روايات

رواية قلبي و عيناك و الأيام الفصل الواحد و السبعون 71 بقلم رحاب إبراهيم حسن

رواية قلبي و عيناك و الأيام الفصل الواحد و السبعون 71 بقلم رحاب إبراهيم حسن

رواية قلبي و عيناك و الأيام البارت الواحد و السبعون

رواية قلبي و عيناك و الأيام الجزء الواحد و السبعون

قلبي و عيناك و الأيام
قلبي و عيناك و الأيام

رواية قلبي و عيناك و الأيام الحلقة الواحدة و السبعون

~… عهد الطفولة …~
ويهمس القلب سرًا بكلمة أحبك .. بعدما كان لا يعرف سوى الآنين والألم ..!
متى تعرف الأنثى حبها الحقيقي ؟
ربما عندما تجد رجل يستطيع ازالة ذكريات كل ما كان قبله دون رجعة، أو عندما لا ترى سلامها وأمانها إلا بجواره !
فليس كل حبيب يستطع أن يضع روح الأطمئنان بقلب حبيبته … فهناك من يقدم الخوف والشك!!
توالت دقات قلب فرحة، دقات عالية تسارعت من فقط جُملة !
جُملة قالها فسرقت خوفها .. !
اطمأنت حتى السكينة .. صُدمت لدرجة الدموع …!
ونظرت له بعينان تلتمعان من الدموع الآبية الاعتراف وقالت بصوتٍ وكأنه الهمس:
_ احتياجك ..! …. أنا؟! …
لاحظ بعينيها شيء رقق قلبه أكثر، قلبه الذي لم يرق ويدق إلا لها !
فأجاب بتأكيد وعينيه تسبقان صوته إجابة:
_ احتياج، واجتياح، وسند روحي المكسورة .. وأمل بكرة والجاي .. لما قولت أنك خطيبتي مكنتش لعبة ..!
دي الفرحة اللي مستنيها ومصدقت لقيت اللحظة اللي أقدر أخطف فرحتي فيها، وده طبعاً غير خوفي عليكي من كل حاجة … حتى مني!
هربت عينيها من نظراته وتطلعت بورقة الاستقالة على مكتبه، ففهم أنها تريد التراجع عن تلك الخطوة، ولكنها تستحي أن تبادر بها … فطافت على ثغره ابتسامة وهو يأخذ ورقة الاستقالة ومد يده بها قائلًا:
_ خدي ورقة الاستقالة دي قطعيها بنفسك ..
كانت أمامه ثابته، سوى عينيها المرتبكتان بحياءً شديد، بينما بداخلها هناك غزو يحدث بقلبها الآن !
أخذت ورقة الاستقالة منه بأصابع مرتعشة وعينيها تتهرب منه على الورقة، ولاحظ زايد بدموع الصامتة التي تنزلق من عينيها على وجنتيها وقبل أن يسأل اسرعت فرحة للخروج من مكتبه ووقف يتأمل خروجها بدهشة … !
ولكنها اغلقت باب مكتبه حتى لا يرها وجلست على مقعد مكتبها وانطلقت من أنفاسها نفضة دموع … رافقها ابتسامة !
أن تشعر أنها محبوبة لتلك الدرجة فهو بالشيء الذي لا تستطيع عنده إلا أن تبكِ ! … ولأول مرة تختبر دموع السعادة!
أن لا يكفي قلبك الابتسامة تعبيرًا، فيغمرك بكافة المشاعر ! ..
أن لم تخبره اليوم أنها تحبه لأنه غريبًا عن حلالها … فالغد القريب سيأتي به ويكون الحلال والنصيب والحبيب … وستخبره أن يكرر ما قاله .. كل كلمة قالها سيكررها .. وبعدها سترمي رأسها على صدره حتى نهاية أنفاسها …
مسحت عينيها الباكيتان وهي تبتسم بسعادة جعلت ابتسامتها تبدو مرتعشة، ففتح زايد باب مكتبه والتفتت له سريعا وهي تتأكد من ازالة الدموع بعينيها … فأقترب ببطء وهربت من نظراته مجددًا، حتى قال بصوت به دفء حارب ثباتها:
_ قولي لحسام أني هجيلكم بكرة بعد الشغل عشان هتقدملك … أنا مش عارف دموعك دي ليه يا فرحة!، بس مش هستني أكتر من كده عشان أثبتلك صدق كلامي … يمكن خايفة مني، يمكن مش بتثقي فيا، بس لما تبقي شريكة حياتي

 

 

هتعرفي مين هو زايد …
واستدار وعاد لمكتبه وعلى وجهه شيء من الألم … يظنها تبكِ لأنها لم تشعر به !! … يظن نفسه ثقيل على قلبها وهو قد أصبح سؤال القلب الوحيد !!
وقفت فرحة حائرة .. تستحي أن توضح له، ولا يعقل أن تخبره بكل ما تكنّه له ! … ولكن هناك غد لهما به اتاحة فرصة الاعتراف مع مباركة الحلال …. ابتسمت وهي تجلس بمكانها وتنهدت بسعادة شديدة وقالت :
_ خليك فاكرني مش بحبك، وحاول كتير عشاني، وحاول أكتر … وهحبك أكتر … وفي اليوم اللي هنبقى لبعض هقولهالك … يومها هبدأ أقولهالك … ومش هبطل أقولك بعدها أبدًا أني بحبك !
وأخذت الدموع حيزها وانسحبت من عينيها، وكانت اللمعة المشرقة المعانقة لنظراتها تشرح مرادف الأمان والخطوات الصادقة إليه..
********
ودخل وجيه بهذا الصباح لغرفة ليلى … مبتسمًا وبعيناه يتلاعب المرح، ولكن ما تعجبت ليلى بعدما أشرق وجهها بابتسامة هي تلك الصغيرة التي تمسك أصابعه وتسير برفقته في اطمئنان !
نظرت ليلى للصغيرة التي تكبر صغيرتها بحوالي الثلاث سنوات أو ربما أكثر:
_ مين الأمورة دي ؟!
اتسعت ابتسامة وجيه ونظر للصغيرة المتمسكة بيده وقال لها:
_ دي طنط ليلى، عرفي عن نفسك بقا يا شقية …
قالت الصغيرة وهي تنظر لليلى بابتسامة واسعة لا تخلو من براءة طفولتها، ورددت وكأنها تدندن بمقطوعة غنائية:
_ اسمي اسمي أيسل ايسو … ايسو ده دلع اسمي … كتكوته وعسولة وحبيبة الدكتور بابا .. وإيه بعدين ؟ … وإيه بعدين ؟
اعتدلت الصغيرة “ريميه” بجانب أمها على الفراش وضحكت على ما سمعته، فضحكت ليلى بقوة وقالت لزوجها وجيه :
_ هي أيسل بنت الدكتور محمود ؟
هز وجيه رأسه بالايجاب وهو ينظر لها ويضحك ثم اردف قائلًا :
_ اوعي تحسسيها وتعامليها أنها طفلة … هتعترض !
وضعت أيسل يديها بخاصرتها وقالت باعتراض وهي ترفع رأسها وتنظر له بثقة:
_ ممكن تقدرني أكتر من كده يا دكتور وجيه ؟!
ضحك وجيه ثم مرر يده بمشاكسة على رأسها وقال :
_ مقدرك يا لمضة هانم … تعالي بقا لما أعرفك على أميرتي الصغنونة ..
وأخذها إلى حيث الصغيرة ريميه التي كانت ابتسامتها تتسع كلما سمعت الخطوات تقترب أكثر فأكثر، ثم أشار وجيه على ريميه وقال لأيسل:
_ دي ريمو بنتي اللي كلمتك عنها ..
ابتسمت أيسل وقالت :
_ عسولة ريمو … عينيها جميلة أوي … شبه العسل.
تأملت ليلى الطفلة أيسل بابتسامة ومحبة وضعت بقلبها تلقائيًا … ثم أضاف وجيه قائلا لأيسل :
_ يعني هتبقوا صحاب ؟
هزت الصغيرة أيسل وقالت بتأكيد :
_ ايوة … هاتلنا لعب أنت بس …
ضحك وجيه على طريقة حديثها مجددًا وقال بموافقة :
_ هبعت أجيبلكم لعب كتير دلوقتي .. إيه رأيك يا ريمو ؟ … تحبي تلعبي مع حضرت الضابط أيسل ؟
ابتسمت أيسل له وقالت باعتزاز :
_ ميرسي يا دكتور على اهتمامك ..
نظر وجيه لليلى التي انخرطت بالضحك ثم قالت له :
_ لمضة أكتر من ريمو !! …
وسألت ليلى أيسل بابتسامة مرحة:
_ عندك كام سنة بقا يا أيسو ؟
رفعت أيسل يدها اليمني اولا وأشارت بالخمسة أصابع، ثم باليد الأخرى رفعت أصبعين فقط … ففهمت لليلى أن عمرها السبع سنوات رغم أن الصغيرة تبدو أكبر من ذلك حقا حتى من طريقة حديثها! ….. فقالت الصغيرة ريميه :
_ ماما أنا عايزة العب مع ايسو ؟
قالت ليلى لوجيه بضحكة :
_ بقوا أصحاب في دقيقتين !!
شاركها وجيه بالضحك للحظات ثم نهضت ليلى واهتمت بخلع حذاء أيسل ورفعتها على الفراش حيث تجلس صغيرتها … وانغمس الفتاتان بالهمسات والضحك والاحاديث الطفولية المضحكة ….
ونظرت لهن ليلى بابتسامة حنونة وبجوارها وجيه لم يكن أقل منها في رقة هذا الشعور، ثم همس لها قائلا :
_ شوفتي ريمو مبسوطة أزاي ؟
أجابت ليلى وعينيها على صغيرتها الضاحكة بمرح :
_ شكلهم هيبقوا صحاب أوي … انسجموا مع بعض بسرعة …
تسحبت يده إلى أناملها بلمسة رقيقة ثم همس لها مجددًا :
_ هبعت ممرضة تيجي تقعد معاهم على ما نرجع، عايز اتكلم معاكي شوية قبل ما انشغل في الشغل ومش هعرف اشوفك غير آخر اليوم ! …
التفتت له ليلى وقالت بقلق :
_ في حاجة ولا إيه ؟!
أخفى المكر من عينيه ورد بتأكيد :
_ آه في شيء ضروري …
خرجت معه ليلى حيث مكتبه وبعدما دلف للمكتب وتبعته أغلق الباب وجذبها إليه قائلًا بابتسامة :
_ الشيء الضروري أنك وحشتيني ..
ابتسمت ليلى ابتسامة واسعة ولكي تستفزه ابتعدت عنه وازاحت قبضتيه عنها، فجذبها اليه بقوة ولكن نظرت له ليلى بجمود للحظات ثم رفعت أحدى يديها لرأسها وقالت وقد شحب وجهها قليلًا :
_ حاسة أني دايخة أوي !
ظن وجيها أنها تتلاعب به وقال بضحكة :
_ لا أنسي أنك تضحكي عليا !
ازداد شحوب وجهها وعندما كادت ان تسقط فعليًا تمسك بها بكل قوته بعينان متسعتان من الصدمة وقال:
_ في إيه يا ليلى مالك ؟!
ابتلعت ريقها وقالت وقد أصبحت الرؤية أمامها مشوشة :
_ مش قادرة أقف …
حملها على ذراعيه ثم توجه للفراش الطبي المرفق بغرفة مكتبه ومرر يده على وجهها بقلق شديد وهو يسأل:
_ حاسة بإيه ؟!
ولكي تطمأنه ابتسمت وقالت :
_ أنا كويسة ما تقلقش، بس الدوخة دي بقالها معايا كام يوم … يمكن نقص فيتامينات … صدقني أنا كويسة ..
اعترض وقال بقلق يلتمع بعينيه :
_ لأ ، مش هطمن غير لما أعرف اسباب الدوخة دي إيه ؟! …. هنخسر إيه …معمل التحاليل موجود ودكاترة من جميع التخصصات موجودين ! … مش هتتحركي خطوة من مكانك حتى ! ..
تذكرت ليلى شيء وظلت ناظرة له بمحبة شديدة وهي تدعو أن يصح ظنها به … وكأن هذا الأمل حرك بجسدها طاقة مجهولة، فاعتدلت وهي تضع ذراعيها على صدره وتبتسم برقة:
_ طب مش كنت بتقول أني وحشتك وكلام حلو كنت لسه هتقوله ؟! ….
نظر لعينيها للحظات بتمعن ثم ضمها بكل قوته قائلًا بتنهيدة:
_ لازم اطمن عليكي الأول وأشوف فيكي إيه … أنا قلقان ..!
اغمضت عينيها وابتسمت ثم اجابت بهمس:
_ أنا بخير والله …
ومضت دقائق … وأتى موعد بدء عمله فعليًا، فنظر لعينيها القريبة منه وقال:
_ خليكي هنا وهبعتلك ريميه، مش هغيب، كل ساعة هتلاقيني هنا ..
وافقت وهي تنظر له بابتسامة ظلت طويلًا على وجهها …. ونهض متوجها ببطء للخارج، حتى قبل أن يخرج نظر لها وعينيه ينهشها القلق عليها … ولكنه خرج مرغمًا من المكتب …
تنهدت ليلى بعمق وتمتمت بشيء …. وبعد لحظات فتحت أحدى الممرضات باب المكتب بعدما سمحت لها ليلى بالدخول وقالت مبتسمة وبيدها تقرير طبي لتحليل ( HCG) بنتيجة ايجابية:
_ مبروك يا مدام يا ليلى، أنا سألتلك الدكتورة نورا عن النتيجة واكدتلي الخبر ..
خطفت منها ليلى ورقة التحليل، ورغم أنها لا تفهم منها الكثير ولكنها بكت وهي تبتسم لها بسعادة سارت بجسدها برعشة شديدة وقالت لتتأكد :
_ يعني أنا حامل بجد ؟!
ابتسمت لها الممرضة وقالت بتأكيد :
_ والله حامل والنتيجة في ايدك أهي !!
ولأن فترة زواجها بالكاد تخطت الشهر لم تكن متأكدة من ظنها، بل وضعت هذا الاحتمال بآخر التوقعات عندما بدأت تظهر عليها بعض الأعراض …. وكل ما قالته الآن وهي تبك:
_ وجيه فين ؟
ردت الممرضة قائلة :
_ هروح أشوفه في العناية وابلغه …
اعترضت ليلى وقالت:
_ لأ ما تقوليش ليه أي حاجة، قوليله بس أني عايزة أشوفه ضروري …
وافقت الممرضة وذهبت …. بينما نظرت ليلى للتقرير مجددًا بعينان ممتلئة بالدموع، فبعد ولادة طفلتها الوحيدة قد أخبرها الطبيب بصعوبة حملها مجددًا وقد حذرها أيضاً من الإقدام على تلك الخطوة مما واجهته من فترة حمل رأت فيها جميع الألام والصعاب بصغيرتها ! ….
ووقتها كانت تتألم حتى من قبل فترة الحمل، كانت تبيت لياليها وهي باكية وجسدها به الكدمات الزرقاء والحمراء من أثار الضرب والوحشية التي طالتها على يد زوجها السابق.
وفجأة وجدته وجيه يأتي إليها لاهثاً من الركض والاسراع اليها ووجهه أصبح شاحبًا بشكل ملحوظ … بينما عينيه تلتمعان الآن بالخوف … واسرع اليها قائلًا بلهفة :
_ بتعيطي ليه يا ليلى ! … قوليلي حاسة بإيه ؟! … لا أنا ….
قاطعته ليلى وقالت بدموع تركض على ابتسامتها :
_ وجيه أنا حامل ….
تسمر في مكانه للحظات، فما كان يتوقع ولو بنسبة بسيطة أن تخبره بهذا !….. فأضافت ليلى بسعادة تملأ عينيها الباكية:
_أسفة أني عملت تحليل من وراك، بس مكنتش عايزة أقولك غير لما اتأكد … أنا حامل …
ردد وجيه الكلمة للحظات وكأنه يشك أنه بالفعل يسمعها … هنا بمحطة العمر الأربعين سيكون أبًا بكل ما تحمل الكلمة من معنى ! … لم يكن متوقعا أن تُسكب السعادة تلك الجرعات دفعةً واحدة بعدما هجرت عنه لسنوات !….
وأشرقت عينيه بالفرحة الحقيقة وهو ينظر لها وقال :
_ مع أني كنت المفروض ابقى متوقع الخبر ده في أي وقت بس مش عارف ليه مصدوم ! …. صدمة حلوة، زي طعم السكر بعد المُر ! …. ريميه هيجيلها أخت أو أخ … بنتنا مش هتكون لوحدها أبدًا …
وارتمت ليلى على صدره ورفعها قليلًا عن الأرض بابتسامة واسعة مليئة بالسعادة ….
وشاهدت جيهان ذلك المشهد من بدايته دون أن يلاحظها أحد …. وابتعدت عن الغرفة بخطوات تائهة …. فقد كانت تريد التحدث مع ليلى عندما علمت انها بمكتبه… ولكن ذاك الموقف أظهر لها بعض الأشياء ….. وأهمها أنها سعدت لأجلهما وهكذا كان أول شعور دق بقلبها !! …
********
وبغرفة ليلى بالمشفى….. ارتفع أصوات الصغيرتان..
ريميه:اسمي ريميه ريمو…
أيسل:اسمي ايسل ايسو …
ريميه:أحنا صحاب ؟
صافحتها ايسل بتأكيد وقالت :
_ طول العمر …
ريميه:تيجي نلعب ؟
أيسل بضحكة: نلعب إيه ؟
فكرت ريميه بعض الوقت وقالت:
_ وردة حمرا وخضرا وصفرا ، يبقى معانا كام وردة ؟
أجابت أيسل :
_ أربعة …!
عبست ريميه وقالت:
_ غلط !
اكدت أيسل:
_ لأ صح، وردة حمرا وخضرا وصفرا وعسلي في عنيكي يبقوا أربعة … صح يا ريمو ؟؟
ضحكت ريميه عاليًا :
_ صح الصح ..
قالت أيسل باقتراح :
_ عندي فكرة ..
ريميه بحماس:
_ فكرة إيه ..؟!
شرحت أيسل :
_ نمشي خطوة، خطوة بخطوة، وكل خطوة نعد واحد ، ولما نوصل لعشرين هنسقف عشر مرات …. ها موافقة؟
وافقت ريميه ولكن قالت عابسة :
_ هنفضل نلعب وفي الآخر هتسبيني وتمشي !
ربتت على ذراعها أيسل :
_ هجيلك بكرة ونلعب تاني …
ريميه :
_ طب وبعد بكرة ؟
أيسل :
_هجيلك تاني ونلعب تاني …
ريميه :
_ هتجيلي على طول ؟
أيسل بابتسامة حنونة:
_ لحد ما نكبر …
ريميه:
_ وبعد ما نكبر ؟
أيسل بضحكات عالية :
_ بيقولوا لما نكبر هنتجوز …
كشرت ريميه وقالت :
_ هتتجوزي ومش هتلعبي معايا صح ؟

 

 

قالت أيسل باقتراح :
_ لأ … خليهم يجوزوكي انتي كمان في نفس البيت … إيه رأيك ؟
فكرت ريميه قليلًا ثم قالت :
_ ماشي موافقة …. بس ابقي فكريني لما نكبر …
واففت أيسل :
_ مش هنسى … وابقي فكريني انتي كمان أخد الأرنوب بتاعي …
هزت ريميه رأسها بموافقة وتأكيد … ويبدو أن الطفلتان أخذن الأمر بجدية على قدر طفوليتهما !! …

 

 

دقت الساعة الحادية عشر لهذا اليوم ..
وكان من المفترض أن تذهب “نوران” للتسوق مع احدى أصدقائها ولكن انشغال فكرها بموقف أبنها المريب جعلها تعتذر لوقتٍ آخر … حيث تستطع ابعاد ولدها عن كل شيء ..
وظلت تفكر حتى فؤجئت بدخول شقيقها ماجد من المدخل الرئيسي للفيلا، فنهضت في استقباله وبعدما رحبت به بجفاء نظر لها متفحصا بشك وقال:
_ جيباني على ملا وشي كده ليه ؟! … إيه اللي ماينفعش نتكلم فيه بالتليفون وكان لازم أجي بنفسي ؟!
تنهدت نوران بهم ثقيل واضح بتعابير وجهها ونظراتها وأخذت شقيقها حيث المقاعد … وبعدما جلسا واستراحا على المقاعد قالت له بمقت:
_ عايزة هيثم يرجع كندا تاني بأي شكل، حاول تقنعه يسافر تاني.
فغر ماجد فاه من الدهشة، ثم قال بعدما تأكد أن ما سمعه صحيحا:
_ أنتي اللي بتقولي كده ؟! ده أنتي كنتي هتموتي ويرجع ويبقى جانبك !!
زفرت نوران بعصبية تأكد منها ماجد أن هيثم كعادته تصرف بغباء وتهور مما جعل نوران بذلك الضيق، فأجابت نوران موضحة:
_ هيثم بيتحدى زايد عيني عينك ! … أنا مكنتش فاكرة أنه هيرجع عشان يوقف قصاده مباشرةً بالشكل ده وبالعند ده ! …
وتابعت بإستياء شديد وقلق :
_ زايد ده حوت وخطير!! .. مستحيل يسمح لهيثم يغلبه في أي شيء! … وهيثم مابقاش فارق معاه أي حاجة ومابقاش يسمع كلامي خالص!….
ورغم أن تلك المعركة راقت ماجد وستصب في صالحه، ولكنه لم يظهر ذلك لشقيقته بل افتعل القلق والخوف على هيثم وقال:
_ ماينفعش نحط النار جنب البنزين طبعا، بس أنا مش فاهم تقصدي إيه بأنه بيتحدى زايد مباشرةً ؟!
سردت نوران ما آلت إليه الأمور بعدما استولى هيثم على أوراق المشروع الكبير الذي ينظمه زايد منذ سنوات وما حدث بذلك الحفل!، فدهش ماجد بالفعل وقال:
_ أنا شوفت فعلا السكرتيرة اللي بتتكلمي عنها دي، بنت عادية ماتلفتش النظر يعني عشان ده كله !! … بس أبنك عنيد ومش شايف فيها غير حب زايد ليها .. وده في حد ذاته هيخليه يشوفها أجمل واحدة في الدنيا !! … لأنه من الآخر بيغير من زايد ومش عارف يبقى زيه !
غضبت نوران وهتفت بشقيقها في غيظ شديد:
_ ايه يا ماجد مالك كده ؟! … هو أنا جيباك عشان تحل معايا المشكلة دي ولا تنرفزني بكلامك ؟! وبعدين أبني هيغير منه ليه يعني ؟!
رد عليها ماجد بسخرية:
_ هو أبنك بس اللي بيغير منه ؟! … تعالي شوفي زايد عامل ايه في السوق واغلب رجال الأعمال اللي بقوا أعدائه وبيستنوا له غلطة ! … وبعدين هيثم فعلا بيغير منه وده مش محتاج بينة !
غضبت نوران أكثر وصاحت به :
_ أنا غلطانة أني كلمتك ! …
قال ماجد بحدة:
_ استني بقا هو أنتي هتتقمصي زي العيال الصغيرة ؟! ماهو عشان تحلي المشكلة لازم تعترفي الأول بالغلط !
هيثم فشل وخسر كل الفلوس اللي كنتي بعتيهاله، خسر كل حاجة رغم أني ساعدته وبعتله كل شيء محتاجه .. ومع ذلك خسر وفشل ! …. زايد بقا في كام سنة خلى الشركة بتاعتنا تكون في حته تانية ! …. ارباحها بقت اضعاف مضاعفة واللي كنا بنكسبه في خمس سنين كسبه هو في أقل من سنة واحدة !! … وهيثم واصله كل ده طبعا، يبقى أزاي مش عايزاه يغير منه ؟!
نظرت نوران لشقيقها بنظرة غاضبة ولكن في قرارة نفسها كانت على يقين أن أبنها يحمل حقدًا دفين لزايد وما حققه من سلسلة نجاحات متتالية في سنوات قليلة … فتابع ماجد بمكر وكأنه ينوي عكس ما سيقوله :
_ أنا هخلي بالي من هيثم لو ظهر في الشركة، هبعدهم عن بعض ..
فقالت نوران بحسم:
_ والسكرتيرة دي اللي اسمها فرحة !
سأل ماجد بشك:
_ مالها ….؟!
اجابت نوران بكراهية لمن تشير إليها بالحديث:
_ عايزاها تمشي من الشركة، ابعدها بأي طريقها وبأي تمن .. وجودها أكتر من كده هيدمرلي كل خططي !
وقبل أن يرد ماجد قد وجدت نوران أبنها يهبط درجات السلم بأناقة واضحة وعطره الباهظ الثمن تتخلل رائحته النفاذة عبر الأنفاس … شكت نوران بالأمر فهتفت متسائلة بعصبية:
_ على فين أن شاء الله بالشياكة دي ؟!
أجاب هيثم بابتسامة واثقة وهو يتفحص ساعة معصمه :
_ رايح الشركة …
اتسعت عين نوران بذهول ثم هتفت به بغضب شديد:
_ احنا مش اتفقنا تصبر لحد ما نخلص موضوع الورق !!
رد هيثم بسخرية:
_ طب ماهو خلص !!
وهنا تدخل ماجد خاله واقترب منه ثم قال:
_ أمك تقصد تروح بعد ما الموضوع يتكشف ويبقى في متهم بعيد عنك، لأن زايد في وجودك هتكون انت أول واحد مشكوك فيه ! …
وهنا كانت ابتسامة هيثم الغير مكترثة منتهى الاستفزاز لأمه نوران فصاحت به بغضب :
_ يابني أفهم بقا هو احنا اعدائك !!
رد هيثم ببساطة:
_ ومين اللي قالكم أني مش عايزه يشك فيا !! …. كون أني مش عايز يبقى في دليل أني انا اللي خدت الورق ده مش معناه أني مش عايزه يشك فيا بالعكس !! ….أنا عايزه يبقى متأكد أن الورق معايا بس مش لاقي دليل يثبت !! ….
اتسعت عينان نوران بذهول ورعب، ثم قالت لشقيقها بعصبية اقرب للبكاء:
_ شوفت يا ماجد ؟! … اهو ده اللي كنت عاملة حسابه !!
نظر ماجد لأبن شقيقته وقال له محاولًا فهم ما يدور بخلده:
_ مش فاهم … فهمني أنت عايز توصل لأيه ؟!
بدأت يشعر هيثم بالملل فقال:
_ مش وقته … هفهمكم كل حاجة بس مش وقته دلوقتي …
وتحرك هيثم خارجاً من الفيلا فتحدثت نوران بعصبية وخوف شديد يلتمع بعينيها:
_ الحقه يا ماجد وخلي بالك منه ارجوك … هيثم مش هيجيبها لبر ! …
وكان ماجد سعيدا جدًا بالمعركة الأكيدة بين هيثم وزايد … فذلك سيخدم خطته بالقضاء على الجميع والاستيلاء على الثروة بالكامل … وحاول أن يطمئن شقيقته ثم توجه للخارج …

 

 

*********
بمكتب وجيه …
ضحكت ليلى بمرح وهي تحايله كي يذهب للعمل، وهو يقف ويحتويها بذراعيه مبتسما وناظرا لها بتمعن فقط … فقالت :
_ حاسة أنك من وقت جوازنا وأنت بقيت بتهمل شغل شوية !
أجابها بمزاح بعد لحظات قليلة وبنفس ابتسامته:
_ مش شوية هو شويات الحقيقة، بس أنا قضيت عمري اللي فات كله شغل في شغل … مافيهاش حاجة لما اخد وقت لنفسي شوية، خصوصا بعد ما اتحرمت منك السنين دي كلها يا ليلى .!
ابتسمت بسعادة ثم قالت وكأنها تعاتبه، ولكن لم يكن عتاب لو يعرف:
_ كل مرة بتخلص فيها كلام بفتكر هتقولي يا حبيبتي !، بس مش بسمعها كتير ! … بتنهي الكلام ما بينا باسمي !..
اتسعت ابتسامته بنظرات دافئة مليئة بالعاطفة وأجاب:
_ أنتي بعد ده كله لسه محتاجة تسمعي كلمة حبيبتي ؟! … وبصراحة أنا بحب انطق اسمك أوي … يمكن بكون عايز أصدق أنك فعلًا معايا ! … لما بقولك حبيبتي بقولهالك مرة … بس لما بنهدهلك باسمك بقولهالك الف مرة في كلمة واحدة !
ضحكت وهي تقرصه من خده بمزاح :
_ اضحك عليا بكلمتين يا فيلسوف عصرك ! …. بس بصراحة واعترف .. أني بحب اسمع اسمي منك أوي .. بس ما قولتليش بقا، لو جت بنت او ولد هتسميهم إيه ؟
التمعت عيناه بسعادة وكأنها جددت تلك الفرحة للتو فأجاب بمحبة شديدة:
_ هسيب ريمو هي اللي تختار الاسم، لا أنا ولا أنتي، هتختار الاسم وهتختارله كل حاجة.
لامس رأس ليلى عنقه الطويل وقالت ويديها على صدره :
_ رغم أني بتعب جدًا في الحمل بس أنا فرحانة جدًا، مبسوطة ونفسي اجيبلك دستة يجننوك كده ..
ضحك وجيه بخفوت وقال هامسا ويديه تضمها بقوة:
_ أنا موافق .. ومش عايزك تقلقي من حاجة، هخلي دكتورة متابعة معاكي طول شهور الحمل.
عبست ليلى فجأة وابتعدت حتى تنظر لعينيه، فتعجب من تحولها المفاجئ وقال باستغراب:
_ في إيه ؟!
اجابت ليلى بتكشيرة :
_ بتخن في الحمل أوي ..!
نظر لها وجيه لاحظات ثم انفجر ضاحكا على طريقة حديثها عن نفسها فاغتاظت منه أكثر … فقال بمرح :
_ فين المشكلة ؟! … فهميني المشكلة فين بالضبط عشان ازعل صح !
اخفت ابتسامتها وأجابت بعبوس :
_ هتخن جامد … اصل اسمع يعني أنكم ما بتحبوش الست التخينة !
فسأل بابتسامة مرحة:
_ أيوة أنكم مين ؟!

 

قالت بغيظ :
_ الرجالة !
كتم وجيه نوبة شديدة من الضحك ثم قال بابتسامة:
_ لا مش كلهم، فيه بيحب الرفيعة، وفيه بيحب التخينة !
فسألته باهتمام:
_ طب وأنت بتحب إيه ؟
أجابت بابتسامة ماكرة :
_ الأتنين ..!
اتسعت عينيها بصدمة ففهم أنها أساءت فهمه فصحح ضاحكا :
_ لا اقصد بحبك على أي حال … رفيعة فأنتي قمر، تخينة فأنتي القمر والشمس والنجوم مع بعض …
تطلعت به بغيظ فجذبه اليه وهو ينخرط بضحكات عالية ثم قال بصدق:
_ أبقي زي ما تبقي … المهم انك أنتي هتفضلي أنتي … ليلى حبيبتي ..
ابتسمت وهي ترمي رأسها على صدره مجددًا و ما اصبحت الاحلام بعيدة المنال مثل ما كانت ترها من قبل ! …
بل أن القدر خبأ لها الاجمل بعد ليل طويل من العذاب والصبر…
***********
تلقت جميلة اتصال هاتفي وهي في صالة الرياضة بالمنزل …. تركت الآلة الرياضية وجففت وجهها بالمنشفة قبل أن تجيب … ثم التقطت هاتفها لتجده جاسر، فأجابت بأنفاس لاهثة من جهد التمارين :
_ الو ..؟
استرخى جاسر في مقعده بوقت الاستراحة بالمشفى وقال بهمس:
_ مالك يا بيوتيفول صوتك مفرهد كده ليه ؟!
ابتسمت جميلة وأجابت :
_ عشان في الجيم يمكن ! ….
اغتاظ جاسر منها وقال:
_ ليه مصممة تخسي ؟! … ليه مصممة تضايقيني !
قالت :
_ بحب أبقى رشيقة … وعشان كمان فستان الفرح محتاج اخسله خمسة كيلو كده …
قال جاسر بتصميم :
_ وأنا عايزك زي ما أنتي …. ماتعصبنيش !
كتمت ضحكتها وقالت باستفزاز:
_ هفكر …
رد عليها بمزيج من الغيظ والسخرية:
_ وأنا اللي متصل بيكي عشان وحشتيني ! … بت انتي عدوة نفسك !
أشارت له بالحديث بتهديد:
_ ما تقوليش بت دي تاني ! …. وبعدين ما قولنا هفكر مش عايزة صداع بقا!!
احدت نبرته وقال بانفعال :
_ يعني انا بصدعك ؟!
ابتلعت جميلة ريقها بتوتر ونعتت نفسها سرا بالغباء وصمتت ، فاستغل جاسر الموقف وقال بمكر:
_ بما أنك بتعلي صوتك عليا وبما أني جوزك فلازم اعاقبك … استنيني على العشا …. اقصد استنيني لما ارجع …
تلعثمت بالبداية ثم صاحت بتوتر:
_ خلاص بقا أسفة !
ابتسم جاسر ولكنه تمسك بموقفه وقال:
_ أسف .. مش قابل أسفك !…. وبعتذر مش هقبل أي أعذار!
وبعدها همس بشرود وابتسامة بلهاء:
_ العشا في الجنينة مع عصير عناب بالموز والفراولة .. ماشي يا بيوتيفولي؟
تعجبت جميلة وسألت :
_ ايه ده ؟!
عدل جاسر من قوله وخشّن صوته قائلًا:
_ كنت عارف أنك مش قد قسوتي ! … هحاول اسامحك على ما ارجع .. يلا سلام ورايا شغل !
وانتهى الاتصال ….. وابتسم جاسر لنفسه ابتسامة اعتزاز بذكائه وقال :
_ خلي مراتك بعد الخناق تفتكر أنها صح وفايزة … وفي الاخر اللي هيمشي هو اللي أنت عايزه ! . . يا خبثي ويا دهائي الدفين !
حان وقت الاحتفال ..
**********
دخل رعد مكتبه وهو وجهه أمارات الضيق والعصبية … وبعدما جلس على مكتبه ظل صامت لبعض الوقت ثم بدأ يحدث نفسه :
_ طب هي ومتجنباني ومش بتعبرني من ساعة آخر مرة اتكلمنا … ومش هتعبرني اصلا ، طب هنفضل على الحال ده ولا أيه ده الفرح فاضله أقل من اسبوعين !
فكر رعد لبعض الوقت وقد وجد فكرةً ما تكون سبب مقنع للأتصال، فرفع هاتفه واجرى اتصال على رقم رضوى وأجابت بعد دقيقة ولم يبدو على صوتها ادنى تأثر:
_ الو … ايوة يا رعد ؟
ابتسم رعد للحظات ثم اوضح بقصد الجدية بصوته وقال:
_ لقيتي فستان عجبك ولا اخدك وندور براحتنا بعد ما ارجع من المستشفى ؟
قالت بصدق:
_ الصراحة مافيش فستان عجبني … وكنت محتارة أوي وأنا مع أخواتي خصوصا أن كلهم اختاروا خلاص ..
قال رعد بغيظ :
_ ما طبعا لازم يختاروا بسرعة ! …. ما كل واحدة فيهم بتاخد رأي جوزها وعلى الفون طول النهار لحد ما خلصوا… مافيش غير غيري اللي حضرتك مغلباه معاكي ! …
تنهدت رضوى بضيق شديد ولم تجيب، أو بالأحرى لم تجد إجابة ترد بها، وستكون النتيجة بجميع الاحتمالات جدال طويل لا مفر منه ولا راحة بآخره !
فقال بحسم:
_ حضري نفسك النهاردة على ما ارجع تكوني جاهزة نخرج نشوف وندور براحتنا،حتى لو مالقيناش هغيبلك بكرة مخصوص وننهي الموضوع ده … مش معقول يبقى فاضل كام يوم ولسه مالقتيش فستان للفرح !
ولصدمته وافقت !… فاتسعت عينيه وقال:
_ موافقة بجد ولا بتشتغليني ؟!
قالت بجدية :
_ لا موافقة بجد … خلينا نخلص !
محت الكلمة الأخيرة سعادته في قبولها … فقال بزفرة غاضبة :
_ تمام … حضري نفسك بقا على ما ارجع .
وبعدما انتهى الاتصال دفع رعد الهاتف بغضب اكبر حتى من غضبه قبل محادثتها وشرد بنظرات يأس في مصالحتها … وقال:
_ مابقتش عارف أنا فعلًا غلطتي كسرتها ولا هي اللي زودتها !
************
وبوقت الاستراحة بشركة والد زايد…
استغلت فرحة الوقت للذهاب للكافيتريا وأخذ وجبتها هناك … حيث أن زايد يحرجها بإتيان الطعام إليها خصيصًا وهذا حدث بالأيام الفاتئة !
دخلت الكافيتريا بعدما ارسلت له رسالة صوتية عبر جهاز الاتصال السريع ولم تتلقى منه رد، فاسرعت للخروج بعدها ..
جلست وطلبت بعض الاطعمة السريعة والخفيفة ومشروب عصير طازج وانتظرت وجبتها بصبر …
وشردت في كل مستجدات الأمور، ولم تفارقها ابتسامة الصباح بل كانت تزداد أكثر وتتسع … وبغمر شرودها وجدت من يجلس قبالتها دون حتى أبسط استئذان وقال هيثم بابتسامة سمجة:
_ لسه داخل الشركة شوفتك وانتي داخلة الكافيتريا …. ممكن اشاركك الغدا ؟
تخضب وجهها بالحمرة وكم ودت لو تعلن رفضها صراحةً، ولكنه قطع سرب أفكارها وقال بنظرة تقتحمها:

 

 

_ عايز اعترفلك باعتراف
قالت قبل أن تنهض :
_ اعتراف ايه ؟!
ابتسم هيثم ابتسامة ظن أنها ستسحرها وتفتنها:
_ أنا مكنتش ناوي اشتغل هنا في الشركة، بس جيت عشانك !
ابعدت فرحة عينيها عنه بضيق وعدم راحة لهذا الشخص المريب … وتابع:
_ أنا عارف أنك هتستغربي، خضوصا بعد ما زايد قال أنك خطيبته، بس أنا بقولك كده لأني مش مصدقه !
وهنا كانت فرحة ستقوم ولكنها تجمدت عندما سمعت الجملة الأخيرة، فنظرت له بدهشة وقالت:
_ مش مصدقه ليه ؟!
راق هيثم رنة القلق بصوتها وقال:
_ أنا عرفت من فادي اللي حصل مع أخوكي، مش هقولك شيء بس اسألي فادي عن بنت اسمها سالي واعرفي زايد عمل معاها إيه، وبرضو بسبب المشاكل اللي بيعملها فادي أخويا ! … يمكن لو أنا قولتلك تكدبيني ..! … وفي حاجات أكتر من كده بكتير بس مالوش لزوم أقولها لأنها ماتخصكيش …
وضع النادل بتلك اللحظة الوجبة التي طلبتها فرحة، ولكن الأخرى تجمدت من الصدمة، وشعرت من تأكيد هيثم أن الأمر أقرب للحقيقة منه للكذب ! ..
وراقبها هيثم بنظرة انتصار وطلب فنجان قهوة من النادل … ثم كاد أن يتحدث حتى انتبها الاثنان إلى صوت خشن حاد به تهديد أكثر منه انتباه …. وكان زايد الذي تطاير الشرر من عينيه بغضب شديد :
_ أنت قاعدة معاه ليه ؟!
تطلعت فرحة لزايد بتيهة وحيرة، ربما يجن جنونه كلما رآها تقف مع هيثم كي لا ينكشف أمره ! …. فتركها زايد وذهب بنظراته الشرسة لهيثم وهتف به:
_ أنا مش حذرتك مرة ؟! …
ابتسم له هيثم وقال :
_ أنا جيت لقيتها قاعدة لوحدها فقولت اسلم عليها، بما أنها بقت خطيبتك وكده … وبعدين مالك كده يا زايد مش على بعضك ! … خايف من ايه ؟!
كظم زايد غضب عنيف كي لا يتسبب بكارثة الآن، خاصةً بوجودها فقال بتهديد واضح :
_المرادي ده مش تحذير، لأنك لو ما مشيتش من قدامي هتحصل مصيبة فعلا.
ولولا ما وضعه هيثم من شك بقلب فرحة وانتصار القادم، ما كان سيتقبل تلك النبرة المنفعلة من زايد مطلقا … وذهب وعلى وجهه ابتسامة مستفزة !
فعاد زايد بعصبية شديدة لفرحة وقال:
_ تنزلي من المكتب من غير ما تعرفي ردي، وتقعدي مع اللي حذرتك منه … أفهم من تصرفاتك دي إيه ؟!
اجابت بعصبية دون ادراك لأي شيء :
_ تفهم أنك لحد الآن مالكش سلطة عليا ! …. وأن وقت الاستراحة في الشغل ده وقتي وملكي اقعد في المكان اللي أحبه واكلم اللي أحب اكلمه !
اسودت عينيه من الغضب وهو ينظر لها فتركت الطاولة وذهبت من أمامه … فتتبع خطواتها وادرك أنها تصعد للمكتب فتنهد بعصبية شديدة حتى سقطت نظرته على وجبة طعامها التي لم تأكل منها شيء ولم تفتحها من الاساس !… فلانت نظرته تدريجيًا وأمر النادل بأرسال وجبتين لمكتبه …
*********
ارتمت فرحة جالسة على مقعد مكتبها باكية… ليس بعد سعادتها هذه تصدم هكذا ! … وربما يكون الأمر كذبة ؟!
ولكن أن كان هيثم كاذبًا لما قال لها أن تسأل فادي؟!… وهو الشقيق الأحب لزايد فلما سيكذب عليها ؟!
شعرت بألم بمعدتها من فرط التوتر، فوضعت رأسها بين يديها …. حتى آتاها نفس الصوت ولكن بطريقة الطف بكثير ….وجلس قبالتها قائلًا بشيء من الاعتذار:
_ أنا اتعصبت عارف .. بس حاولي تحطي نفسك مكاني ..
رفعت فرحة رأسها بعدما مسحت عينيها من الدموع ولاحظ زايد ذلك فأشتد ضيقه من نفسه ومن كل شيء …. وردت عليه وهي تتجنب النظر له:
_ خلاص ..
ضيق عينيه بشك والم وسأل:
_ خلاص إيه يا فرحة ؟!
نهضت فرحة وقد شحب وجهها وقالت:
_ ممكن استأذن وأمشي ؟
لم يكن فارق معها أي شيء سوى أن تهرب منهما ومن كل شيء …. فنظر لها زايد بارتباك وعينيه تصرخ بالأعتذار الذي لم يستطع التفوه به فقال:
_ تقدري تمشي، على ما أشوفك أنتي وحسام بكرة ..
لم ترد بكلمة، بل أخذت حقيبتها وخرجت من المكتب بأسرع ما في قوتها … وازداد الخوف بقلب زايد من تأثير ذلك الموقف على موافقتها الزواج به … فهو يعرف نفسه ويعرف كيف يبدو عندما يكون غاضبًا …
***********
وقفت ليلى تودع وجيه موقتً عند باب مكتبه بابتسامة حتى أتت الممرضة منى مسرعة ومهللة :
_ الحق يا دكتور ، يا دكتور وجيــــــــــــه …!
استدار وجيه سريعا وظن أن كارثة قد وقعت، حتى صاحت منى وقالت بابتسامة واسعة :
_ ابو ليلى فاااق يا دكتور …. لا أقصد ابو مدام ليلى …
ادركت خطأها سريعا ، بينما حملقت ليلى بذهول للحظة ونظر وجيه لها بنفس اللحظة الذي التفتت له ثم ركضا بالممر حتى غرفة والدها …

يتبع…

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *