روايات

رواية امرأة العقاب الفصل الثاني والستون 62 بقلم ندى محمود توفيق

رواية امرأة العقاب الفصل الثاني والستون 62 بقلم ندى محمود توفيق

رواية امرأة العقاب البارت الثاني والستون

رواية امرأة العقاب الجزء الثاني والستون

امرأة العقاب
امرأة العقاب

رواية امرأة العقاب الحلقة الثانية والستون

تمكنت منها دهشتها لبرهة من الوقت وهي تتمعن في الأختبار الصغير ، لا تصدق ما تراه عيناها وأيضًا هناك ابتسامة عفوية بدأت تشق طريقها لثغرها .. نفرت عن ذهنها بهذه اللحظة أي فرصة لأفكار عبثية وسخيفة قد تعكر عليها جمال اللحظة وسعادتها كأي أنثى .. وفقط راحت تفكر أنها سترزق بطفل ثاني عن قريب .
اشرف وجهها من فرط السعادة وابتسامتها انفرجت باتساع لتظهر عن أسنانها الناصعة البيضاء وبيدها راحت تلمس بطنها مبتسمة .. بقت على هذا الوضع لدقائق طويلة حتى سمعت صوت طرق الباب الخفيف ومن بعده انفتح وظهر أبيها الذي دخل بخطوات هادئة واقترب منها مبتسمًا يقول :
_ عاملة إيه ياحبيبتي ؟
جلنار بثغر متسع :
_ الحمدلله يابابا كويسة
نشأت بنبرة جادة :
_ عدنان كان هنا قبل ما آجي فعلًا ؟
_ آه جه يشوف هنا ويطمن عليها وبعدين مشي
تقدم منها باهتمام وسألها :
_ بدرية قالتلي إنك تعبتي وهو طلعك على الأوضة هنا .. حصل إيه ياجلنار إنتي كويسة ؟
ترددت في بادئ الأمر لكن سعادتها قادتها ولم تتمكن من ضبط لسانها الذي تحدث بفرحة وعينان لامعة :
_ كويسة يابابا .. دوخت شوية بس وده أكيد بسبب الحمل
اتسعت عيني نشأت بصدمة وهدر :
_ حمل !! .. إنتي حامل ؟!!!
هزت رأسها بالإيجاب وهي تبتسم باتساع ليهيمن الذهول عليه للحظة قبل أن يضحك هو الآخر بفرحة صادقة ويضمها إلي صدره بحنو مقبلًا شعرها ويتمتم :
_ مبروووك يابنتي .. خلي بالك من نفسك من هنا ورايح وخدي معاد وروحي للدكتورة وتابعي معاها
_ النهارده بليل ان شاء الله هروح للدكتورة
أبعدها عنه وابتسم بمداعبة يسألها :
_ تحبي اروح معاكي ولا هتاخدي عدنان ؟
سكنت بشكل مريب عند ذكره لاسمه فضيق عيناه باستغراب وسألها بجدية :
_ إيه إنتي مش عايزة تقوليله ولا إيه ؟!!
التزمت الصمت ولم تجيب فن الرد حازم من أبيها وهو يقول :
_ مينفعش ياجلنار لازم يعرف .. مهما كان في إيه مشاكل بينكم واتطلقتوا ده ابنه ولازم تقوليله
هزت رأسها بالموافقة وتمتمت في خفوت :
_ هقوله يابابا أكيد مقدرش اخبي عنه أساساً ا بس هصبر شوية وهقوله في الوقت المناسب
تنهد نشأت الصعداء بعدم حيلة حين توقع أفكار ابنته التي تدور في ذهنها فقال بنظرة دقيقة :
_ أنا فاهم إنك خايفة تقوليله ويردك لما يعرف بحملك بس متقلقيش مش هيعمل كدا .. ومتنسيش كمان إنك دلوقتي عدتك مبقتش تلات شهور لا عدتك بقت لغاية ما تولدي
جلنار بتفهم :
_ عارفة يابابا .. عارفة ومتقلقش هقوله دي حاجة مينفعش تتخبى أساسًا
ابتسم لها بحنو ثم اقترب وطبع قبلة دافئة فوق جبهتها متمتمًا بحنان أبوي :
_ ارتاحي بقى ياجلنار وأنا هبلغ بدرية إنها تطلعلك الأكل عندك في الأوضة عشان متنزليش وتطلعي السلم كتير وتتعبي
أماءت له بالموافقة وعانقته بحب هامسة :
_ متشكرة يابابا ربنا يخليك ليا
_ ويخليكي ليا ياحبيبتي .. أنا هسيبك بقى عشان ترتاحي
أماءت برأسها في إيجاب وهي تبتسم في سعادة ورقة .. تابعته بنظراتها حتى غادر لتعود وترفع كفها لبطنها تتحسسها بفرحة تغمرها بالكامل ! …….
***
كانت نادين بغرفتها تستعد كأي عروس .. اليوم هو الأخير قبل يوم الزفاف الذي سيكون غدًا .. كانت تجلس فوق فراشها ووجهها كله من اللون الأسود بعد أن قامت بوضع إحدى الكريمات الطبية المخصصة لتفتيح البشرة وبيدها اسمك زجاجة مانيكير لونه احمر وتدهن أظافرها بدقة شديدة حتى لا تنحرف يدها خارج إطار أظافرها وتخرب شكل أصابعها .
بتلك اللحظات وهي مندمجة بالمانيكير انفتح الباب فجأة ثم انغلق في اللحظة التالية فورًا .. لم ترفع رأسها لظنها أنها الخالة فاطمة حيث قالت بعفوية :
_ ياخالة تعي شوفي .. شو رأيك بهاد اللون ؟
أنهت عبارتها وبتلقائية رفعت رأسها لتنظر للخالة لكنها دهشت بحاتم الذي يقف متسمرًا وملامحه شبه مذعورة من منظر وجهه المريب .. ففغرت شفتيها واتسعت عيناها بصدمة وبلحظة وثبت واقفة ولفت توليه ظهرها حتى لا يراها بهذا المنظر وصرخت به :
_ حاتم شو عم تسوي هون .. اطلع لبرا هلأ فورًا .. الخالة فاطمة مو نبهت عليك إنك ممنوع تشوفني اليوم
حاتم بصوت منخفض دون أن يصل لأذنها :
_ ما أنا لو كنت اعرف إن الموضوع في جو الرعب ده مكنتش دخلت والله
تنحنح بسرعة واقترب منها ليقف خلفها ويهمس شبه ضاحكًا بسخرية :
_ نادين ياحبيبتي إيه اللي عملاه في وشك ده ؟
نادين بغيظ دون أن تلتفت له :
_ هادي أشياء ما بتفهمها .. شو دخلك إنت !!
أجاب بضحكة مكتومة حتى لا يثير جنونها أكثر :
_ لا دخلني ونص كمان .. حبيبتي إنتي قمر وحدك مش محتاجة إيه لزمة الكلام ده !
من فرط غيظها كانت ستتلفت له وتنفجر به لكنها تراجعت وردت باقتضاب وغضب :
_ هايدي طقوس بتسويها أي عروس .. شو بيفهمك إنت بهاي الأشياء !
حاتم بيأس وحنق حقيقي :
_ حرام عليكي يانادين ده انتي نشفتي ريقي لغاية ما سامحتيني ولما ادخل عشان اشوفك الإقيكي كدا .. والله نفسي ابوسك بس خايف
نورت وجنتيها بخجل شديد ولا إراديًا استدارت بجسدها له وراحت تضربه فوق صدره بغيظ واستحياء متمتمة :
_ لك بيكفي وقاحة ياقليل الأدب .. يلا اطلع لبرا
ضحك وأمسك بيديها ليرفع أحد كفيها لشفتيه يلثم ظاهره ثم يهمس مشاكسًا إياها :
_ يعني ملقتيش غير الماسك ده .. طيب حطي واحد لونه عادي مش حاطة أسود ده أنا من الخضة قطعت الخلف
كتمت ضحكتها بصعوبة وتصنعت السخرية منه وهي تدفعه للخارج بلطف هاتفة باللهجة المصرية :
_ ياعيني اسم الله عليك من الخضة ياكوكي
رمقها بنظرة مستنكرًا ردها ورافعًا حاجبه ثم رد مغتاظًا :
_بتتريقي !! .. ده بدل ما تقوليلي بعد الشر عليك ياحبيبي !!
استمرت في دفعه وهي تضحك بصمت وتقول بنفاذ صبر مزيف :
_ لبرا ياحاتم مو وقتك هلأ أنا ماني فاضيتلك !!
دفعته أخيرًا خارج الغرفة وأغلقت الباب فسمعته يهتف من الخارج بوعيد حقيقي وغيظ :
_ مش فاضيالي ! .. ماشي هو كلها يوم يانادين وبعدين تفضيلي غضب عنك .. وابقى افتكري عشان وقتها هتشوفي الوقاحة على حق
ضحكت بصوت مرتفع هذه المرة وردت عليه من بين ضحكها :
_ لك انقلع يامجنون قبل ما حدا يشوفك
أنهت عبارتها وبقت واقفة خلف الباب تنتظر منه رد لكنها سمعت صوت خطواته وهي تبتعد عن غرفتها فرفعت كفها بفمها تكتم صوت ضحكها من تصرفاته الجنونية والطفولية ! .
***
داخل منزل عدنان الشافعي في مساء ذلك اليوم ……..
فتح الباب ودخل .. وقف للحظة يتنهد بخنق ككل ليلة يعود فيها للمنزل منذ رحيلها هي وابنته .. بات لا يطيق البقاء فيه لثانية واحدة لكن ذكرياتهم معًا هي من تجبره كل ليلة أن يعود إلي المكان الذي قد يجدها فيه حتى لو بمجرد الشعور فقط .
يوجد سكون وصمت خانق وكأنه منزل مهجور منذ سنوات .. لم يعد يسمع به صوت ضحكات ” هناه ” التي تعيد الحياة لروحه المنطفئة أو صوت خطوات ” رمانته ” وهي تتحرك بخفة في أرجاء المنزل .. كل شيء ينقصهم وذلك المنزل أصبح كالغابة الموحشة بدونهم .. عيناه فقدت لمعتها وبات كل شيء أسود اللون أمام عينيه .. أما صوت قلبه المشتاق لا يتوقف عن الصراخ والبكاء .. روحه المفقودة تتخبط بحثًا عن مستقرها بين ذراعين زهرته الحمراء ! .
صحيح أنها تخلت وهو قبل الهزيمة لكنه مازال لم يتخلى حتى الآن ! .
تحرك بخطوات بطيئة يصعد الدرج للطابق الثاني حيث غرفته .. دخل واغلق الباب خلفه ثم بدأ في تبديل ملابسه بعد أن أخذ حمامًا دافيء واقترب من الفراش ليتسطح بجسده فوقه واضعًا يديه أسفل رأسه ويحدق في السقف بشرود وعبوس .. يشعر بها بكل نقطة في الغرفة .. رائحتها لا تزال عالقة بأنفه وصوتها يتردد صداه في أذنه .
تلك الحمقاء تتهمه بسذاجة أنه لا يحبها .. وهي لا تدري ما يكنه لها من عشق في ثناياه .. لو علمت كم العذاب الذي يعانيه في فراقها لأدركت حماقتها الحقيقية ! .
كيف لا يعشقها وهو لا يطيق النوم فوق فراشهم بدونها .. منذ رحيلها وهي لا تفارق أحلامه ولا خياله .. نيران الشوق حرقته وحولته لرماد .. بات يتوق فقط لمجرد عناق قصير يطفيء به القليل من نيرانه الملتهبة في صدره .. ولكن هيهات أن ترحمه زهرته القاسية ! …
***
توقف بالسيارة بعد وقت طويل من القيادة وحين تجولت بنظرها من داخل السيارة تتفحص المكان الذي جلبها إليها .. لمحت باب معرضه الخاص فرمقته متعجبة وقالت بفضول :
_ إنت جايبني هنا ليه يا آدم ؟!
قال بابتسامة جذابة وهو يهم بفتح الباب والنزول :
_ هتعرفي دلوقتي .. انزلي يلا
بقت ساكنة مكانها تتابعه وهو ينزل من السيارة حتى وجدتها يشير لها من الخارج أن تنزل ففعلت بخجل بسيط وقالت في توتر فور نزولها :
_ بس كدا هنتأخر وتيتا هتعملي مشكلة يا آدم !
غمز لها بعيناه في بسمة تذيب العقل :
_ متقلقيش أنا اخدت الأذن من جدتك وقولتلها إني هاخدك مكان مهم وضروري وهي وافقت
رفعت حاجبها بدهشة ثم ردت شبه مستنكرة :
_ وافقت عادي كدا !!
ضحك ولم يجيبها بل استدار وتحرك باتجاه باب المعرض وهي لحقت به ركضًا في خوف بسبب هدوء الأجواء من حولهم وعدم وجود بشر .. فقط أصوات نباح الكلاب هي المسموعة .
التصقت به من الخلف وهو كل لحظة والأخرى يلتفت برأسه لها ويضحك بساحرية .. حتى فتح الباب أخيرًا ودخل ثم تبعته هي .. راحت تتجول بنظرها في أرجاء المعرض تتذكر ذلك اليوم الذي دخلته فيه للمرة الأولى وتذكرت موقفها معه فضحكت بصمت لا إراديًا .. لكن فجأة سمعت صوت الباب فالتفتت بجسدها له وصاحت بارتباك وخجل :
_ إنت بتقفل الباب ليه !
غضن حاجبيها باستغراب من ردة فعلها العنيفة وقال بهدوء :
_بقفله عادي يامهرة .. إنتي خايفة مني ولا إيه !
ردت بغرور وثقة :
_ لا وأنا أخاف منك ليه .. ده إنت اللي تخاف مني
ضحك ورد بسخرية وهو يكمل إغلاق الباب :
_ امممم فعلًا ماهو واضح !
راحت هي تتفحص بقية المعرض بنظرها من جديد حتى سمعت صوته من خلفها بعد دقيقتين وهو يهمس بغرام :
_ عارفة أنا جيتك هنا ليه
التفتت برأسها له في توتر من قربه واكتفت بهز رأسها بالنفي وسط نظراتها الزائغة لتجده يكمل بعينان ثابتة وكلها حب :
_ عشان هنا أول مكان أنا بدأت أحس فيه بانجذاب ناحيتك بعد ما جيتي المعرض .. وعشان كمان عايز أوثق كام حاجة مهمة جدًا بنسبالي واعتقد أنها هتكون مهمة بنسبالك كمان .. والكام حاجة دي لازم تتوثق من المكان اللي بدأت فيه !
طالعته بهيام وعشق رغم أنها لا تفهم أي شيء من الغازه إلا أنها ضحكت واماءت بالإيجاب عندما سمعته يقول باسمًا :
_ مش فاهمة حاجة صح !! .. تعالي هوريكي وهتفهمي
وجدته يحتضن كفها الناعم بين قبضة يده الضخمة ويجذبها معها نحو أحد الأركان ثم وقفوا أمام الحائط ورأت فوق الحائط معلقة لوحة لكنها مغطاة بقماشة حمراء اللون .. فنظرت له بعدم فهم ليبتسم ثم يقترب من الحائط ويمد يده لينزع القماشة عن اللوحة التي ظهرت لها بوضوح وكانت نفسها تلك اللوحة المميزة التي اعجبت بها حين جاءت بزيارتها الاولى لمعرضه .. رغم أنها لم تفهم منها شيء لكن شعرت بأن بها شيء خفي يجذبها إليها دون أن تشعر .. لا تعلم ربما رأت عشوائيتها وتداخل الألوان بها وضجتها مشابهة تمامًا لضجيج روحها التائهة وعبثيتها ! .
فغرت شفتيها بصدمة ثم نظرت له وقالت باسمة :
_ إنت مبعتش اللوحة !
هز رأسها بالنفي ورد في نظرة عميقة :
_ تؤتؤ مقدرتش أبيعها وشلتها مخصوص ليكي .. مع إن كان في ناس كتير طلبت تشتريها بالأخص وبأسعار ومبالغ هائلة .. بس فكرة إنها لمجرد لفتت انتابهك حتى لو معجبتكيش كانت كفيلة إنها تخليني احافظ عليها ليكي وبس
فقدت القدرة على النطق ونظرتها العاشقة له كانت تتحدث بدلًا عنها .. تبتسم له بحب وامتنان لكل شيء ، رغم أنها لم تتحدث لكنه فهمها وبادلها نفس النظرة والإبتسامة .
مرت دقيقة حتى وجدته يمد يده في جيبه ويخرج عقد فضي اللون .. حين دققت النظر به أدركت أنه عقدها الذي ظنت نفسها فقدته أثناء زيارتها للمعرض هنا .. ظلت تحدق بالعقد في صدمة وتنقل نظرها بينه وبين العقد حتى سمعته يقول بضحكة بسيطة :
_ لقيته واقع هنا في نفس المكان بعد ما مشيتي .. ولو هتسأليني مرجعتهوش ليه من بدري هقولك الصراحة كنت كل ما بتوحشيني بفضل ابص فيه وافتكرك
أدمعت عيناها من فرط السعادة والمشاعر الجيَّاشة التي طغت عليها ولم تشعر بنفسها إلا وهي ترتمي عليه وتعانقه بقوة وسط دموع عينيها دون أن تتحدث .. فيبتسم هو أيضًا بسعادة وحب وهو يضمها إليه أكثر .
ابعدها عنه بعد دقيقة ورفع أنامله يجفف دموعها برفق ويلتف حولها ليقف خلفها ويلبسها العقد بنفسه حوله رقبتها .
استدارت له هي بعد ذلك وهي تبتسم بعاطفة لتجده يسأله بجدية بسيطة ونظرة مترقبة :
_ مهرة هو إنتي بتحبيني بجد ؟!
سؤاله أصابها بالدهشة وانعقد لسانها فجأة فلم تتمكن من الرد وبقت تحدقه بصمت في خجل وصدمة حتى وجدته يعيد السؤال ثانية بإلحاح :
_ بتحبيني ولا لا !!
لم يترك لها مفر للهرب منه وبنفس اللحظة لا تقوى على النطق بلسانها ولذلك تطرقت رأسها أيضًا واكتفت فقط بإماءتها بالإيجار وهي تبتسم بخجل شديد لتسمعه يجيبها وهو يبتسم باتساع وبحماس غريب :
_ كدا أنا اطمنت عشان بعدين ميبقاش ليكي حجة بقى
رفعت رأسها وطالعته بعدم فهم لتسأل في جدية :
_ حجة ازاي يعني مش فاهمة ؟!
غمز بعبث ونفس الحماس ثم أجاب :
_ هتفهمي .. كلها كام يوم وتفهمي كل حاجة
لن يتوقف عن التكلم بالغاز وغموض وهي لن تتوقف عن التصرف بعفوية وعدم فهم الغازه الغريبة !! ……..
***
بمساء اليوم التالي حيث ليلة زفاف حاتم ونادين …….
كانت جلنار تجلس في المقعد الخلفي وبجوارها ابنتها داخل السيارة الخاصة بها ، لكن نشأت أصر على عدم قيادتها للسيارة بنفسها ولذلك جعل الحارس هو من يقود السيارة ويوصلها هي وحفيدته إلى قاعة الزفاف .
كانت الصغيرة طوال الطريق لا تتوقف عن التحدث بحماس وبالأخص عندما علمت أنه زفاف حاتم وأنها ستراه هي وزوجته .. فبقت طوال الطريق متحمسة ولا تطيق الانتظار حتى يصلوا لقاعة الزفاف وعندما توقفت السيارة واخبرتها أمها أنها وصلوا فتحت الباب بسرعة قبلها ونزلت مسرعة تقود خطواتها شبه ركضًا للداخل لكنها تصلبت مكانها حين رأت أبيها ينزل من سيارته مرتديًا حلة سوادء جذابة أعطته هيبة ووسامة فوق وسامته تسرق الانفاس .
فصاحت من بعيد عليه بسعادة :
_ بابي
التقطت أذنه صوت صغيرته فراح يبحث عنها بنظره بسرعة وحين وقعت أنظاره على ملاكه الصغير التي ترتدي فستان طفولي طويل وواسع من عند منطقة الخصر ابتسم لها بحب وانحنى فاردًا ذراعيه لها يستقبلها لأحضانه فتركض هي مسرعة إليه وتىتمي بين ذراعيه .. ليحملها ويلثم وجنتيها بحنو أبوي متمتمًا :
_ ياروح بابي .. إيه الجمال والحلاوة دي يا ملاكي
ضحكت بخجل كعادتها وعانقت أبيها بحرارة أما هو فقد استقرت عيناه على زوجته التي نزلت من السيارة بهدوء ثم تحركت تجاههم ببطء بعد أن ظلت واقفة مكانها وقت تتطلعه بجمود .
تفحصها بنظره في تدقيق بذلك الثوب الأسود الضيق الذي ترتديه وشعرها الأسود المنسدل بحرية فوق كتفيها وظهرها .. رغم أن نيران غيرته تأججت في صدره لكنه لم يتمكن من إخفاء تأثره من جمالها الذي جعله يتأملها كالمسحور ! .
عندما وصلت إليه قال بصوت رجولي خشن :
_ مقولتيش ليه إنك جاية إنتي وهنا ؟!
جلنار ببساطة تامة وبرود :
_ أنا متوقعتش إنك هتيجي أساسًا حتى لو حاتم عزمك
عدنان بغيظ من أسلوبها :
_ واديني جيت
تصنعت عدم الاهتمام أمامه ورأت وجهه الذي بدأ يتحول للون الأحمر من العصبية .. ورغم كل هذا مازال يحاول التصرف بطبيعية حيث بسط ذراعه أمامه وقال لها بقوة :
_ اتفضلي
سارت معه للداخل وبينهم مسافة كبيرة كانت لأبنتهم التي تسير بالمنتصف بينهم .. وفور دخولهم توجهوا لأحدى الطاولات الصغيرة وكل منهم جلس فوق مقعد .. كانت تتحاشى النظر إليه وتتجاهله عمدًا متصنعة انشغالها بمتابعة الحفل والضيوف .. على عكسه هو الذي لم يحيد بنظره عنها للحظة واحدة .. يرمقها بنارية وغيرة حارقة وبعيناه يتجول بين الرجال وكلما يرى أحدهم ينظر لها يشعر بالنيران تخرج من رأسه وأنه على وشك لحظة أخرى ويفتعل المشاكل بسببها .
اقترب بنقعده منها وانحنى عليها يهتف في غضب وصوت رجولي مخيف :
_ إنتي ايه اللي لبساه ده !
نظرت له بتوتر بسيط من تحوله المخيف وقالت ببرود مستفز :
_ ماله اللي لبساه !
احتقنت عيناه بالدماء وأصبح وجهه شكله مخيف من فرط الغيرة ليهتف بانفعال :
_ يعني إنتي مش شايفة ماله مثلًا .. ملقتيش غير الزفت ده اللي تلبسيه
جلنار باستياء من عصبيته :
_ أولًا وطي صوتك ومتزعقليش .. ثانيًا أنا البس اللي أنا عايزاه إنت ملقش حق تقولي البس إيه ولا ملبسش إيه
صاح به بغضب هادر وصوت متحشرج :
_ أنا جوزك ياهانم .. مليش حق إزاي يعني !
اشاحت بنظرها عنه وقالت بثقة وقوة :
_ كنت !!
استفزه ردها بشدة وكاد أن يتحول لكاسر لكنه تمالك أعصابه بصعوبة واغلق على قبضة يده بقوة ليهتف جازًا على أسنانه بتحذير حقيقي :
_ جلنار بلاش تستفزيني أنا على أخرى وإلا قسمًا بالله ارجعك البيت واخليكي تغيري الزفت ده غصب عنك
رغم غيظها من طريقته إلا أنها كانت سعيدة بغيرته واهتمامه بها وتعمدت إثارة جنونه أكثر حيث ردت في تلذذ بغيرته :
_ متقدرش
عدنان بصوت منخفض ومريب وسط نظرته المرعبة :
_ إنتي عارفة كويس أوي إني أقدر يعني متعانديش معايا عشان تصرفي بعد كدا مش هيعجبك
كادت أن تجيبه لكن قاطعهم صوت رجولي يتحدث لعدنان يلقي التحية عليه .. فابتسم عدنان له فور رؤيته له وهب واقفًا يمد يده يصافحه بحراره ويرحب به .. القى الرجل التحية على جلنار بأسلوب راقي فابادلته إياها ثم ابتعد هو وعدنان واتجهوا لطاولة أخرى حتى يتمكنوا من التحدث براحة أكثر ! ………..
***
وقت طويل مر وهي تجلس بمفردها فوق تلك الطاولة وتتابعه بنظراتها المشتعلة .. تراه يقف مع تلك الفتاة منذ أكثر من نصف ساعة يتحدث معها بكل لطف والأجواء اللطيفة بينهم تهيمن عليهم وابتسامته لا تفارق شفتيه طوال حديثهم .. وزاد اشتعال غيرتها حين عرفت أن تلك الفتاة هي نفسها التي كان يتحدث معها في الهاتف عندما كان بالمنزل معهم بالأمس .
كانت غيرتها تأكلها أكل ولا تتمكن من الذهاب إليه والوقوف بجواره .. وبأي حق ستقف معه بعد طلاقهم .. لكن ذلك لا يعني أن تتركه لتلك السخيفة .. انحنت على أذن ابنتها التي تجلس بجوارها وقالت لها :
_ هتون ياحبيبتي روحي اندهي بابي وقوليلوه مامي تعبانة .. بس متقولهوش إني أنا اللي قولتلك تندهيه
هزت الصغيرة رأسها بالإيجاب واستقامت واقفة تهم بالركض تجاه أبيها لكن جلنار قبضت على ذراعها وراحت تؤكد عليها للمرة الثانية بتحذير :
_ اوعي ياهنا تقوليلوه إني أنا اللي بعتك
هنا بموافقة ورقة :
_ حاضر يامامي !
هرولت الصغيرة ركضًا تجاه أبيها ووقفت بجواره للحظات تنقل نظرها بينه وبين تلك الفتاة الغريبة حتى قالت بالأخير في عفوية تامة وغير مقصودة منها :
_ بابي .. بابي .. مامي بتقولك أنها تعبانة تعالى بسرعة
انقبض قلبه زعرًا للحظة وراح ينظر لجلنار فوجدها اشاحت بنظرها عنه بسرعة حين رأته ينظر لها وتصنعت عدم الاكتراث والإرهاق .. فأدرك بلحظتها حيلتها الفاشلة وكتم ضحكته بصعوبة لكن ابتسامته خانته وظهرت فوق شفتيه باتساع .. لينظر إلى الفتاة ويعتذر منها ثم يحمل ابنته فوق ذراعيه ويتجه بها نحو جلنار هانئة بضحكة مكتومة :
_مامي قالتلك روحي قولي لبابي إني تعبانة
هنا بإيجاب وخوف بسيط :
_ أيوة بس اوعى تقولها يابابي إني قولتلك كدا عشان هي قالتلي مقولكش إن هي اللي قالتلي اقولك إنها تعبانة
ضيق عيناه باستغراب من كلماتها المشابهة لبعضها وضحك ثم قال بغمزة مشاكسًا :
_ هو أنا مش فاهم حاجة غير إن مامي غيرانة .. والباقي مش مهم بقى !
وصلوا إليها أخيرًا وانزل هنا من فوق ذراعيه لينحنى عليها ويهمس باسمًا بلؤم :
_ مالك ؟
اضطربت من نظرته لكنها ردت بثبات :
_ مليش !!!
_ امال هنا بتقولي إنك تعبانة ليه ؟!
تنحنحت بخجل وتوتر ثم أجابت بتصنع التعب :
_ أه حسيت بتعب بسيط بسيط ومعدتي قلبت معرفش ليه .. ممكن تاخدني توديني البيت ياعدنان أنا تعبت من كتر القعدة ومليت
رفع حاجبه مدهوشًا وهدر بضحكة خافتة :
_ أنا اوصلك !!!
استاءت من ضحكه وفسرته أنه يسخر منها ولا يرغب في توصيلها للمنزل فاستقامت واقفة وقالت بغضب :
_ لو مش عايز خلاص أنا مش بغصب عليك براحتك
ثم ألقت نظرة حارقة مليئة بالغيرة على الفتاة التي تنظر له بترقب وكأنها تنتظر عودته له وقالت في صوت محتقن :
_ آسفة عطلتك عن ضيوفك .. واضح إنهم مستنينك .. روحلهم متتأخرش عليهم وأنا همشي وحدي أنا وبنتي
أنهت عباراتها واندفعت مسرعة للخارج وهي ممسكة بيد ابنتها التي لا تفهم شيء أما هو فضرب كف بكف ضاحكًا ثم اندفع خلفهم مسرعًا يلحق بها .. فور مغادرتهم للقاعة كانت ستذهب لتصعد بسيارتها لكنها رأته يشير لها بنظره أن تأتي معه .. أبت في البداية لكن أمام نظرته الصارمة والمخيفة استسلمت وعادت لتصعد بجواره وتستقل هنا بالمقعد الخلفي وهي سعيدة أنها ستعود للمنزل مع والديها .
***
كان آدم بطريق عودته للمنزل بعد أن أوصل مهرة لمنزلها وأثناء قيادته للسيارة وتركيزه على الطريق ارتفع صوت رنين هاتفه .. ضيق عيناه بتعجب بعدما وجد الاتصال من حارس منزلهم فأجاب فورًا باهتمام :
_ الو
جائه صوت الحارس المزعور :
_ الحق الست أسمهان هانم يا آدم بيه ؟
أوقف السيارة على جانب الطريق في لحظة من فرط الزعر وأجابه بهلع :
_ مالها ماما ؟!
_ عربية البوليس جات من شوية وخدت الست هانم .. ومعرفش ليه !!
***
طوال الطريق كان يلقي بنظرات خاطفة عليها وهو يبتسم بتلذذ وحب .. صحيح أنه فعلها عمدًا حتى يثير غيرتها لكنه لم يكن يتوقع أن تصل نار غيرتها لهذا الحد !! .
دقائق معدودة مرت في صمت بينهم حتى سمع آهات خافتة انطلقت منها فجأة فالتفت لها بقلق وقال :
_ مالك ياجلنار ؟!
كان تضع يدها على بطنها وتتأوه بخفوت لتجيبه بألم :
_ ألم شديد في بطني يا عدنان
أوقف السيارة جانبًا واعتدل ليصبح مواجهًا لها ويقول باهتمام :
_ اكلتي حاجة مش كويسة طيب ولا إيه ؟
هزت رأسها بالنفي وبدأت صوت تأوهاتها يزداد حدته ويرتفع لتقول له بالأخير بألم هادر وصوت ضعيف :
_ خدني المستشفى ياعدنان .. آاااااه
عدنان بزعر وهو بحاول تهدئتها والتخفيف عنها :
_ حاضر ياحبيبتي هاخدك حالًا .. استحملي شوية بس لغاية ما نوصل
ثم راح يحرك محرك السيارة وينطلق بها بسرعة البرق وسط صوت تأوهاتها العالية وهو يمسك بيدها بقوة كمحاولة منه للتخفيف عنها وبث الاطمئنان في نفسها أنه معها .. وكانت الصغيرة بالخلف في حالة من العرب على والدتها حتى بدأت دموعها تنهمر فوق وجنتيها .
فجأة صكت سمعه جملة اندمجت بصرخة كلها رعب وقلق منها وهي تهتف :
_ آااااه .. بسرعة ياعدنان أنا حامل !!!
يتبع…..
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على (رواية امرأة العقاب)

اترك رد

error: Content is protected !!