روايات

رواية قلبي و عيناك و الأيام الفصل الرابع و الستون 64 بقلم رحاب إبراهيم حسن

رواية قلبي و عيناك و الأيام الفصل الرابع و الستون 64 بقلم رحاب إبراهيم حسن

رواية قلبي و عيناك و الأيام البارت الرابع و الستون

رواية قلبي و عيناك و الأيام الجزء الرابع و الستون

قلبي و عيناك و الأيام
قلبي و عيناك و الأيام

رواية قلبي و عيناك و الأيام الحلقة الرابعة و الستون

~… هدوء ما قبل عاصفة من الحب…~
لم تستطع فرحة تصديق فكرة أن رجل مثل زايد بكل جاهه وهيبته تلك من الممكن أن يكتفي بها حبيبة وزوجة، لا بد أن هناك شيء خاطئ بالأمر، أو ربما لأنه لم يصل لمبتغاه فيها فأختصر الطريق الذي يعرف أنه لن يربح غيره معها، وعرض عليها الزواج ليرضي غروره فقط ويتركها بعد ذلك!
وهنا تملّكها أحباط وكآبة التمعت بعينيها التي شردت بعيدًا عنه، وكان في استقباله لها شيءً أكد ظهوره في نظرته، شيء أراد لو يعلنه مباشرة امام عينيها الدافئتان الذي لم يرى السلام والطمأنينة إلا فيهما.
شيء كان معناه واضحا … وأنها الأميرة التي اقتحمت مدينته ورغم ذلك الأقتحام أقام السلام !
أشار لها لتجلس وكان في تعابير وجهه قبول وابتسامة خفيفة تعاند للظهور بوضوح:
_ اتفضلي أقعدي.
وانتبهت له فرحة وهو يمر أمامها متوجها لمقعد مكتبه الأزرق المبطن ذو الظهر المرتفع، وبنظرة سريعة رأت أن ذوق أختيار أثاث المكتب يمتزج بين الطابع الشبابي العصري والجادي بآنٍ واحد … وعندما جلس أرخي جسده لظهر المقعد وتجنبت النظر إليه حتى جلس، ريثما أنه يمتلك مظهر شديد الجاذبية والوسامة خاصةً اليوم وكأنه تعمد ذلك….!
وجلست بحركة سريعة وبدا أنها تريد أنهاء المقابلة بأسرع وقت … وبرر توترها لأنفرادهما بالمكتب فقال وعينيه تخبراها بمدى الأشتياق الذي كان كالحرب التي شنت على قلبه بالأسبوع الماضي :
_ تشربي إيه ؟

 

 

أجابت بثبات رغم ما تخفيه من توتر:
_ ولا حاجة … ممكن نبدأ الأنترفيو ؟
انزوت على جانبي وجهه ابتسامة خاطفة وقال :
_ ده مش انترفيو، لأني مش لسه بفكر وبختار سكرتيرة، المقابلة دي عشان أشرحلك شغلك والبداية هتكون أزاي.
كانت تعتقد أنه لا يبتسم، أو نادرا ما يفعل!!، ولكنه بتلك الدقائق القليلة عقّب على حديثها عدة مرات بطيف ابتسامة حتى لو كانت خاطفة وتكاد لا يسعف انتباهها سرعة ملاحظتها … فقالت بصدق:
_ الحقيقة أنا جاية ومقررة شيء، وهو أني لو حسيت أن الشغل هنا مش هقدر أفهمه هقدم استقالتي ليك، مش بعرف اكون في مكان وأحس أنه مش مكاني !
اشتبكت أصابعه ببعضهما بعدما أرخى ساعديه على المكتب وقال بتأكيد:
_ أول قاعدة لازم تتعلميها وتطبقيها في أي شيء في حياتك أن مافيش شيء مستحيل، حاولي وجربي ١٠٠ مرة لحد ما تتعلمي، لو كل انسان فكر زيك كده وبنى حياته على القرار ده يبقى مافيش حد هيتقدم خطوة واحدة في حياته، الحياة نفسها كفاح في كل خطوة.
رغم فلسفة حديثه ألا أن هناك شيء بحديثه سخر من كلماتها، وكأنه قرأ أفكارها فأوضح:
_ كلامي مش معناه تقليل من اللي قولتيه، تقدري تعتبريه توضيح مش أكتر، وعمومًا مافيش داعي للقلق لأن في سكرتيرة معاكي وأنا كمان معاكي.
ابتلعت فرحة ريقها بتوتر يزداد مع كل لحظة، بينما هو راقب ردة فعلها من تلميحه الأخير وراقه احمرار خديها وارتباكها الواضح، فكأنما يصوب السهم ويربح الضربة مثلما خطط.
وكان يئز سؤال بعقلها منذ اللحظة الأولى التي وطأت قدميها أرض مكتبه، ولكن طرح السؤال سيولّد كثير من الظنون لديه، ولهفة معرفتها للإجابة تسحق أي عارض يمنعها من قوله.
ومع حيرة التقدم والتراجع قالت بتجهم:
_ ممكن اسألك سؤال ؟
وشعر زايد أن ما ستقوله سيكون أمر يقترب لأن يكون شخصي ريثما مع ترددها الواضح هذا …. فقال بثقة:
_ قولي اللي عندك كله، عايزك زي ما عرفتك، واضحة .. وصريحة.
شقت الحيرة والتراجع قرارها بالتحدث مرة أخرى بما هجم على خاطرها بتلك الدقائق الفائتة، وصمتت للحظات أثار سكونها الحيرة بداخله … ما الشيء الذي تود قوله وتتردد لهذه الدرجة من النطق به!
_ الفترة اللي كنت موجود فيها في المستشفى خدت بالي أن عندك سكرتير مش سكرتيرة، بس…..
ضيق زايد عينيه بتفكير وطيف ابتسامة ينسحب لزاوية فمه، أهذا الشيء الذي يشغلها حقا بهذه الدرجة! … الأنثى لا تنسى أنها أنثى أبدًا مهما تعمدت أظهار الشدة والحزم!!
ربما كان تأثير السكرتيرة له مفعول البنزين الذي وضع قرب النار ! ….. فقال بتسلية:
_ بس إيه …؟!
ازدردت فرحة ريقها الذي جف تقريبًا ونطقت ببعض التلعثم :
_ اتفاجئت بالسكرتيرة الموجودة برا ..!، طب طالما عندك سكرتيرة ليه هتحطني بالإجبار معاها ؟! ….. أظن يعني على اد معرفتي وخبرتي القليلة أن مافيش اتنين سكرتارية بيكونوا في مكتب واحد !
حرك زايد قلم حبر بين أصبعيه ونظراته بها وميض شديد المكر، وابتسامة خبيثة ظهرت بتجعيدة بسيطة أسفل عينيه … وكان لصمته مفعول عجيب لأن يجعلها بقمة توترها وأحراجها … حتى أنها ندمت على التفوه بتلك الكلمات …. وانتبهت له وهو يرد قائلا بعينان تومضان بشيء كالوعد …. فقال:
_ السكرتير بتاعي لسه موجود بس خليت شغله في مكان تاني عن هنا، السكرتيرة اللي برا دي جبتهالك مخصوص عشان عارف أنك هتتكسفي تسأليني وهتتوتري، وديمة وجودها هنا مؤقت لحد ما تتعلمي، هي في الأصل سكرتيرة والدي … يعني مجرد ما فترة تعليمك تنتهي وتفهمي كل شيء مش هيكون غيرك هنا….. فهمتي يا فرحة ؟
اومأت رأسها ببطء ايجابًا، ورغم نطقه الدافئ لاسمها قالت :
_ بعد أذنك يعني مش عايزاك تقولي فرحة كده !، بلاش نشيل الرسميات، وطبعا هقولك مستر زايد زي ديمة ما بتقول …
رفع زايد حاجبه بغرابة وقال:
_ طب ولو قولتلك فرحة فيها ايه ما أنا بنادي ديمة باسمها عادي!
قالت فرحة بتأكيد رغم الصرير الذي أحدثته أسنانها بغيظ عندما تحدث عن السكرتيرة الفاتنة بتلك الطريقة:
_ كده أفضل وهيريحني بعد أذنك.
راقبها بتسلية وادرك ما يجول برأسها … ثم تحدث بهدوء مقصود ليستفزها:
_ تمام مافيش مشكلة … ولو في شيء وقف معاكي فأنا موجود، مش هضايق أبدًا لو خدتي من وقتي شوية افهمك فيهم حاجة في الشغل.
نهضت فرحة بحركة فجائية المت عمودها الفقري، ولكن شعرت بأن حديثه يميل إلى أن يتطور للأمور الشخصية فهبت واقفة … ثم قالت بجدية زائدة وهي تضع ملف أوراقها على المكتب:
_ دي الاوراق بتاعتي اللي ممكن أحتاجها عشان التعيين، بعد أذن حضرتك.
ولم يسعفه الوقت كي يتحدث معها أكثر بل تقريبًا ركضت هي لخارج المكتب فبات مدهوشا لبعض الوقت … ولكن بعدها عاد جالسا باسترخاء وأفصحت شفتيه عن ابتسامة شقت ثغره … هناك آتٍ معها.. هناك كثير من المفاجآت والأمل … هناك أشياء يتمنى أن يتشاركها سويًا ويملأ وجودها كل ركن في حياته… لم يكن مجيئها لهنا كي تعمل !
بل لتظل قريبة .. تتعرف عليه ولكن تبقى قريبة … جزءً له … وجزءً عليه…..
وتألقت عينيه ببريق دافئ مفعم بالحب المتوق لنقطة تلاقي وتبدا حياتهما معا.
*******
ولاحظت ديمة سرعة خطوات فرحة وهي تخرج من المكتب فراقبتها بعينان متفحصتان بغرابة …. فقالت فرحة حتى لا تزرع في عقلها موطأ الظنون:
_ أنا خلصت المقابلة مع مستر زايد وعايزة أبدأ اتعلم الشغل …
ابتسمت ديمة ابتسامة كان بها وميض سخرية :
_ واضح انك مستعجلة على الشغل فعلًا …
وتجاهلت فرحة نبرة السخرية التي اشتدت بآخر حديث ديمة، وقالت:
_ هبدأ معاكي من النهاردة بأذن الله، قوليلي بقا هنبدأ بإيه ؟
أشارت ديمة لها كي تتريث وتتأنى قليلًا … ثم ضحكت ضحكة خافته وقالت :
_ على مهلك يابنتي مالك متسربعة كده ليه ؟! …. أخلص بس الشغل اللي معايا وناخد بريك ربع ساعة وبعدها هنبدأ أن شاء الله.
تعجبت فرحة حد الدهشة وقالت بتأفف:
_ يعني هقعد المدة دي من غير ما اعمل حاجة كده !
والذي بدأ يتأفف ويضيق بالفعل هي ديمة، ولكنها أخفت ذلك الضيق وطبعت ابتسامة رسمية لا رحابة فيها وقالت:
_ هحاول أخلص بسرعة.
انكمشت فرحة بجسدها الصغير بزاوية الأريكة جالسة في صمتٍ تام، بينما بعد لحظات بدأ ذهنها يرتجل مشاهد خيالية مؤلفة ….. منها الذي ينساب شاعرية، ومنها الذي ينذر بالخطر ….
وانحدرت بفكرها إلى تلك الفاتنة الجالسة أمامها ورؤيتها لها ببادئ الأمر بمقارنة مع رؤيتها الآن ….
ديمة من نوعية النساء التي تخطفن الأبصار للوهلة الأولى بجمالهن، ولكن التكرار يقلل حدة الأنبهار مع الوقت … ورغم أن معرفتها بها لم تتعدى النصف ساعة ولكن الآن بدأت تشعر فيها بشيء غير مريح للنفس …. شيء يشعرها بأن ذلك الجمال يخبأ وجها آخر مضاد له في الاتجاه …
ووقعت عينا فرحة على مكتبه خشبية متوسطة الحجم ملصقة بحائط جانبي …. فقررت قضاء وقتها بأفيد طريقة ونهضت

 

 

لتنتقي من يلفت أنتباهها ….
وبعد دقائق فغرت فاها عندما وجدت مجلدات لنجيب محفوظ والعقاد والسباعي !
ويبدو أن ديمة انتبهت للأمر فقالت بنبرة يشوبها الاستهزاء:
_ سكرتير مستر زايد اللي كان هنا قبلي بيحب يقرأ كتب من دي في وقت فراغه، فهتلاقي منها كتير عندك ! … قال يعني مش لاقي حاجة يعملها بمرتبه فبيخلصه على الكتب!
ولم تستسيغ فرحة رنة السخرية من القراءة بحديث ديمة فعقبت قائلة:
_ ما اعتقدتش أنه كان بيخلص مرتبه على الكتب، بس يعني مش شيفاها حاجة وحشة للدرجة دي !
لوت ديمة شفتيها بنظرة ساخرة :
_ آه شكلك نفس الكتالوج ده … خلي بالك بقا عشان مستر زايد مابيحبش السرحان والأنشغال بأي شيء عن الشغل …. مافيش رواية من دول هتدافع عنك وقتها!
وارفقت حديثها بضحكة سخيفة لم تعجب فرحة بل استفزتها …. وهنا كانت فرحة سترد عليها ولكن اعلن هاتف ديمة اتصال … فنظرت اليه بتوتر ثم نهضت دون كلمة واحدة وخرجت من المكتب !
لم تشعر فرحة حيال الأمر بشيء من الشك فالموقف طبيعي على الأقل بنظرها … وعادت للمكتبة تختار منها ما تود قرائته لحين تنهتي ديمة من عملها ويبدأن العمل …..
*********
انفردت ديمة بنفسها في زاوية بعيدة عن الأعين وأجابت على الهاتف :
_ مع حضرتك
قالت نوران زوجة والد زايد بصوتً به لهفة لكشف بعض الأمور :
_ عملتي اللي اتفقنا عليه يا ديمة ولا اجيب حد بدالك يخلصلي المهمة دي ؟!
راقبت ديمة الطريق حولها جيدًا ببعض التوتر ثم قالت :
_ لا طبعا أنا مع حضرتك وهنفذ اللي اتفقنا عليه، بس الأفضل الأوراق دي ما تختفيش غير بعد ما أرجع أنا شغلي الاساسي وابعد عشان مستر زايد ما يشكش فيا …. في واحدة هتستلم بدالي الشغل معاه وموصي عليها بالقوي ومهتم بيها بشغل غريب!
دهشت نوران ريثما أن زايد ليس من طباعه كثرة العلاقات النسائية وأن حدث ذلك فكان بحدود ولهدف محدد وبمدة وجيزة لن تطول عن الشهر حتى يحقق مراد والده في الاساس بالتعرف على أبنة ذاك وهذا من أصحاب الأموال الطائلة كي ييسر له بعض الصفقات….فقالت باستغراب:
_ زايد ! …. مش معقول !
وكان يبدو من صوت ديمة أنها تحمل غيظ من الفكرة فقالت بسخرية:
_ وياريت اللي مهتم بيها حتى حلوة ! …. ذوقه بيئة جدًا !

 

 

زفرت نوران بملل وقالت :
_ مش مشكلتي اللي انتي بتقوليه دلوقتي! ، المهم المهمة تتنفذ من غير أي دليل تسبيه وراكي ….. أما أزاي فدي بتاعتك أنتي بقا بس انجزي مافيش وقت، الشركا الاجانب اللي هيدخلوا مع زايد المشروع الجديد هيوصلوا مصر بعد اسبوعين عشان يعاينوا الموقع، ولازم التصميم بتاع المشروع كله يبقا في ايدي قبل ما يوصلوا …. المشروع ده لو اتنفذ هتبقى كارثة !
لم تفهم ديمة ما هو الكارثة في الموضوع ريثما أن المشروع هذا تحديدا سيدر نجاحا ملموسا لاسم الشركة وارباح هائلة ! …. ولكنها قالت لتنهي الحديث قبل أن ينتبه لها أحد :
_ هحاول اخلصه بأسرع وقت، وياريت حضرتك ما تتصليش بيا الا بليل اكون رجعت البيت وأقدر اكلمك براحتي …. انما هنا ممكن أي حد يسمعني.
قالت نوران بموافقة :
_ اوك …. المرة الجاية اتمنى نكون بنتفق على ميعاد تسلميني فيه ملف المشروع … سلام موقتا.
ردت ديمة بعجالة :
_ مع السلامة يا مدام نوران .
وعندما أغلقت ديمة الأتصال والتفتت يمينا تجمدت !
فقد وجدت فرحة تقف بجانبها تقريبًا سوى خطوة واحدة تتقدمها ديمة عنها، ونظرت ديمة بصدمة لفرحة … حتى قالت الأخرى بدهشة من مظهر ديمة وهي متسمرة هكذا :
_ أنا أسفة بس التليفون رن أكتر من مرة ومحبتش أرد وأنتي مش موجودة …
تنفست ديمة الصعداء بعدما تصبب جبينها بعض حبيبات العرق عندما ظنت أن فرحة كشفت أمرها …. ولكنها يبدو أتت بالثوان الأخيرة فلم تلتقط أذانها أي كلمة ….. فقالت ديمة بعصبية وهي تمسح جبينها بمنديل ورقي :
_ طيب راجعة المكتب …
وتركت فرحة تقف حائرة …. حتى رددت فرحة عدة كلمات وقالت :
_ مدام نوران ! …. وخايفة حد يسمعها وهي بتتكلم معاها ! …. واتصدمت لما شافتني ! …. هو في ايه ؟!
وكان بحقيقة الأمر أن فرحة لم تستمع غير للحوار الأخير الذي تحذر فيه ديمة امرأة عبر الهاتف الا تهاتفها إلا ليلًا …. ويبدو أيضا أن هذه المرأة تدعو ” نوران” …. فمن هي نوران هذه ؟!
هكذا تردد هذا السؤال لفرحة وهي تعود للمكتب ..
*********
جلس هيثم بجانب أمه واضعا ساقا على ساق في استرخاء ثم قال وفي نبرته تعجب وملل :
_ هو أنا هفضل قاعد كده في البيت ولا إيه ؟! …. بقالي ٥ أيام واصل مصر ولحد دلوقتي مش عارف أروح الشركة بسببك ! ….. فهميني ليه عشان مش هصبر أكتر من كده !
نظرت له والدته بنظرة خبيثة وقالت :
_ لحد ما يخلص اللي في دماغي ما ينفعش تروح الشركة خالص.
رفع هيثم حاجبيه تهديدا وقال:
_ لو مفهمتنيش دلوقتي اللي بتخططيله هقوم اخد عربيتي واروح الشركة حالا ….
زفرت نوران بغيظ منه، فهي تعرف ابنها يحمل قدرًا وفيرًا من الغباء، ولو تدخل بالأمر لربما أفسد عليها نجاح مؤكد … فقالت مرغمة:
_ طب اسمعني ونفذ اللي هقولهولك بالحرف …
أولًا زايد بيحضر لمشروع كبير ، المشروع ده لو باسم ممدوح جوزي مكنتش زعلت ولا عملت ده كله، أنما زايد واخد المشروع ده باسمه ولحسابه، يعني بالمشروع ده بس هيبقى ناقصه بس مبنى لشركته الخاصة وفي أقل من سنتين هيدمر شركتنا وهينهب السوق نهب ….
زايد بيحضر للمشروع ده بقاله ٣سنين وصرف في تحضيره كتير وخلص دراسة الجدوى وكل اللي محتاجة عشان يبدأ …. ملف المشروع ده بالكامل في خزنته الخاصة اللي محدش يعرف مكانها غير ممدوح …. وبطريقتي أنا بقا قدرت أعرف من ممدوح مكان الخزنة دي فين بالضبط في الشركة … واللي ساعدني أن زايد بعد سكرتيره المخلص عن مكتبه وبعت جاب سكرتيرة ممدوح جوزي موقتا عشان تعلم بنت لسه جاية جديد الشغل، والبنت دي هي اللي هتبقى سكرتيرة زايد بعد ما تتعلم ، وعرفت أن زايد مهتم بيها أوي وشاكله واثق فيها بزيادة… أما بقا سكرتيرة ممدوح دي في ايدي وتبعي …. عرفت بقا اللي في دماغي ولا مافهمتش ؟!
فكر هيثم لبعض الوقت وقال بنظرة يلتمع بها شيء:
_ اللي أهم من السكرتيرة المؤقتة … هي السكرتيرة الجديدة دي ، ودي اللي لازم تكون تبعنا، لأن واضح أن في حاجة بتحصل غريبة بينهم، زايد مش من عادته يعرف واحدة غير لسبب…. عموما لما تخلصي مهمتك هتبدأ مهمتي أنا ..
قالت نوران بقلق من تسرعه وتهوره:
_ سيبلي أنا كل حاجة ونفذ اللي هقولك عليه وبس.
ابتسم هيثم باستهزاء بينما شردت عينيه للبعيد وكأنه بدأ يدبر شيء ….

 

*********
تمسكت الصغيرة ريميه بحميدة التي تركت عملها بالمشفى وأتت اليها خصيصا وقالت لليلى التي كانت ممددة على فراش بغرفة واسعة بأحد الطوابق العلوية من المشفى:
_ هاخد ريمو معايا يا مرات عمي، هتقعد معايا بالمكتب
قالت ريميه برجاء لأمها:
_ قولي آه ، قولي آه بقا
ابتسمت ليلى لصغيرتها بابتسامة كسولة وقالت :
_ خلاص ماشي … بس ما تتأخريش يا حميدة وجبيها على طول ..
وافقت حميدة بابتسامة وخرجت والصغيرة تصفق بضحكة على ذراعيها….. وبعدها همست لحميدة وهما يعبران الرواق الطويل للمشفى :
_ حميدة حميدة، هو مش يوسفي هنا ؟
ضحكت حميدة وقالت :
_ آه هنا في المبنى ده، بس أنا بشتغل في المبنى التاني !
مطت الصغيرة شفتيها بأحباط … حتى انتبها الاثنان لصوتً يصيح من خلفهما :
_ ريمــــــــــو….
ادارت الصغيرة رقبتها وهي تحاوط شفتيها بأصابعها الرقيقة وكأنها تحتوي صوتها ليصل اليه أسرع وهتفت:
_ يوسفي .. كنافتي
وركض نحوهما يوسف حتى وقف امامهما بضحكة ، ففرد الصغيرة ذراعيها لكي يأخذها … بينما هو لم ينتظر أن تفعل ذلك فقد أخذها عنوة من ذراعي حميدة وقال لها بمشاكسة وهي تضحك :
_ هقول للقطة تعضك ، وحشتيني يا ريمو بقالك اسبوع مع مامتك هنا وغايبة عن البيت …..
ضحكت الصغيرة وهي تبعد يده عن رأسها وهو يشاكسها …. فقالت حميدة بحياء:

 

 

_ بعد اذنك يا يوسف … هرجع لشغلي ..
عبس وجه يوسف فجأة ثم قال بمقت :
_ مش عارف ايه حكاية الشغل اللي طلعت على غفلة دي … يا ستي لو عايزة تشتغلي ممكن تشتغليني يعني وهديكي مرتب كمان ، بس خليني أشوفك أكتر ينوبك ثواب ! …. قلبي متشحطف على ساعة زمن اقعد فيها معاكي ونتكلم …
نظرت حميدة له بحدة وبنظرتها وكأنها تذكره بحديثه الصادم بيوم عقد القران …. فقال بغيظ :
_ يا سلام على الانسان لما يقسى على حبيبه الانسان اللي زيه !
قالت الصغيرة بعدم فهم وسألت باستفسار:
_ ليه يا يوسفي الانسان بيقسى على حبيبه الانسان ؟
رد يوسف على حالته المغتاظة:
_ اسألي حميدة !
سألت الصغيرة حميدة :
_ ليه يا حميدة ؟!
قالت حميدة بسخرية :
_ شكله كان جعان !
اقسم يوسف :
_ كنت واكل وشبعان واكلتك معايا يا ناكرة الجميل … ده كله عشان ….
هتفت حميدة به لكي لا يتابع بوجود الصغيرة :
_ بس يا يوسف !
انفعل يوسف من هتافها وقال :
_ طب وطي صوتك !
نظرت له حميدة وشعرت أنها تمادت بعض الشيء في ارتفاع صوتها عليه وحولهما يمر الأطباء والممرضات.
فأعطاها الصغيرة برفقة، ثم تركها تقف دون كلمة …. عبست الصغيرة باستياء وقالت :
_ يوسفي مشي !
تنهدت حميدة وقالت :
_ عليت صوتي بس هبقى أصالحه لما ارجع البيت بعد الشغل ….
*********
وكانت ليلى قد باغتتها الغفوة مرةً أخرى وذهبت في سباتٍ عميق …. حتى شعرت بشيء يلامس بشرتها ففتحت عينيها ببطء ….
حتى اشرقت نظراتها على وجهه الحبيب ، والقريب، مثلما هو قريب لقلبها وروحها …. يبتسم بمحبة شديدة تتألق بعينيه …. وباشتياق أتى به لهنا مسرعا فورا وجود عدة دقائق وجد فيهم بعض الاستراحة …. وهي كانت راحته فأتى إليها دون تفكير

 

 

حتى …
اعتدلت ليلى بفراشها سريعا حتى اسرعت الى صدره بلهفة …. وقال مبتسما:
_ لو أعرف أن نفسيتك هتتحسن بوجودك هنا كنت جيبتك من زمان ….
قالت بصوتٍ مكتوم قليلا لكونها تتحدث محتضنة صدره:
_ امبارح بابا جفونه اتحرك وشفت ده بنفسي، فرحت أوي أوي …. روحتلك المكتب عشان أفرحك لقيتك رجعت البيت … بس
قاطعها وجيه معتذرا أسفا:
_ ماينفعش اسيب البيت في الوقت ده بالذات يا ليلى ما أنتي عارفة الوضع، وكمان أول أيام جيتي فيها هنا كنت فيهم معاكي …. بس جيهان برضو ليها حق عليا …
قالت ليلى متفهمة:
_ لو سيبتني اكمل كنت هقولك بس أنا فاهمة ومقدرة …. مش زعلانة.
ابعدها قليلا ونظر لعينيها بعمق وقال:
_ بما أن النهاردة ليكي … ممكن أخدك بليل كده نتعشى برا ونرجع ؟ …. عايز اتكلم معاكي …
سألت ليلى بلهفة :
_ في ايه ؟
هز وجيه رأسه بحيرة:
_ مش عارف …. بس عايز اتكلم معاكي، في أي حاجة … المهم تبقي معايا …
ابتسمت له بمحبة شديدة وعلمت أنه اشتاق لمحادثتهما وثرثرتهما بهذه الأيام السبع التي من المفترض ابتعدت فيها عنه..

يتبع…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *