روايات

 رواية وقبل أن تبصر عيناك الفصل الثامن والثلاثون 38 بقلم مريم محمد غريب

 رواية وقبل أن تبصر عيناك الفصل الثامن والثلاثون 38 بقلم مريم محمد غريب

رواية وقبل أن تبصر عيناك البارت الثامن والثلاثون

رواية وقبل أن تبصر عيناك الجزء الثامن والثلاثون

وقبل أن تبصر عيناك
وقبل أن تبصر عيناك

رواية وقبل أن تبصر عيناك الحلقة الثامنة والثلاثون

_ أنتمي إليك ! _
خلال نصف ساعة نقريبًا، كان قد تجرّع لترين من الماء المعدني آملًا بتنقية دماؤه و ذهنه من جرعات الخمر المُركّز التي خدرت جزءً من قنوات عقله العصبية و المتحكمة بادراكه و نسبة سيطرته على تصرفاته.. كان لا بد أن يفعل ذلك… خاصةً بعد إعترافها الصاعق له بالحب !!!
يقف الآن أمام حوض المياه بقاعة الحمام المترف وفقًا لاختياره أثناء توضيب شقة الزوجية، لا يعرف كم المرات التي لطم وجهه بالماء البارد ليؤكد على صحوته التامة من مفعول الثمالة …
رفع وجهه قبالة المرآة أخيرًا، كانت أزرار قميصه العلوية قد حلّت بالكامل، و كان صدره يخفق و يختلج بانفعالاتٍ شتّى، و الماء المنداح من شعره و وجهه تلتمع قطراته فوق عنقه القوي جاريًا حتى بلغ بطنه ذي العضلات السداسية، شعر برجفة جليدية تسري بجسمه، بالطبع.. إنه كانون الأول.. منتصفه تحديدًا… لطالما كان متهورًا و مقصرًا بصحته
لكن كالعادة، لم يكن هناك من شيء يؤثر به، كما لم يكن يعبأ مطلقًا لأيّ نوع من التهديدات، كان شديد البأس طوال عمره …
يخرج “رزق” إلى الصالة ثانيةً و هو يمسك بمنفشة في يده، أخذ يجفف وجهه و يفرك شعره بقوة باحثًا بعينيه عنها، لم يطول وقت عثوره عليها، إذ شاهدها تجلس باسترخاءٍ فوق آريكة عريضة هناك أمام التلفاز المطفأ
كانت تلتهي بخصلة من شعرها، تلفها حول إصبعها مضيّعة وقتها بدونه، ما إن شعرت بوجوده حتى أدارت رأسها صوبه هاتفة :
-خصلت ؟
تعالى. تعالى أقعد جمبي هنا يا رزق ..
و ربتت على مكانٍ فارغ بجوارها …
لم يجعلها “رزق” تكرر طلبها مرتين، ألقى بالمنشفة جانبًا و مضى نحو “ليلة” بخطى حثيثة.. لم يحيد بناظريه عنها حتى جلس إلى جوارها… نظر إليها بصمتٍ غريب غير مفسّر
لقرابة الدقيقة يتبادلان النظرات دون حرفٍ واحد، إلى أن كسر الصمت أخيرًا، ليقول لأول مرة بعد أن اعترفت له :
-عيدي إللي قولتيه تاني !
بدون أيّ مجهود فهمت جيدًا ما عناه، فقدمت له أجمل ابتساماتها و هي تكرر بذات الرقة على مسامعه المرهفة :
-بحبك يا رزق !!
لم يقتنع بهذه السهولة، فقال بحدة بائنة :
-و حبتيني إمتى بقى !
أنا كل مواقفي معاكي زفت. و لا مرة أساسًا حسيت إنك بتحبيني. و لا حسيتها في كلامك و لا تصرفاتك !!!
عقّبت “ليلة” مستديرة بالكامل ناحيته :
-ما هي دي الـPoint. أنا مش عارفة حبيتك إمتى. و ليه.. بس كل إللي أعرفه إنك لما نطقت بكلمة الطلاق. و لما حسيت إني ممكن أخسرك بجد. اتهزيت أوي.. لأول مرة في حياتي خوفت. تصدق لو قولتلك إن عمري ما خوفت زي دلوقتي ؟!
لم يرد و بقيت عيناه فقط تفتئان بسبر أغوار مشاعرها من خلال تعابيرها و حركاتها …
لتستطرد “ليلة” ضامة حاجبيها بأسى :
-حبي ليك ماتولدش إنهاردة. لو ده إللي شاغلك و مخليك شاكك فيا.. لأ. أنا حبيتك من بدري أوي. يمكن من أول نظرة. يمكن من قبل ما أشوفك حتى.. مش إنت قولتلي إنك أول واحد مسكني لما نزلت للدنيا دي ؟
مش إنت إللي سميتني ؟ و لما كبرت كنت من نصيبي ؟
معقول كل ده صدفة يعني !!!!
كانت قد إرتمت فوقه تقريبًا بشكلٍ أذهله، بل صدمه، و طوّقت عنقه بذراعيها محدقة بعينيه بنظراتٍ تصميمية …
-إنتي مش في حالتك الطبيعية ! .. قالها “رزق” مقررًا وضعها و في نفس الوقت قد فك ذراعيها من حوله
أبعدها عنه بالقدر الكافي و هو يقول بصلابةٍ :
-إنتي مش عارفة تاخدي قرار. لو خايفة من أي حاجة إطمني.. مش هاتخرجي من هنا إلا و إنتي جاهزة نفسيًا. و أوعدك إني هحاول أتكلم مع أبويا بخصوص ميراثك و آ ا …
-أنا مش عايزة حاجة ! .. قاطعته بغضبٍ
فصمت و تركها تستأنف على نفس الوتيرة المنفعلة :
-مش عايزة حاجة.. عايزاك إنت يا رزق. و لا إنت اللي مش عايزني.. مابقتش مليا عنيك بعد ما عرفت إللي حصل معايا ؟!!
بدءً من تلك اللحظة… شعرت ” ليلة بأن قفصها الصدري قد إنطبق.. و تنفسها قد ضاق.. ذلك عندما هجم “رزق” عليها في ثانية و جثم فوقها مقيدًا حركتها
لم تكاد تستوعب تصرفه، أمسكت يداه برأسها موجهًا فمه نحو فمها ليقبّلها قبلة شبقية بحتة، لأول مرة يقترب منها إلى هذا الحد.. لأول مرة يتماسا على هذا النحو
كان الأمر بلا شك مثيرًا بالنسبة إليه، و قد إستعذب احتواء قدَّها الطري بين ذراعيه و مداعبة مواضعٍ حساسة بجسمها، كان يفعل ذلك متعمدًا لكي يقيس ردة فعلها …
لكن للعجب !
لم تبدي أيّ إعتراض، إستلقت أسفله باستكانة و استسلامٍ تام، فآثر هو التوقف بسرعة، حيث لم تدوم لحظاتهما الحميمية السطحية الأولى سوى بضع ثوانٍ
تراجع عنها متوثبًا و هو يتنفس بصعوبة، كليهما متوردان و منغعلان، لكنه لم يتحاسر على النظر إليه بنفس اللحظة
ظل موجهًا لها ظهره و هو يغمغم بصوتٍ لاهثٍ خشن :
-أديكي عرفتي الإجابة. أنا مقدرش أنكر إنجذابي ليكي و من أول يوم فعلًا.. آه. أنا كمان عاوزك.. بس مش غصب عنك. و لا تحت أي ضغط ..
تساءلت “ليلة” متخبّطة ببعض ارتجافات و تشنجات خلّفها اشتباكهما المحموم :
-أثبتلك إزاي إني جتلك بارادتي زي ما سبق و قلت بلسانك ؟!!
إلتفت نحوها الآن و رمقها بنظرة مطوّلة، ثم قال :
-لو هانكمل مع بعض. في حاجة لازم تعرفيها.. و لازم تقبليها
اومأت له و لا زالت على وضعيتها :
-قول !
-أنا متجوز قبلك !!!
بهذه البساطة شد فتيل العبوّة المفخخة، ثم فجرها حين تابع :
-و مراتي حامل !
نهضت بلحظة عقب جملته الأخيرة بالأخص …
نظرت إليه ملء عيناها، ثم قالت بهدوءٍ يناقض عنف نظرتها :
-هي إللي شوفتك معاها قبل كده و صورتكم.. صح ؟
اومأ لها مرة واحدة …
بينما أعوزها الأمر بعض الوقت لتستقر المفاجآت القالبة للموازيين بعقلها، و الفضل.. كل الفضل لشخصيتها العنيدة المثابرة على بلوغ أهدافها… وجدت القدرة لتتجاوز ما صارحها به للتو
رفعت و٠هها متطلعة إليه و قالت بنفس الهدوء يزيد عليه ثقة كبيرة بنفسها :
-مين فينا ميّال لها أكتر.. أنا و لا هي ؟
جاوبها “رزق” بكل صراحة :
-إنتي !
إلتمعت عيناها بألقٍ مستثير، لتواصل أسئلتها و هي تقوم من مكانها بتمهلٍ لا يخلو من حركات الغنج و الدلال :
-في اللحظة دي. نفسك تكون مع مين.. أنا و لا هي ؟
كرر “رزق” و كأنه مبرمجًا على اطاعتها :
-إنتي !
طال الصمت خلال رحلة سيرها المتباطئة نحوه، حتى وصلت عنده، دون أن يتلامسا، اقتربت منه كثيرًا إلى حد اختلاط أنفاسهما …
إشتبكت نظراتهما باحكامٍ الآن و هي تلقي بالكارت الرابح هامسة باغواءٍ :
-لو هاتحب.. قلبك ممكن يبقى ملك مين فينا. أنا و لا هي ؟
-لا إنتي و لا هي !!!
كأنما تلقّت صفعة …
جحظت عيناه بصدمة لجزء من الثانية، بينما يضيف بقساوةٍ مفاجئة إتسمت بها ملامحه و لهجة صوته معًا :
-قلبي مش مادة للرهان. و إوعك تفكري فيها أصلًا.. مشاعري ناحيتك حاجة.. و الحب إللي تقصديه حاجة تانية !
هزت رأسها و هي تردد عاقدة الحاجبين :
-أنا مش فاهماك !!
-و مش هاتفهمي.. عمرك ما هاتفهمي !
ثم تراجع خجوة للخلف و قال بصرامة و هو يعيد غلق أزرار قميصه :
-أنا طلقتك و قبلها ماكنتيش مراتي أصلًا.. الدخلة ماحصلتش. محتاج اسأل في الموضوع ده قبل ما أخد خطوة بجد معاكي في حياتنا.. قدامك لبكرة الصبح. فكري كويس.. لو فضلتي عند قرارك ده هانتمم جوازنا و بكرة هاتبقي مراتي قولًا و فعلًا.. ده شرطي عشان أردك لعصمتي. تسلميني نفسك برضاكي. منغير أي محاولة لخداعي.. لو حسيت بأي غدر صدقيني يا ليلة رد فعلي عليكي المرة دي مش هاتتخيليه أبدًا !
و انحنى قليلًا ليجمع أغراضه الشخصية من فوق الطاولة، ثم قال أخيرًا :
-اعملي بنصيحتي و فكري في الوضع كله. لما تبقي مراتي بجد.. مش هايبقى في أي طريقة تنراجعي بيها عن القرار ده. و أنا إستحالة أسيبك ساعتها أو اسمحلك تمشي من البيت ده. فاهمة ؟
تصبحي على خير !
و استدار متجهًا ناحية الباب.. باب الشقة… تركها بمفردها الآن
فما كان منها إلا أن وقفت محلها تحملق في إثره مدهوشة، هكذا.. بهذه السهولة… قلب الدفة لصالحه هو !!!
______________
كالمرة السابقة …
ترك لها المفتاح بالقفل !
هذا العطر اللعين الذي نثرت منه بسخاء يكاد يخنق أنفاسها، علاوة على هذا الثوب المنزلي الأحمر، إنه ضيّق جدًا، يشد على جسمها إلى حد أخجلها
حيث أن قصته تتخذ نهج الإثارة و الاغراء رغم أنه ليس ضمن الاثواب الداخلية، من الجائز أن يراها به أيّ فرد من أفراد العائلة.. و لكن لسببٍ، كانت تشعر و كأنها عارية
فكم مر من الزمن و لم ترتدي شيئًا كهذا يبرز مفاتنها الأنثوية بهذا الوضوح الصارخ ؟
و هي للحق أنثى بكل ما تحمله الكلمة من معنى، أنثى لم يطالها عبث الزمن، كانت لا تزال كما هي… “هانم”.. الفاتنة !
أخذت نفسًا عميقًا و عضت على شفتها السفلى المطلية بقلمٍ قان الحمرة، ثم رفعت يدها للمفتاح، و أدارته فورًا بالقفل …
°°°°°°°°°°°°°°°°°°
على مد بصرها، هناك بالمضافة الرئاسية الأشبه بالصالون كما تعرف.. رأته جالسًا موليًا لها ظهره العريض المكسو بالجلباب و العباءة المفتوحة
لمحت من مكانها أداوات تنظيف الأسلحة و سمعت أصوات القرقعة المخيفة لصمامات الأمان لمختلف أنواع مواد القتل و الدمار …
أغلقت الباب خلفها، فانتبه لها أخيرًا و سمعت هتافه العميق :
-هانم !
-أنا هنا يا سالم ! .. هكذا ردت عليه بعد لحظات قصيرة
ليقول دون يأتي بأيّ حركة أو إلتفاتة ناحيتها :
-اتأخرتي.. أنا قايلك بعد صلاة العشا علطول تطلعيلي. الساعة دلوقتي 10 و نص !!
ارتعش صوتها و هي تبرر فعلتها :
-معلش. أصلي كنت بعشي العيال ! .. ثم سألته باهتمامٍ :
-خير !
كنت عايزني في إيه ؟!
-تعالي هنا قصادي
ازدردت ريقها بتوترٍ.. لكنها أذعنت لأمره على الفور و مشت تجاهه مهرولة …
-نعم يا سالم !
قال مشغولًا باعادة تركيب سلاحٍ صغير أثري الطراز :
-إنتي كنتي حاضرة إللي حصل تحت عند أمي و سمعتي و شوفتي العكة السودا إللي رمانا فيها رزق ..
-أيوة.. عرفت كل حاجة !
-حلو. يبقى زي ما تعرفي بردو أنا قررت أقعد البت اللي اسمها نوسا دي هنا. خلاص بقت امر واقع هي و اللي في بطنها ..
-أكيد
-إستحالة أسمح لمخلوق يظن في حفيدي إنه إبن حرام و لا حد يفكر يلمح بكده حتى ..
-طبعًا. معاك حق.. محدش فينا يرضاها
-تمام أوي. بصي بقى.. و إسمعيني كويس عشان هاتنفذي إللي هقولك عليه بالحرف. إحنا آ ا …
و بتر كلامه فجأة، حين رفع رأسه لينظر إليها، ألجمته صدمة رؤيتها على هذا الشكل غير الاعتيادي
وجد نفسه يسألها بلا تفكيرٍ و هو يشير بسبابته لثوبها و شكلها العام :
-إيه إللي إنتي عملاه في نفسك ده يا هانم ؟!!
تظاهرت “هانم” بعدم الفهم و نظرت إلى نفسها متمتمة :
-إيه.. مالي يا سالم ؟!
-مـــالك !!! .. صاح بعنفٍ و هب واقفًا بطرفة عينٍ
رمى السلاح من يده و إتخذ خطوة نحوها مجمعًا طرف عباءته بيده كما يفعل بالتحركات المباغتة …
لم يجفلها تصرفه، وقفت أمامه بشجاعة دون أن يرف لها رمش، بينما يقول مشددًا على أحرفه و هي يتفرس بوجهها و جسمها بنظراته الحادة :
-إيه ده يعني. إيه بجد مش فاهم !
حطالي أحمر يا هانم ؟ و إيه دي كمان ؟ …
و مد أنامله لعينيها قاصدًا تخريب زينتها …
-حطالي كحلة !!!
كردة فعلٍ جريئة و متجاوزة للحدود لطمت “هانم” يده و هي تقفز خحوة للوراء مغمغمة بغلظةٍ :
-أنا مش حطالك إنت يا سالم ..
سالم برعونة فجّة :
-نعـــم !!!
أومال حاطة و لابسة لمين ياختي ؟ إنطقـــي بدل ما أنطقك بمعرفتي !!!!
ردت بوقاحة لا تعرف أبدًا كيف صاغتها :
-حاطة و لابسة لنفسي.. إيه يعني ؟ ما أنا ست زي كل الستات …
-ست ! .. علّق بسخرية ضربت كرامتها في الصميم
فلم تستطع ردًا، ليفرج “سالم” عن ضحكة هازئة مقتضبة و هو يقول منذرًا :
-هانم.. إنجري على شفتك حالًا. غيري المسخرة دي و إمسحي إللي في وشك.. و بعدين إطلعيلي عشان نكمل كلامنا.. يـــلااااا
امتلأت حدقتيها الآن بدموعٍ أبت أن تسمع لقطرة واحدة أن تهبط أمامه… مرت بينهما لحظاتٍ مشحونة بالتوتر و الانفعال الشديد.. ثم نطقتها “هانم” لأول مرة و من أعماقها :
-طلقني يا سالم !
يتبع…..
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على (رواية وقبل أن تبصر عيناك)

اترك رد

error: Content is protected !!