي، هركن على جنب.
وبالفعل هدأت سرعة السيارة حتى وقفت تمامًا، فاستدارت تجاهه تخبره قبل هبوطها:
_أنا هتوقع أيه منك، ما أنت بتشتغل معاه يعني أكيد إنت شبهه في كل شيء.
وهبطت لتجده يسرع خلفها فسد طريقها وهو يقول:
_أنا مش شبهه ولا عمري هكون شبهه يا شمس.
ارتبكت من قربه منها، فتراجعت للخلف وهي تردد بخفوت:
_من فضلك سبني أمشي، أنا مبقتش قادرة لكل ده، الظاهر إني كنت غلط لما قبلت بالخطوبة دي وغلطت لتاني مرة لما حبيتك.
ابتسم ومازال يدنو منها ليوقفها عن الهرب للطريق، فقال:
_غلطي فعلًا، بس حبك ليا مكنش غلطة.
ابتلعت ريقها بارتباك، فتراجعت بظهرها للخلف وهي تهز رأسها برفض:
_لا غلطة وغلطة كبيرة كمان، إنت مجرم زيك زيه يا آدهم.
وبتوتر قالت:
_آآ.. أنا شوفتك وإنت بتضربهم بالنار إنت انسان مش طبيعي… آآ.. أنت مجرم.
قالت كلماتها الاخيرة وكادت بالركض فجذبها بقوة جعلتها تصطدم بالسيارة من خلفها، لتنحول نظراتها إليه بهلعٍ جعلته يعيد خصلاته المتمردة للخلف بغضب، فسيطر بصعوبة على أعصابه وهو يراها تتأمله بخوف ويدها تحتضن حقيبتها، فهمس لها:
_شمس أنا ظابط مش مجرم.
برقت بعينيها بدهشة، فتابع قائلًا:
_أنا هنا عشان أقبض على راكان الكلب واللي وراه وإني أكشف هويتي الحقيقية لحد دي ليها عقوبة وبالرغم من كده ارتكبتها عشان مشوفش النظرة دي في عيونك.
وإتجه يفتح باب سيارته بهدوءٍ رغم سخرية نبرته؛
_هتركبي ولا أطلعلك جواز سفري عشان تتأكدي!
تطلعت له بصدمة، وتحركت بآلية تامة للمقعد مجددًا، فصعد جوارها يقود والغضب لخيانة مهام عمله يجوب على معالمه، من لم يستطيع كشفه أتت تلك الفتاة وفعلتها!!
شعرت شمس بأنه على وشك الانفجار بأي لحظة، وبالرغم من ذلك لم تتراجع عن سؤاله:
_هو راكان بيتأجر في أيه؟
منحها نظرة خاطفة قبل أن يعود لتأمل طريقه صامتًا من جديد، فعادت تسأله:
_سلاح ولا مخدرات؟
زفر بنفاذ صبر، فلكم المقبض وهو يصيح:
_يا بنتي اتقي الله متعودتش أسرب أسرار الشغل، دي كده خيانة!
منعت تلك الابتسامة من السطوع، وقالت ببراءةٍ مصطنعة:
_متخفش سرك جوه بير مدفون ملهوش قرار، أنا حتى مش هحكي لمامي على اللي حصل لحد ما تقبض عليه وتخلصني منه.
ابتسم رغمًا عنه ولزم صمته حتى منتصف الطريق، خطف نظرة إليها فوجدها تكتف ساعديها أمام صدرها بحزنٍ جعله يقول:
_راكان بيهرب لمصر أدوية فاسدة.
جحظت عينيها صدمة، فاستطرد بألم تشعر به بنبرته لأول مرة:
_أنا موجود هنا بانجلترا مخصوص عشان أقبض عليه وعلى اللي وراه مع إن ده مش تخصصي، بس زي ما تقولي كده له عندي تار ومش هيبرد غير وأنا شايفهم راكعين تحت رجليا.
انجرفت بجلستها تجاهه، وازدردت ريقها بصعوبة بالغة وهي تقول:
_أوعى تكون متجوز وقتلوا مراتك ولسه بتحبها وجاي تنتقم والجو ده، أقسم بالله هطلع على راكان أقوله حقيقتك ولا هيهمني!
انفجر ضاحكًا وهو ينفي تهمتها مردفًا:
_لا أنا مش مرتبط متقلقيش، انتي أول واحدة قلبي ارتبط بيها.
احمر وجهها خجلًا فحاولت أن تقلب مسار الحديث، فقالت بحيرة:
_طب تار أيه؟
سيطر الحزن على معالمه وبدى كأنه على وشك البكاء، ولكنه تماسك وهو يحرر جملته:
_أمي يا شمس…. ماتت بسبب جرعة الانسولين المغشوش اللي أخدته.
أدمعت عينيها تأثرًا، فبكت وهي تراقب تعصب يده على حركة مقود السيارة، وأنفاسه التي تصل لمسمعها، فقالت بحقد:
_طيب ومستني أيه ما تقبض عليه.
ابتسم ساخرًا:
_مش بالبساطة دي، راكان ما هو الا كلب بيتحرك باشارتهم، اللي وراه هما اللي تاري وتار بلدي معاهم..
واسترسل بوعيد:
_بس خلاص هانت وأمسك الاوراق اللي راكان مخبياها ووقتها هكشفهم كلهم.
رمشت بحيرة وتساءلت:
_يعني طول الفترة دي كلها معرفتش تاخد الاوراق دي.
أجابها وهو يبطيء من سرعة سيارته رويدًا رويدًا:
_دورت في خزنة مكتبه وبالبيت بتاعه ملقتش حاجة، بس مازلت بدور وأكيد هوصل للملف ده ووقتها هتكون نهايته.
ابتسمت وهي تراقبه بحب ينبع بعينيها، فرددت:
_هيحصل، ربنا أكيد مش هيضيع تعبك.
التفت إليها يمنحها بسمة جذابة وهو يشير لها:
_إن شاء الله يا حبيبتي، وساعتها هتلاقيني عند فريدة هانم بطلبك للجواز وواثق إنها مستحيل هترفضني.
تلاشت بسمتها باستحياء، فغمز بعينيه بمشاكسة:
_حمدلله على السلامة شمس هانم.
لم تستوعب كلماته الا حينما التفتت فوجدت ذاتها قبالة منزلها، ففتحت باب السيارة وهبطت، ثم انحنت على النافذة الخاصة بمقعده بعدما استدارت تخبره ببسمتها المشرقة:
_شكرًا على كل حاجة عملتها علشاني يا آدهم.
راقب ابتسامتها الرقيقة بحب نبع داخل حدقتيه، وهمس بصوت مغري:
_عمر… إسمي الحقيقي عمر!
استقامت بوقفتها وغادرت وهي تصيح بضحكة:
_هناديك آدهم لحد ما أتعود… باي.
راقبها حتى ولجت للباب الخارجي لمنزلها، مرددًا بابتسامة ساحرة:
_مع السلامة.
********
عاد علي برفقة مايسان للمنزل بعد أن أوصل فطيمة للشقة وتأكدت مايسان من أنها لا تحتاج لشيءٍ، فما أن ولجوا للداخل حتى وجدوا فريدة تجوب الردهة ذهابًا وإيابًا وعلامة الذعر تخطو على وجهها، وعلى المقعد يجلس أحمد يحاول تهدئتها وعلى ما يبدو من ملابسه أنه كان بالخارج، فما أن استدارت حتى وجدت علي ومايسان قبالتهما ومن خلفهما ولجت شمس، فصرخت بعصبية بالغة:
_أنا عايزة أعرف انتوا كنتم كلكم فين لحد دلوقتي!!
*******
تململ بنومته بانزعاجٍ، ففرد ذراعه يحتضن زوجته فتفاجئ بعدم وجودها لجواره، استقام جمال بنومته وجذب التيشرت الملقي أرضًا يرتديه وهو يناديها:
_صبا!
خرج من الغرفة يبحث عنها فوجدها تجلس بالشرفة وجسدها متكئ على السور الحديدي، بدت له شاردة حتى أنها لم تشعر بوجوده، انحنى جمال لمستواها فضمها طابعًا قبلة حنونة على خدها:
_حبيبي قاعد سرحان في أيه بنص الليل؟
ابعدت يدها عنه بخجلٍ، ورددت بتلعثم:
_مفيش آآ… أنا مكنش جايلي نوم بس آآ.. هدخل أنام حالًا.
منعها من النهوض، وجذب المقعد المجاور لها ليضعه قبالتها، وقال بحزنٍ:
_مالك يا صبا من يوم خناقتنا دي وإنتِ متغيرة مع إني معتش بنام بره البيت ولا بتأخر بالرجوع!
أخفت عينيها من لقاء عينيه، فرفع ذقنها يجبرها على التطلع إليه، متسائلًا بلهفة:
_أنا عملت حاجة زعلتك مني؟
رددت بزعل انتابها:
_مهو ده اللي مزعلني إنك بقيت مهتم بيا جدًا، فحاسة إني فرضت نفسي عليك لما صارحتك بمشاعري، لدرجة إنك بقيت بتجبر نفسك تكون معايا بشكل مستمر، ده مخليني أبقى مكسوفة من نفسي.
صعق مما استمع إليه ومع ذلك بقى هادئًا، واختار كلماته بعناية:
_ليه بتقولي كده يا صبا، كل الحكاية إني شلت الهموم اللي على كتافي، أنا ظلمت نفسي قبل ما أظلمك معايا يا صبا وفوقت!
واسترسل وهو يجذبها لتجلس على ساقه:
_ثم إن المفروض تكوني حاسة بحبي ليكي وفاهمه ده كويس!
منحته بسمة رقيقة، فضمها إليه وهو يهمس لها:
_بحبك ونفسي تفهميني بقا،أعملك أيه تاني ده أنا بطلت أشوف المقاطيع بالساعات بسببك وواخدني تريقة في الراحة والجاية ومستحمل علشان عيونك الجميلة دي.
ابتسمت مجددًا، وسألته بجدية:
_أخبار عمران صاحبك أيه؟
أجابها وهو يغمز لها بخبث:
_كويس أوي أنا اللي مش تمام.
وحملها ليدلف بها لغرفتهما وضحكاتها تعلو دون توقف، فما أن وضعها على الفراش وكاد بالتمدد جوارها حتى صدح هاتفه برقم يوسف، فحمله بسخط:
_شوفتي أديكي نقيتي فيها، يوسف ميرنش نص الليل الا لما يكون في بلوة!
كبتت ضحكاتها حينما حرر زر الاجابة، ليجد الاخير يخبره بغضب:
_تعالى حالًا، صاحبك اتطرد في الشارع في نصاص الليالي وعربيته عطلانة، استر هيبتي قدام الجيران سترك الله!!

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية صرخات أنثى)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *