رواية قلبي و عيناك و الأيام الفصل الثامن و الخمسون 58 بقلم رحاب إبراهيم حسن
رواية قلبي و عيناك و الأيام الفصل الثامن و الخمسون 58 بقلم رحاب إبراهيم حسن
رواية قلبي و عيناك و الأيام البارت الثامن و الخمسون
رواية قلبي و عيناك و الأيام الجزء الثامن و الخمسون
رواية قلبي و عيناك و الأيام الحلقة الثامنة و الخمسون
~… قرار نهائي …~
يبدو أن الانسان لا يدرك مدى خطأه إلا عندما تقع كارثة تصفعه ليستفيق !.
في خلال وقت قصير كانت العائلة بجميع أفرادها تقف أمام باب الرعاية المركزة ..
ينظرون جميعا وفي أعينهم خوف مهيب ودموع محتبسة ببعض الأعين ….
وكان وجيه يقف متجمدا كالحجر .. وكان في أمكانه أن يدخل مع الأطباء بمشفاه .. ولكن لم يستطع أن يرى والده بتلك الحالة المتعبة والمنهكة من المرض …. كأن يد قيدت روحه عن الحياة عندما رأى والده يسقط مغشيا عليه !
لامست يده ليلى في رجفة لتمده بالدعم … ولكن عينيه كانت بعيدة عن كل من حوله …. كأنه يرتعب من فقدان والده ويكتم صرخة ذعر !
اليوم فقط ذاق احساس من كان يراهم من الغرباء بتلك اللحظات … وها هو ينتظر الطبيب ليطمأنه .. كأنه لم يدرس الطب يومٍ ولا يعرف منه شيءً..!
والفتيات يقفن بمحاذاة بعضهن وظهورهن للحائط في ترقب وخوفا شديد ….. بينما رعد يجلس على مقعد معدني فضي بعيدًا عن الجميع …. ويرمي رأسه بين يديه في دموع متساقطة لا يرها أحدًا …. كان سقوط جده بتلك الطريقة هو أنهيار كامل لظهر العائلة وبمثابة كسر ساقيها كليًا !
وأراد يوسف أن يذهب إليه ويشدد من عضده قليلًا ويُعينه … ولكن مع ذلك الشعور بالشفقة فيض هائل من الغضب أيضاً ….
ولم يستطع الشباب أيضا أن يدخلوا للغرفة والجد بهذه الحالة الهائلة الضعف …. ربما صدمة للجميع !
خرج أحد الأطباء بعد قليل وركض وجيه اتجاهه وكذلك البقية … حتى قال الطبيب قبل أن يسأله أحد :
_ هو اكيد أهمل الدوا بتاعه وصحته في الفترة الأخيرة…. جاتله غيبوبة سكر …. وبأذن الله هيكون بخير … ياريت محدش يدخله دلوقتي ونسيبه يرتاح وأعصابه تهدأ لأن في مشاكل في القلب للأسف …
قال وجيه بالكاد بوجه شديد الشحوب :
_ هدخل أنا بس أطمن عليه …
والفت للجميع قائلا بأمر :
_ ارجعوا انتوا البيت …. محدش هيدخله غيري …
اعترض يوسف وقال برجاء :
_ يا عمي ماينفعش أحنا ….
وقاطعه وجيه بحدة وغضب وكان الطبيب تركهم وأنصرف ….. وقال :
_ انتوا كلكم السبب في اللي هو فيه …. محدش هيدخله دلوقتي وادعوا ربنا ان ما يحصلوش حاجة …. عشان مش هرحم حد فيكوا …
نظر الشباب لبعضهم في يأس وحزن شديد وبعض رمقات الندم …. وبعدما دخل وجيه لغرفة العناية أتت فتاة راكضة وهي ترتدي زي الأطباء …ووقفت أمام آسر قائلة بلهفة مصطنعة :
_ جدك ماله يا آسر ؟! …. أنا لما عرفت أنه جدك جيتلك جري …
نفخ جاسر بعصبية وابتعد عن الشباب …. وتطلع يوسف بآسر في غضب … حتى قال آسر بنفاد صبر وقد حجب جسد حبيبة نظرات سما المحدقة فيهما بصدمة :
_ جدي هيبقى كويس بأذن الله …
أضافت حبيبة بنظرات متلاعبة ولهفة مزيفة :
_ بأذن الله … ما تقلقش أنا هفضل جانبك لحد ما نطمن عليه … مش هسيبك
أغمض آسر عينيه لمدة دقيقة في رغبة شديدة لأن يدفعها لأبعد مكان عنه …. ولكنه تحكم ورد قائلا :
_ لا متتعبيش نفسك … روحي تابعي شغلك يا دكتورة حبيبة …
وكانت سما تردد اسم الفتاة وتتذكر ذلك اليوم الذي كرر نفس الاسم على سطوح مضيفة بيت الريف …. وتذكرت انه نفس اسم حبيبته الأولى ! …. ويبدو من تصرفات الفتاة أنها هي ذاتها!
لاحظت حميدة نظرات شقيقتها سما المصدومة … فسحبتها بعيدًا كي تنتزعها من هذا الموقف المثير لدقات حزنها الصامت الدفين …..
*******
أنحنى وجيه على وجه والده المغمض عينيه ومُعلق له محاليل وريديه … وأمر بخروج الممرضات في جملة واضحة …. فخرج الممرضتان من الغرفة وطبيبة معهن …وفرغت الغرفة سوى منه ووالده الذي لا يعي شيء تقريبًا مما حوله ….
سقطت دموع وجيه التي لم تظهر سوى نادرا جدًا بسنواته الأربعين ….ثم قبّل يد والده بقوة وهمس له بمحبة شديدة :
_ قوم عشان خاطري … كل اللي أنت عايزه هنفذهولك بس أفضل وسطنا … وقعتك قدامي خلتني أحس أني لأول مرة ضهري اتكسر ! ….
ولم يستطع منع دموعه لمدة دقائق …. حتى استقام وهو يمسح عينيه من الدموع، ونظر للمحلول الوريدي المتساقط قطرة قطرة بين أوردته …. وقال له بهدوء مرةً أخرى :
_ هتكون كويس وتمام بأذن الله … وليك عندي مفاجأة هتريحك أوي لما تقوم بالسلامة …
وقبّل والده من جبينه بحنان فائق ثم خرج بعد دقائق من الغرفة ….
نظرت له ليلى بخوف ولهفة لضمه عندما لمحت عينيه الحمراء من الدموع … وكرر أمره للشباب مرةً أخرى حتى لا يدخلون إلي الجد حتى الصباح على الأقل …
اقتربت جيهان منه عندما انتبهت أن يترك الممر ويتوجه لمكتبه بالطابق ذاته …. فقال لها دون أن يلتفت :
_ سبيني لوحدي يا جيهان …. أنا راجع بعد شوية … اكدي على الممرضات محدش يدخله دلوقتي.
فأومات رأسها بقلق عليه وعادت أدراجها جالسة على أحد المقاعد الفضية …. وتبعته ليلى بنظراتها في لهفة عنيفة وبالفعل تقدمت خطوات ، وفجأة وجدت جيهان تقف وتمنعها قائلة :
_ وجيه قال نسيبه لوحده شوية … لما بيبقى مضايق مش بيحب يتكلم مع حد …
نظرت لها ليلى بحدة ونظرة منفرة من يدها التي سدت طريقها وقالت بعصبية :
_ أنا مش حد ومش هسيبه لوحده في الحالة دي مهما حصل ومهما أعترض !
ودفعت ليلى يد جيهان بعيدًا وركضت تقريبًا لمكتب زوجها وجيه بنفس الطابق …. فوقفت جيهان ساهمة وناظرة لها في شيء من التيهة ….
*********
ودقت ليلى بعد لحظات على باب مكتبه … ولم تسمع رد … وكررتها لتجد أنه رد بغضب وبهتاف مانعا الدخول !
ولكنها فتحت الباب ببطء ونظرت منه لدقيقة حتى شاهدها وجيه وابعد عينيه الدامعتين ووقف وابتعد عن مقعده وولاها ظهره …..ثم قال بصرامة :
_ سبيني لوحدي يا ليلى لو سمحتي .
ولكن ليلى لم تسمح له بأن يبعدها …. دخلت وأغلقت الباب بأحكام حتى لا يدخل أحدًا آخر ومضت إليه بخطوات محسوبة …..وعندما وقفت خلفه قالت بتأكيد :
_ لا مش هسيبك لوحدك يا وجيه …. فضفض معايا وخرج اللي جواك أن شالله حتى تضربني بس ما تسكتش كده وتقفل على نفسك!
وصمت وجيه وهو يبتلع ريقه بألم شديد …. وفجأة وجدها تجذبه من ذراعه لينظر لها، وبثوانٍ ارتمت بين ذراعيه بضمة قوية …. وعكس ما قاله منذ قليل فقد ضمها بقوة يديه المرتعشتين وقال وصوته ظهر فيه الدموع وهو يدفن وجهه بكتفها:
_ أول مرة أشوف أبويا بيقع من طوله كده ! …. أول مرة أشوفه بالضعف ده ! …. لما كان بيتعب قبل كده مكنش أبدًا بيوصل للمرحلة دي . …. أنا خايف عليه أوي يا ليلى …. أنا مش خايف … أنا مرعوب !
ترقرقت الدموع من عينيها بألم …. ثم قالت بتأكيد :
_ هيكون بخير بأذن الله …. بس المهم مايتعرضش للزعل تاني …..
صمت وجيه لبعض الوقت …. ثم ابتعد وهي يمسح دموع عينيه وقال بنظرة امتلأت تصميم وحدة :
_ في قرار كنت مأجله لأخر وقت لما كل الحلول تخلص …. بس غيرت خططي ….
نظرت له ليلى بقلق وسألت :
_ قرار إيه ؟!
ضيق وجيه عينيه وعادت شخصيته الصارمة اليه وأجاب:
_ كتب كتابهم هيتم بعد ما أبويا يقوم بالسلامة بأذن الله …. غصب عنهم ده اللي هيحصل …. مع أني عارف أن كل واحد وواحدة فيهم كانوا مستنين مني أخد القرار ده من زمان، بس كنت عايزها تيجي بالرضا….لكن طالما كلهم بيعاندوا بعض بالشكل ده … أنا اللي هاخد القرار ده عنهم وهينفذوه….
ولم يكن متوقع من ليلى أن تتقبل ذلك القرار بهذه السهولة … فقالت بموافقة رأيه:
_ اللي حسيته أنهم بيحبوا بعض …. بس في مشاكل مانعة كل واحد فيهم يقرب من التاني ….. اللي أنت شايفه يا وجيه صح اعمله … وأنا معاك ..
*********
نظر يوسف للفتيات الاتي يبكين في بؤس وحزنً شديد … واقترب إليهن وقال لحميدة :
_ ماينفعش تفضلوا واقفين كده لحد الصبح …. هشوفلكم أوضة فاضية ترتاحوا فيها الكان ساعة دول لحد ما عمي وجيه يوافق ندخل لجدي …..
وافقت حميدة على مضض حتى أخذ يوسف الفتيات لأحدى الغرف القريبة بالطابق ليبقين عن قرب من أي شيءً يجد حدوثه…. وما أن جلست رضوى على أحد المقاعد بالغرفة وانخرطت في نوبة عنيفة من البكاء وشعور الذنب المخيف هذا الذي يجتاح قلبها وروحها..
فقال يوسف لها برفق:
_ مالوش داعي العياط مش هيفيد بحاجة ….
ردت رضوى عليه باكية :
_ لو حصله حاجة مش هسامح نفسي …. بس والله غصب عني أنا مجروحة أوي ومش عارفة أنسى …
تحدث جاسر بغضب من خلف يوسف بعدما لحقهم للغرفة :
_ ياريت بعد جدي ما يفوق تصلحوا انتي ورعد اللي عملتوه ! …. وياريت كل واحدة فيكم تشوف هي من جواها بجد عايزة ايه ومتعاندش ….. حتى لو غلطنا بس اعتذرنا وندمنا وعلى الأقل كنتوا سيبتوا لينا ولو نص فرصة نثبت فيها أننا صادقين !
قال يوسف له بعدما لاحظ أزدياد بكاء الفتيات :
_ خلاص يا جاسر …. مش وقته الكلام ده !
هتف جاسر بعصبية بهم جميعا :
_ ده هو ده وقته ! …. جدي اللي حصله ده هيتكرر لو فضلوا يحسسوا بالذنب وأننا عملنا كده بسبب تحكمه فينا ! …. وصحته اصلا مش متحملة … أنا قولت اللي الكلمتين اللي كنت كاتمهم ومقدرتش ما أقولهمش … بس طالما ده يريحه وهيريحنا كلنا ماتنكروش، يبقى ليه لأ ما نفرحش ونفرحه معانا ؟!
شرد الفتيات بما قاله جاسر ويبدو أنهن لأول مرة يأخذن حديثه على محمل الجد …
********
وحتى ساعات الصبح قد منع وجيه دخول أحد لغرفة أبيه …. حتى دقت الساعة السادسة صباحا وهو جالس بقرب فراشه بالغرفة ….. دون وجود أحدا آخر … وعندما فتح الجد عينيه ببطء اسرع اليه وجيه بلهفةً شديدة وحمدا كبير أن والده بدأ يستفيق بالفعل ولم يستغرق وقتً أكثر من هذا وتتدهور حالته ….. فقال وجيه بعدما قبل رأسه بحنان :
_ أنت بخير يا بابا أطمن …. واللهِ بخير.
تنفس الجد رشدي بصعوبة وحرك جفنيه ببطء شديد …. ثم بدأ يتمتم بكلمات حروفها متقطعة وقال :
_ أنا … فين ….؟!
ربت وجيه على رأس أبيه بحنان وقال :
_ في المستشفى ….. شوية فحوصات كده على السريع عشان بس مستوى السكر نزل شوية …. لكن الحمد لله دلوقتي بقيت تمام …. بس أهم حاجة ما تهملش الأدوية تاني …
ويبدو أن الجد بدأ يتذكر آخر مشهد قبل أن يفقد الوعي …. وبدأت عينيه تتلألأ من الدموع …. فقال وجيه له بتأكيد :
_ أقوى كده وقوم بسرعة عشان انت اللي هتكون مسؤول عن كل حاجة في كتب كتابهم …
اجفلت عينان الجد في دهشة …. حتى هز وجيه رأسه بتأكيد وقال بابتسامة :
_ زي ما قولتلك كده بالضبط … أنا قولتلهم وكلهم وافقوا عشان تفرح وكل شيء اتحل الحمد لله …. مستنين بس تقوملنا بالسلامة.
بدأ رفيف ابتسامة يظهر على ثغر الجد غير مصدقا ….. وكان وجيه يكذب بأخبار الشباب والفتيات …. ولكنه سيفعل ذلك اليوم …وسيسوي الأمر بالرضا أو بالاجبار.
**********
وبمكتب وجيه بالمشفى اجتمع الشباب والفتيات بعدما أحضرهم وجيه جميعهم ….. وتجاهل رعد عن عمد ….فلو ترك لجام غضبه لأبرحه ضربا حتى يكتفي….
ووقف أمامهم ناظرًا لهم بثباب … حتى قال يوسف بقلق :
_ يا عمي أحنا عايزين ندخل لجدي نطمن عليه ، ليه مانعنا ؟!
رد وجيه عليه بصوتً حاد :
_ محدش هيدخله غير لما يوافق على اللي هقوله دلوقتي …. واللي مش هيوافق يتفضل بدون نقاش يرجع البيت …
توجهت أنظار الجميع لوجيه بانقباض وتركيز وقلق ….. حتى قال وجيه قرار :
_ كتب كتابكم بعد ما يخرج جدكم ويتعافى ….. أظن انتوا مش محتاجين فترة خطوبة ! ….. وكل بنت فيكم زعلانة من اللي هيكون جوزها في شيء أظن الأمور هتكون أوضح بعد كده وتقدروا تنهوا الأمور دي ما بينكم …… ولعلمكم ….
أنا كنت سايب الحل ده للآخر …. وسيبت كل واحد وواحدة فيكم تحلوا أموركم بنفسكم من غير تدخل مني أو من أي حد …. ورغم كده الموضوع كان بيزيد سوء ! …. وقراري ده مافيهوش راجعة واللي معترض يتفضل يمشي …. أنا قولت لجدكم أنكم بالفعلوا وافقتوا ومستنين خروجه … واللي هيرفض كلامي ده هيكون المسؤول قدامي عن أي تدهور في حالة أبويا الصحية … وعمري ما هسامحه …
وانتظر وجيه أن يعترض أحد … ولكن من نظرات الشباب أنهم كأنهم وجدوا الطريق بعد فترة تيهة وغياب … ومن نظرات الفتيات الثلاثة باستثناء حميدة أن الحيرة اخرست أصواتهن …. ولم تسطع واحدة منهن أن تعترض خصوصا أن العم وجيه وضع الحالة الصحية للجد في كفة من الميزان ….والكفة الأخرى وضع قرارهن بالقبول أو الرفض …. ويبدوا أن القبول قد فاز ….!
حتى لو فاز القبول الآن … ولكن هنا شيء يعكر هذا القبول … وكان وجيه يعرف أنه لا يجبرهن بالمعنى الظاهر … بل أنه على تأكيد أنهن الآن يتنفسن الصعداء بإزاحة هذا العبء من على كاهلهن …
وبدا على رعد تحديدًا وكأنه ربح الجائزة الكبرى .. فقط ينتظر الوقت المناسب لإعلان سعادته ، ريثما بما يمر من وقت عصيب بسبب حالة الجد الصحية … فقال يوسف بموافقة تامة :
_ صح كده يا عمي … كان لازم ده يحصل وإلا مكنتش حاجة هتتغير ..!
سمع الجميع تنهيدة رعد التي تُظهر سعادته الصامتة بهذا القرار الحاسم الغير قابل للمناقشة أو حتى التراجع…. وقال بعينين تلتمع بقوة من فرط ما يفيض بهما من أمل وسعادة تلوح بالأفق :
_ أول مرة في حياتي حد يجبرني على شيء وأبقى سعيد بيه وراضي ..
لم تحتمل رضوى كتمان دموعها واستدارت راكضة من الغرفة وهي تكتم فمها، كي لا يصدر عنها أخف شهقة…. لم تحتمل الفكرة ذاتها … رغم أنها لوهلة كادت أن تطير فرحا … !
ومع ذلك تعترف لنفسها أنها ما أن تصبح زوجته سيبدأ هو بكل ما يستطيع ليجعلها تسامحه …. وشيء من الثقل يجهد قلبها ويرهقه … فكأنها تستحي من هذا العهد الذي قطعته على نفسها بأن تجعله يتلوى ندما وألمًا ! … قبل أي شيء.
فالتفت الجميع لها وبعد دقيقة ركضن الفتيات الثلاث خلفها، وأصبح رجال العائلة يقفون أمام بعضهم البعض في ثبات .. ويقف العم وجيه أمامهم في صلابة وهيمنة …. وقال :
_ مكنتش عايز الخطوة دي وكنت سايبها للآخر ، بس بعد اللي حصل لجدكم كنت مضطر للأسف.
وبدأ يتحدث رعد ويقلل من حدة الموقف ولكن وجيه قاطعه بصوتً غاضب وكشف عن موقفه الصريح معه :
_ أنت بالذات مش عايز اسمع صوتك ، أنا مرضتش اهينك قدام البنات عشان ما أقللش منك … بس حسابك معايا ما خلصش يا رعد … جدك بس يقوم بالسلامة وهعرفك أزاي تعلي صوتك عليه وتوصله للحالة دي…. أنا حذرتك قبل كده وأنت ما اتعلمتش ! .. يبقى تستاهل اللي هيحصلك.
تقدم رعد خطوات إلى عمه ونظراته بها الكثير من الأسف والاعتذار فقال بألم صادق:
_ حقك عليا يا عمي … أنا أسف وندمان على اللي عملته، للأسف مش بعرف أسيطر على غضبي ، بس اوعدك مش هتتكرر تاني .
هز وجيه رأسه برفض هذا الرد …. وقال بيأس :
_ لا مابقتش أصدقك لأني سمعته المرة اللي فاتت وخذلتني …. وبخلاف كل شيء فأنا بحذرك يا رعد واعتبر كلامي تهديد لأني مش هخلفه … أنت هتتجوز رضوى وهتبقى مراتك … أنما لو عرفت أنك اتغابيت واتصرفت تصرف غبي من تصرفاتك فعايز أقولك أن طلاقها هيكون أيسر الحلول عندي … كل اللي فات حاجة .. واللي جاي حاجة تانية خالص … وزي ما جوزتهالك زي برضو ما ممكن اطلقها منك لو جرحتها تاني.
والمرادي هجوزها لواحد تاني وقدام عينك …. زي ما بعتبركم ولادي فهما بناتي …
قال رعد بصدق :
_ أنا تعبت أوي عشان اوصل للوقت ده يا عمي ، يمكن حتى ما وصلتلوش بنفسي وأنت كنت السبب بعد ربنا …. فتفتكر أني ممكن أفكر حتى اجرحها بكلمة؟! … رضوى رغم أني متأكد أنها بتحبني بس عمرها ما كانت هتوافق عليا … أنا عارف أني جرحتها أوي واللي جاي مش وقت تصرفات غبية … وقت صلح واستقرار …
قال وجيه وتمنى بكل قلبه أن يكن هذا ما سيحدث بالغد القريب …. فقال جاسر بابتسامة :
_ وبعدين يا عمي انت عارف كويس أنك مش هتطمن عليهم غير معانا … يمكن اتصرفنا في اللي فات بتهور شوية لكن والله بنحبهم وعايزين نتجوزهم بجد ..
رد وجيه على جاسر بصرامة :
_ الكلام اللي قولته لرعد مش ليه لوحده ، ده لكل واحد فيكم ، يعني اللي هتيجي تشتكيلي من واحد فيكم هنسى أني أعرفكم أصلًا وتصرفي مش هيعجبكم …
قال جاسر مدافعا :
_ لو لاحظت يا عمي أنا ما بقتش اكلم أي بنت ، والله ما بقيت حتى بقولهم صباح الخير ! ….
قد انتبه وجيه بالفعل من هذا الأمر بالأيام الفائتة، ولكن الامر كليًا سيحسمه التجربة الفعلية .. وها هي ستبدأ.
فقال:
_ ياريت بقا تستمر على كده ، جميلة اعند من رضوى ولو قررت تبعد أنسى أنك تقدر تغير قرارها مهما عملت … ولو خسرتها مش هتلاقي زيها … أظن أنك عرفت بنات بما يكفي وعارف قيمة بنت محترمة زي جميلة …
تدخل آسر وقال بنظرة بها وميض تشتت وحيرة:
_ أنا يمكن وضعي مختلف شوية يا عمي ، لو مكنتش عملت كده مكنتش هقدر أخد الخطوة دي بسهولة واطلبها بنفسي … وهي مكنتش هتوافق … أنت كده قصرت علينا طريق طويل كله مشاكل …
قال يوسف بتصميم وهو يخرج عن نطاق الحوار:
_ أنا عايز أشوف جدي بقا ..؟!
أشار وجيه للباب وقال :
_ تقدروا دلوقتي تشوفوه … بس مش أكتر من ١٠ دقايق.
*******
وبغرفة الجد بالمشفى الذي بدأت الدماء تعود لوجه تدريجيًا … وبدا تنفسه هادئ منتظم كأن ما كان يثقل صدره بالهموم هما وأنزاح بعيدًا …
ودخل الشباب الأربعة الغرفة بخطوات تعمدوا أن تكن بلا صوتً مزعج عالِ ولكن متعجلة أيضا …. وأنحنى رعد على رأس جده بقبلة تخللها قطرات من الدموع التي سقطت من مقلتيه … وهمس معتذرا بندمٍ شديد:
_ حقك عليا يا جدي أنا أسف …. أنا غلطان وأستحق اللي بيحصلي كله … لو سامعني رد عليا ارجوك .
ومن الجهة الأخرى المقابلة لرعد فعل يوسف ما فعله أيضا ووضع قبلة حنونة على جبين جده وقال :
_ أنت بخير يا جدي … حاجة بسيطة بس خضتنا عليك.
ومثلما فعل يوسف فعل جاسر وآسر وظلوا يتحدثون لجدهم النائم في سلام لبعض الوقت …. حتى أتى الفتيات للغرفة ، ولكن المُلفت للانتباه أن لم يكن من بينهن رضوى !
فنظر لهن رعد وقال بتقطيبة:
_ هي رضوى فين ..؟!
أجابت حميدة وهي تتأمل وجه جدها بألم :
_ في الأوضة اللي بيتنا فيها امبارح …. هتيجي بعد شوية.
وشعر رعد أنها لربما كانت بحالة لا يرثى لها الآن ، ربما كانت تبكي بشدة ، وربما صدمت من قرار العم الصادم ! …. وربما قررت أن تأتي بعدما يرحل كي لا تراه!، ولكنه يعرف أن بين كل هذه البعثرة بداخلها قلب يشتاق لأن يعلن سعادته التائهة.
ومضى الفتيات إلى جدهن بلهفةً مُعلنةً بأعينهن …. وظلوا يتأسفن له أيضا حتى فتح الجد عينيه بالتدريج وببطء شديد ، فحدق فيه رعد وارتمى على صدره بكلمات مرتجفة معتذرة ….. ونطق الجد بصعوبة قائلًا :
_ أنا …بخير ، ماتخافوش ..
ربت جاسر على رأس جده مبتسما وقال :
_ أنا عارف أنك بخير يا جدي وهتقوم بالسلامة …. حمد الله على سلامتك ياجدي.
رفع رعد رأسه له بعينان دامعتين وقال له :
_ سامحني يا جدي أنا غلطان …. أنا مش اد زعلك مني .
افترّ ثغر الجد رشدي عن ابتسامة تتسع بصعوبة من فرط التعب وقال بصوتً ضعيف:
_ مش عايزك أنت اللي تزعل مني يا رعد ….. يمكن جبرتكم كتير ، بس كنت خايف تبقوا زيي ! … كنت عايزكم تشيلوا شهادة كبيرة ومحدش يحط قيمتكم من قيمة اسم العيلة بس ! …. زي ما حصلي … كانوا بيقولوا عليا الفاسد اللي مفلحش في حاجة غير الجري ورا البنات وفلوس عيلته اللي معيشاه ! ….. رغم أني كنت بشتغل وبكسب برضو!، بس استخسروا فيا حتى ورثي ! ….مكنتش عايز واحد فيكم يحصل معاه كده …. بس والله حبيتكم أكتر من نفسي ومكنش قصدي أن كل ده يحصل…!
والتهبت عينيً الجد بالدموع الصادقة، فضمه رعد بمحبة شديدة وقال دامعا :
_ ننسى اللي فات با جدي ، ومن هنا ورايح طلباتك كلها أوامر واحنا راضيين ومبسوطين … هقولك آه من قبل ما أعرف اللي هتقوله ….
مسح يوسف عينيه وقال ليضيف نكهة المرح :
_ احنا هنقلبها نكد كده ليه ؟! …. جدي وزي الفل أهو واطمنا عليه ، وأحنا وفي كتب كتاب وأفراح مستنيانا …. يبقى المفروض نفرح بقا !
وعلى رغم موقف الفتيات من الشباب إلا بعدما رأو تحسن حالة الجد بالحديث مع الشباب قبلن الأمر بعض الشيء …
********
انتظرت جيهان وليلى خارج الغرفة … حيث قالت جيهان بتعجب :
_ ما كنا دخلنا معاهم نطمن على حمايا !
اوضحت ليلى وقالت :
_ ماينفعش دلوقتي …. خليهم يدخلوا الأول ونسيبهم يقولوا اللي عايزين يقولوه براحتهم …. لما يطلعوا هندخل.
اقتنعت جيهان بذلك التفسير وصمتت …. حتى أتى رجل في العقد الخامس من العمر وبين يديه ورقة مليئة بعدة تفاصيل مطبوعة …. وقال لجيهان :
_ أنا روحت لدكتور وجيه في مكتبه بس ماعرفتش ادخله لأن كان في حد معاه …. فلو سمحتي يا مدام جيهان أنا محتاج قرار في الموضوع ده.
سألته جيهان باهتمام :
_ قرار إيه ؟!
بدأ الرجل الشرح وهو التابع لقسم الحسابات بالمشفى … ثم أضاف :
_ الحمد لله كلنا عملنا فحص ومافيش حالات ظهرت تاني وحصل تعقيم للمستشفى كلها …. بس بالنسبة للبنت اللي اتعدت دي وبتشتغل هنا تكفلة علاجها هتكون على حساب المستشفى ولا حسابها ؟… لأن في حد طلب من قرايبها يدفع الحساب وأنا اجلت لحد ما اتكلم مع الدكتور وجيه.
أخذت جيهان الورقة منه وطلبت منه قلم حبر لتسجل توقيعها الشخصي …. فأعطاها الرجل القلم فقالت وهي توقع :
_ تكلفة علاجها على حساب المستشفى طبعا طالما سبب العدوى من هنا …. تكلفة علاجها كاملة دخلها في حسابي الخاص مش حساب وجيه … والاتنين التانيين كمان معاها …. ومش عايزة ااكد عليك طبعا في تقديم الرعاية الكافية ليهم لحد ما يتعافوا عشان هتابع بنفسي …
أخذ الرجل الورقة الموقعة وقال بموافقة :
_ تمام جدًا …. شكرًا يا مدام جيهان…. بعد أذنك.
اومأت جيهان برأسها حتى غادر الرجل … ولم يكن على وجهها أي تعبير حتى تفاجأت بنظرات ليلى لها …. نظرات ليلى كانت بها شيء من الإعجاب فقالت :
_ ربنا يجازيكي خير … تصرف جميل منك .
ابعدت جيهان عينيها عن ليلى وقالت بنظرات تاهت للبعيد قليلًا :
_ ده مش صدقة مني ده واجب ، طالما الأذى جالهم وقت شغلهم يبقا احنا نتحمل علاجهم لحد ما يقوموا بالسلامة …
اوضحت ليلى وهي تنظر لجيهان بنظرة مختلفة لأول مرة تطل من عينيها وقالت:
_ برضو اتصرفتي برحمة .. بدليل أنك دخلتي علاجهم على حسابك لوحدك … وكان ممكن تشاركي التكلفة مع وجيه كمان بما أنكم شركا بالاساس …
لم تتحدث جيهان … ولكنها شعرت لاول مرة أنها منتصرة أمام ليلى ، لم تغلبها بالمكائد والشر ، ولكن غلبتها بموقف طيب لم تقصده ولا ترتب حدوثه .. ولا حتى انتظرت هذه الكلمات من ليلى ….
**********
ومرت ساعاتً كثيرة …. حتى بدأ قرص الشمس ذات الشعاع الباهت تغيب عن الأنظار …. والمساء أصبحت رمادية تثير الشجن بالنفوس … فتمت رضوى صلاة المغرب بغرفة المشفى بينما تمددن الفتيات الثلاث الاخريات على السريران بالغرفة …. فنهضت رضوى وقالت لهن :
_ أنا رايحة أشوف جدي …
اعتدلت جميلة بنومتها وقالت لها :
_ انا زهقت معاكي كلام يا رضوى من الصبح ، بس بجد جدي مش مستحمل وانا حكيتلك اللي قاله رعد ليه بالحرف … احنا ما قدمناش حل غير أننا نوافق ! ….
وافقتها حميدة وقالت :
_ انتوا عايزين ايه اكتر من اللي عملوه ! … دول شوية كمان وهيبوسوا رجليكم عشان توافقوا !
وكان رأي سما مختلف كثيرًا عن شقيقاتها فقالت :
_ أنا فاهمة رضوى …. وعارفة اللي في دماغها وعشان كده ماجدلتهاش خالص …. سيبوها ومحدش يضايقها …
نظرت رضوى لسما بنظرة امتنان ثم قالت :
_ هروح أشوف جدي ويارب يكون الشباب مشيوا … أنا استنيت كتير
وتحركت للباب وخرجت متوجهة لغرفة الجد …. بينما التفتت جميلة بغيظ لسما وقالت :
_ أنتي بقا ست العاقلة اللي فينا وعايزاها تنفذ اللي في دماغها ؟! ….
رفعت سما حاجبيها وقالت بسخرية:
_ مالك كده يا جميلة اتقلب حالك ؟! …. مش ده جاسر برضو ولا واحد تاني ؟! …. مش ده اللي كنتي بتحلفي لتنتقمي منه ؟!
تلعثمت جميلة قليلًا ثم قالت ببعض التوتر :
_ آه هو جاسر ، وكنت حالفة انتقم منه …. بس برضو شايفة أنه شاري وانه بيتغير عشاني …. بدليل مافيش ولا بنت بقت تتصل في البيت ولا بقيت أشوفه بيتكلم أصلا في التليفون …. ومش عيب يعني أني اسامحه ولو شوية … هو عيب أني أحب يعني !
ابتسم سما وقالت :
_ والله لو بجد اتعدل يبقا ربنا يتمملكم بخير …. وأنا مش بقول أنك غلطانة …. بس رضوى واقعة بين أنها فرحت انها جت من عمها وحطنا قدام الامر الواقع …. وزعلانة لانها عارفة أن لو بقت مراته مش هتعرف تنتقم منه زي ما كانت بتفكر ….
تدخلت حميدة وقالت بحدة:
_ بصوا بقا أنا سكت كتير عليكم ، بس مابقتش قادرة خلاص ، احنا عرفنا أن سبب تصرفهم تحكمات جدي مش أنهم رفضينا يعني ! …. والأهم من كده أن كلهم شارينا وبيتمنوا لينا الرضى نرضى …. يا ختي نتجوزوهم وننتقم منهم براحتنا !
وكتمت حميدة ابتسامة رافقت هذا القول …. فغمزت لها جميلة بمكر وقالت :
_ صح يابت …. هو أنتي فكرك أني هسلم كده بسهولة ؟! …. ده أنا هدوخه الأول …. هخليه مشغول بيا ليل نهار، وبما أن قرار عمي لازم يتنفذ فهنفذه … بس زي ما احنا عايزين برضو.
********
وعبرت رضوى الممر حيث غرفة جدها … فأستوقفها رعد الذي كان ينتظرها لعلمها أنها تنتظر لحظة مغادرته للمشفى وتأتي !!
فتهربت من عينيه بارتباك حيث قال بمكر :
_ بلاش تقولي لجدي حاجة تزعله يا رضوى … وسبيني أصالحك وأنتي مراتي … اعتقد هيكون الصلح أجمل بكتير …
ابتلعت رضوى ريقها بارتباك شديد … ولم تعرف بما تقول ، ولو نطقت لظهرت رعشة صوتها لتفضحها توترها علنًا أمامه !
وسيعرف أنها حائرة ! … أذا انها تريد ، أذا أن لا زال بقلبها شيء يدفعها لتعود تلك السمراء التي تحمر خجلا عندما تراه ! ….
فعاد قائلا بصوتً هادئ جدًا :
_ جدي هيخرج بعد يومين كده، وكتب كتابنا الأسبوع الجاي ، أحنا أتفقنا النهاردة معاه على كده … يعني دلوقتي نعتبر مخطوبين.
رفعت رأسها بنظرات مصدومة ، حتى وجدته يبتسم بدفء وعاطفة شديدة …. وأثرت تلك الابتسامة على مشاعرها ولكنها أجابت بأنفعال لم يكن هو حقيقة ما تشعر به:
_ بعني إيه كتب كتابنا الأسبوع الجاي ! … من غير ما….
قاطعها وصول وائل الذي احتدت ملامحه عندما رأى رعد يقف معها وينظر لها بتلك الطريقة الحنونة…. فأسرع اليهما وقال لها وقد تجاهل رعد تمامًا:
_ أنا بتصل بالصدفة بالبيت وعرفت الخبر …. الف سلامة على جدك يا رضوى .
جذبه رعد من ذراعه بعصبية وهتف به :
_ آنسة رضوى ، رضوى دي ما تتقالش تاني وإلا هعمل اللي كان نفسي اعمله من زمان .
نظر وائل ليد رعد على ذراعه وقال له بنرفزة:
_ أنت ما حرمتش من اللي عملته أول مرة ولا إيه يا رعد ؟! ….. وبعدين أنا اتقدمتلها رسمي ومنتظر الرد …. وعلى فكرة كان بينا قبول وتوافق وده كان باين أوي وقت المقابلة .
اتسعت عينان رضوى بدهشة … فلم يكن الأمر أبدًا مثلما يقول وائل، بل كانت إجاباتها جافة دون روح، وحتى نظراتها كانت حزينة وبعيدة عنه تمامًا بتلك المقابلة …. فمن أين أتى بهذا القول الجائر ؟!
تحكم رعد للمرة الأخيرة بأعصابه وقال :
_ طب اللي أنت ما تعرفهوش أن رضوى بقت خطيبتي وكتب كتابنا الأسبوع الجاي …. يعني أنت مش مرفوض ده أنت مطرود يابني !
صدم وائل مما قاله رعد والتفت لها بغضب وسأل :
_ الكلام ده حقيقي ؟!
لم يكن بأمكانها أن تكذب الخبر أو ترد بالايجاب …. فصمتت … فهتف بها وائل دون أن يتحكم بنفسه ، فنظرت له بحدة ودهشة من تصرفه السخيف معها وأن كان محقا بعض الشيء ….. حتى اغتاظت منه وقالت :
_ أنت بتشخط فيا كده ليه ؟! …. ايوة صحيح وحضرتك مرفوض وحتى لو كنت وافقت بعد أسلوبك معايا ده كنت هرفضك !
صاح بهما وائل بغضب شديد وشعور كبير بالإهانة وقال :
_ يعني إيه الكلام ده ؟! … هو أنتي اتخطبتي بين يوم وليلة ؟! …ولما أنتي كنتي مخطوبة وافقتي تقابليني ليه !
نظرا لأن وائل لم يعرف ما حدث فعصبيته هذه له الحق فيها …. فقالت بشيء من الاعتذار:
_ أنا أسفة يا أستاذ وائل … الموضوع مش زي ما أنت فاهم ولا كنت مخطوبة لما قعدت معاك … بش مش هينفع أشرحلك للأسف …. بجد بعتذرلك وبأذن الله هتلاقي اللي احسن مني.
لم يحسن استقبال أسفها وارتفع صوته بصياح وغضب شديد …. وهتف:
_ أنا اللي غلطان اللي اتقدمت لواحدة …..
ولم يتابع ولم ينطق حرف زائد حتى وجد نفسه يدفع للحائط بشراسة وانقض عليه رعد ونشب أظافره في عنق وائل قائلا بنظرات عنيفة :
_ حرف زيادة عنها وهخليك انت والحيطة واحد، اللي بتعلي صوتك عليها دي كلها أيام وتبقى مراتي ، يعني لو بس اتعرضتلها بنظرة مش هيكفيني رقبتك …
صرّ وائل على أسنانه بنظرات انتقامية، حتى جذبت رضوى يد رعد وهي تهتف به :
_ ابعد عنه وسيبه يمشي بلاش أذية !
تركه رعد ولكن نظراته مهددة بدرجة خطيرة …. فعدل وائل هندامه وهو ينظر لهما باحتقار وابتعد ….. حتى التفت رعد وقال بعصبية لها :
_ شوفتي اللي كنتي بتتحديني بيه ! …. لو مش هعمل فضيحة في المستشفى كان زماني مخليتش فيه ضلع سليم … ده عايز يخطبك بالعافية وياخدك مني ! …. ده ياخد روحي الأول.
ابعدت رضوى عينيه عنه ولكن للعجب أنها قاومت ابتسامة ولكن هجمت الابتسامة على شفتيها رغما عنها…. فتسمر رعد مكانه للحظة وهو يحاول أن يتأكد أنها بالفعل تبتسم !
وقال مبتسما بعدم تصديق :
_ أنتي بتضحكي بجد ولا أنا مش شايف ولا إيه ؟! ….
استجمعت مقاومتها وتحكمت بنفسها …. فظهرت ثابته وقالت :
_ لا مش بضحك … هضحك على إيه يعني ؟!
تنهد رعد تنهيدة عميقة ثم رمقها بابتسامة ماكرة وقال :
_ اعندي براحتك … كلها كام يوم بس ….
اطرفت عينيها بارتباك شديد وركضت لداخل غرفة جدها …فاتسعت ابتسامته …. وقال بابتسامة خبيثة :
_ استنينا كتير … نستنى كمان الكام اليوم دول …. بس باين كده أن الأيام الجاية جميلة زي جمال عنيها …
***********
وبعد مرور ساعتين تقريبًا…
وبمكتب وجيه ….
دخل وجيه مكتبه بعد فترة عمل سريعة فوجد والدة الفتيات ومعها الصبي بأنتظاره …. فرحب بهما وجلس أمامهما بالمكتب وقال :
_ ليه تعبتي نفسك ! … انا طمنتك بالتليفون والحمد لله أبويا حالته اتحسنت وهيخرج بعد يومين ويكمل علاجه في البيت …
أجابت وداد بقلق :
_ أنا معرفتش أصبر لحد ما يرجع وجيت اطمن عليه …. بس لما البنات قبلوني وجابوني على هنا قالولي اللي حصل وكلامك معاهم وقرارك.
تطلع بها وجيه وقد أدرك وتفهم مخاوفها … بينما الصبي أصرّ الصمت وترك الحديث لهما وراقب ما يقال بإنصات …. فقال وجيه بتفهم :
_ أنا متوقع أن القرار ده يمكن خوفك ….ويمكن زعلك، بس أنا لو كنت لقيت الأمور بتتحسن مكنتش عملت كده، وكمان أنا عارف ومتأكد أن رغم أن يبان قراري إجبار لكن في حقيقته انقاذ للموقف …. البنات صعب يوافقوا وأنا عارف أن جواهم موافقين بس اللي حصل عندكم في البلد مأثر على نفسيتهم … والشباب أنتي طبعا عارفة أنهم عايزين ومرحبين …. يعني اصلا انا ما أجبرتش حد … لكن سرعت بس القرار ده …. وعلى فكرة أنا حريص على مصلحتهم أكتر من الشباب .. دول بناتي.
قالت وداد بثقة فيه :
_ أنا مش بثق في حد أكتر منك … وبصراحة كنت قلقانة شوية بس أنت طمنتني …. هو اللي مقلقني يعني أنه هيتجوزوا وهما لسه زعلانين وشايلين في نفسهم من اللي حصل في البلد .
وهنا تدخل الصبي وقال لعمته :
_ يا عمتي لما يتجوزوا الوضع هيختلف …. جميلة هتبطل تهزأ جاسر لأنه هيبقى جوزها ولازم تحترمه … وبقية البنات هيبقوا كده … ونخلص بقا من خناقاتهم وتطمني عليهم وتبقى كل واحدة مع جوزها يراضو بعض براحتهم .
قال وجيه موافقا حديث الصبي:
_ بالضبط كده، الأمور هتبقى أسهل لو اتجوزوا …. كتب الكتاب الأسبوع الجاي والفرح بعده بشهر على ما نجهز كل شيء … وعشان تكوني مطمنة عليهم أكتر هخلي البنات كلهم معاكي في اوضة واحدة … أنا مقدر خوفك وفاهمه …. وعلى فكرة ولاد أخواتي مش هيتعدوا حدودهم … وخير البر عاجله
تنهدت وداد براحة وهي تبتسم … ثم قالت :
_ عندك حق … خير البر عاجله.
يتبع…
- لقراءة الفصل التالي: اضغط هنا
- لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على (رواية قلبي و عيناك و الأيام)