روايات

رواية امرأة العقاب الفصل الخامس والستون 65 بقلم ندى محمود توفيق

رواية امرأة العقاب الفصل الخامس والستون 65 بقلم ندى محمود توفيق

رواية امرأة العقاب البارت الخامس والستون

رواية امرأة العقاب الجزء الخامس والستون

رواية امرأة العقاب
رواية امرأة العقاب

رواية امرأة العقاب الحلقة الخامسة والستون

 

(( امرأة العُقاب ))
_ الفصل الخامس والستون _
بقت تحدقه في عدم استيعاب ونظرات بها القليل من البلاهة .. وتحاول اقناع عقلها أن ما تظنه ليس صحيح وأنه ربما جاء لزيارة فقط .. انحرفت عيناها قليلًا لتقع على عدنان الجالي بجواره ويطالعها بنظراته الثاقبة كعادته ! .
سارت رجفة باردة في جسدها بالكامل ونبضات قلبها تسارعت .. ما بين سعادة وتوتر وخوف .. بقت مكانها متصلبة حتى سمعت صوت جدتها وهي تقول باسمة :
_ تعالي يامهرة يابنتي سلمي على عريسك واقفة كدا ليه !

 

 

 

ضربت الكلمات بعقلها جعلتها ترغب للحظة أن تنشق الأرض وتبلعها من فرط الخجل والارتباك .. فأخذت نفسًا عميقًا وقاومت توترها ثم تقدمت منهم بخطا هادئة حتى وصلت أولًا لعدنان فصافحته بابتسامة رقيقة وبادلها هو الابتسامة العذبة .. ثم تحركت تجاه آدم الذي يتأملها مبتسمًا بنظرات كلها غرام ورغبة .. مدت يدها وصافحت طرف يده بسرعة من فرط خجلها وهي تبتسم باضطراب ثم أسرعت وراحت تجلس بجوار جدتها دون أن ترفع عيناها عن الأرض .. وتفرك يديها ببعضهم في حركة لا إرادية منها .. هي نفسها لا تدري ماذا دهاها لأول مرة تخجل منه بهذا الشكل .. اين ذهبت الجراءة التي كانت تتحلى بها والثبات .. يبدو أن كل شيء في حضرة القلب ومشاعره لا يكون له وجود باستنثاء العشق والخجل ! …
كانت تختلس النظرات إليه خلسة كل دقيقة والأخرى .. تارة تجده ينظر لها وتارة يكون منشغل بالحديث مع جدتها وأخيه .. الذي انتهى بالأخير حول جملة عدنان :
_ طيب مش نقرأ الفاتحة بقى ولا إيه ياحجة فوزية !
ضحكت فوزية بخفة وضمت كفيها لترفعهم بالقرب من وجهها لكي تبدأ في قراءة سورة الفاتحة وآدم وعدنان فعلا المثل معادا مهرة التي غارقة في خجلها وارتباكها الغريب ولم تقف سوى على وغزة جدتها لها في ذراعها أن ترفع يديها وتقرأ معهم الفاتحة .. فرفعت يدها بسرعة وهي تختطف نظرات مُحرجة إليهم فرأته ينظر لها ويضحك فأجلفت نظرها أيضًا بسرعة وبدأوا جميعًا بقراءة سورة الفاتحة وفور انتهائهم انطلقت زغرودة عالية جلجلت بأرجاء المنزل بأكمله من سهيلة بالداخل .. ثم بدأت المباركات ببشاشة من الجميع .

 

 

 

 

 

بعد وقت قصير نسبيًا استقاموا واقفين ليرحلوا وودعتهم فوزية بأسلوب يليق بها وكذلك سهيلة كانت تقف معها بينما مهرة فكانت متسمرة بالخلف لا تتحرك أنشًا واحدًا .. لكن فجأة وجدته وسط كل هذا قبل أن يغادر التفت لها خلسة دون أن يلحظه أحد وغمز لها بعيناه وهو يضحك في سعادة بادية على محياه ونظرات لامعة بوميض العشق .. اضطربت بشدة وتلونت وجنتيها باللون الأحمر فأخفضت نظرها أرضًا بسرعة ولم ترفعه إلا حين صك سمعها صوت الباب ينغلق .. وباللحظة التالية غارت عليها سهيلة تعانقها بقوة وتصيح بفرحة غامرة :
_ مبروووك ياصحبتي أخيرًا .. لقد هرمنا ياجدع
أبعدتها مهرة عنها بغيظ ونقلت نظرها بينها وبين جدتها تقول مستاءة :

 

 

 

 

 

_ ازاي يعني محدش فيكم يقولي إن العريس آدم .. عجبكم منظري دلوقتي
سهيلة ضاحكة :
_ طب بزمتك مش حتة مفاجأة إنما حكاية
مهرة بغيظ محدثة جدتها :
_ طيب دي ومجنونة وأنا عارفاها وإنتي ياتيتا طاوعيتها برضوا
فوزية بنظرة ماكرة وضحكة بسيطة :
_هيفرق في إيه الكلام ده دلوقتي .. مش إنتي بتحبيه وهو بيحبك وخلاص اتخطبتيله .. افرحي بقى
تلقائيًا ارتسمت البسمة الخجلة فوق ثغرها فور سماعها لعبارة جدتها وظلت مكانها لبرهة من الوقت قبل أن تستدير وتغادر وتتركهم لتختفي داخل غرفتها .. كادت سهيلة أن تلحق بها لكن فوزية قبضت على ذراعها توقفها وهي تقول مبتسمة :
_ سبيها دلوقتي ياسهيلة سبيها
***
هتف عدنان باسمًا وهو عيناه عالقة على الطريق أثناء قيادة السيارة :
_ مبروك .. مع إني مش فاهم إيه اللي خلاك تصبر كل ده طالما بتحبها بالطريقة دي .. بس مش مشكلة المهم النتيجة في النهاية
آدم برزانة :
_ مكنتش حابب اخد الخطوة دي ياعدنان إلا لما اكون متأكد بجد مش مشاعري .. وبعد اللي حصل معاها ومعايا ولما حسيت للحظة إنها ممكن تروح مني وقتها بس اتأكدت إني بحبها بجد ومش هقدر ابعد عنها

 

 

 

 

 

ضحك عدنان ورد عليها مشاكسًا :
_ياواد يارومانسي إنت .. يا راجل تتأكد من إيه بس ده إنت واقع من أول يوم .. على بابا الكلام ده !
انطلقت ضحكة مرتفعة من آدم الذي أجابه يشاركه المرح :
_ هو أنا كنت مفضوح أوي كدا !!
اكتفى بنظراته الماكرة وسط ابتسامته مما جعل آدم ينفجر ضاحكًا .
بعد لحظات معدودة أخرج عدنان هاتفه فوجد رسالة من جلنار تظهر على الشاشة من الخارج .. ضيق عيناه باستغراب ثم ضغط عليها وقرأها بتركيز وعند نهايتها ارتسمت ابتسامة خافتة فوق شفتيه ليسمع صوت أخيه يسأل باهتمام :
_ أخبار جلنار إيه ياعدنان ؟
ترك من يده الهاتف وأجاب بهدوء :
_ الحمدلله كويسة
تنهد آدم الصعداء بضيق ورد :

 

 

 

 

 

 

_ إنت هتسببها بجد وهتبعد !!!
ابتسم بمرارة واردف :
_ احنا انفصلنا أساسا خلاص
_بس لسا في فرصة ترجعوا لبعض وتقدر تردها
حدق به بنظرة ثاقبة وقال في دهاء وحكمة :
_ جلنار عنيدة ودلوقتي مينفعش اردها خالص .. وحتى لو رديتها فمش هينفع اقولها حاليًا .. أنا بقيت فاهمها وفاهم هي عايزة إيه .. واللي هي عايزاه هعمله من غير كلام .. هخليها تشوف أفعال بس
ضحك آدم مغلوبًا وتمتم في عذوبة :
_ إن جيت للحق إنتوا الاتنين أعند من بعض .. وبتعاقبوا نفسكم على حساب حبكم
التفت عدنان برأسه إليه وطالت نظراته إليه وهو عقله مشغول بالتفكير ثم عاد برأسه مجددًا يتابع الطريق أمامه أثناء القيادة ! ….
***
توقف بسيارته أمام منزل نشأت الرازي بعد مرور ما يقارب ساعة منذ وصول أخيه لمنزله .
فتح الباب ونزل ثم انحنى بجزعة للأمام داخل السيارة يلتقط باقة زهور حمراء كبيرة وانتصب في وقفته ليغلق الباب ويتحرك تجاه باب المنزل حاملًا بين ذراعيه الباقة ! .. وقف أمام الباب وأخرج هاتفه ثم أحرى اتصالًا بها ، مرة وأثنين وثلاثة دون إجابة ! .. فتتهد الصعداء بعدم حيلة ورفع يده بطرق بخفة فوق الباب وانتظر لدقيقة حتى فتحت له الخادمة بدرية .. وأول شيء التقطته عيناها باقة الزهور الحمراء الذي جعلتها تنقل نظرها بينها وبين عدنان بابتسامة عريضة .. ورغم أن الوقت متأخر ليلًا إلا أنها أبدت كامل الترحيب والسعادة به حيث هتفت دون أن يسأل هو وكأنها تعرف جيدًا وجهته ومن سعادتها لم ترد أن تكون سبب في منع فرحتهم :
_ أهلًا ياعدنان بيه اتفضل .. جلنار هانم فوق في اوضتها

 

 

 

 

ضحك ببساطة على ردها وتحمسها الغريب ثم دخل ورد بخفوت :
_تمام يا بدرية .. وهنا ونشأت بيه فين ؟
مالت عليه وقالت بهمس وغمزة لئيمة :
_تقريبًا كدا هنا نايمة مع نشأت بيه النهارده في اوضته
هز رأسه بتفهم وأرسل لها ابتسامة صافية قبل أن يقود خطواته إلى الدرج يصعد درجاته بهدوء حتى تواري عن أنظارها .. سار ببطء إلى غرفة جلنار وعند وصوله وقف ورفع يده ليطرق عدة طرقات خفيفة متتالية وينتظر لبرهة حتى تفتح لكن دون رد .. عاود الطرق مرة أخرى وانتظر نفس المدة لكن النتيجة هي نفسها ! .
تردد في باديء الأمر لكنه حسم قراره وأمسك بمقبض الباب ليديره ويفتحه ببطء شديد ثم دخل واغلق خلفه ليتوقف فور دخوله يلقى عليها نظرة متمعنة وهي نائمة في فراشها بسكون تام .. شعرها الأسود مفرود بجانبها فوق الوسادة وترتدي منامة منزلية بيضاء زادتها جمال ورقة .
تقدم بخطواته في حذر شديد حتى لا تستيقظ ووضع باقة الورد بجوار فراشها فوق المنضدة ثم جلس هو بجانبها على حافة الفراش وجعل يتأملها بشوق وغرام وابتسامة حزينة تعتلى ملامحه .. لو علمت مقدار عشقه وشوقه لها الآن للعنت نفسها على عنادها وما فعلته به .. لكن هيهات أن ترفع اثناه رايتها بسهولة ! .
مد أنامله لوجهها يتحسس بشرتها بكل لطف ورقة .. يمر إبهامه بحنو فوق وجنتيها ثم ارتفعت لمساته لشعرها ليغلغل أصابعه بين خصلاتها في حب وعيناه تلمع بوميض حزين ومحب بنفس اللحظة .
أخرج أصابعه من شعرها وهبط بيده حتى وصل لبطنها .. وضعه كفه فوقها وراح يملس برفق وعينان ثابتة على بطنها مبتسمًا بفرحة داخلية غامرة .. نظراته العميقة تُهيأ لمن يراه هكذا كأنه يرى ابنه أمام عينيه .. خرجت همسة خافتة ومنخفضة منه وهو يهمس :
_ جايز تكون إنت حلقة الوصل اللي بعتها ربنا لينا عشان يوصلنا تاني بعد ما انفصلنا
سكت للحظة ثم تابع باسمًا :

 

 

 

 

 

_ رغم فرحتي بيك وإنك كلها كام شهر واشيلك بين إيديا .. بس مش قادر افرح الفرحة اللي كانت بتمناها بسبب فراق مامتك واختك عني .. الحياة صعبة أوي من غيركم .. بس اوعدك إن كل حاجة هتتظبط إن شاء الله
انهي عبارته وأخذ نفسًا عميقًا ثم مال عليها ولثم بطنها بعدة قبلات رقيقة وعميقة يبث بها كل شوق وسعادته وحسرته على ما حالت بهم الظروف إليه ! .
كان ينوي أن يتخذ تلك الخطوة بوقت لاحق لكنه لا يستطيع الفراق أكثر من ذلك .. اتخذ القرار وانتهى الأمر !!! ….
اعتدل وراح يقترب بشفتيه من جبهتها ليقبلها لكنه وجدها بدأ تتململ في الفراش وتبدو عليها علامات الانزعاج من لمساته بعد قبلته .. لم يبتعد عنها بل ظل مقتربًا بوجهه وراح يغلغل أنامله بين خصلاتها هامسًا بصوت انسدل كالحرير ناعمًا على مسامعها :
_ جلنار .. قومي يارمانتي !
ردت بتلقائية وصوت ناعس دون وعي وهي تتململ وتوليه ظهرها :

 

 

 

 

 

 

_ لسا الفجر مأذنش ياعدنان في إيه !
ضحك بصمت وتمتم في صوت خافت :
_ هو الحمل أثر عليكي وخلى نومك تقيل ولا إيه !
مرت دقيقة كاملة في صمت وبلحظة فجأة وثبت جالسة مفزوعة حين أدركت صوته والوضع وحدقته مصدومة هاتفة :
_ عدنان !!! .. بتعمل إيه هنا !
_ جيت اشوف هنا بعد ما الرسالة اللي بعتيها بس لقيت الكل نايم
جلنار بنظرة مفزوعة قليلًا :
_ طيب وليه مرنتش عليا ؟!
ضحك ورد بهدوء جذاب :
_ رنيت يارمانة كتير وخبطت كمان على الباب بس مفيش فايدة فاضطريت ادخلك بنفسي .. واضح إن ده من تأثير الحمل
وضعت يدها فوق بطنها لا إرديًا ثم انتصب واعتدلت أكثر في جلستها لتقول :
_وليه مجيتش الصبح !
التزم الصمت لثواني وهي يتمعنها بنظرات مربكة ثم قال في جراءة :
_ حسيت إنك وحشتيني إنتي كمان فجيت اشوفك
استقامت واقفة وردت بجفاء متصنع :
_ بس إنت موحشتنيش !

 

 

 

 

 

توقف هو الآخر والاسم بخبث ليثبت نظره داخل عيناها ويقول بثقة :
_ متأكدة ! .. أصل استغربت لما لقيتك بعتالي بتقوليلي هنا بتعيط وبتقول إنك وحشتها وتعالى شوفها وإنك نومتيها بصعوبة وبعدين آجي هنا واكتشف إنها نايمة مع جدها في اوضته !
اضطربت بشدة وظهر ذلك بوضوح على ملامحها الرقيقة ونبرة صوتها كذلك التي بدأت تتلعثم حيث ردت :
_ أنا قولتلك لما تفضى تعالي وكان قصدي بكرا يعني مش النهارده .. بعدين إنت قصدك إيه بظبط .. قصدك إني بتلكلك بهنا مثلًا عشان اشوفك !!!
قهقه بقوة فور جملتها الأخيرة ورفع حاجبه بنظرة جريئة مجيبًا :
_ أنا مقولتش حاجة زي كدا .. إنتي اللي بتقولي !
استشاطت غيظًا ولوهلة زدت لو تقبض على رقبته وخنقه من فرط الغيظ .. لكن ذلك الغضب تحول كله بلحظة لزعر وتوتر شديد حين رأته يميل عليها بقوة وظنته أنه سقبلها ثانية لكن وجدته يضحك بخبث ويقول متصنعًا البراءة :
_ في إيه مالك اتخضيتي كدا ليه ده أنا كنت باخد ده بس .. اتفضلي
ورأته يرفع يده أمامها وهو ممسك بباقة من الزهور الحمراء .. لمعت عيناها كالطفلة الصغيرة فنقطة ضعفها هي الزهور الحمراء وذلك الماكر يعلم جيدًا متى يستغل نقاط ضعفها ! .
التقطتها من يده بفرحة وحماسة ثم دست وجهها بين الزهور تستنشق رائحتهم الذكية وسط انينها الجميل ثم رفعت رأسها وطالعته بصفاء وطبيعية تامة كأنها نست كل شيء حدث بينهم وقالت :
_ الورد ده ليا مش كدا ؟!
عدنان بعينان تفيض حبًا وحنانًا :
_ الورد الأحمر ده اتخلق بس عشان رمانتي
تلونت وجنتيها وأصبحت تمامًا كلون الزهور التي بين ذراعيها لتجيبه باستحياء وخفوت :
_ ميرسي جدًا ياعدنان
كاد أن يجيب عليها لكن صوت نشأت بالخارج وهو يهتف مناديًا باسمها خلف الباب جعلها تنتفض واقفة مكانها وتحدقه بصدمة متمتمة :
_ بابا !

 

 

 

 

 

 

 

 

عدنان بثبات مستنكرًا ارتباكها :
_ وفيها إيه يعني بابا ما يدخل اهلًا وسهلًا
قبضت على ذراعه وهتفت بصوت منخفض وهي تسحبه معها لأي جزء بالغرفة يمكنها اخفائها به :
_ يدخل إيه بابا أصلًا متعصب جدًا منك ولو شافك هنا دلوقتي هيعمل مشكلة كبيرة جدًا وأنا مش ناقصة
سحب يده من قبضتها بغضب بسيط متمتمًا :
_ جلنار إيه اللي بتعمليه ده أنا جوزك !
طالعته بقوة وقالت في غيظ :
_ كنت لكن دلوقتي اتطلقنا
استفزته وكاد أن يجيب ويفصح عن حقيقة قراره لكنه تمالك أعصابه بصعوبة وسكت ..فوجدها تجذبه معها إلى الحمام ودخلت ثم جذبته معها وأغلقت الباب عليهم بعدما سمعت صوت باب الغرفة ينفتح .
استشاط غيظًا ورد بعصبية بسيطة :
_ لا إنتي مش طبيعية بجد .. بعدين من امتى بتخافي من ابوكي إنتي .. وخايفة من إيه أساسًا مش فاهم !! .. و…..
اسكتته بكف يدها الذي وضعته فوق شفتيه وهمست برجاء :
_ هششش اسكت please أنا بجد مش حمل مشاكل ياعدنان وتعبانة خلي بابا يمشي وبعدين تطلع وتمشي إنت كمان
لم يتحدث مجبرًا بناءًا على رغبتها وللحظة وسمعوا صوت نشأت وهي يهتف بقلق :
_ جلنار إنتي فين .. جلنار !
كانت ملتصقة به بشدة دون أن تشعر ولم يبعدها بل استغل الموقف لصالحه بذكاء ماكر وراح يدفن وجهه بين خصلات شعرها مغمضًا عيناه سامحًا لرائحة زهرته ورمانته أن تتخلل رائحتها المُسكرة لصدره وقلبه .. كان بعالم موانئ بينما هي تجيب على أبيها من الداخل :
_ أيوة يابابا أنا في الحمام باخد شاور
سمعت رده من الخارج :

 

 

 

 

 

_ طيب ياحبيبتي براحتك أنا كنت بطمن عليكي بس .. عايزة حاجة أنا هرجع اكمل نوم ؟
جلنار بإيجاز :
_ لا يابابا شكرًا مش عايزة حاجة
التزمت الصمت لوقت تسمع صوت خطواته التي فور مغادرته تنفست الصعداء براحة والتفتت بجسدها للخلف فتجد ذلك الملتصق بها وهائم بعالم آخر .. اغتاظت وكادت أن تهتف لكن رائحة عطره الرجولي تخللت بأنفها واشعرتها برغبة في التقيأ فاشاحت بوجهها بعيدًا عنه فورًا وصاحت :

 

 

 

 

_ ابعد عني ريحتك وحشة إف !
اتسعت عيناه بدهشة من ردها وقال غير مستوعبًا وبغيظ مكتوم :
_ ريحتي أنا وحشة !!!!
كتمت أنفها بيدها حتى تمنع دخول الرائحة إليها وردت بقرف :
_ أيوة .. وتاني مرة متقربش مني ولا تيجي تشوفني وإنت حاطط perfume
_ نعم !!
فتحت الباب وقالت بلهجة غريبة تحولت مائة وثمانين درجة :
_ أخرج ياعدنان وامشي يلا
ضيق عيناه بحيرة من تحولها وقال ساخرًا :

 

 

 

 

 

 

 

_ ما احنا كنا حلوين من شوية .. ولا هي الهرومانات اشتغلت خلاص
جلنار بلهجة حازمة :
_ عدنان برا .. وخلي بالك متخليش بابا يشوفك
رفع كفه في الهواء يقوسه بشكل مريب كدليل على فرط غيظه منها لكنه اغلفه وضغط على قبضته بقوة ثم غادر وقال باستهزاء وسخط :
_ تحبي اخد الورد كمان معايا !
جلنار بثبات تام :
_ لا سيب الورد
عدنان ساخرًا وبغيظ :
_ الورد ريحته حلوة لكن أنا ريحتي وحشة وبتقلب بطنك .. صح !
رغبت بالضحك لكنها تمالكت أعصابها وتصنعت الصلابة والثقة وهي توميء له بالإيجاب مبتسمة ببرود جعله يستشيط أكثر وبلحظة كان يندفع نحو الباب ويغادر ويتركها .. فتترك العنان لضحكتها بعد رحيله .. ثم توجهت للشرفة ووقفت تتابعه بنظرها من الأعلى حتى استقل بسيارته ورحل فعادت للداخل مرة أخرى واقتربت من باقة الزهور تحملها بين ذراعيها وتشم رائحتها مرة أخرى وهي تبتسم بحب وسعادة .. لكن سرعان ما تلاشت ابتسامتها بعد تذكرها لكل الأحداث التي مروا بها والتي حالت بهم بالنهاية إلى الطلاق .. ربما أخطأت وتسرعت وربما لا .. مازالت ليست متأكدة وتحتاج لمزيد من الوقت حتى تستعيد الثقة من جديد .. حتى الآن لم تواجهه بذلك اليوم الذي ذهب فيه إلى فريدة ولم تخبره أنها رأته !!! .
***
بصباح اليوم التالي داخل منزل حاتم ونادين ……

 

 

 

 

 

 

حين ارتفع صوت رنين الباب تذكرت نادين أنها طلبت بعد المسلتزمات من حارس المنزل فارتدت رداء قميص النوم فوقه وخرجت بسرعة تفتح الباب له .. بينما حاتم كان يأخذ حمامه الصباحي الدافيء بالحمام وانتهى منه فارتدى ملابسه وخرج ليسمع صوتها تتحدث مع أحد بالخارج .. غضن حاجبيه باستغراب وللحظة ظنها تتحدث بالهاتف فاتجه للخارج إليها وفور وقوع نظره عليها وهي تقف بهذه الملابس أمام الحارس وتتحدث معه .. غليت الدماء في عروقه والتهبت عيناه بنيران الغضب فهتف بصوت رجولي مخيف :
_ نـاديـن !!!
انتفضت فزعًا على أثر صوتها والتفتت بجسدها له فوجدته مندفع نحوها وأبعدها من أمام الباب ليقف ويكمل حديثها مع الحارس وبعد رحيله اغلق الباب والتفت لها لينفحر بها كالبركان :
_ إيه المنظر ده يا هانم !
نادين بتعجب وخوف بسيط :
_ شو في ياحبيبي ليش معصب هيك !

 

 

 

 

 

 

 

حاتم بصوت مرتفع وعصبية :
_ طالعة قدام راجل غريب بقميص نوم يا مدام
تخلصت نظرها لملابسها وأغلقت الرداء جيدًا فوق القميص متمتمة بلهجة مصرية :
_بس أنا لابسة الروب فوقه ياحاتم
حاتم منفعلًا :
_ والله !! .. فرقت الروب من القميص على كدا .. لا كنتي اطلعي بالقميص قدامه احسن كمان
نادين بضيق من عصبيته :
_ اهدي يا حاتم شو بك .. أنا ما كان قصدي يعني !
_ مهو المصيبة إنه مكنش قصدك وده اللي بيجنني اكتر .. للمرة المليون هقولهالك يا نادين إنتي هنا مش في أمريكا ولا لبنان .. والنقطة الأهم من ده كله إنك متجوزة دلوقتي يعني اللبس ده واللي حصل ده ميتكررش تاني لأن صدقيني المرة الجاية مش هضمن ردة فعلي هتكون إزاي
استاءت بشدة وردت بانزعاج :
_ شو بتقصد يعني وشو راح تسوي !!

 

 

 

 

 

 

 

 

حاتم بنظرة مرعبة وصوت غليظ :
_ لا من ناحية هعمل فأنا هعمل وإنتي عارفة عصبيتي كويس
صاحت نادين بعصبية وعناد :
_ لا أنا ما بعرف شيء ولا تعيط عليا هيك مرة تاني
أنهت عباراته واستدارت تندفع تجاه غرفتها فلحق هو بها وهتف ساخطًا :
_ وطي صوتك ومتزعقيش معايا يا نادين فاهمة ولا لا
لم تبالي به ودخلت الغرفة ثم أغلقت الباب عليه من الداخل لتسمع طرقه على الباب هاتفًا :
_ افتحي الباب يانادين
نادين بعصبية :
_ لا ما بدي شوفك
مسح على وجهه متأففًا ورد بانفعال بسيط عن السابق :
_ طيب افتحي .. ما إنتي اللي نرفزتيني عايزاني اضحك واهزر مثلا لما الاقيكي خارجة للراجل بقميص نوم
_ ما كان قميص نوم أنا كنت لابسة الروب .. بعدين قولتلك ما بدي شوفك ، بدي ضل وحدي لو سمحت
حاتم بغيظ مكتوم كاتمًا غضبه :
_ طيب يانادين خليكي وحدك !
***
داخل قصر الشافعي …..
أسرعت أسمهان مسرعة فوق الدرج شبه راكضة بعدما سمعت صوت آدم بالأسفل .. كانت تبتسم بلهفة وسعادة فقط لوجوده وأنها ستراه .. وقفت عند آخر الدرج بعدما رأته وقالت بعينان دامعة :
_ آدم
رفع رأسها الدرج وبعدما رآها تنهد بعمق وانهى حديثه مع الخادمة في إيجاز استغرق لثواني ثم استدار وهم بالرحيل لكنها وصلت إليه وقبضت على ذراعه بتوسل ودموع بعيناها هامسة :
_ متمشيش يا بني ابوس ايدك خليك معايا يا آدم
آدم بصوت خشن دون أن ينظر لها :
_ أنا مرتاح في شقتي هناك

 

 

 

 

 

 

 

 

 

أسمهان ببكاء حار :
_ياااه للدرجادي مش قادر تبص في وشي يا آدم .. أنا مش قادرة اعيش من غيرك إنت وأخوك والله ياحبيبي .. سامحني يابني
التفت لها واردف بنظرات ثاقبة وقاسية :
_ عدنان قالك إن مش معنى أنه طلعك من السجن يبقى هو سامحك أو حتى أنا .. إنتي خسرتينا يا أسمهان هانم بسبب طمعك وحقدك وجشعك
انهي عباراته وسحب يده من قبضته ثم هم بالانصراف لكنها قالت بضعف وانكسار :
_ طيب ما هتخليني اقولك مبروك حتى على الخطوبة !
ابتسم بسخرية ورد في برود :
_الله يبارك فيكي
قالت في أسف وندم حقيقي :
_ أنا عايزة اشوف مهرة واعتذرلها على اللي عملته معاها
التفت برأسه لها فور سماعه لاسم حبيبته وقال بغضب وتحذير :
_ خليكي بعيدة عن مهرة ياماما وملكيش دعوة بيها نهائي
سكتت ولم تجد الشجاعة داخلها للرد عليه بعد عبارته القاسية والناقمة فأخفضت نظرها أرضًا وتركت الحرية لدموعها في السقوط بغزارة أما هو فاستدار وغادر يتركها بمفردها حبيسة دموعها وآلامها وحزنها !!! ……
***
كانت جلنار تجلس بالمقعد الخلفي للسيارة ومن الأمام يقود السيارة السائق الخاص بها الذي عينه لها والدها .
عيناها ثابتة على الطريق وعقلها مشغول بالتفكير به .. صوت قوي بقلبها يلح عليها أن تتصل به وتخبره أنها ذاهبة لطبيبة النساء لكي تطمئن على صحة طفلهم ، وصوت آخر ضعيف يصرخ بها بغضب أن لا تخبره .. فبقت هي بين حرب عنيفة ما بين هل تتبع صوت قلبها العاشق والمشتاق أم تسير مُسيرة خلف ذلك الصوت الواهن .
وكعادتها قررت بالنهاية تجاهل صوت قلبها ورغبتها به واتَّبعت مشاعر الغضب والضيق منه التي دفعتها لتجاهله .. وظلت بالسيارة لوقت طويل حتى توقفت أخيرًا أمام مبنى عيادة الطبيبة فترجلت من السيارة وقادت خطواتها للداخل .
وصلت إلى مكتب المساعدة الخاصة بالطبيبة ووقفت أمامها تستعلم منها عن حجز موعد مع الطبيبة باسمها فأخبرتها المساعدة أن تنتظر قليلًا على أحد المقاعد حتى يأتى موعد حجزها .. أماءت لها بالموافقة وراحت تنقل نظرها تبحث عن مقعد حتى عثرت على مقعد فارغ بعيدًا عن الجميع فتوجهت إليه وجلست فوقه وأخذت تتابع النساء من حولها .. أغلبهم بطنهم مرتفعة وبجوارهم ازواجهم يتحدثون معهم إما بمرح وضحك أو بجدية والبعض الآخر منهم يجلسون مع أزواجهم بصمت تام ويبدو الفتور على الرجال وكأنهم مجبورين على تلك الزيارة الطبية مع زوجاتهم .
عيناها وقعت بتلقائية على ثنائي يجلسون على مقعدين منعزلين .. فرأت الزوج يحمل ابنته فوق فخذيه ويداعبها ويشاكسها بمرح وحب وبجانبه زوجته تتابعهم مبتسمة بحنو وتضع يدها فوق بطنها المرتفعة تتحسسها بلطف وهو بين آن والآخر يطالع زوجته بدفء باسمًا وتارة يتبادل معها أطراف الحديث بضحك ومرح .. لا تعرف لماذا رأت هذا الثنائي يشبهم تمامًا بكل شيء ولذلك ظلت تتابعهم بشرود مبتسمة بحنو حتى صك سمعها صوت غليظ تعرفه جيدًا وهو يهتف بعد أن جذب مقعد وجلس بجوارها :
_ دورك لسا مجاش ؟

 

 

 

 

 

 

التفتت برأسها له مذهولة وسألت :
_ عدنان !! .. عرفت إزاي إني رايحة للدكتورة
عدنان بضيق ملحوظ :
_ كان المفروض إنك انتي تقوليلي مش تسأليني عرفت إزاي
جلنار بخفوت وصوت قوي دون أن تنظر له :
_ قولت يمكن تكون مش حابب تيجي .. يعني محبتش اضغط عليك
ثبت نظر الثاقب بقوة داخل عيناها وقال بنبرة غريبة لكنها جميلة ومختلفة :
_ وأنا مفيش حاجة عندي أهم منك إنتي وهنا وابني اللي جاي .. خليكي فاهمة ده كويس أوي
طالت نظراتها المندهشة والسعيدة بنفس اللحظة برده المفاجيء لكن بالنهاية اشاحت بوجهها عنه وابتسمت خلسة بحماس وفرحة !! …
***
بعد مرور ساعة خرجوا من غرفة الطبيبة وغادروا المبنى .. فتحركت جلنار تجاه سيارتها لكنه اوقفها بصوته الرجولي المريب وهو يقول :
_ رايحة فين تعالى هوصلك

 

 

 

 

 

 

_ مفيش داعي أنا همشي في عربيتي ومعايا السواق هيوصلني
توجه لسيارته ورمقها بنظرة شبه آمرة وعاضبة مردفًا :
_ اركبي ياجلنار يلا متخلنيش اتعصب
تأففن بصوت مسموع ثم سارت نحوه مجبرة وفتحت باب المقعد المجاور له لتستقل بجانبه وهي تزفر بخنق فتسمعه يقول بسخط :
_ من غير قلبة وش .. كنت منتظرة ايه مثلا اسيبك تركبي مع سواق وأنا موجود
جلنار بغيظ :
_ والسواق ده مش حد غريب
عدنان بزمجرة :
_ بنسبالي حد غريب وأنا مش بطمن على مراتي وولادي مع أي حد
تمتمت بصوت خفيض في مضض :
_ لا مهتم أوي ماشاء الله !
_ بتقولي حاجة ؟!

 

 

 

 

جلنار بنبرة مقتضبة :
_ لا ما بقول حاجة .. وياريت متلكمنيش بالاسلوب واللهجة دي تاني أنا عديتها وسكت بمزاجي على فكرة
عدنان ساخرًا :
_ بجد والله .. كنتي هتعملي إيه يعني ؟!
أجابت ببرود مستفز وثقة :
_من غير ما أعمل احنا أساسًا اتطلقنا وانت ملكش حق تكلمني بالطريقة دي وتتحكم فيا
ضغط على قبضة يده بغيظ هادر واردف جازًا على أسنانه يحاول تمالك أعصابه :
_ متفضليش تكرري الكلمة دي قدامي وتنرفزيني عن عمد
_ وتتنرفز ليه ما دي الحقيقة إننا اتطلقنا ولا أنا قولت حاجة غلط !
عدنان منفعلًا وبنبرة صوت عالية :
_ وأنا رديتك لعصمتي ياجلنار
……………… نهاية الفصل ………..

اترك رد

error: Content is protected !!