روايات

رواية قلبي و عيناك و الأيام الفصل الخامس عشر 15 بقلم رحاب إبراهيم حسن

رواية قلبي و عيناك و الأيام الفصل الخامس عشر 15 بقلم رحاب إبراهيم حسن

رواية قلبي و عيناك و الأيام البارت الخامس عشر

رواية قلبي و عيناك و الأيام الجزء الخامس عشر

قلبي و عيناك و الأيام
قلبي و عيناك و الأيام

رواية قلبي و عيناك و الأيام الحلقة الخامسة عشر

~… خيط الوصل…طفلتها…~
دفعت جميلة الملابس المبتلة بوجه جاسر قطعة ورآها أخرى …كان يتفادى الملابس كأنه يسد الأهداف بمرمى كرة القدم !
نعت غبائه الذي جعله يقترب لتلك الشرسة مرةً أخرى وهو من كان يتوعد لها لما فعلته به بلقائهما الأول ….
هتفت بعصبية ويديه تحجب وجهه بحركة دفاع :
_ يعني بتصرخي وأنتِ بتحدفي في وشي الهدوم دي !! …ما شوفتش في غبائك !
رمت جميلة بقوة آخر قطعة بيدها والتي أصابت وجهه تمامًا ….. أزاحها جاسر بغيظ وهتف بنظرة غاضبة وهو يقترب لها سريعا :
_ كان نفسي تبقي شاب عشان أعرفك نتيجة اللي عملتيه ده دلوقتي …..كنت فرمتك ….!
غضبت جميلة من اقترابه وعصبيته الواضحة فصاحت بصوتٍ عال :
_ أنا ارجل منك واللي تقدر عليه اعمله ….. ولا ناسي لما حدفتك شبه الجردل في الترعة ! …… لأ وجاي لحد هنا كمان ومعرفش وصلت لهنا أزاي ؟!…..يا بجاحتك !!
زفر جاسر بعصبية وهو يتمنى لو يستطع أن يلقيها من على السور للأسفل ……وجد الصبي نعناعه وخلفه الفتيات يأتون من المبنى الواقف على سطحه راكضين…… وشباب عائلة الزيان يسرعون خلف بعضهم أيضا ….وذلك من خلف الفاصل بين المندرة ومنزل العمدة …..
هذا بعض صياحها گ الديك المصيح فجرا !!
نطق جاسر من بين أسنانه بعصبية :
_ فضحتينا الله يخربيتك ….الناس اتلمت !
لوحت جميلة بيديها وكأنها بإتيان الفتيات اصبحت في مركز أكثر قوة :
_ أنت لسه شوفت حاجة ……. أصبر عليا …..
هرع الصبي نعناعه وقال باستفسار لجميلة :
_ بتصوتي ليه خرعتيني !!
تسلل الشباب لسطح المنزل الآخر مثلما فعل جاسر منذ لحظات…. حتى أقتربوا من جاسر الذي يقف بمفرده بين الأربع فتيات والصبي ……
اجابت جميلة بعصبية وهي تشير بوجه جاسر بسبّابتها :
_ البغل ده لقيته على السطح بتاعنا ….اكيد حرامي !
نظر الصبي لجاسر وعاد ناظرا لجميلة قائلًا بحدة :
_ ده حرامي ده ؟! ….ده الدكتور جاسر !!…..من فريق القافلة اللي وصلت للبلد…. وأبويا العمدة دخله المندره هو و٣ دكاترة معاه …..
ضيقت جميلة عينيها عليه بعدما وقف جاسر بثقة ينظر لها ويراقب ردة فعلها باهتمام وترقب ……وكأنها لم تتفاجئ بالأمر رغم أنها بالفعل تفاجئت بعض الشيء في حين لم تحب أن تظهر ذلك …..
تسمر الثلاث شباب خلف جاسر وهم ينظرون للفتيات اللواتي نظرن لهم في دهشة …..
ابتسم يوسف لحميدة التي تنقلت ابتسامتها من الجهة اليمنى واليسرى على وجهها في فرحة بائنة تحاول أن تخفيها ودهشة واضحة ….
ونظر آسر بعصبية لسما التي ضيقت عينيها عليه كأنها تريد أن تصفعه ….. بينما كان هو لا يختلف كثيرًا عنها وصرّ على أسنانه بغيظ كأنه سيبدأ شجار معها …..
تخضب وجه رضوى بإحمرار ودقات قلب متسارعة وهي تنظر لنظرات رعد المبتسمة لها بدفء ومكر يلتمع بعينيه ……
كأنه كان يعرف أنهم سيتقابلا ثانية !
لم يعرف متى أو أين ….ولكنه ادرك أن شروق اللقاء الثاني لقريب !
هتف الصبي نعناعه بجميلة وقال وهو يرمق قطع الملابس المترامية على الأرض بفوضى :
_ احمدي ربنا أن ابويا راح يصلي العشا في الجامع وما سمعش صوتك المسرسع دهوه ….. بقى ده شكل حرامي يا حوله ؟!
ابتسم جاسر بسخرية وكأنه تلذذ بما بتعنيف الصبي لها….اسودت عين جميلة بعصبية وهي تلكم نعناعة على كتفه بغيظ

 

 

وتهتف :
_ أنا حوله يا حصيرة مقطعة !! ……
خرج يوسف من شروده بابتسامة بوجه حميدة وقال بابتسامة وكأنه يستمتع بما يحدث :
_ في إيه يا جاسر ….متعصب ليه ….ده الجو جميل خالص أهوه لدرجة أني جوعت وأنا لسه واكل …!!
تذكرت حميدة قطع الفطائر وابتسمت بخجل….. وعلى رغم عصبيتها بآخر لقائها به ….ولكنه يبدو تصرف بعفوية …..
رد رعد بابتسامته الماكرة وعينيه تتسحب باتجاه رضوى :
_ هو جميل بعقل !! ……
اشتعلت وجنتي رضوى بحياء وابتسامة متأرجحة وابعدت عينيها عنه بعدما شعرت أن هناك شيء يقصده خلف الكلمات ….
قاطعهم آسر بإستهزاء وهو ينظر لسما بحدة ويتذكر ما قالته له سابقاً :
_ بالعكس …. أنا اتخنقت وعايز أمشي…. شيء مستفز !!
قالت سما بعصبية لآسر واعلنت أنها فهمت مقصده :
_ وأنت إيه اللي جبرك تفضل هنا ؟!… طريقك أخضر يا خويا !
زم آسر شفتيه في غضب يكتمه بالكاد …. اسلوبها فظ لدرجة كبيرة معه ….. لم يعتاد أن يتحدث معه احد بتلك الفظاظة من قبل ……
سومها الصبي نعناعه بضيق وقال :
_ اكتمي يابت ….بتتكلمي وأنا واقف ؟! ….. كوز درة أنا ؟!
الدكاترة دول ضيوفنا …. يعني ما أشوفش واحدة منكم هنا تاني إلا للضرورة…… يلا انزلوا خليهم ياخدوا راحتهم !
ظهرت بعين آسر نظرة انتصار لما قاله الصبي لها وكأنه ثأر منها !!
قال رعد بابتسامة وبنظرة تقصد شيء يتوارى خلف كلماته وكأن هذا سيصبح عادته من الآن :
_ ما تقلقش على راحتي ….. أنا فعلًا لقيتها هنا …..وأنا وهي مرتاحين أننا مع بعض جدًا …. كانت وحشاني والله …. راحتي ….
اكد على الكلمة الأخيرة …… كان يبدو واضحا أن بكلماته شيء ما غامض …… لم تعرف هل قصد أن يخفيه أو يظهر !
بينما تلعثمت رضوى بإرتباك وركضت مبتعدة بعد ذلك ….فأتسعت ابتسامة رعد بتسلية وهو يضع يديه بداخل جيوب بنطاله بثقة …
رمت سما آسر بنظرة حادة وقالت لجميلة بعصبية ظاهرة:
_ خلصي نشير الغسيل وانزلي يا جميلة ….أصل الجو هنا كله هباب ويخنق !
استدارت مبتعدة بعدما نالت من نظرات انتصاره واغضبته ……. قالت حميدة بتلعثم وخجل وهي تتهرب من ذلك المحدق بها بابتسامة بلهاء تثير الشكوك وتلفت الأنظار :
_ معلش أحنا مكناش نعرفكم …..ومنعرفش أنكم هتقعدوا في المندرة …متأخذوناش …..
رد عليها يوسف بابتسامة وهو ينظر لها بفرحة واضحة لرؤيتها مجددًا….كأنه التقى بشيء كان يفتقده بشدة :

 

_ معرفة خير بأذن الله…..
ابتلعت حميدة ريقها بتوتر ثم لحقت الفتيات للأسفل بخطوات سريعة مهرولة للأختباء والتخفي عن أنظاره…..
وبين تلك الكلمات بين الشباب والفتيات كان جاسر يرمق جميلة بغيظ لحظات وبسخرية للحظاتٍ أخرى ……وشيء من التسلية لوجودهما بهذا القرب الذي سيخلق بالتأكيد مواقف أخرى آتية …..
لملمت جميلة قطع الملابس وقالت وهي تضعهم بترتيبهم الأول داخل “كروانة” من البلاستيك :
_ هنزل أشطفهم وانشرهم في أي حته تانية غير دي ….. على ما الغمة تتزاح …..ربنا يزيح العلل
ردد جاسر الكلمة بغيظ وهو يعرف أنه المقصود بهذه الكلمة….
ذهبت جميلة بالفعل بعد دقائق ورمقها جاسر بابتسامة مستهزأة منها عله ينل من ثقتها وتمردها الشرس هذا ولكن هيهات !! ……حتى قال الصبي نعناعة لهم في شبه اعتذار :
_ تتمسوا بالخير بقى يا دكاترة …… ولا كأن حصل حاجة …..
أشار لهم ملوحاً وهبط الصبي للأسفل سريعا هو الآخر …..قال يوسف بتكرار كلمة حميدة الأخيرة بعدما أختفى الصبي وغادر :
_ متأخذوناش ؟ …… يا أخواتي على الرقة ….. الكلمة طالعة من بوقها بنكهة الفطير الخطير …..
نظر آسر لهم بعصبية وقال وهو ينظر لهم الثلاثة ويشير اتجاه السلم :
_ شايفين كلامهم عامل أزاي ؟! عاجبكم يعني نتهان بالشكل ده ؟! ……أنا مش هقعد هنا لحظة واحدة !
قال جاسر بابتسامة يملؤها المكر وكأنه يخطط لشيء :
_ أنا قاعد هنا طول ما القافلة هنا ……ماليش علاقة بيهم ….كفاية ترحيب العمدة بينا ….. وبعدين بصراحة أنا المرادي اللي غلطان وجيت هنا بنفسي ……كويس أنها مقالتش كده قدام الواد اللي اسمه نعناعه ده وإلا موقفي كان هيبقى زي الزفت ….
قال رعد وهو يمرر يده على رأسه بابتسامة واسعة وكأنه وجد شيء يروقه بشدة :
_ وأنا مع جاسر …..مش ماشي من هنا …..
همس له جاسر بنظرة خبية مبتسمة بعدما لاحظ نظراته لأحدى الفتيات :
_ لقيت راحتك ها ؟! ……اقطع دراعي لو اللي بفكر فيه مكنش صح ….كلامنا بعدين يا رعديد…..
قال يوسف بتصميم والابتسامة عريضة على محياه :
_ اللي يقدر يخرجني يفرجني !! …..أنا راشق هنا …..
صدم آسر من قرارهم وتصميمهم بالبقاء وتحدث بصوت به رنة غيظ وضيق :
_ تمام ……أنا همشي لوحدي …..
قال يوسف له بتحذير وبجدية :
_ على فكرة دي تبقى قلة ذوق …..أنت وافقت تقعد هنا قدام العمدة …لو مشيت دلوقتي يبقى أنت كده بتحسسه أن المكان مش كويس أو معجبكش ومش لايق بحضرت الدكتور !! …..وبعدين أنت كنت بتتكلم كده ليه مع البنت اللي كانت بتزعق من شوية ؟! ….كأن بينكم حرب أو طار؟!
أجاب آسر بضيق وهتاف وحاول أن يخفي أي بوادر ارتباك ربما ظهرت بعينيه:
_ عشان لسانها طويل واتخانقنا امبارح بسبب نعناعه قريبها ده …… أنا مش حابب اقعد في مكان هي فيه ! ….
قال جاسر بتوضيح وحديث تظاهر به بالعقلانية عله يقنع أبن عمه :
_ كلام يوسف صح يا آسر ……سيبك من أي حاجة حصلت معاها….. أنت بقرارك ده هتحرج راجل محترم استضفنا في بيته واكرمنا….. مكنش مجبر خالص يقعدنا هنا ..!
وافقة رعد وقال بمسايرة آراء الشباب :
_ ما أنت مش هتقدر تقوله ولا توضحله سبب رفضك لوجودك هنا….. يبقى التفسير الوحيد اللي قدامه أن مش عاجبك المكان بعد ما كنت موافق …..وغير كده احنا متوعدين نبقى مع بعض في أي حاجة…….هتعرف تقعد مع الفريق وتسيبنا ؟
زفر آسر بعصبية وهو يتهرب بنظراته منهم ……مضى اتجاه سطوح المندرة وسأله يوسف بضيق :
_ رايح فين ؟ هتمشي برضو ؟!
رد آسر بعصبية عليه:
_ هستناكم تحت …أو هنام أفضل …..
تابع آسر طريقه وابتعد ……قال يوسف بحماس للواقفين بجانبه :
_ أنا مبسوط ومتفائل ….
قال رعد بابتسامة ماكرة وبدا عليه بعض الشرود :
_ الحكاية شكلها مش بسيطة خالص ….. بس تستاهل أوي …..وأنا كمان متفائل يا شباب …..
تنفس جاسر بنظرة ماكرة وقال :
_ أنا مش متفائل على اد ما أنا واثق من نفسي …. خلينا نشوف الحجر ده هيفضل حجر ولكنه هيدوب على إيدي ؟!
تساءل يوسف بحيرة من جملة جاسر الأخيرة ودق بعقله ناقوس الخطر :
_ تقصد ايه بكلامك ؟!
قال جاسر وهو يتنهد بابتسامة وينظر لرعد المحدق فيه بصمت وشيء من العتاب كأنه فك رمز خطة مختبأة بسرية بعقل جاسر :
_ هفهمك قصدي بعدين ……
قال رعد بحدة :
_ مش هتستفيد حاجة …. مش ذنبها أنها مش زي اللي عرفتهم ….. حاسس أن دي البنت اللي وقعتك في الترعة مش كده ؟!
ابعد جاسر عينيه عن رعد وقال بثبات :
_ آه هي …… وسيب بكرة لبكرة …..محدش عارف فيه إيه ….
قاا يوسف بقلق :
_ ربنا يستر منك وعليك ……

 

 

➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
بغرفة الفتيات …..
تجمع الثلاث فتيات بالغرفة بإستثناء جميلة التي أعادت غسيل الملابس المتربة بعدما نالت من ثرى سطح المنزل …..
تمددت حميدة على فراشها التي تشاركه مع شقيقتها رضوى …..وشردا الفتاتان للبعيد ……كلاهما على وجهها نصف ابتسامة…والنصف الآخر مختبأ بالأحلام البعيدة …..
تنفست حميدة وهي تتذكر ذلك الشاب الذي يبدو تلقائي وعفوي لدرجة كبيرة ……يبدو گ الطفل في مزاحه ومرحه ….
حتى ابتسامته كانت صافية وصادقة …..
كانت تنوي أن تنسى ذلك اللقاء …..وعند الخطوة
الأخيرة بالنسيان وصل عقد اللقاء بلقاء آسر مد التفكير …..شيء يجذبها إليه ….وشيء يخبرها أنه لم تكن المرة الأولى الذي تراه فيها …..
اضجعت رضوى على جانبها الأيمن اتجاه الحائط …..لتخفي ابتسامتها عن أي تلصص ….وبذات الوقت لتعطيها حرية الظهور !!
اي شيء يجذب عقلها للتفكير به ….وقلبها للهفة الرؤيا ….. أي شيء جعلها ما تمنته طويلا كأنها تخطو بأول خطوة به …..
ابتسامته لها وحديثه الماكر كأنه يحاول أن يخبرها شيء ….!!
كأنه يحاول أن يذكرها بأول لقاء ….
كأنه يطمئنها أنه فكر مثلما فكرت ….وتمنت مثل ما تمنّاه …..وأحب لقاء تلقيه الصدف مرةً أخرى …
ارتجفت للحظة …..عندما تذكرت أن حلم اللقاء أصبح حقيقة ….وأعطتها الصدف ببذخ شيء ما كانت حتى تجرأ أن تتمناه ….. أن يكن بذلك القرب أيضا ….وتقريبًا يسكن بنفس المنزل !!….. يا الله …..
نظرت سما للسقف على الفراش الآخر الذي تشاركه مع جميلة …..في ثبات وصمت …..
وعلى رغم ضيقا وعصبيتها وصدق كرهيتها لوجوده هنا …..ولكن الآن ؟
الآن شعرت بشعور غامض ……صافي تمامًا من الغضب !!
شعور لم يكره وجوده حقا ….. وأيضا لم يرحب ترحيب حقيقي به !!
كأنها تريد أن تجعله يرها جيدًا ….يرى تلك الفتاة الطيبة بداخلها ….. يرى حقيقتها !! شعور يحب أن يراها جميلة !!
نفرت من ذلك الشعور وأغمضت عينيها تحاول النوم رغما عن كل الافكار المتزاحمة بعقلها وخاصةً بتلك الدقائق الأخيرة !
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
كتمت جميلة وهي تلوي الملابس الغارقة بالماء بين يديها ……ليس فقط من غيظه ……هي تعترف لنفسها أنها كلما رآته تكن أكثر عصبية ….لم تعامل احدًا هكذا…!!
ولكن عينيه تؤكد أنه خبير ومحترف وجريء ……
شيء يستفز وللعجب يجذب الإناث أيضا !!
كلما تذكرت غيظه وعصبيته وايضا نظراته الماكرة كلما كتمت ضحكاتها ……
ثم تبدل ضحكها لشرود وحيرة …..لما تفكر هكذا ؟!
لما تفعل معه هكذا ؟!
لما تشعر بهذا الشيء الغريب على وطن القلب ؟!
اطرفت عينيها بتقطيبة علت ملامحها فجأة كأنها تعنف نفسها وتابعت تطهير الملابس من الثرى …..
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
وبالمنــــدرة …..
كانت هناك غرفة واحدة بسريرين وحمام وصالة واسعة فقط …..
تفرق الشباب الأربعة بالغرفة …..
وقف رعد شاردًا أمام نافذة صغيرة من الخشب القديم وقال :
_ عمي مصطفى الله يرحمه كان ليه حق يتعلق بالريف وبناسه…..هدوء وراحة ….. بتتنفس دفا من كل شيء حواليك ….
قال جاسر بسخرية والذي يتمدد على الفراش ويضع يديه خلف رأسه :
_ التفسير وعلم النفس بتحشره في أي حاجة ……حتى هنا !!
اعترض يوسف على حديث جاسر الساخر وقال وهو يقف أمام فراشه :
_ رعد عنده حق ….. أنا نفسيتي اتحسنت أكتر لما جيت هنا …..ده شيء طبيعي يمكن عشان كل البيوت محاطة بالزرع والخضرة …… يا أبني ده كفاية تصحى الصبح على ريحة الخبيز التحفة دي …….
رد جاسر عليه بحديث أكثر سخرية :
_ أهو أنت كمان دخلت رغباتك المطبوخة دي في رأيك !! …… طب تقدروا تعيشوا هنا على طول ؟!
لوى آسر شفتيه بإستهزاء :
_ لأ طبعا ….أنا عن نفسي مستني ارجع القاهرة النهاردة قبل بكرة …..حياتنا وشغلنا كله هناك…..
استدار رعد لهم وقال بثبات :
_ اعترف أني مقدرش بس مش عشان مقدرش أعيش هنا …..مقدرش عشان شغلي مش هنا …..عيلتي مش هنا ….. لكن لو عليا كنت هفضل هنا ولكن للأسف ماينفعش ….. في فرق بين أنك تتمنى شيء وبين أن وراك مسؤولية وضروريات لازم تتحملها حتى لو ضد رغبتك ….
وأضاف بمرح وهو يرجع ناظرا من خلال النافذة :
_ وعمومًا خلينا نقضي الفترة دي بشكل لطيف ….حاسس أن فترة وجودنا هنا مش هتتنسي وهتبقى جميلة ….. شيء يبعث عن الراحة والأمان …..
رد يوسف وهو يشير له بتأكيد :
_ وأنا كمان حاسس بكده
ابتسم رعد وقال مضيفا وهو يتذكر ذلك الوجه الذي يشوبه بعض السمرة من أشعة شمس الريف الدافئة :
_ بصراحة مكنتش متخيل الريف بالجمال والدفا والحنية دي …..!
نظر له يوسف بابتسامة شاردة :
_ فعلًا …..وأنا كمان
تابع رعد قائلًا :
_ حاسس أني عندي طاقة وحماس ونفسي مفتوحة لكل شيء ….. مبسوط معرفش ليه !!
رمقه جاسر بنظرة ماكرة مبتسمة بينما حدق فيه يوسف وقال بدهشة وتأكيد :
_ اقسم بالله وأنا كمان !!
التفت له رعد بغيظ وقال :
_أنت كوبي بيست في مشاعرك يا يوسف !! …… يا كربون الأحاسيس !!
ضحك يوسف بصدق وقال :
_ ما أنت بتتكلم زي ما بحس ….مش مهم ….أنا أحس وأنت تفسر …هو مش أنت دكتور نفساني !
نهض آسر من مكانه وقال لهم وهو يتنقل بنظراته عليهم بحدة :
_ أنا وافقت أفضل عشانكم ……لكن لو الأمر هيفضل كده وهسمع كلام زي ما سمعت من شوية يبقى أسف …همشي …..
ضيق جاسر عينيه بتعجب وقال :
_ بقولك إيه …..أنت مش عايز حاجة يبقى تجنبها …..البنت اللي كانت بتزعقلك دي ردت على كلامك المستفز ….. مكلمتكش من نفسها …..ريح هتستريح ….من الأخر يعني كبر دماغك ومالكش دعوة بحد هنا ….!
رفع يوسف حاجبيه بدهشة :
_ أول مرة أحس أنك عاقل يا جاسر !! ….والله صح ….طالما انت يا آسر مش عايز مشاكل يبقى من الوحدة للمندرة ومن المندرة للوحدة ……
صمت آسر وهو يرمقه بعصبية …..لم يكن الحل الأمثل بالنسبة له ويعرف ذلك …… خصوصا بوجود تلك الفتاة !
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
بغرفة الصغيرة بالمشفى ……
قبّل وجيه رأس الصغيرة الذي تألم حقا لوداعها ….لا سبيل للقائها به مرةً أخرى وأمها ستأخذها من هنا وتبتعد ….
لا سبيل حتى أن يبقيها هنا !
ولا أحقية في أن يطلب رؤيتها !
همس للصغيرة بحنان ونظرة معذبة ثم أخرج كارت صغير من محفظته ووضعه بيد الصغيرة :
_ ده كارت فيه رقم تليفوني ……أي وقت حبيتي تكلميني هتلاقيني برد عليكِ على طول ….. هتوحشيني أوي …..
ضمت الصغيرة الكارت بقبضتها حتى أخفته بأناملها وقالت بحزن :
_ هتمشي ؟!
لم يعرف وجيه بماذا يجيبها!
لم تطن هناك إجابة واضحة ترحم ضعفها وصغر عمرها …..ولا يريد أن يعطيها وعد كاذب أيضا ……فقال مغيرا الحديث :
_ أوعي تنسي ….. رقم تليفوني معاكِ أوعي تضيعه ….. هستنى مكالمة منك في أي لحظة …… مش عايزك تعيطي لما أمشي …..
التمعت عين الصغيرة بدموع وهزت رأسها بالإيجاب وهي لا تفهم كثيرا الأمر …..ولا حتى تدرك أن الهاتف سيعوضها عن فقدان بطل حكايات قبل النوم الذي أتى من الخيال للحقيقة وتعلقت به بشكل كبير في ظلمتها الدائمة…….
كأنه اليد الداعمة التي تجذبها من الظلام لعالم من المرح والنور……لبطل خارق اعتقدت ببراءة أنه أكثر شخص يستطع ان يحميها من جميع القسوة التي نالتها من أبيها وعائلته…..
مرر وجيه يده برفق على رأسها ثم استقام متنهدًا بألم وتحرىك للخروج من الغرفة …..
وعندما فتح الباب وجد ليلى أمامه ..!
لم تتفاجئ كثيرًا فهي كانت تتوقع ذلك …..كانت تعرف تعلق صغيرتها به والذي من رحمته لم يعاقبها بأفعال امها …..
ابتلعت غصة بحلقها ونظرت للأسفل حتى رماها بنظرة قاتلة من القسوة ومر جانبها سريعا……اغمضت ليلى عينيها بحزن ومضت لصغيرتها …….
تعجبت بعض الشيء لذلك الهدوء على الصغيرة ….رغم بعض الدموع الواقفة بعينيها ولكن هدوئها بذهابه لأمرًا غريب بعد نوبات بكائها لرؤيته ….!
ودت لو تسألها ماذا قال ولكن حافت أن تثير بكائها فألتزمت الصمت …
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
عادت ليلى للفندق …..أخذت مفتاح الغرفة وهي تحمل أبنتها التي صمتت طيلة الطريق وتضم يدها لصدرها بقبضة مغلقة كأنها تخفي شيء بتلك الأصابع الصغيرة !
انتبهت ليلى فجأة وهي تمضي اتجاه المصعد للصعود لغرفتها المستأجرة بالفندق إلى صوت مألوف ….التفتت ببطء حتى تفاجئت بصديقتها القديمة ” إيمان ” ……صديقة وزميلة عملها القديمة * محل الزهور” ….
ابتسمت ليلى بصدق ورددت اسمها حتى اسرعت إيمان إليها بخطوات سريعة والابتسامة واسعة على ثغرها ….وقالت :
_ ليلى !!! ….مش معقول !! …..وحشتيني جدًا جدًا ….
صافحتها ليلى بحرارة وأجابت عليها :
_ وأنتِ كمان …وحشتيني أوي
نظرت إيمان للصغيرة بحنان وقالت وهي تشاكسه بيدها على وجنتها :
_ بنتك دي ؟! …..قمورة أوي مشاء الله ……
لم تلاحظ إيمان حالة الصغيرة فقالت ليلى بابتسامة :
_ آه بنتي ….ريميه
اعجب إيمان الاسم وحاولت التذكر متى سمعته من قبل؟ …ولكنها لم تعطي للأمر أهمية حتى تابعت بابتسامة عريضة :
_ تصدقي أنا مكنتش موافقة أجي النهاردة ….أصل جوزي يبقى سكرتير رجل أعمال كبير …..معرفش اسمه عاصم ايه كده ….الفندق ده يبقى بتاعه كمان …..والنهاردة في حفلة كده عشان نجاح الصفقة الأخيرة للشركة …. كل موظف جاي معاه مراته وكده ……اضطريت أجي معاه …..
تذكرت ليلى اسم عاصم …..فقالت متسائلة :
_ عاصم شكري تقصدي ؟
هزت ايمان رأسها وقالت بتأكيد :
_ هو ده ….بس أنتِ تعرفيه منين ؟!
ربطت ليلى الأمور ببعضها ثم أجابت :
_ ما أنا قدمت في شركته عشان أشتغل ….المهم …تعالي معايا أنا حاجزة هنا لفترة على ما الاقي مكان مناسب …..
لم تفسر ليلى امر العمل واكتفت بما قالته ……وافقت ايمان بترحاب وقالت :
_ ماشي …وهتصل على حازم أقوله أني معاكِ هنا …..هو عارفك….ياما حكيتله عنك ……
صعدت ايمان مع ليلى لغرفتها وأجرت اتصال على زوجها بهذه الدقائق ……
في غرفة ليلى ……
وضعت ليلى ابنتها على الفراش وطلبت وجبة سريعة تكفي ثلاث أفراد عبر الهاتف …..لترفض ايمان قائلة :
_ لأ مش هقدر …… أنا كفاية عليا أني شوفتك والله يا ليلى …. رجعتيني لعشر سنين فاتوا في لحظة ! …
اكملت حديثها وهي تبتسم بحنين ثم قالت متسائلة :
_ هو جوزك فين ؟
قالت ليلى وقد توقعت هذا السؤال :
_ أنا اتطلقت يا إيمان ….من سنة …..ومش حابة اتكلم عن الموضوع ده….
لم يكن الأمر صادم بالنسبة لإيمان فقد علمت بأمر زواجها من أبن عمها وآلت الأمر لإرغام عائلة ليلى بذلك …..قالت متفهمة الأمر :
_ لأ مش هتكلم فيه ….طالما أنتِ مرتاحة يبقى ارمي ورا ضهرك .وأنسي ….
قالت ليلى بتأكيد :
_ طلاقي الحاجة الوحيدة اللي خلاني أقدر اقف على رجلي من تاني …..بحاول اتخطى اللي حصل……
وبعد ذلك روت لها إيمان ما حدث خلال العشر سنوات الماضية لها والحياة الذي تخللها مصاعب وصبر كي يعثر زوجها حازم على عمل أمّن لهم مستوى معيشة جيد أخيرًا ….. وبهذا الأثناء أخبرت ليلى صديقتها بحالة أبنتها المرضية والذي تألمت لها ايمان بشكل واضح …..
تاهت الصغيرة ريميه في غفوة سريعا حتى قبل أن يأتي الطعام ….ثم قالت ليلى لصديقتها ايمان :
_ ايمان ….عندي طلب وياؤيت ما اكونش بتقل عليكِ ….
قالت إيمان بصدق :
_ قولي ولو أقدر مش هتأخر عليكِ…..
رتبت ليلى حديثها سريعا ثم قالت وهي تنظر لإبنتها النائمة :
_ أنا المفروض هروح مقابلة شخصية للشغل بكرة ….. ومش عارفة أسيب بنتي مع مين ….. لو مش هضايقك ….اقعدي معاها بس هنا لحد ما اخلص المقابلة وأشرحلهم ظروفي وظروف بنتي ….ويارب يرضوا يخلوني أخدها معايا الشغل ……
قالت ايمان بموافقة :
_ حبيبتي مافيش مشكلة ….. كنت هروح لماما بكرة بس هغير الميعاد وهجيلك ولا يهمك …..بس تفتكري ممكن يرضوا تاخدي بنتك معاكي الشغل ؟! …… الاحسن ما تتكلميش في الموضوع ده دلوقتي واستني عشان ما يرفضوش ….
تذكرت ليلى أن العمل بالأساس أتى على طبق من ذهب مع الموافقة بكامل ظروفها ….لذلك كانت مطمئنة…..لم تحب أن تخبر ايمان بالأمر …ليس فقط لغرض الخصوصية ….بل أن الحكاية ستجر الحقيقة كاملةً….التي فقدت ذاكرتها منها بعض الأشياء ….والبعض الأخر تتألم وتتعذب حين تذكره ……فقالت بإختصار :
_ اللي عايزه ربنا هيكون …..

يتبع…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *