روايات

رواية قلبي و عيناك و الأيام الفصل الثالث و العشرون 23 بقلم رحاب إبراهيم حسن

رواية قلبي و عيناك و الأيام الفصل الثالث و العشرون 23 بقلم رحاب إبراهيم حسن

رواية قلبي و عيناك و الأيام البارت الثالث و العشرون

رواية قلبي و عيناك و الأيام الجزء الثالث و العشرون

قلبي و عيناك و الأيام
قلبي و عيناك و الأيام

رواية قلبي و عيناك و الأيام الحلقة الثالثة و العشرون

~… حبيب قديم أم ماضي؟ …~
هل يمكن أن يحدث المستحيل ؟!
كان شيء أشبه بالمستحيل أن تطلب “جيهان” هذا الطلب وتحت رغبتها !! …. لا …لا يعقل أن تكون رغبتها هذه ! …..ربما أرغمها وجيه على ذلك …..ازدردت ليلى ريقها بعينين تلتمع من الدهشة والذهول …..فقالت بتلعثم :
_ اظن كان بينا أتفاق ! ….كنتي عايزاني أبعد ! ….ليـه دلوقتي غيرتي رأيك ؟! …عايزة أفهم سبب طلبك قبل أي رد مني ….
تركت جيهان ابتسامة المزيفة الساخرة على جانبي شفتيها ….كأنها آخر ما تبقى من كبريائها ….وأجابت :
_ من حقك طبعاً تفهمي ….وأنا مش هحاول ألف وادور عليكِ …. أنا لما طلبت منك تبعدي فكنت شايفة وهم …وهم أنه هينساكِ …. كنت فاكرة أني هقدر احافظ على بيتي …. اللي متأكدة منه أو بالأصح عرفته مؤخرًا …..أن وجيه طالما قرر شيء مش هيتنازل عنه ….وهو قرر يتجوزك ….
شحب وجه ليلى لبعض الوقت ….هي تعرف هذا الشيء ليس غريب …. ولكن أن تكن جيهان على هذه الدرجة من كشف الحقائق التي حتى لم تُعلن ، فهذا لأمر محرج بالنسبة لها …ويضع ليلى بمصاف سارقات الأزواج ….قالت ليلى بمحاولة دفاع عن نفسها وعنه وبقوة صوت صريح صادق :
_ وأنا هرجع وأقولك تاني ، وجيه كان يعرفني قبل ما يعرفك ، قراره بجوازه مني ده مش شيء جديد ، ده مر عليه ١٠ سنين ، يعني لا هو خانك ، ولا أنا سرقته منك ….
أخذت جيهان أنفاسها رويدًا وهي تتطلع بوجه ليلى المضطرب ، وعينيها الملتمعتان من العصبية والأنفعال وكثيرًا من التوتر ….قالت بمحاولة أن تبدو هادئة لتقنعها :
_ يمكن ده اللي خلاني أخد قراري وأنا مقتنعة أنه صح ، اللي غلط أن وجيه يفضل يجري وراكي ومش طايلك بالشكل ده …. أو يمكن أنتِ بتماطلي عشان تعلقيه بيكِ أكتر ! ….
قالت “جيهان” ذلك وظهر بصوتها فجأة الغضب والعصبية ، نظرت لها ليلى بغرابة للحظات ، وتركت لذهنها لحظات لتفكر ما خلف هذا الطلب ….يبدو أن جيهان تلعب لعبةً خطرة ، أو أنها تُكيد بمكر الأنثى متوارية خلف ستار المغلوبة على أمرها ….. قالت ليلى بنظرة مدققة بعين جيهان كأنها تتحداها :
_ أنا مش ببعد عشان أخليه يجري ورايا ، ولا ده قصدي لو كنتي فكرتي كده ، رفضي لطلب وجيه كان لسببين ، في سبب خاص بيا وبحياتي مش لازم أقوله …والسبب التاني أني وعدتك أبعد …
رفعت جيهان حاجبيها وكأنها تفاجأت بأمر رفضها …وقالت بنبرة مائلة للسخرية :
_ لو هنفترض أن ده حقيقي ، فأنا بفض أي اتفاق بيني وبينك ، بحلك من أي وعد ، وجيتلك بنفسي اطلبك لجوزي ، عايزة إيه أكتر من كده ؟!
ردت ليلى بحدة وهي تردد جملتها الأولى :
_ لتفترضي أنه حقيقة !! …..أنتِ مش مصدقة أني رفضت ؟! …تقدري تسألي وجيه وهيقولك الحقيقة …..
تمالكت جيهان أعصابها التي بالفعل خرجت عن نطاق الهدوء …..وقالت بابتسامة مزيفة :
_ أنتِ بتهربي ليه يا ليلى من موضوعنا الأساسي ؟! …. خلينا في المهم ….لو عايزة تعرفي بقولك كده ليه لأني مش شايفة أن بيتي بيستقر ، شايفة فيه توتر وجوزي دايمًا باله مشغول ومش مبسوط ، فلو كان ده هيسعده فأنا عايزة اسعده ، أعتبري أني عملت كده عشان احفظ كرامتي …وبدل ما يكون غصب عني يكون برضايا وبطلبي كمان ….
صمتت ليلى وقد ظنت بالفعل أن هذا السبب الحقيقي ….أضافت جيهان وهي تنهض من مقعدها :
_ تقدري تقولي لوجيه عادي ، أنا ما اتكلمتش معاه ولا هو يعرف أني هعمل كده ، حبيت أثبتله أني يهمني سعادته قبل سعادتي …..لأني بحبه ….
شعرت ليلى بغصة من قول جيهان ، ولا حتى تستطع أن تترك لشعورها العنان كي تغتاظ منها …. فالحقيقة أن موقف جيهان لا يحتمل ….
توجهت جيهان اتجاه الباب فقالت ليلى بأدب الضيافة :
_ أنتِ ما شربتيش حاجة ، و لسه ما خلصناش كلامنا …..
فتحت جيهان الباب واستدارت لها مبتسما بنظرة قوية تخفي شيء :
_ مرة تانية ، وفكري كويس في الطلب اللي عرضته عليكِ ، وأتفاقنا الأول أنسيه ، في الأتفاق الأول كنت بحافظ على بيتي ، وفي اتفاقنا ده برضو بحاول احافظ على بيتي ….بس الطريقة مختلفة شوية …..
قالت جيهان جملتها الأخيرة وخرجت من الغرفة ، وقفت ليلى لثوانِ بمكانها ، تحاول إستيعاب ما سمعته ، اغلقت الباب ببطء وتوجهت لفراش أبنتها ….
تمددت على ظهرها تنظر للأعلى …..لا تنكر أن طلب جيهان نفض عنها كثيرًا من أحساسها القاسي بتأنيب الضمير ، ولكن تشعر أنها هناك شيء آخر أخفته جيهان وتدبره …..
ويبقى السبب الأول للرفض باقيًا …..
طليقها المجرم ؟….تشعر بقوة أنه ما زال على قيد الحياة ، وأن أختفائه لا يعني أنه أنتهى بهذه البساطة !!
أن عاد ووجدها تزوجت من رجل آخر ستثور ثائرته ولن تكون العواقب إلا وخيمة ومدمرة …..
ليست جيهان العائق الوحيد …. بل أقل العوائق خطورة…
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
عادت جيهان لغرفتها ، أغلقت الباب جيدًا وكأن أحدًا سيقتحم عزلتها ، ذرعت الغرفة ذهابًا وإيابًا وهي تبكِ بحسرة …..تلوم نفسها مرة على ما فعلته ، وتضمر الشر مراتٍ كثيرة …..
وبلحظة تعود تلك المرأة التي لم تظن أنها ستكنّ كل هذا الكيد بداخلها !!
وضعت يدها على رأسها وهي تقف ، احكمت قبضتيها على رأسها الذي يكاد ينفجر من سلسال الشر، الذي وكأنه كان ينبوع وأنفجر من جوف نفسها المعذبة …..
قالت وشفتيها تتحركا وتحدث نفسها بعينين تنزف الدموع :
_ كل ما بعدت عنها بيتمسك بيها أكتر ، كل ما أختفت بيتعلق بيها بجنون ، راجل زي كل الرجالة مابيحبش غير صعبة المنال ، خلاص ….طالما كده يبقى بمزاجي مش غصب عني ، خليه يطولها ويتجوزها كمان ….. بس مش هرتاح غير لما اكرههم في بعض ….
تنفست جيهان بحدة وسقطت يديها بجانبها في موضعهما ، حتى لاحظت رؤية انعكاس مظهرها بمرآة الغرفة ، اقتربت للمرآة ونظرت لنفسها ، ولعينيها الباكيتين المتواعدتان بالشر الغريب على قلبها المنكسر، تألمت وقالت وكأن نفسها تقف أمامها عبر المرآة:
_ أنا مش وحشة ، أنا خايفة ….. مش عايزة أعمل كده ، وبلاقي نفسي ماشية في الطريق ده ، ماليش حد أفضفضله ، احكيله وينصحني ، يقولي أعمل إيه ، ياخد بإيدي ويبعدني ….يمكن محبتهوش بدرجة حبه ليها….بس محستش بالأمان غير معاه ….. أنا بدافع عن الأحساس ده ، أنا حاسة أني مش أنا اللي أعرفها ….أنا واحدة ضعيفة …ضعيفة أوي ….أضعف من أني أقوى في يوم من الأيام ….
اغمضت عينيها وهربت بنظرتها اتجاه الشرفة ، لتخفي عن ناظريها وطن من الدموع والألم بعينيها ….. وقلبها قلب امرأة تريد الحب الصادق ، وخطواتها خطوات نفس تأمر بالسوء ….
لا ننخدع بأستقامتنا ، فالقلب متقلب بين الهدوء والصخب ، بين العبور والسكينة ، بين الألم والسعادة …. لا يجب أن نصدق أننا ملائكة لمجرد أن الظروف لم تضعنا بالطرق الشائكة ….
فعند الغرق لا تفرّق أيدينا بين قارب النجاة وبين أكتاف غريق آخر للإستناد حتى نلتقط أنفاسنا ونحيا …..
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
بين ابتسامات متخفية وعودة إلى فكرها بتعقل ، وبين أضاد المشاعر ومتناقضات الخواطر …..كانت أسفل دثارها شاردة ….. وتردد بعقلها حديثه مع يوسف …..
كانت تلك الخاطرة تحرق أي آمال في ظنون مَيله إليها ، ابتسامته ربما كانت شفقة ، ربما كانت مجاملة بسبب حالتها ، ربما شعر بالإمتنان بسبب إقامته هنا وكرم الضيافة …..
كانت تسمع بعض كلمات من حديثه مع أمها ، يبدو أنه وجد بأمها ألفة وود لتسمع ضحكاته الخافته بهذا الشكل ….لم تتعجب كثيرًا ، فهذه المرأة الطيبة لم يرها أحدًا إلا وألف صحبتها ….. واستبشر بحديثها ، وتصاعد الود بلحظاتِ ….
فجأة انتفضت سما عندما هتفت أمها باسمها ، دق قلبها بدقات متسارعة ، وتساءلت بتوتر فيما تريد منها أمها وهو هنا ؟!
هتفت “وداد” باسمها ابنتها ” سما” مراتٍ عدة ، حتى عبست سما وهي تضيق حنقا من هذا النداء ، كان رؤيته يرافقها شدة الإرتباك وشدة الخجل …. وشدة في شيء لا تحاول أن تفكر به وهو أبعد من أحلامها …..
احكمت حجابها الذي تهدل بعض الشيء وفتحت الباب قليلًا ، ظلت واقفة عن باب غرفتها وهي تنظر لأمها، وتتساءل بارتباك مع نظرته المسلطة عليها :
_ تعالي يا سمكة ، الدكتور هيقيس حرارتك ، هو بعت الواد نعناعة جاب البتاع اللي اسمه ايه ده ….
رد آسر بابتسامة متسلية بإرتباك سما وكأنه يروقه ذلك :
_ الترموتر يا طنط ….
قال نعناعة بضحكة وهو يأتي من المطبخ وبفمه قطع اللحم ويمضغها بقسوة :
_ عمتي بقت طنط ! …… وأنتِ بنت طنط…. ! يا حلاوة يا ولاد
ضحك عاليًا فكتم آسر ضحكته على مزحة الصبي ، رمقت سما نعناعة بغيظ وقالت له :
_ أخفي من قدامي السعادي …..
هز الصبي كتفيه بالرفض ، فقالت وداد بابتسامة :

 

_ تعالي يا سمكة عشان منأخرش الدكتور …..
لو اعترضت سيثير رفضها الشكوك ، وهي ترتبك من مجرد خطوة تمضي إليه بها …..أشارت لها أمها فتوجهت إليها عمدًا دون أن تكترث لنظراته أو اتجاهه ….. وقف آسر ورفيف ابتسامة ماكرة تتراقص على شفتيه …..وجه الترمومتر إليها، فأخذته منه وتعمدت أن لا تنظر إليه وتجاهلته تمامًا …..
كانت نظرات أمها تنتقل منها إليه ،كانت تبتسم بسعادة وكأنها تتخيل شيء أو كأنما تتمناه بكل قلبها…..
وقفت سما حتى اللحظات المؤقته التي ظل الترمومتر بفمها …..سحبه آسر بابتسامته التي أربكتها وأغاظتها بذات الوقت ….ثم نفض الترمومتر بيده وقال بنظرة مطمئنة :
_ الحمد لله ، الحرارة نزلت وتقريبًا بقت طبيعية …… استمري على الدواء اللي اديتهولك لحد ما نشوف الأشعة….
حمدت وداد ربها لثواني ثم شكرته بابتسامة وقالت :
_ ربنا يطمن قلبك يابني زي ما طمنتي على بنتي ، ويسعدك وينولك اللي في بالك …..
ابتسم لها ورد بكلمات شاكرة ثم تسللت نظرته إلى سما التي تخضب وجهها بإحمرار وارتباك شديد …..وأشتد عندما نظر لها هكذا …..ابتلعت ريقها ثم استدارت لتعود حتى وقفت فجأة ….
قد دخل العمدة بهذه اللحظة ومعه ضيفيه ، رجل كبير يرتدي ملابس عادية بعيدة عن اللبس التقليدي بالريف وهو الجلباب ومعه شاب متوسط القامة وملامحه عادية ليست وسيمة لدرجة الغرور الذي يملأ عينيه ! …..
تحول وجه سما من الأحمرار للشحوب وتسمرت في مكانها …..لاحظ الجميع نظرة سما للشاب ولكنهم لم يتعجبوا من الأمر …….فكان هذا الشاب خطيبها السابق ….
تبدل وجه آسر مع نظرتها الغامضة للشاب ، وصرّ على أسنانه بعصبية ، فقال الرجل الذي يبدو أنه والد هذا الشاب :
_ إيه يا عروستنا ، مش عايزة تشوفينا ولا إيه ؟!
التمعت عينيها بدمعة لتذكرها ما عانت منه لأشهر مع هذا الشاب أثناء الخطوبة ، التفتت ونظرت لأمها بنظرة فهمها الجميع أيضا بأستثناء آسر الذي لم يفهم ما يحدث وما يدور خلف النظرات الصامتة المبهمة……
ثم ركضت لغرفتها واتضح أنها غاضبة بدرجة عالية ……
ترددت كلمة “عروستنا” على سمع آسر بصدمة …… عروسة من وهي ليست مخطوبة حتى ؟! ……
نظرت وداد بنظرة عصبية لشقيقها وقالت للصبي :
_ تعالى أسندني يا نعناعة اروح لأوضتي …..
تركها العمدة تدخل غرفتها وأسندها مع الصبي وتحمل نظرات الغضب منها حتى يشرح لها الأمر لاحقاً…..
انسحب آسر من المشهد بنظرات متجمدة، ولكن بداخلها عصبية لم يظهرها وحجبها عن الأنظار…ولم يعرف لما شعر بها ولماذا !!
هو للآن لا يعتقد أنه أحبها …ولكن يعترف بصدق أن هناك شيء يجذبه إليها …..
رمقه الشاب بنظرات دقيقة وهو يتساءل …من هذا الغريب وما يفعله هنا ؟!
كلاهما تبارزا بنظرات تحد اتجاه الآخر ….
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
جلست وداد على الفراش ثم نظرت لأخيها بعصبية وقالت :
_ دخلتهم هنا تاني ليه ؟! …مش كفاية اللي عمله مع بنتي لحد ما عقدها في عشيتها ؟!
ولا لما مالقهاش حد راضي بيه لف لفته ورجع ليها !!
وضع العمدة كف يده على كتف شقيقته وقال ليطمئنها :
_ أنا مقدرتش أرفض لما لقيتهم في طريقي ومصممين يجوا معايا ويكلموني ….. خليتهم يجوا ويتكلموا براحتهم أنما مافيش حاجة من اللي جت في دماغك هتم …. إلا برضا صاحبة الشأن …..
قال الصبي نعناعة بغضب وأعتراض :
_ والله لو ما كنت معاهم يابا لكنت طلعته الحمار ده من الدار بالشبشب ، ده مايستاهلش ضفرها الغبي …. شحات وعايز عيش فينو !! بيتأمر على إيه الجربان ده هو كان يطول ! …..
أشار العمدة لأبنه بتحذير وقال بقوة :
_ ولا تنطق كلمة واحدة وأنا موجود ، طالما دخلوا بيتك يبقى تضايفهم وترحب بيهم ، غير كده أنا عارف هرد وأقول إيه وفي الآخر وفي الأول هتكلم معاها وهي اللي تختار ، عشان ما أشيلش ذنبها …..
غضب الصبي وقال لوالده بحدة لأول مرة تظهر عليه أمام أبيه :
_ أنا مش قاعد ولا هرحب بيهم ولو هي وافقت ترجعله بعد اللي كان بيعمله مش هدخلها بيت حتى لو عرفت أنه ضربها بالجزمة على دماغها …..
استفز العمدة نبرة التمرد بأنفعال ولده، الذي أعتقد أنه أحمق لا يفقه شيء ، غادر الصبي المنزل بكامله وعلى وجهه العبوس …..فعاد العمدة يقول لشقيقته بثقة :
_ أطمني ….والله ما هجبرها على شيء بس أنا بفكر بالعقل …..وبتصرف بالعقل …..
ردت وداد بحدة :
_ والله نعناعة قال اللي جوايا ، ولو وافقت تستاهل اللي يجرالها …..وبعدين أنا ليا معاك كلام تاني ، خلص قعدتك وتعالى عشان عايزاك …..
وافق شقيقها وخرج من الغرفة لأستقبال ضيفيه ……

 

 

➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
تقدم الصبي بجلبابه الريفي بالطريق وهو عابس الوجه حانق وغاضب ، وجد آسر يستند على جسد نخلة عالية وسعفها الممتد ومتفرع…والتي كانت قريبة من المنزل ….
كان مكتفا يديه أمام صدره وقدمه تلتف على الأخرى وواقفا بثبات ….اما عينيه شاردتان بغضب صامت لا يبيح الاعتراف ….. كأنه يتعارك مع شبح بخياله ، أو فكرة بغيضة تعارض ظنونه وتعكر صفو خاطره ….
مر الصبي من أمامه حتى لمحه آسر وانتفض سريعا متوجهاً إليه ، وقال بعدما أوقف الصبي :
_ مالك زعلان كده ؟!
كان بسؤاله اجترار حديث ليصل لمبتغاه وهدفه ، قال الصبي بعصبية ولم ينتبه للعبة :
_ أنا مش طايق نفسي …..
ضيق آسر عينيه في لهفة لمعرفة السبب وقال :
_ طب قولي فيه إيه مالك ؟ يمكن أساعدك !
تردد الصبي في القول حتى قال آسر ببعض المكر :
_ أنا بصراحة لاحظت أن الضيوف اللي دخلوا من شوية سببوا مشكلة …..
قال الصبي بغيظ وأفصح عما بداخله :
_ قول مشاكل ، البهيم ده كان خطيب سما الأولاني وشكله عايز يرجعلها ….
تجمد آسر بمكانه واتسعت عينيه بذهول …فتابع الصبي بغضب :
_ المصيبة واللي هيجنني أن أبويا مش معارض !! ….بعد اللي كان الغبي ده بيعمله ؟! ….
هتف آسر بغضب :
_ هو كان بيعمل معاها إيه ؟!!
دافع الصبي عن إبنة عمته وقال موضحا :
_ سما بنت عمتي جد ، على اد حنيتها معانا وقلبها اللي زي قلب العيال الصغيرة بس مع الغريب كانت بتبقى جد وخشنة ….هو بقى ماعجبهوش الحال وكان بيسمعها أوحش كلام وكأنه بيعايرها!! ….. كان بيفضل يتكلم على البنات اللي قال ايه بيموتوا فيه ! ….فكره يعني أنها هتتغاظ وهتبقى زيهم ! ….. البت اتعقدت وكانت بتفضل تعيط على طول، وهي اصلًا مكنتش متحملة بعد موت أبوها …..كانت خطوبة سودا ….
ضم آسر شفتيه بغصب استعر بداخله كالنيران ، لأول مرة يكون بداخله تلك الرغبة القوية في أن يضرب احدًا ….. أي أحدًا ويطلق وينفض الغبار عن هذا الغضب المتأجج بداخله ، فعاد قائلًا بسؤال هجم على لسانه دون تردد :
_ هي كانت بتحبه ؟!
قطب الصبي حاجبيه وشعر وكأن السؤال إهانة، فهذا الأمر بالريف الافصاح عنه يعتبر جراءة خصوصا لو كان الأمر يخص فتاة ، فأجاب بتردد :
_ مش عارف ، بس اكيد لأ يعني …… مش معقول تحب البقف ده ….!!
وعاد قائلًا بعصبية صبيانية:
_ بس لو وافقت ترجعله هحلف ما أنا داخلها بيت ، دول أخواتي واللي يزعلهم يزعلني ….. هي غلبانة ودمعتها قريبة وهو مش هيرحم قلبها الطيب ده ……
صرّ آسر على أسنانه بقوة من الغضب وقال :

 

_ هي ممكن توافق ترجعله ؟! …
احتارت نظرة الصبي وقال بغيظ :
_ طالما أبويا مش معارض يبقى على الأقل هتفكر ، والله خايف عليها أوي ، لو وافقت وزعلها تاني مش عارف هعمل فيه إيه !
هتف آسر بعصبية بوجه الصبي وقال بصوتٍ عالِ :
_ طب ما تكلمها أنت ساكت ليــــه ؟! …… هتسيبها يعني ؟!
تفاجأ الصبي بحدة آسر وعصبيته لهذه الدرجة من الغليان ، نظر بتوتر حوله لبعض الجيران المارين بالطريق وقال لآسر بضيق :
_ وطي صوتك يا دكتور في ايه ؟ …ده جزاتي يعني أني بفضفضلك ؟! ….أنا اعتبرتك أنت والدكاترة قرايبك أخواتي وصحابي وبتكلم معاكم براحتي ….. ده أنت متعصب أكتر مني !!
جاهد آسر ليتحكم بأعصابه بعدما لاحظ الصبي أنفعاله الغريب ، فقال بغيظ :
_ ما أنت كلامك ينرفز أي حد بصراحة !
هز الصبي رأسه وقال :
_ صح والله ….. عمومًا يعني أنا هستنى للآخر أما أشوف أخرتها إيه ؟!
صاح آسر بغضب :
_ يعني تستنى لما تتجوز يعني ! إيه الأستفزاز ده ؟!
كشر الصبي بوجهه وقال بعصبية :
_ الله ! …… ما تهدى شوية يا دكتور أنت ناقص تاخد سكرة بالمرة !! ….. ده بدل ما تحاول تهديني وأنا بشتعل! ……
لوى آسر شفتيه وكتم كلمات تعنيف وغضب كادت أن تفلت من فمه، ونطق بسخرية :
_ بتشتعل !! …. واضح ….
رماه آسر بنظرة غاضبة أخيرة ثم توجه للمندرة عائدًا بشعور أنهزام ! ……لم يكن بينه وبينها شيء ليشعر بهذا الأمر …..شعور مرير يعود إليه من جديد ….بعد تجربة حب فاشلة …..الشيء ذاته يتكرر ؟!
ولكن يبدو أن هذه المرة الأمر أكثر قسوة ، الفة ودفء هذا الشعور لم يجده بالمرة الأولى ….. استثنائية هذه الفتاة لن يجدها مرتين ! ….
فتاة كما تمنى أن يجدها من قبل حتى أن يجدها …حنونة، دافئة، مثيرة معه فقط ….. وقوية، باردة كالثلج مع جميع الرجال إلا هو ….
شيء يعشقه الرجال …..
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
تململت ليلى بفراشها بأرق وتوتر ظعر بحركاتها ، وانزعجت الصغيرة من الحركة بالفراش حتى استيقظت وربتت على رأس القطة التي تضمها بذراعيها القصيرتان…. وقالت برقة:
_ قطة أنتِ صاحية ؟ ….
نظرت ليلى لأبنتها وابتسمت بمحبة ، وراقبت القطة وهي تحرك أذنيها قليلًا، وكأنها تجيب على سؤال الصغيرة ….اقتربت ليلى من أبنتها وقالت بعتاب :
_ أنا زعلانة منك يا ريمو …..قولتيلي مش بتحبيني ، بقى حد يقول لمامته كده ؟! …..
استدارت الصغيرة بقطتها واقتربت لصدر أمها مبتسمة حتى همست :
_ أنا بحبك أوي يا ماما ، اللي بحبه بكلم ربنا عليه ، وكل يوم بكلم ربنا عليكِ أنتِ وبابا وجيه ….. بس أنتِ زعقتيلي وأنا بخاف …..
قبلّت ليلى رأس أبنتها وقالت بحنان :
_ أنا أسفة يا حبيبتي ، أنا كنت بعيط وزعلانة لما زعقتلك …. مش هتحصل تاني …..
هزت الصغيرة رأسها وهي تبتسم بأمان واطمئنان ، ضمتها ليلى بين ذراعيها بمحبة ثم قالت :
_ أنتِ بتحبي بابا وجيه …صح ؟
قالت الصغيرة بصوتِ طفولي رقيق :

 

_ صح ….
ابتسمت ليلى وأحبت هذا الحديث الذي يجمعه معهما ولم لم يكن موجود ….فقالت :
_ عشان الحواديت بس ؟
صمتت الصغيرة للحظات، ثم قالت بخوف مر بتعابير وجهها لبعض الثوانِ :
_ عشان طيب ومش بيزعقلي ، بابا صالح كان بيضربني وموت القطة بتاعتي ، أنا مش بشوف أي حاجة ، بس لما كان بيضربني كنت بغمض عنيا من الخوف منه ….. أنا مش عايزة بابا يبقى بابا صالح ، عايزة بابا يبقى بابا وجيه …. مش بخاف منه ….
ابتلعت ليلى غصة بحلقها من حديث صغيرتها ، ضمتها بحنان ورقة قم قالت :
_ محدش هيقدر يضربك تاني ، وعلى فكرة بابا وجيه بيحبك أوي ….
ابتسمت الصغيرة وكأن الأمر الأهم بالنسبة لها فقالت :
_ وأنا كمان بحبه أوي أوي …. بابا صالح موت قطتي ، بس بابا وجيه رجعهالي تاني …..
كانت كلماتِ بسيطة مختبأة بقلب الصغيرة ، ولكنها بالصدفة لخصت كل شيء ، فأبيها الحقيقي دمر أمانها وثقتها به ، أم وجيه لم يكن أبيها بالنسب …..ولكنه أستطاع أن يعيد لها ابتسامتها الرقيقة ، وشيد لها جسرًا مضي بعتمة رؤيتها ….يسمى الأمان …
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
اشتعل الغضب بقلب الفتيات وهم يعدون طعام الغداء للضيوف الغير مرغوب فيهما ، كانت كل واحدة منهنّ تتلفظ الشتائم بصوتٍ خافت وهي تحضر أطباق الطعام ……
وبعد تقديم وجبة الطعام ومغادرة الضيوف بعد ذلك ، أنتظر العمدة قليلًا قبل أن يدخل لغرفة شقيقته ونقاشه الطويل معها ، راقبته سما من ثقب الباب حتى تأكدت أنه ترك الصالة ودخل لغرفة أمها أخيرًا…..فتحت الباب وتسللت للخارج …..
لم تطيق أن تمكث بغرفتها أكثر من ذلك ، ولجأت لأكثر الأماكن التي كانت تهرب إليها عن الجميع ، بسطوح المنزل ….
صعدت الدرج الخرساني درجة درجة بخطوات متصاعدة حتى وقفت أخيرًا فوق السطوح …..
استنشقت الهواء ملء رئتيها ، وتوجهت للأريكة التي خصصتها لأوقات عزلتها……رغم أن الطقس يبدو باردًا ولكنها لا تطيق المكوث بغرفتها أكثر من ذلك …..
انتبهت لصوت أوقفها بنبرة حادة :
_ هتوافقي ؟!

يتبع…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *