روايات

رواية قلبي و عيناك و الأيام الفصل الأربعون 40 بقلم رحاب إبراهيم حسن

رواية قلبي و عيناك و الأيام الفصل الأربعون 40 بقلم رحاب إبراهيم حسن

رواية قلبي و عيناك و الأيام البارت الأربعون

رواية قلبي و عيناك و الأيام الجزء الأربعون

قلبي و عيناك و الأيام
قلبي و عيناك و الأيام

رواية قلبي و عيناك و الأيام الحلقة الأربعون

~… تهديد ينذر بالخطر…~
تجمدت جيهان بمكانها وهي تنظر للشرر الناري الذي يطل من عينين ليلى، ومن يلومها الآن مهما فعلت ؟!
صرتّ ليلى على أسنانها بغضب ولكنها لم تستطع كظم الغيظ هذه المرة، فهدرت بصوتٍ عال وبتحذير شرس وهي تشير بسبابتها بوجه جيهان:
_ إلا بنتي يا جيهان، ممكن اعديلك أي شيء إلا أنك تتسببي في دمعة واحدة تنزل من عيونها .. ساعتها مش هرحمك.
اشتد التوتر بالأجواء .. فمضى وجيه صوب ليلى وارتقى الدرج سريعا وهو يحمل الصغيرة الباكية، بينما ليلى وكأنها تنظر لشيطانها بتلك النظرة العنيفة المصوبة نحو جيهان مباشرةً ويديها ترتجف برغبة الصفع.
قال وجيه وحاول أن يخفف من الحدة بينهما:
_ ليلى لو سمحتي أهدي …
وقفت جيهان بينهما كأنها اكثر شخص منبوذ بالعالم، كالشيء الذي القاه الجميع بأهمال دون حاجة .. فابتلعت ريقها وبللت شفتيها التي جفت من سخونة بشرتها … ولو عليها لكانت ركضت لأبعد مكان عن الجميع الآن وظلت تصرخ حتى تستريح.
وهنا تحدثت وهي ببداية البكاء ونظرات مرادفها الندم :
_ مكنتش أقصد … والله ما كنت أقصد ومش عارفة قولت كده أزاي…!
ضمت ليلى شفتيها ببعضهما في عصبية، وبداخلها رغبة عنيفة أن تجذب جيهان من كل شعرة من شعر رأسها وتؤلمها مثلما أبكت صغيرتها …. فهتفت ليلى بغضب شديد وكأنها تلقي الكلمات بدل الصفعات بوجهها:
_ متقصديش ؟! … ليه طفلة صغيرة مش عارفة اللي بترميه من بوقك ؟! ولا أنتي هتلعبي معايا اللعبة دي ؟
تعملي اللي تعمليه وبعدين تقولي ما أقصدش ؟!
لا معلش ….عند بنتي ولأ وأوقفي وماتتخطيش حدودك، وإلا قسما بالله الدمعة اللي نزلتيها من عنيها دي هبكيكي قصادها شهور…. بنتي خط أحمر مش هسمح لمخلوق يتخطاه.
أخذت جيهان معنى الحديث وفهمت ما ترمي إليه ليلى، واختلط بداخلها مع شعور الندم اتجاه الصغيرة شعور مضاد له بالكراهية والغيرة القاتلة نحو ليلى .. وظنونها تتساءل …
هل تستغل الموقف لتنسج كيدها بارتياحيه؟!

 

أم أنها غضبت بهذا القدر فعليًا لأبنتها؟!
نظر وجيه لليلى بعينا عاتبتان أمتزج بهما بعض الضيق، وتفوه بحدة:
_ وطي صوتك يا ليلى طالما جيهان اعتذرت يبقى لازم تهدي… عمر ما حد على صوته بالشكل ده هنا !
ضيقت ليلى عينيها في ذهول بعدما اعتقدت أنه لن يلومها ولو بنظرة عين عن أي رد فعل ستتخذه … اقلًا مثلما وضع بحديثه مبرر وأعذار غير مباشرة لما فعلته جيهان … فتعتمت عينيها بالضيق الشديد منه، ولأول مرة تشعر أنها لا تريد أي كلمة منه أضافية تقال…
خطفت أبنتها من يديه بحركة غاضبة، حتى قالت الصغيرة بارتجاف وبصوت باكيٍ مسموع لهم :
_ أنا زعلت ماما جيهان يا ماما غصب عني… واعتذرت لها زي ما قولتيلي اعتذرلها لو زعلتها … بس هي قالتلي زي بابا صالح ما كان بيقولي… إني مش بشوف.
أنشق قلب ليلى لدموع أبنتها، وذرفت عينيها فيض من الدموع فور حديث الصغيرة البري المؤلم هذا، ضمتها في رقة متناهية ونظرت لوجيه بعتاب شديد أربكه وأشعره بأسف شديد اتجاههما ….ثم صعدت لغرفتها بخطوات شبه راكضة وهي وصغيرتها يبكيان.
ترك وجيه جيهان واقفة وأخذت خطواته سرعة عالية خلف ليلى ولكنها أغلقت الباب بوجهه قبل أن يدخل غرفتهما بالطابق الثالث…..حرر نفس عميق به الكثير من كبت غيظه منها وطرق على الباب بخفة كي تفتح …. فهتفت من الداخل بعصبية شديدة ويبدو على صوتها البكاء:
_ سيبني شوية لو سمحت مع بنتي، لحد ما تنام وتبطل عياط.
قال متحكما بأعصابه وبحرج من وقوفه هكذا :
_ طب أفتحي عايز اكلم ريميه شوية … هخليها تبطل عياط.
ردت ليلى باكية واختلط مع صوتها الباكي بحة السخرية:
_ لأ أنا أولى ببنتي …. وهي مش عايزة تكلمك أصلًا..
قالت الصغيرة وهي بين ذراعي أمها ببكاء وصراخ:
_ لأ أنا عايزة بابا وجيه يدخل… أفتحي الباب بقا يا شيخة.
اغتاظت ليلى منها وهمست بأذنها كي تصمت، فصمتت الصغيرة بالإجبار وفركت عينيها من الدموع وهي تمط شفتيها ضيقا.
صدم وجيه للحظات من موقف ليلى المتمرد عليه بهذا الشكل، ولكن يبدو أن الأمر سيصبح أكثر سخافة أن وقف أكثر من ذلك وترجاها كي تفتح الباب…
فتراجع مبتعدًا عن الغرفة حتى شهقت ليلى ببكاء وصدمت أكثر عندما شعرت بابتعاده عن هنا … فتمتمت بضيق ودموع:

 

_ مشي !
قالت ريميه وعينيها البندقية كعيني غزال صغير يتسعان بدموع تنزلق منهما:
_ آه مشي … يووه
دفنت ليلى رأسها بالوسادة واجهشت بالبكاء ويديها تلتف حول جسد صغيرتها بضمة، وشاركتها الصغيرة مقلدة حتى فترات الصمت بين نوبات البكاء.
******
اعتدلت جيهان من على سريرها عقب دخول وجيه الغرفة، تطلع فيها صامتً دون أدنى تعبير يشير لأي شيء …. وكان هذا أكثر ما يخيفها منه … ابتلعت ريقها الممزوج بطعم الدموع ووقفت قليلًا رأسها للأسفل بكسرة، ثم ما لبثت أن ركضت إليه وارتمت على صدره باكية بعنف.
تركها تتشبث به، وتبكي، ولكنه لم يفعل اكثر من وقوفه كتمثال تتمسك به ! ، ابتعدت جيهان قليلًا وعينيها حمراوان من البكاء ولعبت بعينيها الدهشة من جموده أمام دموعها دون أي عطف أو حتى شفقة!
قالت بشعور قوى من الألم :
_ حاسة بالقلم اللي عايز تديهولي على وشي، قادرة أشوف كل العصبية والكلام اللي هتقوله … أو اللي عايز تقوله، بس افتكرتك هتديني عذري زي كل مرة.
تنهد وجيه بملامح جامدة وعينيان يتلاطم فيهما الغضب الراكد كالموج…وأجاب بصوتٍ رغم ثباته ولكنه أنذر بتهديد:
_ زي كل مرة ! …. قولتيها بنفسك يا جيهان، بس المرادي مالكيش أي عذر أنك تعايري طفلة أنها مش بتشوف … مهما كان اللي حاسة بيه، ومهما كان شعورك .. البنت ماذنبهاش أي حاجة! ، وأظن أني حذرتك من البداية بخصوصها … للحظة كرهتك وأنتي اللي وصلتينا كلنا لكده!
نكست جيهان رأسها بإمأة بسيطة دلالاه الإدراك وقالت بغمغمة باكية:
_ لو كنتوا كلكوا كرهتوني للحظات … فأنا بدأت أكره نفسي بالفعل، أنا مش وحشة … رغم أن كل تصرفاتي بتأكد ده، الوضع ده حولني لإنسانة معرفهاش… مكنتش حتى أتخيل إني ممكن أكون كده.
لو أنت عايزني اعتذر للبنت تاني أنا موافقة ودلوقتي حالًا.
وبعدما قالت ذلك تسلل لقلبه العطف والرفق بها، فربت على كتفها بلطف وقال:
_ مش عايزك تكرهي نفسك، ولا عايزك تخلقي مشاكل من مافيش في وقت ممكن نكون فيه كويسين مع بعض كلنا، يا جيهان أنا بحاول أرضيكي على اد ما أقدر … بس أنتي بتحطيني في مواقف غصب عني مابعرفش اتعاطف معاكي فيها!
وبتحطي نفسك في وضع غلط ماتستحقيهوش !

 

ليـــــه بتعمل في نفسك كده ؟!
نظرت له بدموع حارقة بعينيها وقالت :
_ عشان لما رجعتلك كنت محتاجة كل حنانك وحمايتك، كنت واثقة أني معاك هحس أني ملكت الدنيا بحالها، بس أنت فجأة قسمت نفسك على أتنين!، والنص ده مش مكفيني أمان!
وكما دافعت عن حقها دافع هو عن حق قلبه في حب عمره ليلى وقال :
_ وأنتي لو مكاني وقعدتي عشر سنين تنسي شخص ومعرفتيش ولو ليوم واحد كنتي قدرتي موقفي.
زي ما أنتي محتاجة الأمان والحماية أنا كمان محتاج أحس أني مبسوط ومرتاح في حياتي لأني مش هعيش مرتين، أنا مكدبتش عليكي وعرفتك كل شيء قبل ما نرجع تاني لبعض … وعمري ما كنت هبطل أحب ليلى سواء رجعتلي تاني أو لأ … أنتي قبلتي بالوضع ده، يبقى ما تلومنيش أنك مش قادرة تتحمليه!
هتفت ببكاء وقد أستفزها حديثه:
_ أنت مش شايف أنك بتقسى عليا بالكلام ؟! …. مش شايف أن كلامك ساعات كتير بيوجعني ؟!
وجيه انت جوزي! … يعني مجرد فكرة أن في واحدة في قلبك غيري دي شيء بيدبحني في كل لحظة ! … ارجوك أرحمني!
تنهد بضيق ثقيل على صدره، ثم قال معتذرا :
_ أسف لو جرحتك، بس ارجوكي أنتي أبعدي المشاكل عن حياتنا وخلينا نعيش في سلام … وراجعي نفسك كده لو مكنيش عملتي اللي عملتيه ده كان هيبقى الوضع ايه دلوقتي ؟! …. اكيد كان هيبقى أفضل بكتير مش كده !
وأضاف بعتاب مع بعض العصبية عندما تذكر جملتها للصغيرة وقال:
_ البنت مكنتش تستاهل تسمع منك كلمة زي دي مش هتعرف تنساها بسهولة! … مش هتقدر تفهم وضعك وتعذرك ! … بس هتفضل تعيط كل ما تفتكر خصوصا إنها حساسةً جدًا في الموضوع ده بالذات.
أعلنت عينيها اعتراف الندم وقالت جيهان بحزن:
_ عايزة أعتذرلها.
رد قائلًا بعصبية عندما تذكر موقف ليلى:
_ لما تهدى.. وكمان لما ليلى تهدى شوية، هي اتعصبت لما شافت ريميه بتعيط.
قبلت جيهان الانتظار للإعتذار المنتظر والمؤجل لوقتً لاحق…. أنصرف وجيه من الغرفة وتأملته بضيق، فقد تمنت سرا أن يبقى لبعض الوقت، ولكنه يبدو كأنه استراح بعدما ابتعد عنها!

 

 

*****
كلما هجم بقلبه الحنين لحبيبته أراد بشدة الذهاب ل “فرحة” …. وتعجب من نفسه لما يريد استغلال الإعجاب المعترف بعينيها اتجاهه في شفائه من حب آخر لا يستطيع نسيانه؟!
أوليس هذا حماقة وأنانية؟!
نفض أفكاره وأبعد تلك الهواجس عن خاطره وهو يمضي بهدى إلى قسم الاشعة حيث هي …” فرحة ”
وشعر وكأنه أخمد ضميره لبعض الوقت وهو ينظر لها بابتسامة دافئة لم تكن سوى لعبة خطرة أكبر منه وكأنه يرمى أحجار النرد بعشوائية … فقال:
_ خلصتي شغلك …؟
رفعت فرحة رأسها ببطء من على كومة عالية من الأوراق وحملقت فيه للحظة بدهشة … ثم ابتسمت بحياء وتوتر شديد وهي تجيبه وقد حمدت دخول آخر مريض منذ دقيقة فائتة برفقة زميلتها بالعمل، وخلو المكان بانتظار المواعيد القادمة لهذا اليوم:
_ فاضل شوية يا دكتور أمجد على وقت الاستراحة ….
لم يجد أمجد متابعة للحديث سوى قوله:
_ طب هستناكي عند حسام أخوكي … وهخلي الدكتور يطمنك تاني.
تعجبت فرحة من حديثه، فالطبيب طمأنها مرارا وتكرارا بسبب كثرة سؤالها له عن حالة شقيقها .. وأمجد على علم بذلك!
يبدو أنه يهدف لشيءٍ آخر …شيء تمنته لمدة ثلاثة أشهر وكانت قد يأست أن يتحقق.
ارتبكت وهرب منها الحديث للحظات …. ثم قالت بتلعثم ظاهر:
_ طب … ماشي.
ولم تستفيض بالكلمات وردت باختصار .. ولم يطيل الوقوف أكثر من ذلك .. وعندما غادر تسللت ابتسامتها لتتسع شيئا فشيء
******
دخل آسر مكتبه بالمشفى عقب وصوله منذ دقائق، ودلف خلفه جاسر مغلقا الباب خلفه ويبدو عليه أنه عرف أمرا هام ….
استدار آسر ببعض الدهشة من نظرات جاسر الغامضة وهو يقف أمامه …. ثم قال جاسر بعصبية:
_ أنت اللي جبتها تشتغل هنا ولا هي اللي جت من نفسها ؟! … يا ريت ترد بسرعة عشان اتأكد أنك غبي زي ما شكيت!
فهم آسر الأمر وادرك أن جاسر عرف بمجيء “حبيبة” حبيبته الأولى ! …. فقال بصدق:
_ مكنتش أعرف … أنا عرفت بالصدفة من يومين.
رفع جاسر حاجبيه بشك وهو ينظر لآسر، ثم قال بعصبية :
_ مع أني مش مصدقك بس تبقى غبي لو فكرت ترجع لواحدة رفضتك وهانتك ولما اتبهدلت واطلقت فكرت ترجعلك ! …. ولا أنت هتغيظ سما بيها ؟! …. اللعبة دي مش لعبتك ولا تعرف تلعبها زيي لو واخدني قدوة يعني !
سخر آسر وقال :
_ ليه بقا أن شاء الله ؟!
رد جاسر بنزق:
_ أنا لا هرتبط باللي بكلمها، ولا هرتبط بجميلة رغم أنها مالية دماغي ومربعة فيه كمان …. أنا مش عايز اتجوز ولا ناوي ادخل القفص … أنما أنت غشيم … يأما هتضيع كرامتك مع واحدة سابتك زمان وباعتك بمنتهى السهولة وتقبل ترجعلها، يأما هتدخل بحرب مع سما اللي متأكد أنك معجب بيها بجد … ده لو مكنتش حبيتها كمان …. عشان كده أنت حاسس بالندم وبان عليك أوي النهاردة …. أنت اللي جبتها تشتغل هنا صح ؟
تنهد آسر بضيق وقال بصدق:
_ مش بالضبط، حبيبة بتتصل بيا بقالها فترة ومكنتش برد عليها، ولما زهقت رديت وفجاة لقيتها بتعيط وبتحكيلي ظروفها وأنها محتاجة تشتغل بعد ما استقالت من المستشفى اللي اشتغلت فيها بعد التخرج …. فاقترحت عليها تقدم الملف بتاعها هنا.
ضحك جاسر باستهزاء وقال وهو يعقد ذراعيه حوله :
_ أنت فعلًا غبي! …. دكتورة ومش لاقية شغل لا بجد فعلًا صادقة، دي يابتستغلك يا بتستغلك مافيهاش اختيارات تاني، بس عمومًا أنا عملت اللي عليا ولفت انتباهك وأنت حر.
القى جاسر نظرات غيظ منه قبل يغادر المكتب، بينما آسر أطلق تنهيدة ثقيلة وبدأ يفكر بقلق بحديث جاسر … ويبدو أن حبيبة بالفعل استغلت طيبته للمرة الألف ولن يتوقف مكرها لهنا!

 

******
تمدد الجد رشدي على سريره بعدما تناول دوائه بالكامل من يد حميدة….. ثم قال ناظرًا لها بابتسامة:
_ هسافر بكرة أن شاء الله وهجيب نعناعة معايا.
تهللت أسارير حميدة بفرحة وودت لو تقفز سعادة كالطفلة، فاقتربت من جدها وقبلّت رأسه بمحبة قائلة:
_ ربنا ما يحرمنا منك يا جدي، كنت عايزة استأذنك نسافر بس كنت مكسوفة اكلمك…. سهلتها عليا.
ربت الجد بحنان على يدها وقال بصوتٍ مبحوح قليلًا:
_ أنا وعدتكوا أي حاجة هتسعدكوا هعملها مهما كانت … ما تتعبوش نفسكوا وتسافروا، هسافر أنا وأجيبه معايا بأذن الله …
قبّلت حميدة رأسه ذو الشعر الأبيض ثم دثرته بالغطاء بابتسامات واسعة وبعدها خرحت من الغرفة بهدوء …
وعند هبوطها من الدرج وجدت يوسف يصعد ومعه أكياش مشتريات كبيرة الحجم، سومته بنظرات دهشة فقد اعتقدت أنها ذهب للمشفى !
وقف بابتسامة واسعة أمامها وقال بمرحه المعتاد:
_ مفاجأة مش كده !
قالت بدهشة وهي تحرك أهدابها لتتأكد أنه أمامها:
_ أنت ماروحتش الشغل ؟!
شعر يوسف بالزهو من سؤالها هذا وقال :
_ روحت أشتريت شوية لعب لريمولينا عشان اصالحها ورجعت تاني … وأشتريتلك أنتي كمان … خدي الدباديب والعرايس دي.
طاف بعينيها موجة دفء شديدة وغمغمت باسمة:
_ أفتكرتني.
قال صادقا وكأنه يقسم على كل كلمة:
_ والله ما بنساكي لحظة.
تخضبت وجنتيها بحمرة شديدة وقلبها دقاته تعلو بعنف، فقال بعفوية وهو يُعطيها بعض أكياس الدمى المغلفة:
_ حبيت أفرحك أنتي كمان، ما أنا بشوفك طفلة برضو.
عبست من جملته الأخيرة فقال مصححا بسرعة:
_ لأ مش أقصد حاجة وحشة والله… أقصد يعني أن البنات بتفضل تحب الألعاب والعرايس مهما كبرت، والله ده اللي أقصده.
ابتسمت ببطء فعاد مبتسما هو الأخر وهو يشير لصندوق بيده قائلًا:
_ وجبت قطة … أجيبلك أنتي كمان قطة وتبقوا قطتين؟
قصد المزاح ولكن اتسعت عينان حميدة برعب وتلعثمت قائلة:
_ بسة !!
اومأ رأسه بالإيجاب مؤكدًا، فصرخت حميدة وهبطت الدرج في خطوتين من خوفها الشديد للقطط …. وقف يوسف مشدوها للحظات ثم خمن سبب خوفها فابتسم بالتدريج لتصبح ابتسامته ضحكة وهو يسير لغرفة الصغيرة.
*******
وضع وجيه فنجان قهوته الفارغ أمامه على المكتب الخشبي، فقد اعتكف بمكتبه طيلة ساعتين بعيدًا عن الجميع.
ثم قرر أستئناف إجازته قبل أن تنتهي في هذا الهجر بينهما ….. ونهض مقررا الصعود لها …
وأمام غرفتهما وقف للحظات مترددا، وعندما قرر الدخول لمس مقبض الباب ففتح الباب بسهولة عكس غلقه منذ ساعات!
دخل ببطء وانتبه لليلى وهي تحضن صغيرتها بحنان وغفوا الأثنان في سباتٍ عميق…!
مضى إليهما بخطوات وقعها خافت حتى اقترب للفراش وظل ناظرًا لهما بابتسامة حنونة…. صورة رائعة لامرأة جميلة ونسخة منها أصغر حجما.
ابتسم اكثر لتلك الخاطرة ثم أنحنى وأقترب من ليلى وقبّل رأسها برقة … ففتحت عينيها بكسل وعندما تشابكت نظراتهما اعتدلت بالفراش والتزم وجهها العبوس رغم تأثرها من اقترابه منذ قليل.
تجاهلته والتفتت ناظرة لأبنتها النائمة بسلام دون حتى كلمة عتاب … ولكن اتسعت عينيها بذهول عندما وجدت نفسها محمولة على ذراعيه ويخرج بها من الغرفة حتى الطابق العلوي والأخير من المنزل …
قالت بصدمة وهو يصعد بها الدرج للأعلى :
_ أنت بتعمل إيه ؟!
أجاب ببساطة:
_ شايلك … وهنطلع الروف، ماتقلقيش احنا في الدور ده لوحدنا ومحدش شايفك.
أخفت ابتسامته وتظاهرت أنها غاضبة فقالت:
_ ليه شايلني يعني هو أنا معرفش أطلع لوحدي ؟!
نظر لها بنظرة وابتسامة ماكرتين وأجاب:
_ مزاجي أشيلك …. عندك مانع ؟
ظهر بصوتها الابتسامة التي تخفيها وقالت باعتراض لم ينبع من داخلها:
_ آه عندي مانع… نزلني لو سمحت.
قال بابتسامة واسعة وواثقة :
_ أسف …لو تقدري تنزلي …. أتفضلي أنزلي.

يتبع…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *