روايات

رواية كسرة وضمة وسكون الفصل الخامس 5 بقلم رحاب ابراهيم حسن

رواية كسرة وضمة وسكون الفصل الخامس 5 بقلم رحاب ابراهيم حسن

رواية كسرة وضمة وسكون البارت الخامس

رواية كسرة وضمة وسكون الجزء الخامس

كسرة وضمة وسكون
كسرة وضمة وسكون

رواية كسرة وضمة وسكون الحلقة الخامسة

ضغط أشهد على أسنانه غاضبًا ولم يتردد وهو يدخل المبنى متوجهًا لذلك الرجل خصيصًا من بين الجميع وأمام الجميع!..
حتى أنتبه رئيس العمال للشاب الأنيق المنيف الطول الذي يتوجه نحوهه بوجه غاضب وتبدو أحدى قدميه مصابة ببعض العرج، وعندما وقف أمامه أشهد لكمه بقبضة يده بعنف لكمة بوجهه جعلت رئيس العمال يصاب بالذهول ويترنح للخلف حتى كاد أن يسقط أرضاً… فشهق الجميع بصدمة من الشيء الغير متوقع أمام الجميع ! … وصاح أشهد فيه بصوتٍ عال وعنيف :
_ عملتلك إيه عشان تزعقلها وتخليها تبقى بالحالة دي يا حيوان يا عديم الرحمة ؟! .. هما اللي بيشتغلوا هنا عبيد مش بني آدمين !!
وكان أشهد سيكيل له المزيد من الضربات والدماء تغلي بعروقه، ونظرته النارية جعلته مخيفا وهو يحاول تكرار الأمر، بينما وقف بعض العمال أمامه يمنعونه ويمنعون رئيسهم أيضا بعدما نهض وأراد الانتقام من أشهد ونصب شجار مروع معه.. وصاح الرجل بغضب وفمه يسيل منه الدماء:
_ قبل ما أعرف انت مين هعرفك مقامك الأول وأزاي تمد إيدك عليا!.
وحاول أشهد الذهاب إليه ولكن تجمهر حوله العمال وابعدوا الرجل الآخر الذي مع غضبه قد توجس قليلًا منه وشعر بأنه ليس رجلًا عاديا ريثما بمظهره الذي يوحي بالثراء وربما كان من أقارب المالك الأصلي لذلك المصنع .. واستطاع البعض أن يبعدوه عن المكان لبعض الوقت ليهدأ.
وبتلك الزاوية البعيدة التي تجلس رقة منكمشة على نفسها وتبك، استوقفها ما يحدث، وأصيبت بالذهول تمامًا عندما وقعت عينيها عليه، حتى أنها ظلت جالسة غير قادرة على الحركة من قوة الصدمة وهي تنظر له وتحاول أن تصدق أنه أمامها الآن ويدافع عنها بشراسة بذلك المكان الكئيب الموحش؟! ..
وعندما تمالك أشهد نفسه بعض الشيء ترك العمال الذين أنهالوا عليه بالأسئلة لمعرفة من هو، ونظر لرقة بنظرة دافئة وتوجه إليها، فنهضت رقة ببطء والتصق ظهرها بالحائط وهي تبتلع ريقها الجاف .. فقال لها بنظرة داعمة :
_ تعالي معايا نمشي من هنا ..
تحركت شفاها بتمتمة ودهشة وهي تنظر له بنظرة واسعة، وإلى الآن لم تكن قادرة على أن تصدق أنه هنا أمامها ؟!
نطقت بصوت ضعيف والدموع تتساقط من عينيها بلمعة دافئة عاطفية :
_ أشهد ..! .. أنت جيت هنا أزاي ؟!
وشهقت بفزع بنظرت متسعة وهي ترى رئيس العمال يأتي متوجها من خلف أشهد وبيده ماسورة حديدية وبعينيه نظرة أنتقامية .. وأنتشر الهرج بالمكان من جديد والعمال يحاولون منع كارثة على وشك الوقوع .. بينما الرجل كأن أصابه الجنون ويريد الانتقام من أشهد … واستدار أشهد عندما انتبه للفزع الواضح بعينان رقة وأستعد لمواجهة ذلك البغيض المتجبر على الضعفاء .. بينما فجأة جميع الأصوات اختفت عندما أطلق الضابط حازم عيار ناري في الهواء لوقف الهرج والمرج بالمكان .. ونظر الجميع إليه برعب ولمعرفتهم به التي اصبحت أكيدة، القى حازم نظرة مبتسمة واثقة لشقيقه أشهد، وقابلها أشهد بنفس الابتسامة الواثقة، ثم نظر لرئيس العمال وما بيده في نظرة نارية وقال :
_ إيه اللي بيحصل هنا ؟!
أتت احدى الفتيات التي بالأصل هي سبب مجيئه عندما تسحبت منذ دقائق وتوجهت لعربة الشرطة المتواجدة بالمنطقة منذ أيام ظنا منها إنها تدعم رئيسها بالعمل وقالت :
_ يا بيه واحد دخل علينا المصنع وطايح ضرب فينا وبلطجة من غير سبب!.
سألها حازم :
_ مين هو ؟!
أشارت الفتاة على أشهد وقالت بقوة :
_ هو ده يا بيه ..
نظر لها حازم بسخرية، بينما قال سائق أشهد الذي ترك السيارة وأتى عندما لاحظ ظهور حازم منذ لحظات:
_ أنتوا مجانين ؟! .. أنتوا مش عارفين ده مين ؟ .. ده أشهد بيه أخو حضرت الضابط حازم .. مين ده اللي بلطجي يا غجر ؟!
شهقت الفتاة وصعق من حولها ومن بينهم رئيس العمال ذاته الذي سقطت الماسورة الحديدية من يده وهو يرتجف خوفا .. وقال لينهي تلك الكارثة :
_ محصلش حاجة يا حضرت الضابط .. ده سوء فهم كده وخلاص يعني .. مش كده يا أشهد بيه ؟
نظر الرجل لأشهد بتوسل حتى ينقذه من براثن شقيقه حازم، فتوجه حازم لأشهد وسأله بجدية :
_ حصل إيه يا أشهد لكل ده ؟ .. وجيت هنا ليه ؟
نظر أشهد للرجل بعصبية وقال لشقيقه :
_ هنتكلم بعدين يا حازم مش هنا ..
وتوجه أشهد لرقة وقال بنظرة عميقة :
_ تعالي معايا ..
ابتسم حازم بمكر عندما نظر لرقة وقارن نسبة الشبه القليلة بين الشقيقتان، ولكن شتان بين تلك العصفورة الضعيفة رقة، والتنين المجنح شقيقتها الأخرى شهد ..
بينما رقة كانت تبتسم لأشهد بين دموعها بأمان لأول مرة منذ سنوات، لأول مرة تشعر أنها مطمئنة آمنة عند الخوف .. وأن قلبها يشهد عهدًا جديد من دقات الطمأنية والسكينة بعدما كان يرتجف عند أبسط الأشياء خوفا، وانتبهت لنظرات حازم الماكرة لها ولشقيقه، كأنه يدرك أمرًا ما، فابتسمت رقة بحياءّ شديد وقلبها حلّقت فيه الفراشات … وذهبت لتبديل ملابسها سريعا، ثم خرجت مع أشهد حتى خارج المصنع، وتركهما حازم وظل يتحدث مع بعض العمال بالداخل ..
ووقفت رقة في الطريق قائلة له بنظرة شديدة الدفء :
_ هشكرك كام مرة على اللي بتعمله معايا ؟
صمت أشهد بنظرة طويلة وتعابير وجهه جامدة، حتى قال ببعض العصبية :
_ أنتي ليه تسمحيله يكلمك كده وتفضلي تعيطي بالشكل ده ؟! .. واكيد دي مش أول مرة ؟!.
امتلأت عينان رقة بالألم ونظرت للبعيد وكأنها تتذكر عدد المرات الكثيرة التي جلست فيها بتلك الزاوية وبكت ولم تجد مخلوق يمد لها يد العون والمساندة .. ففهم أشهد أنها تعرضت لهذا العنف كثيرًا فزفر بضيق .. حتى قال لها بغيظ :
_ أنتي ليه ضعيفة كده ؟!
سقطت دموعها وقالت بدفاع عن نفسها :
_ أنا مش ضعيفة … بس ..
وابتلعت مرارة بحلقها وقالت بإعتراف :
_ لما بسمع أي صوت عالي بتوتر وبلاقي نفسي بعيط وبترعش ومش قادرة أتنفس.. مابقدرش أسيطر على خوفي ..
تعجب أشهد منها وسألها :
_ و ده له سبب ؟
نظرت رقة للطريق المظلم أمامها بعينان تملأها الدموع وهي تتذكر الحادث المؤسف لوالديها وقالت باكية وهي تتذكر ذلك المشهد الموجع :
_ أبويا كان بواب عمارة كبيرة .. وأمي كانت بتشتغل معاه، في يوم بعد ما رجعنا أنا وأختي شهد من المدرسة وأحنا صغيرين ، روحنا نلعب مع صحابنا في شارع بعيد .. ولما حسيت بتعب قولت ارجع البيت وسيبت أختي تلعب .. بس وأنا راجعة لقيت أبويا قاعد قعدته العادية قدام البوابة وأمي جانبه بيضحكوا وبيشاورولي .. وبعدين ..
وشهقت رقة من البكاء وهي ترتجف من الألم وتابعت :
_ شوفت العمارة بتوقع عليهم فجأة .. حصل ده كله في ثواني وأنا واقفة بعيد عنهم .. فضلت أصرخ لحد ما وقعت من طولي ، محدش حس بيا من كتر ما الناس بتجري وبتصرخ .. كل الصريخ ده كان حواليا .. عمري ما هنسى الخوف والرعب اللي كنت حاسة بيهم يومها.
غرق وجهها بالدموع وهي تحاول التحدث بصعوبة وتتابع :
_ ومن اليوم ده لحد النهاردة وأنا زي ما أنا .. بخاف من أي صوت عالي .. غصب عني بلاقي نفسي بعيط وبخاف .. صدقني أنا بكره نفسي في كل مرة ببان فيها بالضعف ده قدام حد .. بس غصب عني.
وختمت حديثها وهي تبك بألم خصيصا عندما تذكرت تلك المأساة وشعرت برجفة تجتاح أوصالها وكأنها محمومة!، حتى تفاجئت بأشهد وهو يضع جاكته على أكتافها بنظرة طويلة عميقة و مليئة بالدفء والعاطفة وقال بتأكيد دون مقدمات :
_ رقة … تقبلي تتجوزيني ؟
انعقدت الكلمات بحلقها بصدمة بعدما ابتسمت بين دموعها وهي تضم جاكته حولها بدفء، ونظرت له بذهول وكأنها تريد تأكيد ما سمعته ، فكرر أشهد طلبه بابتسامة :
_ زي ما سمعتي … تقبلي تتجوزيني ؟
فغرت رقة فاها وهي تنظر لعينيه بذهول، لم تكن تتخيل حتى في أحلامها أنه سيعرض عليها هذا العرض وبتلك السرعة ؟!
وظهرت فجأة شهد وهي تركض وبيدها عصاة كبيرة ومعه الطفل “حموكشة” وهرولت نحو شقيقتها رقة قائلة بغضب :
_في ايه رقة ؟ الواد حموكشة سمع البت سعاد وهي بتكلم الضابط الجديد وبتقوله فيه مصيبة في المصنع بسبب رقة وواحد معاها !! .. مين اللي ضايقك وأنا وربنا لأبطحه.
وصاحت شهد بغضب شديد، وحينما لمحها حازم من الداخل أتى اليهم مبتسما بمكر نحو شهد وقال :
_ مافيش أنابيب هنا يابت .
أشارت له شهد بعصبية ليصمت وهتفت :
_ ما تتكتم بقا ، أنت بتهبب ايه هنا اصلًا يا بتاع الأنابيب أنت؟! ..أنا عايزة أعرف دلوقتي مين زعل أختي ؟ .. وربنا لبططه ..
وأشارت بالعصا في يدها بتهديد، فكتم حازم ضحكته وقال :
_ ما تقلقش عملنا الواجب يا شبح ..
وصاحت شهد بغيظ لشقيقتها وتجاهلت حازم تمامًا :
_ يابنتي ما تنطقي ؟!
وكانت رقة بعالمًا آخر وهي تنظر لأشهد بابتسامة حالمة، وانتبت شهد لأشهد الواقف والتي لم تستوعب حضوره وقالت بحيرة :
_ أنا مش فاهمة حاجة ؟!
أشار لها حازم بنظرة خبيثة وقال لتأتي له :
_ تعالي اسأليني أنا وهقولك ..!
ذهبت اليه شهد بنظرة تحذيرية فهمس لها بمكر :
_ عارفة رئيس العمال اللي جوا ده.. زعق لأختك جامد وهي عيطت.
تمتمت شهد بالشتائم وصرخت وهي تركض مسرعة لداخل المصنع، فأتسعت ابتسامة حازم بتسلية وقال لشقيقه هامسا :
_ أنا هلحق بنت المجنونة دي لتعمل مصيبة ..
وبصعوبة حتى أبعد شهد عن رئيس العمال الذي قد ناله عدة لكمات منها وشتائم .. وهتف حازم بها بحدة :
_ أمشي قدامي ..
صاحت شهد فيه بغضب وقالت :
_ مش همشي غير لما أجيب حق أختي وأخد طاري ..
ابتسم حازم بسخرية وقال :
_ ثأر ايه انتي عبيطة يابت ؟ .. ما هي واقفة صاغ سليم مع أخويا اشهد برا وزي الفل ..
كادت أن تتحدث شهد بعصبية حينما صعقتها جملته الأخيرة وسألته بذهول :
_ الّاه ؟! …أخوك مين ؟
رد حازم مبتسما بثقة :
_ أخويا أشهد …
سألته شهد ببلاهة :
_ أنت الجديد الشديد ؟ .. اقصد الضابط الجديد ؟!
رد عليها بسخرية:
_ الجديد الشديد؟! .. ليه هو أنا أوكازيون ! .. ما تلمي لسانك بدل ما أخدك على البوكس ؟!
ضيقت شهد عينيها عليه وتمتم بشيء وهي تبتسم، ثم قالت بثقة :
_ لأ .. أنا هروح مع أختي في تاكسي .
وذهبت من أمامه ورمقها حازم بنظرة ماكرة حتى تسحبت ابتسامة على شفتيه وقال بخفوت:
_ عنيها مليانة خبث وخبائث البت دي ..
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
وبعد مضي ساعتين تقريبّا .. كان أشهد جالسا في مكتب منزله في حيرة من أمره وبعض الضيق .. حتى قال حازم بتعجب :
_ مش فاهمة دبست نفسك ليه في جوازة بدل خطوبة ومزيفة كمان ؟ … هي دلوقتي فاهمة إنك وقعت فيها وعايز تتجوزها بجد و ده مش حقيقي يا أشهد .. !
تنفس أشهد بضيق شديد وقال بعصبية :
_ مش عارف ده حصل أزاي ؟! … وليه عرضت عليها الجواز ؟ .. بس كلامها خلاني عايز أطمنها بأي شكل .. لاول مرة أحس أني اتسرعت بشكل غبي ! .
فسر حازم الأمر وقال بأسف :
_ أنت حسيت بالشفقة والتعاطف .. ومافيش حل قدامك غير إنك تجاري الأمور وتتخطبوا .. وبعدين ممكن تفركش وقت ما تحب لأي سبب تشوفه مناسب ..
قال أشهد بضيق شديد :
_ مش حابب أوجعها أو اسببلها أي أذى نفسي .. هي فعلًا ما تستحقش كده، كنت مخطط أني هعرض عليها صفقة ويا قبلت يا رفضت .. لكن مش حابب أبدًا إني أخدعها !.
وسأله حازم بتعجب :
_ مع أن اللي يشوف نظرتك ليها مايقولش غير إنك على الأقل معجب بيها… طب ما تدي لنفسك فرصة يا أشهد .. فرصة بجد ، مش يمكن ؟
نظر له أشهد بحدة وغضب وهتف:
_ أنا مش عايز أتجوز .. ومش بحب اتكلم في الموضوع ده وأنت عارف .. وبخصوص البنت أنا للأسف مضطر أكمل .. معنديش وقت أضيعه أكتر من كده .. وهعوضها.
سأله حازم بتعجب :
_ هتعوضها أزاي ؟
أخرج أشهد دفتر شيكاته ورماه على المكتب قائلًا بنظرة ساخرة :
_ مبلغ محترم هينسيها أي وجع … كلهم كده ،بينسوا أي حاجة قدام الفلوس.
وتتفس أشهد بقوة وقد أتخذ قراره :
_ من بكرا هبدأ أجهزها لمقابلة أمي … ماينفعش يتقابلوا كده.
سأله حازم للمرة الأخيرة:
_ ليه مش فاهم ؟
رد أشهد بسخرية وقال :
_ لو على قد أمي لوحدها كانت الأمور هتمشي … لكن ما تنساش العقارب اللي معاها وقاعدين هنا اليومين دول … أنا مش هقبل أن خطيبتي تبقى أقل من أي حد في أي شيء .. أو حد يضايقها بكلمتين لمجرد إنها بسيطة ..
غمز حازم وقال بمكر :
_ خايف عليها للدرجادي ؟!
نظر أشهد نظرة نارية لشقيقه فأعتدل حازم بحديثه وقال موافقا :
_ اللي تشوفه .

يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية كسرة وضمة وسكون)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *