روايات

رواية قلبي و عيناك و الأيام الفصل الثالث عشر 13 بقلم رحاب إبراهيم حسن

رواية قلبي و عيناك و الأيام الفصل الثالث عشر 13 بقلم رحاب إبراهيم حسن

رواية قلبي و عيناك و الأيام البارت الثالث عشر

رواية قلبي و عيناك و الأيام الجزء الثالث عشرقلبي و عيناك و الأيام

قلبي و عيناك و الأيام

رواية قلبي و عيناك و الأيام الحلقة الثالثة عشر

~… بين القبول والحب…~
اقتحمت الماشية الخيمة وكأن الحركة دبت بجسدها فجأة …. لم يعرف جاسر لما توجهت إليه مباشرةً وكأنها تستغيث به …..قال جاسر بصدمة وهو شبه متجمد :
_ دي جيالي أنا بقا !! لاااااااا
هتف رعد عليه بغضب :
_ أجــري من قدامها بسرعــــــــة !!
استطاع جاسر الركض من أمامها بالكاد بينما ثارت الماشية واحدثت فوضى عارمة حتى دفعت بجسدها الضخم كل ما بالخيمة !!
صرخت سما وهي محتجزة بجانب صندوق زجاجي به بعض الأدوية فأشار لها نعناعة من الخارج :
_ بطلي صريخ هي عرفاكي ! …..
ووجه حديثه للماشية بلطف :
_ اهدي يا سكرة ده الدكتور !!
دفع جاسر بوجهه أحدى علب الدواء وصاح بعصبية :
_ هي محتاجة توصية يا غبي !! ……
وقفت سما وهي تنتحب فنظر لها آسر بغيظ وهو يتفادى هجوم الماشية التي تصر على اللحاق بجاسر :
_ هي دي سكرة يا غبية ؟! …… عجبك اللي بيحصل ده ! أنتِ عارفة علب الدوا اللي اتكسرت دي بكام ؟!
التفتت له سما بعين متسعة عندما انتبهت انه يشتمها وهتفت به :
_ أنا غبية يا حمار أنت ؟! ….. ما أنت لو مجدع كنت قدرت تمسكها ! …… دكتور أونطة !
استشاط آسر غضبا وتقدم نحوها بغيظ شديد بينما لم ينتبه أن الماشية تعود بجسدها للخلف بعدما كادت أن تسقط الخيمة على رؤوسهما …….
خرج جاسر من الخيمة بأعجوبة بينما دفعت الماشية جسدها بظهر آسر وأوقعته على سما التي كانت تلوح بيديها بالشتائم وسقط عليها وسقطوا سويا على الأرض …..
ثم ركضت الماشية للخارج خلف جاسر ورعد الذي ركضا بالخارج ……
أسرع جاسر ورعد بمساحة فارغة جانب الوحدة ونظر خلفه يلقي نظرة….. فوجد الماشية تسرع اتجاهه في اصرار غريب !!
قال رعد بتوتر :
_ احنا نرفزناها في ايه عشان تعمل معانا كده ؟! هو ابوها كان حمار ولا ايه ؟!
ضيق جاسر عينيه بغضب وهتف بها قائلًا :
_ بقولك ايه أنا عصبي ومش عايز اتغابي عليكِ …. و
اسرعت اليه اكثر فركض جاسر مستغيثا فكاد أن يضحك رعد رغما عنه لما يشاهده، حتى استدارت له الماشية وركضت خلفه فأسرع رعد يقفز على قوالب الطوب الأبيض المنتشر بفراغ الأرض واستطاع بصعوبة أن يختبئ منها ……
سقطت الخيمة على ظهر آسر الذي نظر لسما المصدومة من وضعهما هذا ودفعته ولكن عندما سقطت الخيمة أصبح النهوض أصعب ….دفعته عنها وهتفت بغضب :
_ يا قليل الأدب يا حيوان يا ….
قاطعها بغيظ وهو ينظر لعينيها عن قرب :
_ ما الجاموسة اللي شبهك هي اللي وقعتني عليكِ !! …..
أزاحت سما جسده الثقيل عنها بكراهية هذا القرب ولو كان غير مقصود ……وظلت تزيل الخيمة الساقطة من على رؤوسهما حتى صرخت بعصبية مفرطة :

 

 

_ شيل النيلة دي من عليا بتخنق !
قال وهو يدعو بعصبية :
_ ان شاء الله تتخنقي وتموتي وما أشوفش وشك تاني ….
كاد أن يتابع حتى وجد دبوس يدس بمعصم يديه بقسوة فصرخ بتأوه حتى ابتعدت سما من أسفل الخيمة وهي تركل قدميه بقدميها في ضربات متتالية …..
ارتفع منسوب الغضب بداخله ونهض وقد تخلص من قيد الخيمة ووقف أمامها ناظرا بغضب من ضرباتها له :
_ أنتِ متخلفة وغبية وفعلًا ما تفرقيش حاجة عن الجاموسة دي ….
أشار لها بيده في حدة :
_ لولا أنك بنت كان زماني عرفتك أزاي تضربيني كده !
اتقد الغضب بسما وهتفت بوجهه :
_ عارف أنت لو مش هسبب مشكلة كنت وريتك أزاي ترفع عينك عليا يا ……
انتبه آسر أن الماشية تأتي بإتجاههم ومن خلف سما التي انشغلت بالشتائم ولم تشعر ما يأتي خلفها …..
نظر للحظات في جمود ثم دون ادراك جذب يد سما وركض اتجاه الوحدة بجانبهم، فوجد بابها قد أغلقه أحد العمال فور ما حدث …..
وكان هناك سلم ضيق بجانب باب الدخول للمبنى الابيض ……تلوت سما بيده وهي تصرخ وتلكمه وللآن لم تدرك ما حدث …..غير اتجاهه للسلم وهي بيده حتى تقدم له فوقفت سما متمسكة بحائط السلم وهي تتملص من قبضته وتلفظه بالشتائم :
_ سيب ايدي يا ابن ال…..
قاطعها وهو يجذبها بعنف ……لم يكن غضبه لأقتراب الماشية التي وكأن أصابها السعار فجأة !
بل لوقحاتها لهذه الدرجة وهو من يحاول إنقاذها !
تقدمت سما خطوات للأعلى رغما عنها بسبب يديه التي تجذبها حتى اطمئن آسر أن الماشية يستحيل أن تستطع الصعود !
دفعها آسر للحائط بنظرة غاضبة وقال :
_ اقسم بالله لو كنتِ كملتيها لكنتي هتندمي طول عمرك ….ده جزائي أني حاولت انقذك بدل ما كنتِ تحت رجلين الحيوانة اللي أنتِ جبتيها دي وتموتك !
نظرت سما للماشية التي ابتعدت عن السلم وعلمت أن ما قاله لم يكن كذب ولكن ما حدث عندما سقط عليها تحت الخيمة ونظرته الغريبة لها عن قرب جعلتها كلما تذكرت تشتعل غضبا …!
لم يجرأ مخلوق على الاقتراب منها ولم تسمح أن يلمس رجل حتى يديها عند التصافح !
يقول ما يقول ….هي على يقين أن نظرته لها منذ قليل لم تكن بريئة أبدًا ….قالت بعصبية :
_اللي يقربلي اكله بسناني وأنت متعملش نفسك محترم وقلبك عليا اوي كده احسن أصدق ! …… ولا افكرك بصيتلي ازاي من شوية !
ورغم أن حديثها فيه شيء من الحقيقة ولكن نظرته كانت نتيجة وضعهما التي ارغمتهما عليه الظروف للحظات ولو كان تأثر بهذا القرب فعليًا…
…..قال بعنف وهو يضيق عينيه بشيء من الاستخفاف :
_ أنا ابصلك أنتِ ؟! ……أنتِ هبلة ولا عبيطة ولا مش شايفة نفسك ؟! ….. زيادة أن لسانك طويل فأنتِ كمان هبلة ! لولا صوتك مكنتش عرفت انك بنت اصلًا !
لمس بحديثه الوتر الحساس بداخلها …..لم ترَ نفسها لدقيقة واحدة أنها جميلة …..كان ينعتوها بأنها أقل جمالًا من شقيقاتها ….وأنها تشبه الرجال في تصرفاتهم …..قالت سما وابتلعت مرارة بحلقها تكورت بغصة:
_ لو ما احترمتش نفسك هصوت وهلم عليك الناس ….
نظر لها آسر نظرة ساخرة حقرت من شأنها ثم ابتعد عنها وهو ينظر حوله للمكان الذي عم السكون عليه فجأة …….
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
هرب رعد بالكاد من محيط الوحدة حتى طريق الحقول …… ظل يسير بالطريق لمدة النصف ساعة وبدأ يشعر بأنه تاه عن الطريق الصحيح للعودة إلى الوحدة …..
وجد عربة خشبية ” كارو” يستخدمها المزارعين في حمل الحصاد والخضراوات إلى منازلهم فأشار لها بيديه حتى تقف ووقفت بالفعل ……
نظر له المزارع الذي يرتدي جلباب بسيط قاتم اللون وبين يديه أحبال طويلة مقيدة برقبة حمار أبيض يجر العربة …..قال له الرجل بوجه البشوش :
_ في حاجة يا أستاذ… أي مساعدة ؟
قال له رعد بنظرة امتنان :
_ ياريت تساعدني ….أنا تقريبًا توهت عن مكان الوحدة البيطرية …..ممكن توصلني ليها لو سمحت ؟
هز الرجل رأسه بترحاب وأشار له بصعود العربة …….
صعد رعد بالفعل وفرد ساقية جالسا بارتياح في داخل العربة وهو يبتسم لمساحات الحقول الشاسعة التي ارغمته أن يهجره التوتر لبعض الوقت ويسبح بهذا المنظر الطبيعي الباعث للارتياح ….
وفي الطريق ……
وقف الرجل الفلاح بالعربة فجأة عندما مر بجانب السوق ….نظر للفتاة التي تقف حائرة وعلى رأسها حقيبة محاكة من خيوط سميكة تشبه الجريد، ويبدو أن بداخلها كثير من الفاكهة والخضروات ……
هبط الرجل من الصندوق الجالس عليه بالعربة واقترب إليها مستفسرًا :
_ واقفة كده ليه يابنتي ؟!
ابتسمت له رضوى بوجهها الدائري السمين وقالت بترحاب :
_ أزيك يا عم محمود عامل ايه ؟
رد عليها الرجل بود فكان والد صديقة لها فتابعت رضوى قائلة بحيرة :
_ والله ياعم محمود بقالي ساعة واقفة ومش عارفة أمشي في الطينة خالص ….مش عارفة هرجع البيت أزاي ومحتار دليلي ….
خصوصا بالشيلة اللي معايا دي ..!!
عرض عليها الرجل الطيب أن يقلها بعربته حتى مدخل القرية حيث يكون منزل خالها العمدة على بُعد مترات قليلة تستطع عبورها بسهولة……
وافقت رضوى بابتسامة شاكرة واتجهت للعربة وهي لا تعرف أن هناك غريب قد سبقها واستنجد بالرجل أيضاً…….
نظرت له بحرج من الأسفل ولكن تشجعت لأن والد صديقتها هذا الرجل الطيب سيكن حاضرا…. إذن لا خلوة ولا انفراد بينها وبين غريب …..
تسلقت الى العربة واستطاعت الصعود بسهولة وبرشاقة تعجب لها رعد ولكنه ابعد عينيه عنها بلا اهتمام ….
وضعت رضوى حقيبتها القماش أمامها وجلست بأبعد مساحة عن الغريب …..
حرك الرجل العربة وهو يقول مبتسما بحنين :
_ عارفة يارضوى يابنتي ….كل لما بشوفك بفتكر خديجة بنتي الله يصبحها بالخير ……فات سنة على جوازها …سابتنا أنا وامها وفضى البيت علينا ……والله لو بإيدي ما كنت جوزتها بعيد عني بس أبن عمها بقى ومن العيلة مقدرتش اخالف رأي أخويا ……ربنا يهنيها ويوعدك أنتِ كمان بأبن الحلال …..
تذكرت رضوى صديقتها خديجة وابتسمت قائلة :
_ تسلم ياعم محمود …..والله وحشتني أنا كمان أوي ….. ابقى سلملي عليها بالله عليك ….
قال الرجل بطيبة :
_ يوصل ….. ياريت كان عندي ولد كبير والله ما كنت سيبتك ….
اتسعت ابتسامة رضوى فرمقها رعد بابتسامة بسيطة لضحكتها ذو الغمازات على وجنتيها ….ابعد عينيه سريعا وعاد ناظرا للحقول ……أخرجت رضوى من الحقيبة خبز محشو بالعجوة واحتارت كيف تعطي الرجل الكبير منه وهي على بعد خطوات منه والعربة تتحرك أيضا …..تنحنحت بحرج وهي تشير للغريب بالخبز …..
نظر لها رعد بتعجب فقالت وهي تنظر امامها بعيدًا عنه:
_ وصله لعم محمود ….
فهم رعد مقصدها وأخذه منها سريعا واعطاه للرجل الذي يواليه ظهره ويقود العربة ……قال الرجل وهو يأكل الخبز :
_ حتى في دي زي خديجة ……كانت بتموت في عيش ابو عجوة ده وكنت بجيبهولها مخصوص من السوق كل جمعة ….. تسلم ايدك …..
أخذت رضوى واحد من الخبز وتوجهت ناحية رعد فظن أنها تقصد اعطائه للرجل فقالتسربعا ببعض الحرج :
_ لأ ده ليك ….
ابتسم لها رعد بشكر وقال :
_ لأ شكرًا جدًا مش جعان …..
هزت رضوى رأسها وأصرت على أخذه… فأخذه رعد وبدأ ياكل منه ليختبر مذاقه ……
ابتسمت رضوى وهي تبعد عينيها عنه وبالأخص عندما وجدته التهم الخبز سريعا ويبدو أنه تلذذ بمذاقه …..
ابتلع رعد آخر قطعة ولم يدرك كيف أكل الخبز بهذه السرعة !! …..نظر لها مرةً أخرى وابتسم بصمت كأنه يرسل لها شكر خاص …..

 

 

احمرت وجنتيها بحياء وتماسكت الا تبتسم ……..
قال والد صديقتها مرةً أخرى :
_ لما تيجي خديجة هبعتهالك …… مش كنتِ وافقتي على أبن أخويا التاني وكان زمانك سلفتها دلوقتي وكنت اطمنت عليكوا انتوا الاتنين ؟!
تبدلت ابتسامة رضوى بحرج وبعض الضيق للتحدث بهذا الأمر وخصوصا أمام غريب ….ولكن الرجل تحدث بعفوية وخصوصا أن هذا الأمر الجميع يعرفه …قالت رضوى بصدق :
_ مافيش نصيب ياعم محمود ….. وأنا مرتاحتش بصراحة ….بس هو محترم والله ….بس القبول من عند ربنا بقى …..
قال الرجل بتلقائية وبساطة :
_ يابنتي القبول بعد الجواز …ما احنا اتجوزنا والله ما كانت حتى أعرف شكل أم خديجة ايه !
ضيق رعد عينيه من اجابة الرحل الغريبة حتى استمع لرد رضوى :
_ القبول مهم عشان أوافق وأنا مرتاحة وفرحانة …..أنما الود والمحبة بيجي مع العشرة والأيام …… هو ينفع أقول آه وجوايا بيقول لأ ؟!
يبدو أن الرجل الكبير لم يفهم مقصدها تماما ففصل الصمت ولكن رعد قال فجأة :
_ لا ماينفعش ….
تفاجئت رضوى بمقولته وشعرت بشيء يسري بقلبها ….شيء يبغض ويحب تدخله في آنٍ واحد …!
تابع رعد ونظرته لا زالت بعيدة عنها :
_ لو ماحستيش أنك مبسوطة وقابلة الموضوع يبقى بلاش ….. محدش بيعيش مرتين ….ماينفعش تتجوزي وخلاص …..القبول مهم جدًا …..
قال الرجل الكبير بإعتراض :
_ جيلكم عجيب وغريب…. يعني هو الصح يعني يعرفوا بعض الأول وبعدين يتخطبوا !!
قالت رضوى برفض :
_ لأ طبعا مش صح…… تعرف ياعم محمود …أبويا الله يرحمه زمان قالي أن الحب ده رزق …. بس الحب اللي مايغضبش ربنا يعني ….. يعني لما واحدة تحب جوزها حرام ؟
اكيد لأ ….. يبقى مش حرام طالما بالحلال …..
ماهي دقة المحبة دي بدايتها قبول !
قالت ذلك وهي شاردة ….ادركت ما قالته فاشتعل وجهها احمرار والتزمت الصمت وساد الصمت بالفعل بعد ذلك …..
ظل رعد ينظر لها للحظات ….كلمات بسيطة ولكنها دافئة ….. خطفت انتبائه ….. هذه الفتاة تريد الحب …..تريده بشده ….واضح بعينيها التي شردت بعد انقطاع حديثها …..ولكنها أيضا تريده دون عصيان لرب العالمين ……
مرت خاطرة سريعة امام عينيه …..كيف لو وجدت الرجل الذي تحلم به …وتزوجها …كيف ستكن تلك الفتاة ؟
بالتأكيد ستغمره بنعومة مشاعرها …بحيائها وانوثتها أيضاً….
شيء مثير للمشاعر ……
وللحظة عابرة رسم خياله انه هذا الرجل لا يعرف كيف !
خرج من شروده ليجدها على شرودها فابتسم بدفء …..
وقفت العربة بعد قليل عند مدخل القرية وهمت رضوى بالهبوط سريعا …..كادت أن تأخذ حقيبة المشتريات وتبتعد حتى فكرت قليلًا واخرجت كيس ورقي به أربع اعداد من خبز العجوة….قالت للرجل الكبير بابتسامة وهي تعطيه أثنان :
_ ماتنساش تسلملي على خديجة ياعم محمود ….
ابتسم لها الرجل بمحبة وأشار لها مودعا وهو ياخذ الخبز
ونظرت رضوى للغريب والقت الأثنان الآخران عليه قائلة وهي تحمل الحقيبة رأسها بعد ذلك :
_ بالهنا والشفا
ابتعدت سريعا بحياء وتفاجئ رعد من ما فعلته ولكنه تتبع خطواتها المبتعد وابتسم لها …..
خمسة عشر دقيقة مرت ….نسجت بينهما حكاية لم تبدأ بعد !

 

➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
جلست جيهان بمكتبها في المشفى في ضيق شديد…..
منذ الأمس وهو كأن أحد سرق منه كنزه الغالي أو اغلى ما لديه !
لم يغفو لحظة !
ظل طيلة الليل بمكتبه في المنزل لم يريد حتى النظر اليها ؟!
هل يشك بها أم غضبه جعله لا يرد التحدث مع مخلوق ؟!
احتمالات كثيرة ولا بد أن تتحلى بالهدوء أكثر من ذلك …..
دلفت احدى الممرضات لمكتبها وقالت وهي تقف امامها بصوت خافت كأنها تخبرها سرا :
_ مدام جيهان …. العناية اتحط قدامها حرس !
وكمان سمعت دكتور وجيه بيكلم مع دكتور العناية وشكل الموضوع كبير !! …..صعب أنك تعرفي تخرجي المريض ده بالذات في الوقت الحالي ! ….
نهضت جيهان من مقعدها بعصبية وهي تزفر بغضب :
_ لازم المريض ده يمشي من هنا قي خلال يومين ….معرفش بس زم ده يحصل بأي طريقة وبأي تمن …..
فكرت الممرضة قليلًا ثم قالت بمكر :
_ بأي تمن ! ……لو كده فالتمن هيبقى كبير ….يعني ١٠الاف جنيه كده …..تمام ؟
سخرت جيهان بداخلها من الثمن وقالت لها بتأكيد :
_ هدفعهم ….بس لما أتأكد أنه خرج ……واكيد مش هخلي بكلامي …..
هزت الممرضة رأسها وقالت بنظرة خبيثة :
_ يبقى في أقل من يومين هيخرج ……استني مني خبر قريب …..
غادرت الممرضة سريعا ويبدو أن المال أغراها لفعل أي شيء …..تنهدت جيهان بعمق وهم ثقيل على قلبها وقالت بألم :
_ آخر شيء كنت متوقعة أعمله …..بس مش قدامي حل تاني ….
جلست على مكتبها وشردت قليلًا حتى ادمعت عينيها وقالت :
_ أنا مش عايزة أبقى وحشة …. ولا عايزاه يكرهني ….بس أنا محتجاله جانبي ومش هقدر ابعد ……أنا مصدقت أنام وانا مطمنة أن محدش هيغدر بيا ولا يخدعني ! ……
انتبهت وهي تبك بصمت لصوت هاتفها ….رفعت الهاتف فوجدته رقم أرضي خاص بالفندق الذي تقيم فيه ليلى ….اجابت وهي تحمل كراهية شديدة لتلك المخلوقة :

 

 

_ عايزة ايه ؟!
تعجبت ليلى من نبرتها الغاضبة فقالت بقلق :
_ يعني ايه عايزة ايه ؟! عايزة ابويا ….مش ده اتفاقنا ؟!
مش المفروض كنتِ تتصلي بيا وتعرفيني أبويا هيتنقل أمتى وفين؟!
جاهدت جيهان كي تجيب بهدوء وثبات فقالت :
_ النهاردة أو بكرة بالكتير …..وأول ما يتنقل هبعتلك على طول ….
شعرت ليلى بشيء تخفيه جيهان فقالت مستفسرة :
_ حاسة أن في حاجة عندك ؟! ياريت تعرفيني اللي بيحصل لأني في جميع الأحوال هعرف الحقيقة …..
قالت جيهان بتنهيدة عميقة وما كانت تريد أن تخبرها بذلك :
_ وجيه حط حراسة على قسم العناية ….يعني صعب انقله دلوقتي ….ياريت تصبري شوية …..
صدمت ليلى من ردة فعله الغاضبة لهذا الحد ….وللصدق تعترف أن بداخلها شيء أضاء أيضا ..!
تعلثمت في القول فقالت جيهان بتصريح :
_ ليلى …..أنا بحب جوزي ومش مستعدة أسيبه ….خليكِ فاكرة أن أي تراجع منك ده ظلم ليا ومش هسامحك عليه …..ارجوكِ ماتخربيش بيتي …..
وضح بنبرة جيهان الحزن والرجاء ….!
حقا اشفقت عليها ليلى كثيرًا ولكنها بحق تريد ان تبتعد لتحميه ….قرار الفراق الآن أكثر قرار صائب تفعله لحمايته …..
ولأنها تدرك أن جيهان محقة فيما تقوله …..
قالت بتأكيد :
_ أنا عايزاه يبعد …..مش لأني مش بحبه …..بالعكس ….لأني بحبه لازم يبعد عني …..طريقي كله شوك ….
قالت جيهان وحاولت أن تصدقها :
_ يبقى على اتفاقنا …اكيد وجيه مش هيأذي والدك ابدًا ولكن هو مستني تظهري لأنك اكيد مش هتسيبي ابوكي في المستشفى ….!
قالت ليلى بقلب ملتاع :
_ أبويا وحشني ونفسي اطمن عليه …..
أجابت عليها جيهان بصدق :
_ لو عرفت اخليكِ تشوفيه من غير ما الحرس ياخدوا بالهم هعمل كده اكيد….امر مؤقت لحد ما نقدر نخرجه ….هتصل بيكِ بعد شوية وأقولك ينفع ولا لأ …..
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
عاد يوسف لمقر الوحدة فوجد الفوضى تعم المكان وبعض العاملين يحاولون إعادة ترتيب الفوضى ….بينما جاسر يجلس على مقعد خشبي ويضمد جراح معصمه الناتجة عن الركض والتخبط بالجدران والحوائط ……
قال جاسر بعصبية :
_ الله يخربيت دي جاموسة …..!
ولا كأن كنت واعدها وغدرت بيها !
ضحك يوسف وهو يقترب إليه وقال بسخؤية :
_ مش كنت بتدعي نختفي من قدامك وتيجي حاجة تخفينا ؟!
اهي دعوتك اتحققت في لحظة والخيمة اتهدت على دماغكم …يا واكل فطير الغلبان …
أشار له جاسر بتحذير أن يصمت :
_ أنا مش ناقصك !! سيبني في اللي أنا فيه ….أنا بقيت ملطشة اصلًا حتى للحيوانات ! …
قال يوسف بضحكة :
_ بطة توقعك في الترعة وجاموسة تعضك ! …… أنت ناقص عليك شوية حمير يجروا وراك ويبقى كده فل الفل ….
قال جاسر وهو ينظر ليديه المليئة بالخدوش والجروح :
_ هروح العزومة كده أزاي ؟! …..اكيد البلد كلها عرفت أن الجاموسة كانت بتجري ورايا وعملت فيا كده ….
أتى رعد من خلف يوسف ونظر لجاسر وانخرط في ضحكات عالية قائلًا :
_ حتى الجاموسة بتجري وراك يا دنجوان !
بس أنا خلعت منها ومعرفتش مكاني ……جاموسة خبيثة أوي !
سأل يوسف وهو ينظر حوله باحثا :
_ هو آسر فين ؟!
أشار جاسر لمكان الخيمة :
_ أهو متلقح بيرتب الخيمة من تاني …. سيبتوني كلكم وجريتوا ….اصبروا عليا …مش هخلي فيكم حتة سليمة بس اقوملكم بس ….
قال يوسف بتساؤل مرة أخرى :
_ هي الجاموسة فين ؟! …..
نهض جاسر من مقعده وقال بصياح غاضب :
_ متجيبش سيرتها قدامي ! ……
ركض اليهم الصبي نعناعة وقال فرحا :
_ سكرة ولدت …سكرة ولدت ……يحيا العدل …..
قال جاسر ليوسف وهو يعطيه زجاجة صغيرة :
_ امسك البيتادين ده كده ….
اخذه يوسف منه فتوجه جاسر للصبي بعصبية وهتف :
_ عارف لو مخدتش الكلبة دي من هنا هعمل فيكم ايه ؟!
قال نعناعه بفرحة وهو يقفز فرحا :
_ انا فرحان يا دكتور …فرحـــان ….سكرة ولدت وقامت بالسلامة ….هسمي العجل على اسمك ….
فغر جاسر فاه من الصدمة فدخل يوسف ورعد في نوبة من الضحكات …جر جاسر الصبي من ياقة ملابسة بغيظ وقال :
_ أنا عصبي ….أنا إيــــه ؟
قال الصبي بابتسامة واسعة :
_ أنت عسل يا دكتور …..
ضمه الصبي بعناق وقال :
_ وشك حلو على الجاموسة ….. هجيبهالك كل يوم …. سامع صوتها ؟ حاسس أنها بتندهلك ….
نظر جاسر بذهول للصبي الذي يضم بسعادة ….ولم يستطع غير أن ينظر له بصدمة ……
وفي الخيمة التي وبصعوبة شديدة تم نصبها مرةً أخرى …..بدا آسر شديد العصبية وهي يضع الأدوية التي لم يطالها الأذى بترتيب ……دلف الشباب للخيمة ووجدوه هكذا …..بينما كان جاسر من كثرة غباء الصبي نعناعة تبدل غيظه للمرح …..
قال جاسر وهو يجلس على مقعد وبنظرة خبيثة :
_ الا قولي يا آسر بيه …..هي لما الخيمة وقعت عليكم حصل ايه ؟!
قال يوسف بسخرية :
_ هيشرب نسكافيه !! …..هيعمل ايه يعني يا معشوق المواشي؟
رمى جاسر نظرة حذرة ليوسف فصمت الآخر …وعاد بمكره الى آسر الذي ارتبك فجأة …..وقال :
_ ايه اللي حصل يعني ؟! طلعت أنا وهي !

 

 

ضيق رعد عينيه بخبث :
_ وهي ؟! …..وهي مين بقا ؟!
رد يوسف بتأكيد :
_ الجاموسة اكيد يا ناصح !
وقف جاسر أمام يوسف وقال محاولا الهدوء :
_ يوسف ….أنت في عالم ميكي موس ….ياريت ما تدخلش في كلام الكبار !
لوى يوسف شفتيه باستهزاء وقال :
_ أنت محسسني انكم سلاحف النينجا !
وبعدين أنت بتعايرني عشان بسمع كرتون لحد دلوقتي يعني ؟!
أصر جاسر على أسنانه وكتم غضبه ثم اتجه لآسر قائلا بمكر :
_ أحكيلي بعدين …أنا بحب اسمع الحكايات دي ….
قال يوسف بضحكة :
_ أنت موسوعة في الأنحراف …..بكرة نشوف ….
نظر له جاسر بثقة وقال بابتسامة ماكرة:
_أنا عالمي يابني ….صعب أقاوم ……
هز رعد رأسه بتأكيد وقال :
_ صادق ….الحيوانات نفسها مقدرتش تقاوم يامفتري !
ضحك عليه الشباب وهو يرمقهم بغيظ …..
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
وبمنزل العمدة …….
كان الفتيات عادوا للمنزل …..وكل واحدة انشغلت بتحضير الطعام ….ولم تسمح واحدة منهم أن تظهر أي شرود عليها ……كل واحدة دخل بحياتها غريب اطلق شرارة متوهجة بقلبها …..رغم حدة لقاء بعضهم ….ولكن هناك شيء قد نبض بالقلب …..
وكان قد عاد أيضا الصبي ومعه الماشية التي أتي بها بعربة خشبية تحملها هي وصغيرها من الوحدة البيطرية……
وارتفعت ضحكاته بالمنزل وهو يروي لهم ما حدث …..ثم يعود يتحرك هنا وهناك لأعداد الوليمة للفريق الطبي …..
دخلت زوجة العمدة وهي امرأة طيبة الخصال …قالت بمحبة للفتيات :
_ شدوا حيلكم يابنات…..ربنا يبارك فيكم يارب ….والله انتوا منورين بيت خالكم ….لولاكم لكنت احتست لوحدي دلوقتي وأنا ست كبيرة مابقتش قادرة على الشغل زي زمان …..
نظرت لها حميدة بابتسامة وهي تغسل يديها أسفل صنبور المياه :
_ البركة فيكِ يا أمه أمينة ……ما احنا بناتك برضو …. متخافيش …الأكل فاضلة شوية صغيرة ويستوي ….. على ما الضيوف يجوا …..بس مين اللي معزوم من الوحدة يا امه أمينة ؟!
أجابت السيدة وقالت بصدق :
_ والله يابنتي ما أعرف ….هو خالك بيقولي حاجة ! ….كل اللي أعرفه أن في عزومة لضيوف جايين من مصر …..سمعته بيقول كده …قافلة كده …..مش عارفة …..
قالت سما وقد تبدل حالة مرحها طيلة اليوم للصمت والوجوم :
_ واحنا مالنا بالضيوف …ما اللي يجي يجي …المهم نكرمهم وخلاص ….
نظرت رضوى لسما بشك ….اقتربت لها هامسة :
_ مالك يابت ؟!
ابتلعت سما ريقها الحاف وقالت بنفي :
_ مافيش …..دماغي واجعني بس شوية ….يمكن من تخريط البصل….
صدقت رضوى اجابتها وانشغلت بتقطيع خضار السلطة ….حتى تذكرت ذاك الغريب وابتسمت برقة وهي تعود ساعات ماضية وكيف كان اللقاء الهادئ….
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
اجتمع الفريق الطبي وبعض عاملين الوحدة بمندرة منزل العمدة … في حين قال العمدة :
_ أنا عرفت أن المكان مكفاش الدكاترة للبيات ……أنا فضيتلكم مندرة الضيوف جنبنا هنا….تقعدوا فيها براحتكم طول ما انتوا هنا …. هي مش كبيرة بس هتاخد العدد اللي فاضل منكم بأذن الله …..
قال رعد بشكر:
_ الف شكر يا عمدة ….بجد عملت فينا معروف ….الخيمة كانت برد أوي ومكناش هنعرف نشتغل بالشكل ده …..
رد يوسف بموافقة :
_ خلاص أنا وأخواتي هناخد المندرة نبات فيها …. هو العدد ناقص اتنين في مكان الفريق بس أنا مش بعرف اغيب عنهم بصراحة ….هروح معاهم …..
همس له آسر بغيظ :
_ اسكت بقا …هو أنت لازم تحكي مآساتك للقريب والغريب ! ….ايه جو كي جي وان اللي أنت فيه ده !!
نظر له يوسف وقال بنرفزة :
_ مالكش دعوة بيا ….
قال العمدة مبتسما ومجيبا على يوسف :
_ خلاص يا دكتور ….نبعت نجيب الشنط بتاعتكم من الخيمة …..

 

 

➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
لم تذهب ليلى للعمل مثلما اتفقت مع جيهان بل انشغل بالها بقلق ووحشة على والدها ….كيف هي هنا وتتركه وحيدًا بالمشفى !! وجيهان لم تتصل بها إلى الآن…
فكرت كثيرًا واحتارت في الأمر ولكن أخيرًا قررت الاتصال على رقم بثينة ……أجرت الاتصال من هاتف الغرفة بالفندق وردت الأخرى بعد عدة محاولات :
_ الو …؟!
قالت ليلى بتوضيح :
_ أنا ليلى يا بثينة …..اللي معاكِ في الشغل ….
قاطعتها بثينة بلهفة :
_ أنتِ فين يا ليلى الدنيا مقلوبة عليكِ هنا ؟! ….لو كنت أعرف أن ده هيحصل مكنتش خليتك تخرجي …!
قالت ليلى بضيق :
_ عرفت اللي حصل ….طمنيني على أبويا ارجوكِ ….
قالت بثينة بحيرة أن تخبرها أم لا ….فقالت أخيرًا :
_ بصراحة انا سمعت دكتور العناية بيكلم دكتور تاني عن حالة ابوكي والموضوع شكله فيه حاجة ….خصوصا أن كام دكتور جهم شافوا ابوكي النهاردة …مش عارفة في ايه !
دق قلب ليلى بعذاب….فقالت بثينة :
_ ارجعي يا ليلى …مايصحش تسيبي ابوكي لوحده كده ومالوش حد !! ….أفرضي الدكاترة طلبوا شيء مايلاقوش حد جنبه !
ادمعت عين ليلى وقالت :
_ غصب عني مقدرش ارجع صدقيني …..ينفع أشوفه ولو دقيقة واحدة بس ؟!
نظرت بثينة للمر المؤدي لغرف العناية وقالت :
_ الحرس بياخدوا راحة دقايق بسيطة وبيرجعوا ….وبفضل واقفة على ما بيجوا تاني …..لو قدرتي تدخل المستشفى هدخلك في وقت الراحة بتاعتهم ……
قالت ليلى بقلق :
_ ربنا يستر ….هحاول ادخل من غير ما حد ياخد باله …..أنا جيالك ….
انتهى الاتصال وتعجبت بثينة من الخوف في العودة للمشفى من جهة ليلى ….!
ماذا فعلت لتخاف هكذا ؟!
وماذا فعلت لتنقلب المشفى رأسا على عقب فور اعلان اختفائها ؟!
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖

يتبع…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *