روايات

رواية غرورها جن جنوني الفصل السابع 7 بقلم ابتسام محمود

رواية غرورها جن جنوني الفصل السابع 7 بقلم ابتسام محمود

رواية غرورها جن جنوني البارت السابع

رواية غرورها جن جنوني الجزء السابع

رواية غرورها جن جنوني الحلقة السابعة

انكمشت ملامحها بغضب، فهتفت:
– ولحد إمتى هتفضل تكلم بنات؟
جلس على المقعد خلفها بهيبة، ساخرًا من سذاجتها وهو يرفع جانب شفته العلوية:
– ومين قالك إنها بنت؟
– والله.
قالتها بتريقة وهي تربع يدها وتهز قدمها اليسرى بتوتر، رمقها بتحدٍ وهو يمسك هاتفه بين يده ويعيد الاتصال على آخر رقم، ويبلغها وعلى ثغره ابتسامة شيطانية:
– تحبي تسمعي صوتها؟ اللي جنني طول الليل.
اتسع بؤبؤ عينيها بصدمة، فهو يتصل بها ويقول بعد أن فتح الطرف الثاني:
– ويسو حبي وحشتني، ينفع كده أمشي من غير حزام البنطلون.
أتاه صوت ناعس رقيق:
– مش أنا قولتلك هاخده.
– لا أنا اتكسفت أقولك لا يا بيضة لتزعلي.
– ولا.. أنت شكلك مفوق، وهتصطبح عليا.
قالها وسام بقوة وهو يقعد على فراشه بتململ من الحر.
وضعت يدها على وجهه خجلًا وإحراجًا، ونظرت بعيدًا عنه، قفل في وجه من يحدثه حين اكتشفت أنه رجل، لكن قبل أن يتحدث “مستقبل” بلوم، تصل له رسالة عبر البريد الإلكتروني، تخطف المحمول من يده وتخبره بغيظ:
– ومين الأخت اللي عايزاك ضروري دي؟

 

 

نظر معها في الهاتف وقال بثقة:
– دى علا.
– والله أنا بشوف وبعرف أقرأ مش جاهلة، ولا دي كمان خط أحمر وناسي تحط الهمزة.
قالتها وهي تقلب في هاتفه مثل المجنونة، فوجدت رسالة ثانية من ساعتين، فتقول:
– ومين دي كمان؟ لا أستنى كده لتكون دي كمان تبع دوكها خط أحمر.
– عليكي نور، بالظبط كده.. الله يفتح عليكي أخت كاري.
– أممم وسام خط أحمر، وعلا كمان، ودوكها كمان معاهم! أمال أنا إيه؟ خط من فودافون وعليه عرض فري!
قالتها بامتعاض وحزن، وهي تلوح بيدها يسارًا ويمينًا، فيقول بهدوء مخادع:
– خلصتي اللي عندك، ولا لسه في عندك تاني.. ما دام سكتي يبقى خلصتي، اللي بعمله مش جديد عليكي، ومش بعمل حاجة من ورا ضهرك، ممكن أعرف بقى إزاي آنسه زيك شغالة حب وغراميات في واحد؛ وهي بتحب وبتخطط كمان تتخطب لغيره؟
طأطأت رأسها ناظرة على الأرض بخجل، ثم ردت عليه بتلعثم واضطراب، وهي تلعب بأطراف أناملها:
– أنا كنت بهزر في المسدج.
نهض بطوله الفارع يقترب منها بخطوات بطيئة، فكانت تبتعد عنه للخلف بقلق، فأمسكها من خصرها قبل أن تقع مرة ثانية داخل المسبح، يمسك خصلتها المتمردة عن حجابها يقبلها بعد أن استنشق رحيقها، مرددًا:
– لو حصل وقولتي كده تاني، ساعتها أنا اللي هتجوز غيرك.
ابتسمت وهي تقول بمزاح مختلط بالعند:
– يا حبيبي ما تحاولش أنا مكتوبة ليك من يوم ما نورت الدنيا، بس لو شوفتك بقى بتكلم بنات تاني أعمل فيك إيه؟
– يا بت افهمي، قلبى مقفول عندك بقفل.

 

 

– كذاب.
هز رأسه بنفي، ويقول:
– وحياة اللي خلق الخلق وخلقك ليا مخصوص ما بكذب.
– طيب ويا ترى فين بقى المفتاح؟
– هو دا السؤال الصح، معايا طبعًا.
– لا طمنتني افتح في أي وقت واهرب.
ضحك من قلبه وأخذها داخل حضنه يخبرها:
– وحشتيني.
– وأنت كمان يا غلس.
أبعدها بحنان يتطلع إلى سحر عينيها الجذاب، ثم ينزل بعينه على ثغرها، ويحرك أطراف أنامله عليه باحتواء، فأغمضت عينها فطبع على شفتها السفلية لأول مرة قبلة، ثم أبعدها بهدوء وهو يضع يداه الاثنتين على خصرها مقربها إليه:
– كده حطيت عليكي صك ملكية.
فتحت عينها ببطء، متمنية أن لا يتركها، فتقول بخبث:
– إيه اللى هببته دا افرض حملت دلوقتي؟
دوت ضحكته الساخرة المكان بصوت مرتفع:
– مش من بوسة يا جاهلة.
– أمال من إيه؟
ابتسمت وهي تتساءل بمكر، قرص خدها بمداعبة قائلًا وهو يجلس:
– لما تكبري تبقي تعرفي لوحدك.
تجلس بجانبه بعد أن ضربت الأرض بقدميها بطفولة وتقول بتأفف:
– لا أنا كبيرة قول.

 

 

– بت هو أنتي هتصاحبيني قومي فزي من جنبي.
قالها بعد ما أصابه الذعر فجأة وجحظت عيناه حين رأى من خلفها، ظن أن لم يلمحه أحد بسبب نوم الجميع في هذا الوقت، ثم رددت بتساؤل:
– لا مش هقوم، لازم أعرف إزاي هنجيب عيال؟
يغمز لها بطرف عينه ويحمحم حتى تصمت، لكنها مصرة على أن تفهم:
– ما ترد وانجز.
فيرد ردًّا دبلوماسيًّا:
– هنتجوز طبعًا.
– أيوه وبعدين.
يأخذ نفسًا عميقًا ويحك أرنبة أنفه، فتقول وهي تمد شفتيها إليه:
– طيب بوسني تاني ما دام مش هنجيب عيال.
– هو أنا بوستك أولاني، بت فوقى لنفسك وركزي وخيالك المريض دا ريحيه صف تاني.. أبوس إيدك ركزي.
– ولو، أنا هتباس يعني هتباس.
لم يجد معها فائدة من التهرب أو إسكاتها، أمسك رأسها وأدارها للخلف، وجدت والدتها تربع يدها وترمقها بنظرات ثاقبة، وتقول بعنف:
– عايزة تتباسي يا كاري؟!
اتسعت حدقتاها تتأملها بعدم تصديق، ثم توردت وجنتاها خجلًا، قائلة:
– والله أبدًا يا ماما، كنت عايزة أجرب ما دام مش هجيب عيال.
مسح جبينه بارتباك، وهو يغمغم على غبائها، ثم أخبرها بنبرة جادة:
– هو أنا يعني كنت هسمع كلامها.

 

 

رفعت “دانية” حاجبها الأيسر مقتربة منه وهي تعد على يدها وعلى شفتيها ابتسامة ساخرة:
– ما أنا عارفاك بير العقل، وترعة المفهومية، وبحر الاحترام، والأدب بيشر منك.
– الله يرضى عنك يا طنط، شوفتي الناس اللي بتفهم.
قالها ناظرًا للأسفل باحترام، ويحرك يده على صدره، فتقول “كارما” بتبرير موقفها بضيق من كونها هي المخطئة دائمًا لكن (جت تكحلها عمتها):
– لا ما تصدقيهوش باسني بوسة خطف.
فأخبرها “مستقبل” وهو يبصرها بنظرات توعد:
– إلهي تطلع يا كارما وترشق في ناموسة زنانة تبرجل مخك، ولا خليها في صاروخ علشان نرتاح.
– ماما شايفة بيقول عليا إيه.
– ما أنتي اللي سمحتي ليه وادتيله الفرصة، قدامي.
بعدت من جانبه ناظرة لأمها بخوف:
– هتضربي شكلك.
– اخلصي قولت.
اخذتها وسارت وعلى ملامحها غضب مما رأته منذ قليل، وقف “مستقبل” ينادي على “دانية” بصوت مرتبك واهن:
– طنط دانية، بعد إذنك ممكن لحظة.
نظرت له وداخلها غضب، فلوحت له بيدها مرددة:
– بعدين يا مستقبل.

 

 

– لو سمحتي ثواني، بعد إذنك.
اقتربت إليه وهي تمط شفتيها:
– خير؟!
مسك يديها ومشى بها بعيدًا من أمام “كارما”، قائلًا:
– أنا آسف على اللي حصل، ممكن ما تقوليش لعمو فادي ولا إخواتها، وأوعدك مش هيحصل تاني.
– أووك، بس دا مقابل إنك ملكش دعوة بيها خالص.
نظر أسفل قدمه بخيبة أمل، شعر بسكاكين تطعن قلبه بلا رحمة، لا أحد يحبه من أهلها غير كارما، فقال بامتعاض:
– أنا هبعد خالص علشان أريحكم كلكم مني، بس أرجوكي بلاش تخلي حد منهم يقلل منها بسببي.
– كده تمام، سلام.
حين أولت ظهرها، رفع عينه يحدق بـ”كارما” بمكر ويغمز لها، وهو يعض شفته بطرف أسنانه، ابتسمت وهي تفعل مثل ما فعل، رأتها “دانية” وهي تغمز له، فالتفت نحوه مرة ثانية مرددة:
– هتشلني يا مستقبل.
– بعد الشر عنك يا طنطي.
قالها وهو يقلد نساء الحواري الشعبية، يمسح فاه بإصبعه ثم يضرب يد على يد على صدره، فقالت “دانية” المشتعلة:
– أمال إيه جو الدراما دا! تصدق كنت هتصعب عليا وهعيط.
– وما حصلش، وأنا ما اقدرش أبعد عن حبي ثانية.
تابعها وهو يرمق حبيبته بحب، رحلت من أمامه وهي تمسك بيد ابنتها، تأففت من أسلوبه الذي يشبه ثلاجة تحمل الكثير من الثلج.
★★★★★

 

 

 

تنزل “كاميليا” من سيارة خطيبها وعلى تقاسيم وجهها ضيق، لا تطيق أن يحدثها أحد، فأمسك “وجود” يدها حتى ينهي الصمت ويفهم ما بها:
– ممكن اعرف حالك اتقلب ميه وتمانين درجة فجأه ليه؟
تقف عقب جملته تنظر له بعين حادة، فتقترب منه خطوة وتجيب عليه من بين أسنانها:
– يعني ما تعرفش؟!
زفر أنفاسه بقلة صبر، ثم يستعيد هدوءه ويقول:
– يا “كاميليا” الله يهديكي على الصبح، لو أعرف هسأل ليه؟
– البت السهونة هتشلني يا وجود.
أبلغته وهي ترفع يدها تلوح بها في الهواء وبنبرة بها غيظ دفين، رفع حاجبه الأيسر بذهول يحاول أن يستنتج من هي “السهونة” التي أثارت غضبها:
– بنت مين؟
– هي فيه غيرها اللازقة أم بامبرز، اللي أول ما بتشوفك بتسبل على نفسها وتشغل مساحات عينها.
– كاميلياااا، ياريت تلتزمي حدودك وتتكلمي عدل من غير ألغاز، يا إما تسكتي وتدخلي نشوف شغلنا.
أجابها وهو يقترب منها محذرًا بصوت عنيف هادر، فردت عليه بمسكنة ودلع حتى تستعطف مشاعره لها:
– الظاهر ما بقيتش تحبني فعلًا.
نظر لها بغيظ ثم دلف لداخل شركته بوجه جامد، ولم يعطها أي اهتمام، فهي أصبحت تجبره على فعل أشياء يندم عليها، لكنه لا يتحمل دلعها وغيرتها الزائدة والمبالغ فيها، ذهبت خلفه تبكي، حتى وصل لمكتبه وأغلقت الباب تحاول إخباره كرهها لها بطريقة أخرى قائلة:

 

 

– وجود، مش عايزاك تزعل مني، بس البنت اللي اسمها زينة بتقصد تجرحني وتحرجك، ما خدتش بالك الصبح عملت إيه؟
اقترب منها بحنان يمسح دموعها فارتمت داخل صدره القوي الذي تزينة العضلات، فرفع يده يمسد على شعرها القصير قائلًا:
– يا كاميليا دي طفلة مش عايزك تشغلي بالك بيها، ولا تحطيها في دماغك ولا تشغلك من الأساس، وكل البنات اللي في سن المراهقة كده فكبري، دبلتي في إيدك أنتي، فخليكي واثقة في نفسك وسيبيها بكرة تكبر وتعقل.
– يعني مهما تعمل مش هتخطفك مني.
رفع رأسها بين يديه ومسح عبراتها، فابتسمت:
– ممكن ما تتكلميش عنها تاني.
افتر ثغرها عن ابتسامة واهية، ثم أومأت رأسها بالموافقة.
★★★★★
توجه “مهيمن” لغرفته وجدها تجلس تقرأ كتابًا بتركيز، اقترب منها بخطوات صماء وعلى شفتيه ابتسامة، ثم مال برأسه داخل الكتاب فجعلها تنتفض في مكانها، وجلس يقهقه بضجيج، فأردفت بزعل مصطنع:
– فجعتني.
تذكر أول مرة سمع فيها هذه الكلمة، عندما كان بمركز القوات الخاصة وهي كانت ترتدي زي “نضال” فاق من ذكرياته وأردف بحب:
– تصدقي وحشتني أيام زمان.
تهلل وجهها بسرور وهي تقول:
– بجد يا هيمو، يعني مش زعلان إني خدعتك

 

 

– في البداية كنت هولع بس حاليًا تؤتؤ، بالنسبة ليا أجمل ذكريات، ولولا تهورك وجنانك مكنتش عرفتك يا أحلى وأرق مجنونة.
– وأنا كمان بعشق الأيام دي أوي، وكنت مش بحب أجيب سيرتها قدامك علشان ما تتعصبش زي زمان.
تنهد وهو يأخذ الكتاب من بين يديها قائلًا:
– خلينا في الحاضر، عندي ليكي مفاجأه.
– مفاجأة إيه؟
قالتها وهي تبتسم، نهض من مجلسه وهو يبلغها:
– وتبقى مفاجأه إزاي؟ تعالي أوريهالك.
أمسك يدها وأوقفها، ثم أغمض عينيها بوشاح، وانحدر بها إلى غرفة أسفل الفيلا تسمى “البدروم”، لا يقترب منها أحد ولا يعلم أحد عنها شيئًا.. فكانت بمنزلة المخبأ، ورفع يده وفك رباط عينيها، فتحت هي ببطء ثم وضعت يديها على شفتيها من السعادة، وعندما استوعبت قفزت فرحًا إليه، عانقها بسعادة لا توصف، فكانت فرحته أنه استطاع أن ينتشل الحزن والخوف من قلبها على اختراعها، فأردفت بنبرة بها فرحة:
– أنا مبسوطة أوووي، ربنا يباركلي فيك.
– ويباركلي فيكي يا قلب قلبي، المهم مش عايز حد يعرف إنك بتعملي حاجه حتى عيالك، اتفقنا.
– اتفقنا طبعًا يا روحي.
★★★★★★
مر اليوم، وظهر القمر بضوئه الخافت متوسطًا كبد السماء، وقف “مهيمن” يرتب كلامه وأفكاره أمام غرفة “توتا”، وقال حين دخل إليها:
– دلوقتي على ما أظن مفيش غيره اللي ينفع يدربك.
شعرت بأن مهما قالت وبررت فالكلام أصبح لا فائدة منه، أغمضت عينها بثقل وضيق، ثم حاولت أن ترفض للمرة الألف:
– يا بابا افهمني…

 

 

قاطعها بجدية حتى ينهي المشاجرات التي زادت عن حدها:
– بصي لو هتعاندي يبقى بتعاندي نفسك فأنتي حرة، قدامك بطولة ورجلك فيها إصابة، يا تتعالج صح وفي نفس الوقت تكوني بتتمرني، يا إما البطوله تروح عليكي وترجعي في البطولات، وممكن اسمك يتشطب من بطولة العالم.
فكلام والدها صحيح، فكيف ترفض فرصة مثلها، تقدم لها على طبق من ذهب بعد إصابة قدمها؟ والآن لا يوجد أحد غيره أمامها، كزّت على أسنانها بضيق، ثم أردفت:
– ماشي يا كوتش، مواعيد الكابتن إيه؟
نهض وقبل أن يخبرها بالمواعيد، حذرها من أي تصرف جنوني تفعله؛ لأنه هو من يعاقبها على تصرفاتها غير المحسوبة والمتهورة، وقال قبل أن يذهب:
– تمانية، إن شاء الله الصبح.
– تمانية! لا طبعًا خلاص رجعت في كلامي.
– توتا هتروحي، لازم رجلك تقوى شوية بعد إصابتك، واعتبريه دكتور مدرب وانسي إنه حازم؛ لأن هو الوحيد في الوقت دا هيعرف ياخد باله من الإصابة وكمان هيمرنك كويس جدًّا.
– أووكي لما اشوف أخرتها معاه.
حنى ظهره ليقبلها على جبينها بسعادة قائلًا:
– كده أسافر وأنا مرتاح، لا إله الا الله.
– محمدًا رسول الله.
قالتها وهي ترتمي داخل أحضانه، فهذا الحضن مصدر الأمان لها دائمًا.
مضى يومان كل شخص داخله مشاحنات للطرف الثاني، فعندما أشرقت الشمس نهضت “توتا” تجهز نفسها لأول يوم تمرين، وهي تنزل الدرج قابلها “وجود” أخدها في طريقه وكانت “كاميليا” ثالثتهما.
دخلت من باب الصالة تصطك ضروسها بغيظ، حتى شاهدته يجلس ينتظرها وحده على مقعد خشبي، فتقترب منه وهي تقول بكل غرور:

 

 

 

– هاي.
لم يرفع رأسه نحوها وأكمل ما كان يفعله في هاتفه وهويقول بتصحيح ما قالته:
– اسمها السلام عليكم.
أغمضت جفنها بنفاد صبر، وهي تقضم على شفتها السفلية غيظًا، وتحاول أن تمسك لسانها، وتقول بابتسامة مصطنعة:
– أوك، هنبتدي ولا هنقضيها كلام؟
نظر بعمق داخل عينيها، كان يريد أن يقول لها لقد اشتقت لكِ ولسماع صوتك الرنان، لكنه لم يتجرأ وهتف بقول حاد:
– قولي السلام عليكم.
– هو أنت جاي تدربني ولا تعلمني أقول إيه؟
هتفت بها بصوت مرتفع مشتعل، ولم تنجح في سيطرتها على نفسها.
وقف قبالتها يرفع حاجبه بتعجب من حالتها الحانقة:
– اهدي على نفسك يا آنسة، واتفضلي على التمرين.
– على فكرة أنت بشع ولا تطاق.
قالتها وهي تكاد أن تفتح رأسه بحقيبة أدواتها التي تحملها على كتفيها، فأدار رأسه فقط لها وهو يجيبها بسخرية:
– والله الفكرة إني كنت بحاول أكون زيك مش أكتر.
– يالهووووي هتشل مش قادرة، دا أنت تقيل ورخم.
التفت لها بجسده بالكامل ثم أمسك يدها بقوة، وأعلنت عينه الضيق الذي كان يدفنه، وأخبرها بهدوء:
– اعتذري.
وقفت تضع يدًا على خصرها والثانية على فمها ثم تحدثت بأسف:
– صح، أنا لازم اعتذر.. بس الاعتذار لنفسي إني سمعت الكلام وجيت هنا برجلي.
– عندك حق وأنا كمان لازم اعتذر لها؛ لأنها مظلومة مع بني آدمة زيك.
تود أن تفجره لكن احتياجها له يلجمها، فتقول بضيق:
– أوووف، ما تطلعني من دماغك.

 

 

رمقها ثم ركز النظر على سلة مهملات وأخبرها بتهكم:
– اطلعك إزاي؟ وأنا باخدك كل يوم وأنا نازل.
ضيقت عينيها بعدم فهم، وقالت بتساؤل:
– تقصد إيه؟
– هتعرفي بعدين.
مشيت تضرب الأرض مثل الكنغر وقالت:
– هنبدأ إمتى؟
أشار لها ترفع قدميها المصابة حتى يعمل لها علاجًا طبيعيًّا، وظل ينظر داخل ليل عينها القاتم، المستقر وسط سحابة بيضاء صافية بعمق، وشرد بداخلهما، فقالت وهي تخفض قدمها على الأرض بحرج:
– بقت أحسن اتفضل نبدأ التمرين.
أومأ لها برأسه، فرائحتها المثيرة وعيناها قضت على ما تبقى من قوة وثبات أمام مفاتنها الفتاكة، فبدأت في حمية جسدها بالركض ثم بعد، التمارين. وحين انتهاء حلبة المصارعة التي كانا بداخلها هما الاثنان، مسكت ظهرها ثم قالت له:
– أنت أكيد مش إنسان واللي بيمشي في إيدك دي مش عروق دا كبل كهربا عمومي، الله يكون في عون اللي هتتجوزك.
أردف بتصحيح المعنى، بدون النظر لها وهو يرفع الأدوات من فوق الأرض:
– تتقال الله يكون في عونك أنتي.
– وأنا مالي؟
– علشان قررت أتجوزك، ومش علشان سواد عيونك لا سمح الله، بسبب أسلوبك دا مخصوص؛ لأنك محتاجة تربية ولسانك عايز قطعه.

 

 

– بغض النظر عن كلامك الصفيق، مين ضحك عليك وقالك إني هوافق؟
ابتسم ابتسامة جانبية، ثم وضع يده في جيب بنطاله القطني، وقال بتحدٍ وهدوء قاتل:
– هتوافقي يا توتا وأنا متأكد، ووقتها هنشوف مين اللى هيضحك.
أغمضت عينها تتمالك أعصابها وتحاول أن ترد عليه بنبرته نفسها، وهي ترفع سبابتها أمام عينيه:
– على العموم اعمل حسابك اللى بيقف قدامي دايمًا هو اللي خسران.
رفع حاجبه الأيسر، ورد بابتسامة تهكم:
– ما بلاش غرورك دا.
لوت فمها استهزاء، وهي تربع يدها:
– وليه ما تقولش ثقة يا جاهل.
– أنتي شبه دي بالنسبة لي.
قالها وهو يمسك قارورة ماء يثقبها على الأرض وأشار عليها وهو يتفوه، ثم أعطاها ظهره وهو يضحك بقوة، اعتلت وجهها ملامح استفهام، لم تفهم مقصده وتفكر، هل يقصد أنها ستصبح يومًا شفافة، أم ستنتهي، أم لن يكون لديها مأوى وتكون خارج الإطار الذي تحتمي به! أخيرًا تحدثت قائلة بغرور:
– والله أنا عارفة نفسي شبه المياه، ومحدش يقدر يمسكني، ولو حد تطفل وحاول، هتبخر ولا كإني كنت موجودة.
ضحك أكثر ولم يعطِها إجابة على ما فعله منذ قليل، فكان مقصده هو أنها تتحدث كثيرًا ولم يزهق منها، كالماء الذي يروي حين يكون ظمآنًا، وتقضي عليه لو ظل يتحدث ويسمعها كثيرًا، كالغطاس الذي يظل داخل الماء بدون أنبوبة أكسجين التي تملأ رئتيه بالهواء، حتى تعطيه وقتًا أكبر حتى يظل داخلها، فهو الآن يريد أن يتنفس هواء نقيًّا يهدئ ثورانه الداخلي الذي نجحت في إثارته، أمسكت حقيبتها بحنق ورحلت لمنزلها، تفكر في مقصده من تشبيهها بالماء.
خرجت “كاميليا” مع “وجود” بعد انتهاء عملهم وقبل أن تدلف معه للداخل ترجلت من السيارة وقالت له:
– حياتي ثواني هجيب حاجة وهدخل وراك.

 

 

أومأ لها برأسه ثم حرك العربة ودخل الفيلا، مشيت بخطوات أنثوية، ترفع رأسها بشموخ وأنفها يكاد يصل للسماء من شدة الغرور، وقفت أمام “زينة” الشاردة تحدثها وهي تدفعها بقوة:
– أنتي يا قليلة الذوق يا اللي مش متربية، اوعي تفتكري إنك هتعرفي تاخدي مني حاجة أنا عايزاها، نجوم السما أقربلك من اللي في أحلامك.
توترت “زينة” من أسلوبها وازدردت ريقها بصعوبة، فكانت تحاول أن ترد عليها، لكنها لم تقوَ على التفوه من شدة إحراجها وتوترها، فرفعت “كاميليا” يدها تصفعها على وجهها وهي تقول:
– فين أهلك اللى معرفوش يرب…
– لا يا شطورة لو هنتكلم على قلة الرباية اللي على حق تبقى أنتي، ولا الحلوة مش عندهم مراية في بيتهم تشوف نفسها نازلة بإيه، ولا اوعي يا بت شوية المحن بتاعك دا تفتكري هياكل معانا، دا أنا أمسح بيكي أسفلت الشارع كله واعمل منك عبرة لمن لا يعتبر ولا يخاف الله.
سمعتها “زينة” من فم “كارما” وهي تقولها “لكاميليا” الواقفة أمامها، قبل أن تنال الصفعة من وجنتها، كانت “كارما” تمسك يدها بقوة، فكانت “زينة” تنظر نحوهما بذهول، تكاد أن ترى كائنًا ضخمًا وله أنياب حادة أتى على صوتهن “وجود”، فكانت “كارما” ما زالت تقبض على يدها وتنهرها، فجذب يد خطيبته من بين يدها، قائلًا لهما بحدة بعد ما ارتمت “كاميليا” داخل حضنه تبكي وتمسك يدها من شدة ألمها:
– جرالك إيه أنتي وهي، شكل دماغكم ساحت أنتوا الاتنين، إزاي تعملوا في خطيبتي كده؟ كل مرة أسكت وأقول بكرة يعقلوا من شغل المراهقة دا، بس كده بقى الوضع أوفر أووي، اتفضلي غوري منك ليها من قدامي.
كان يقف خلفه أخوه وسمع كل شيء تفوه به.

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية غرورها جن جنوني)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *