روايات

رواية هواها محرم الفصل الثاني والعشرون 22 بقلم آية العربي

رواية هواها محرم الفصل الثاني والعشرون 22 بقلم آية العربي

رواية هواها محرم البارت الثاني والعشرون

رواية هواها محرم الجزء الثاني والعشرون

هواها محرم
هواها محرم

رواية هواها محرم الحلقة الثانية والعشرون

منذ دقائق وهي تستقر في أحضانه حتى ظن أنها غفت لذا تحمحم يبتعد قليلًا ليراها ولكنها قبضت بكفيها على ظهره فعاد لوضعه متعجبًا وتحدث بمَ يجول في عقله :
– خديجة إنتِ كويسة ؟ ، اهكيلي هلمتي بإيه ؟
كانت تتحشرج ولم يزُل أثر الحلم من عقلها بعد ، تخشى إصابته بمكروهٍ خاصةً وأنه قد غرق ولم تستطع إنقاذه ، لن تحتمل شعور فقدانه بعدما تعلق قلبها به ، تعلق به برغم أنه سبب متاعبها .
بعد دقائق أخرى ابتعدت ببطء عنه تطالعه بعيون باكية فوجدته يحدق بها منتظرًا أي حرفٍ تنطقه وأصابعه تعمل على تجفيف دموعها فالتقطت يده بين راحتيها ورفعتها إلى فمها تقبل باطنها ثم عادت تطالعه وتردف بنبرة هادئة مترقبة :
– ممكن تيجي تصلي معايا ؟
حتى وإن لم يعجبه الأمر ولكنه لا يستطيع رفض طلبها خاصة وهي في تلك الحالة وبهذه الهيئة لذا أومأ بجدية يجيبها :
– تمام ، بس أنا نسيت أصلي إزاي .
التفتت تنظر يمينًا لتلمح هاتفها فمدت يدها تلتقطه ثم نظرت به لتجد موعد أذان الفجر قد اقترب لذا عادت تطالعه قائلة :
– الفجر قرب يأذن ، هنقوم نتوضى سوا وبعدها هقولك تعمل إيه .
أومأ لها وبالفعل نهض معها واتجها نحو الحمام لتريه كيف يكون الوضوء .
بعد دقائق وقفت ترتدي إسدالها ووقف يطالعها وينتظر تعليماتها فهو لا يعرف ماذا عليه فعله ولكنه بات يراوده القليل من الحماس لهذه التجربة معها .
تناولت هاتفها وتلاعبت به ثم ناولته إياه قائلة بتروٍ وهي تشرح له :
– ده برنامج هيعرفك إزاي تصلي بس علشان التأكيد أنا هقف قبلك بشوية وهقرأ وإنت تقول ورايا وبعدين هتعمل نفس الحركات اللي هنا زيه ، تحب تتفرج عليه مرة قبل ما نبدأ ؟
أومأ ووقف يشغل المقطع ويتابع بتركيز إلى أن انتهى فعاد يطالعها ويقول بهدوء غير معتاد :
– حسنًا خديجة هيا نبدأ .
ابتسمت تومئ واتجهت تشرع في فرد سجادتها في ركنٍ ما ثم حثته على الوقوف ووقفت خلفه على بعد شبرٍ منه بينما هو وقف تائهًا لثوانٍ قبل أن يعيد تشغيل المقطع ويستمع بتركيز ثم فعل مثلما يفعل الرجل ورفع يديه بالهاتف قائلًا :
– الله أكبر .
لتبدأ بعدها في قراءة الفاتحة بتمهل ويردد خلقها بوداعة لا تمت له بصلة
❈-❈-❈
انتفضت من نومها حينما شعرت بلمسته فوق جسدها لذا نهضت على الفور تطالعه بغضب وخوف يتصارعان داخلها فابتسم ببرود على هيأتها قائلًا بنبرة باهتة كأنه ثملٌ :
– إيه مالك خوفتي كدة ليه ؟ .
حاولت التحرك ببطء لتبتعد عنه حتى وصلت لطرف السرير وتوغلها التوتر قائلة وهي تعيد خصلاتها خلف أذنها وتتذكر خطة صقر لها :
– ماخوفتش ولا حاجة أنا بس فكرتك هتنام برا .
عاد يقترب منها وامتدت يده تقبض على خاصتها ليسحبها إليه قائلًا بنبرة آمرة :
– طب تعالي .
تعالت نبضات قلبها حتى كادت عظام صدرها تتهشم وهي تستشعر خطرًا قادمًا وتحاول سريعًا إيجاد ذريعة تتمسك بها قبل أن يحطمها حقًا وأخيرًا اهتدت قائلة باستنجاد :
– أنا لسة في فترة نفاس ، مش هينفع .
قطب جبينه يطالعها بتعجب كأنها نطقت شيئًا لا يستطيع فهمه لذا تساءل بضيق وعلو :
– يعني إيه ؟
ابتلعت لعابها وجاهدت لتتحلى بالثبات وهي تجيبه بهدوء :
– إنت عارف إني أجهضت قريب ، مش هينفع تقرب مني دلوقتي .
قلب عينيه بملل وتجلى الغضب فوق ملامحه وهو يطالعها لثوانٍ قبل أن ينهض منتفضًا ويغادر من حيث أتى ويتركها تتنفس الصعداء وتحمد ربها أنه ابتعد ، ولكن إلى متى ؟ .
❈-❈-❈
انتهيا من صلاتهما ، ركعتا فجرٍ أتماها ليشعر خالد بشعورٍ جديدٍ يتوغله كحال صحراء قاحلة بدأت المياه تعرف طريقها إليها وتسري بين دواخلها كنهرٍ حديث ، يشعر بالراحة التي لم يتذوقها قط طوال حياته .
ابتلع لعابه والتفت يطالعها فوجدها تحدق به وتبتسم وتساءلت كأنها استشعرت :
– حاسس بإيه ؟
ظل محدقًا بها لثوانٍ وهي تنتظر إجابته بحماس ، يحاول ترجمة إحساسه ثم زفر وتثاءب يجيبها بمراوغة :
– آيز أنام .
زفرت بالقليل من اليأس ولكنها أومأت ثم اعتدلت في جلستها تتربع وأشارت له على ساقيها قائلة بحنانٍ ولطفٍ :
– تعالى .
أسرع كالطفل يلبي ندائها وتمدد يضع رأسه بين ساقيها ويغمض عيناه وبدأت هي تدلك خصلاته بنعومة أصابعها وتتنفس بسكينة ثم قالت باعترافٍ صادق :
– لما سألتني لو بعد الشر مُت هعمل إيه ؟
تنبهت حواسه فالتفت يفتح عينيه ويطالعها فتابعت :
– مش عارفة بس أنا جربت معاك إحساس الأمومة من قبل ما أعيشه بجد ، من وقت ما قلتلي إنك أسلمت وإن عيلتك كلها ماتت وأنا حسيت إنك مسؤول مني ، حسيت إنك محتاجني في حياتك .
– نعم هذه حقيقة .
أجابها بصدق فابتسمت له وانحنت تقبل جبهته ثم عادت تسترسل حديثها بنبرة مؤثرة :
– عندنا في الإسلام لما بنكون داخلين على أمر جديد زي مثلًا جواز أو شغل بنصلي استخارة ، بنستخير ربنا هل الأمر ده خير لينا ولا هنتعب معاه وفعلًا ربنا بيرشدنا للخير أو بيبعدنا عنه لو مش خير .
تنهدت بقوة بينما هو يستمع لها فتابعت بعيون لامعة وهي تحدق به :
– بس معاك أنا ماصلتش استخارة يا خالد ، أنا معاك دعيت ربنا لإني كنت عارفة ومتأكدة إني داخلة على امتحان صعب ، كنت عارفة إني هتعب معاك .
تعجب ونهض مجددًا فبرغم اعترافه لها مسبقًا بمَ قالته إلا أنه لم يكن يتوقع أنها اختارته برغم ذلك فمن يمكنها اختيار التعب والعذاب والحزن بدلًا عن الراحة ؟ ، وما الدافع لهذا ؟
تابعت وعيناها ثاقبةً في عينيه :
– أنا دخلت حياتك وأنا مستعدة لكل اللي هيواجهنا برغم إني اتصدمت من اللي شوفته منك لما شربت بس أنا حاطة ده في توقعاتي ، برغم وجع قلبي وإحساسي باليأس وصعوبة الموقف بالنسبالي بس بعدها رجعت علطول افتكر اللي كنت ناوية اعمله .
شعر بالقليل من الخزي يراوده فتمسكت بكفيه وتنهدت تتابع :
– أنا بحبك يا خالد ، بحبك واختارتك ليا من بين شباب كتير أوي ملتزمين طلبوا إيدي ، أنا اختارتك بكل حالاتك وراهنت عليك قدام نفسي لإني عايزة أعمل حاجة ، عايزة أقدم حاجة لربنا وأكون فرحانة جدًا وأنا شايفة نتيجة نجاحي ، عايزة أنجح يا خالد ، هتقدر تساعدني أنجح ؟
لا يعلم بماذا يجيبها ، فقط يطالعها خاصةً وعيناها بدأت تزرف الدموع فتمتم يجيب :
– حسنًا خديجة اهدئي ، كل ما يمكنه إحزانك سأحاول أن أعتزله ، نعم أقسم ، أرى أنكِ تبالغين حقًا .
تعمقت في عينيه ويدها قابضة على يده ثم قالت بنوعٍ من الصرامة والقوة المغلفة بالضعف :
– أنا اختارتك إنت علشان أرضي ربنا وافتخر بيك قدامه عز وجل ، بس لو لا قدر الله أنا فشلت وقتها مش هتلاقيني يا خالد ، هتدور عليا في حياتك كلها ومش هتلاقيني ولا هتعرف ترجعني ، اختياري الأول والأخير هيكون لربي .
توغله خوفًا كليًا سيطر عليه ، خوفًا لم يشعر به قط طوال حياته ، خوفًا جمده لثوانٍ وظل فقط يحدق بها ولم يجد ردة فعل على ما قالته ولا سلاحًا يفتك به وحش الخوف الذي هاجمه سوا قربها لذا انحنى يوصمها بقبلة قوية وقبضة متملكة لينهي بهما هذا الأمر ويبدأ معها أمرًا جديدًا فوضويـًا فهذه طريقة الوحيدة والفعالة حينما يخاف أو يغضب .
يبدأ أمرًا يكن فيه هو المهيمن على حواسها ومشاعرها ، يعاقبها على ما تفوهت به بطريقته التي تؤتي بثمارها وتؤثر عليها ، أتخبره أنها ستبتعد عن حياته إذا ليعطيها القليل من المخدر الذي يتمنى أن تدمنه فيمَ بعد حتى لا تتركه ، تتركه لمن ؟ .
ألم ترى أنه يحاول ، ألم ترى أنه يعافر ؟ ، لمَ تهدده وتخيفه إذًا ؟ هل هذا حب ؟ ليريها كيف يكون الحب إذا وليعاقبها بسلاح مشاعره الفتاك فلا خلاص لها منه أبدًا .
ألم ترى أن بداخله وحشًا يسعى لترويضه حينما تكون معه ؟ هل تريد الخراب للجميع ؟ ، أتقول أنها فتاة صالحة فكيف لها أن تتركه وتدمر في طريقها مدينته التي شيدها من حبها ووجودها معه .
❈-❈-❈
صباحًا استيقظت حينما وجدت يدًا تلكزها بخفة ففتحت عيناها تنظر بنعاس لتجد والدتها تبتسم وتقول بحنانٍ :
– مش هتروحي جامعتك يا إيمان ؟
تماطأت ثم عادت تغلق عيناها تتردف بهمس متحشرج :
– لا مش عايزة أروح النهاردة .
تساءلت والدتها بقلق وهي تتحسسها :
– ليه بس ؟ ، إنتِ تعبانة ؟
تملكها الملل وابتعدت عن لمساتها تقول بخفوت :
– لاء مش عايزة أروح ، اطلعي واطفي النور ده بقى .
اعتدلت في وقفتها تتنهد مطولًا فهي اعتادت على هذا الجفاء من ابنتها لذا تحركت تغلق الإنارة وتغادر الغرفة وتركتها تستعيد ما حدث معها ليسافر النوم للبعيد ويتركها .
لقد أنقذها ذاك الذي وبخته وعنفته لأجل حبيبها الذي كاد أن يغتـ.صبها .
اعتصرت عيناها تستنكر هذه الكلمة وارتعشت حينما تخيلت معناها لذا زفرت بضيق وباتت تتقلب وتبحث عن طريقة تنتقم بها من ذاك الأيمن خاصةً وأنه كان يستغلها ليأخذ منها الأموال وهي كانت غبية وصدقته وأعطته أموالًا لا حصر لها .
رن هاتفها فانتبهت له ومدت يدها تلتقطه لتجده هو ، جحظت عيناها تطالع رقمه باستنكار ثم تجلى الغضب فوق ملامحها ونهضت تجلس وتجمع خصلاتها لأعلى بمشبك شعر ثم فتحت تجيبه بنبرة عنيفة تبصق بها أحرفها قبل أن تغلق :
– وليك عين تتصل يا حيوان ؟ ، بس وشرف أبويا لهاخد حقي منك تالت ومتلت يا أيمن الكلب .
أغلقت وباتت تتنفس بقوة وتتوعد له وعقلها يخطط طرقًا انتقامية عدة ولكن انتبهت لصوت رسالة جاءتها ففتحت لترى فوجدتها صورة تجمعها به وهي تدخل معه تلك الشقة وصورة أخرى وهو يعانقها من ظهرها وصورة أخرى وهو يحاول الاعتداء عليها ولكنها تظهر إدانتها أيضًا .
حجظت عيناها وتوغلها الذعر كليًا وباتت تهز رأسها برفضٍ قاطعٍ لما تراه ، هل صورها ؟
ليعيد الآخر اتصاله بها فتظل على حالتها لا تعلم ماذا تفعل حتى انتهى رنينه .
نزلت دموعها وتركت الهاتف وارتفعت بيديها تصفع وجنتيها وتردف بنحيب منخفض وقهر :
– يا نهار أسود ، أعمل إيه ؟ ، أعمل إيه دلوقتي أبويا هيموتني .
عاد الهاتف يعلن عن اتصاله فمدت يدها تلتقطه وتجيب بحذر واضعة إياه على أذنها ليقول الآخر بضحكة انتصار وشماتة :
– كنتِ بتقولي إيه بقى ؟ ، وشرف أبوكِ ؟ ، ههههههه هو فين شرف أبوكِ ده ؟ ، بيتهيألي بعد الصور دي مبقاش ينفع تحلفي بحاجة مش موجودة تاني .
سكنت لثوانٍ قبل أن تعتصر عيناها وتردف من بين أسنانها بغيظ :
– عايز إيه ؟
زفر واعتدل في جلسته يتحسس وجهه المكدوم بفعل لكمات عمر له ثم تحدث بحقدٍ وغل :
– يعني نقول ربع مليون كفاية ؟ ، علشان مابقاش بحط العقدة في المنشار .
– ربع مليون عفريت لما يركبوك ، إنت اتجننت ، هجيبلك ربع مليون منين ؟
نطقتها بهمس وغضبٍ في آنٍ واحد خوفًا من سماع أحدهم فعاد يردف ضاحكًا :
– اهدي بس يا ايمي إنتِ قدها ، هو بابي بيحوش عنك حاجة ، فلوس باباكي كلها تحت ايدك ولا تحبي ابعتله الصور ؟
قهرًا وعجزًا استوليا عليها فباتت تفكر وتعتصر نفسها بضيق لتجد حلًا سريعًا بينما هو تابع حديثه :
– ولسة كمان طلب تاني .
تعجبت وقطبت جبينها تتساءل لربما كان الطلب الثاني هذا بديلًا عن الأول :
– إيه هو ؟
– اللي اسمه عمر ده لازم يدفع تمن اللي عمله فيا ، وإنتِ اللي هتدفعيه التمن .
هزت رأسها برفضٍ قاطعٍ تردف :
– مستحيل ، عمر ده أشرف منك ومن أمثالك كلها وأنا هفضل مديونة ليه .
تجلى الغضب في نبرته وهو يجيبها بكراهية :
– تمام ، يبقى الصور تتبعت للحاج سمير دلوقتي ، وبالمرة صورك وانتي خارجة مع عمر من بيته ولابسة هدومه ، مهو أنا نسيت أقولك إني شفتكوا من الشباك وصورتكوا بردو .
اعتصرت خصلاتها بكفها حتى كادت أن تخلعها وهي تحاول إيجاد كلمات ترد بها على هذا الحقير الذي لو كان أمامها لانقضت عليه وانتهت منه في الحال ، أما هو فعاد يتساءل ببرود يكيدها :
– ها هتجيبي المبلغ امتى؟ ، أنا مستعجل ، وقبل المبلغ تنفذي اللي قلت عليه وتبعتي الصور اللي هبعتهالك دي للبت أم شعر أحمر ، زي ما علم عليا أنا هدمرله حياته .
زفر ثم تابع بنبرة خبيثة مغلفة بالسخرية :
– وبعدين يا إيمي مش كان نفسك تنتقمي من مايا دي ، أهو أنا ياستي جبتهالك على طبق من دهب أهو .
– إنت حيوان .
نطقتها بعجزٍ أصابها وغلف عقلها فتحدث بغضبٍ حاد :
– لمي نفسك علشان رقبتك تحت ضرسي وانتِ الخسرانة ، قدامك أسبوع وتقوليلي عملتي إيه .
❈-❈-❈
استيقظت على قبلته لها فتماطأت وفتحت عيناها تطالعه لتجده ينهض مجددًا ويردف بحماس :
– هيا خديجة استيقظي يجب أن نذهب .
توغلتها السعادة لذا تبخر نعاسها ونهضت مسرعة تطالعه بفرحة وهي ترى أن حديث الفجر قد أفاده لذا ترجلت تقف أمامه قائلة بترقب :
– بجد يا خالد هنروّح ؟
دقق فيها متعجبًا ثم نظر لهيأتها الشهية وما ترتديه وعض على شفتيه لتلكزه وتعيد نظراته إلى عينيها قائلة بتوبيخ لطيف :
– بصلي وبطل بقى نظراتك دي .
غمزها مشاكسًا وتحدث وهو يشير على نفسه مغيرًا الحديث :
– ما رأيك بي ؟ .
نظرت لملابسه لتجده يرتدي شورت جينز أزرقًا وقميصًا أبيضًا فُتحت أزراره إلا اثنان ليكشفا عن عضلات صدره لذا امتدت يدها تغلقهم وتقول بحنق :
– مش عارفة إيه الفايدة إنك تمشي فاتح صدرك كدة ، محسسني إنك فتوة ، كدة أشيك طبعًا .
نظر لأصابعها التي أغلقت أزراره ثم عاد يحدق بها متسائلًا :
– يئني إيه فتوة ؟
– ده القوي اللي عنده عضلات فرحان بيها والناس بتعمله حساب .
رفع حاجبيه بإعجاب وتحدث وهو يخطو ملتصقًا بها :
– أوه ، أعجبني هذا اللقب ، ناديني به دومًا .
وضعت يديها على صدره وحدقت بعينيه وقالت :
– سيبك من اللقب ، المهم أنا مبسوطة علشان وافقت نمشي من هنا .
انحنى يقبلها مجددًا خاصة وشفتيها مكتنزة ناعمة تتفوة بأحرف مدللة أمامه فتغويه ، قبلة دامت لثوانٍ جعلتها تغمض وتبادله فابتعد يلهث ثم مسح بإبهامه مكانها وتحدث بهمسٍ خبيث :
– كلا خديجة لن نغادر الآن ، فقط سنذهب سويًا في رحلة عبر اليخت ثم سنذهب لنبتاع أغراضًا من المدينة ونعود .
سقطت من قلعة سعادتها وفتحت عيناها تطالعه بصدمة وقد وجد الحزن طريقه إلى عينيها فزفر بضيق واحتضن بكتفيها يتحدث موضحًا :
– لا تعبثي هكذا ، أعدك أنني سأبيعه ولكن دعينا نكمل رحلتنا هنا ، تعلمين أنني كنت أخطط لعدة أماكن ولكن بسبب ما حدث في دبي لم أستطع تنفيذ مخططي لذا دعينا نستمتع هنا قليلًا خديجة ، أنا أحببت هنا كثيرًا خاصة وأن هذا المكان يعد سببًا بشكلٍ غير مباشر في زواجنا ، لذا دعينا نستمتع ومن ثم لن نعود هنا مجددًا .
في كل مرة ينجح في امتصاص رفضها وإصرارها بطريقة تجردها من الضيق ولكنها ظنت أن حديثها فجرًا كان مثمرًا لذا تنهدت تومئ ولكنها لم تتخلَّ عن حزنها الذي لمحه فوقف يطالعها بترقب فوجدها تتركه وتتحرك نحو الحمام ولكنه أوقفها يعيدها إليه ويتحدث ويداها تسير على تفاصيلها :
– ابتسمي خديجة .
رفعت نظرها إليه فلمحت نظرة تحمل الأمر والرجاء معًا فتنهدت بقوة وتحدثت متعجبة :
– هل هذا أمرٌ أم رجاء ؟
اخفى نظرة الأمر من عينيه ببراعة وتحدث بوداعة صغير قائلًا :
– رجاءً خديجة .
انحنى بعدها يقبل وجنتها ويمتصها بأسنانه فمالت نحوه تغمض عيناها ثم ابتعد يتحسس الاحمرار الذي تسبب به لينظر للجهة الأخرى قائلًا بتسلية :
– وهذه أيضًا .
انحنى يفعل بالمثل أيضًا فابتسمت وأبعدته بعدما آلمتها قضماته وقالت موبخة بسبابتها مهددة ووجنتيها تشعان احمرارًا :
– لو كررتها تاني هعضك بجد ، خدودي وجعتني .
قهقه يغمزها وقال وهو يفتح ذراعيه مرحبًا :
– أوه أتمنى ذلك ولكن دعيني أختار لكِ أماكن القضم ، أولًا ـــــــــ.
أوقفته تشير له بيدها ألا يكمل وحركته تقول لتبعده عن طريقها :
– بااااااس خلاص لحد هنا وأنا عارفة اللي هيحصل بعدها ومش هنمشي ، خليني أدخل آخد شاور علشان نروح مشوارنا .
تحركت متجهة إلى الحمام وتركته يقف يطالعها حتى أغلقت الباب فناداها بعلو يتوعد قائلًا :
– حسنًا حينما نعود ستنفذين تهديدكِ يا شهية .
زفر براحة حينما نجح مجددًا في سلب نظرة الحزن من عينيها وتشتيت أفكارها فهو لم ينسَ حديثها فجرًا بل لم يستطع النوم وهو يردد على عقله جملتها ( هتدور عليا في حياتك كلها ومش هتلاقيني ولا هتعرف ترجعني ) .
لا لن يسمح لها أبدًا .
❈-❈-❈
بعد مرور أسبوع
خابت كل طرقها في جمع المبلغ الذي طلبه ، لقد حاولت سرقة أي مبلغٍ من خزنة والدها ولكن لم يفلح الأمر معها ، حتى ما طلبه منها بخصوص عمر لم تستطع فعله فكيف تخذل الشخص الذي أنقذها ! .
حاولت أن ترسل الصور إلى مايا حتى أنها حصلت على رقمها من معارف مسبقة ولكن تراجعت في آخر لحظة عن إرسالها وتملكها شعورًا بالنفور مما ستفعله خاصة وأنها تعلم جيدًا أن عمر سيكرهها وهي لم تعد تريد ذلك .
كانت تجلس على السفرة تتناول طعام الغداء بعبوس وحزن لم يفارقانها هذا الأسبوع حينما رن هاتفها فالتقطته لتجده ذلك الأيمن فتوترت ونظرت لوالدها الذي تساءل بنبرة حادة :
– مين ؟
تحمحمت تجيبه وهي تنهض لتبتعد :
– روان صاحبتي بترن عليا علشان هتجبلي المحاضرات اللي فاتتني .
تحركت تغادر الغرفة وتصعد الدرج سريعًا لتدلف غرفتها وتجيبه وهي تغلق الباب خلفها :
– عايز إيه ؟
– عايز إيه ؟ ، إنتِ وقعتي على دماغك ولا إيه ؟ ، فات أسبوع يا حلوة عملتي إيه ؟
– يا خسارة الحب اللي حبيتهولك .
قالتها بدموع قهرٍ ويأس فتابع بقسوة وتوبيخ :
– حب إيه يابت انتِ صدقتي نفسك ولا إيه ؟ ، لا أنا ولا إنتِ بتوع حب ، إحنا بتوع مصالح وإنتِ زيي بالضبط ، اخلصي جهزتي الفلوس وعملتي اللي قولتلك عليه ؟
ابتلعت لعابها وأجابته بخوفٍ وتوتر :
– ماعرفتش أجمع حاجة طبعًا ، إنت مجنون هجيب منين مبلغ زي ده ؟
زفر بملل وتهكم ثم تحدث بتجهم مستفسرًا :
– يعني من الآخر مش هتتصرفي ؟
توترت كليًا وتحدثت بمماطلة علها تجد حلًا :
– طيب اديني وقت وأنا هحاول أتصرفلك في أي مبلغ .
– ربع مليون ماينقصوش مليم ، وتبعتي الصور للحلوة مايا ، أنا ممكن ابعتها بس منك أحلى ، معاكي أسبوع كمان يا حلوة .
عنفته قبل أن يغلق :
– مش هعرف أجيب ربع مليون زفت على دماغك ، وإلا بقى ابعت واعمل اللي إنت عايزه ، هحاول اتصرفلك في أي مبلغ وتغور من سكتي .
زفر وصمت لثوانٍ حينما لاحظ أنه كاد يخسر ورقته الرابحة لذا تحدث يجيبها ببرود :
– احمدي ربنا إني طلبت فلوس بس وكمان بديكي مهلة كبيرة أهو ، علشان تعرفي إنك مميزة عندي .
بصقت بصوتٍ مسموع فأجابها بضحكة واستفزاز :
– وأه نسيت اقولك إني معايا زراير البلوزة بتاعتك ، يالا سلام .
أغلق بعدها وتركها ترتد على المقعد ولا تعلم ماذا تفعل ولمن تلجأ في هذا الأمر الذي وضعت نفسها فيه .
❈-❈-❈
بعد يومين
كانت خديجة تشعر بالضيق في هذا المنزل وحتى أن الأرق أصابها فهي تتبعت الحلال في حياتها كاملة فلم تشعر بالراحة فيه أبدًا .
ولكنها طوال هذه المدة قضت أغلب الوقت في الصلاة والعبادة علّها تخفف من وطأة التأنيب التي تراودها .
وإحقافًا للحق فهو لم يعترض أو يتذمر بل أثارت صلاتها تساؤلات كثيرة داخله .
ربما لم تعطهِ محاضرات كلامية كثيرة عن دينها ولكن أفعالها كانت أكثر تأثيرًا عليه ومع ذلك لم يتوقف لحظة عن عبثه وجنونه وشغفه بها الذي لم يقل بل يزيد ، فكلما استكشف بها خِصلةً زادته تعلقًا بها خاصة وأن خصالها جميعها تندرج تحت بنود الحياء والأخلاق والتعقل وهذه الأمور هو يفتقدها تمامًا .
على عكسه هو وعلى عكس ما يشعر به فبعض خصاله تجهدها ، تصل إلى حالة تشتت وعجز خاصةً أمام سطوته عليها فلم يسمح لها بالضيق أو الخصام فباتت تجاهد معه جهادًا نفسيًا يشعرها بالضيق ومع ذلك لا تملك أخذ قرارٍ صارمٍ أمام حبه المشاغب .
ها هما في طريق عودتهما إلى منزلهما ، يقود وتجاوره منشغلة بالطريق تفكر ماذا بعد ؟
كان سعيدًا ، سعيدًا بحقٍ لدرجة أنه يدندن إحدى الأغاني الإيطالية الشهيرة ويقود بعبثٍ كأن الطريق ملكه .
يميل عليها ويغمزها لتندمج معه ولكنها تزفر وتتنهد بضيق من صوت الموسيقى الصاخب وتقابل محاولاته بالرفض برغم سعادتها بالعودة .
لم يتأفأف أو يمل من رفضها بل كان تصميمه هو الغالب حيث في نهاية الأمر التفتت تطالعه بعيون متعجبة وقالت بتهكم :
– خلاص بقى يا خالد اهدى مش كدة .
وضع كفه على قلبه يمثل كلمات الأغنية وهو يطالعها قائلًا بملامح متأثرة :
– إذا كنت تريدني ، أنا هنااااا ، لا أحد يسمعك ، لكن أنا نعم ، عندما أنت لا تعلم أين تذهب أنا هنااا ، أنا هنااااا .
ربما لا تميز كلمات الأغنية الإيطالية ولكن كلمة ( أنا هنا ) مع حركة يده جعلتها تبتسم وتهز رأسها بقلة حيلة ثم استغفرت قائلة بهدوء ينافي شغبه :
– تمام ، خلصت ؟
ابتسم وصمت أخيرًا ثم تناول كفها يلثمه ويقول :
– بهبك يا خديجة ، بهبـــــــــــك جــداً .
ابتسمت تلف وجهها للجهة المقابلة باستسلام بائس ثم عادت إليه تطالعه بعيون لامعة وتحدثت بصدق :
– وأنا كمان بحبك جدًا.
تبعت جملتها بحركة يدها التي اتجهت تغلق الأغنية ثم اعتدلت تطالعه برجاء وتابعت :
– بس ركز بقى في الطريق علشان خاطري .
أومأ بطاعة خاصة بعد كلمة بحبك التي قالتها والتي انعشت روحه وتحمحم يردف بنبرة مرحة متعثرة :
– متخافيش ، هنوصل بخير .
أومأت له وأكمل هو قيادته وهو يتحدث عن عدة أمور معظمها عابث وجريء كشخصيته .
❈-❈-❈
تقف تعد الفطور بشرود وتنتظره إلى أن ينزل لترى ماذا ستفعل فكلما مر الوقت تملك منها اليأس ولكن ما يطمئنها قليلًا هو وعد صقر لها .
نزل بعد دقائق يرتدي ملابس عمله فسمعت خطواته لذا تحركت خارج المطبخ تطالعه بنظراتٍ متوترة وتفرك أصابعها قائلة :
– إنت هتخرج دلوقتي ؟ ، أنا بجهز فطار نفطر سوا .
حدق بها متعجبًا من طريقتها التي تتبعها مؤخرًا معه وبرغم إثارة شكوكه إلا أنه بدأ يصدقها ويصدق محاولاتها في الاستسلام لذا تحدث بتعالٍ وهو يشملها بنظرة متسلطة :
– اتعودت مافطرش .
تنهدت تخفض نظرها عنه ثم أومأت وعادت تطالعه وتردف بترقب :
– طيب قبل ما نسافر أنا محتاجة أخرج .
تحولت نظرته من التعالي إلى الشك والغضب لتسرع قائلة بخوفٍ توغلها :
– أنا عندي نزيف ومش عارفة سببه إيه وعايزة أروح للدكتور وكمان محتاجة حاجات كتير قبل ما أسافر ، أنا مش عايزة أخرج لوحدي خلينا نخرج سوا .
تنهدت بقوة تستجمع كامل طاقتها لتردف جملتها التالية وهي تدقق النظر في عينيه وتتابع بنبرة هادئة :
– لازم تيجي معايا عند الدكتور علشان نعرف ممكن يحصل حمل تاني امتى .
ضيق عيناه متعجبًا فأخفضت بصرها للحظات ثم عادت تطالعه وتردف بمكر مغلف بالضعف جاهدت لإتقانه :
– أنا محتاجة بيبي يكون معايا في حياتي الجاية بمَ إني هعيش معظم الوقت هناك لوحدي .
مرت على عقله غيمة شكٍ وتبعتها غيمة خيال لما قالته ولكن تبخرت غيمة الخيال وغطت سماء عقله غيمة الشك وهو يقول بجمود قبل أن يغادر :
– كل حاجة هتحتاجيها متوفرة هناك ، إحنا مش رايحين غابة ، وحتى الدكتور لما نسافر هعرضك هناك على حد مختص .
تحرك فسمعها تقول بهدوء برغم اليأس الذي هجم عليها :
– تمام .
طاعتها هذه أسقطت أمطار شكه من فوق عقله وبرغم ذلك غادر كأنه لم يسمعها وتركها تقف تحاول منع دموعها ولكن هيهات ألا تسقط بل أسرعت تجهش في بكاءٍ وخوفٍ من تنفيذ مخططه واحتمالية إعدامها حية .
❈-❈-❈
وصلا إلى فيلتهما وصف خالد السيارة جانبًا وترجلا سويًا يتجهان نحو الداخل وإيديهما مكبلتان ببعضهما .
ما إن دلفا وأغلق خالد الباب حتى عاد يحتجزها في نفس المكان الذي احتجزها فيه ليلة زفافهما .
لتشهق متفاجئة وهو يقيدها بذراعيه ويطالعها بخبثٍ جلي قائلًا بعيون ماكرة :
– ما رأيكِ أن نعيد ذكرى تلك الليلة ؟
حاولت منعه قائلة بتريث وعيناها المرهقة تطالعه :
– خالد اهدأ وصلنا لتونا من سفرٍ طويل ، أولم تشعر بالتعب أبدًا ؟
هز رأسه يردف بتباهي قائلًا بعبث وهو يقترب منها حتى اختلطت أنفاسهما :
– لم أشعر بأي تعب .
أنهى جملته ولم يعطها فرصة بل التهم شفتيها في قبلة مشتاقة متمهلة كأنه حرم منها دهرًا لتبادله بهدوء فقد بدأت تعتاد على هجومه اللذيذ وارتفعت يدها تعانق رقبته فحاوط خصرها يرفعها عن الأرض وهو مستمر في قبلاته ثم تحرك بها نحو غرفتهما ليعيدا ذكرى ليلة زفافهما بكل تفاصيلها .
بعد وقتٍ يتمدد على السرير بملامح مستمتعة ومشاعر تجعل ابتسامته تعلو ثغره دومًا .
يعانقها وتنام على صدره شاردة في ما تعيشه معه وتتلاعب بأصابعها على وشمه المطبوع على خصره ، زفرت وتحدثت كي تلهي عقلها عن التفكير في تلك الوشوم التي لا تحبها قائلة :
– خالد ممكن أطلب منك طلب ؟
تمتم لها وبدأ يغفو فتابعت بترقب :
– بابا وماما ومازن وحشوني جدًا ، لو نروحلهم النهاردة بليل ؟
انتابه الضيق والتملك الذي أخفى تبسمه ليحل البرود على وجهه وقد توغلت الغيرة إليه تنهش قلبه من مجرد كلمة اشتياقٍ لأهلها لذا قال متحججًا وهو يسحب جسده للأسفل قليلًا حتى يتسنى له النوم :
– لنتركها غدًا خديجة نحن جئنا من سفرٍ طويلٍ ومن المؤكد نحن متعبان .
ارتفعت برأسها تطالعه باستنكار قائلة :
– لا بجد ؟ ، دلوقتي جينا من سفر طويل وبقينا تعبانين ؟ .
أغمض عينيه متهربًا وهو يلتفت إليها ويعانقها بقوة ليقضي على حديثها قائلًا بنعاس :
– نعم هذه الحقيقة ، هيا يا شهية دعينا ننام ونستريح قليلًا .
قبلها بخفة فوق شفتيها وأسرع يختبئ في نومه من عينيها التي تطالعه بشك .
أما هي فزفرت وقررت النوم قليلًا فهي أيضًا تشعر بالنعاس .
❈-❈-❈
كان في طريقه عائدًا بها من الجامعة ، تثرثر دون توقف كعادتها وتقص له ما حدث معها وهو يستمع لها بحب .
رن هاتفه وهو ينعطف حيث كان يرتكز في محفظته فنظرت مايا للمتصل تقول :
– ده رقم غريب يا عمر ؟
– طب افتحي .
هكذا أجابها فامتدت يدها تفتح الخط ليتحدث هو بترقب :
– أيوة مين ؟
صوت أنفاس مترددة تعجبا له ثم تحدثت بتوترٍ تجيبه :
– أيوة يا عمر ، أنا إيمان .
ثوانٍ فقط قبل أن ينتشل الهاتف من مكانه ويغلق مكبر الصوت تحت أنظار مايا الذاهلة ويتحدث بتوترٍ :
– إيمان مين ؟
تحدثت إيمان بحزنٍ بعدما ضاقت سبلها وقررت اللجوء إليه قائلة :
– إيمان يا عمر ، إيمان العدلي .
– النمرة غلط .
قالها وأغلق الخط مسرعًا وشعر بوغزة في صدره وللحظة فقد جرأته في مواجهتها حينما تذكر ما حدث ، لمَ تهاتفه تلك الفتاة وماذا تريد منه وكيف سيواجه تلك التي سلطت عيناها عليه وتنتظر تفسيره .
زفر ولف يطالعها ليجدها تطالعه بترقب فعاد ينظر أمامه ويقود ولا يعلم بماذا يجيب ولم ترحم صمته الموحش بل أكملت عليه بسؤالها ونبرتها الواهمة حينما قالت :
– مين دي يا عمر ؟
أغمض عينيه للحظات ثم عاد يبصر للطريق وتحدث بمراوغة :
– واحدة طلبت نمرة غلط .
بالطبع لم تصدق ما قاله لذا نطقتها صريحة :
– نمرة غلط وبتقولك يا عمر ؟ ، للدرجادي شايفني غبية ؟
التفت يطالعها لثوانٍ ثم توقف جانبًا والتفت لها يتمعن في ملامحها التي غلفها الحزن فورًا ولكنه لم يستطع إخبارها بالحقيقة لذا تنهد وقال بكذبٍ لم يفلح به :
– دي بنت كانت بتيجي الجيم اللي كنت بشتغل فيه ، بتحاول تتواصل معايا بس أنا قلتلها إن الرقم غلط علشان ماتتصلش تاني .
حدقت به بتعجب ولم تقتنع بحديثه لذا قالت بنبرة حانقة وعلامات التعجب والشك تغزل خيوطًا فوق وجهها :
– يعني إيه الكلام ده ؟ ، إنت مخبي عني إيه يا عمر ؟
احتدت نبرته وقال بعيون محذرة :
– مايا ماتعمليش مشكلة من حاجة ماتستاهلش ، هخبي عنك إيه أنا ؟ ، قلتلك دي بنت بتحاول تتواصل معايا وأنا صدتها أهو .
تضاعف حزنها ومطت شفتيها بشكلٍ عفوي لذا تكتفت وعادت تنظر أمامها قائلة بنبرة غاضبة :
– روحني يا عمر دلوقتي حالًا .
❈-❈-❈
كانت سعيدة خاصةً وأنه لم يذهب إلى شركته هذا الصباح وقرر قضاء بعض الوقت معها .
كانا يجلسان أمام المسبح يتحدث معها عن آخر التطورات الخاصة بأميرة .
تنهدت بقوة تطالعه بحبٍ ثم تذكرت أمرًا ما لذا تساءلت :
– النهاردة عندك معاد مع المعالجة ، هتروح ؟
نظر في ساعة يده وهو يرتشف العصير ثم وضعه أمامه وتحدث بهدوء :
– بمَ إن آسيا هانم جاية النهاردة فخليها يوم تاني ، مابحبش أروح إلا وإنتِ معايا .
ابتسمت وامتدت يدها تتحسس كفه بحنان ثم تحدثت بترقب :
– أنا هبلغ ماما بموضوع عمر يا صقر ، النهاردة سألتني ليه مابقتش أروح هناك وأنا مش هقدر أخبي عنها حاجة مهمة زي دي أكتر من كدة .
أومأ مؤيدًا يردف برتابة :
– أنا معاكِ ، الأفضل إنها تعرف بس أنا كنت بقول المفروض عمر هو اللي يعرف الأول ، وفي نفس الوقت مش عارف ممكن أفتح معاه موضوع زي ده إزاي .
تعلم جيدًا صعوبة الأمر وتدرك من الآن شكل الصدمة التي ستقع على عمر لهذا فهي ستخبر آسيا علها تساندها حين معرفته .
ابتلعت لعابها وقالت بتروٍ :
– علشان كدة بقول إن ماما لازم تعرف ، لما عمر يعرف الحقيقة دي هيحتاجنا كلنا حواليه ، وأنا متأكدة إن مافيش حد فينا موقفه هيتغير أبدًا من ناحية عمر .
برغم معرفته جيدًا بمشاعر زوجته إلا أنه يغار من ذكرها لاسم رجلٍ غيره خاصةً وأن هذا الرجل يعلم جيدًا أن زوجته تقدره وتلجأ إليه في بعض الأحيان ، تنفس بقوة وجاهد ليتحكم في انفعالاته ثم رفع يدها يلثمها ونهض يتحدث بهدوء :
– تمام ، بمَ إن آسيا هانم على وصول خليني أروح أخلص شوية التزامات وأرجعلك علطول .
تبدلت ملامح الاسترخاء إلى التعجب والحنق الطفولي قائلة بنبرة متطلبة :
– التزامات إيه يا صقر مش قلت إن النهاردة بتاعي أنا ؟
ابتسم لها ثم انحنى يقبل وجنتها وعاد يعتدل قائلًا :
– كنت ناوي كدة فعلًا ، بس الأفضل تكوني إنتِ وآسيا هانم لوحدكوا وأنا مش هتأخر .
زفرت باستسلام تومئ له ووقفت تخطو معه لتودعه وتحضر ضيافة لاستقبال والدتها .
❈-❈-❈
تداخل الضجيج في رأسها وهي في عمق نومها لتنكمش ملامحها مستشعرة هذا الاهتزاز الذي يجاورها لتفتح عينيها ببطء وتنظر على مرمى بصرها حيث كان هاتفها على الكومود يجاورها ويعلن عن اتصالٍ صامتٍ من أحدهم .
تحمحمت ومدت يدها تتناوله وتطالعه لتجدها والدتها .
أجابت بنعاسٍ وبنبرة حنونة قائلة :
– سلام عليكم ، عاملة إيه يا ماما .
تحدثت نسرين باشتياق ويجاورها بهجت يترقب سماع صوت ابنته بلهفة :
– ديچا حبيبتي ، وصلتي بالسلامة ؟ ، ليه مكلمتنيش أول ما جيتوا قلقت عليكِ .
تنفست خديجة وهي بين أحضان هذا النائم بعمق ثم تحدثت بهمس حتى لا تقلقه :
– معلش يا ماما ، إحنا بخير يا حبيبتي ، وصلنا من ساعتين تقريبًا ، بابا ومازن عاملين إيه ، وحشتوني جداً ونفسي أشوفكم أوي .
تنهدت نسرين باشتياق مماثل وهي تبتسم وزوجها يشاور لها أن تناوله الهاتف فقالت :
– خدي بابا عايز يكلمك أهو .
ناولته الهاتف فالتقطه يردف على الفور بلهفة :
– تعالي لما أشوفك يا خديجة ، وحشتيني أوي يابنتي .
سبقها قلبها إليه وتملكها حنينًا قويًا لعناقه ورؤيته لذا تنهدت وسريعًا قالت ما طرأ على عقلها :
– وانت كمان وحشتني جدًا يا بابا .
زفرت ونظرت لهذا النائم بعمق ثم عادت تتحدث بترقب :
– إيه رأيك لو تجيب ماما ومازن وتيجوا انتوا ؟ ، نفسي أشوفكم أوي .
نظر لزوجته التي استمعت لعرض ابنتها وأشارت إليه برفضٍ وحرج ولكنه تحدث بقبول متجاهلًا رفض زوجته :
– تمام يا خديجة ، هنيجي نشوفك ونرجع علطول .
انتابتها سعادة رسمت على ملامحها وتجلت في نبرتها حينما قالت :
– ماشي يا بابا هستناكوا .
أغلقت معه وتنهدت بحماس ثم عادت تنظر لهذا النائم يتقلب في بحر أحلامه الوقحة ويداه تلتف حولها تعانق صدرها فيتجسد حلمه بواقعية أكثر .
ابتسمت عليه والتفتت تحاول التململ من بين يديه ونجحت ثم وضعت الوسادة بدلًا عنها فانكمشت ملامحه بضيق كأنه يرفض تلك القطعة القطنية ويريد قطعته الغضة الأنثوية ولكنه برغم ذلك يكمل نومه .
ترجلت وتحركت نحو الحمام لتغتسل وتبدأ في تحضير نفسها لاستقبال أسرتها .
❈-❈-❈
يجلس عمر في الملحق الخاص به يفكر فيم‌َ حدث منذ قليل ولمَ هاتفته تلك الفتاة وماذا تريد ؟
نادمًا على كذبه ومراوغته ولكنه تعهد ألا يفصح سرها ويكشف أمرها ولكن تنتابه رغبةً في معرفة سبب اتصالها به ربما أرادت مساعدته ؟
يفكر هل يهاتفها أم لا لتأتي مايا على مخيلته خاصةً وأنه يعلم يقينًا أنها الآن حزينة لذا قرر تجاهل تلك الرغبة ونهض ليراها ويحاول مراضاتها .
خرج يحمل هاتفه ويحاول الوصول لها فلم تجبه ، رفع نظره نحو غرفتها ليجدها مضاءة لذا عاد يكرر اتصاله بها ولكنها أيضًا لم تجبه .
فكر قليلًا هل يصعد إليها خاصة وآسيا هانم ليست هنا بل ذهبت لزيارة نارة ولكن ليس أمامه سبيلًا آخر لذا زفر وتحرك نحو المنزل ليراها .
فتح الباب ودلف يتحمحم بحرج فما يفعله في الآونة الأخيرة مخالفًا تمامًا لمَ اعتاد عليه وما يفضله ومع ذلك هو يكمل خطاه نحو الأعلى حيث غرفتها وكأنه مجبرٌ خاصةً وهي تتدلل ولا تجيبه .
وصل إلى غرفتها وتنفس بقوة ثم رفع يده يطرق بابها ليجده مواربًا وصوت أغاني تصدح من الداخل فقطب جبينه متعجبًا بعدما لمح غرفتها خالية .
ناداها وهو يفتح الباب بحذر فلم تجبه لذا تملكه القلق وأخذته قدماه نحو الداخل وهو مستمرًا في ندائها بهدوء وعيناه تتفحص الجوار .
الغرفة خالية منها وكلمات الأغنية تتردد على مسامعه
( لو جاي في رجوع انساني ، شوفلك موضوع تاني ، ارجع ليـــه للي أذاني وعليا بإيـــــــــــه )
هز رأسه متنهدًا على تلك المشاغبة ووقف يبتسم حيث تسحبه كلمات الأغنية كالرمال المتحركة .
كانت قد انتهت من حمامها وارتدت مئزرها وتحركت نحو الخارج بملامح حزينة وعبوسٍ ودموعٍ كلما جفت عادت تتلألأ .
خطت من الحمام واتجهت نحو السرير لتلتقط ملابسها وما إن اعتدلت لتقف وتبدأ في فك مئزرها حتى وجدته يقف أمامها يطالعها بجحوظ وتخشب فاتسعت عيناها وأطلقت صرخة :
– عاااااااااااااا .
حل وثاق قدميه وهو يسرع نحو الخارج ويغلق الباب وقلبه ينبض بصخب ويردد بصدمة وعيون تكاد تسقط منه :
– يابنت المجانين .
أما هي فوقفت تنظر لهيأتها ويداها تغلق طرفي مئزرها بصدمة وما إن اطمأنت ووعت لنفسها تنظر حولها حتى تحدثت بخجل :
– عمر ؟
عادت تخطو نحو الباب وتفتحه لتجده ينزل الدرج عائدًا من حيث أتى فنادته قائلة بحرج :
– عمر استنى .
توقف يلتفت لها فوجدها تسرع إليه حتى لحقته فتحمحمت وقالت وهي تحدق به :
– معلش أنا بس اتفاجئت بيك قدامي فاتخضيت ، تعالى نطلع .
امتدت يدها تتمسك بكفه فتحمحم هو الأخر بتوتر خاصة من هذا الموقف الذي وضع نفسه فيه وتحدث بحرجٍ شدشدٍ وهو يحاول إفلات يده منها :
– أنا رنيت عليكِ كتير ماردتيش ، فكرتك زعلانة ماكنتش أعرف إنك بتاخدي شاور علشان كدة طلعت ، اطلعي إنتِ غيري هدومك وهستناكِ تحت في الجنينة .
تكتفت تطالعه بحنق وقالت موبخة حينما ذكرها :
– مهو أنا فعلًا زعلانة منك جدًا .
أومأ يطالعها بثقب ويردف مشيرًا برأسه نحو غرفتها :
– أيوة مانا عارف ، ومشغلة أغنية بتقول لو جاي في رجوع انساني أرجع ليه للي أذاني ، أنا أذيتك يا مايا ؟
أومأت له عدة مرات وهي تقول مؤكدة :
– أيوة طبعًا أذتني ، وخبيت عني إن اللي كلمتك دي هي البنت اللي اسمها إيمان العدلي .
صُدم من معرفتها بهويتها وعاد التوتر يسلك طريقه إلى ملامحه متسائلًا :
– عرفتي إزاي ؟
تأكدت من شكوكها بسؤاله وقالت موضحة :
– من صوتها طبعًا .
تنفست بعمق وطالعته بثقة تسترسل :
– بتحاول تقرب منك صح ؟ ، مفكرة إنك هتعجب بيها .
لا يعلم أينكر هذا الإدعاء أم يؤكده ولكنه قرر تجاهله لذا قال ويديه تُمسك بيديها تحررهما قائلًا بحب :
– مايا خلينا ننسى اللي حصل النهاردة ده كله ومانخليش حد يكون سبب إننا نزعل مع بعض ، أنا بجد مضايق جدًا علشان إنتِ زعلانة .
حررت كفها واحتضنت وجهه تقول بحنانٍ وعيون تبدلت بها دموع الحزن بدموع السعادة والراحة :
– مش زعلانة ، ماقدرش أزعل منك أبدًا .
ابتسم وتنفس براحة وهو يميل على كفها بحب ثم رفع حاجبيه في إشارة منه نحو غرفتها متسائلًا :
– طب والأغنية ؟
– هطلع أغيرها .
نطقتها بابتسامة ناعمة فتنهد حبًا بها ثم نظر حوله وعاد إليها يقول بنبرة تحمل من العشق ما يكفيهما ويفيض :
– طيب يالا اطلعي غيري هدومك وتعالى نقعد سوا تحت لحد ما آسيا هانم ترجع .
أومأت له بحب ورفعت سبابتها تقول محذرة :
– تمام بس تعمل للبنت دي بلوك ولو حاولت تتواصل معاك تاني عرفني .
أومأ لها مطيعًا فابتسمت لذا تنهد قائلًا :
– هستناكِ تحت .
تركها وأكمل نزوله بينما هي صعدت تقفز بسعادة حتى دلفت غرفتها واتجهت على الفور تبدل الأغنية بغيرها
( لو أقولك إني بحبك الحب شوية عليــــــــك ) .
❈-❈-❈
انتهت من تحضير نفسها حيث ارتدت فستانًا طويلًا منقوشًا بورود بيضاء وأكمام طويلة .
تركت خصلاتها حرة دون قيود لتصبح أكثر حيوية وثقة ونشاط .
التفتت تطالع هذا الذي ينام على بطنه ساحقًا الوسائد أسفله بفوضوية وغطاء رقيق فقط يغطي نصفه .
زفرت ثم خطت تجاهه ثم انحنت قليلًا لتقابل نصف وجهه الظاهر ونادته بنعومة قائلة :
– خالد ؟ ، اصحى يالا .
توغل صوتها إلى أعماق مسامعه فابتسم ولم يستيقظ فمدت يدها تلكزه بخفة عند كتفه وتعاود النداء قائلة بنبرة أعلى قليلًا :
– خااالد ، يالا اصحى بابا وماما جايين .
تجعدت ملامحه وغزلت خيوط الضيق فوق وجهه ثم فتح عينيه يطالعها بنعاس لثوانٍ يتأكد مما سمعه فابتسمت له وعادت تردف بهدوء :
– يالا يا حبيبي قوم اجهز علشان زمانهم على وصول .
انتفض يجلس بحركةٍ سريعة كشفت عن جسده قائلًا باستنكار وضيق :
– جايين فين ؟
تعجبت من نبرته وأصابها الإحباط والصدمة وهي تجيبه :
– جايين هنا ! ، كلموني وقلتلهم ييجوا أشوفهم ، فيها إيه ؟
مسح بكفيه عن وجهه ليستيقظ جيدًا ويهديء من ضيقه أمامها ثم عاد يطالعها قائلًا بنبرة مستفهمة :
– مافيش بس اتفقنا نروهلهم بكرة ، يأني ألشان كدة استغربت .
تنفست بقوة تهديء من خفقان قلبها ثم اتجهت إليه وجلست بالقرب منه تردف بنبرة مترجية ومحذرة في آنٍ واحد :
– خالد لو سمحت خليك كويس مع بابا ، أنا بزعل جدًا لما بتتخانقوا سوا .
رفع رأسه قليلًا وأسبل جفنيه يهديء من زوبعته ثم عاد يطالعها قائلًا بهدوء يخفي ضيقًا انتابه :
– تمام يا خديجة .
ابتسمت له ثم نهضت تردف بترقب :
– تمام يالا قوم خد شاور وأنا هنزل أحضرلهم ضيافة .
رأى الفرحة في عينيها فلم يرد أن يحزنها بالرغم من أنه كان يود قضاء الوقت معها ، يود قضاء كل أوقاته معها بمفردهما فقط .
لمَ عليها أن تعطي لعائلتها جزءًا من وقتها ؟ ، يفترض أن تكن ملكه مثلما هو ملكها دون عائلة تأخذه منها .
لم من الأساس يجب على الشخص أن يكون له عائلة يحبها .
خرج من أفكاره الأنانية على ملامحها التي تنتظر حديثه فأومأ قائلًا وهو يتحرك :
– تمام يالا .
زفرت تنهض وترجل هو يخطو نحو الحمام بغضبٍ يجاهد ليلجمه خاصة وأنه لا يحب رؤية ذاك البهجت ولكنه مضطر .
❈-❈-❈
بعد قليل
تقف قبالته تتطلع على ملامحه الوسيمة وهي تضع له القليل من مخمرية الزهور الاستوائية التي تفضلها عن العطور .
تفردها على عنقه وبشرته وتدلكها بحب قائلة :
– إيه رأيك ؟
أطرق يطالعها ثم قال غامزًا إياها ويده توغزها بخفة في جانبيها :
– رائحتها شهية مثلك .
انتفضت ضاحكة وهي تبتعد عنه قائلة بسبابتها كتحذير :
– بس يا خالد ، بغير جدًا .
ضيق عينيه بمكر وخطى نحوها خطوات مدروسة كأسدٍ احتجز فريسته وعلم نقطة ضعفها وهي تبتعد محذرة تخشى حتى الالتفات الذي حاولت تجربته ولكنه أسرع ينقض عليها فصرخت ضاحكة وهو يحملها بين يديه بوزنٍ خفيفٍ يساعده على العبث معها .
تتلوى لتحرر نفسها منه ولكنه تحرك بها نحو الفراش وسقطا سويًا عليه ويده توغزها في خصرها ويضحك وهي تهتز بعنف وضحكاتها تتعالى لثوانٍ مرت مستمرًا في فعلته حتى كادت ضحكاتها تخنقها وهي تصرخ في محاولة منها ليفلتها بعدما باتت أنفاسها تبتعد فشهقت وبدلًا عن القهقهات أصبحت تسعل وشحبت ملامحها فتوقف يطالعها بصدمة ثم أسرع إليها بقلقٍ يدلك ظهرها ليسعفها قائلًا :
– حسنًا خديجة اهدئي .
ظلت تسعل وتضع كفها على صدرها منحنية تلتقط أنفاسها وهو يمسد على ظهرها بحنانٍ ثم قال معتذرًا :
– أنا آسف يبدو أنني بالغت ، ولكنني أحببت ضحكاتكِ .
التقطت أنفاسها أخيرًا ونظرت له بهدوء ثم تحدثت وهي تحاول الترجل من فوق الفراش :
– حصل خير .
تبدلت حالتها فقد شعرت أن أنفاسها ستتوقف لذا تحركت تغادر الغرفة وتركته في حالة ضيق تستحوذ عليه .
طوال حياته حُرم من اللهو واللعب والمرح والقهقهات العالية .
حُرم من أمٍ تدلله وحُرم من أبٍ يرشده ، عاش محرومًا للشغف والحب .
حتى بعد أن شب وبات يسترق العبث واللهو والملذات بنفسه وبرغم ذلك لم يشعر بأي سعادة
سعى في الأرض ليحصل على شعورٍ يقتل حرمانه فلم يجد .
لم يجده سوى معها فقط ، منذ أن دلفت حياته بدأت تعطيه من نهر حنانها ولطافتها وتصب في أرض حرمانه القاحلة فيرتوي شيئًا فشيئًا.
يعلم أن عبثه كثيرًا عليها وأحيانًا مبالغًا فيه ولكنه ينسى قسوة زمانه معها ، ينسى كل شيءٍ معها .
زفر باختناق فقد تمادى للحد الذي يمكنه إصابتها بالأذى لذا نهض من فراشه يخطو نحو الخارج ليراها ويطمئن عليها .
كانت قد توجهت للغرفة المجاورة تقف في شرفتها تستنشق القليل من الهواء لتنعش رئتيها مجددًا بعدها التقطت غطاءًا لرأسها .
ناداها وهو يخطو في الردهة فتحمحمت وتحدثت وهي تلتفت بطرفها :
– أنا هنا يا خالد .
تتبع صوتها حتى وصل إليها فوجدها تبتسم له بهدوء ثم عادت تنظر من الشرفة نحو مدخل الفيلا والحرس الذين يوالون ظهروهم للمكان فاتجه يعانقها ويلف يده حولها ثم انحنى نحو أذنها يردف بهمس مكررًا اعتذاره :
– آسف خديجة ، لقد بالغت كثيرًا ، لم أقصد أبدًا إصابتكِ بأي أذى .
مالت تستند برأسها على صدره وربتت على يده قائلة بحنو لتخفف من وطأة حزنه ولوم نفسه :
– بالطبع أعلم ، ولكني أعاني من ضيق التنفس أحيانًا ، لذا شعرت بالاختناق ، ولكن أنا بخير لا تقلق .
ها هو ذنب جديد يلتهمه ويجعله غاضبًا أكثر من نفسه لذا زفر ولم يتحدث وظل صامتًا يعانقها ولكن قطع وصلة عناقهما فتح البوابة ودخول سيارة والدها التي جعلتها تنتفض من بين أحضانه وتتناسى حالتها بحماسٍ وهي تتركه وتركض نحو الداخل كطفلة في السابعة من عمرها أتى والدها الحنون من سفرٍ طويل قائلة من بين حالتها المفاجئة وقد وصلت إلى خارج الغرفة :
– جُم يا خاااالد .
وقف مصدومًا لبرهة من الزمن على هذه التي تبدلت حالتها تمامًا من مجرد رؤية عائلتها ثم تحرك يتبعها بضيق وغضب أخرجاه من حزنه عليها .
وصل إلى أعلى الدرج بينما كانت هي عند الباب تفتحه وتستقبل والدتها التي سبقت والدها وقد استقرت في أحضانها ونسرين تبادلها بشوقٍ وحنانٍ وابتسامة تحت أنظار هذا الواقف في الأعلى .
ابتعدت حينما رأت والدها يتقدم لتسرع إليه في عناقٍ حار مشتاق والآخر يبادلها بشغفٍ وحنين على مرمى بصر وحشٍ كاسر .
يعانقان من هي ملكًا له هو فقط وأمام عيناه وكم هي مستمتعة بعدما كانت في حالة واهنة منذ قليل !! .
توغلته غيرة اندفاعية هجومية مفاجئة جعلت جسده يحترق وهو ينزل الدرج مسرعًا يخطو نحوهم ثم تمسك بذراعها ينزعها بشكلٍ مفاجيء من عناق والدها الذي تسمر مكانه يطالعه بتعجب والتفتت هي تطالعه بعيون متسائلة بينما هو يحدق بهم بملامح قاتمة لا يرغب في إخفائها وقال بنبرة جلفة :
– في إيه ؟ ، كأنكوا مشفتوش بئض من إشرين سنة ؟
تجهمت ملامح بهجت وكاد أن يرد عليه فأسرعت نسرين تلكزه في يده في إشارة منها أن يهدأ بينما تحدثت خديجة بصدمة متعجبة :
– في إيه يا خالد ، سيب إيدي .
ترك معصم يدها ليتمسك بكفها بدلًا عنه ويضعه داخل كفه بتملك ووقف يلتصق بها يستقبلهما قائلًا ببرود :
– أهلًا وسهلًا ، اتفضلوا .
نظر بهجت لزوجته التي تعجبت من غيرته المبالغ بها ولكنها ابتسمت لتمرر الأمور قائلة بهدوء :
– شكرًا يا خالد .
أفسح لهما المجال يتحرك وخديجة تتحرك معه بصدمة ألجمتها وجعلتها كالدمية بينما حثت نسرين بهجت على التحرك نحو الداخل فدلف مجبرًا يتحكم في غضبه من هذا المجنون الهمجي الذي يغير من عناق أبٍ لابنته .
دلفوا يجلسون جميعهم في بهو الفيلا ولم يتفوه أحدًا سوى نسرين التي أرادت امتصاص هالة التوتر القائمة وهي تقول :
– عامل إيه يا خالد .
أومأ بملامح ثابتة يجيب باختصار :
– الهمد لله .
ابتسمت لابنتها المنزعجة وتابعت بحنو لتخرجها من أفكارها :
– إيه القمر ده يا ديجا ؟ ، واضح إن خالد مهتم بيكِ جدًا ، ولا إيه يا بهجت !
نطقت الأخيرة وهي تلتفت لزوجها المتجهم لتحثه على الحديث فقال بغيظ متحديًا تلك النظرات المشتعلة التي تسلطت عليه :
– بنتي طول عمرها بدر منور وذوق في التعامل .
ابتسم خالد باستفزاز وحل وثاق كف خديجة ليعانق خصرها قائلًا بالإنجليزية وهو يقربها منه بعيون ماكرة :
– نعم هذه هي زوجتي .
تحمحمت خديجة التي بدأت تخرج من انزعاجها والتفتت تطالعه بنظرة رجائية أن يتوقف عن أفعاله كما وعدها فبادلها مبتسمًا وقد تفهم نظرتها لذا عاد ينظر إلى بهجت ويتابع :
– منور يا همايا .
❈-❈-❈
كانت قد غفت أثناء تدوينها لبعض الخواطر التي تهب على عقلها كالعادة .
ولكنها انتفضت على صوته حينما ناداها فاعتدلت على مقعدها تحتضن جسدها وتطالعه قائلة بنعاس :
– خير في إيه ؟
– نايمة هنا ليه ؟
سألها بشكٍ وهو يقلب في صفحات دفترها الذي انتزعه يقرأ ما تدونه بعينين ثاقبتين فتنهدت تجيبه بتوتر :
– أبدًا ، نمت فجأة .
توقف عند خاطرة ما وبدأ يقرأها أمامها :
– وحدها العيون هي من تفصح عمّا بنا ، نسعى لنظهر أننا بخير لتأتي تلك النظرات وتفضحنا أمامهم ونتجرد من ضحكاتنا وابتساماتنا لمجرد نظرة تحمل خلفها صرخات لا تسمع ، وتبقى العيون هي متنفسنا الوحيد حينما نلتزم الصمت . ( بقلم آية العربي)
تنهدت أمامه ثم مدت يدها إليه تردف بهدوء :
– ممكن الدفتر .
مد يده إليها به وحينما كادت أن تأخذه أعاده مسرعًا ثم دسه في جيبه وأردف بترقب وهدوء مستفز وهو يحدق بها :
– يالا علشان هنخرج سوا نشترى شوية حاجات علشان هنسافر كمان يومين .
جحظت تطالعه بصدمة اختلطت بخوفٍ وتوترٍ وانقباض أغلق مجرى تنفسها فباتت تتنفس بصعوبة وتساءلت :
– بسرعة كدا ؟
دقق النظر في عينيها وتحدث متسائلًا بشك :
– مش كنتِ موافقة ؟ ، البركة في علاقات جوزك اللي تممت الإجراءات بسرعة .
تنهدت بعمق وتذكرت وعود صقر لها لذا حاولت التحلى بالأمل وتحدثت بالقليل من الثبات :
– طيب مش قلت هنشتري كل حاجة من هناك ؟
زفر بضيق وتحدث بملل وهو يتحرك نحو الخارج :
– كفاية كلام وقومي ألبسي يالا مافيش وقت .
تركها تصارع أفكارها وهي تتمنى أن ينفذ صقر وعده وينقذها كما أخبرها لذا نهضت تتحرك نحو حزانتها لتبدل ثيابها بقلبٍ مذعور وهي تدعو الله دومًا .
❈-❈-❈
عودة إلى فيلا خالد
كانت زيارة مشحونة بالتوتر بين خالد وبهجت .
حتى عندما أرادت نسرين أن تساعد خديجة في تقديم الضيافة كسببٍ مناسب لتختلي بها قليلًا ولكن أحبطها خالد حينما نهض هو يساعد زوجته قاطعًا أي سبل تواصل بينهما لذا طفح كيل بهجت خاصةً وهو يرى حزن ابنته لذا نهض يردف بضيق :
– يالا يا نسرين .
كانت هي الأخرى منزعجة ولكنها حاولت تهدأته لأجل صغيرتها قائلة :
– اهدى بس يا بهجت .
– قلت يالا يا نسرين .
نطقها بحدة فجاءت خديجة على أثر صوته من المطبخ وتبعها خالد واتجهت تقف قبالتهما مردفة بنبرة مستفهمة حزينة :
– في إيه يا بابا ؟
رمق خالد بنظرة كارهة ثم عاد ينظر لابنته بعمق وندم ولوم وحنين امتزجوا في نظرته لها فتنهد وقال وهو يتحرك ليغادر :
– هنمشي يا بنتي ، وبعد كدة ابقي تعالي إنتِ عندنا ، لأني مش جاي هنا تاني .
تحرك خطوة ووقفت هي لا تعلم هل قلبها انسحب لقدميها أم صعد لحلقها ولكنها تحدثت بنبرة باكية مختنقة بعدما تملك منها الحزن ومدت يدها توقفه قائلة :
– استنى بس يا بابا علشان خاطري .
التفت يطالع يدها لثانيةٍ ثم رفع نظره يطالعها لثوانٍ فوجد الرجاء في عينيها ليلتفت لهذا الذي لم يتحدث بل يضع يديه في جيبيه وينتظر مغادرتهما ثم سيجد ألف طريقة لتبدد حزنها ولكن فقط ليغادرا .
عاد بهجت بنظراته إليها وتحدث وهو يربت على يدها قائلًا بنبرة منكسرة وهو يرى هذا الغريب يحجب ابنته عنه :
– سبينا يا خديجة نمشي ، يالا يا نسرين .
قالها لزوجته وتحرك يغادر فما كان منها سوى طاعته وهي تلتقط حقيبتها وتتحرك خلفه ولكن قبلها نظرت لابنتها وقالت بنبرة مراعية علها تخفف عنها :
– روقي يا ديجا ومتقلقيش على بابا أنا هتكلم معاه ، وابقي هاتي خالد وتعالي .
أومأت لوالدتها بحزن وتحركت معها تودعها وتلوح بيدٍ منكسرة كحال قلبها حتى غادرا فأغلقت الباب وتنفست بعمق تدعم رئتيها ولكنها تتألم وكل ما بها حزين لذا التفتت إليه تطالعه بعيون لامعة وملامح منطفأة وقالت بعتاب :
– إنت وعدتني إنك تتعامل معاهم كويس ، هي دي المعاملة الكويسة ؟
زفر وأخرج يديه من جيبه ثم تحرك نحوها يردف بهدوء وأريحية بعدما غادرا قائلًا بتقريع كأنها المذنبة هنا :
– كنت سأفعل لولا اهتمامكِ المبالغ فيه خديجة ، حتى أنكِ لم تراعِ وجودي .
قطبت جبينها تطالعه باستنكار ثم تحدثت بصياح بعدما جردتها كلماته من هدوءها قائلة :
– اهتمام إيه ؟ ، إنت ماخلتنيش حتى أهتم بيهم ، أنت ماشترتش خاطري وخالفت وعدك ليا .
مسح على وجه وهو يقترب منها ثم رفع يده يلفها حول خصرها ويقربها منه قائلًا بنبرة تجريبية ليؤثر عليها وينسيها ما حدث :
– حسنًا الحقيقة أنا لم أحتمل عناقكِ لهما ، خاصة والدكِ ، لا يحق لأحدٍ لمسكِ سواي .
قالها وهو ينحني نحو رقبتها يلثمها فأبعدته بيدها وتملك منها الغضب والنفور في تلك اللحظة لذا أبعدت رأسها عنه قائلة وهو تدفعه :
– خالد ابعد .
تجمد مكانه كأنه تمثالٌ وتحركت هي نحو الأريكة تجلس عليها وتضع رأسها بين راحتي يدها تفكر بحزن في حال والديها وكيف يشعران الآن .
أما هو فتملكه الغضب من رفضها لذا اعتدل والتفت يطالعها فوجدها تخفي ملامحها عنه لذا استسلم لنداء قلبه الذي يجبره على إرضائها فتحرك نحوها يجلس ملتصقًا بها وعاود يحاوط خصرها قائلًا بهدوء واعتذار :
– آسف خديجة ، ولكن فقط تفهمي غيرتي .
لم تحرك ساكنًا فمد يده يزيح يدها ويرفع وجهها إليه فوجدها تبكي .
تجمد لثوانٍ أمام دموعها ثم لعن تحت أنفاسه وسحبها إلى عناقه يحتويها ويمسد على ظهرها بنعومة ولكنها لم تتقبل لمساته الآن ، كل ما يسيطر عليها حزن والدها ووالدتها وخروجهما من منزلها بتلك الحالة لذا عاودت تبعده عنها وتبعد نفسها عنه وهي تطالعه بملامح غاضبة وتحدثت بعنف لأول مرة تستعمله :
– لن أتفهم شيئًا ، وابتعد عني ولا تستعمل أسلوبك المستفز هذا .
عادت تختبيء بين كفيها وتركته ينظر لها بعيون قاتمة ويكور قبضتيه لاعنًا بهجت وحاقدًا عليه .
متعجبًا من رفضها بسببه هو ، نعم هو سبب أول خصامٍ بينهما خاصة وأنها رفضت لمساته بشكلٍ صريح .
انتفض يقف وتركها وتوجه نحو غرفة مكتبه يختبيء فيها الآن ليهديء من غضبه الذي لا يريدها أن تراه .
صفع الباب خلفه فانتفضت وعادت تبكي أما هو فتحرك نحو مكتبه والتفت يرتد على المقعد بعنف ويسحق شفتيه بأسنانه ناظرًا للا شيء ولكن اللا شيء هذا لم يكن سوى كومود صغير يرتكز يساره وداخله يحتوي على زجاجات مشروب خاصة به .
تلاعبت الشياطين في عقله ولم يطل الأمر كثيرًا حيث نهض يفتح ضلفته وينتشل منه زجاجة يطالعها بنظراتٍ متفحصة ويميلها أمام عيناه ، كأن محتواها الذي يتمايل ما هو إلا إمرأة تتراقص أمامه بإغواء وتحثه على تذوقها في وسوسة تخبره أنها قادرة على امتصاص غضبه الآن ولكن وميض ضوء خافت من قلبه اشتعل فجأة ليذكره بوعده لها وظل على حاله لثوانٍ يفكر هل يتناول منها أم يلتزم بوعده .

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية هواها محرم)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *