روايات

رواية ظل السحاب الفصل الثلاثون 30 بقلم آية حسن

رواية ظل السحاب الفصل الثلاثون 30 بقلم آية حسن

رواية ظل السحاب البارت الثلاثون

رواية ظل السحاب الجزء الثلاثون

رواية ظل السحاب الفصل السادس والعشرون 26 بقلم آية حسن
رواية ظل السحاب الفصل الثامن والعشرون 28 بقلم آية حسن

رواية ظل السحاب الحلقة الثلاثون

: هو انتي جيتي الشركة يا فريدة؟
سألت نيرة التي تجلس على أريكة بالقرب من فريدة في منزلها..
لترد الأخرى في وجوم ممزوج بالغيظ المضمر
: آه روحت، ويا ريتني ما روحت
: ليه؟ انتي قابلتي مراد؟
تساءلت مستغربة، فردت عليها فريدة
: قابلته، وعرفت إن نانسي اشتغلت سكرتيرة عنده، وانتي ما قولتليش يا نيرو
كانت نبرتها تحمل اللوم فتخفض نيرة رأسها كونها لم تتخيل أنها ستستاء إن علمت بالأمر من أحدًا غيرها أو بمفردها
: انتي اضايقتي؟ أنا ما كنتش أعرف الموضوع هيفرق معاكي؟
قالت بعفوية، لتنهض فريدة مندفعة وتهتف بتذمر واستنكار
: يعني إيه هيفرق معايا يا نيرة؟ هو احنا مش ف كل حاجة مع بعض؟ مش انتي اللي أصريتي إني أقدم وأشتغل عنده؟ مش انتي طلبتي مني أساعدك عشان يتخطى اللي هو فيه ويرجع يتعامل طبيعي وينسى رغد؟ مش انتي السبب في كل اللي أنا حاساه دلوقتي؟
ظلت تهدر بتقرير وأنفاسها تتسارع وجسدها الذي بدأ يرتجف، ولا تدري نيرة لمَ كل هذا الانفعال، فتقف لتضم كتفيها
: اهدي يا فيري يا حبيبتي، انتي متعصبة ليه؟
لتعانق نيرة وتقول بوجه باكِ ونبرة شجية
: أنا تعبانة يا نيرو، حاسة إني بجري ف سباق مالوش نهاية، ومفروض عليا إني أفضل أجري وأجري وإلا الوحْش هياكلني!
أبعدتها عنها قليلًا فقالت: حبيبتي، أنا عارفة إن الظروف اللي انتي فيها كانت أقوى منك، وإن اللي حصل من مراد مكانش لطيف، وعشان كدة مرضيتش أجبلك سيرته تاني أحسن تزعلي مني! إنما مقصدتش أخبي عنك أي حاجة.
: طب هي ازاي اشتغلت سكرتيرة؟
سألت باهتمام، لترد نيرة وهي ترفع بكتفيها
: مفيش، مراد كان محتاج لسكرتيرة عشان عماد مش عارف ينظم وقته ما بينه وما بين باقي شغله، فـ كلنا اقترحنا عليه يختار سكرتير من ضمن مجموعة الموظفين الجداد، وهو نوعًا ما اقتنع بالفكرة.
أشبكت ذراعيها: وانتوا بقا ملقتوش إلا نانسي؟ ولا عشان ما هيَ قرييتكم؟
قالت باستياء ثم قوست شفتيها بطفولية، فتضحك نيرة
: لا والله خالص، مراد معندوش محسوبية أو قرابة فـ الشغل، هي بس كانت من ضمن أشطر الناس اللي عندهم خبرة ف مجال السكرتارية!.
نظرت بعيدًا وهزت بأكتفاها وهي تقول: ع العموم يشبع بيها، أهو تنتون اتلم على تنتن
مثلت أن الأمر لا يهمها بينما قلبها يتآكل كالجمرات المشتعلة بين ضلوعها .. قهقهت نيرة وهي تتساءل مستغربة من الألفاظ
: إيه؟ مين دول؟
: واحد نتن والتاني أنتن!
ردت فريدة فازدادت ضحكات نيرة عاليًا .. عاد عز الدين ودلف إلى المنزل فسمع قهقهة نيرة ليتساءل
: بتضحكوا على إيه؟
اختفت ضحكات نيرة تدريجيًا ثم حمحمت لترد بخجل
: مفيش يا عز، أنا وفريدة كنا بنتكلم عادي
لم تختفي حمرة الخجل من وجهها على الإطلاق، رغم كل هذه السنوات ستظل نيرة كما هي بكافة تفاصيلها
ابتسم عز فبادلته هي الأخرى بينما فريدة تشرد في ذلك الذي سيطر على عقلها وقلبها وقلب حياتها رأسًا على عقب.
_________
أقبلت على الشركة متوجهة إلى المصعد الكهربائي حتى تصل إلى واجهتها، تفكر وتعصر عقلها كيف ستكون ردة فعل مراد ريثما تخبره أن أخاها يود مقابلته، تتمنى ألا ينفعل عليها ويسمع منها ما تريد قوله بروية ..
وصلت إلى الطابق ودخلت إلى مكتب السكرتارية ثم فتحت باب مكتب مراد ووقفت أمامه بعد أن أغلقت الباب، تفرك بأناملها بعضهم بعضًا وهي تحاول أن تستجمع قواها..
رفع مراد وجهه عن الملف الذي بيده وسألها بجدية
: انتي كنتي متغيبة فين امبارح من غير ما تاخدي إذن؟
: كنت بزور أخويا معتز ف القسم
قالت بتلقائية، ليغلق مراد المستند ويلقيه على سطح المكتب برفق، ثم نهض وتحرك من خلف المكتب وتساءل عنه..
: وهو عامل إيه؟
اقتربت منه وأجابت بنبرة مهزوزة وهي تتطلع إليه بمقلتين ترتعشان
: هيحولوه على النيابة بكرة، وأكيد هيحبسوه يا مراد
قالت وهي تعلق نظرها عليه وكأنها تترجاه بعينيها، ليتحرك خطوتين بجوارها ويسأل وهو يعطيها ظهره
: إنتوا وكلتوله محامي؟
استدارت لترد وهي تومئ برأسها
: وقال إن القضية لابساه، إلا لو انت برأته!
التفت مندفعًا وهو يقطب وجهه، فابتلعت لعابها وهي ترى حدقتيه تتطلع إليها كالسيف الحاد
: تقصدي إيه؟
سأل فردت بتلعثم: معتز…عا..يز يشوفك يا مراد قبل ما يتعرض على النيابة، هو أكد عليا أقولك وبتمنى ما ترفضش طلبه!
حرك رأسه وهو يقلب عينيه ثم تنهد بقوة وقال مستنكرًا
: هو هيعمل إيه بشوفتي؟ الموضوع مبقاش بإيدي وهو لازم يتحمل نتيجة اللي عمله.
: بس يا مراد…
قاطعها بهدوء وهو يرفع بيده مشيرًا لها ألا تزيد في الكلام
: من فضلك، مش عايز أتكلم ف الموضوع دة تاني، اتفضلي على شغلك.
هزت برأسها وهي تشعر باليأس أنها لم تقدر على إقناعه، لتخرج وهي محبطة من عنده .. تنهد مراد ليعود إلى مقعده وهو يمسح وجهه بكفتيه، ترى ما الذي يريده معتز منه، هو يعلم جيدًا أنه لن يشهد إلا بالحقيقة، فما الذي يفكر فيه حتى يبعث له مع نانسي؟
لم يستغرق وقتًا كثيرًا في التفكير بل ترك الأمر جانبًا حيث أنه لا يهمه على الإطلاق، يكفي أنه سينال جزائه بعد كم الزوبعة التي أحدثها.
__________
تجلس فوق فراشها أمام حاسوبها المحمول، تحل بعض المسائل المتعلقة بدراستها للغويات، لم تستطع أن تجيب على أي سؤال بالشكل الصحيح حيث أن عقلها يذهب في طريق آخر، ومسألة أخرى تخترق عقلها وقلبها الصغير،
تجعلها فاقدة لكل حواسها، جمح اتزانها، اتضطربت أوصالها عند رسم صورته في خيالها، لم تتصور أنه سيسيطر على كل وجدانها هكذا،
أحست بالدوران قليلًا، كيف لها أن تسكت وتفصل رأسها عن كثرة التفكير المتسلط عليها ..
ليخرجها من هذه الدوامة صوت طرق الباب، فترفع برأسها وتقول بصوت مرتفع قليلًا..
: اتفضل يا بابا
ليتحرك المقبض للأسفل ويفتح الباب ثم يدلف عز إلى الحجرة، فيهتف بابتسامة
:بتعملي إيه؟
أغلقت الحاسوب وهي تجيب: كنت بذاكر شوية
بعد أن اقترب منها وجلس قبالتها أردف
: كنت عايزك ف حاجة مهمة يا فريدة، موضوع خاص بيكي انتي!
تعجبت: خير يا بابا؟ قلقتني!
مسد على ذراعها: لا يا حبيبتي متخافيش .. هو…
تردد قليلًا لكن أردف متابعًا: هو اللي حصل إن جالك عريس!
وكان قذيفة صاروخية هبطت على قلبها
: إيه؟ عر..يس؟
همست بأنفاس مضطربة وارتفاع لا إرادي في نبضات قلبها .. ليشعر هو بتوترها فيرد وهو يشعر بالضيق بداخله
: أيوة يا فريدة، مالك مستغربة كدة ليه؟ وكإن أول مرة يتقدملك واحد؟
هتف نفيًا ثم أنزلت بساقيها أرضًا وتقف لتنهض وهي تتحرك بخطوات بسيطة تحت نظرات عز، فتلتفت إليه
: بابا أنا مبفكرش ف الحكاية دي دلوقتي نهائي
ليهتف وهو ينهض بحنق داخلي لأنه يعرف سبب جوابها
: كدة يا فريدة، من غير حتى ما تعرفي الشخص اللي متقدملك؟
ردت بتلعثم: مـ…هو مش هتفرق طالما أنا رافضة المبدأ من أساسه!
تطلع عز لها بنظرة مستنكرة تنم عن معرفته التامة سبب رفضها، تشتت عينيها يمينًا وشمالًا متفادية التعمق في زرقاوتيه التي تربكها ..
لتسمعه يهتف: على العموم أنا هقولك هو مين عشان يبقى عندك معرفة، وبرضو تفكري كويس بعقلك، وتستخيري ربنا، يا بنت عز الدين
كان يضغط على كلماته كأنه يرسل لها رسالة غير مباشرة، أن تتمهل ولا تتعجل بقرارها، وألا توهم نفسها فيما هي منغمسة به.
ليردف عز: أسامة هو اللي طلب إيدك يا فريدة، جالي الورشة وقاللي إنه معجب بيكي من زمان، وعايز ياخد خطوة رسمية تربطكم ببعض!
لم تهتم كونه أسامة أو غيره فهي لا تريد سوى شخصًا واحدًا فقط .. انكمش وجهها فتهمس
: بابا لو سمحت
: انتي حرة يا فريدة، انتي حرة
قال عز ثم استدار ليخرج من حجرتها بخيبة أمل، لقد بدا واتضحت مشاعرها، وهو يقف مكتف اليدين ويراها تسقط في هاويتها..
بعد أن ترجل صعد السرير على ركبتيها وأمسكت بهاتفها تتصل على من هي أصبحت الأقرب إليها.
_________
في غرفة المعاون، يجلس هو على أحد المقاعد يهز أحد ساقيه بتوتر، وعقلٍ متذبذب، تساوره هواجس جمة، يعصره القلق من الداخل،
لا يدري لمَ طلبه ضابط المباحث من الحجز هكذا، وتركه بمفرده حتى لم يخبره سبب استدعاءه وترجل من الحجرة فورًا .. ليوقظه من تخبط عقله صوت الباب الذي فتح لتوه، ويرى حذاء شخصًا يدلف، فيرفع برأسه لتقع عيناه ع زمردتيه الحادة..
لينهض معتز بسرعة وهو يقترب منه، فيهمس دون تصديق
: مراد، انت جيت؟
سار مراد متوجهًا نحو المكتب بعد أن أغلق الباب، ودون أن يجيب معتز، فجلس على المقعد، ليشير إلى معتز بالجلوس أمامه، فامتثل له فورًا وعينيه يلمعان فرحًا
: أنا بجد مش مصدق إنك وافقت تيجي تزورني، أقسم بالله كنت بدعي تيجي، من ساعة ما نانسي مشيت لغاية دلوقتي!
سأل وهو يلمس أرنبة أنفه بخفة: ودة ليه؟
شعر معتز أنه غير متحمس لرؤيته .. ليس مهمًا قدر أنه جاء ويجلس معه، حتى يستطيع أن يلقي عليه جل ما في فؤاده..
بدأ يأخذ وضع الهدوء والتأنِّ حتى لا تتبعثر حروفه
: أنا عارف يا مراد إنك مش طايقني، ولا حتى عايز تسمع سيرتي ودة حقك، بعد كل اللي اتسببتلك فيه.. وأنا ما طلبتش أشوفك عشان أترجاك ما تشهدش ضدي، برغم إن مستقبلي كله متوقف على كلمة منك..
بس مش مهم، أنا معترف بغلطي وأستاهل كل اللي جرالي، والشوك اللي زرعته ليك دوست أنا عليه برجليا.
تمتم بنبرة تنم عن الانكسار والحسرة، ليشعر مراد ببعض الصدق في حديثه، فيرفع معتز ببصره نحوه ويستطرد قائلًا..
: أنا مش هطول عليك، عشان الكلام دة مامنوش أي فايدة .. أنا ف الفترة اللي اختفيت فيها لما كنت هربان، عدت حساباتي كلها، ويمكن كمان من ساعة ما كلمت نيرة وقولتها إني عايز المستندات وأنا بفكر، بس ساعتها فكرت فـ مصلحتي قبل أي حد،
قولت إني هرجعلهم اللي عايزينه، وهاخد الفلوس، وهبطل أشتغل معاهم تاني، وحتى مهتمتش لخوف نيرة أحسن انت تعرف انها سرقتك، ولما انت اقتحمت المكان وأنا هربت، حسيت قد إيه اني بني آدم خسيس واستحقرت نفسي أوي، وفضلت أسأل نفسي أنا إيه اللي وصلني للي عملته دة؟ إيه اللي خلاني أفكر أخونك؟ ليه طول السنين دي كلها محاولتش أقرب منك وأكسب صداقتك؟ ليه، وليه، وليه؟
لقيت الإجابة واحدة إني واحد حقودي ومستهتر، ومشيت ورا دماغ أبويا اللي مش فاهم هو كان بيشجعني على اللي أنا فيه ازاي؟ حتى لما عرف اللي عملته جه واتهمك قدامي برغم إنه عارف ماحدش غصبني أمشي ف الطريق اللي روحتله برجلي،
ليتنهد ويبتلع ريقه الذي شعر بجفافه ثم أردف:
وف اللحظة دي حسيت أول مرة أعمل حاجة صح
: مش فاهم؟
ضيق مراد عينيه ليرد معتز: قبل اليوم اللي قبضوا عليا فيه أنا كنت مجمع كل الأسماء اللي نصبت عليهم في ورق عشان أبعتهولك، وكمان الفلوس اللي ف حسابي في البنك، أنا كنت هحولهم لحسابك..
ظهرت على معالم مراد الدهشة التي يصحبها غرابة، ليردف معتز
: بس ملحقتش لأن لو كنت عملت كدة كان البوليس هيوصلي، فـ كلمت المحامي ياخد الإجراءات اللازمة ويحولهم بمعرفته ويديك الورق.
فيتساءل مراد: طب وانا هعمل إيه بالفلوس دي؟
: رجعهم للورثة اللي اتنصب عليهم، الفلوس دي من حقهم هم، أنا عارف إنك مستغرب، بس اقسم بالله أنا ندمت، ومش عايز حاجة من الفلوس اللي كسبتها من حاجة غير قانونية وحرام،
أنا كدة عملت اللي عليا، وبتمنى تسامحني لو أمكن، وشكرًا إنك سمعتني، بعد إذنك.
ليهم بالوقوف حتى يغادر فيهتف مراد فورًا
: استني يا معتز
تطلع إليه، فوقف مراد وتحرك من خلف المكتب ويمسك بكتفه، ليصمت مراد لبرهة ثم يقول
: أنا مسامحك، مدام انت عرفت غلطك.
نمت ابتسامة مهللة فوق شفتيه وشعور بالسرور لمسامحته له، فيتابع مراد..
: أنا بكرة هكون معاك في النيابة، متقلقش
أومأ برأسه ليتذكر مراد شيئًا قبل أن يترجل ذاهبًا، فيقف ويستدير إليه متسائلًا بجمود
: انت كنت واقف مع فريدة بتعمل إيه؟
__________
تقطع الردهة ذهابًا وإيابًا في إرتباك شديد وهي ممسكة بجوالها، نفخت الهواء من فمها بقوة وكأنها تضخ النار، تشعر بالزلزلة في صدرها، والضيق الشديد منه، لم تره منذ البارحة، ولم يذهب للعمل، دائمًا يختفي دون أن يكلف نفسه حتى ويطمئنها عليه عبر الهاتف اللعين .. يثير توترها وذعرها عليه في كل مرة، ألا يكترث لـ هاجسها وقلقها؟
ضربت بقدمها بالأرض وهي تتأفف، إلى أن سمعت صوت مفاتيحه فالتفتت برأسها نحو الباب لتجده يدلف، ركضت صوبه فورًا وارتمت بين ذراعيه، ودقات قلبها غير منتظمة
: والله بجد يا مراد زعلانة منك، مش خايف مرة يجرالي حاجة من خوفي عليك؟ ع طول تنساني كدة ومتفكرش تكلمني ولو مرة واحدة تقوللي إنت فين وبتعمل إيه؟
مسد ع شعرها بحنو وهو يبتسم لارتعادها عليه
: صدقيني غصب عني، أنا مقعدتش على حيلي دقيقة واحدة أفكر فيها ف نفسي!
خرجت من أحضانه متسائلة في تعجب
: ليه؟ كنت فين؟ دة حتى الشركة ما جيتهاش؟
: انتي ناسية إن معتز هيتعرض ع النيابة النهاردة؟
قال مفكرًا وهو يسير للداخل، فهربت الدماء من وجهها، ويصيب الرعب أوصالها وهي تتطلع إليه، ليرى مراد تغير ملامحها، فيفتح فمه يتساءل عن سبب توترها الذي هو يعرف إجابته، لكن قاطعه دخول أحدهم، لتنتبه نيرة وتصيح ببهجة اعتلت ثغرها..
: معتز؟
هرولت إليه: انت خرجت ازاي؟
قال متبسمًا وهو يسير نحو مراد برفق: خرجت عشان ابن عمي وقف جنبي
اندهشت نيرة من رده، فتحركت وهي تسأل
: يعني إيه؟ هو انت اتنازلت عن الشكوى
لتعلى قهقهة معتز فيقول نافيًا: هو احنا كنا متخانقين ف الشارع يا نيرة؟ دي قضية كبيرة!
: طب يعني خدت براءة ولا إيه؟
سألت بنبرة رقيقة، فيجيب معتز: طلعت بكفالة .. ملقيوش إثبات ضدي ف قضية غسيل الأموال، بس لسة التحقيق شغال بخصوص هروبي وسرقة الفلوس!
قبضت وجنتي مراد بأناملها وهي تداعبه بخبث
: طلعت مكار يا مراميرو، عامل نفسك الموضوع مش فارقلك وانت بتخطط من ورايا!
أنزل يديها برفق فأجاب بعملية وجدية: الموضوع مش كدة خالص، أنا معملتش غير اللي بيمليه عليا ضميري من غير أي تخطيط، ولولا إنه فاق لنفسه وعرف مدى غلطته، مكانش شوفتيه قصادك دلوقتي! ولعلمك هو ف أي لحظة ممكن ياخدوه وساعتها أنا مش هينفع أتدخل نهائي، بعد إذنكم عشان أنا محتاج أرتاح شوية.
أصر أن يتكلم بهذه اللهجة القاسية حتى يعلم معتز أنه لن يتنازل عن مبدأه من أجل أي شخص كان، وأيضًا يعلمه درسًا قاسيًا كي لا يقبل على تلك الفعلة مرة أخرى، ويفكر مليًا قبل أي خطوة يسيرها؛ فزجره ليوضح له مدى فداحة أخطائه.
_________
ف الساعة الحادية عشرة مساءًا يجلس متكئًا على ظهر السرير يقرأ في كتاب حتى يستطيع النوم، فمنذ زيارة معتز وهو لم يذق طعم الراحة، أجمع الناس الذين نصب عليهم، والموجودين أسمائهم في بعض الأوراق الخاصة بمعتز، وحاول التحدث إليهم بشأنه حتى لا يشهدون ضده ودون الضغط عليهم أيضًا!
وأعاد المبالغ المالية إلى الذين قد هُضم حقهم .. ليشرد بذهنه وهو يتذكر تلك الهوجاء المتهورة وعن دخولها المفاجئ إلى مكتبه دون استئذان، هالت ابتسامة طفيفة على محياه فور تذكرها، ليقطع تيهانه اقراع الباب، ثم تدلف نيرة إليه..
: لسة صاحي؟ كنت فاكرك نمت!
تساءلت ثم جلست بجواره، ليغلق الكتاب ويضعه على المنضدة ويرد..
: من التعب مش جايلي نوم!
تطلعت إليه معلقة مقلتيه عليها، وعلى شفتيها ابتسامة عريضة مشرقة، فيلاحظ تحديقها
: إيه يا عمتو بتبصيلي كدة ليه؟
: ببصلك عشان مستغربة اللي عملته مع معتز، وف نفس الوقت فرحانة بيك
قالت بنبرة يعمها الإنشراح، فرد عليها بإجابة متزنة
: افرحي، وف نفس الوقت حكمي عقلك واتعلمي من غلطك!
وضعت راحة كفها على معصمه: انتي لسة مضايق مني عشان خدت الملف من وراك؟
: الحكاية مش كدة، دي مجرد نصيحة عشان متغلطيش تاني.
أجاب بلين فأومأت برأسها بإيجاب، لتلقي بوجهه خبرًا بعفوية وتلقائية
: اسكت مش فريدة جالها عريس!!!
__________
كانت تهبط درج المركز بعد أن أنهت حصتها وهي تتحدث مع صديقتها نرمين..
: ومبسوطين ياختي ف الشركة؟
أجابت نرمين بفخر: إلا مبسوطين، يا بت دي يعتبر من أكبر الشركات في مجال الإنشاءات المعدنية، هو أه الشغل متعب بس المرتب ممتاز أوي بالنسبة لوقت العمل!
وقفت فوق الرصيف، لتهتف مزمجرة وهي تنظر لها: انتي يا بت عايزة تنقطيني؟
قضمت نرمين لقمة من شطيرتها: انقطك ليه؟ اكمنك يعني متقبلتيش؟
فتضحك نرمين ساخرة: كنتي بتقوليلي ان كرامتي مخرومة؟ طلعتي معندكيش ريحة الكرامة أصلاً، يا لهوي شكلك بقا عرة أوي وانتي كل شوية بتترفدي.
وتتابع ضحكاتها، لتزم فريدة شفتيها بحنق وكأن النار تخرج من أذنها، وقبل أن تخرسها، دوي صوت إطارات تحتك بالأسفلت بقوة، لتقف أمامهما سيارة، يجلس هو بداخلها على مقعد القيادة يحدق بها بأعين يمتزجها خطوط نارية تنم عن إنفجار قادم………….

يتبع..

‫8 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *