روايات

رواية امرأة العقاب الفصل الرابع والستون 64 بقلم ندى محمود توفيق

رواية امرأة العقاب الفصل الرابع والستون 64 بقلم ندى محمود توفيق

رواية امرأة العقاب البارت الرابع والستون

رواية امرأة العقاب الجزء الرابع والستون

امرأة العقاب
امرأة العقاب

رواية امرأة العقاب الحلقة الرابعة والستون

(( امرأة العُقاب ))
_ الفصل الرابع والستون _
استقامت مروة واقفة وتحركت ببطء واستغراب نحو المطبخ حين سمعت صوتًا غريبًا منبعثًا من الداخل .. وبذلك الوقت كانت سيارة جلنار توقفت أمام المنزل ونزلت منها بسرعة ثم أسرعت تجاه الباب شبه ركضًا .
وقف أمام الباب ودست يدها داخل حقيبتها تخرج المفاتيح ثم وضعتها بقفل الباب وادارته لليسار لينفتح الباب وتدخل ثم تغلقه خلفها .. ألقت نظرة سريعة ومتفحصة على الأرجاء وكادت أن تصيح منادية عليه وتندفع للدرج لكي تصعد للطابق الثاني لكن أصابتها حالة من الصدمة جمدتها مكانها حين رأت تلك الفتاة تخرج من المطبخ .. ظلت على وضعها دون حركة وفقط عيناها المذهولة تتمعنها بتدقيق بداية من قدماها العاريتين حتى فوق الركبتين وثوبها القصير والضيق حتى ذراعيها عاريتين .
بدأ احمرار عيناها يظهر بوضوح وملامح وجهها اللطيفة والجميلة تقوست لتعطي انبطاعًا مخيفًا كأنها وحشًا على وشك التهام فريسته .. ونيران الغضب والغيرة اشتعلت في ثناياها لتجعل منها بحالة جنون وغيرة هيسترية .
خرج صوت جلنار ورغم نعومته إلا أنه يقذف الرعب في القلوب :

 

 

 

_ إنتي بتعملي إيه هنا ؟!
توترت الأخرى واضطربت بشدة ولم تتفوه سوى بكلمة واحدة وهي ” أنا ” وكانت عيناها زائغة على الدرج تدعي ربها أن ينزل الآن وينقذها من هذا الموقف .
ارتفعت نبرة جلنار التي أصبح لون وجهها كله أحمر من فرط الغضب :
_ بقولك بتعملي إيه .. ردي !!!
بقت صامتة تحاول الرد بكلمات متعلثمة وغير مفهومة حتى توقفت حين سمعت صوت خطوات قدمه فوق الدرج وحين وصل لدرجة معينة ورأى زوجته تسمر مكانه وراح يحدق بها مدهوشًا وتارة ينقل نظره إلى مروة .. كانت ملامحه تمامًا كرجل امسكت به زوجته يخونها !!! .
لكن سرعان ما تدارك الموقف وتصرف بطبيعية حيث اكمل خطواته حتى وصل إلى جلنار وابتسم لها بنظرة ذات معنى فوجد أعصار مدمر ينفجر بوجهه وهي تصيح :
_ إيه اللي بيحصل ده .. والبنت دي بتعمل ايه معاك في البيت !
عدنان بنظرة حازمة حتى يصمتها :

 

 

 

_ جلنار !! .. اهدي !
ثم التفت إلى مروة وحدثها بصوت رجولي غليظ :
_ خلاص يامروة تقدري تروحي وأنا الورق هخلصه وابعته الشركة
لم تتفوه ببنت شفة فقط أماءت له بالموافقة وفورًا أسرعت لخارج المنزل لتتركهم معًا بمفردهم .
صرخت به فور رحيلها في عصبية هادرة :
_ لا واضح جدًا حبك اللي بتتكلم عنه وزعلك على انفصالنا
ظل صامتًا يضع قبضته بجيبي بنطاله ويطالعها بسكون تام دون أن يبدي أي ردة فعل مما أشعل فتيل النيران أكثر وأثار جنونها بشكل مريب حيث اندفعت نحوه وراحت تصرخ بصوت لم يكن يتوقع أن يسمعه منها :
_ ما ترد ساكت ليه .. كانت بتعمل إيه معاك ياعدنان .. وبعد كل ده عايزني اثق فيك .. هثق فيك إزاي قولي .. هاا قولي
سكتت للحظة تلتقط أنفاسها ثم عادت تكمل صياحها :
_ تقولي بحبك وإنك مش عايز تسيبني وبعدها الاقيك جاي البيت عند بابا وبتكلم واحدة ست قدامي وبتضحك وتهزر معاها .. وبعدها علطول الاقيك في فرح حاتم واقف مع نفس البنت في حين إني قبلها روحت الشركة وكانت معاك في المكتب ودلوقتي ادخل بيتي الاقيها فيه وطالعة من المطبخ .. لا وباللبس القذر ده !!
تابعت بعد لحظة من الصمت بنفس النبرة والعصبية :
_ إنت قاصد تعمل كدا .. صح ؟ ، عشان تخليني اغير عليك وأندم إني سبتك .. رد متفضلش ســـاكـــت كدا
كانت ملامحه جامدة تمامًا ورد عليها ببرود ونظرات ثاقبة :

 

 

 

_ خلصتي ؟
استفزها ببروده وجموده التام وكأن كل ما تفعله الآن لا يكترث له بمقدار ذرة .. فتحولت من الاثنى الرقيقة إلى أخرى شرسة ومتوحشة ترغب بفض ألم قلبها وغيظها المكتظ بنفسها المتلهبة .. وبلحظة وجدت نفسها غارت عليه وراحت تلكمه بصدره بيدها في غل وتصيح بهستيرية وعينان دامعة من فرط خنقها :
_ لا مخلصتش .. إنت واحد كداب ياعدنان وأناني ومبتحبش إلا نفسك .. أنا بكرهك .. بكرهك .. عـ….
ابتلعت بقية حروف عبارتها على أثر صيحته الجهورية وهو يقبض على يديها التي تلكمه بها ليوقفها عن تصرفاتها الجنونية .. فيبدو أنها أيقظت الوحش واخرجته من كهفه :
_ بــــــس اســكــتـي
سكتت تمامًا ليس خوف ولكن دهشة من ردة فعله ودقيقة مرت من الصمت بينهم وهو يتأملها بأعين معاتبة تنضج بالعشق .. بعدها ارتخت عضلات يده فوق كفها ليحتضنه بدفء وتتبدل ملامحه من الغضب والحدة إلى العطف والغرام .. ثم رأته يرفع كفها لشفتيه ويوزع قبلاته علي ظاهره وباطنه بكل حب وعينان مغلقة .. صوت طفيف صرخ بها أن تمنعه لكنها لم تتمكن واستسلمت لجمال اللحظة وملمس شفتيه الغليظة فوق بشرتها الناعمة .. ومشاعره الجيَّاشة التي تطفو على قبلاته .. ذابت بين يديه ولوهلة نست كل شيء حتى طلاقهم تناسته !! .
أبعد شفتيه ورفع وجهه بعد برهة قصيرة ليطالعها بعينان هائمة ويقترب منها أكثر حتى أصبحت أنفاسه الساخنة تلفح صفحة وجهها وهمس بنبرة صوت اذابت ثليج قلبها كله وسقطت داخل تعويذة سحرية ألقاها عليها نبرته ونظراته فقط :
_ والله بحبك وبعشقك يارمانتي .. ومفيش ست تقدر تملى عيني ولا تدخل قلبي غيرك .. افهمي بقى كفاية .. حرام عليكي اللي بتعمليه فيا ده !
لمست عباراته نقطة عميقة بقلبها واسعدتها .. لكن يظل عنادها وذلك الصوت الغاضب المُلح يفسد كل لحظة غرامية بينهم .. حيث جذبت يدها من قبضته بقوة وحدقته مطولًا لا تعرف ماذا تجيب حتى غيرت مجرى الحديث تمامًا وتجاهلت كلمات العشق ورجائه وقالت :
_ هنا فين ؟
ضيق عيناه بدهشة من ردها وتصرفها ببرود دون أن تجيب بكلمة واحدة على كلماته حتى لو أبدت له كرهها المزيف كالعادة .. لكن تجاهلها عند عمد أثار جنونه وغيظه .. بينما هي حين لم تجد منه الرد قررت الصعود بنفسها للأعلى والبحث عن ابنتها لكن بعد أن خطت خطوة واحدة منه وجدته يجذبها من ذراعها بعنف إليه لتصطدم بصدره بشدة مصدرة شهقة عالية مفزوعة وعينان متسعة من فعله .. ولم تلبث للحظة لتجيب عليه حتى وإذا به يدنو منها فجأة ويكتم أنفاسها في لحظات مميزة ونادرة بينهم تغمرها مشاعر الغضب والعشق والشوق بنفس الوقت .. مشهد لطيف استمر لبرهة من الوقت حتى فاقت هي من هول الصدمة وأدركت الوضع فدفعته بسرعة بعيدًا عنها تطالعه مدهوشة وساخطة لتهتف بإنفاس متسارع وخجل ممتزج بالغصب :

 

 

 

_ إياك تقربلي تاني وتكرر اللي حصل ده
التهم المسافة التي لا تحسب بينهم بلحظة للتراجع هي للخلف بسرعة واصطدمت بالجدار ليحاصرها بينه وبين الجدار صائحًا بانفعال نابع من شوقه وتخبط قلبه من ألم فراقها :
_ إنتي عايزة إيه بظبط .. عايزة تجننيني .. عاجبك الوضع اللي بقيت فيه بسببك .. مبسوطة وإنتي شيفاني بتعذب في بعدك .. ومن نفورك مني !!
سكت للحظة يتفحص ملامحها المضطربة والمستاءة ثم أكمل بعصبية متعمدًا اغاظتها :
_ غيرانة ليه دلوقتي وإنتي قولتي مبتحبنيش .. طلبتي الطلاق وصمتتي عليه وبعد كدا بتغيري عليا ومش عايزاني اعيش حياتي !
جلنار بثبات مزيف وعناد :
_ مين قالك إني غيرانة .. أنا مش غيرانة !
لاحت ابتسامة مستنكرة فوق ثغره ثم رد بعينان كلها شراسة ولؤم مدورس :
_ والله ! .. يعني مش هيفرق معاكي لو لقيتيني بتجوز مثلًا !
استشاطت غيظًا وظهر ذلك في عيناها الحادة لكنها تصنعت عدم المبالاة وقالت ببرود مزيف على عكس اشتعالها من الداخل :
_ اتجوز براحتك ، هو انا منعتك !
رأت نفس الابتسامة الساخرو مازالت ترتسم فوق محياه دون أن يتحرك أنشًا واحدًا فقالت بارتباك ملحوظ من قربه ونظراته :
_ ممكن تبعد عشان اطلع لهنا !
لم يجيب وبقى ساكنًا يحدثها ببرود وبسمة مستفزة فاغتاظت وقالت بحزم :
_ عدنان بقولك ابعد عايزة اعدي
لم يكن ليلبي رغبتها إلا بسبب نزول الصغيرة على الدرج وهي تفرك عيناها دون أن ترى شيئًا وتهتف بنعاس :
_ بابي

 

 

ابتعد عن جلنار والتفت لابنته ليقترب منها ويحملها فوق ذراعيه لاثمًا وجنتها ويردف بحنو :
_ صباح الورد والياسمين يا هنايا
بقت جلنار واقفة لثواني قبل أن تتنهد بضيق وتقول :
_ أنا هروح الحمام
ثم اندفعت إلى اتجاه الحمام وهي تزفر بعدم حيلة بينما هو فتابعها بنظراته مبتسمًا وأطلق تنهيدة حارة طويلة مغلوبة !!! ………
***
بمساء ذلك اليوم داخل قسم الشرطة تحديدًا أمام غرفة الضابط .. كان ينتظر كل من عدنان وآدم خروج المحامي .. الذي لم يلبث سوى أربعة عشر دقيقة وخرج من الغرفة وهو يبتسم باتساع واقترب منهم ليقول :
_ مبروووك أسمهان هانم هتطلع النهارده وترجع معاكم البيت
بدأ عدنان هادئًا وواثقًا تمامًا على عكس شقيقه الذي تملكته الدهشة والراحة وسأل بفضول :
_ حصل إيه وإنتي هتطلع بالسهولة دي
هدر المحامي ببشاشة :
_ الست اللي قالت إن أسمهان هانم بتساعدها غيرت أقوالها وقالت إنها كانت تعرف والدتكم وهي اللي كانت بتروح لأسمهان هانم وتطلب منها فلوس كمساعدة عادي وإن والدتكم متعرفش الفلوس دي لإيه والصور قالت إنها احتفظت بيها عشان تبتز بيها أسمهان هانم .. وكمان اعترفت إن هي اللي ورا شنطة المخدرات وهي اللي حطتها
آدم باستغراب وحيرة :
_ غيرت كلامها ازاي كدا فجأة .. واحدة عملت كل ده عشان تأذي ماما إيه اللي يخليها تغير رأيها !
_ ده اللي حاولت افهمه بس مقدرتش .. لكن المهم دلوقتي هو إن الحمدلله أسمهان هانم نتطلع دلوقتي وترجع معاكم
بسط آدم كفه لكي يصافحه وهتف مبتسمًا بسعادة داخلية :
_ الحمدلله .. متشكرين يا متر
_ العفو وياريت تبلغوا سلامي لأسمهان هانم
ودعه بابتسامة عذبة وفور رحيله التفت لأخيه فوجده يجلس فوق المقعد بجمود وبرود غريب فغصن حاجبيها وهتف :
_ إنت هادي كدا إزاي
رفع عدنان نظره لأخيه وهدر بنفس البرود :
_ المفروض أعمل إيه يعني .. أسمهان هانم طلعت ومبروك وادينا مستنينها

 

 

 

دقق آدم النظر في وجهه بتفحصه وكأنه يقرأ صفحة وجهه ويحاول اختراق عقله فقال بترقب بعد وقت من الصمت :
_ إنت اللي عملت كدا صح ؟ .. إنت اللي خليتها تغير اقوالها
التزم الصمت واكتفى بنظراته الجامدة التي تؤكد ما يقوله فيبتسم آدم مغلوبًا ويتأفف بخنق .. ثم يجلي بجواره وينتظرون إلى ما يقرب نصف ساعة حتى رأوا والدتهم تتجه نحوهم مسرعة .. هب آدم واقفًا لا إراديًا فهرولت نحوه والقت بجسدها عليها تعاتقه بقوة وتهتف في صوت باكي :
_ آدم ياحبيبي .. الحمدلله كنت خايفة مقدرش اشوفكم تاني يابني
لم يبادلها العناق ورغم سعادته وراحته إلا أنها تظهر العكس واكتفى بهمسته الجافة :
_ إنتي كويسة ؟
أسمهان ببكاء بدأ يزداد حدته :
_ كويسة ياحبيبي الحمدلله وبحمد ربنا وبشكره إنه محرمنيش منكم
ألقت نظرة على عدنان الذي استقام وكان يقف بشموخ وقسوة دون أن يتطلع إليها حتى فاقتربت منه وكادت أن تعانقه بحب أمومي وأسف لكنه بلغتها بنظرة قاتلة منه ومال عليها يهمس بصوت مرعب :
_ صحيح أنا طلعتك بس معنى كدا إني نسيت كل حاجة .. لا يا أسمهان هانم .. أنا بس طلعتك عشان شكل واسم عيلة الشافعي ومنظرنا قدام الناس .. لكن إنتي فعلا كنتي بتساعدي الست **** دي يعني تستحقي العقاب
انهى عبارته وألقى عليها نظرة أخيرة كلها غضب وخزي قبل أن يبتعد ويسير بعيدًا عنهم متجهًا لمغادرة القسم بأكمله .. وبقت أسمهان بأرضها دموعها تنهمر فوق وجنتيها بغزارة في صمت وألم .. قلبها يتمزق أربًا كلما ترى بعض ونقم ابنائها لها هكذا وبالأخص عدنان .. يشعرها باحتقارها وكرهها لنفسها ولأول مرة يتنابها شعور الندم على شيء ولوهلة تمنت لو عاد لها الزمن ولم تفعل كل هذا .
استفاقت على صوت آدم الغليظ وهو يهتف بجفاء :
_ تعالي يلا عشان اوصلك البيت
لم تقوى على التفوه بكلمه واحدة حتى محاولة استسماح ابنها الأصغر وطلب العفو منه بل سارت خلفه بصمت وهي تبكي بصمت وتتخبط في وجعها وحيدة ! ……
***
داخل منزل نشأت الرازي …..
تحرك بخطوات هادئة تجاه ابنته التي رآها تجلس بحديقة المنزل وبيدها ممسكة بصورة تحدق بها بحزن وعيناها تذرف الدموع في صمت .
توقف من خلفها للحظة ودقق النظر بالصورة ليرى أنها صورة تجمعها بعدنان ومعهم ابنتهم .. فيتنهد بعمق مطلقًا زفيرًا مسموعًا جعلها تنتفض فزعًا وتلتفت بسرعة للخلف .. بينما هو فاقترب وجلس بجوارها فوق الأريكة يرمقها بقلة حيلة وحزن لبرهة من الوقت ثم أردف بضيق :
_ لما بتحبيه كدا يابنتي ليه صممتي على الطلاق وخلتيه يطلقك
طالت نظراتها العاجزة لأببها ثم أجفلت رأسها أرضًا تجيبه بعناد لا يتماشى مع حالته وتعبيراتها أبدًا :
_ لا مش بحبه !

 

 

 

ابتسم بدفء ثم رد في صوت رخيم :
_ الحاجة الوحيدة اللي لا يمكن تعرفي تكدبي فيها ياجلنار هي الحب .. وإنتي عينيكي والدموع اللي فيها بتقول عكس كلامك .. بتقول إنك بتعشقيه .. أنا لو كنت اعرف إنك بتحبيه بالشكل ده بس بتعاندي نفسك مكنتش وافقت وسايرتك في موضوع الطلاق وخليته يطلقك
تطلعت لأبيها في أعين تائهة وعارفة بالدموع لتقول :
_خايفة يابابا خايفة ومش عارفة اعمل إيه ؟
مد يده وملس على شعرها بحنو مردفًا في حكمة :
_ أنا مش هقدر اجبرك على حاجة بس هقولك اعملي اللي قلبك بيقولك عليه ياجلنار .. متسمحيش لحاجة تدمر حياتك حتى لو الماضي .. لو إنتي واثقة ومتأكدة من حب عدنان ليكي يبقى متخسروش لأنك إنتي كمان بتحبيه .. وهقولك حاجة واحدة بس بخصوص اللي حصل بينكم في الماضي .. اللي بيحب بيسامح ياحبيبتي ومش هيبقى عايز حاجة غير إنه يكون مع الشخص اللي بيحبه .. مش هيسمح لأي حاجة مهما كانت تفرق بينهم أو تبعده عنه
جلنار بصوت مبحوح ويغلبه البكاء :
_ أنا مسمحاه بس مش قادرة انسى
_ لا ياجلنار إنتي مسامحتهوش .. لو سامحتيه كنتي هتنسى
انهارت باكية بعد عباراته وارتمت عليه بين ذراعيه تبكي بصوت مرتفع هاتفية من بين بكائها ويدها تضعها فوق بطنها :
_ كان فاكر إني كنت ناوية اخبي عنه حملي أو انزل الولد .. كنت نفسي اشوف فرحته .. أنا واثقة ومتأكدة إنه فرح جدًا بالخبر بس هو مبينش قدامي فرحته
سكتت تلتقط أنفاسها ثم تابعت ببحة قوية وصوت متقطع :
_ غرت أوي عليه وأول مرة من بداية جوازنا اغير عليه بالشكل ده يابابا .. بقيت احس بنار جوايا مولعة لما اشوفه مع ست أو اتخيل إن ممكن الست دي تاخده مني ويكون ليها
ضحك نشأت بخفة رغم الأجواء الكئيبة وقال باسمًا بمكر :
_ كل ده ومش بتحبيه !!! .. عارفة ياجلنار مامتك الله يرحمها كانت عارفة بحبي القديم لأسمهان وكانت بتحصل بينا مشاكل كتير بسبب غيرتها كل ما سيرة أسمهان تيجي في وسط الكلام أو نفتكر حاجة تخصها .. بس قالتلي حاجة في مرة عمري ما انساها أبدًا .. قالتلي انا جايز اكون بغير عليك وممكن نتخانق كتير بس لا يمكن اسمح للشك إن يدخل بينا يا نشأت ..
الشك زي السم بيقضي ويقتل على كل حاجة جميلة حتى سلامك الداخلي بيقتله .. عشان كدا متسمحيش ليه إنه يدخل بينكم وحاولي تثقي في عدنان من تاني
رفعت رأسها وتطلعت به بوهن تسأله في نظرة تائهة كأنها تبحث عن بصيص أمل بعيناه هو :
_ تفتكر هقدر يابابا ؟
نشأت بابتسامة ساحرة وحانية :
_ هتقدري ياحبيبتي طول ما إنتي بتحبيه بجد يبقى هتقدري
أخذت تحدق لأبيها لوقت طويل حتى عادت تدفن وجهها بين ثنايا صدره من جديد لكن دون بكاء ! …………
***
بتمام الساعة السابعة من مساء اليوم التالي داخل منزل رمضان الأحمدي …….
انفتح الباب فجأة ووجدت مهرة صديقتها تدخل عليها بسرعة وتقول بتلهف وعجلة :
_ قومي قومي البسي يلا بسرعة
ضيقت مهرة عيناها باستغراب وقالت بقلق:
_ في إيه .. إيه اللي حصل ؟!

 

 

 

هرولت إليها سهيلة وجلست بجوارها تهتف في حماس :
_ في عريس جاي يتقدملك دلوقتي
خرجت صيحة مذهولة وعالية من مهرة التي قالت بعدك تصديق :
_ إييه عريس إيه وازاي وامتى جه ده !
سهيلة بتشويق وحماس غريب وهي تقف وتجذبها أيضًا لكي تنهض وتبدأ وتستعد :
_معرفش امتى جه مش وقته دلوقتي المهم قومي البسي بقى وجهزي نفسك يامهرة عشان زمانه على وصول وجدتك قالتلي اقولك تلبسي
_ جدتي إيه وهي من امتى بيكون جايلي عريس ومش بتقولي ؟
صاحت بها سهيلة مغتاظة :
_ احنا هنسيب الراجل اللي جي ده ونقعد نفكر ونقول امتى جه وليه جدتك مقالتلكيش .. اخلصي قومي بامهرة يلا
ردت بغضب ورفض تام :
_اقوم إيه أنا مش موافقة ومش هطلع لعرسان
اتسعت عيني سهيلة بدهشة لكن سرعان ما أسرعت وجلست بجوارها تحاول إقناعها هاتفة بهدوء :
_ابوس ايدك بلاش عند دلوقتي ياصحبتي .. بعدين مش موافقة ليه هو إنتي سوفتيه ومعجبكيش لما تشوفيه احكمي بعدين .. بعدين دي جدتك واقفة على رجلها وبتجهز كل حاجة برا لو عرفت إنك مش هتطلعي هتزعل ولقدر ممكن يجرالها حاجة من كتر الزعل وتتعب
_ بعد الشر عليها .. بس أنا مش هطلع برضوا يا سهيلة
سهيلة بتوسل :
_إنتي هتخسري ايه اطلعي وخلاص معجبكيش ارفضيه زي ما بتعملي كل مرة .. عشان خاطر جدتك حتى
سكنت تمامًا دون رد وبنفس اللحظة لم تبدي نفس الرد فوجدته الأخرى فرصة يحب أن تستغل حيث راحت تنكزها تحثها على النهوض وهي تقول :
_ قومي بقى يلا بقولك زمانه على وصول
مهرة بقرف وعدم مبالاة :
_ ما يوصل ولا يتنيل أنا مالي .. كدا كدا هرفضه
ثم استقامت واقفة واتجهت إلى خزانتها لكي تخرج شيء من ملابسها حتى ترتديها بينما في الخلف كانت سهيلة تبتسم بسعادة وخبث وقالت لها :
_ البسي حاجة حلوة بس وشيك .. يعني احلى حاجة عندك
رمقتها مهرة بنظرة نارية ومغتاظة ثم صاحت بها منفعلة :
_ بقولك إيه متحطهاش في دماغي بدل ما والله العظيم اعمل نفس اللي عملته مع صابر
شهقت سهيلة بخوف وقالت مسرعة تسحب كلامها :
_ لا لا خلاص أنا آسفة البسي اللي تحبيه إن شاء الله حتى تطلعي ببجامة البيت

 

 

 

 

التفتت من جديد تجاه الخزانة وأخرجت أول شيء سقطت يدها عليه من ملابسها وهي تتأفف بخنق وقرف ……….
***
كانت جلنار كامنة فوق فراشها وبجوارها ابنتها التي نامت بعد محاولات عديدة منها لتهدأتها بسبب بكائها والحاحها الشديد على رؤية والدها وأنها اشتاقت له وتريد قدومه وبقائه معها ! .
كانت كل لحظة والأخرى تلقي نظرة عليها بجوارها وتنتهد الصعداء بعمق ثم راحت تمد يدها لبطنها تتحسسها وتلقائيًا ارتسمت البسمة فوق ثغرها فور تذكرها له وأنها تحمل طفله الثاني داخلها .. جعلت تملس فوقها بسعادة ودفء أمومي ممتزج بحبها الدفين لوالد أطفالها .
لم تتمكن من إسكات ذلك الصوت المُصر بعقلها .. وفشلت في كبت شوقها إليه ورغبتها هي الأخرى برؤيته حيثوجدته نفسها بدون مقدمات أو تردد تمسك بهاتفها وتنوي إجراء مكالمة هاتفية له لكنها تراجعت بآخر لحظة وقررت كتابة رسالة وإرسالها له .. فبدأت تكتب الرسالة والتي كان مضمونها كالآتي
( عدنان أول ما تفضى تعالى لأن هنا عايز. تشوفك وبتقول بابي وحشني .. النهارده نومتها بصعوبة من كتر العياط وإصرارها إنك تيجي تشوفها وتقعد معاها )
توقفت عن الكتابة ثم ضغطت على الشاشة فوق كلمة ارسال وسكنت لبرهة تحدق بالرسالة في تردد بعد إرسالها !! …………

 

 

 

***
خرجت مهرة من غرفتها حين أشارت لها جدته بالخروج .. ففعلت على مضض وهي مشمئزة وعابسة الوجه من فرط الخنق .. سارت بخطواتها العادية إلي الخارج وهي ليست متوقعة أبدًا ما ينتظرها .. حيث بمجرد وصولها ورؤية العريس تجمدت بأرضها وكأنها صنم .. تحدقه بذهول وعدم استيعاب !!! …………
…….. نهاية الفصل ………

اترك رد

error: Content is protected !!