روايات

رواية قلبي و عيناك و الأيام الفصل الثالث 3 بقلم رحاب إبراهيم حسن

رواية قلبي و عيناك و الأيام الفصل الثالث 3 بقلم رحاب إبراهيم حسن

رواية قلبي و عيناك و الأيام البارت الثالث

رواية قلبي و عيناك و الأيام الجزء الثالث

قلبي و عيناك و الأيام
قلبي و عيناك و الأيام

رواية قلبي و عيناك و الأيام الحلقة الثالثة

~…لن أنسى أبدًا…~
عادت ليلى بعد أنتهاء دوام العمل … مُحملة ببعض الندم لخطة ساذجة انساقت خلفها دون تفكير….تفاجئت بـ “سلمى” وهي تقف تنتظرها أمام المبنى القديم الذي يضم عدة شقق قديمة الطراز في تصميمها ولكنها توحي بالأصالة للطبقة المتوسطة….ومنهم شقة والدها..
خمنت في أي جدال ستدخل …قالت لتقطع أي خيط يصل للحدة بحديثهما :
_« رغم أنك ضحكتي عليا يا سلمى بس عشان خاطر أختي الله يرحمها ..مسمحاكِ …»
ردت سلمى بغيظ منها وكأنها تقدمت بإعتذار وتنتظر الصفح!….وهتفت :
_ « أنتِ قولتي لحد أنك تعرفيني ؟! »
تمالكت ليلى أعصابها ثم قالت بهدوء :
_« قولت لدكتور وجيه اسمك الأول بس…لكن هو يعني مش هيعرف بتكلم على أي سلمى بالضبط …ما في اكيد غيرك بنفس الاسم ….! »
تراجعت سلمى بعض الشيء عن حدتها وظهر بعينيها فضول لمعرفة التفاصيل …فقالت بمراوغة :
_ « طب وقالك إيه لما عرف حالتي ؟ محاولش يعرف أنا مين بالضبط ؟ »
نظرت ليلى لها بتعجب وأجابت بعصبية :
_ « مصدقش طبعا أن يجرالك كده للسبب ده وكان شكلي وحش جدًا … وعلى العموم ما تخافيش هو معرفش سلمى مين بالضبط …وطالما اصلًا ما طردكيش فأنتِ في الأمان …»
ثم أضافت بحيرة :
_ « بس أنتِ ليه أغمى عليكِ وكنتِ بتعيطي؟! وليـه كدبتي عليا وخلتيني أروح الجامعة وأقوله كده ! »
غمغمت سلمى بتلعثم ثم قالت :
_« أصل …هو أنا مكدبتش أوي…هو احرجني في نص المحاضرة لما سألني ومعرفتش أجاوب…كنت سرحانة….»
نظرت لها ليلى لدقيقة وشعرت أن هذه كذبة أخرى …فعلى رغم ما فعلته به اليوم… والذي كان كفيل أن يسبب لها مشكلة كبرى ….لكنه اظهر حسن تصرفه وأخلاقه لدرجة عالية وتركها دون إيذاء …ما وراء تصرفات سلمى إذن؟!
قالت لتنهي هذا الموضوع السخيف :
_« حصل خير…..»
ومضت مبتعدة عنها…تعددت الاسئلة برأسها ولكنها تعرف أن سلمى لن تفصح عن أكثر ما تريد قوله…
وفي اليوم التالــــي ….
ذهبت ليلى مبكرًا للعمل…ولكنها لم تقصد وجهة العمل تحديدًا …بل توجهت إلى الجامعة وحاولت التسلل مثل الأمس عدة مرات ولم تفلح…حتى قبض عليها أحد حراس البوابة الكبيرة وقال لها بعصبية :
_ « أنتِ تاني ؟! واحدة غيرك المفروض ما تقربش للشارع اللي جنب الكلية أصلًا….»
قالــت ليلى بغيظ :
_« ليه هي الكلية بتكهرب ؟! »
ضحك شاب من الحراس الذي عنفها بالأمس….بينما نظر لها الرجل المتحدث وقال بجدية :
_ « بلاش لماضة وقولي عايزة إيه ؟ واتكلمي بصراحة عشان بتخنق من الحوارات ..»
نظرت ليلى حولها وانتظرت حتى مر مجموعة من الفتيات للداخل حتى لا تثير سخريتهن وفضولهن… ثم أجابت على الرجل الكبير :
_ « بصراحة بقى يا عمو الأمن …أنا داخلة أقول لدكتور وجيه حاجة وهطلع …. بص ..مش هاخد فمتو ثانية وهتلاقيني خارجة … هدعيلك والله …»
يبدو أن هناك من يقف خلفها منذ دقيقتين واستمع لما قالته …
قال الرجل لها بابتسامة وهو يشير بيده تحية لدكتور وجيه :
_« آه ادعيلي يا بنتي….رمضان على الأبواب فاضله كام شهر….»
مر وجيه من جانبها وهو يخفي ابتسامته….حتى اتسعت عين ليلى ببهجة وقالت بقصد القاء السلام عليه ولكن القت. بتلحين ما كانت ستجيب به على حارس البوابة :
_ « أهلًا رمضـــان …»
ارتفعت الضحكات حولها ، فأطرقت رأسها للأسفل بإحراج وتمتمه خافته يظهر منها أنها تنعت نفسها “بالغبية”……قال وجيه بابتسامة لم يستطع أن يخفيها أكثر من ذلك :
_ « سيبها يا عم اسماعيل …. »
رفعت رأسها وتبدل عبوسها ثقة عالية بابتسامة بها لمحة غرور …ثم قالت لأحد أفراد الأمن الذي كان يضحك بسخرية …والذي كان يجلس على مقعد على بُعد خطوتين :
_« شوفت …. لما تشوفني تاني تقوم توقف …»
ضيق وجيه عينيه عليها واستطاع بأعجوبة أن يمنع نفسه من الضحك … أشار لها لتأتي خلفه ورمى نظرة أعتذار سريعة لحارس البوابة….

 

 

في المكتــــب …..
جلس أمام مكتبه الخشبي وأصبح أكثر جدية رغم أنه كلما نظر اليها يبتسم رغمـًا…. ووقفت أمامه ولم تعرف لما تملّكها فجأة الخجل منه …ربما لأنها الآن معه بمفردها….. كاد أن يتحدث حتى دلف أحد حراس البوابة وهو يعلق ساعة يد بين أصبعيه ويقول :
_« الساعة دي وقعت من شنطتك يا آنسة ….بنادي عليكِ لكن ما سمعتيش …ماشية زي القطر!! »
سومها وجيه بنظرة ضاحكة وتذكر شيء ما قالته….
حملقت ليلى بساعة يدها التي نفذ صبرها منها من كثرة السقوط فقررت وضعها بحقيبتها ولكن سقطت أيضًا …”ساعة نحس ”
هكذا رددت بنفسها …
رمقت الرجل بغيظ وخطفت الساعة منه وقالت :
_« شايلها زي الأرنب كده ليه ؟! دي ضد المية ! »
رماها الرجل بنظرة غيظ ثم ذهب….قال وجيه مبتسما :
_« كنتِ عايزة تقوليلي إيه ؟ »
ردت بنرفزة وهي منشغلة بإرتداء الساعة على معصمها الذي تأبى الأنغلاق :
_ « هلبس الساعة أستنى….»
نهض من مقعدهِ بخطوات هادئة و على شفتيه ابتسامة هادئة ثم وقف وتأمل تقطيبتها وهي تحاول جاهدة غلق السوار المعدني للساعة ولكنها فشلت …
لأول مرة يجد فتاة تجعله يبتسم من قلبه بهذه الطريقة العفوية الغير مفتعلة… تثنيه عن أي منعطف فكري آخر غيرها..
فتاة تبدو بسيطة …بسيطة جدًا …بسيطة حتى الفتنة !
الم يكن الشيء الزائد عن الحد ينقلب إلى الضد ؟!
يبدو أن المرأة التي تبقى بعقل الرجل هي من تستطع التسلل إلى أفكاره أولًا ثم تقتحم كيانه بعد ذلك….
أحد ممرات العبور في الحب ….
خرج من شروده على صوتها وهي تقول بنظرة بها لمحة ندم :
_« كنت عايزة أقولك…أنا أسفة …»
وضع يديه بجيبي بنطاله فبدا كتفيه أعرض مما كان….وتأمل أحمرار وجنتيها وهي تنظر للأسفل ثم تسللت بنظرتها للأعلى بخلسة ونظرت للأسفل من جديد…
گ الطفلة تمامـًا ….!
قال مبتسمًا بصوت هادئ :
_ « يعني عرفتي أني مظلوم ومطردتش صاحبتك ؟ »
تساءلت في حيرة بينها وبين نفسها…لما الابتسامة ارتسمت على وجهه منذ أن وقعت عينيها عليه بدقائق فائتة وحتى الآن ؟!
هل تبدوا ساذجة وغبية لهذا الحد ؟!
هزت رأسها بالإيجاب وقالت :
_« فهمت غلط معلش…. أحيانـًا مابفهمش …»
أطبق فمه كاتمـًا ضحكة …حتى صححت بنظرة اتسعت بغيظ ظهر فجأة :
_« لا أقصد يعني…مش بفهم قصد اللي قدامي … مش بستوعب بسرعة….أقولك حاجة …. أنا غبية ..»
اتسعت ابتسامته وهو يهز رأسه وقال بضحكة خافته :
_ « مقابلنيش حد زيك خالص…أنتِ مش طبيعية ! »
تساءلت بابتسامة بسيطة :
_« يعني حضرتك سامحتني ؟ »
هز رأسه مرة أخرى بابتسامة متسعة وعينيه تلتمع بـ بصيص المرح والتسلية وبريق شيء غامض…قالت بابتسامة ارتياح :
_« طب الحمد لله… تصبح على خير….»
نظر لها بدهشة لمدة دقيقة …..فصححت بضيق من نفسها وكأنها ستبكِ :
_ « لأ صباح الخير …أنا مش هتكلم تاني مع حد ….»
خرجت من مكتبه بخطواتٍ سريعة مثلما فعلت بالأمس … فأطلق ضحكة من شفتيه …ثم استدار يجمع أوراقه للذهاب لأحد القاعات الدراسية …. وكاد يخرج من المكان حتى أنتبه لشيء يلتمع على الأرض…أنحنى ليلتقط ساعة معصمها التي يبدو أنها سقطت مجددًا دون أن تشعر…
ابتسم ابتسامة نابعة من قلبه وكأنه أحب تلك الهدية من القدر…يبدو أن هذا ليس اللقاء الآخير…!

 

➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
دخلت ليلى محل عملها والابتسامة الشاردة على محياها …لاحظت زميلة العمل “إيمان” ذلك فرمقتها بغمزة ماكرة وقالـت :
_ « اللي واخد عقلك يتهنى بيـه ! »
جلست ليلى على المقعد الهزاز وبدأت تتارجح بيه قليلًا والابتسامة لا تفارق محياها …ثم قالـت :
_ « في صدف كده بتحصل في حياتنا … بنتمنى تتكرر كل يوم ….بس ليه كنت متلغبطة بالشكل ده في كلامي معاه ؟! »
قالت إيمان بضحكة :
_ « طب أحكيلي هو مين ؟ أنتِ أصلًا كلامك يلغبط أي حد لما بتبقي متوترة….»
روت لها ليلى ما حدث فأطلقت إيمان ضحكة عالية على ما حدث لصديقتها …. ثم قالت بجدية أكثر :
_ « طب اعتذرتي وكده تمام….ما تروحيش تاني الجامعة نهائي …لو حس زي ما أنتِ حاسة كده هيجيلك لحد عندك …»
ابتلعت ليلى ريقها بخجل وقالت بتلعثم ونظرة رفض :
_ « مين قال أني حاسة بشيء ؟! أنا بس يعني …»
قاطعتها إيمان بتفهم :
_« يمكن احساس وقتي من موقف حصل… بس برضو أعملي اللي بقولك عليه… لو ظني في محله يبقى خير وبركة وهنبل الشربات قريب ….لو مجرد موقف يبقى احسن أنك معلقتيش نفسك والموضوع أنتهى…بسيطة خالص….»
دلفت فجأة فتاة عشرينية يبدو من مظهرها التحرر دون محاسبة من الأهل…فقد كانت ترتدي تنورة قصيرة رغم برودة الطقس ! وكنزة ضيقة تبرز مفاتنها بشكل فاضح !
رمت ” رسيل ” نظرة محتقرة للفتاتان وهتفت بهما :
_ « انتوا قاعدين وسايبين الشغل؟! والله لما بابا يجي لقوله ! »
وسومت ليلى بعداء واضح هاتفة :
_ « وسيادتك قاعدة على الكرسي بتاعي اللي جايلي من برا مخصوص ! جاية تقعدي ولا تشتغلي حضرتك ! »
نظرة إيمان بنظرة تحذير إلى ليلى حتى لا تندفع خلف الشجار التي تجره تلك الفتاة البغيضة دائمًا ….فقالت وهي تحاول جاهدة التحكم بأعصابها قدر الإمكان :
_ « الشغل عمره ما اتعطل …احنا اللي لسه على الصبح ولسه جايين ! »
أتى والدها بهذه اللحظة وهو يضع مفاتيح سيارته على المنضدة الزجاجية المليئة بكافة سلالات الزهور المشهورة بهذا الوقت…..فصاحت أبنته رسيل وأخبرته بما شاهدته فقال الرجل بهدوء :
_« وفيها إيه لما تقعد على الكرسي يا رسيل هي هتخطف منه حته ؟! وبعدين أنا قولتلك مليون مرة ما تزعقيش للبنات هنا تاني هما مش خدامين عندنا !! »
استشاطت الفتاة ذو العشرين عاما بغيظ شديد حتى ضربت قدميها بالأرض بغضب….أشار لها والدها بحدة نحو السيارة بالخارج وقال :
_ « استنيني في العربية … دقيقة وهحصلك …»
القت رسيل نظرات محتقرة للفتاتان ثم غادرت المكان بغضب وتمتمة يبدو منها أنها تلفظ الشتائم …..قال الرجل معتذرًا :
_ « أنا أسف يا بنات…هي بس مضايقة شوية النهاردة …»
غادر سريعـًا بعدما أخذ شيء من خزانته الخاصة بالمحل …..
نظرت ليلى للمقعد التي تحبه كثيرا وقالت :
_« لو كنت اقدر على تمنه كنت أشتريت واحد زيه…بس النوع ده غالي أوي عليا ….»
ردت عليها إيمان وقالت بتعجب :
_ « ما هو جدك لو يعدل في الميراث كان زمان والدك مليونير ! ….حرام والله كده يحرمكوا من كل حاجة !! »
هزت ليلى رأسها بيأس …ثم تحدثت بأسَى :
_« جدي ربنا يسامحه…..حرم أبويا من كل حاجة حتى من ميراثه في جدتي الله يرحمها…. ده كله عشان أبويا رفض يبقى سلاح غشيم في سلسال دم مابينتهيش…. طار بياخد معاه الظالم والمظلوم …..»
توالــت ساعات اليوم في هجر شمس الشتاء ….وأتى المساء… ورغم أن الشتاء وصل حتى منتصف عمره الموسمي ولكنه أتى لطيفـًا حتى اليوم….
اليوم ….. لابد أن اليوم مميز …
كل شيء به مميز …. تسري به نغمة على وتر أرق من النسمات … يأتيها مع رحيق المطر… ورائحته التي وكأن بها أثار حنين كل العشاق الراحلين…
جلسـت ليلى بعد يوم عمل طويل على المقعد الهزاز…بينما حملت صديقتها “إيمان” حقيبتها وقالـت وهي تهم بالمغادرة :
_« أنا مش هستنى لما الدنيا تبطل شتا…همشي حتى لو هروح غرقانة…مع السلامة يا ليلى …..»
أجابت ليلى عليها في سلام ووداع مؤقت…مرفق بابتسامة صافية…بشفتين مثلجتين من البرودة…وباب الـ ” محل” مفتوح على مصراعيـه …. تنتظر فقط أن يهدأ سيل الشتا لتغادر إلى منزلها….ولكنها مع ذلك بقيت مبتسمة على مقعدها…شاردة …تحمل كتاب كان عبارة عن ديوان شِعر أختارته من بين عدة كتب….أعجبها اسم الديوان …

 

 

” لن أبيع العمـر ”
من ذا الذي يبيع عمره ؟!
تردد السؤال بعقلها بتعجب….بجانبها طاولة صغيرة خصصها مالك المكان لوضع أكواب القهوة….الطاولة كانت تحمل وردة حمراء طبيعية…باقية من جمع الزهور بالهدايا طيلة اليوم…..منعشة الرائحة …التقطتها يدها سريعـًا وفتحت الكتاب بشكل عشوائي وهي تتشمم ريحقها بعمق….وابتسامة هادئة.
أتى بالمصادفة فقرة غنائية بالمذياع التي تركته صديقتها مفتوح وكان يردد بعد الأخبار المسائية … الصوت كان هادئ …حتى أتت فقرة غنائية لصوت الحب….”ليلى مراد”
” أما أنا مهما جرى…هفضل أصون عهد الهوى…وأن غبت يوم ولا سنــة …هفضل أنا…هفضل أنا ”
رغمـًا وجدت نفسها تنظر لكلمات القصيدة دون أن تراها ولكنها تردد كلمات المقطوعة….وتتمايل الوردة بفعل يدها على شفتيها المبتسمة وهي تغني بصوتها وكأنها بمعزل عن العالم …..
لم تكن كذلك تمامـًا …
كان هو بالقرب….
يقف مبتسمـًا بشرود …يتأملها بصمتٍ تام
لم يكن صوتها طربي …ولكنها تؤكد الكلمات كأنها تحب حقاً….تؤكد على البقاء …. تؤكد شيء كأنها ترى أحدهم من بين نظراتها الشاردة وشفتيها المبتسمة …
وجه بالذاكرة…بالخاطر منقوش ملامحه….تحدثه وتخبره ….”هفضل أنا ”
رأته مرتين فقط….. ليرسم هذا العالم بمخيلتها ….
غريب أمر الحب !
الإعجاب فيه گ الرشفة الأولى للعطش…ويبتلع الظمأ الأحلام في نهم…..ليرتوي القلب وتبتل أرض المحبة في بنائها للزهور…..زهور الحب ….
حدقت بعينيها عليه في صدمة …لا
هتف المنطق لا مائة مرة ….لا يعقل أنه خرج من تفكيرها ليقف أمامها مثلما تمنت منذ لحظات…. وقفت ببطء والابتسامة رغما شقت طريقها بالتدريج …
ورغم أنهما أغراب ولكن كان اللقاء گ لهفة العاشقين …. لا تعرف لما حقاً …!
تحدث وعينيه مبتسمة ببريق به شيء يخبرها شيء !
مضت إليه في بطء …تلاها خطوات أسرع …حتى وقفت والفارق بينهما الطاولة الزجاجية التي تفصل البائع والمُشتري…
ران صمت بينهما في ابتسامات وحياء شديد منها ونظرات تسلية ولهفة بعينيه….ثم قـال وأخرجها صوته القوي من ظنها بأن هذا حلما اكيد :
_« الساعة بتاعتك وقعت تاني….في مكتبي …»
كان وسيم لدرجة عالية ذلك الأسمر في معطفه الأسود على ملابسه الأنيقة……. وضع ساعتها على المنضدة فوضعت الوردة بالكتاب سريعاً دون ترتيب منها….ودفعتهم برجفة يديها على المنضدة وسحبت ساعة معصمها….
قالــت وخرجت منها الكلمات بالكاد في خضم هذا الحياء والفرحة التي ترفرف بقلبها برؤيته هنا….لعندها خصيصاً :
_« أنا أسفة أنها ….»
أهداها أجمل ابتسامة لديه وقال :
_ « متتأسفيش…. أنتِ ما قصدتيش ….. »
تخضبت وجنتيها بالحمرة الوردية ونظرت لساعتها في حياءٍ شديد وابتسامة كانت منتهى الصدق …
ارتبكت من صمته ونظراته بها …حتى قـال :
_ « ممكن تختاريلي باقة ورد من اللي موجودة….»
ارتاحت لمجرى الحديث وقالت وهي تنظر حولها لتتهرب فقط من نظراته :
_ « بتحب أي نوع ….؟ »
كان لا يدري كثيرًا عن أنواع الزهور …. حتى سقطت نظرته على الوردة الحمراء حبيسة الكتاب المُلقى أمامه على الطاولة….رفع الكتاب وفتحه حتى رفع الوردة أمام عينيها قائلًا :
_« النوع ده….»
خرج من المأزق بذكاء….فمضت هي ترتب باقة الزهور مثلما أراد….حتى وقعت عينيه على كلمات القصيدة الشعرية من الكتاب المفتوح….رددها بإعجاب شديد للكلمات التي ترنم على وتر المشاعر برقة…….
” لا تذكري الأمس إني عشتُ أخفيه..
إن يَغفر القلبَ….. جرحي من يداويه.
قلبي وعيناكِ والأيام بينهما..
دربٌ طويلٌ تعبنا من مآسيه..
إن يخفقِ القلب كيف العمر نرجعه..
كل الذي مات فينا….. كيف نُحييه……”
صوت جميل الإلقاء…واثق ..!
هناك نبرة تخرج خلف الكلمات تقصد شيء ….
تقصدك أنت…أو أحدهم …!
ولكنها تقصد شيء بالتأكيد …توقف بنظرة عميقة لعينيها …. بينما هي تركت ما بيدها وظلت متيبسة الحركة….
لو الف رجل قال تلك الكلمات ما كانت لتلتفت حتى …!
حاولت تخفي ابتسامتها وهي تعود لترتيب باقة الورد ولكن فضحتها رجفة يديها التي أعلنت أن هناك شيء يرتجف بالقلب ….
انتبه وجيـه لصوت ليلى مراد بالمذياع ….فقال ولا زالــت عينيه تتسليان بمرح من الارتباك الواضح عليها :
_ « صاحبتك سلمى النهاردة بعد المحاضرة اعتذرتلي عن اللي عملتيه أنتِ امبارح …. بس قولتلها أن أعتذارك وصل ….يا ليلى »
نطق اسمها….
انتبهت للتو أنها لم تخبره اسمها قط…تساءلت بحيرة :
_ « عرفت اسمي منين ؟! »
يبدو من ارتباكها أنها لم تفكر جيدًا وتربط الأمور …فاتسعت ابتسامته وأجاب :
_ « ركزي ….أنا قولت صاحبتك جت وأعتذرتلي …يبقى عرفت منين ؟!»
ابتلعت ريقها بارتباك شديد وعادت لتنهي باقة الورد من يدها …. وأخيرًا أنتهت بعد دقائق وأخذتها إليـه …. ظهر بعينيه بعض الضيق لسرعتها وقال :
_« جميلة أوي….»
ابتعدت بعينيها بارتباك حتى قال وعادت لملامحه الابتسامة :
_ « أقصد الورد….»
أجابت بتلعثم ونظرتها تتهرب بحياء:
_ « الحمد لله أنها عجبتك ….»

 

 

_« جدًا…»
نطق بتلك الكلمة ببطء…ولمحة تأكيد… ولا يعقل أن تلك الباقة البسيطة تجعله يبدو هكذا…وعينيه تلتمع كأنه وجد ضالته…أو شيء كان يبحث عنه طويلًا ….قال :
_ « هي الكتب دي للبيع ولا خاصة بالمكان هنا بس ؟ »
أشار لديوان الشعر الذي كان يقرأ منه منذ قليل….
نظرت ليلى للمكتبه وقالت وهي تكافح كي لا يظهر عليها الارتباك التي تشعر به واكتفت قائلة :
_« للبيع….بس مافيش غير نسخة واحدة غير النسخة اللي قدامك دي ….»
هز رأسه برضاء وقال :
_« تمام…. عايز النسخة التانية…»
مضت ليلى اتجاه المكتبة وحررت ابتسامة خبأتها من عينيه ثم أخذت النسخة الاخيرة من الكتاب …. ورسمت الجدية على وجهها مرةً أخرى وهي تلتفت وتعود إليه….
سألها ثمن باقة الزهور والنسختين من الكتاب ….أخبرته ….مع بعض التعجب أنه سيأخذ النسختين !!
وكي لا يشعرها بالحرج أكثر من ذلك وضع المبلغ بين أوراق نسخة الكتاب التي أتت به وقدمه لها قائلًا :
_« أنتِ بتحبي الشِعر زيي…أعتبريها هدية …»
كان وداعه ابتسامة وهو يأخذ النسخة التي كانت تقرأ فيها وباقة الزهور…..وقفت متجمدة للحظات من الدهشة ….انعقدت الكلمات بحلقها فجأة …. وحتى لو أرادت الرفض فأنه لم يترك لها فرصة !
أختفى من أمامها گ الحلم السريع …
أخذت المبلغ ووضعته بخزينة الطاولة ثم قررت المغادرة….يكفي تلك الدقائق لليوم…. وضعت الكتاب بحقيبتها بابتسامة حالمة …. فرحة لفرحة قلبها….لربيع الحب التي تتمناه القلوب …. لفارسها الأسمر…
ومر أكثر من عشرة أيام بعد ذلك …لم ترَ حتى طيفه…!
لم يهجر ذهنها ولو دلدقيقة..!
كانت تنتظر ظهوره كل لحظة ولكنه لم يظهر !
أجترت بالحديث مع صديقتها سلمى فعلمت أنه يأتي للجامعة گ المعتاد….!
إذن ما الحال ؟!
” التلاعب …”
شيء يتقنه شباب اليوم بحرافية…وتنخدع الفتيات بسهولة…..ابتلعت ليلى غصة مريرة بحلقها وعند مساء اليوم العاشر من أختفائه … اغلقت الباب الجرار للمحل وسقطت عينيها دمعة من الخذلان….
أو بالأصح من غبائها وسذاجتها …!
وهي ابنة الخمسة وعشرون عام …كان لابد أن تتخلى عن شعور المراهقة هذا ! وتكن أنضج من ذلك !
هطلت السماء بالمطر بعنف…. نظرت حولها بملابسها المبتلة من ماء المطر ولم ترَ أي سيارات أجرة بالطريق…!
يبدو الطريق خالِ تمامـًا ….
تنهدت بخنق وهم ثقيل يملأ رئتيها وقلبها…. والرؤية أمامها كئيبة وضبابية …. أشتدت الرياح بقوة وهوت على الأرض “المفاتيح ” التي غفلت أن تضعها بحقيبتها فأنحنت لتلتقطها….
لترى فجأة قدمين طويلتان ببنطال أسود ..استقامت ببطء وهي ترفع رأسها حتى تسمرت عينيها أمام عينيه المبتسمة !!
يقف بمعطفه الأسود الجلدي وبأحد يديه مظلة مطر كبيرة حفظتهما من قطرات الشتاء…
كيف يفعل بها هذا …كيف ؟!
وكيف للبعض أن يأخذ منا بهجة الحياة وتعود فقط عندما يعود..؟!
لاحظ أن عينيها حمراء ببريق دموع…وطيف عتاب لم يفصح بالحديث أي كلمة !
قال بابتسامته المطمئنة الهادئة وبصدق :
_« جيت عشانك …»
كلمتان طمسا أيام من الغياب !
ماذا أيضاً…؟!
لفت يدها حولها واجتاحتها برودة شديدة ورجفة تسربت لكافة أنحاء جسدها… ورغم كل شيء ولكنها أرادت ان تبتسم من نفسها !
كأنهما على موعد وتأخر لبعض الوقت !
قالـت برجفة ورغبة جامحة بالركض من أمامه ورغبة أقوى بالركض إليه :
_ « بعد أذنك …»
تحركت خطوتين مبتعدة عنه فأوقفها بصوتٍ قوي :
_ « ليلى ….أنا بحبك …»
تجمدت گ الثلج ووقفت مكانها …..جف ريقها تقريبًا حتى أقترب تلك الخطوتين وقال بابتسامة دافئة :
_ « أنا عارف أنك هتستغربي…إيه الجديد؟
أنا نفسي مستغرب….بس هو احساسي ..وأنا عارف نفسي …٣٣سنة أظن مش معقول ما ابقاش لسه مش عارف أنا عايز إيه.! »
نطقت بالكاد وهي تبتلع ريقها بقوة :
_« عايز …إيه ؟ »
امتلأت عينيه بالدفء وقال :
_ « عايزك أنتِ يا ليلى ….بأسرع وقت…عايز اقابل أهلك….أنا عرفت عنك كل حاجة …في الكام يوم اللي فاتوا ….ما نستكيش لحظة….»
ابتسمت وامتلات عينيها بالدموع …وسرى دفء بقلبها من فقط…كلمات….
ولكنها أغلى الكلمات لقلبها …!
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
شعرت بيد رقيقة توضع على كتفها
فأنتفضت ليلى من غفوتها التائهة وهي جالسة بالمسجد وقد تذكرت أجمل ما مر عليها من ذكريات …وللذكريات بقية !
نظرت لها الممرضة “منى” وقالـت :
_« تعالي معايا ….لقيتلك أوضة فاضية وبعيد عن أوض المرضى….تقدري تباتي فيها ….»
نظرت لها ليلى للحظات حتى تستوعب ما تقوله الممرضة بعد شن الذكريات حملة حنين على قلبها وخاطرها…..
تعجبت …!
سألت مرارًا عن الأمر وقُبلت بالنفي التام …لماذا الآن ؟!
انتبهت لصغيرتها وهي ترتجف قدميها اسفل الغطاء الخفيف المدثرة به مع العجوز….قالت بموافقة دون أن تفكر ما خلف الأمر :
_« جاية معاكِ ….»
حملت أبنتها الصغيرة وهي تكاد تفقد الوعي. من شدة الدوار الشديد برأسها….

 

 

➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
كان يحتاج لبعض الهدوء. …بعد هذه الكوكبة من المشاعر والحنين المقاتل بالبقاء ….
يعرف أنها ستدرك أنه خلف ما سيحدث لها منذ اليوم…. كم يريد الانتقام منها والأخطر أنه يريدها هي أكثر من أي شيء….وللآن يحاول أن يبعد كلا الاختياران عنه..
أتى بمكتبـه طبيب شاب … يرتدي نظارة طبية سميكة…تقليدي المظهر…ورغم ما يحمله من وسامة ولكنه يهمل مظهره لدرجة كبيرة…..تنحنح أمجد وقال بتهذيب :
_« ممكن اتكلم مع حضرتك شوية يا دكتور ….؟ »
أشار له وجيه بالجلوس وادرك عن أي شيء سيتحدث د.أمجد ….فبدأ أمجد الحديث بتلعثم يشبه خجل الفتيات المراهقات :
_ « أنا عارف أن خلاص …أقصد يعني … الموضوع اللي كلمتك عنه …. واتناقشنا وكان أنتهى ….»
لما الحب يجعلنا مثابرين لهذه الدرجة التي تكاد تجعلنا نحط من كرامتنا ؟! ….. لم يتعجب …فهو يعلم جيدًا خطر أن يحب رجل بمنتهى الصدق….!
أجــاب على الطبيب الشاب بهدوء :
_« سمر بتعتبرني أخوها الكبير يا أمجد….. لما اتكلمت معاها عنك واديتها فرصة تفكر أختارت د. محمود …”خطيبها “وهيتجوزوا قريب…أظن مافيش داعي اتكلم معاها تاني ! »
ظهر الحزن على وجه أمجد لدرجة لم يكن وجيه يتخيلها ….حتى قال ونبرة الألم تشتعل مع كلماته :
_« وأنا كمان بعتبر حضرتك أخ ليا…. أنا متأكد أني أكتر واحد هيحافظ عليها وهيصونها…هيحبها من كل قلبه …. بس هي موهومة للأسف …»
هز وجيه رأسه وفهم مقصد أمجد ….فقال :
_« د.محمود أكبر من سمر بـ١٦ سنة تقريبـًا أو يمكن أكتر…حاولت أفهمها كده ….أن ممكن جدًا يكون ميلها ليه لأفتقادها والدها من صغرها …خصوصـًا أني كمان مكنتش موافق على محمود گ شخص ولكن مقدرش أفرض عليها رأي…..هي حرة في حياتها ..»
تحدث أمجد والألم يلتهب بنظراته :
_« أنا خايف عليها أوي…..وخايف معرفش أنساها … حاسس أن بمجرد ما تبعد عني مش هعرف أحب تاني ..!
أنا بحبها من زمان يا دكتور وحاولت مليون مرة أنساها ومعرفتش ! اتعلقت بيها كأني متعلق بآخر حاجة باقية في حياتي….! »
هز أمجد رأسه برفض لمجرد فكرة ابتعادها عنه وقال بضيق شديد :
_ « فكرة أنها تبقى لحد تاني ومع حد تاني بتخليني عايز أمشي لأبعد مكان عنها….أنا حتى لما كنت بنجح في شيء كنت بجري عليها وأفرحها قبل حتى ما اسيب لفرحتي مساحة أحس بيها !
أنا مش عارف هيبقى عندي حماس أصلًا أكمل في احلامي ولا لأ ! »
رد وجيه ببعض الشرود:
_« التعلق بشخص بيخلق أزمة في حياة البني آدم… بيخليه يقسم كل خطوة لأحلامه على اتنين…. فطبيعي لما الطرف التاني يبعد الشخص ده بيفضل واقف في مكانه لفترة لحد ما يفوق ويعرف أنه كان غبي لما دخل في أحلامه شريك! »
تسائل أمجد بحيرة والم:
_« طب وتفتكر يا دكتور وجيه الشخص ده محتاج أد ايه على ما يفوق؟ »
أجاب وجيه عليه بفلسفته:
_« للأسف…. ممكن تقعد سنين مش عارف تخطي خطوة واحدة… لأن ببساطة مش مصدق أنهم فعلًا سابوك ومابقوش جانبك…. أو لسه عندك أمل أنهم يرجعوا من تاني….
أحنا ساعات بنضيع أحلامنا على ناس ضيعونا أحنا وأحلامنا!»
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
بمنزل العائلة….
أمام شاشة تلفاز كبيرة يجلس أمام الثلاثي…يوسف ،رعد،وآسر….
أنهى يوسف آخر قطعة من طبق “الكيك” وقال مبتسمـًا :
_« الحمد لله أن جاسر نام قبل الماتش…وإلا كان هينفخنا…. المرة اللي فاتت لما الزمالك كسب اكلني بليلة غصب عني…طب وأنا مالي ؟»
نظر له رعد بضحكة وقال :
_« مش عارف لما يصحى ويكتشف أن فريقه خسر الماتش هيعمل فينا إيه ….»
تطلع بهما آسر بسخرية وقال :
_« الحمد لله أني مش كروي أوي زيكوا كده …عندي اهتمامات أهم …»
أشار لهم يوسف ليصمتوا ثم همس :
_ « أناحاسس أن في حد ورانا….تكونش الدادة سعدية ؟! »
نظروا الثلاثة خلفهم ليجدوا جاسر يقف وشفتيه السفلى أسفل أسنانه بغضب ….فرا رعد وآسر هاربين بينما تجمد يوسف للحظات وقال :
_ « حاسس أني اتشليت فجأة كده ليه … ! »
قال جاسر بتوعد ونظرة انتقامية :
_ « الزمالك خسر ؟! »
بالكاد نهض يوسف بجسد ثقيل وأشار له بيده :
_« كانوا عظمة….اقسم بالله كانوا عظمة وأنا هعلن زمالكويتي بكرة قدام المستشفى كلها ….انا أخوك الصغير يا جاسر ومافيش منتخب هيعوضك عني …! »
وقع نظر جاسر على كوب كبير به مشروب ابيض دافئ لزج….فأشار له قائلًا بغضب :

 

_ « إيه ده ؟! »
نظر يوسف للكوب ووضع يده على فمه بقلق ثم قال موضحا وهو يبتعد ببطء :
_ « ده سحلب…. أقسم بالله سحلب وعليه سوداني ….أوعى يكون اللي في دماغك؟! أنا برضو أاكلك بليلة ده أنت حبيبي ! »
حمله جاسر على كتفه بعصبية بينما يوسف يستغيث :
_ « يا أ هـــل البيت….يا جــــــــــدى ….»
القى جاسر يوسف على السجادة المفترشة أرضية قاعة الرياضة الخاصة بهم وقال بتوعد :
_« جايلك…لما اجيب الاتنين التانين من أقافهم ..»
ردد يوسف الشكر والحمد:
_ « الحمد لله …مش هضرب لوحدي …»
هم باللحاق خلف آسر الذي قبض عليه خلف أحد الستائر بغرفته بينما وجد رعد بخزانة الملابس …خرج رعد من الخزانة بثقة وقال :
_« بقولك إيه أنا مستخبي في الدولاب مش خوف منك….أنا خايف عليك مني….أنت حبستهم فين ؟ »
صاح جاسر به :
_« في صالة الجيم …هتيجي من سكات ولا …»
قاطعه رعد :
_ « هاجي طبعا…يلا بينا …»
احتدت الشجار بين الشباب وسط ضحكات منهم حتى دق على باب صالة الرياضة أحد…فتح جاسر الباب ليجد الجد “رشدي ” يقف أمام الباب بروبه الرجالي الذي ترجع موديله لسنوات ماضية ….وعلى رأسه طاقية مثلثية من التريكو …..
دلف الجد للغرفة ونظر للشباب الثلاثة الذي يتضح انهم تلقوا كثيرًا من الضرب …هتف بجاسر وهو يشير ليوسف :
_« أدك ده عشان تضربه يا حيوان …»
قال يوسف وهو يلملم خصلات شعره الأسود الطويل بعض الشيء :
_« ضربني وقطعلي هدومي يا جدي….وشدني من شعري …»
هز رعد وآسر رؤسهنا في تأكيد وقالا :
_« حصل وأحنا شاهدين …»
أشار جاسر لهما الثلاثة وقال :
_« عارف التلاته اللي زعلان عشانهم دول يا جدي …أهلاوية…أنت مربي ٣أهلاوية في بيتك يا جدي …. »
نظر الشباب الثلاثة لبعضهما في توجس…حتى نظر جدهم بتفحص وهو يقترب لهم …وتساءل :
_« الكلام ده صح ؟! »
هز الشباب الثلاثة رؤسهما بإيجاب …القى الجد رشدي نفسه عليهم هم الثلاثة وبدأ باللكلمات …فكتم جاسر ضحكته في شماته وقال بضحكة :
_« أنا كده عملت اللي عليا….ليلة سعيدة يا شباب …»
قبّل يوسف رأس جده بتوسل :
_« هنخسر بعض عشان ماتش …ده أنا بحبك أكتر من مو صلاح يا جد قلبي….»
قال الجد وهو يلكمهم الثلاثة :
_ « وأنا كمان بحب صلاح يا حيوان بس هضربكم برضو….»
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
دخلت ليلى بغرفة كبيرة بها سرير كبير وعدة أغطية…وأيضا به حمام خاص وشاشة تلفاز صغيرة معلقة على الحائط…تعجبت من الأمر لأنها ظنت أن الغرفة أبسط من ذلك بكثير…!
وضعت ابنتها النائمة على الفراش ودثرتها جيدًا حتى ظهر على ملامح الصغيرة راحة الدفء ….قبّلتها ليلى من جبهتها بحنان ثم قالت الممرضة منى :
_ « في وجبة جيالكم دلوقتي…صحي بنوتك عشان تاكلوا قبل ما تناموا….»
التفتت ليلى لها برفض وقالت :
_« لأ…أنا هطلع اجيب أكل ليا ولبنتي..ما تتعبيش نفسك …»
تذكرت الممرضة تعليمات الدكتور وجيه لها برعايتهم بسرية تامة…فقالت بلطف :
_« بدل ما تتعبي نفسك هجيبلك أنا وجبة من هنا بسرعة!…»
بدأت تشك ليلى أن هناك شيء خلف تصميم الممرضة..وأن قبلت الاقامة بالغرفة لأجل صغيرتها فأنها لا تقبل أن تطعهما بالشفقة…..رفضتت بتصميم :
_« لأ….هطلع دلوقتي أجيب اللي محتاجاه ….متشكرة أوي لتعبك معايا….اللي طلباه بس تخليكي مع بنتي لحد ما أرجع …»
ولم تمهل الممرضة وقت كي تقدم لها أي خدمة أخرى…. خرجت من الغرفة سريعاً…..ثم تسللت من باب آخر للمشفى يخص وقوف السيارات ” الجراچ”….حتى لا ينهال عليها الأسئلة من حراس المشفى…
وفي الطريــــق ….
صفرت الرياح بقوة….ودموع الذكريات تضج بعقلها وبقلبها…ليت ما كانت ما أيقظتها الممرضة…كانت تجد بهذه الذكريات مواساة… ربته حنون على عمرها الضائع…
انتفض جسدها من شدة البرودة وهي تنظر بتيهة وتتفقد أي منفذ بيع للبقالة حولها….ولكن يبدو أن الجميع أغلقوا أبوابهم من شدة المطر…
وقفت فجأة سيارة بعرض الطريق…لمحت شبيهتها منذ دقائق بجراچ المشفى…ربما هي السيارة !
وخرج منها…هو …!!
وكأن الزمن يعود بهما لعشر سنوات ماضية بذات المشهد…ولكن القلوب زاد على محبتها بعض…الأنتقام …والألم ..
وعينان تعترفان بمنتهى الحب…ولكن اقسمت على العقاب وأن كان أولًا…!
ولكن…
هناك حب گ “المنتهى ” گ أشد جميع المشاعـر بالقلب…گ الوقوف على تلة الجبل دون خوف من هاوية السقوط!
كأن الحب هو خمر المشاعر..وأخلاط الطيب بالأنفاس..ودواء منه الشفاء لعلة..وأثار جانبية تهدم فوائده.

يتبع…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *