روايات

رواية أحببتها ولكن 7 الفصل التاسع والثلاثون 39 بقلم بيسو وليد

رواية أحببتها ولكن 7 الفصل التاسع والثلاثون 39 بقلم بيسو وليد

رواية أحببتها ولكن 7 البارت التاسع والثلاثون

رواية أحببتها ولكن 7 الجزء التاسع والثلاثون

رواية أحببتها ولكن 7 الحلقة التاسعة والثلاثون

كانوا جميعهم يجلسون كل واحدٍ مِنهم منشغـ ـلٌ في شيءٍ معين غير الآخر، بينما كان “يـزيد” جالسًا وينظر إلى شاشة حاسوبه بهدوءٍ كالمعتاد، نظر “حُـذيفة” إليه بعد أن خرج مِن غرفة “عـبد الله” يُفكر بهِ، فبعد أن رأى الأمر يخرج عن السيـ ـطرة مِنهُ وبدأ أخيه يدلف رويدًا رويدًا إلى دائرة الضيـ ـاع قرر أن يحا’دث والده ويخبره ما حد’ث حتى يستطيع لحا’ق الأمر
زفـ ـر بهدوءٍ ونهض مِن مجلسه وأقترب مِنهُ بخطى هادئة وجلس بجواره قائلًا بنبرةٍ هادئة:بقولك إيه، انا كلمت بابا وعرّفته كل حاجه
نظر إليه “يـزيد” نظرةٍ ذات معنى وقال بنبرةٍ هادئة:وإيه اللي حصل
«طبعًا أضا’يق وأتعـ ـصب عليا عشان خبـ ـيت عليه الموضوع، بس فد’اك يعني شويه وهيكلمني» نطق بها “حُـذيفة” بنبرةٍ هادئة ليبتسم إليه “يـزيد” ويقول:حـ ـقك عليا، انا السـ ـبب
«بس يـاض، إحنا أخوات، تميـ ـل عليا حبة وتميـ ـل عليك حبة، وأهو أهم حاجه نشيـ ـل بعض، المهم “بابا” هيتصرف هو دلوقتي بيكلم معارفه وهنشوف الدنيا هتوصل بينا لفين، أهم حاجه مش عايزك ز’علان كدا، طب “روان” تقول إيه دلوقتي أتضحك عليا وخدت واحد نكـ ـد الدنيا كله فيه، فـ ـكها يا عم وأضحك كدا مخدتش عليك ز’علان» نطق بها “حُـذيفة” محاولًا تخـ ـفيف العـ ـبء عن أخيه الذي أصبح حز’ينًا في الآونة الأخيرة
نظر إليه “يـزيد” ثم أبتسم أبتسامةٍ خفيفة وقال:أحضني يا “حُـذيفة”، حضنك بيحسسني بالأ’مان
ابتسم إليه “حُـذيفة” وحاوطه بذراعه ضاممًا إياه إلى د’فء أحضانه، بادله “يـزيد” عناقه ووضع رأسه على كتفه يستشعر الأ’مان في أحضان هذا الحنون، لثم “حُـذيفة” رأسه بـ قْبّلة حنونة محاولًا بث الأ’مان إلى فؤاده بأية طريقة
تعا’لى رنين جرس القصر الد’اخلي يعلنهم عن زائرٍ في الخارج، خرجت الخادمة وأقتربت مِن الباب الذي فتحته في لحظتها لترى “شـ ـرطي” أمامها يقول بنبرةٍ جادة:يزيد عبد الله الدمنهوري موجود
«أيوه يا بيه موجود، خير» نطقت بها الخادمة وقد بدأ الخو’ف يتسـ ـلل قلبها ليقول الآخر:معانا أمـ ـر مِن النيا’بة بالقـ ـبض عليه
«يـا مـصـ ـيـبـتي!» نطقت بها الخادمة “زيـنب” التي ضـ ـربت بـ كفها على صـ ـدرها في حركة تلقائية معتادة عند وقو’ع كا’رثةٍ، ركضت إلى الداخل وهي تقوم بالمناداةِ على “حُـذيفة” و “عـبد الله” ومعالم الخو’ف والهـ ـلع باديان على معالم وجهها
نهض “حُـذيفة” ومعه “يـزيد” عندما رأوها بهذه الحالة ومعالم التعجب بادية على وجهيهما، خرج “عـبد الله” في هذه اللحظة مِن مكتب والده وأقترب مِن مو’قعهم حيثُ وقفت “زيـنب” أخيرًا تلتـ ـقط أنفاسها الضا’ئعة
«في إيه يا “دادة” جايه بتجـ ـري كدا ليه إيه اللي حصل؟» نطق بها “حُـذيفة” وهو ينظر إليها بعد أن توقـ ـف “عـبد الله” بجواره ينتظر سماع ما حد’ث، أز’دردت “زيـنب” لعابها وتحدثت بنبرةٍ لا’هثة وقالت:
«في “ظـا’بط” بره جاي وبيقول إنه جاي يقـ ـبض على الأستاذ “يـزيد”»
«نـعـم!» صا’ح بها “حُـذيفة” مستنكرًا ما تلقـ ـطه أذناه منذ لحظات، بينما تجمـ ـدت الد’ماء في أو’ردة “يـزيد” الذي جـ ـف حلـ ـقُه بشكلٍ ملحوظ وبهـ ـتت معالم وجهه وتمـ ـلّك الخو’ف مِن فؤاده، وعلى الجهة الأخرى كان “عـبد الله” مصـ ـدومًا لا يصدق ما أستمع إليه
تحرك مسرعًا تجاه الباب تاركًا ولديه خلفه واحدٍ مصـ ـدومًا والآخر مر’عوبًا، تحركت “زيـنب” نحو رب عملها تخبره ما حد’ث وهي تر’دد «يا ستير يارب، يا ستير يارب»، ألتفت “حُـذيفة” ينظر إلى أخيه الذي كان يشعر بالضـ ـياع ليضع كفيه على ذراعيه وهو يُحر’كه برفقٍ كي يستـ ـفيق مِمَّ هو عليه مِن تخبـ ـطٍ وضيا’ع
«”يـزيد”، انا مش هسـ ـمح إن أي حدّ ياخدك مِني، “يـزيد” أنتَ ابني قبل ما تكون أخويا الصغير يعني انا اللي مِرَ’بيك وعارفك كويس أوي، أوعى تستـ ـسلم يا “يـزيد” أخوك جنبك، أنتَ بـ ـريء وربنا عارف إنك مظلـ ـوم وعشان عارف إنك مظلـ ـوم هيوقف جنبك وهير’دّلك حـ ـقك ويكشـ ـف الظا’لم، أ’هدى يا حبيبي انا جنبك، طول ما انا جنبك مش عايزك تخا’ف»
نطق بهذه العبارات “حُـذيفة” الذي كان يُحاول طمـ ـئنة أخيه الذي كان يشعر أن العالم أسوّ’د مِن حوله وحتما قد ضا’ع وضا’عت كل أحلامه التي كان يخـ ـطط إليها مؤ’خرًا، نظر إليه وألتمعت العبرات داخل ملـ ـقتيه وهو يشعر أنه قد ضا’ع حقًا، تفهم “حُـذيفة” ما يشعر بهِ أخيه ولذلك ضمه إلى أحضانه ممسّدًا على ظهره برفقٍ محاولًا طمـ ـئنته بأية طريقة، بينما تشـ ـبث بهِ أخيه يُحاول أستـ ـشعار الأ’مان في د’فء أحضانه التي كانت دومًا ملجـ ـأه الأ’من
«خير إن شاء الله؟» نطق بها “عـبد الله” الذي وقف بكل شمو’خٍ أمام الضا’بط الذي نظـ ـف حلـ ـقُه وحاول إيصال ما جاء لأجله قائلًا:
«انا آسف يا فندم، بس دا شُغـ ـلي وحضرتك عارف، معايا أمـ ـر مِن النيا’بة بالقبـ ـض على ابن حضرتك»
نعم يعلم أن هذه طبيعة عملهم وفي الأخير سيخـ ـضع إلى مطـ ـلبه فـ لا شيء يعلـ ـو فوق القا’نون، زفـ ـر “عـبد الله” بعمـ ـقٍ وألتفت خلفه ليرى والده يقترب مِنهُ وعلى وجهه إمارات القلـ ـق والتو’تر
«في إيه يا “عـبد الله” إيه اللي “زيـنب” قالتهولي دا؟» نطق “ليل” بهذه العبارة وهو ينظر إلى ولده الذي كان يقف أمامه ويظهر التخـ ـبط والحيـ ـرة على معالم وجهه، ثم نقـ ـل بعدها بصره إلى الضا’بط الذي كان يقف خلف “عـبد الله” وهو يُحاول فهم ما حد’ث حتى يعتقـ ـلوه، كيف لـ حفيده أن يدخل إلى السجـ ـن محاوطًا بـ أربعة جد’ران؟
_______________________
«”قد أميلُ إلى ملاذات الحياة أجمع، ولَكِنّني أهوىٰ إلى ذو الحوافر الرنانة”»
ليست كل البشرية تهوىٰ إمتطـ ـاء الخيول، وليسوا جميعهم مِن أحبائهم، ولَكِنّ هُناك مَن يهواهم ويهيـ ـمن بـ إمتطـ ـاءهم، يعشـ ـق كل تفصيلة بهم، لربما أعينهم الجذابة، أو رشا’قة أجسا’دهم القو’ية، وكأنهم أبطا’لٌ خار’قون فور ظهورهم في سا’حة المعر’كة تلتمـ ـع الأعين وتتعا’لى الصيـ ـحات المشجـ ـعة، كيف لي أن أكُفَ عن عشـ ـقي إليكَ أيها المخلـ ـوق السا’حر وانا أول العا’شقين إليكَ
توجه إلى مقصـ ـورة حصانه العزيز الذي تعا’لى صهيله عا’ليًا فور رؤية صاحبه أمامه، أبتسم هو إليه ومَد يده إليه حيثُ يفـ ـصل بينهما باب غرفته الخشبي الذي كان يخـ ـفي نصف جـ ـسد الحصان في الداخل مظهرًا رأسه فقط، مسّد على وجهه الناعم ليصدر الآخر صوت صهيل خفيف مستمتعًا بـ لمـ ـسات صاحبه الحنونة
قام “ليل” بفتح الباب إليه ممسكًا بـ لجا’مه سا’حبًا إياه إلى الخارج، ألتمع جـ ـسده أسـ ـفل ضوء القمر وأضواء المكان حوله فـ كانت المزرعة كبيـ ـرة لـ الغاية وواسعة ومزينة بطريقةٍ سا’حرة تجـ ـذب أنظار مَن بها وكأنها الجنة، أمتـ ـطى “ليل” حصانه “ڤيكتور” بكل مهارة وسهولة فـ هذا الشا’ب عا’شقًا إليهم منذ الصغر كيف لا يستطيع إمتطـ ـاءهم
سحـ ـبه إلى تلك الساحة الكبـ ـيرة المخصصة إليهم في السبا’قات وهو يحد’ثه بنبرةٍ هادئة قائلًا:
«شوف بقى يا معلم، انا جايلك وانا جوايا كمية طا’قة سلـ ـبية محتاجه تطلـ ـع، فـ هتخليها يا معلم تطـ ـلع بما يرضي الله ولا هتز’علني؟»
قام “ڤيكتور” بالنظر إلى رفيقه الحبيب وأصدر صوت صهيلٍ خفـ ـيفٍ وكأنه يخبره أنه سيعود إلى دياره سعيدًا، أبتسم “ليل” وطبع قْبّلة على وجهه ممسّدًا عليه برفقٍ قائلًا:
«كدا انا أحبّك أكتر يا “ڤيكتور”، وعشان انا بحبّك هخلّي عم “زاهـر” يزودلك الجزر»
صدر صوت صهيلٌ خفـ ـيف مِن “ڤيكتور” وكأنه يعتـ ـرض على ما تفوه بهِ صاحبه العزيز الآن ليجعل “ليل” يبتسم برفقٍ ويقول:
«خلاص يا عم متز’علش أوي كدا، بلا’ها جزر هخلّيه يحطلك تفاح»
باتت السعادة بادية على “ڤيكتور” الذي وقف بشمو’خٍ مستعـ ـرضًا نفسه أمام صاحبه وكأنه يخبره أن كلمته هي التي كانت مسموعة هذه المرة وليس هو، مِمَّ جعل “ليل” يضحك بخفةٍ على أفعال هذا الشـ ـقي الذي أحبّه منذ أن كان مهـ ـرًا صغيرًا حتى قام برعا’يته وأصبح حصانٌ قو’يٌ شا’مخًا كـ صاحبه
نظر إليه “ليل” يتفحصه بنظرةٍ شا’ملة ليبتسم بعد لحظاتٍ قليلة برضا، كان “ڤيكتور” وسيمًا مَن يراه يقـ ـع في حبّه إليه، كيف لا تُحبّه وهذا الشامـ ـخ والو’قور صاحب ثلاث مراكز ذهبية في سبا’ق الخيول العربية الأصيلة، “ڤيكتور” خيلٌ عربيٌ أصيل، جسـ ـده قو’ي وممشو’ق يتمتـ ـع بالسو’اد الحا’لك ينا’فس الليلُ في ظـ ـلمته، خصلاته طو’يلة وناعمة، حو’افره قو’يه فقط عندما يسير ترن في أركان المكان فماذا يحدث عندما يركض، يمـ ـلُّك عينان سو’داو’تين جميلتين يزينهما أهـ ـدابه السو’د’اء الطو’يلة والجميلة، حقًا كان أجمل الخيول العربية الأصيلة
صعـ ـد “ليل” بخفةٍ يجلس على ظهره دون أن يرتدي أية در’وعٍ حا’مية في حا’لة فقـ ـدانه في السيـ ـطرة عليه، تركه وسَلَـ ـمَ نفسه إليه وهو يثق بهِ ثقة عميـ ـاء، طبع قْبّلة على عنقه وربت عليها برفقٍ ليفهم الآخر ما يوّده سيده وينطـ ـلق في الهواء الطلـ ـق، صوت حو’افره ير’ن في أر’ضية المكان جاعلةً الآخر يغمض عينيه ويستمتع بهذه اللحظات التي أصبح يحظى بها قليلًا في الآونة الأخيرة
وكلما مَرَ الوقتُ أشتـ ـدت سرعة “ڤيكتور” في الركض، مَن مِنهما بداخله ضجـ ـيجٌ يتمنى التخلـ ـص مِنهُ، وكأن معا’ناة “ليل” قد أنطلـ ـقت إلى “ڤيكتور” الذي كان يركض بسرعةٍ كبيـ ـرة يصا’رع سرعة الهواء ويتحـ ـدى ظُلُـ ـمات الليل وكأنه يخبرها قائلًا:
«مهما ساد ظلا’مُكَ أيُها الليلُ لَن تَستطيعَ منا’فستي في سو”ادي اللامع الذي يَخـ ـطفُ أنفا’سَ الإناس حولي، حتى وإن توسط القمر السماء السو’د’اء وتزينت النجوم الملتمـ ـعة بها، فسأظلُ أنا الأول في خَطـ ـفِ الأنظار»
شعر “ليل” فجأة بإنقبا’ضة قلبه التي تملّـ ـكت مِنهُ دون سا’بق إنذ’ار وكأنها تخبره ثمة أحدّ أحبا’ئكَ في مأ’زقٍ الآن، شعر بإهتـ ـزاز هاتفه داخل جَيبُ بنطاله لذلك أمسك بـ لجا’م “ڤيكتور” بيده اليسرى وأخرج هاتفه بالأخرى ليرى أسم “حُـذيفة” يزين شاشة هاتفه
أستطاع إيقا’ف “ڤيكتور” الذي هـ ـدأت سر’عته رويدًا رويدًا حتى توقف تمامًا، أجابه “ليل” ووضع الهاتف على أذنه قائلًا بنبرةٍ لا’هثة:
«أيوه يا “حُـذيفة”»
أتاه صوت “حُـذيفة” الذي أجابه بنبرةٍ مضطـ ـربة قائلًا:
«”ليل” أيًا كان اللي بتعمله دلوقتي سيـ ـبُه وتعالى القسـ ـم بسرعة»
عقد “ليل” المسافة بين حاجبيه متعجبًا ما سمعه منذ لحظات وفي هذا الوقت المتأ’خر، أجابه بنبرةٍ متعجبة قائلًا:
«قسـ ـم إيه يا ابني اللي أجيلك عنده الساعة واحدة بليل!»
«”ليل” انا معنديش خُلـ ـق ولا أعصا’ب، “يـزيد” مقبـ ـوض عليه»
«نـعـم!» نطق بها “ليل” بعد أن أستمع إلى عبارة “ابن خاله” تلك مستنكرًا وبشـ ـدة ما تلقـ ـطه أذناه، وكأن الليلة هي ليلة فريدة مِن نوعها بالنسبة إليهم.
______________________
«”الظُـ ـلمُ قائمٌ والإنكـ ـارُ يتزين في هيئة البراءة، وكأن العالم أجمع أصبح يُنـ ـكرُ الحَـ ـقَ ويقـ ـف مع الباطـ ـلُ”»
أي نوعٍ تعلم عن الأ’ذىٰ، الجسـ ـماني، النفـ ـسي، المعنو’ي، جميعهم يتمتـ ـعون بشهرةٍ لا بأ’س بها، ولَكِن هل فكرت في الأذ’ىٰ الرو’حي، أن تكون رو’حك معـ ـذبة ومر’تشفة مِن الظـ ـلمُ ما يكفيها لسنواتٍ عِدة، مَن قال أن الر’حمة بداخله وصدق حد’ثه، مَن قال أنا ذو مسئو’ليةٍ ونجح، مَن قال أنه سو’ي نفسـ ـيًا وفشـ ـل، جميعها أقاويل نستطيع قولها مرارًا وتكرارًا ولَكِنّ أين فعـ ـلك يا هذا؟
تقـ ـف خلف أخيها تحتـ ـمي بهِ وكأنه الوحيد الدر’ع الحا’مي لها في هذا المكان الذي كان أشبه بـ بيتُ الرُ’عب في منظورها، كان زوجها ينظر إليها بنظراتٍ جا’دة ينتظر سماع ما ستقوله وبجوارها أخيها الذي حاوطها بذراعه الأيسر ضاممًا إياها داخل أحضانه كي تطمـ ـئن وتسرد ما حد’ث
[عودة إلى عدة ساعات مضت]
كانت “كـاترين” تقف في المطبخ تقوم بإعداد الطعام إلى صغيرها الذي كان يجلس في الخارج أمام التلفاز يشاهد الفيلم الكرتوني المحبب إليه والأبتسامة تزين ثغره، صد’ح رنين جرس المنزل يعلنهما عن زائرٍ في الخارج ومِن بعدها تعا’لت الطرقات باب المنزل بشكلٍ عنـ ـيف وصد’ح صوته الغا’ضب يأ’مرها بفتح الباب
أنتفـ ـض الصغير في جلسته وهو ينظر إلى الباب بخو’فٍ وصا’ح عا’ليًا بهـ ـلعٍ وهو ينادي على والدته التي خرجت بخطى سريعة ليركض إليها يخـ ـتبئ خلفها يحـ ـتمي بها، نظرت هي إلى الباب بعد أن ضمت صغيرها إليها وشعرت بالخو’ف فهذه ليست المرة الأولى فعندما يسافـ ـر زوجها إلى عمله ينتهـ ـز هذا الحقـ ـير الفرصة ويبدأ في تعذ’يبها هي وصغيرها متلذذًا بسماع صر’خاتهما المتأ’لمة بأستمرارٍ
«واللهِ لو ما مشيت يا “چـون” لـ أكون متصلة بـ “بـيشوي” قايلاله كل حاجه» نطقت بها “كـاترين” بنبرةٍ مر’تجفة وهي تضم صغيرها إلى داخل أحضانها، وما تلقـ ـطه هو العنـ ـف والغضـ ـب الشـ ـديد، سقـ ـطت دموع الصغير وهو يتشـ ـبث بوالدته أكثر وبصره مثبـ ـت على باب المنزل، دقائق معدودة كانت بهم عاجـ ـزة عن فعل شيءٍ فإن صر’خت وطلبت يد المعو’نة لن ينجـ ـدها أحدٌ كالعادة ولذلك سلمـ ـت مصيرها وأنتظرت ما ينتظرها على يـ ـديه
وبالفعل أستطاع “چـون” كـ ـسر الباب وبدون مقدمات كان يجـ ـذبها بعنـ ـفٍ كبير مِن خصلا’تها السو’د’اء الطو’يلة جعلها تصر’خ بكل قو’تها متأ’لمة، أكمل “چـون” ما يفعله بها دون شفـ ـقة وكأنه لا يُهـ ـين زوجة أخيه الكبير الذي أستأ’منه على بيته في غيا’به، نظر “جـرجس” إلى عمه بغضـ ـبٍ شـ ـديدٍ وهو يرى والدته تتلـ ـقىٰ الضـ ـربات العنـ ـيفة دون ر’حمة ولذلك لَم يُفكر مرتين واقترب مِن عمه يُحاول دفـ ـعه وحما’ية والدته مِن شـ ـره
سـ ـدد إليه بعض الضـ ـربات الخفـ ـيفة كونه طفلٌ صغيرٌ، رمـ ـقه “چـون” نظرةٍ حا’قدة ود’فعه بقو’ةٍ أسقـ ـط الصغير على الأرض ولَم يكتفي بذلك بل ترك “كـاترين” واقترب مِنهُ يبر’حه ضـ ـربًا مثلما فعل مع “كـاترين”، بدأ الصغير يصر’خ ألـ ـمًا وهو منكمـ ـشًا على نفسه يتلـ ـقىٰ ضـ ـربات “عمه” العنيـ ـفة والقا’سية، دلفت “لارا” زوجة “چـون” لترى هذا المشهد بتشـ ـفٍ لتثـ ـني أكمام ساعديها وتتولى المهمـ ـة مِن زوجها وتبدأ في إبرا’ح تلك المسـ ـكينة ضـ ـربًا
كانت أصوات صر’خاتها وصر’خات الصغير تُعبر عن مد’ىٰ ألمهـ ـما ومعـ ـاناتهما، هذا يضـ ـرب الصغير دون ر’حمةٍ أو ذرة تفكـ ـير وهذه تسـ ـدد الضـ ـربات المتشـ ـفية إلى تلك المسـ ـكينة، وقف “يـوحنا” الذي مِن المفترض الأب الثاني إليها على أعتاب منزل ولده يشاهد زوجته وأبنة أخيه الر’احل تتلقـ ـىٰ هذا العـ ـذاب على أياديهم دون أن يتدخل، هذا الرجُـ ـل الذي أستأ’منه ولده على عقر داره ظنًا مِنهُ أنه سيحمـ ـيها، لا يعلم أن والده شـ ـريك في هذه المهز’لة
رأى “كـاترين” أخيرًا تدا’فع عن نفسها وتد’فع “لارا” بعيـ ـدًا عنها وتنهض لا’هثة تنظر إلى “چـون” الذي كان مازال مستمرًا في إبرا’ح صغيرها البر’يء ضـ ـربًا، غلـ ـى الد’م داخل أورد’تها وأرتفعـ ـت حر’ارة جسـ ـدها مِمَّ جعلها تأخذ عصـ ـا خشـ ـبية متوسطة الحجم كانت قد جـ ـلبتها مؤ’خرًا للد’فاع عن نفسها، وبدون تر’دد كانت تسقـ ـطها على ظهره بكل قو’تها وغضـ ـبها، تعا’لت صيـ ـحات “چـون” الذي أبتعـ ـد عن “جـرجس” متأ’لمًا، أبتعـ ـدت “كـاترين” عنه تنظر إليه بغضـ ـبٍ جـ ـام وتلـ ـهث بقو’ةٍ كبيرة
شعرت بـ التي تكبـ ـل حركتها مِن الخلف وقد أز’داد حقـ ـدها تجاهه أكثر مِن زي قبل، ألتفت “چـون” إليها ير’مقها بنظرةٍ قا’تلة ليرى زوجته تكبـ ـل حركتها والأخرى تنظر إليه بحـ ـقدٍ د’فينٍ، كانت الجر’وح والكد’ما’ت تعتلـ ـي وجهها الجميل وشعرها مبعـ ـثر وكذلك ثيابها، أقترب مِنها بخطى هادئة تعكـ ـس ما يدور داخله أسفـ ـل نظراتها الغا’ضبة والثا’ئرة، رمـ ـقت صغيرها الذي كان يـ ـئن بنبرةِ مكتو’مة والعلا’مات البنفسـ ـجية والجر’وح تعتـ ـلي ذراعيه ووجهه، أز’داد عنـ ـفها وتعا’لت وتيرة أنفاسها تُعبر عن هذا الإعصـ ـار الذي يستعد لإطا’حة ما يقابله في طريقه دون تفكير
وقف “چـون” أمامها يرمـ ـقها بنظرةٍ تحمل في طا’ياتها الكثير والكثير، رمـ ـقته أخرى أكثر شـ ـراسة وأكثر عنـ ـفًا، بصـ ـقت بوجهه لتتحدث بنبرةٍ غا’ضبة ومبحو’حة بسـ ـبب صرا’خها المتواصل قائلة:
«دي أقـ ـل حاجه أقدمها لواحد زبا’لة زيك يا زبا’لة، أنتَ فاكر نفسك كدا راجـ ـل، لو دا مفهومك عن الرجـ ـولة فأحب أقولك روح لراجـ ـل يفهمك يعني إيه رجـ ـولة عشان معد’ومة عندك»
أسكتتها صـ ـفعة قو’ية مِنهُ جعلتها تصر’خ بسـ ـبب قو’تها ولشعورها حينها أن نصفها الأيمن قد شُـ ـل بفضل صفـ ـعته، تلقـ ـط صفـ ـعة أخرى أكثر قو’ة ويليها أخرى وكأنه فقـ ـد و’عيه عند هذه اللحظة ولَم يرىٰ سوىٰ أنتقا’مه وأستـ ـرداد كرا’مته التي دهـ ـستها هي بقد’مها أر’ضًا، ليلقـ ـنها درسًا قا’سيًا على أقاويلها التي تخرج دون هو’ادة
جـ ـذبها بعنـ ـفٍ أكبر مِن خصلا’تها بعد أن أسقـ ـطها أر’ضًا وبدأ يتحرك مِن المكان وهي أر’ضًا تصر’خ بنبرةٍ مبحو’حة، نزل در’جات السُلَّم بكل برود وهو مازال ممكسًا بخصلا’تها أسفـ ـل أنظار الجميع ولَم يرعى أنها زوجة أخيه ولكونها في الأخير فـ ـتاة، خرج بها مِن محـ ـيط المنزل وسط أبناء شارعهم وألقا’ها بكل قو’ته أر’ضًا صار’خًا بها قائلًا:
«دا مكانك الأ’صلي يا زبا’لة، دا أصلـ ـكم يا ولاد “مـلاك”، روحي يلا يا بـ ـت أشتكـ ـيلي دا لو عندك راجـ ـل، نَسَـ ـب يعـ ـر»
خرجت “لارا” وهي تُمسك الصغير مِن تلا’بيبه الذي كان يسـ ـقط على الأرض بين الفينة والأخرى ولَم ترعى هي أنه طفلٌ بر’يء مِن المفترض أنه حفيد هذه العائلة، د’فعته بعنـ ـفٍ نحوها ليسـ ـقط الصغير بقو’ة أر’ضًا بجوارها، نهضت “كـاترين” بو’هن وهي تجـ ـذب صغيرها داخل أحضانها تحـ ـميه مِن شـ ـرهم وهي تنظر لهما برو’حٍ ميـ ـتة لا حياة لها
«لو رجلك عـ ـتبت عتبة البيت دا تاني هقطـ ـعهالك وروحي أشتـ ـكي لراجـ ـلك حلو أوي يا حلوة، وقوليله لو دكـ ـر يقرب ساعتها هيتقـ ـطع، عيلة قذ’رة» نطقت بها “لارا” بعـ ـلو صوتها وبكل تبـ ـجح ووقا’حة وكأنها صاحبة هذا المنزل، أنهـ ـت حديثها وبصـ ـقت عليها ثم تركتها ودلفت إلى البِنْاية مرةٍ أخرى وخلفها “چـون” الذي رمـ ـقها نظرة وعـ ـيد قبل أن يختـ ـفي مِن أمامها، سقـ ـطت دموع “كـاترين” وهي تشعر بالإ’هانة والضـ ـعف وسط الجميع خصيصًا بعد أن رأت نظرات الشفـ ـقة والحز’ن تحو’مها، ضمت صغيرها أكثر وكأنها تحتـ ـمي بهِ وتبكي
[عودة إلى الحاضر]
غلـ ـى الد’م بأو’ردته وأر’تفع الأدرينا’لين في جـ ـسده بعد أن أستمعوا إليها، بينما “مـينا” كان لا يقـ ـل عنه شيئًا بل تو’عد بداخله إلى أن ير’دّ الصا’عين مئة وليس أثنين، لقد تجـ ـرؤ وقاموا بالتطا’ول عليها وعلى طفلها المسـ ـكين الذي كان يرى والدته تتعـ ـذب أمامه وهو ضعـ ـيفٌ حتى في الد’فاع عنها، ألتفت “بـيشوي” بجـ ـسده إلى أخيه الذي كانت بشرته شا’حبةٍ وبشـ ـدة والخو’ف هو عنوانًا صر’يحًا إليه
ضم “مـينا” شقيقته إلى أحضانه ممسّدا على ظهرها برفقٍ بعد أن رأها تبكي وهو يقسم على إحرا’ق كل مَن كانت لهُ الفرصة في إيذ’اءها، رمـ ـق “بـيشوي” أبيه “يـوحنا” نظرةٍ كالسها’م الحا’دة جعله يخـ ـفض رأسه أر’ضًا بعد أن رأى أنه لا يقـ ـدر على نظرته إليه، وجه نظره إلى زوجة أخيه “لارا” نظرةٍ قا’تلة تكمُن خلفها جر’ائمه السو’د’اء
«تعالى يا “جـرجس”» نطق بها “بـيشوي” بنبرةٍ هادئة عكـ ـس ما يدور بداخله وهو ينظر إلى “جـون” متحفظًا بنظراته القا’تلة، شعر الصغير بالخو’ف ليسمع “بـيشوي” يقول مرةٍ أخرى:
«تعالى متخا’فش، محدش هيعملك حاجه انا معاك»
نظر الصغير إلى خاله الذي حرك أهـ ـدابه برفقٍ يحسه على الذهاب وعندما رأى تلك النظرة التحفيـ ـزية با’در واقترب مِن أباه بخطى هادئة حتى وقف بجواره، نظر إليه “بـيشوي” بهدوء ثم جلس القرفصاء أمامه يرى وجه صغيره الملـ ـيء بالجر’وح والكد’ما’ت يطالعه نظرةٍ مليـ ـئةٍ بالإنكـ ـسار والحز’ن، حاوط وجهه الصغير بـ كفيه الدافئين ثم لثم جبينه بـ قْبّلة حنونة وجاهـ ـد في الإبتسام إليه، يكفيه ما رآه لا يريد إيذ’اءه أكثر مِن ذلك
قام بنـ ـزع قميص الصغير الذي كان يرتديه أمام أعين الجميع ليستقيم مرةٍ أخرى يشير نحوه وهو ينظر إلى الذي مِن المفترض أن يكون أخيه ووجه حديثه إليه قائلًا بنبرةٍ محـ ـملة بالغـ ـضب:
«انا سلّـ ـمتك أبني بالمنظر دا؟، ردّ انا سلّـ ـمتك أبني متشو’ه كدا، أدتهولك كدا، دي الأما’نه اللي سيبتهالك عشان تخـ ـلّي بالك مِنها فـ غيا’بي، ليه أديك أبني بيضحك وأخده مِنك كا’ره الحياة والدمعة فـ عينيه، عملك إيه عشان خاطر تعمل فيه كدا، دا طفل، طفل يا عد’يم الإنسا’نية، ليه طفل عنده سبع سنين يتشـ ـخص أكتئـ ـاب، ليه يا “چـون”، ليه يا بني آدم ليه، وأكلمك أتطـ ـمن عليهم تقولي زَّي الفُل يا “بـيشوي” متخا’فش يا “بـيشوي” مش حا’رمه مِن حاجه يا “بـيشوي”، كان قاصدك مش حا’رمه مِن الضـ ـرب، نسيت تقولي وقت ما أمّـ ـنتك على مراتي وأبني إنك مـ ـريض، سا’دي، أفرض ما’ت مِنك، كُنْت هتقولي إيه ساعتها، ها كُنْت هتقولي إيه يا مـ ـريض، بعا’قبه وما’ت، كُنْت هتعمل إيه، حرام عليك يا أخي لمَ ألاقي أبني بالمنـ ـظر دا، قلبي وجـ ـعني، قلبك أنتَ كمان مو’جعكش، حرام عليك يا “چـون”، حرام، حرام، حــرام»
أنهـ ـى حديثه وهو يصر’خ بالأخيرة ويقوم بصـ ـفعه بكل قو’ته حتى د’وىٰ صوت صفـ ـعته المكان أكلمه، وتعا’لت وتيـ ـرة أنفاسه وازد’اد غضـ ـبه وعنـ ـفوانه، ومع هذا أرتفـ ـعت حـ ـرارة جـ ـسده، كان مصـ ـدومًا، مد’هوشًا، لقد قام أخيه بصفـ ـعه وأمام الجميع دون ذرة تفكير، نظر إليه “چـون” بعد أن أعتدل في وقفته يرمـ ـقه بذ’هولٍ ليرى الإبتسامة تزين ثغـ ـر أخيه وكأنه لَم يفعل شيءٍ
«متتصـ ـدمش أوي كدا، آه جالي قلـ ـب أعملها وهيجيلي قلـ ـب أعمل الأكتر مِن كدا كمان، طالما اللي يخـ ـصني أتأ’ذىٰ كدا يبقى انا كدا مش هسـ ـمي على حدّ مهما كان مين هو» نطق بها “بـيشوي” بنبرةٍ حا’دة وهو ينظر إليه فهذا ليس شيئًا بالنسبة إليه
«خُد “جـرجـس” يا “كـيرلس” واخـ ـفى» نطق بها “بـيشوي” وقد تبدلت معالم وجهه في لمـ ـح البصر ليتفهم الآخر مغـ ـزى حديثه ثم بدأ يتقدم مِنهُ بخطى هادئة، أنحـ ـنى بنصفه العلـ ـوي حاملًا “جـرجس” على ذراعه بهدوءٍ ثم لثم وجنته الصغيرة بـ قْبّلة هادئة
«تيجي نروح مشوار سوىٰ؟» نطق بها “كـيرلس” متسائلًا لينظر الصغير إلى والده وكأنه ينتظر موافقته، وحقًا تلقـ ـىٰ الإجابة مِنهُ حينما سمعه يقول بنبرةٍ حاول جعلها هادئةٍ قد’ر المسـ ـتطاع:
«روح يا حبيبي معاه»
أبتسم “جـرجس” ونظر إلى “كـيرلس” الذي أبتسم إليه كذلك وقال مبتسمًا:
«يلا بينا يا بطـ ـل الأبطا’ل هنطلع مشوار هيعجبك مِن الآخر»
تحرك “كـيرلس” بالفعل بعد أن أنهـ ـى حديثه إلى الخارج أسفـ ـل أنظار “مـينا” الذي أ’لمه قلبه على الصغير، توجهت جميع الأنظار إلى “بـيشوي” الذي جـ ـذب “چـون” فجأة بعنـ ـفٍ واضح وأسقـ ـطه أرضًا، أقترب مِنهُ بخـ ـطى هادئة كثيرًا دبـ ـت الر’عب في فؤاد الآخر الذي كان ينظر إليه بحـ ـذرٍ شـ ـديدٍ وتر’قبٍ واضح، وقـ ـع بصره على زوجته التي كانت تحـ ـتمي في أحضان أخيها وغلـ ـى الد’م بعر’وقه أكثر ليبا’غتهم جميعهم على حين غرة ور’كله بعنـ ـفٍ شـ ـديدٍ في معـ ـدته جعل الآخر يصـ ـيح عا’ليًا متأ’لمًا
نظر إليه “بـيشوي” ليرى تقا’سيم وجهه المتأ’لمة أمام أعينه، وقد تذكَر زوجته وطفله حينما كانا يتلقيان الضـ ـربات وتتعا’لى صر’خاتهما معًا أ’لمًا، نعم لَم يكن معهما ولَكِنّهُ يسمعهما الآن، أمسكه مِن تلا’بيبه وأنهضه دون أن ير’أف بحاله ثم سـ ـدد إليه لكـ ـمة قو’ية تليها أخرى تليها أخرى حتى سقـ ـط “چـون” أرضًا لا يقد’ر على الحركة، بينما غلـ ـى الد’م بعر’وق الأخرى التي كانت ترى زوجها يتلـ ـقىٰ الضـ ـربات العنـ ـيفة مِن “بـيشوي” دون أن يتحدث أحدٍّ مِنهم
تقدمت مِنه وغضـ ـبها هو المتحـ ـكم الأول بها لتسـ ـدد إليه ضـ ـربةٍ عنـ ـيفةٍ مِن الخلف تشـ ـفي بها غـ ـليلها مِنهُ، تأ’وه “بـيشوي” أ’لمًا ثم ألتفت ينظر إليها ومعالم وجهه تدل على آلآ’لم ليرى نظرة التشـ ـفي في عينيها التي كانت تنطق بالشـ ـر والحـ ـقد، وقبل أن يأخذ الر’دّ المناسب ويجعلها تند’م على تسرعها ذاك كانت هناك يد تصفـ ـع صفحة وجـ ـهها دون ذرة تفكير جعلت صوت صد’اها يرن في المكان
نظر إلى “كـاترين” التي لَم تستطع رؤية هذه اللعـ ـينة تبا’غت زوجها وتضـ ـربه وتصمت، يبدو أنها أستعادت قوا’ها مِنهم، فـ بوجود زوجها وأخيها وزوج شقيقتها والذي في نفس الوقت ابن خالتها معها فلن يستطيع أحدٍّ الأقتراب مِنها، كانت “لارا” مصـ ـدومة فـ هذه التي كانت لا حيا’ة إليها ومستـ ـسلمة أسفـ ـل يديها هي نفسها التي صـ ـفعتها الآن، لَم تتر’دد، لَم تتو’انى، وكانت يدها في طريقها للسقو’ط على صفحة وجـ ـه الأخرى تر’دّ الصا’ع أثنين
ولَكِنّ ثمة يد حـ ـديدية منـ ـعتها عن فعلها، نظرت إلى تلك اليد ثم إلى صاحبها الذي كان يقف خلف “كـاترين” يرمـ ـقها بنظراتٍ حا’قدة ومتو’عدة، نظراته كانت كالسها’م الحا’دة التي تختر’ق صدر عد’وها نا’هيةً حيا’ته في لحظتها، أبتلـ ـعت غصتها بهدوءٍ شـ ـديدٍ وهي تنظر إليه ولا تُنـ ـكر أن الخو’ف بدأ يستحو’ذ قلبها
«اللحظة اللي إيدك أتمـ ـدت عليها أنتِ وجوزك العـ ـرة دا، وها’نتها ور’متها بره، الشارع اللي ولاد “مـلاك” جا’يين مِنُه، مش دا كلامك برضوا، قولتلها روحي أشتكـ ـي لراجـ ـلك دا لو كان ليكي راجـ ـل، هي جت أشتـ ـكت وبدل الواحد أربعة، جوزها، وأخوها اللي لسه عا’يش مما’تش، وولاد خالاتها، أديها جابتلك الراجـ ـل وجا’تلك تاني عشان تقولك بس كلمة واحدة، إن الرجـ ـالة اللي مبتمـ ـدش إيديها على حُـ ـرمة، مش اللي بيستقـ ـوى عليهم ويعمل نفسه راجـ ـل ويستـ ـعرض قو’ته عليها، هي هتاخد حـ ـقها، بس مش بالإيد»
أنهـ ـى “مـينا” حديثه وهو ير’مق “ديـفيد” بطـ ـرف عينه، نظرت هي إليه لتفهم ما ير’مي إليه “مـينا” الذي عاد ينظر إليها مرةٍ أخرى، أبتلـ ـعت غصتها بهدوءٍ شـ ـديدٍ، أبتسم “مـينا” وهو ينظر إليها عندما وصل إلى مبتـ ـغاه، ترك يدها وأردف قائلًا بو’قاحةٍ يقصـ ـد بها عمه:
«انا مش بمـ ـد إيدي على حُر’مة، “مـلاك” قالنا الرجـ ـولة مش بمـ ـد الإيد ولا إنك تستقـ ـوى على واحدة بمجرد إنها الأضـ ـعف، الرجـ ـولة بالأفعا’ل، مش زي واحد كدا أسمه “يـوحنا”، ربـ ـى واحد زبا’لة زَّي “چـون” إيده بتشتغـ ـل على واحدة معيـ ـنة أول ما يشوفها، تر’بيتك مش تر’بية راجـ ـل سو’ي يا عمي للأسف، مش معنى إن “بـيشوي” تر’بية أبويا يبقى منبو’ذ، “مـلاك” مكانش مـ ـرض منتشـ ـر فـ الجَـ ـو بالعكـ ـس، أنتَ لو كُنت بتحبّ أبنك “بـيشوي” بجد كُنْت وقـ ـفت قدام أبنك أديته بالقـ ـلم على وشه وقولتله أنتَ إيه اللي بتعمله دا دي مرات أخوك، بس دا كان جاي على هو’اك وسيـ ـبته يضـ ـرب فـ أختي، طب سيبك مِن أختي حفيدك إيه، آه صح ما هو ابن “كـاترين” اللي هي بنت “مـلاك” برضوا، واللهِ انا أحتا’رت فيكم، بس تعرف بقى انا راجـ ـل، ومش هر’دّ عليك بنفس الر’دّ بتاعك أنتَ والعا’هة دا، انا هخلّي الكبير يحـ ـكم هو، جدي “بـطرس”»
جحـ ـظت عينين الآخر وشحـ ـب وجهه فور ذِكر أسم “بـطرس” والده، الرجُـ ـل الصار’م الجا’د الذي يكر’ه الظـ ـلم، أبتسم “مـينا” إليه ثم نظر إلى “بـيشوي” و “ديـفيد” بنظراتٍ خبـ ـيثة ذات معنى، صدح رنين هاتفه عا’ليًا يعلنه عن أتصال هاتفي نظر إليه “مـينا” ليرى جده المتصل، تعا’لت بسمته مجيبًا على جده قائلًا:
«يا هلا بالكبير الغا’لي، واحشني أوي واللهِ يا جدي»
______________________
«”ما أشبه الظـ ـلم بالظا’لم، كلاهما لا يعلمان العد’الة”»
الظا’لم لا يظـ ـلم إلا بر’يئًا، نقـ ـي القلب، الذي دومًا خـ ـط سيره مسـ ـتقيمًا، وُلِدَ نقـ ـيًا أما الحياة تُريد تشو’يه نقا’ءه بأية طريقة، ولَكِنّ هل مِن مستـ ـسلمٍ لها، هل مِن ضعيـ ـفٍ يخضـ ـع إليها، حـ ـربٌ وفُرِ’ضَت علينا أيها النقـ ـي البر’يء
كان يجلس على إحدى المقاعد المتراصة بجوار بعضها البعض، واضعًا كفيه على رأسه التي كانت منخفـ ـضة إلى الأسفـ ـل شارد الذهن، يُفكر في أخيه الصغير اللطيف الذي كان لا يعلم ما مصيره حتى الآن، مصيرٌ مجهـ ـول لا يعلم إن كان خيرٌ أم شـ ـرٌ
«أستغفرك ربي وأتوبُ إليك، لا حول ولا قوة إلا بالله» نطق بها حُذيفة وهو يمـ ـسح بكفه على وجهه بعد أن دا’همته الأفكار السو’د’اء التي قد تصـ ـيب أخيه الحبيب، ر’فع رأسه ينظر يسا’ره ليرى والده يتحدث مع أحدّ معارفه في العمل يقـ ـص عليه ما حد’ث با’ذلًا قصا’رى جهـ ـده كي يُظـ ـهر برا’ءة ولده الذي يعلم أخلا’قه عن ظهر قلب، كيف لا وهو قام بتر’بيتهما على تعاليم د’ينهم مُظهرًا الحلا’ل والحـ ـرام
شعر بيد توضع على كتفه مشـ ـددةً عليه برفقٍ مؤ’ازرةٍ إياه، نظر إليه ليرى “ليل” ابن عمته وأخيه الحبيب، جلس الآخر بجواره وقال بنبرةٍ هادئة متسائلة:
«إيه اللي حصل، يزيد ماله وقبضـ ـوا عليه ليه انا مش فاهم حاجه»
قـ ـصَّ عليه “حُـذيفة” ما حد’ث منذ البداية وحتى قاموا بالقبـ ـض عليه، بينما كان “ليل” يستمع إليه وهو مد’هوشًا لا يصدق ما تتـ ـلقاه أذ’نيه
«هو إيه الهبـ ـل دا، أزاي صدقوا مِن غير أد’لة، هل هما معاهم د’ليل على كلامهم دا، انا مش قا’در أفهم بصراحة إيه اللي بسمعه دا» نطق بها “ليل” بنبرةٍ يملؤ’ها الضـ ـيق الشـ ـديد وهو ينظر إلى “حُـذيفة” الذي ألتزم الصمت فهو لا يمـ ـلُك القد’رة على الر’دّ كل ما يشغـ ـل تفكيره الآن هو أخيه وما ينتظره
تنهـ ـد “ليل” بعمـ ـقٍ وربت على كتفه بمؤ’ازرة دون أن يتحدث وهو يُفكر ماذا سوف يحدث بعد قليل مع هذا المسـ ـكين، أقترب “حـسام” مِنهم بخطى سريعة وعلى وجهه تظهر إما’رات القـ ـلق بسـ ـبب مكالمة “حُـذيفة” إليه في هذا الوقت المتأ’خر دون أن يخبره بالتفا’صيل
«في إيه انا جاي على ملـ ـىٰ وشي مش عارف إيه اللي حصل مين أتقبـ ـض عليه وبتعملوا إيه هنا؟» نطق بها “حـسام” متسائلًا، وقبل أن يجيبه أيًا مِنهما خرج “يزيد” والأصـ ـفاد الحـ ـديدية تعا’نق معـ ـصميه وبرفقتهِ العسـ ـكري وأخيرًا “ديـفيد” الذي وصل إليهم مؤ’خرًا بعد أن هاتف “حُـذيفة” صديقه “مـينا” كي يساعده
أقتربوا مِنهما جميعًا بخـطى سريعةٍ ليقف “حُـذيفة” أمام أخيه يتفحصه بنظراته المتر’قبة ليرى معالم وجه لا تُبشـ ـره بالخير
«إيه اللي حصل الظا’بط قال إيه ولا عملت إيه يا “ديـفيد”؟»
نطق بها “حـسام” متسائلًا وهو ينظر إلى “ديـفيد” الذي تنهـ ـد بعمقٍ وقال بنبرةٍ هادئة يأ’سة:
«للأسف الأد’لة لحد دلوقتي ضـ ـده ومفيش أي د’ليل فـ صفه يقدر يخلينا نعرف إيه اللي حصل»
«يعني إيه، أخويا هيتحـ ـبس فـ تهـ ـمة ملهوش يد فيها؟» نطق بها “حُـذيفة” بنبرةٍ غا’ضبة ومنفـ ـعلة وهو ينظر إلى “ديـفيد” الذي قال بنبرةٍ جا’دة:
«أد’لة المجـ ـني عليها كلها بتقول إن “يزيد” هو الجا’ني وأنتَ عارف يا “حُـذيفة” إنهم بياخدوا بالأد’لة والشهو’د، البنت معاها فعلًا أد’لة قو’ية فيديوهات متصورة وشهو’د شافوا وسمعوا يعني هو لا’بسها لا’بسها لحد دلوقتي، انا عمومًا مش هسكوت وهدور على أد’لة تثبـ ـت بر’اءته وتثبـ ـت الجا’ني الحقيقي بس هاخد وقت طبعًا، المهم هو هيتحـ ـبس أربع أيام على ذ’مة التحـ ـقيق وبعدها هيتر’حل على النيا’بة العا’مة، بس عايزك تطمن، انا مش هسـ ـيبه وهفضل أسعـ ـىٰ لحد ما يكون د’ليل بر’اءته بين إيد’يا»
نظر “حُـذيفة” إلى أخيه الذي كان بصره مثبـ ـت في الأرض يرفـ ـض النظر في أعينهم فهو الآن في حالة ير’ثى لها لن يتحمـ ـل أيا نظرات أو أقاو’يل تز’داد على عا’تقيه، نظر “حُـذيفة” إلى الأصـ ـفاد التي تعا’نق معصـ ـمي أخيه ليضع كفه عليهما ونظر إليه مرةٍ أخرى
«أنشـ ـف، السجـ ـن للرجـ ـالة، حتى لو كُنْت مظلـ ـوم وأتاخدت فـ الرجـ ـلين، دا در’س في الحياة، وأختبـ ـار لإيمانك بـ ربنا، وانا أقسم بالله، أقسم بالله، أقسم بالله تالت مرة والقسم دا انا هتحاسـ ـب عليه قدام ربنا يوم القيا’مة، ما هيهـ ـدالي بال إلا ود’ليل بر’اءتك فـ إيدي، وعشان انا عارف أخويا كويس انا بقولك الكلمتين دول، يوم ما كُنْت بشِـ ـد عليك انا وأبوك كان عشان مصـ ـلحتك، عشان خو’فنا عليك، عشان تكون شا’ب ما’لي مركزه مش أي حاجه تز’وغ عينيه، طول ما عيال “عـبد الله” متر’بيين على تعاليم د’ينهم وعارفين الحلا’ل مِن الحـ ـرام ومبيخا’فوش غير مِن اللي خلـ ـقهم يبقى تدخل وأنتَ راسك مرفو’عة وعارف إنك مظلـ ـوم، مهما يحصل معاك جوه راسك متنز’لش لحظة، سامع»
أنهـ ـى “حُـذيفة” حديثه الذي أصبح حا’دًا في الأخير وهو ير’مق أخيه نظراتٍ جا’مدة وثا’قبة، نظراتٍ تُرسل إليهِ شيئًا واحدًا فقط، أن المظلو’م مهما تكا’لبت أعتا’ق الحياة على كتفيه لا يتأثـ ـر، بل يجب عليه أن يقـ ـف شا’مخًا في أصعـ ـب أوقاته حتى تُثبـ ـت بر’اءته ويعلم الجميع أنه المظلو’م وليس الظا’لم، أنه المجـ ـني عليه وليس الجا’ني، ولأنه يعلم أنه مازال شا’بًا في بداية حياته أراد إرسال رسالة كهذه إليه وأن الحياة ما هي إلا مصا’عب نتعايش معها مهما كانت
«متسبـ ـنيش يا “حُـذيفة”، متخلـ ـيش إيدك مِن إيد أخوك مهما حصل، انا عشـ ـمي فيك كبير بعد ربنا سبحانه وتعالى، مليش غيرك» نطق بها “يزيد” الذي ألتمعت العبرات في ملقتيه وتحشـ ـرجت نبرة صوته خو’فًا وخشـ ـيةٍ مِن تخا’ذل الآخر إليه، ضمه “حُـذيفة” إلى د’فء أحضانه مشـ ـددًا مِن عناقه إليه
حاول تما’لُك نفسه أمامهم ولذلك قال بنبرةٍ هادئة عكـ ـس ما يدور بداخله مِن تخبـ ـطاتٍ وصـ ـراعاتٍ وغضـ ـبٍ جا’م إن خرج سيُد’مر كل ما يطوله:
«لو الدنيا كلها خَلِـ ـت بيك وسابـ ـت إيدك إيد أخوك هتفضل ما’سكة إيدك، وعد مش هتطو’ل جوه انا مش هنام لحد ما ترجع تاني يا “يزيد” وتبقى فـ حضني تاني، انا مليش غيرك يا حبيبي»
«كفاية يا حضرات يلَّا» نطق بها العسـ ـكري بنبرةٍ جا’مدة، أبتعـ ـد “حُـذيفة” عن “يزيد” ليربت على كتفه بمؤ’ازرة دون أن يتحدث، أقترب “ليل” مِنهُ وربت بـ كفه على كتف الآخر قائلًا:
«انا عارف مِن غير أي أد’لة ولا إثبا’تات إنك مش بتاع القر’ف دا، بس عايزك تنشـ ـف كدا وتر’مي حمو’لك على ربنا هو وحده قا’در على كل شيء ولو مظلو’م بجد هيظـ ـهر برا’ءتك والظا’لم والجا’ني هيتعا’قبوا، ولو العد’الة متطبـ ـقتش فـ الدنيا، فـ عد’الة ربنا فو’ق كل شيء، أسمه “العادل” يا “يزيد”»
«خلّـ ـي بالك مِن أخويا يا “ليل”، وحاول تفهم “روان” إني مظلو’م انا أقسم بالله ما عملت أي حاجه مِن دي» نطق بها “يزيد” الذي بدأ يفـ ـقد ثبا’ته ويظهر ضعـ ـفه، رمـ ـقه الآخر نظرةٍ جا’مدة وقال:
«”روان” مش محتاجه إللي يشرحلها حاجه، هي فاهمه كل حاجه وعارفه إنك مظلو’م، ولتاني مرة هقولهالك، إنشـ ـف عشان اللي بيضـ ـعف بيتاخد عضـ ـمة تسلـ ـية، إنما الجا’مد اللي مبيهمـ ـهوش حدّ محدش بيقـ ـدر عليه، سامع»
حرك “يزيد” رأسه متفهمًا ليز’يل تلك العبرات عن جفنيه بهدوءٍ عاز’مًا على عد’م الإستـ ـسلام والضُـ ـعف، تقدم “عبد الله” مِن ولده الذي نظر إليه وأبتسم بخفةٍ وقال:
«متخا’فش عليا، محـ ـنة وهتعـ ـدي، طول ما ربنا معايا انا مش خا’يف مِن البشر عشان لو كان معاهم نفو’ذ الدنيا كلها، فأنا معايا الأقو’ى مِن أي حدّ، عايزك بس تقول لـ “ماما” متخا’فش عليا وتدعيلي، أدعولي كلكم دي أكتر حاجه عايزها مِنكم مش أكتر»
ضمه “عبد الله” إلى أحضانه ممسّدًا على ظهره برفقٍ وقال بنبرةٍ هادئة:
«محدش فينا هيهـ ـداله بال غير وأنتَ راجع معانا، انا هبذ’ل قصا’رى جهـ ـدي عشان أخرجك فـ أقرب وقت ووعد مِني اللي عمل كدا هيتجا’زى جز’اء شـ ـديد، أبوك فـ ضهرك وعشان عارف أنتَ إيه عمره ما يفر’ق معاه كلام الناس»
أبتعد عنه ينظر إليه مبتسمًا ليبتسم الآخر كذلك دون أن يتحدث، أخذه العسـ ـكري وذهب أسفـ ـل نظراتهم، ونظرات هذا الأخ الذي كان فؤاده يتأ’كله النيـ ـران لأجل صغيره الذي تكا’لبت أعتا’ق الحياة عليه دون هو’ادة
______________________
«”وما أفسـ ـدته الحياةُ، يصلحه قيام الليل”»
أنهـ ـت صلاة قيام الليل وبدأت تُسبح بهدوءٍ، نعم كان يومها ليس مكـ ـدسًا ولَكِنّ شعرت بثقـ ـلٍ غير عادي يغلف فؤادها، أقترب صغيرها مِنها ينظر إليها ليبتسم لها بسمةٍ صافيةٍ دون أن يتحدث، نظرت إليه لترى النعاس يسيـ ـطر على جفنيه الصغيرين ولذلك جـ ـذبته برفقٍ وضمته إلى أحضانها ترتب خصلاته الناعمة، بينما أغمض هو عينيه ليحظى بـ قيلولةٍ هادئة تحمل إليه أحلامًا وردية
تنهـ ـدت هي بعـ ـمقٍ ثم أخذت هاتفها لترى الساعة تشير إلى الثانية بعد منتصف الليل، سَمِعَت صوت الباب يُفتح يليه دلوفه الهادئ، نظرت إليه وقالت بنبرةٍ متلهـ ـفةٍ:
«خير يا “حُـذيفة” طمـ ـني عملتوا إيه؟»
أقترب مِنها ليجلس بجوارها أر’ضًا بهدوءٍ أسفـ ـل نظراتها التي كانت تتابعه تنتظر سماع ما حدث مِنهُ بتلـ ـهفٍ، وبالفعل بدأ “حُـذيفة” يقـ ـصَّ عليها ما حد’ث بالتفصـ ـيل بينما كانت هي مصـ ـدومةٍ مِمَّ تسمعه، ظهرت إما/رات الحز’ن على معالم وجهها بشكلٍ وا’ضح لا تُنكـ ـر ذلك فـ “يزيد” كان ومازال الأخ الصغير إليها
«لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، لعله خير، لعله خير إن شاء الله، ربنا يهو’ن عليه اللي جاي ويسخرله عباده الرحماء اللي يمد’وله يد المعونة ويطـ ـلعوه مِنها، وحده قا’در على كل شيء، مش عايزاك تز’عل انا عارفه إن دا حـ ـقك ودا أخوك وطبيعي تز’عل عليه بس دا مش وقت ز’عل لازم تبدأ تد’ور على د’ليل برا’ءته أكيد دي مقصو’ده»
أنهـ ـت “أيـسل” حديثها وهي تنظر إليه بحز’نٍ لترى التيـ ـهة هي عنوانٌ صر’يحٌ لهُ الآن، أستلقـ ـىٰ بجوارها ووضع رأسه على فخـ ـذها دون أن يتحدث لتضع كفها على رأسه تمسّد على خصلاته برفقٍ، بينما أغمض هو عينيه قائلًا بقلـ ـة حيـ ـلة:
«حسبي الله ونعم الوكيل»
زفـ ـرت “أيـسل” بهدوءٍ وظلت كما هي تضم صغيرها النائم داخل أحضانها وتمسّد على خصلات زوجها الذي كان شا’ردًا يُفكر في أخيه وما سيفعله لأجله في الأيام القادمة حتى يعود إليهم مرةٍ أخرى
_______________________
[في صبيحة اليوم الموالي]
كانت تجلس في غرفتها على فراشها وعبراتها تتسا’قط على صفحة وجهها دون توقـ ـف منذ أن أعتقـ ـلوه، تر’فض الخروج وتر’فض الذهاب إلى أي مكان، وتر’فض الجلوس معهم وتناول الطعام، صدح رنين هاتفها عا’ليًا يعلنها عن أتصالٍ مِن “جويرية” التي كانت لا تكـ ـف عن مهاتفتها، أغـ ـلقت هاتفها لترى صورتها رفقة “يزيد” يوم خطبتهما تزين شاشة هاتفها، سقـ ـطت عبراتها مرةٍ أخرى ثم تركت هاتفها مِن جديد وأستمرت في البكاء والنحـ ـيب
تعا’لت الطرقات الهادئة على باب غرفتها ثم يليها دلوف أخيها الكبير الذي كان يعلم أنه سيراها في هذه الحا’لة، أغـ ـلق الباب خلفه بهدوءٍ ثم أقترب مِنها بخطى هادئة حتى جلس بجوارها، نظر إليها قليلًا ثم جـ ـذبها إلى أحضانه برفقٍ ضاممًا إياها بحنوٍ ممسّدًا على خصلاتها وطو’ل ذراعها محاولًا تهـ ـدأتها فهو يعلم أنها تُحبّ “يزيد” كثيرًا وتكر’ه أي شيءٍ يصـ ـيبه حتى وإن كان حيو’انًا صغيرًا
لثم جبينها بـ قْبّلة حنونة ثم تحدث بنبرةٍ هادئة وقال:
«وبعدين يعني، آخـ ـرة العياط دا إيه، كدا مينفعش يا حبيبتي عياط وما’نعة أكل وشرب هو كدا هير’جع يعني، وبعدين لو ر’جع ولقاكي كدا هيفرح يعني، كدا مينفعش يا “روان” صدقيني يا حبيبتي أنتِ بتيجي على حساب صحتك ودا مش عاجبني ولا هقـ ـبل بيه»
«مظلو’م، واللهِ مظلو’م، “يزيد” محترم وانا عارفاه كويس أوي، دا زَّي النسمة يتحـ ـط على الجـ ـرح يطـ ـيب، حـ ـرام أقسم بالله دا طول عمره ماشي جنب الحيـ ـط وعارف الحلا’ل مِن الحـ ـرام ليه يأ’ذوه كدا، ليه يا’خدوه ويحر’موني مِنُه، ليه يا ليل» أنهـ ـت حديثها وهي تبكي مِن جديد ليزفـ ـر هو بهدوءٍ بعد أن تأثـ ـر بكلماتها وحز’نها عليه والواضح أمام عينيه
«ربنا أراد كدا يا حبيبتي، ربنا عاوز كدا هنقوله لا، دا قضـ ـاء ربنا ما علينا سوىٰ‏ إننا ندعيله إن ربنا يقف جنبه ويهو’نها عليه، لازم ندعيله كلنا، صلي وأدعيله هو محتاج دعوتك دلوقتي أكتر مِن أي حاجه، وبعدين دا مو’صيني عليكي تخيلي، خا’يف عليكي، على فكرة الو’اد دا جـ ـدع وبيحبّك أوي وشـ ـهم، الدنيا جت عليه آه بس انا عارف إنه قد’ها وهير’جع، انا متعـ ـشم فـ ربنا خير»
أنهـ ـى حديثه وهو ينظر إليها ليراها تر’فع رأسها وتنظر إليه بـ عينين با’كيتان ليبتسم هو إليها ويَمُد كفه يز’يل عبراتها بحنوٍ ثم لثم جبينها بـ قْبّلة حنونة قائلًا:
«عشان خاطري يا “روان” دا لو ليا خاطر عندك يعني ميكونش الواد “يزيد” الطمـ ـاع دا خد خاطري كمان يبقى كدا كتير أوي»
ضحكت أخيرًا بخفة ليبتسم هو إليها قائلًا بمزاحٍ:
«أوعي يا “روان” هز’عل أوي»
لثمت وجنته بـ قْبّلة حنونة وأجابته بنبرةٍ هادئةٍ قائلة:
«لا طبعًا مقدرش، أنتَ برضوا ليك خاطر وغلا’وة عندي دا انتَ حبيبي يا “ليل”»
أبتسم “ليل” لها وضمها إلى أحضانه برفقٍ ممسّدًا على ذراعها قائلًا:
«وانتِ نور عيني يا “روان”»
_______________________
صدح رنين جرس القصر الدا’خلي يعلـ ـن سكانه عن وصول زائرٍ إليهم، تقدمت الخادمة “زينب” تفتح الباب لترى شا’بًا ذو مظهـ ـرٍ جيد أمامها ويرافقه شا’بًا آخر بنفس عمره، عقدت ما بين حاجبيها وقالت بنبرةٍ هادئةٍ ومتسائلة:
«أيوه مين حضراتكم؟»
«مش دا برضوا بيت “يزيد عبد الله”؟» نطق بها الشا’ب الذي كان يقف أمامها ليزداد تعجبها قائلة:
«أيوه هو مين حضراتكم»
«إحنا صحاب “يزيد” وبصراحة هو أختفـ ـىٰ فجأ’ة إمبارح ولحد دلوقتي مفتـ ـحش سوشيال ميديا ومبير’دّش على موبايله فـ قلـ ـقنا وقولنا نيجي نتـ ـطمن عليه خصوصًا إن دي أول مرة يخـ ـتفي»
أردف بها ذاك الشا’ب وقبل أن تجيبه “زينب” سَمعوا صوت “حُـذيفة” الذي وقف مؤ’خرًا خلفها ينظر إلى ما يحدث قائلًا:
«في إيه يا دادة؟»
«بيقولوا صحاب “يزيد” وعايزين يشوفوه» نطقت بها “زينب” بعد أن ألتفتت تنظر إليه ليشير هو إليها قائلًا:
«طيب، أتفضلي شوفي شغلك»
تحركت “زينب” عائدةٍ إلى عملها، بينما تقدم هو مِن الباب ينظر إلى الشابا’ن مشيرًا إليهما قائلًا:
«انا أخوه “حُـذيفة”، أتفضلوا»
دلفا الشابا’ن بالفعل وتوجه بهما “حُـذيفة” إلى الداخل ليشير إليهما بالجلوس قائلًا بنبرةٍ هادئة:
«أتفضلوا»
جلسا الشابا’ن بجوار بعضهما البعض بهدوءٍ في الحديقة، بينما جلس “حُـذيفة” أمامهما على المقعد المقابل، نظرا إليه بهدوءٍ فهذه أول مرة يتقابلا مع “حُـذيفة”، تنهـ ـد الأخير وقال بنبرةٍ هادئةٍ مرحبًا بهما:
«نورتونا، أحبّ أعرفكم بنفسي، انا “حُـذيفة” أخو “يزيد” الكبير، معرفش إذا كان حكالكم عنّي قبل كدا ولا لا بس مفيش مشـ ـكلة حبّيت أعرفكم بنفسي»
«هو في الحقيقة “يزيد” فعلًا كان بيشكر فيك قدامنا على طول، حتى لمَ كُنا بنقعد مع بعض ونحكي مواقفنا كان دايمًا بيذ’كرك فـ كلامه وبصراحة شوفت حُبّه الشـ ـديد ليك وتعلُـ ـقه الواضح، حتى هزرت معاه مرة وقولتله انا عايز أشوف أخوك الجا’مد اللي مبيسلـ ـمش مِن نقا’ش، بس مَكُنْتش أعرف إننا هنتقابل بجد»
أنهـ ـى هذا الشا’ب حديثه وهو ينظر إلى “حُـذيفة” مبتسمًا، بينما شعر الآخر بالحنين إلى أخيه، ولا يُنكـ ـر أن حديث هذا الشا’ب أسعده ولو قليلًا
«أحبّ أعرفك بنفسي، انا أسمي “مُـهاب” صاحب “يزيد” الأنـ ـتيم» نطق بها مبتسمًا في وجه “حُـذيفة” الذي شعر بالرا’حة تجاهه ولذلك بادله أبتسامته بأخرى أكثر هدوءًا وقال:
«أتشـ ـرفت بمعرفتك يا “مُـهاب”، أسمك حلو»
«حبيب قلبي الله يعزك يارب» نطق بها “مُـهاب” بمزاحٍ كعادته ليبتسم “حُـذيفة” وينقـ ـل بصره إلى الشا’ب الآخر الذي كان يجاور “مُـهاب” وقال بنبرةٍ هادئةٍ متسائلة:
«وانتَ أسمك إيه؟»
«انا “وهـيب”» نطق بها “وهـيب” بنبرةٍ هادئة وهو يبتسم ليتنهـ ـد “حُـذيفة” بعمـ ـقٍ فهو يُشبه أخيه الحبيب، هيئته وأسلوبه وهدوءه، إنه نسـ ـخة أخرى مِن أخيه، نظـ ـف حلقُـ ـه وقال بنبرةٍ هادئةٍ متسائلة:
«تحبّوا تشربوا إيه؟»
وقبل أن يردّ واحدٍ مِنهم كان “عـدنان” يقطعـ ـهما بركضاته وصر’خاته الطفولية، نظروا إلى مصدر الصوت ثلاثتهم ليروا “عـدنان” يركض وخلفه يركض “عُـمير” الذي كان يرتدي قنا’عًا مخيـ ـفًا مصدرًا صوتٍ مخـ ـيفٍ كـ أصوات الوحـ ـوش، أختـ ـبئ الصغير داخل أحضان والده الذي ضمه كـ ر’دّ فعل تلقائي ليشعر بالصغير يتشـ ـبث بهِ بقو’ةٍ وهو ينظر إلى “عُـمير” الذي كان يقترب مِنهُ رويدًا رويدًا، ضحك “حُـذيفة” رغـ ـمًا عنه ووجه حديثه إلى الآخر قائلًا:
«إيه يا عم أنتَ أتجهت لـ الطريق دا ولا إيه»
نز’ع “عُـمير” القنا’ع عن وجهه وهو ينظر إليه قائلًا:
«لقيت العيال قاعدة مكتو’مة كدا مش على عوا’يدهم قومت معفر’تهم كلهم»
أبتسم “حُـذيفة” ونظر إلى صغيره ممسّدّا على خصلاته التي كانت تشبه خصلاته الكثيـ ـفة والناعمة ليسمع الآخر يقول بنبرةٍ هادئةٍ:
«فكرت فـ الموضوع إياه»
ر’فع الآخر رأسه برفقٍ ينظر إليه ثم حرك رأسه نا’فيًا ليقول “عُـمير” بنبرةٍ هادئةٍ:
«طيب، انا هطـ ـلع مشوار كدا على السر’يع صـ ـد ر’دّ ولمَ أجي إن شاء الله نبقى نتكلم سوى في هدوء»
حرك “حُـذيفة” رأسه برفقٍ إليه ليودع الآخر الصغير الذي أبتسم إليه، خرج الصغير مِن أحضان والده ونظر إلى أثـ ـر “عُـمير” بترقـ ـبٍ ليبتسم “حُـذيفة” ويقول:
«متخا’فش مشـ ـي خلاص راح مشوار»
نظر إليه الصغير وأبتسم ثم ألتفت إلى “مُـهاب” و “وهـيب” اللذان أبتسما إليه لينظر الصغير إلى والده وقال متسائلًا:
«”بابا” هو “يزيد” راح فين؟»
«قولتلك راح مشوار مهـ ـم تبع الكلية بتاعته وجاي تاني» نطق بها “حُـذيفة” بنبرةٍ هادئةٍ ليتعـ ـجب كلًا مِن الشابا’ن مِن إجابة “حُـذيفة” وسؤال الصغير، ولَكِنّ قا’طع تفكيرهما صوت “حُـذيفة” الذي قال متسائلًا:
«تحبّوا تشربوا إيه»
«ممكن قهوة» نطق بها “وهـيب” بنبرةٍ هادئةٍ وهو ينظر إليه، بينما نظر “حُـذيفة” إلى صغيره وقال بنبرةٍ هادئةٍ وهو يرتب إليه خصلاته المبعـ ـثرة:
«روح قول لـ طنط “زينب” تعمل أتنين قهوة وبعد كدا روح أوضتي هات السبحة بتاعتي وتعالى»
حرك الصغير رأسه بحما’سٍ ثم تركه وركض إلى القصر مرةٍ أخرى كي يفعل ما طلبه مِنهُ والده، بينما نظر “حُـذيفة” إلى الشابا’ن مرةٍ أخرى وقال معتذ’رًا:
«انا آسف على المقا’طعة دي، بس العيلة بقى»
«لا مفيش أي حاجه، هو ابن حضرتك؟» نطق بها “مُـهاب” متسائلًا ليبتسم الآخر مجيبًا عليه قائلًا:
«آه، “عـدنان” عنده تلات سنين»
«بسم الله ما شاء الله، ربنا يحفظه» نطق بها “مُـهاب” مبتسمًا ثم أضاف متسائلًا:
«هو “يزيد” مش هنا فعلًا؟»
«أيوه، هو انا بصراحة مش عارف أقولهاكم إزاي بس لازم أقولكم عشان كلامكم هيفر’ق معايا جدًا ويمكن يكون سـ ـبب في إنقا’ذ “يزيد” أخويا» نطق بها “حُـذيفة” بنبرةٍ هادئة وهو ينظر إليهما ليتعجبا الشابا’ن كثيرًا وبدأ التعجب يسيـ ـطر على معالم وجهيهما
«هو إيه اللي حصل لـ “يزيد”؟» نطق بها “وهـيب” بنبرةٍ هادئةٍ وهو ينظر إلى “حُـذيفة” الذي زفـ ـر بعمـ ـقٍ وقال بنبرةٍ هادئةٍ:
«”يزيد” أتقـ ـبض عليه إمبارح الساعة واحدة ونص بليل وخد أربع أيام على ذ’مة التحـ ـقيق»
_____________________

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية أحببتها ولكن 7)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *