روايات

رواية قلبي و عيناك و الأيام الفصل الثاني و العشرون 22 بقلم رحاب إبراهيم حسن

رواية قلبي و عيناك و الأيام الفصل الثاني و العشرون 22 بقلم رحاب إبراهيم حسن

رواية قلبي و عيناك و الأيام البارت الثاني و العشرون

رواية قلبي و عيناك و الأيام الجزء الثاني و العشرون

قلبي و عيناك و الأيام
قلبي و عيناك و الأيام

رواية قلبي و عيناك و الأيام الحلقة الثانية و العشرون

~…فرصة حب أخرى …~
ونشتاق لرؤية أحدهم والمسافات قريبة ….بينما كل ما يعثّر الخطوات دقات من الكبرياء …..
كأن عندما نتظاهر بالتجاهل سيمحى بريق اللهفة بالعين !
ترك آسر الصبي يُعيد ترتيب المنـــدرة بينما ظل واضعاً ذراعه الأيمن على جبينه ويخفي قلق عينيه عن تخمين الصبي لما يشغل الخاطر…….
لا يستطع السؤال عنها أولًا …ولا يستطع الذهاب للأطمئنان ! …ربما لو كان لا يشعر بشيء اتجاهها لكان الأمر أيسر حال، وظهر طبيعيًا گ سؤال طبيب على مريضة ليس إلا !
لكنّ هناك شيء بينهما ….شيء گ رابط رغم شفافيته ولكنه عزيز گ العهد !
ما هذا الشيء الذي يجعله يفكر بها كثيرًا لهذا الحد وما بها شيء مميز تحديدًا يلفت الانتباه ؟!!
أطلق تنهيدة عميقة من فمه وهو يعتدل ….. وقد تبقّى القليل وينتهي الصبي من تنظيف المكان …..قال وهو يرتب الأريكة المقابلة لآسر :
_ تحب تتغدا إيه النهاردة يا دكتور ؟
مضى آسر بخطوات متكاسلة اتجاه زجاجة مياه بجانبها كوب فارغ ….صبّ منها القليل بالكوب وارتشف المياه دفعة واحدة ثم أجاب بعد ذلك :
_ مش لازم تتعبوا نفسكم يا نعناعة ….. أنا وأخواتي بنعرف نتصرف ….
أنتهى الصبي أخيرًا من التنظيف حتى جلس على الأريكة وهو يتنفس بإرياحية ثم قال مبتسمًا :
_ ولا تعب ولا حاجة …. قول نفسك تاكل إيه وهخلي الجماعة يطبخوه …..
صمت آسر بتفكير للحظات ثم وضع الكوب من يده واستدار للصبي في نظرات ماكرة ….وقال :
_ آه صحيح نسيت أقولكم على موضوع الأكل ده …ما تخليهاش تاكل مسبك أو دهون أو أي حاجة فيها شطة …. يستحسن ويكون أفضل بصراحة أنها تتعود على المسلوق ….
هز الصبي رأسه كأنه كان يفهم الأمر مسبقًا وقال بثقة :
_ أيوة عارف …..أمي عملت الواجب بصراحة…..دبحتلها بطة وجوزين فراخ ….البت هفتانة ولازم تتغذا ….
تسمر آسر للحظات ونظر للصبي بغرابة ودهشة …..فتابع الصبي بنظرة عين بها تأكيد :
_ وفطرناها رز بلبن ….. حاجة خفيفة كده على ما تشد حيلها …..
قال آسر بصدمة :
_ بطة وفرختين حاجة خفيفة !! …. ليه هي كانت بتتغدا إيه قبل ما تتعب ؟ …..جمل !
ضحك الصبي بعفوية وأجاب :
_ لأ ….. بس اهو بنحاول نفتح نفسها ، هي بتحب البط ….دمعتها قريبة البت دي وبتزعل من أيوتها كلمة …..بعد جوز عمتي الله يرحمه ما مات فضلت ياعيني يجي شهر تعبانة ومش قادرة تاكل ….ومن يوميها والمرض مسكها ….
ابتلع آسر ريقه بغصة …يفهم أي شيء مرت به ….
فراق الاب ….شيء گ الروح التي انفصلت عن الجسد إلا قليلا ….وهذا القليل بقايا منا …..ينتظر الأجل ليكون الأنفصال أبدي

 

وننتهي …وينتهي معنا هذا الألم ….
عبس وجه الصبي الصغير الذي لم يكّمل حتى الخامسة عشر عامًا وأستطرد في القول:
_ أنت لو شوفت جوز عمتي ده يا دكتور آسر كنت عذرتها …..كل أهل البلد كانوا بيحبوه ….. كان طيب أوي وشهم …..سما دي كان ضحكتها ما بتفارقهاش …وعمتي كانت صحتها زي الحديد …..لما مات عمي مصطفي عمتي مقدرتش توقف على رجليها تاني من بعده، وجتتها اتملت أمراض …. والبنات حتى في عز الضحكة بحس أنهم حزانا !
جلس آسر على فراشه مرةً ثانية وعينيه شاردتان …..أي شوق يسوقه إليها الآن ؟!
وهل شدة اللهفة هذه مصدرها شفقة …أم كانت ساكنة بالأساس في قلبه ومتوارية بإنتظار إشارة البدء فقط !
كان الصبي يتحدث عن عدة أشياء أخرى، وآسر سبح بخياله في اتجاه آخر ……وفجأة انتبها سويًا إلى صوت جميلة وهي تهتف من الخارج ، وتناشد الصبي نعناعه لكي يخرج وتخبره شيء …..
استأذن الصبي للحظات وترك آسر على شروده ……
لم يعبأ آسر ولم يميل ظنه باسم والد سما ….الكثيرون يحملون هذا الاسم من الفلاحين والمزارعين…. لم يفكر ولو للحظة أن والد ” سما ” يكون عمه المتوفي !
كل ما كان يشغل فكره الآن تلك الفتاة الحزينة العينين ….التي تقابله دائمًا بعصبية ونفور غير مبرر ….ونظراتها بها شيء آخر يتحدث بصمت …. ربما هذا التناقض ما لفت نظره إليها وجعله مشغول الفكر دائمًا ….. ربما كان الأمر فضول ليس أكثر ….
دخل الصبي بعد لحظات وقال له :
_ عمتي عايزة تشوفك يا دكتور ….كويس أنك ماروحتش الوحدة النهاردة ….
تعجب آسر من الأمر وسأل الصبي :
_ ليه ؟ ……في حاجة تاني حصلت ؟ ….
انتابه القلق من جديد ونهض من فراشه بحركة سريعة ……أوضح الصبي قائلًا :
_ لأ الحمد لله مافيش حاجة …..هي عايزة تستفسر منك على الأشعة اللي قولت عليها ….من وقت ما عرفت وهي خايفة وبتعيط …..
قال آسر بتساؤل :
_ هو العمدة رجع ؟ …..
رد الصبي بنفي وقال :
_ لأ لسه مارجعش من السوق …..هو مشغول اليومين دول عشان فيه مشاكل بين التجار في السوق وهو بيصلح الأمور مابينهم فهتلاقيه اكتر الوقت مش هنا ….. ماهو أي مشكلة بتحصل في البلدة بيقولوا ياعمدة …. والبلد مليانة مشاكل …..
ظهر التردد على وجه آسر …فإن كان يذهب دون تردد فهذا لأمر طارق لا يقبل التفكير … ولكن الآن لا يعرف أن كان يذهب أم لا …فهم الصبي حيرته وقال بغيظ :
_ هو أنا مش عاجبك يا دكتور ؟ ….لو أبويا مش موجود فأنا موجود واملا مكانه ….
ابتسم آسر له وقال بلطف :
_ لا طبعا ما اقصدش كده ….بس هنا في عادات وأصول أكتر شوية فلازم أخد بالي قبل أي تصرف ….ولا إيه ؟
رد الصبي قائلًا وهو يجذب معصمه ليخرجا من المكان :
_ لا ما تشغلش بالك …طالما أنا معاك أطمن …. عمتي عمالة تبكي بالله عليك تطمنها على البت سما ….
سحب آسر ذراعه من يد الصبي وقال بظل ابتسامة على شفتيه :
_ طب دقيقة وهاجي معاك استنى ….
تحرك آسر اتجاه خزانة الملابس وأخرج منها رداء رياضي أبيض اللون من ماركة شهيرة …كان يحب هذا الرداء كثيرًا ويحب مظهره وهو يرتديه ……
دخل الحمام وظل داخله لأكثر من خمسة دقائق …..وخرج وهو يرتديه ويبدو أنه مشط شعره بكريم رائحته منعشة ونفاذة …..انبهر الصبي بأناقته وقال بإعجاب :
_ حتت ترنك عجب …..الا يعمل كام ده يا دكترة؟
ابتسم آسر بزهو وهو ينظر لنفسه في المرآة سريعا واستدار له مجيبا بثقة وضحكة خافته :
_ ترنك !! …..أوعدك لما ارجع القاهرة ابعتلك واحد هدية …..
تحمس الصبي في بهجة قائلًا :
_ دكتور رعد هيجبلي ساعة وأنت ترنك ….فاضل الجزمة وطقم شرابات …..
ضحك آسر على قوله وتذكر يوسف وجاسر …..وبعد ذلك خرجا معاً حتى المنزل المجاور …..
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
كانت أشعة الشمس الخفيفة تتسلل من النافذة بجوارها ….وكان فراشها الممددة عليه يقرب للإرتفاع البسيط للنافذة ….
كلما تذكرت لمسة أنامله ينتفض جسدها خجلًا وحياء …وشيء آخر ….كلما تكرر المشهد أمامها تصرّ على أسنانها من الضيق ….وما تدري هل مفعول الدواء هو من مدّ جسدها ببعض الطاقة والحركة أم ضيقها وغضبها من هذا الأمر ….
نطرت الغطاء من عليها وقررت أن لا تجلس ولا تترك عقلها للتفكير بهذا الأمر أكثر من ذلك …. وبكل الأحوال هي لا تحب أن ترى نفسها طريحة الفراش هكذا …..
نهضت من الفراش وكعادتها الروتينية… احكمت غطاء شعرها قبل أن تخرج من الغرفة …..تسللت رائحة جميلة لأنفاسها … رائحة نفاذة كأنها مزيج من روائح الزهور …..
انتعشت أنفاسها وشعرت ببعض الراحة وكان للامر مفعول جيد لنفسيتها القلقة المتوترة ….. خرجت من الغرفة وامتزجت تلك الرائحة مع رائحة الطعام الذي يُعد ….. شعرت بالجوع فجأة وتبدل عبوسها عندما شاهدت أمها تخرج من غرفتها الخاصة

 

 

بمساندة زوجة الخال ….
توجهت سما إلى أمها سريعاً وأخذت الجانب الآخر في مساندتها، فابتسمت لها أمها بمحبة وقالت بصوتٍ ضعيف :
_ كنت جيالك يا حبيبتي …..لسه تعبانة يا قلب أمك ؟
أجابت سما بابتسامة حنونة :
_ لأ يمه ….أنا زي الفل طول ما أنتِ بخير …..أنا قدامك أهو زي الحصان ….
كانت الرائحة تقترب أكتر وتتخلل الأنفاس ….جلست وداد على أريكة مقابلة لباب المنزل وهي تأخذ أنفاسها ببعض الصعوبة …..قالت زوجة العمدة :
_ هروح اساعد البنات في الغدا عشان العمدة زمانه في الطريق ويمكن حد يجي معاه ….
ذهبت المرأة من أمامهنّ….ابتسمت وداد لأبنتها وقالت بمحبة وهي تتحدث بالكاد :
_ شغلتي بالي عليكي بابنتي ….جيتلك من شوية بس كنتي نايمة محبتش أقلقك …. فضلت ادعيلك من الفجر لحد الضحى …. ربنا يريح قلبي عليكِ ويريح بالك …. والله ياسمكة أنا حاسة أنك هتاخدي واحد يشيلك في نن عيونه ويرجعلك ضحكتك الشاردة منك ….
وقفت غصة بحلق سما رافقها دمعة لم تحب أن تظهرها ….ابتسمت لأمها وقالت وهي تجلس على الأرض عند قدم أمها ….داعبت قدميها بمشاكسة حتى ابتسمت وداد ضاحكة بصوتِ واهن …..فقالت سما :
_ بحبك يمه ….. وكان عنده حق أبويا يتحدى الدنيا عشانك … ده أنتِ زي الأرض الطيبة اللي مابتجرحش زرعها حتى وهي شراقي …..
ابتسمت وداد بعينيها السوداء اللامعة بدموع وقالت شاردة :
_ أبوك …..الله يرحمه ، ولا كان ولا هيكون راجل يملا عيني غيره ولا حتى ربعه …. ربنا يبعتلك راجل يكون ضلع قلبه سليم زيه ….قلب مايعرفش غير الأمان والحنية ….
اخفضت سما عينيها التي ظهرت فيهما الدموع بوضوح وتظاهرت بتمسد قدمي أمها ….. لا أحد مثل أبيها ….. سقطت دمعة واحدة من عينيها على ملابسها حتى قالت الأم فجأة بصوت مغمور بالترحيب :
_ أتفضل يا بني ……
انكمش ما بين حاجبي سما ورفعت رأسها بالتدريج للاتجاه الجانبي ….فوجدت آسر يقف بطلته الأخاذة هذه …ناظرًا لها بنظرة فيها دفء غريب …..وحاولت أن لا تصدق أن ما يلتمع بعينيه وكأنه شوق ….أطرف عينيه بتضيقة بسيطة وطلت على شفتيه ابتسامة حتى قال :
_ السلام عليكم ….
بلحظة وجدت نفسها واقفة على قدميها لا تعرف كيف ….ابتلعت ريقها بارتباك شديد وتمتمت بخفوت وكأنها ترد السلام ……. اصطكت أسنانها من فرط التوتر وكأن الحمى عادت لها من جديد …..حتى أشارت للغرفة قائلة بتلعثم لأمها :
_ أنا ….جاية ….لأ رايحة ….أوضتي …بالإذن ….
ركضت سما بخطوات سريعة …
وأتى الصبي من خلف آسر وهو ينفض ملابسه وقال بنرفزة لعمته :
_ المعيز اتفك رباطهم وكانوا هيبهدلوا الدنيا …..لحقتهم الحمد لله …..
نظر لآسر المبتسم ابتسامة غامضة وعينيه باتجاه غرفة سما ……قال الصبي وهو يشير له بالدخول :
_ اتفضل يا دكتور واقف ليه !!
ابتسمت وداد له بوجهها البيضاوي البشوش …..دخل آسر المنزل بعدما كان يقف على عتبته ….ولكن أخذه وجه السيدة وداد ….. متأكد أنه رآه من قبل !!
قالت هي بشكر :
_ كتر خيرك يابني على معروفك ….معلش أخرناك النهاردة على شغلك ….
رد عليها وهو ينظر إليها بنظرة متمعنة وكأنه يحاول أن يتذكر متى رآها !! …فقال :
_ لا أبدًا ….أنا حسيت بصداع شديد ومقدرتش اروح الشغل النهاردة …. مافيش تأخير ولا حاجة …..هو حضرتك روحتي القاهرة قبل كده ؟ ….حاسس أني شوفتك قبل كده !!
كان آسر صادقًا في قوله ….ابتسمت له وداد مرةً أخرى وقالت :
_ كنت بروح مع جوزي الله يرحمه …بس مروحتش كتير …هما مرتين تلاته كده….. أنا مابعرفش أعيش غير في الريف ….
صمت آسر بحيرة تفوقت حتى على لهفته اتجاه سما ….وجه المرأة مألوف لديه لدرجة مثيرة للدهش ! …..
تابعت وداد حديثها وتبدلت تعابير وجهها للقلق :
_ طمني على بنتي يا دكتور ….فيها إيه ؟
ظهر الصدق بإجابته وقال بلطف :
_ متخافيش ….مافيش حاجة تقلق ، مجرد أجراء للتأكيد بس وعشان أعرف اديها العلاج المضبوط اللي تاخده وما يتعبهاش ….وكمان هي ماخلتنيش أعرف اكشف عليها ….
قالت وداد وأجابت عليه :
_ هي بتتحرج وبتتكسف من أي دكتور راجل ….من صغرها وهي كده ….
تركهم ودخل للمطبخ حيث الفتيات …..
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
استمعت سما من خلف باب غرفتها للحديث …كانت تبتسم ووجهها قد اصطبغ بحمرة شديدة ……
لأول مرة ترآه ولا تغضب أو تصبّ عصبيتها عليه ….بل وكأنها فرحت سرًا برؤيته ….ابتسامة عينيه ودفئهما كأنه أتى إليها خصيصًا !! ……
دق قلبها بسرعة عالية من منحنى فكرها …..ايعقل أن يكون شاب بهذه الوسامة وطبيب أيضا يلتفت لفتاة مثلها ؟!
بسيطة في كل شيء !!
ما أعجبه فيها ؟! …. وما لفت نظره ؟! …..أم أن هذا وهم تتوهمه …يبدو أنها لا زالت مريضة وتفكيرها مشوش من الحمى ….
توجهت لفراشها وتمددت ، دثرت جسدها أسفل الغطاء ولا زالت تبتسم بابتسامة نابعة من داخلها ….. لأول مرة يجري بداخلها هذا الشعور ….وتلك المشاعر ….مشاعر جميلة ، طاهرة ، نقية ، تريد القرب دون أن تشعر أن الله غير راضي ….. وأن القلب له حرية أظاهر السعادة أمام الجميع …..
يبدو أن خيالها ركض بها للبعيد ….. وطمعت بالكثير الكثير !! …..غباء أم سذاجة ؟!
قفي ….
الزمت نفسها بالتوقف عن التفكير وعبس وجهها فجأة ….ثم تسللت ابتسامة مرةً أخرى على شفتيها ….
وسامته وطلته بذلك الرداء الذكوري خطفت انتباهها ….غضت بصرها بالكاد …ولكن أن أجبرت عينيها وغضت بصرها …كيف تغض بصيرة القلب !
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
وقف الصبي بالمطبخ يُعد مشروب الشاي الساخن وتجمع حوله الفتيات المنغمسون بطهي الطعام ….نظر نعناعة للإناء المليء بحساء البط الساخن ……همس لجميلة قائًلا بنظرة حادة وتحذير :
_ فين الكبد والقوانص يابت …..
ابتسمت جميلة وكادت أن تضحك، حتى أخرجت طبق كبير مغمور بالسمن البلدي وبه ما يريد الصبي …ابتسمت الصبي ابتسامة واسعة وأخذ يلتهم ما في الطبق بتلذذ …قالت له جميلة بضحكة :
_ يلا عشان لما امشي تفتكرني وتعرف أني كنت بزغتك زي البط ….
قال نعناعة وهو يبتلع ما في فمه :
_ تمشي تروحي فين يعني ؟! …..ده أنتِ لو شافك الغول هيقول مشغول ! …..
ضحكت رضوى بقوة على قول الصبي بينما اغتاظت جميلة وخطفت الطبق من يديه قائلة بغيظ :
_ أهو عشان لسانك اللي عايز قطعه ده مش هتكمل أكل ، روح ودي الشاي قبل ما يبرد …..
ضحك أكثر ليغيظها وقد أخذ من الطبق ما يرضيه فما عاد يشتهيه ……
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
وبغرفــــة الفنـــــدق …..
بعدما عادت ليلى للفندق وساعدت صغيرتها على الخلود للنوم من جديد ….رن جرس الهاتف بالغرفة ، رفعت ليلى السماعة سريعاً قبل أن يوقظ الصوت صغيرتها …وأجابت :
_ الو …؟
أتى صوت جدها ” صادق” وقال :
_ أنا جدك يا ليلى …..وجيه كلمني ……
توترت ليلى وتعجبت أنه أخبره بما حدث ….شعرت بالحرج من الأمر حتى أوضح الجد قائلًا :
_ كلمني على موضوع شغلك ….. وبصراحة عنده حق ، شغل إيه يا ليلى االي عايزة تشتغليـه ؟!… أنتِ لا محتاجة الشغل ولا هينفع تشتغلي وتسيبي بنتك !
ابتلعت ليلى ريقها وهي تتنفس الصعداء …إذن يقتصر الأمر على هذا ….حسناً…..أجابت بهدوء :
_ أنا محتاجة الشغل يا جدي مش عشان الفلوس ….يمكن الأول كنت محتاجاه عشان الفلوس ….بس أنت الحقيقة مخلتنيش محتاجة لحد ….
رد عليها صادق ببعض الراحة في تعويضها عن ما مضى :
_ ده حقك ومالك يا ليلى ، أنتم ليكوا كتير أوي عندي ، بس عشان خاطر بنتك بلاش خاطري ….بلاش شغل ، بلاش بهدلة وأنتِ كمان مش حملها ، كفاية اللي شوفتيه ….ما تشغليش بالي عليكِ ….
صمتت ليلى ولم تجيبه ، فأضاف الجد بتصميم :
_ اللي أنتِ عايزاه هيوصلك وأكتر ، واقعدي عندك معززة مكرمة لحد ما اوصلك بإيدي لبيت جوزك ….بأذن الله قريب ، لما اتأكد أن الغمة أنزاحت …..
قالت ليلى بخوف صرحت به أخيرًا :
_ عمري ما هرتاح وصالح مختفي …..خايفة منه وخايفة ليظهرلي فجأة ويدمرلي حياتي تاني ،أنا مش حمل سنين عذاب تاني …..
تحدث الجد بتأكيد ليطمئنها :
_ هو هينتهي في كل الأحوال ، لو السوالم مخلصوش عليه ، هبلغ عنه ، هعمل أي شيء وابعده عننا كلنا بشره ….. وعشان كده ماينفعش تسيبي بنتك وتشتغلي ….
توترت ليلى على ذكر اسم هذا المجرم وقالت :
_ بس في الشغل موافقين أخدها معايا !

 

قال الجد بتوضيح :
_ شوية وهتلاقيهم غيروا رأيهم ، ده غير أن ريميه ضعيفة وهتبهدليها معاكي رايح جاي وفي الشغل كمان ….يبقى حرام عليكِ …..
تعذبت ليلى من حيرتها ونظرتها سُلطت على أبنتها النائمة ….ثم قالت ببعض التراجع بقرارها :
_ خلاص ماشي ….هفكر ….
انتهت المكالمة ووضعت ليلى سماعة الهاتف بشرود وقلق …..وبعد دقائق انتبهت لدق على باب غرفتها …..احكمت سريعا حجاب على رأسها وفتحت باب الغرفة …..
نظرت ليلى بثبات إلى جيهان …..لم يكن الأمر صادما …بل كانت تنتظر رؤيتها بعدما حدث …..قالت جيهان وهي تقف أمامها بنظرات ثابته عليها ….نظرات بها بحث دقيق عن ما يميزها تحديدًا ليحبها كل هذا الحب !!
قالت جيهان وكافحت ليبدو صوتها هادئ:
_ ممكن نتكلم شوية …؟
تنهدت ليلى وكم ودت لو ترفض ….ما سيكون محور النقاش سواه هو ؟! ….صمتت وهي تحاول البحث عن مخرج لائق للرفض ….حتى أضافت جيهان بنظرة جدية :
_ عايزة اتكلم معاكِ ضروري يا ليلى ….. أمر يخصنا أحنا التلاته ….
أشارت لها ليلى للدخول فقالت جيهان :
_ ممكن نتقابل في الكافيتريا تحت ؟
رفضت ليلى الأقتراح وقالت بإعتذار حقيقي :
_ أنا أسفة مش هقدر …مقدرش اسيب بنتي لوحدها هنا ….
تفهمت جيهان الأمر ودخلت الغرفة بخطوات بطيئة …..أغلقت ليلى الغرفة واستدارت لجيهان فوجدتها لا زالت واقفة ….أشارت لها لمقعدي بجانب الشرفة وقالت :
_ أتفضلي اقعدي …..
جلست جيهان بردائها الجذاب رغم حشمته ، عكس ما رأتها به منذ ساعات …..رفعت ليلى سماعة الهاتف وطلبت لنفسها قهوة ثم نظرت لجيهان متساءلة :
_ تشربي إيــه ؟
هزت جيهان رأسها بشكر وقاات :
_ لا مش لازم …ميرسي جدًا …
صممت ليلى فأخبرتها جيهان بتأفف على عصير الليمون لكي ينتهي الأمر …..اغلقت ليلى الأتصال وعادت جالسة بالمقعد الآخر قبالتها …..
ابتسمت جيهان وهي تنظر لها بنظرة تفحصية ….ابتسامتها ليس بها أي نوع من البهجة بل وكأنها ابتسامة انسان ينظر لألامه بعناد ! ……حتى قالت جيهان أخيرًا ؛
_ أنا عارفة أنك اكيد مستغربة من وجودي هنا ، واكيد برضو بتسألي نفسك يا ترى هكلمك في إيه ! ……
تنهدت ليلى سريعا وقالت بصدق :
_ مافيش بينا غير موضوع واحد ، اكيد هنتكلم فيه ….. بس قبل أي شيء حابة أقولك أن لما بنتي صرخت كانت بتصرخ حقيقي ، يعني مخليتهاش تصرخ قصد ، ولما وقعت من على السرير وقعت بجد ، اكيد يعني مش هوقعها واخليها تتوجع عشان وجيه يجي واستعطفه !
ابتسمت جيهان وظهرت بعينيها مرارة ساخرة وقالت :
_ أنا عارفة أنك معملتيش كده ، وعارفة أنه هو اللي جالك من غير ما تطلبيه ، أنتِ مش مضطره تستعطيفه يا ليلى ! …..
تنهدت بقوة وكأن الكلمات ثقيلة الحمل على قولها فتابعت بتلك الابتسامة المريرة :
_ عشان كده أخدت قراري …… أنا بطلب إيدك لجوزي …

يتبع…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *