روايات

رواية قلبي و عيناك و الأيام الفصل الثالث و الستون 63 بقلم رحاب إبراهيم حسن

رواية قلبي و عيناك و الأيام الفصل الثالث و الستون 63 بقلم رحاب إبراهيم حسن

رواية قلبي و عيناك و الأيام البارت الثالث و الستون

رواية قلبي و عيناك و الأيام الجزء الثالث و الستون

قلبي و عيناك و الأيام

قلبي و عيناك و الأيام

رواية قلبي و عيناك و الأيام الحلقة الثالثة و الستون

~… مقابلة بعد انتظار طويل!…~
يأبي القلب شعور ، ويتلهف عليه بذات الوقت، أرجوحة المشاعر هذه تعني أن القلب به شيء.
راقب حسام الحالة الغريبة التي بدت بها شقيقته وهي بين الابتسامة والدموع غارقة كليًا !
فقال هو يقترب لها ببطء :
_ القرار قرارك يا فرحة، بس أنتي رفضتي طلبه بالجواز منك، وفي نفس الوقت حاسس أنك بتفرحي بوجوده .. أو على الأقل بتطمني ! … فهميني إيه اللي جواكي ؟
اعتدلت فرحة أكثر بفراشها ومسحت عينيها وهي تجيب:
_ لو سمحت يا حسام بلاش نتكلم في الموضوع ده.
زم حسام شفتيه بيأس ثم سأل :
_ طب هتعملي إيه في موضوع الشغل ده ؟
تنهدت فرحة وهي تتهرب من عينيه ثم أجابت والحيرة تملأ عينيها:
_ كده كده هدور على شغل بما أني سيبت المستشفى، هفكر في عرض الشغل معاه، زيه زي أي مكان هشتغل فيه، لسه مخدتش قرار.
قال حسام بصدق :
_ نفسي أفرح بيكي يا فرحة، أوعي تكوني بترفضي بسببي ! ، لو عرفت أنك رفضتي بسببي مش هسامحك أنك حرمتيني أفرح بيكي، وأنا أقدر أعيش لوحدي وكلها كام سنة واتجوز يعني.
ابتسم لها فبادلته الابتسامة والمحبة وقالت:
_ اللي مكتوبله حاجة هيشوفها.
ولم يقتنع حسام باختصار حديثها ريثما أنه شعر بأن هناك الكثير تخبأه .. ولكنه لم يجبرها على التحدث.

 

 

********
أخذت الطبيبة النفسية مروة الأخذ بالحديث مع ليلى ريثما تمسك طرف الخيط، ولكن لم تصل لشيء فليلى بهذه الحالة تنسى ما مرت به خلال الساعات الأخيرة بالفعل .. بالأضافة لمرضها النفسي الذي زاد الأمر سوء.
نهضت مروة من مقعدها بعدما شعرت أن ليلى تمضي للتحسن وقالت بلطف:
_ همشي أنا دلوقتي وهستناكي بكرة في المستشفى بأذن الله، وما تفكريش في اللي حصل ولا كأنه ما كان، بس ما تنسيش الدوا بتاعك والفيتامين.
شعرت ليلى بألم مبرح في رأسها بعدما اومأت بالايجاب للطبيبة، وعندما خرجت مروة من الغرفة سارت بالممر المؤدي للسلم، ولكن حينما وصلت للطابق الثاني خرجت جيهان من غرفتها بطرفة عين، وكأنها كانت تنتظر ظهور مروة وتقدمت إليها مباشرة دون تردد…وقالت بتتوتر ظاهر :
_ ليلى عاملة إيه دلوقتي ؟
ضيقت مروة عينيها بشك وصمتت تتفحص جيهان بدقة ثم قالت:
_ وحضرتك عرفتي حالة ليلى منين ؟
ارتبكت جيهان وظهر بعينيها الندم على تسرعها بالسؤال، ولكنها انقذت نفسها وقالت:
_ أنتي مش هتجيلها إلا لو كانت فيها حاجة، أنا شوفتك من شباك أوضتي وأنتي داخلة تجري فعشان كده عرفت أن ليلى فيها حاجة .. خصوصا انها كمان ما نزلتش تفطر معانا !
هربت جيهان من ورطة الاجابة بذكاء واقتلعت نفسها من براثن الشك … ولكن لم يزول شك مروة فيها بل وكأنه ازداد وهي تبتسم لها وقالت بمراوغة:
_ لا أبدًا مافيش حاجة، هي حست بدوخة شوية فطلبتني أجيلها وعلى ما جيت لقيتها تمام اتكلمنا شوية والموضوع أنتهى، أطمني عليها.
ابتلعت جيهان ريقها بتوتر وخوف لم يمر من ملاحظة مروة مرور الكرام … ثم قالت وكأنها تحدث نفسها:
_ اتكلمتوا !! … طب هي كويسة يعني ؟
تأملت مروة للحظات ارتباك جيهان وقلقها الواضح عند كل سؤال وإجابة، فتأكدت أنها خلف ما حدث لليلى .. ولكن لم تتفوه بحرف أن لم يكن معها الدليل وأجابت بهدوء :
_ آه هي تمام مافيهاش حاجة تقلق.
وشعرت جيهان من نظرات مروة أنها على علم بشيء ، ربما روت لها ليلى ما حدث وتنوي على أخبار وجيه ! ، كيف وضعت نفسها بتلك الورطة الكبرى ! … واستأذنت مروة بالانصراف وعينيها تدقق في وجه جيهان …
وما أن خرجت مروة من المنزل الكبير حتى أجرت اتصال هاتفي على رقم وجيه .. فأجاب عليها وهو بمكتبه قائلا :
_ معاكي يا دكتورة مروة ..
قالت مروة بقرار صريح :
_ دكتور وجيه بعد أذنك ما تخليش حد يعرف اللي حصل لليلى ولا أنها نسيت بعض المواقف الاخيرة ، مش هتأثر الساعات دي في معاملتها مع اللي حواليها ..
اكد وجيه فائلا :
_ ده اللي كنت ناوي عليه فعلا، وزي ما قولتي الكام ساعة دول مش هيأثروا بس الخوف الموضوع يتطور.
تنهدت مروة ببعض الضيق وقالت:
_ لو في حد هو السبب في حالتها يبقى لازم نعرفه لأن كده الموضوع فعلا هيتطور معاها، أنما لو شيء عارض فمش هيتكرر كتير مع العلاج والهدوء وهيقل جدًا مع الوقت.
ضيق وجيه عينيه ووصله ما تحاول مروة توضيحه فقال :
_ لو عرفت أن اللي حصل لليلى بسبب حد فصدقيني مش هرحمه مهما كان مين، أنا كنت صدقت أنها خفت خلاص ومكنش في أي أعراض ليه الفترة اللي فاتت !
قالت مروة بعصبية:
_ حالة ليلى محتاجة للهدوء والاستقرار أكتر من أي حاجة لذلك مكنش في أي اعراض وهي بالفعل بدأت نفسيتها تتحسن، وده اللي زود شكي أن في طرف مش معروف، أنا اسفة يا دكتور أني بقولك كده ولكن يهمني مصلحة ليلى في المقام الأول … من بداية معرفتي بليلى محصلهاش الحالة دي من غير سبب، فحاول تشوف مين اللي كلمها قبل ما تنزل من أوضتها.
صمت وجيه للحظات وقد زاده شك حديث مروة، ولو فكر بشخص فلن يكون سوى جيهان!.. وانتهت المكالمة وظل وجيه جالسا شاردا بمكتبه بوجه متجهم … فحتى لو ذهبت جيهان لليلى فأي شيء ممكن أن تقوله ويؤدي بليلى لهذه الحالة !
جيهان وأن انفعلت أو غضبت ولكنه يعرف أنها بحقيقتها مسالمة لن يصل بها الأمر لتهديد مخيف مثلا !
********
وفي المشفى …
دخل جاسر مكتبه بعدما تلقى التهاني والمباركات من الزملاء، مع نظرات الغيظ والغضب من بعض الممرضات الذي واعدهن قبلا …. رفع هاتفه بنظرة ماكرة وكتب رسالة نصية وكان محتواها غرامي جريء … ثم ارسلها لرقم جميلة التي استقبل هاتفها الرسالة وهي بغرفتها المستقلة التي وافقت امها على المكوث بها نهارا فقط دون الليل…نظرت جميلة للهاتف الملقى بجانبها وأخذته لترى من بعث لها برسالة ووجدت رقمه فابتسمت … ولكن لم تدم الابتسامة طويلا وشهقت من جرأة الكلمات التي لم تحن مباشرة ولكنها ماكرة وخبيثة … وقررت الاتصال به وهي بحالة الغيظ هذه …
وجلس جاسر بارياحية وهو مبتسما من الاتصال معتقدا أنها مثله تبتسم وتمر بحالة شديدة من العاطفة … فأجاب وهو يتنهد بابتسامة :

 

 

_ وحشتيني يا عمري … عارفة يا جميلة أنا ….
هبت واقفة على فراشها وقالت بعصبية :
_ وحشك عفريت ، ايه الكلام السافل اللي باعتهولي ده ! … بقى في واحد محترم يبعت لبنت الكلام القليل الادب ده ؟!
قال جاسر مدهوشا :
_ هو في إيه ؟!
صاحت جميلة بغيظ وقالت :
_ انت اللي في ايه ! … أنت مش امبارح وعدتني أنك مش هتقل ادبك معايا ؟؟ … بقا ده كلام تبعتهولي ! … أنت فاكرني مراتك !
رد جاسر بغيظ شديد وهتف:
_ يا بنتي أنتي مجنونة ما أنتي مراتي ! …. وأنا اللي فكرتك هتفرحي وتتكسفي يا بومة تايهة في الغيطان ! … وقال ايه برد عليكي والعاطفة مبهدلاني ! ….. مشاعري دي تستحق قلمين ، وانتي كمان .
هتفت :
_ وأنا كمان ايه ؟
تراجع جاسر وقال:
_ تستحقي مشاعري بعد القلمين، طب ايه الكلام اللي يرضيكي ؟ …. أقولك خواطر حزينة؟ ليكي في أشعار الجاهلية؟
قالها بغيظ جعل جميلة تكتم ضحكتها، فقالت وهي تجلس مجددا على الفراش :
_ أي حاجة غير الهباب اللي بعتهولي ده.
ولم تتلقى رد وبدا أنه كان يتمتم بالشتائم … ثم قال وتحكم بعصبيته:
_ حاضر … هدورلك على أكتر شيء مهبب وابعتهولك تتهبي بيه يا حبيبتي… حقيقي يعني بحتقر اختياراتي.
هتفت مجددا :
_ بتقولك ايه ؟!
تراجع جاسر وقال :
_ بفتخر باختياراتي … تخيلي يوم ما اختار شيء بإردتي تكوني أنتي ! … والله جدي كان عنده حق في اللي بيعمله ! …
قالت بسخرية:
_ والله لو مش عاجبك تقدر تنسحب محدش جابرك !
ضيق عينيه وقال بنبرة وضح فيها المكر :
_ واسيبك لمين يا بيوتيفول ! …
ضحكت وسمع صوت ضحكتها فابتسم ابتسامة عريضة وقال:
_ أحيانا بتحسسيني أنك أنثى …
قالت ساخرة :
_ أحيانا !
قال بتصحيح :
_ أحيان كتير يعني، المهم .. عايزك تستقبليني حلو قدام العيلة، أنا مأكدلهم أني مسيطر ..
قالت بتعجب :
_ استقبلك حلو أزاي يعني أخدك بالأحضان ! …
تنهد جاسر قائلا :
_ ياريت .. خليكي معطاءة.
قالت جميلة بهدوء :
_ لو فضلت تتكلم كده مش هتكلم معاك في التليفون تاني يا جاسر .
صرّ على اسنانه بغيظ وقال :
_ طب يعني حتى مافيش حتى ولو نبذة دلع، ترابة من الحنان، أي شيء كده بسيط.
فكرت جميلة قليلا ثم قالت بجدية :
_ ماشي موافقة، هدلعك باسمك، هقولك جلاجل بدل جاسر … إيه رأيك يا جلاجل؟
وانخرطت بضحكة عالية عندما انهى جاسر المكالمة … فقالت بتأكيد:
_ والله لدوخك على كلمة حلوة … فاكرني سهلة زي اللي عرفهم !!
********
وفي غمر شروده وخواطره قرر وجيه الصعود حيث غرفة جيهان، لن يستطيع التحدث معها مباشرة ريثما أنه تعهد أن لا يقول شيء عن ما حدث لليلى … ولكن كل الشكوك تتجه إليها ولابد أن يكتشف الحقيقة.
نهض من مقعده وخرج من المكتب متوجها لغرفة جيهان بمعالم وجه لا تنذر بالخير…
وبالغرفة كانت جيهان تقف أمام النافذة شاردة وعينيها زائغتين في دروب الألم والندم، وطفرت دموعها تنسال على وجنتيها دون أن تمنعهم من السريان، حتى دخل وجيه للغرفة بوجه شديد التجهم فالتفتت له ودب الخوف قلبها …
نظر إليها لاحظات ولدموعها المسترسلة وبدأ شكه يزداد بكل طرفة عين، فشعرت أنه بدأ يشك فيها فمسحت عينيها ورسمت ابتسامة مصطنعة وقالت:
_ لسه ما روحتش الشغل !
اقترب منها وجيه ببطء ودرس توترها الزائد بكل خطوة ثم قال بصوت لم يكن به اهتمام مثلما ما به من تهديد لتعترف:
_ بتعيطي ليه يا جيهان ؟!
جف ريقها وهي تحاول التماسك والثبات، ونطقت بالكاد ولم تستطع أخفاء ذلك الاضطراب الذي هجم على وجهها:
_ دي بقت طبيعتي خلاص، لما سألت عرفت أن ده اكتئاب موسمي بيخليني في فترة معينة من كل سنة في مزاج عصبي وعيوني مليانة دموع ومش رايقة، كنت مستغربة زيك كده.
تنهد وجيه بعمق وعلم أنها ستراوغ بكل إجابة ولن تعترف بسهولة أن صح ظنه، فقال:
_ لو في حاجة جواكي يا جيهان احكيهالي، قوليهالي قبل فوات الآوان.
وكانت جملته الأخيرة تهديد واضح، فأجفلت لبرهة بذهول، لهذه الدرجة التخلي عنها يكون بهذه السهولة ؟! …. وعلمت أيضا أنها لو حتى اعترفت فسيكون الآوان قد فات أيضا، لأنه لن يغفر لمخلوق يطال ليلى بأي ضرر … فقالت بتلعثم وجسدها تقريبا يرتجف:
_ ليه حاسة أن كلامك فيه حاجة غريبة !
اقترب منها أكثر ووقف أمامها مباشرة وقال بجدية:
_ لازم يا جيهان تعرفي حاجة مهمة جدًا، أني حاولت بكل جهدي ما أظلمكيش، حاولت فعلًا والمحاولة دي من أصدق الحاجات اللي عملتها في حياتي…. عاملتك بما يرضي الله وكل مشكلة كانت بينا كان سببها شيء خارج عن سيطرتي، وهو حبي لليلى، أنما غير كده ما ظلمتكيش نهائي وكنتي زيك زيها في كل حاجة.
ابتلعت جيهان ريقها بصعوبة وشعرت بالخطر من حديثه، فسقطت دموعها بغزارة بنوبة بكاء وهي تقول :
_ أنت بتقولي كده ليه يا وجيه؟!
تنفس وجيه بعمق ثم قال :
_ حسيت أني عايز أقولك كده، يمكن ده سبب دموعك ! … فلو جواكي شيء ياريت تقوليه ليا ونحاول نصلح المفهوم ده.
كان يحسها أن تخبره بالحقيقة، فربما لو اعترفت يتدارك الأمر ريثما أن اعتذرت وشعرت بالندم، ولكنها لم تقول شيء ، أي شيء واكتفت بالدموع فقط … وقالت بعد ذلك بنظرة شديدة الحزن :
_ لو جوايا شيء هقولك.
تفحصها وجهها وعينيها التي لا تستطيعان النظر اليه وبدأ يساوره الشكوك بالكثير من الظنون وخرج من الغرفة.
*******
وعند دخول المساء وصل الرباعي الشباب للمنزل بعد يوم عمل شاق… واستوقف رعد ظهور رضوى بالحديقة تجمع نبات النعناع الأخضر الطازج … فقال للشباب الثلاث وهو يدفعهم بعيدا عنه:
_ طب بالسلامة انتوا بقا ..
غمز جاسر له وقال بابتسامة خبيثة :
_ النعناع ده هينفخك دلوقتي.
قال رعد بثقة :
_عيب عليك، أخوك مسيطر.
ضحك جاسر بسخرية وقال :
_ كان غيرك أشطر ! …. مافيش راجل بيسيطر بعد الجواز يا بني دي كذبة وأحنا بنصدقها جدعنة كده عشان شكلنا، أحنا غلابة أوي يا رعد يابني!
ضحك يوسف وقال :
_ كل واحد يتكلم عن نفسه يا أخ …
ضيق جاسر عينيه على يوسف حتى اقترب منه وهمس قائلا :
_ لولا اني عارف حميدة كنت شكيت فيك ياض، ساكت كده بس دماغك دي بتقلقني! عملت ايه يا انسان الغاب يا دكتور الناب ؟

 

 

قال يوسف بضحكة:
_ أنت تعرف حميدة بس ما تعرفنيش أنا، وأنا مش هقولك عليا ..
ضحك آسر على مزاحهما وجرهما الاثنان للداخل وتركوا رعد يراقب رضوى …
حتى اقتحم رعد هدوء المكان ووجدته رضوى يقف أمامها فتوترت، ابتسم لها وقال :
_ بتعملي ايه ؟
تنفست الصعداء ثم قالت وتابعت جمع اعواد للنعناع:
_ بجيب شوية نعناع لأمي، بتحب تحطه على الشاي.
وشعرت رضوى أنه سيقترب لها فابتعدت عنه سريعا ، وبدلا أن يضمها ضم جسد شجرة الزيتون ، فاطلقت رضوى ضحكة عالية وهي ترى صدمته وركضت للداخل عندما يقترب اليها منتقما …
وعندما دخل الثلاث شباب للمنزل وجد جاسر جميلة تهبط من الدرج بخطوات هادئة … فقال لها بغمزة وهو يفتح ذراعيه لها:
_ لو كان قلبي معي ما اخترت غيركم ، ولا رضيت سواكم في الهوا بغلا
همس له يوسف بتصحيح :
_ بدلا مش بغلا يا عنترة يا اللي هتودينا ورا الشمس بشارعين
دهش جاسر :
_ إيه ده بجد ! …. لسه حافظها وأنا جاي، جبتلها شعر جاهلي يليق بيها، مش مهم، المهم الاحساس وأنا بقولها.
لوت شفتيها بسخرية وتوجهت للمطبخ لتحضر الطعام ، فهتف جاسر قائلا بمكر:
_ هتقعدي جانبي وأنا بتعشا ..
ودخلت جميلة وهي تضحك للمطبخ، وعندما نظر اليها بعض العاملين استجمعت ثباتها وبدأت تعاونهم في اعداد العشاء.
وعند العشاء لم يأتي وجيه بل أمر بأن ياتي الطعام له بغرفة ليلى ووضع مبرر بوجود وعكة صحية المّت بها منذ صباح اليوم …
وتجمعت العائلة جميعها حول مائدة العشاء دون وجيه وزوجتيه…. وبينما جلست كل فتاة بجانب زوجها شعرت سما بيد آسر وهي تتسلل اليها وتلمس يدها في رقة … ارتبكت ونظرت له بقوة فابتسم وهو يختلس النظرات للجميع ويتأكد أن لا أحد ينتبه لأمرهما …. فهمس قائلة وبعينيها الانفعال:
_ سيب ايدي !!
هز رأسه رافضا وهو يبتسم بتسلية، وبعد لحظات ترك يدها وهمس لها قائلا شيء جعلها تحمر خجلا.
*******
وبغرفة وجيه وليلى …
كان يطعمها برفق ويطعم الصغيرة التي ضمتها أمها ليلى بحنان … حتى قالت ليلى بعبوس :
_ طب وأنت مش هتاكل ؟!
فقال ممازحا ليبعد هذه التيهة من تفكيره:
_ من فيكم بقا هتأكلني ؟!
رفعت الصغيرة يدها وقالت :
_ أنا أنا …
ابتسمت ليلى بمحبة وضمت صغيرة الضاحكة ، ثم ساعدتها كي تضع الطعام بفم وجيه … وكانت الصغيرة تضحك بانتصار كلما وضعت الملعقة بفمه … ثم قال وهو يشاكسها :
_ أنتي وماما هتيجوا معايا الشغل بكرة …. هتقعدوا في المستشفى يومين كده …
مطت الصغيرة شفتيها وبدا أنها تفكر ثم قالت ببراءة :
_ طب وحميدة !
أخبرها وجيه بالامر قائلا :
_ حميدة هتكون هناك برضه، كلنا هنكون معاكي …
ابتسمت ريميه وقالت مثلما تسمع يوسف يجيب أحيانا :
_ أوكيه.
ابتسم وجيه لها حقا ، ثم قال ليلى :
_ الدكتور اللي كلمتك عنه هيوصل الاسبوع الجاي ، هو للأسف اتأخر وكنت مستنيه، ودي فرصة كويسة كمان نستغلها ونطمن عليها يمكن يكون في أمل.
لم يذكر اسم الصغيرة فلم تدرك أن الحديث عليها، أومات ليلى رأسها بالايجاب … حتى تابع وجيه :
_ الدكتورة مروة هتكون معاكي بس برنامج العلاج هيتأجل شوية لحد ما أعصابك تهدى، اتفقنا على كده.
وافقت ليلى وشعرت بالارتياح للأمر، فأي ضغط كي تتذكر ما حدث يزيد نفسيتها سوء … لأنها بالفعل لا تستطيع التذكر ….
وبهذا الوقت اعلن هاتف وجيه اتصال ، فرفع هاتف ثم أعطى الهاتف لليلى قائلا :
_ دي الدكتورة مروة ، المكالمة دي ليكي ..
فأجابت ليلى على طبيبتها وتحدثا للحظات حتى قالت مروة بتنبيه:
_ لما تحبي تكلميني اتصلي بيا يا ليلى عشان مش بفتح نت الفترة ومش عايزة اشوف أي رسايل من أحمد … بيحاول يتصل بيا بس مش برد …
قالت ليلى بتعجب :
_ حصل حاجة تاني ؟
قد سردت مروة لليلى أمر قريبها الضابط أحمد التي أحبته منذ صغرها …. فأجابت بتنهيدة يبدو فيها التعاسة:
_ بتهرب منه في أي شيء ممكن يوصلي فيه ، أنا مش قادرة اسامحه يا ليلى ومش هقدر أرجعله، بيبعتلي يجي ١٠٠ رسالة قي اليوم ولما زهقت قفلت النت كله من الفون ومابقتش أفتحه ، مش عايزة أضعف من كلامه … حتى البيت لما بيجي مش بخرج له اسلم عليه حتى … كده أحسن .
قالت ليلى بضيق:
_ لما نتقابل نتكلم في الموضوع ده.
ضحكت مروة وحاولت أخفاء حزنها وقالت:
_ لا مش عايزة اتكلم فيه تاني وعايزة انسى ، وبعدين مين فينا اللي يفضفض لمين ! … باب النجار مخلع باين !
وابتسمت لحزنها كي لا تثقل الهموم على كاهل ليلى ….
ومر من الوقت اسبوعا كاملا …. ذهبت فيه ليلى للمشفى وبدا الأمر مستقرا ، حتى أن الفتيات ترددن على المشفى لزيارتها وبدأن العمل بالفعل بعيدا عن محيط العمل الذي يخص الشباب، لذلك كانت تلك الأيام القليلة تبدو هادئة مستقرة…
ولكن الأيام دائمًا تحمل المفاجآت ….
**********
دخلت فرحة مكتب كبير تنبعث منه رائحة القهوة المنعشة والأوراق …. ووقفت أمام مكتب السكرتيرة وانتظرتها حتى أتت من طابق الحسابات …. وظنت فرحة أن زايد لديه سكرتير رجل وليس امرأة ! …. ولكنها تفاجئت بأن السكرتيرة أكثر امرأة فاتنة رأتها بحياتها أيضاً! …. فشعرت بغضب شديد يتسلل اليها ، وجلست السكرتيرة التي ترتدي ملابس رغم أنها لا تكشف الكثير من جسدها ولكنها لم تخفي فتنتها الطاغية أيضا …. وقالت ديما بصوتها الشديد النعومة:
_ اتفضلي يا آنسة فرحة ثواني هعمل مكالمة وهبقى معاكي .
اومأت فرحة بالقبول وهي تتفحص الفاتنة بصمت ….
وكان يبدو على حديث السكرتيرة اللطف واللياقة الشديدة في الحديث ، حتى انتهت ديما من المكالمة وتوجهت لفرحة قائلة بابتسامة رسمية :
_ مستر زايد كلمني عنك ، هو دلوقتي مع حد من العملا فمش هينفع اقاطعه للأسف، نص ساعة بالكتير وتقدري تدخلي ليه المكتب.
وانقضت الدقائق التالية في بطء شديد جدًا حتى كانت فرحة على أهبة أن ترحل بلا راجعة …. وفجأة تجمد جسدها من خروج رجل من باب جانبي كبير الحجم …. وقالت ديما بابتسامتها التي تفتك بمقاومة أي رجل :
_ دقيقة هدخل لمستر زايد وهرجع ادخلك .
ولم تنتظر ديما أن تسمع رد فرحة حتى ودخلت للمكتب بخطواتها المتمايلة بدلال واضح ومثير !! …. تنفست فرحة بانفعال شديد وللحظات شعرت بأقليتها الشديدة أمام تلك الفاتنة … ربما نساها زايد تماما بعد قدوم ديما …!
ولكن بعد دقيقة وجدت السكرتيرة تخرج وتشير لها بالدخول ، فاهتزت فرحة بارتباك وقلق شديد ، وللحظة أرادت أن تهرب وتركض من هنا بأسرع قوتها…. ولكن سيبدو موقفها سخيفا وساذجا أن فعلت ! …. فقررت الدخول وبعدها ستمضي وقتها وترحل دون عودة …
وغاصت قدميها في السجاد الفاخر وهي تدخل المكتب والتوتر ينهش أعصابها …. ووجدت زايد يقف مستندا غلى عكازه ويقابلها بأجمل وأرق ابتسامة رأت على وجه رجل….
نظرته كانت دافئة لدرجة جعلتها تحمر خجلا …. لا يمكن أن يحبها لتلك الدرجة الجنونية الظاهرة بعينيه !

يتبع…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *