روايات

رواية قلبي و عيناك و الأيام الفصل الثاني و السبعون 72 بقلم رحاب إبراهيم حسن

رواية قلبي و عيناك و الأيام الفصل الثاني و السبعون 72 بقلم رحاب إبراهيم حسن

رواية قلبي و عيناك و الأيام البارت الثاني و السبعون

رواية قلبي و عيناك و الأيام الجزء الثاني و السبعون

قلبي و عيناك و الأيام
قلبي و عيناك و الأيام

رواية قلبي و عيناك و الأيام الحلقة الثانية و السبعون

~… أتى إليها…~
كلمة “أبي” من مسببات الأمان للقلب، فماذا عن وجوده ؟!
انتفضت دموع ليلى وهي تركض غير عابئة بخبر حملها التي اكتشفته اليوم، كل ما كانت تشتاق إليه بهذه اللحظة سماع صوت أبيها مجددًا.
وجد وجيه باب الغرفة مفتوح على مصراعيه فأسرع للداخل، حتى وجد ثلاثة من الأطباء حول السرير الطبي يتأكدون من إفاقته ويراقبون أعراض ما بعد الإفاقة ..
وركضت ليلى لأبيها وابتسمت بدموع وهي تره يفتح عينيه قليلًا بنظرات تائهة مُشتتة وكأنه لا يتذكر كل ما حدث ..!
قالت ببكاء وهي تُقبل رأسها :
_ حمد الله على سلامتك يا بابا .. الف حمد وشكر ليك يارب .
وظهر عليها الرجفة الشديدة من ارتعاش يديها على وجه أبيها … وحاول أبيها “عبد العزيز” أن يتحدث ولكنه لم يستطع .. فنظرت له ليلى بصدمة، ثم نظرت لوجيه الذي كان يراقبها بابتسامة حنونة وقالت بخوف:
_ مش قادر يتكلم !
هز وجيه رأسه متفهما ليطمئنها وقال :
_ ما تقلقيش ده من فترة الغيبوبة بس هيتحسن مع الوقت وهيرجع لطبيعته بأذن الله ..
نظر أكبر الأطباء الثلاثة لليلى وقال لها راضٍ :
_ بالضبط يا مدام ليلى، واكيد كمان حركة جسمه اتأثرت ولكن زي ما قال دكتور وجيه مع الوقت هيتحسن … الحمد لله أنه قام بالسلامة وكل شيء بعد كده هيبقى تمام .
واطمئنت ليلى كثيرًا وعادت بابتسامتها لأبيها الذي حدق بوجيه في نظرات عميقة مرتجفة .. فصوب وجيه اليه ابتسامة محبة وكأنه يرحب بعودته بعد غياب طويل، ثم أخذ وجيه الأطباء الثلاث للخارج حتى يتيح لهم الفرصة لقول ما لم يتفوهوا به أمام ليلى …
فقال أحد الأطباء بخارج الغرفة:
_ لو حصل فقدان للذاكرة أو قلة حركة لبعض الوقت فده شيء طبيعي … انما لو الاعراض زادت عن كده أو طولت يبقى هيكون في مشكلة صعبة … بس بأذن الله يكون كله تمام ..
تنهد وجيه وقال بصدق:
_ كون أنه يفوق ويبقى جنبها حتى لو فقد الذاكرة ومش قادر يتحرك ده يخلينا نشكر ربنا لآخر نفس، الحقيقة أنا كنت قلقان جدًا لأن الحالة كانت صعبة ومعرضة للانتكاسة في أي وقت ومافيش تحسن ثابت .. لكن الحمد لله قدّر ولطف ..
رد عليه طبيب آخر وقال:
_ متابعتنا ليه زي ما هي يا دكتور وجيه لحد ما يقوم بالسلامة بأذن الله …
نظر وجيه لهم بنظرة امتنان وقال:
_ اكيد وأنا واثق فيكم .. شكرًا جدًا ليكم ولمجهودكم الفترة اللي فاتت ..
رد احد الأطباء:
_ الشكر لله يا دكتور … بعد أذنك.
وتفرق الأربعة كلًا في وجهته، ثم دخل وجيه الغرفة ليجد ليلى تهمس لأبيها الذي ينظر لها بنفس نظراته المشتتة … فاقترب إليه من الجهة المقابلة لليلى، وانحنى بجسده بعض الشيء ليهمس له أيضا بلطف وكلمات متقطعة ينطقها ببطء:
_ حمد الله .. على سلامتك .. ياعمي..
التفت الرجل اليه ببطء شديد وظهر على وجهه علامات الألم من حركة بسيطة للعنق، ثم وكأنه يحاول رؤية وجيه جيدًا ويتفحصه ، ففهم وجيه نظرته وقال بتأكيد وببطء :
_ ليلى بقت .. مراتي ..
وكادت ليلى أن تفسر له ما حدث كله فأشار لها وجيه وقال:
_ مش دلوقتي يا ليلى … لسه شوية ..
تعجبت ليلى منه ولم تفهم ما يقصده، حتى دخلت الممرضة وقالت لوجيه بتردد:
_ دكتور أنا أسفة بس حضرتك عارف أن ماينفعش في الوقت ده نضغط على المريض بالكلام … لازم يرتاح ويهدا الأول قبل الزيارة .
قاطعها وجيه وقال بتفهم:
_ أكيد عارف.
وانتقلت نظرته الى ليلى الاي لم تصدق أنه سيخبرها أن تذهب معه !! … وهزت رأسها بالرفض قبل أن ينطق وقالت:
_ مستحيل أسيبه !
مضى إليها وتعمد هدوء خطواته حتى لا يزعج أبيها ثم همس لها بشيء:
_ في حاجة مهمة لازم أقولهالك …
أطرفت عيناها بخوف وهي تبتلع ريقها واستطاع بالكاد أن يخرجها من الغرفة … وبعدما خرجت وقفت بالممر أمامه في عصبية ودموع هاتفة:
_ حاجة ايه اللي تخليك تخرجني من جانبه بعد ما فاق !!

 

 

أنا مكملتش خمس دقايق !
أخذ وجيه يديها بربته حنون وقال بهدوء:
_ ماينفعش أي كلام كتير دلوقتي بالذات … الغيبوبة اكيد سببتله فقد لبعض الذكريات والفترة اللي فاتت محذوفه من عقله ! … ماينفعش ولسه دماغه بتبدأ تستوعب النور من جديد تهاجمي انتي بكلام واخبار ومشاعر كتير وده كله في وقت واحد !!
أنتي ما لاحظتيش أني كنت بنطق كلمة كلمة ببطء وبصوت واطي !
ابتلعت ليلى ريقها وبدأت تفهم ما يقصده وبالفعل قد لاحظت اسلوبه في النطق منذ قليل … فأضاف وجيه :
_ لما بصلي واستغرب عرفت أنه بيحاول يفتكرني .. أو بيحاول يعرف سبب وجودي .. فكان لازم أجاوبه بابسط الكلمات.
صدمت ليلى من شيء وقالت بتلعثم :
_ بيحاول يفتكرك ؟!!…. تقصد أنه ممكن يكون فقد الذاكرة كلها !!
رد عليها وقال:
_ ليلى .. عايزك تفتكري أن وجوده جانبك بالدنيا بحالها، وأن ده الطبيعي من فترة غيبوبة كبيرة، وأن الطبيعي برضو أنه يتحسن مع الوقت .. بس أنا حاسس أنه فاكرنا … يمكن يكون نسي بعض الذكريات والأيام، لكن فاكرنا والاهم دلوقتي أن ربنا قومه بالسلامة … نحمد ربنا بقا ونفرح ولا إيه..؟!
نظرت له ليلى وعيناها تدمعان وقالت بصدق :
_ عندك حق يا وجيه، كفاية يبقى قدامي وجانبي واسمع صوته من تاني…. كله يهون بعد كده ..
فأخذ وجيه رأسها إلى صدره بضمة خاطفة وهمس :
_ بنتنا وشها حلو … لما عرفنا خبر قرب وصولها للدنيا جدها فاق.
قالت ليلى بتعجب :
_ بنتنا ؟! … عرفت منين أنها بنت ؟!
ابتسم وجيه بمحبة وقال:
_ مش عارف، بس حاسس أنها بنت … أصل بصراحة بتمنى أنها تكون بنت، بحب البنات أوي ..
ابتعدت عنه فجأة وهي عابسة الوجه بغيظ … فشاكسها بضحكة مرحة :
_ أقصد خلفة البنات مش حاجة تانية !
ابتسمت وقالت :
_ اعترف بقا أنك عايز بنت … !
شرد وجيه قليلا بابتسامة مليئة بالحنان على وجهه وقال:
_ هاتيلي بنات كتير، عايز أبقى ابو البنات، البنت بتفضل حبيبة أبوها لآخر نفس في حياته، ممكن تجيبي ولاد عادي، بس هاتيلي بنات الأول ..
ضحكت ليلى وقالت بتعجب :
_ وهو بمزاجي ! … ده رزق من عند ربنا …
تطلع فيها بمحبة وابتسامة ثم قال:
_ ونعم بالله.
*************
كانت عينان تراقبان بحدة مشهد وجيه مع زوجته ليلى في الممر الطويل أمام غرف العناية المركزة … نظرات تلك العينان تقدح شررا غاضبًا بكراهية وحقد وانتقام … وفجأة أتت مشرفة العاملات وهتفت بالتي تتخفي وتراقب المشهد:
_ واقفة وسايبة شغلك ليه يا سكينة ؟!
انتفضت سكينة واستدارت وهي تتلعثم خوفا ثم قالت ببطء :
_ لا أصل … أصل …
قاطعتها المشرفة عنايات بغيظ وعصبية شديدة :
_ لا أصل ولا فصل لو شوفتك متنحة كده تاني يبقى بالسلامة ياختي !، أنتي جاية تشتغلي ولا تقعدي للي رايح وجاي !!
ابتلعت سكينة ريقها بخوف وقد شحب وجهها حتى أضافت عنايات بنظرة ازدراء:
_ انتي لسه جديدة مكملتيش أسبوع وبتعملي كده ؟! … اومال لو بقالك سنين كنتي عملتي ايه ؟! قصر الكلام لو لمحتك واقفة وسايبة شغلك تاني اعملي حسابك تدوري على شغل تاني ..!
ورغم شدة التوتر الذي المت بسكينة إلا أنها لم ترى امرأة سليطة اللسان وكريهة مثل تلك المرأة المسماة ب”عنايات” …. فأخذت المكنسة بيدها وابتعدت دون تعليق !
نظرت لها عنايات بنظرة احتقار وتتبعت خطوات سكينة حتى اختفت عن عينيها ….
ركضت سكينة لغرفة تخزين المنظفات وتظاهرت بأخذ شيء ، بينما هي في أشد الحاجة لتمسح دموع عينيها المليئة بالانتقام وقالت بلهجة ريفية :
_ عايشة ومتهنية وأختي اادبحت بسببك ! … لا ياست يا ليلى ، بحق كل دموعها وقهرتها وحياتها اللي راحت عشانك ما هخليكي تتهني لحظة بعد النهاردة .. !
كان نفسي أشوف الكلب طليقك بس مات قبل ما أطوله وأخد طاري بيدي !
***********
دخلت الطبيبة مروة لمكتبها، فوجدت جيهان في انتظارها وقالت الأخرى:
_ عارفة أني ازعجتك والنهاردة المفروض اجازتك … بس حبيت نتكلم شوية …
ابتسمت مروة وقالت بصدق:
_ مافيش ازعاج ولا حاجة، بالعكس كنت حاسة في البيت بملل !
بس قوليلي … ليه اخترتي نتقابل هنا مش في أي مكان تاني بعيد !!
أجابت جيهان بتنهيدة:
_ بصراحة مش عايزة احس أني بعمل شيء ومش عايزة حد يعرفه ! … تعبت من الاحساس ده ، عايزة كل تصرفاتي تبقى طبيعية ومش قلقانة من حاجة، أظن مافيهاش حاجة حتى لو وجيه عرف أني باخد جلسات معاكي ؟!
ردت مروة بتأكيد:
_ هو اكيد هيستغرب، بس أنا هفهمه الأمر وأن نفسيتك كانت محتاجة تتكلمي مع حد الفترة دي، وطبعا بما أني بشرف على حالة ليلى فكنت أنا اقرب اقتراح ليكي …. عشان نبقى متفقين على اجابة واحدة ..
ابتسمت جيهان بنظرة شكر صادقة وقالت:
_ مش عارفة أقولك ايه، بس الحقيقة من وقت ما اتكلمت معاكي وأنا بدأت افهم نفسي … بدأت أقوى وأعرف قيمتي … بدأت أقف قدام احساس جلد الذات و اعاتب احساسي على كل الوجع اللي فات … مكنتش متخيلة أن الفضفضة تعمل ده كله ؟!
سألت مروة :
_ أنتي عندك صحاب ؟ اقصد صحاب بجد !
أجابت جيهان بصدق :
_ عندي صحاب كتير ، بس مش الصحاب اللي لما أقع اروحلهم ! …. ولا الصحاب اللي أقدر أقولهم أسراري وأنا واثقة فيهم ! ….. صحاب رحلات وقاعدة حلوة بالصدفة، صحاب برتبة أغراب !
عادت مروة لأسئلتها :
_ طب قرايبك ؟ … مافيش حد قريب منك أوي فيهم ؟
أجابت جيهان مرة أخرى :
_ قرايب من بعيد … يعني مابشهمفهش غير في المناسبات السعيدة او الحزينة بس … يمكن فيهم حد كويس وكان يستحق ثقتي وصداقتي. .. انما ده محصلش للأسف .
قالت مروة :
_ هسمعك .. قولي اللي محتاجة تقوليه وتتكلمي عنه.
تحدثت جيهان لدقائق حتى كادت أن تقفز مروة فرحا من خبر حمل ليلى ولكن تحكمت بفرحتها ولم تريد مقاطعة جيهان .. فقالت :
_ يعني أنتي حقيقي مبسوطة لليلى ؟!
اكدت جيهان على ذلك وقالت:
_ ايوة حقيقي!، يمكن عشان احساسي بالذنب ناحيتها غطى على أي شيء تاني !
قالت مروة :
_ يمكن ده يحصل للحظة انما مايبقاش ده احساسك الاساسي!، أنتي بدأتي تحطي النقط على الحروف .
**********
وبالمساء ….
بعدما ظلت فرحة لوقتٍ طويل شاردة ساهمة ولم يستطع حسام شقيقها أن يخرجها من هذه الحالة بعدما أخبرته بما قاله هيثم، بل تركها واستأذن للخروج في أمر طارئ ….
لكنه عاد ودخل لغرفتها مباشرةً واقترب إليها مبتسماً :
_ فرحة ..
اعتدلت فرحة بالفراش وتظاهرت بابتسامة خفيفة وهي تجيب:
_ كنت فين كده ؟!
فأجاب حسام :
_ قومي غيري هدومك عشان عندنا ضيوف برا ….
تعجبت فرحة وشعرت بالقلق وهي تسأل:
_ مين الضيوف ؟!
رد حسام وهو يبتسم بحنان :
_ زايد وفادي … بصراحة زايد اتصل بيا عشان يتكلم معايا من غير ما تعرفي، وكان معاه فادي .. ومكنش قدامي فرصة غير أني أواجهه باللي عرفتيه من غير ما اجيب سيرة هيثم عشان المشاكل …
شهقت فرحة من الخبر وقالت :
_ طب .. طب وقالك ايه ؟
رد حسام بصدق:
_ ساب فادي اللي يقولي الحقيقة … البنت اللي اسمها سالي دي كانت مزقوقة على فادي عشان تخليه يتعاطى مخدرات ويفضحوا زايد في السوق … استخدمت اسلوب قذر مع فادي بصراحة وهو اعترفلي أنه اتأثر بيها …. لحد ما زايد وصله الخبر ولحقه وخده من بيتها قبل المباحث ما توصل … البنت مكنتش عارفة أن البوليس هيطب عليهم فخدوها هي ولبست قضية مخدرات … طلعوا اشاعة أن زايد اللي عمل فيها كده عشان ينتقم منها، بس هو اصلًا مكنش يعرف دي مين ولا مين وراها ولا كان عارف أن في كمين لفادي في اليوم ده !
اجفلت فرحة من الدهشة وقالت بحيرة:
_ طب ليه هيثم يقول كده والمفروض أن فادي اقربله من زايد؟!
رد حسام وقال ما اعترف به فادي:
_ فادي بنفسه قالي أن هيثم بيغير من زايد من زمان … ودايمًا بيعمل فيه مقالب ومكايد ! … أظن من اسلوب هيثم ده باين أوي أنه بيغير منه … وعايز يستخدمك ضد زايد، ده اللي فهمته من كلامك ..
قالت فرحة وكأنه تحدث نفسها:
_ يمكن عشان كده زايد عرفه عليا على أني خطيبته على طول ؟! … عشان يبعده عني !
قال حسام :
_ وده تقريبًا خلى هيثم يركز معاكي أكتر … أحساسي بيقولي أن زايد بيحبك وشاريكي وبيعمل أي حاجة عشان ما تبعديش عنه ! …. هو قالك هيجيلنا بكرة بس ما استناش !
هو اتقدم رسمي وكلمني في كل حاجة … وأنا شايف ان خير البر عاجله …
اتسعت عينان فرحة وقالت :

 

 

_ تقصد ايه ؟!
رد حسام وقال :
_ هيثم طالما عرف أن زايد بيحبك مش هيسيبك في حالك … واللي زي ده اتوقع منه أي شيء ، وهيركز معاكي سواء بعدتي أو كملتي مع زايد … يبقى ليه تسيبي حد شاريكي وبيحبك بالشكل ده عشان واحد قلبه مليان حقد وكره وغيرة ؟!
مع زايد هتبقي في أمان وهبقى مطمن عليكي … وهو عايز يتجوز على طول ..
انتفضت فرحة من فراشها بذهول وقالت له برفض :
_ لا طبعا مستحيل أوافق ! … أن كنت موافقة على الخطوبة فخطوة الجواز دي محتاجة وقت عشان استعدلها ..
ربت حسام على يد شقيقته بابتسامة وقال :
_ الكام جمعية اللي عملناهم وحطينا فلوسهم في البريد جه وقتهم … والباقي هيتدبر بأذن الله، اكيد أنا مش هسمع كلام زايد واوافق ما اجيبش حاجة زي ما بيقول ! …
هزت فرحة رأسها برفض وعينيها تدمع :
_ الفلوس دي مش بتاعتي لوحدي ! … أنت اشتغلت برضو وليك فيها اكتر ما ليا !
رد عليها بابتسامة وقال بمحبة:
_ وادفع عمري كمان واشوفك عروسة الفرحة مش سيعاها جنب عريسها، بصراحة زايد ليه معزة جوايا وهبقى مطمن عليكي معاه …. أنا متأكد أنه مش هيستحمل الهواء حتى يقربلك ..
اشرقت دنيتها بشمس الأمل بعدما اعتمها ذلك الهيثم بظلام الشك والحيرة … فضمت أخاها مبتسمة بسعادة ثم قالت :
_ ثواني واكون جاهزة …
وبعد قليل … تمازحا فادي وحسام بالخارج وضحكا عاليًا، ثم تسابقا من يُعد فنجان قهوة أفضل من الآخر … ودخلا المطبخ في تحضيرات مهولة لفنجانين قهوة فقط !
وخرجت فرحة وهي ترتدي فستان طويل وفضفاض من مزيج لوني الأبيض والأسود …. وابتسم زايد بنظرات يملأها العشق عندما رآها … وعندما اقتربت وتخضب وجهها احمرارًا وقف مستندا على عكازه ثم قال بابتسامة :
_ مهانش عليا تنامي زعلانة مني … معرفتش اصبر لبكرة .. سيبت كل حاجة وجيتلك.
ارتبكت فرحة بشدة ثم ركضت نحو المطبخ عندما سمعت ضحكات شقيقها، بينما كان حسام يخرج وقتها من المطبخ وبجواره فادي وهما حاملين فنجانين القهوة … فقال فادي لفرحة بعدما نظر لزايد بمكر:
_ زايد جابني من قفايا من التمرين عشان نجيلكم … وبصراحة أنا ماصدقت وجيت معاه على طول، بما أنا بابا مسافر فأنا النهاردة والده.
استغلت فرحة مزاحه وفرجت عن ابتسامتها، فقال فادي بابتسامة خبيثة :
_ احنا مش عايزين قهوة، احنا عايزين شربات !.

 

كأنما تشاركا في قلب واحد، كان كل ما يشعران به يسير بنفس الطريق … وبطريقة ما كلمة الحب التي تنطق بها العيون أروع وأصدق من سماعها..!
بها شيء من الطمأنينة والصدق وأروع ما في الحب.
كانت عيناه كأنه وجد الطريق ووجهته، كأنه وجد ضالته!
كأنها أمنيته الوحيدة التي أتت بعد الحرمان واليأس .. أو بقعة الضوء الوحيدة في قبو مظلم مُحكم الغلق.
جلسوا في صالة المنزل بسيطة الأثاث وبدأ زايد يُعيد ما قاله لحسام حتى يتفقا على كل شيء … فقال حسام بجدية:
_ هعتبر المقابلة دي تعارف يا زايد، المرة الجاية بأذن الله والدك هيكون معاك مش كده؟
عبس وجه فادي قليلًا وهو ينظر لزايد الذي رغم ضيقه من ذكر والده، ولكنه قال لكي لا يخذل ثقة فرحة وشقيقها فيه:
_ هو مسافر حاليًا، واكيد يوم قراية الفاتحة هيكون حاضر، الاسبوع الجاي بأذن الله زي النهاردة كده.
وافق حسام على الموعد ثم قال :
_ بأذن الله ..
تنفس فادي بارتياح من عدم رفض زايد لحضور والدهما بالاتفاق على العرس المنتظر … حتى قال حسام بجدية:
_ وزي ما اتفقنا يا زايد، الخطوبة مافيهاش خروجات ولا الكلام ده .. يوم ما تخرج معاها هتكون على ذمتك وفي بيتك ، بقولك كده من دلوقتي عشان نكون على نور .. ورأيي كمان أن فرحة تقدم استقالتها.
قال زايد سريعا وأجابه :
_ معنديش مشكلة في الخروجات لأني زي ما اتفقت معاك هيكون الفرح بعد شهرين بالكتير، أنما الشغل مقدرش استغنى عنها دلوقتي غير لما الاقي سكرتيرة تانية.
قالت فرحة فجأة وبغيظ شديد ظهر على تعابير وجهها:
_ سكرتيرة تانية ..؟!
كتم فادي ضحكته من الغيرة الواضحة على فرحة، بينما ابتسم زايد ابتسامة اخفاها سريعا وقال بنظرة عميقة لها :
_ هرجع السكرتير بتاعي للمكتب تاني .. تمام كده ؟
تخضب وجهها بالاحمرار من تطلع جميع العيون بها، ثم وقفت بتوتر وارتباك واضح وقالت بتلعثم:
_ بعد أذنكم ..
وركضت إلى غرفتها وهي تعطِ صك الحرية لابتسامتها … راقبها زايد بابتسامة حنونة وسارحة حتى وكزه فادي ليستفيق من شروده هذا !
********
اغلقت فرحة باب غرفتها واستندت عليه لبعض الوقت لتسمع ما يُقال، بينما الابتسامة يبدو أنها عقدت موثقا للبقاء على شفتيها .. وللحظة تذكرت أمجد ! .. اليوم فقط ادركت أنها لم تحب من قبل … ووجدت نفسها تحمد الله وتشكره على نعمته وفضله، فقد ابعد عنها وهماً كانت ستستفيق منه بعد فوات الآوان لو كانت تزوجته !
لم يصل إليها الاصوات كما يجب فتركت الباب وذهبت لفراشها وجلست عليه،ثم نظرت لغرفتها التي لطالما بكت فيها وتألمت من أشياءً كثيرة وضيق الحال … وتأكدت أن لكل ليل آخر … ولكل عذاب نهاية، ولكل عسر يُسر يتبعه ويضمه حتى عودة السكينة والأمان.
وبعد دقائق كثيرة مرت دلف شقيقها حسام للغرفة، وكان يبدو عليه الهدوء والأطمئنان … واعتدلت فرحة جالسة على فراشها عندما دخل غرفتها .. حتى جلس قربها حسام وقال بابتسامة هادئة:
_ مشيوا …. زايد شكله واقع وقعة تمام، ومش عايز أشد معاه عشان ما اسببش زعل، بس كمان بفرح عشان بحس أنك فرحانة يا حبيبتي … من زمان أوي يا فرحة ماشوفتش الفرحة دي في عنيكي ..
وكانت فرحة تدرك أن أخاها لا يروق له كثيرًا نظرات زايد العاشقة لها والمفصحة بأعلان صريح، ريثما أن لا رابط بينهما حتى الآن … ولكنه لطالما فكر بها أولًا وبسعادتها قبل أي شيء مع ثقته الكاملة في أخلاقها … فقالت وهي تربت على يده برفق:
_ أنا عارفة يا حسام وفهماك، بس خليك واثق فيا ..
اتسعت ابتسامته بمحبة صادقة وقال:
_ أنا مش بثق في نفسي زي ما بثق فيكي، وبعدين هو كان هيبقى ملهوف بالشكل ده إلا لما لاقاكي حاطة حدود للتعامل معاكي !! …. أنا شاب برضو وقادر أفهم الموضوع ده … مافيش راجل بيدوخ ورا واحدة كده غير لما يكون مش عارف يطولها..
قلقت فرحة وقالت بحيرة :
_ طب وبعد ما يطولها ؟
ربت حسام على يدها بأطمئنان وقال:
_ عشان أجاوبك لازم اوضحلك حاجة الأول … في فرق أنه يطولها بالطريق الغلط .. وأنه يطولها بحلال ربنا وشرعه … الطريق الأول ده مش حب .. ده واحد عجبته واحدة وخلاص وهيزهد فيها مجرد ما يوصلها … أنما الطريق التاني عايز يطولها بس وهي شرفه وعرضه .. مافيش واحد بياخد الخطوة دي باقتناع كده غير لما يكون متأكد أنه شاري بجد وبيحب بجد …
قرصته فرحة بخده وقالت بضحكة:
_ كبرنا أهو وبقينا فلاسفة وبنقول كلام كبير … هفضل شيفاك أبني اللي ربيته واكلته بإيدي لحد ما كبر وبقا بينصحني كمان ..!
الدنيا اتشقلب حالها !!
رد عليها بابتسامة واسعة:
_ هو عشان انتي أكبر مني ب ٧ أو ٨ سنين مش حاسب، هتفضلي تذليني على طول كده !!
مررت فرحة يدها على شعر رأسه الاسود الناعم بمشاكسة وقالت بضحكة ومزاح:
_ لحد ما تتجوز ويبقى عندك عيال كتير وتجوزهم كمان هفضل أقولك يا سوسة يا صغنن ..
وتشاركا المزاح والضحكات العالية بعد ذلك … ثم قالت فرحة:
_ هقوم أعملك اكلة كده سريعة ..
تركها حسام ونظر لها مبتسما بسعادة لسعادتها التي تستحي أن تعلن عنها … ولكنه يعرفها أكثر من أي مخلوق، هي سعيدة لأول مرة بعمرها … سعادة لم تستطع أخفائها مهما تظاهرت وقاومت … وكان يبعد عنه الخوف من وحدته عندما تتزوج بعد أشهر قليلة وتتركه… التمعت عيناه بالدموع ولكنه قاومها بأشد قوته … فهي ليست كأي أخت … هي أمه قبل أن تكون شقيقته وكل عائلته وأصدقائه.
ولكن سعادتها أهم من أي شيء .. ويكفي أنها وجدت من يحبها بتلك الدرجة وأختارها من بين الكثيرات حوله، أختارها لذاتها

 

 

 

************
جلس رعد منتظرًا بسيارته خارج بوابة المنزل الكبير .. وذلك بالاتفاق مع رضوى بأن ينتظرها خارجاً، ثم التفت وهو يزفر بغيظ وضيق شديد، ولكنه تسمر للحظة عندما وجدها تقترب بفستان مخملي من اللون الأزرق ..
يا الله كم يعشق هذا اللون على سمرة بشرتها وعينيها البندقية بلذة للناظرين ..
سرح بها وهو يتأملها من مقعد القيادة … وتفاجئت رضوى به بعدما اقتربت وهو يخرج من السيارة ويقف أمامها بنظراته المبتسمة .. فقد كان كل شيء بوجهه جامدًا إلا عينيه مبتسمتان بمحبة ودفء العاطفة ..
ارتبكت وظهر عليها ذلك، وأحب ارتباكها هذا المفصح عن الكثير ..فقال بنظرة وكأنها تعانقها:
_ لو ينفع فستان الفرح يكون نفس اللون كنت هبقى مبسوط أوي، أنما ماينفعش غير الأبيض … مش مشكلة نعوضها في باقي اللبس ..
ابتلعت ريقها برجفة شديدة من الخجل وتأكدت من ظنها عندما وجدته يبتسم بمكر … فـ همّت أن تفتح باب السيارة وتظاهرت بالانفعال، حتى لمس يدها على مقبض الباب وقال لها هامسا عن قرب:
_ لأ .. هتقعدي جانبي، ده مش مكانك….
ابتعدت عنه بتوتر وارتباك أشد وقالت بتلعثم :
_ يلا نمشي عشان منتأخرش، أنت اساسا راجع متأخر من الشغل .!
فتح لها باب المقعد المجاور لمقعده وقال مبتسماً بخبث:
_ أنا بحب الخروج في الوقت ده، وبعدين أنتي مراتي يعني براحتنا ..
جلست رضوى داخل السيارة وهي تقول وبداخلها بسمة:
_ مش براحتنا أوي يعني !! … لسه شوية ..
جلس رعد بجانبها أمام عجلة القيادة وبلمحة جذب أصابع يدها لشفتيه .. فنظرت له رضوى برجفة شديدة وحاولت أن تسحب يدها منه ولكنه ضم يدها بيده للحظات وهو مستمتع بمقاومتها ومبتسما …. ثم استطاعت بالكاد أن تخلص أصابعها المرتجفة من قبضته وتوجهت ناظرة لزجاج النافذة وتحاشت النظر له وهو يتحرك بالسيارة مبتسما …
*********
أعدت جميلة بالحديقة طاولة عشاء خفيف لكلايهما …. حتى تسحب جاسر اليها دون أن تدرك أنه اتى بالاساس، ثم نفخ بقوة بجانب أذنها وهو يقف خلفها، ففزعت جميلة واستدارت صارخة فضحك جاسر ضحكة عالية على ردة فعلها …
فلكمته بغيظ على صدره وقالت:
_ صرعتنـــــي !! ..ده أنت غلس وبايخ ومش عايزة اتنيل اكل معاك !
جذبها اليه وهو يضحك ثم همس لها وبعينيه المرح :
_ شوفتي عقابي قاسي أزاي ! …. كل يوم من ده !
حاولت أن تبعده عنها بعصبية ولكنه تمسك بها وهو يبتسم باستفزاز ويدللها :
_ خلاص بقا كفاية أكشن، تعالي نتعشا عشان محضرلك مفاجأة ..
قالت بغيظ:
_ مفاجأة إيه ؟!
همس لها بابتسامة ماكرة:
_ بعد العشا هقولك … نتعشى الأول.
اجلسها جاسر على أحد المقعدين ثم جلس على الآخر قبالتها وتسأل بغرابة:
_ إيه ده فين الشموع ؟!
مطت جميلة شفتيها بسخرية وأجابت:
_ ليه هو عيد ميلادك النهاردة ؟!
أجابها بنظرة خبيثة:
_ بحتفل بالهدنة اللي ما بينا، هدنة لمدة تلاتين سنة كده … نكد في الحياة الزوجية مش عايز !
ظهر يوسف فجأة من بين الأشجار وشهق عندما رآهما ثم قال بتعجب:
_ إيه ده ؟!… خمر ونساء في المساء!!
رد جاسر بعصبية:
_ هو لو غورت من وشي دلوقتي هيحصل حاجة … ؟!
رد يوسف بعبوس:
_ طب ما تزعقش !! … أنا جيت لما سمعت صوت صرخة!، بقولك إيه يا جميلة، كيكة اللي قدامك دي ؟! … يا ترى حلوة ولا شبه جاسر أخويا ..؟!
وضعت جميلة يدها على فمها من الضحك، ثم أجابته وهي تأخذ نصف الحلوى وتضعها بطبق آخر ومدت ذراعها بها قائلة:
_ لا شبه حميدة …
ابتسم يوسف ابتسامة واسعة وهو يأخذ الطبق منها بلهفة وقال:
_ لا دي تبقي قمر ومافيش زيها بقا … تاخد حته يا جاسر ؟!
نفخ جاسر بغيظ ثم رد بعصبية:
_ نفسي اتسدت ساعة ما شوفتك !
ضحك يوسف ضحكة مستفزة وهو يبتلع قطعة من الحلوى وبعدها ابتعد …. فعاد جاسر لجميلة وتبدل عبوسه لابتسامة وقال:
_ نرجع بقا لكلامنا يا بيوتيفول …
أتى يوسف مجددًا وبكل جدية أخذ المتبقي من الحلوى وقال لجاسر الذي تسمر مكانه:
_ الحلويات غلط عليك يا مسكر أنت … هاخد الطبق ده.
وقبل أن ينهض جاسر من مكانه ركض يوسف ضاحكاً وبيده طبق حلوى آخر …!
تمتم جاسر بغيظ وهو يجلس مجددًا:
_ بني آدم بارد وغتت !!
سيطرت جميلة على نوبة الضحك التي المت بها وقالت:
_ يوسف ده دمه عسل، أنا لما بشوفه بس بضحك.
قال جاسر بغمزة :
_ طب ولما بتشوفيني ؟
ردت جميلة بابتسامة ساخرة:
_ بتنرفز ..
قال جاسر بنظرات ماكرة تجتث الحقيقة خلف حديثها المرح :
_ مش مصدقك، بس عمومًا أنا عارف انك بتموتي موت فيا، قاريكي وفاهمك !
أشارت جميلة لكوب العصير والطعام الشهي امامه وقالت:
_ يلا اتعشى شكلك جعان !
اغتاظ جاسر منها وقال:
_ عايز أقولك حاجة نفسي أقولهالك من ساعة ما زقتيني في الترعة… أنتي عندك انيميا في مشاعرك، حموضة في التعبير عن اللي جواكي، تليف في أنوثتك ! …
كتمت جميلة ضحكتها وقالت بابتسامة:
_ وادراك عالي في فهم حدودي .. ولا فاكر أن الجو الرومانتيكي ده هيضعفني وهتسيطر عليا يا انسان الغاب أنت؟!
قلدها بغيظ وقال:
_ رومانتيكي ؟! …. اتعشي يا جميلة، أنتي اللي زيك ياكل وينام !… كلي احسن ما ابلعك انتي والاكل بالأطباق بيوسف أخويا !
بادرت جميلة وبدأت بتناول الطعام وهي تكتم موجة من الضحك كلما نظرت له ورأت غيظه منها…

 

***********
صعد زايد لغرفته البعيدة عن جميع الغرف بينما تفاجأ فادي بوجوده أمه نوران تنتظره بداخل غرفته ..!
وضع حقيبته السوداء الخاصة بالتمارين الرياضية وقال بتوجس:
_ طالما مستنياني كده يبقى في حاجة !!
نهضت نوران من مقعدها ومضت إليه بنظرات ثابته ثم قالت بحدة :
_ كنت فين ؟!
تلعثم فادي واحتار أن يخبرها بالحقيقة أم يكتم الخبر حتى يعلنه زايد بنفسه، فهتفت نوران بعصبية :
_ زايد راحلك النادي وخدك مش كده ؟! … روحتوا فين ؟!
فهم فادي أن السائق الغبي قد أخبرها بتحركاتهما فقال فادي بضيق :
_ آه كده، وفيها إيه يعني لما أخرج مع أخويا ؟! أنا مش عارف أنتي أزاي بتخافي عليا منه بعد كل اللي عمله عشاني ؟!
رفعت نوران حاجبيها بدهشة ثم قالت بسخرية ممزوجة بغضب شديد:
_ عمله عشانك ..؟! … أنت اللي غبي ومش فاهم آلاعيبه !، بقا هو لو لقاك في ورطة عايز تقنعني أنه ممكن يخرجك منها كده بدون سبب ده لو مكنش هو اللي وقعك فيها اصلًا !!
ده لو يطول يدفنا بالحيا مش هيتأخر !!
هز فادي رأسه بيأس ونفاد صبر ثم قال:
_ زرعتي الكره في قلب هيثم أخويا وخليتي بينهم عداوة من غير أي سبب!، بس أنا مش زي هيثم ومش هسمع كلامك !
أنا بحب اخويا زايد وعمري ما هكرهه وهفضل جانبه مهما حصل ، كفاية أن بغبائي كنت هضيع نفسي كتير وهو اللي أنقذني … مالقيتش حد جانبي غيره ! … أنما هيثم كان فين من كل مشاكلي ؟! … طول عمره بيتريق عليا وبيقلل مني قدام كل الناس لحد ما بقيت تقريبًا بكرهه.
وقبل أن يتابع صفعته نوران بعنف ونظرة شرسة وهي تشير له بتحذير مفاده تهديد :
_ إياك اسمعك بتتكلم عن أخوك هيثم كده تاني!! … ولو ماقولتليش كنت فين هتصل بأبوك واقلب عليك الدنيا !
التمعت عينان فادي بالدموع وقال :
_ زايد كان بيتفق على خطوبته وقالي اروح معاه لأن بابا مسافر، رغم أني اصغر منه بكتير أوي وأخوه الصغير بس في الوقت ده مقاليش أنت عيل ولا صغير زي ما بتعملي معايا أنتي وأبنك .. خدني معاه وقفت جنبه وحسسني أن ليا قيمة وشخصية .. اللي بيحب حد بيتغير للأحسن .. وأنا لما ببقا معاكي أنتي وهيثم ببقى انسان مليان بالكره والشك في كل اللي حواليه … أنما مع زايد ببقا العكس !
سخرت نوران وقالت:
_ لا ما هو واضح أنك بتبقى معاه احسن!!، بقيت بترد عليا بقلة أدب وبتطاول على أخوك الكبير وبتاخد صف عدوه ! … ساعدك حظك أني مش فيقالك دلوقتي …بس هجيبلك خالك يشوف حكايتك إيه !
وخرجت بعدها من الغرفة وصفقت الباب خلفها بقوة مفزعة، ونظر فادي للباب لبعض الوقت، ثم تسربت دموع عينيه على خده بوفرة ….
**********
وصل جد ليلى ” صادق” بعدما عاد لشقته بالقاهرة ليرتاح قليلاّ ثم يعود ويأخذ رفقة أبنه … ولكنه تفاجأ بخبر الافاقة وركض تقريبًا لغرفة ولده ….
وراقبت ليلى جدها وهو يبك من الفرحة ويضم رأس أبنه الذي ينظر له بصمت وعينيه مغروقتان بالدموع وكأنه يبث له أمرًا يؤلمه.
قالت ليلى وهي تربت على كتف جدها :
_ كام يوم كده وهاخده عندي يا جدي لحد ما بأذن الله يرجع زي الأول واحسن …
اعترض الجد صادق وقال:
_ لا يابنتي ، بيت أبوه أولى بيه، هاخد للشقة هنا وهراعيه وهفضل جانبه مش هفارقه دقيقة واحدة ..
تدخل وجيه وقال بلطف:
_ هيكون عندنا أفضل يا حاج صادق، ماتنساش أن البيت عندنا اغلبه دكاتره وهناخد بالنا منه طول الوقت، ده غير أن ليلى محتجاله أوي الفترة دي وهو محتاجها أكتر … وياريت حضرتك كمان تيجي تنورنا …
اشتد اعتراض الجد حتى بعدما قاله وجيه وقال:
_ الله يحفظك يابني أنا عارف أنك أبن أصول وأصيل، بس أبني هيروح على بيتي .. أنا احق برعايته في الظروف دي، خليني اعوض اللي فات.
توسلت ليلى لجدها وقالت :
_ طب كام يوم بس يا جدي … ارجوك وافق عشان خاطري …
صمت الجد ولم يجيب، وفي صمته كان رفض أيضا، فنظر وجيه لليلى بنظرة ذات معنى، بأن تصمت ولا تجادل وهو المسؤول عن موافقة جدها ..
*************
مرّت رضوى على عدد ليس بقليل من ” محلات ” بيع فساتين الزفاف، ولم تجد منهم شيئاً مناسب …
وقف رعد بسيارته أمام مطعم شهير بأحياء القاهرة ثم التفت لها وقال:
_ نتعشا .. إيه رأيك ؟
وللحقيقة كانت رضوى تتضور جوعاً، فمنذ أن حدثها بوقت الظهيرة لم تأكل شيء ولم تشعر بأقل شهية للطعام، لمَ الآن هاجمها الجوع بهذه الشراسة ؟!!
فهزت رأسها بموافقة وخرجا من السيارة متوجهان لداخل المطعم …
وبالداخل ..
جلسا متقابلان وأمامها قائمة اختيار الطعام … رفعت رضوى القائمة المكتوبة بالانجليزية إلا مأكولات بسيطة مدونة بالعربية … فاختارت ” محشي ورق العنب مع شربة خضار ومعهما لحم مشوي بتتبيلة لم تفهم معناها ولكن اختارتها …”
واختار رعد اكلته المفضلة… وكانت.
( طبق متنوع من الأسماك وشربة سي فود)
أخذ النادل الطلب وذهب لأحضاره، فنظرت رضوى حولها وللأشخاص الزائرين بالمطعم فرمقها رعد وقال بابتسامة:
_ أنا عارف انك مش متعودة على المطاعم وكده ..
قالت رضوى بصدق:
_ مش مسألة مش متعودة، الحكاية بس أن بحس أني متكتفة كده ومش واخدة راحتي … البيت برضو حاجة تانية!، المطاعم دي أحب اروحها كل فترة لما ازهق ..
وافقها رعد وقال:
_ معاكي في رأيك، مع أني أغلب أكلي من المطاعم بسبب شغلي …
قالت رضوى بعفوية:
_ هبقى اعملك اكل تاخده معاك الشغل ..
يبدو أنها ادركت ما قالته بعدما قالته! … تظاهرت بالقراءة في قائمة الطعام بينما هو كان يسلط عينيه عليها بنظرات عاشقة والابتسامة لم تُفارق شفتيه …
أتى الطعام ووضع النادل الأطباق على الطاولة أمامهما، فنظرت رضوى لطبق الأسماك المختلفة وسحبته لعندها … فاتسعت ابتسامة رعد وقال:
_ غيرتي رأيك وهتاكلي سمك زيي ؟
هزت رضوى رأسها نفيًا وقالت:
_ لأ ،اصبر بس … هفصصلك السمك ، كنت بعمل كده مع خالي العمدة … بحب افصص السمك أوي، اللي افصصه تاكله طوالي!
كتم رعد ضحكته وهو ينظر حوله ليتأكد من أن النظرات ليست عليهما، ثم نظر لها بضحكة مكتومة وقال:
_ ابعتي اللي تفصصيه ..
ابتسمت رضوى على إجابته بعفوية وانغمست فيما تفعله، بينما راقبها رعد بابتسامة لم تترك ثغره منذ خرجا معاً…
ومرت دقائق وبدأت رضوى في تناول طعامها ولكن توقفت وبدت عينيها حمراء وبها بريق الدموع، فنظر لها بتعجب وقال:
_ مالك ؟!
أجابت وهي تبتلع ما فمها بصعوبة :
_ هما حاطين على اللحمة دي إيه ؟! …. كأني باكل شطة مش لحمة !!
قال رعد بغرابة:
_ مش أنتي اللي طلبتيها ؟! …
قالت بضيق وهي تمسح عينيها :
_ مكنتش عارفة أنها كده !
قال بلطف كاتمًا ضحكته:
_ تحبي اطلبلك حاجة تانية ولا تاكلي معايا ؟
ردت بغيظ من ضحكته الذي يحاول أن يخفيها :
_ لا شكرًا مش عايزة … هاكل محشي..
اتسعت ابتسامته وتابع تناول طعامه بهدوء، ثم قال بعد لحظات :
_ مستني الوقت اللي هترجعيلي فيه رضوى اللي عرفتها … دور الجمدان والخشونة ده مش لايق عليكي ! .. أنتي أرق من كده بكتير !
ابتسمت بشيء من السخرية وقالت:
_ لا أنا بس بدأت اعاملك بالمثل ! … ولا كنت فاكرني بكلمتين هضعف واسامحك !! …
نظر لها بتكشيرة وقال:
_ ليه شايفة المسامحة ضعف !!
ابتسمت بمرارة وأجابت:
_ عشان العفو عند المقدرة، بس أنا لسه مش قادرة انسى اللي عملته واللي قولته عليا!، يوم ما ارجع هكون نسيت … وحقيقي مش عارفة ممكن اقدر انسى امتى ! .. وياريت ما نتكلمش في الموضوع ده تاني لأنه بينكد عليا أكتر ..
تفهم رعد موقفها وقال :
_ عندك حق، مالوش داعي نتكلم في حاجة عدت وفاتت، بس عايز اطلب منك طلب …هو المفروض مايبقاش طلب ده الواجب ، بس برضو هطلبه منك ..

 

 

أطرفت رضوى عيناها وقالت ببعض التوتر:
_ طلب إيه ؟
ابتسم بتسلية لتوترها الواضح وما من الممكن أن تظنه وقال :
_ أنتي مراتي وهتفضلي مراتي مهما عملتي ومهما نويتي، بس بلاش تحرجيني قدام حد أو تتعاملي بشكل يحطني في موقف وحش قدام الناس …
قالت بحدة وعصبية:
_ ما أنت لو كنت عارف يعني إيه هتتجوز بنت فلاحين مكنتش طلبت طلب زي ده!! … احترامك قدام الناس محفوظ، أنا مش قليلة الرباية ولا قليلة القيمة عشان أحرج جوزي قدام مخلوق !
ولا أنا زيك !، بحكم على الخلق من مظهرهم ! … أنا متأكدة أنك لو مكتشفتش أني بنت عمك مكنتش فكرت حتى تشوفني تاني !
وضع رعد الشوكة المعدن من يده ونظر لها بعمق للحظات، ثم أجاب بحدة :
_ أنا لو مكنتش اكتشفت انك بنت عمي كان زمانك مراتي من زمان ! … كان زمانا عايشين أجمل أيام ، مكنش ده كله هيحصل أصلًا ! … ومافيش داعي اعيد وأزيد في حقيقة المفروض أنك عرفاها !!
ترك طعامه وتبدل مزاجه للسوء في لحظة!، فقالت رضوى بصوت جاهدت أن يكون رقيقا لطيفا:
_ طب كمل أكلك ..
نظر لها بنفس تكشيرته وعبوس وجهه فأضافت :
_ هنروح ننقي فستان الفرح واحنا متخانقين كده؟! …
ضيق عينيه عليها بحيرة وتعجب !، لا يعرف هل سامحته وتريد ممارسة الك اللعبة الغامضة معه، أم أنها لم تستطع تجاوز الأمر بالفعل ! … ولكن كي يلطف الأجواء عاد يتناول طعامه في هدوء.
وبعد ساعة تقريبًا كانت رضوى تستعد لارتداء أحد الفساتين التي اختارتها معه، ودخلت غرفة صغيرة لارتدائه …
بينما رعد كان ينتظرها خارج الغرفة وحوله مكان مُغلق بها عدد من الغرف المشابه لقياس الفساتين، وساعدته الصدف لأن يدخل معها ذلك المكان الخالِ إلا منهما ..!
قالت رضوى بغيظ وهي تحاول لمس السحابة الخلفية للفستان الضخم :
_ ياريتني خليت حميدة تيجي معايا !.
فقالت له بصوت عالِ وهي بالداخل :
_ اندهلي البنت اللي واقفة برا يا رعد تساعدني اقفل الفستان ..
سمعت صوته بالاستجابة ولكن فجأة بعد دقيقتان وجدته يدخل الغرفة بمفرده فشهقت بدهشة !، ووقف رعد متسمرًا للحظة وهو يرها بالرداء الأببض !
كان الرداء محتشمًا غير كاشف ولو جزء صغير من جسدها اللهم إلا عنقها الغضّ ذو البشرة السمراء اللامعة وشعرها المسترسل على كتفيها … لم تستطع رضوى أن تستدير أو تتحرك خطوة واحدة وسحابة الفستان مفتوحة ويظهر ظهرها عاريًا … فهتفت به بعصبية شديدة :
_ إيه اللي دخلك !! … لو سمحت اطلع !
لم ينطق ولم يتحدث بل ظل ناظرا لها بنظرة مبتسمة ماكرة عاشقة ، ولم يجد أكثر من الصمت احترامًا تعبيرًا عن اعجابه ! … تقدمت له وهي تدفعه للخارج حتى قال وهو ينظر للفستان عليها باعجاب شديد:
_ الفستان ده فستانك … اكنه اتعمل مخصوص عشانك ! …
استطاعت أن تدفعه وتغلق باب الغرفة عليها جيدًا وهي تتنفس بصعوبة، ثم ركضت للمرآة وابتسمت بسعادة وهي تتفحصه عليها …. وقبل أن تأتي فتاة المحل كانت رضوى استطاعت بصعوبة أن تُغلق سحابة الفستان ووجدت به بعض الأشياء التي تلزم اعادة الضبط … ولكن وقع اختيارها عليه أخيرًا بكل رضا وسعادة …
دخلت الفتاة وذهلت عندما وجدت رضوى بدلّت ملابسها وقالت:
_ معلش اتأخرت عليكي بس كان في عروسة معايا على الفون أنا أسفة …
ابتسمت لها رضوى وقالت :
_ حصل خير، انا خلاص اخترت الستان ده بس محتاج شوية تعديلات في المقاس بس …
هنأتها الفتاة ثم أضافت بابتسامة لطيفة:
_ طب لو عايزة تسبيه وتجيلي بكرة بالنهار نضبطه معنديش مشكلة، مش هياخد في ايدي ساعة زمن .. ولو عايزة تاخديه وتوديه لخياطة تانية برضو مافيش مشكلة براحتك خالص يا عروسة.
ابتسمت رضوى بامتنان وقالت :
_ لا هجيلك بكرة أنا معرفش خياطين هنا، وهجيبلك أخواتي كمان ..
اتفقا الفتاتان وخرجت رضوى مبتسمة بفرحة ظاهرة عليها، استقبلها رعد عند المدخل وبيده ورقة الحساب ، فخطفتها منه بابتسامة لترى سعر الفستان ولكنها شهقت بصدمة !
ثم قالت وعينيها اتسعت على آخرهما :
_ هو ده سعره بجد ؟! … ليه معمول بالدهب !
سألها عن الرداء فجاوبته عن اتفاقها مع صاحبة المحل، ثم جذبها من نعصمها للخارج وهو يضحك فقالت رضوى بعبوس:
_ ده اغلى من كل فساتين أخواتي !، مكنتش أعرف أنه غالي أوي أوي كده !
وقفا عند سيارته وقال لها وعينيه تلتمع سعادة:
_ الغالي للغالي يا رضوى، كفاية فرحتك بيه، وكفاية شكله عليكي ، هتبقي أميرة من الأميرات يوم فرحنا يارضوى …
احمر وجهها بحياء والتمعت عيناها ببريق سعادة …. ثم قال بحماس وابتسامة واسعة:
_ تعالي بقا معايا نجيبلنا شوية لبس، هتختاري معايا لبسي ..
قالت متفاجئة:
_ بس أنا جيبت كل حاجة خلاص ومش محتاجة هدوم تاني …
اعترض وقال بنظرة عميقة لها:
_ دي هدية مني ، أنا مبسوط النهاردة أوي .. وكمان عايزك تنقي معايا على ذوقك …
قالت له وهي تخفي ابتسامة :
_ ماشي…
*************
وفي الصباح … بغرفة زايد بالقصر…
استقبل زايد مكالمة من والده فأجاب:
_ معاك ..
قال والده ببعض القلق :
_ اتصلت بيا بليل كتير بس انا كنت نايم ، في حاجة عندك ؟!
صمت زايد لبعض الوقت ثم ردّ بهدوء:
_ مافيش حاجة تقلق، بس في أني هخطب وضروري تكون معايا اليوم ده …
دهش ممدوح للحظات من قرار أبنه الصادم بعدما كان يظن الجميع أنه سيظل عازباً للأبد!!… فسأل وكأن الخبر لا يعنيه كأب :
_ أنت حددت يوم ؟؟
رد زايد مختصرا:
_ يوم الجمعة الجاية بأذن الله ..
تنهد ممدوح بضيق وقال معتذرًا:
_ مش هينفع الجمعة الجاية للأسف، الشغل هنا لسه مخلصش وهياخد وقت ..
اغمض زايد عيناه بعصبية حتى أضاف أباه:
_ خليها الجمعة اللي بعدها احسن … هكون وصلت واتكلمنا مع بعض الأول ، بس مين العروسة ؟
رد زايد مرغمًا :
_ فرحة أخت حسام ..
صدم ممدوح صدمة عمره وقال:
_ اللي فادي ضرب أخوها ؟! … هي دي اللي عايز تتجوزها ؟! ….
رد زايد بحدة وتصميم :
_ ولو مش هي مش هيبقى غيرها …
صُدم أباه اكثر من تصميمه، فقال بموافقة وهو يعرف أن زايد سيفعل ما يشاء في جميع الأحوال:
_ دي حياتك وانت حر فيها يا زايد، أنا مش متعود ادخل في قراراتك بس يمكن بقولك كده عشان شايفها مش مناسبة ليك ! … ده دوري انصحك !
ابتسم زايد بمرارة، فأبيه آخر من ينصح مخلوق وهو من قهر والدته وأوصلها لنهاية حياتها بيدها .. فأجاب :
_ هختصر كلامي وأقولك أنها الانسانة الوحيدة اللي قدرت تصالحني على الدنيا من تاني … لو مكنش ده بالنسبالك كفاية فـ بنسبالي أكتر من كفاية … اخترت انسانة مش عايز منها شيء غير أنها تبقى جانبي .. مش طمعان غير في وجودها.
وكانت هذه الكلمات تُعبر عن غضب مكتوم وعتاب وقهر عظيم بداخله، وفهم والده الرسالة الخفية وقال :
_ لو هي فعلًا هتسعدك بالشكل ده فمش هتكون بالنسبالي مرات أبني، هتكون بنتي … الف مبروك يابني ..
ابتلع زايد مرارة شديدة بحلقه وهو يحاول كبت هذا الألم بداخله، فتابع ممدوح:
_ مش هقدر اسيب الشغل وهو لسه مخلصش ، بس على اتفاقنا بعد اسبوعين، بس هو أنت ناوي تسيب البيت وتسكن بعيد ؟!
رد زايد بتوضيح :
_ اكيد .. لازم يكون ليا بيتي وحياتي …
انتبه زايد لرنة الحزن والضعف بنبرة والده وهو يقول :
_ وهتسيبني لوحدي يا زايد ؟! … هتسيب أبوك ! … القصر كبير جدًا ويساعنا كلنا …
تكورت بحلق زايدة غصة شديدة المرارة مجددًا وقال :
_ لوحدك ليه ؟! … مراتك موجودة وأبنها وفادي أخويا كمان ..
تنهد ممدوح تنهيدة عميقة قبل أن يقول :
_ أنت عارف ومتأكد أنك لو بعدت هبقى لوحدي …. يمكن أول مرة أقولك كده، بس ببقى مطمن وأنت جانبي ، عشان خاطري ما تبعدش … مراتك هتكون واحدة مننا وهتشوف هعاملها أزاي … بس خليك جانبي وجنب فادي أخوك … يمكن كنت بشوفك متهور ومتسرع في بعض الأمور ، لكن بعد كده كنت بكتشف خوفك علينا ….
صمت زايد بحزن شديد كاد أن يشق قلبه وهو يريد بكل قوته أن يبتعد عن ذلك القصر اللعين الذي لم يرى فيه سوى الاذلال والنبذ والكراهية …. ولم يجد إجابة يقولها فقال والده متفهمًا حيرته :
_ خليك ولو لقيت أني منفذتش كلامي ابعد، بس عمومًا هنكمل كلامنا لما ارجع من السفر ونتقابل.
وانتهى الاتصال ووضع زايد الهاتف في بطء وعينان زائغتان مليئة بالألم ، ثم وضع رأسه بين يديه وهو يحاول تلك الدموع وبصعوبة استطاع ذلك ….

 

 

********
وقبل انتهاء الاسبوعين ما قبل زفاف الشباب الأربعة ، صمم العمدة إقامة حفل حناء في منزله بالريف ووافق الجد رشدي بترحاب …..
وبالمساء في بيت العمدة تجمع الشباب الاربعة في حجرة علوية بالمنزل، ووقف جاسر امام النافذة يستمع بابتسامة واسعة مليئة بالخبث لبعض ألاغاني المتداولة للأفراح من صوت أنثوي وهو يرتشف من كوب عصير البرتقال الطازج..
انضم اليه رعد وهمس له قائلا :
_ بتضحك على إيه ضحكني معاك !
رد يوسف وهو يأكل قطعة كبيرة من الفطير وهو جالسا:
_ شكله مش مصدق أنه هيتجوز ! … اتجنن باين !
همس جاسر لرعد بشيء جعله ينفجر من الضحك وينصت لكلمات الأغاني …. وبعدما عاد استمع جاسر لتلك الكلمات وهو يشرب مبتسما من كوب العصير ..
وعند جمع النساء الناظرين للمرأة التي تدندن وتغني ويتهامسن بحرج مما تقوله من كلمات جريئة !!
وكزت حميدة شقيقتها جميلة وقالت بعصبية:
_ ما تسكتي الولية دي الناس عمالة تبصلها من اللي بتقوله ! … هي دي اغاني تتقال ! ….مين الست دي اساساً؟!
أجابت جميلة بتعجب:
_ والله ما أعرف!، شكلها مش من البلد اصلًا، أول مرة أشوفها!
ونظرت للنساء الريفيات اللواتي يملأهن الحياء من أبسط الكلمات ونظراتهم المتعجبة مما تقوله المرأة تلك، وذهبت جميلة للمرأة وهمست لها قائلة :
_ معلش ياختي وسعي شوية كده خلينا نفرفش ..!
جذبت جميلة شقيقتها سما وقالت لها بدعم :
_ جه الوقت اللي نحتاجك فيه ! …. أفرضي موهبتك على الجمهور يابت وارجعي لنفسك الفرفوشة.
ضحكت امهن وداد ضحكة عالية وهي ترى رفع الأكف بالتصفيق الحار الحار الذي لم يكن يحتاح لأي موسيقى لأشعاله ، وبدأت زوجة العمدة بترداد كلمات اغاني مبهجة جميلة ملأت الاجواء سعادة وفرحة …
********
نهض آسر من نومه فنظر لجاسر ورعد وقال لهما :
_ احنا أمتى ؟!
شرق جاسر من الضحك ومعه رعد ثم قال :
_ احنا من يومين !، فاتك أنت العظمة اللي سمعناها من شوية …. خليك نايم يا آسر أنت خجول وكيوت !
رد يوسف وهو يبتلع آخر قطعة من الفطيرة :
_ مش احسن منك يا قليل الأدب … روش أنت كده يعني !
قال جاسر بضحكة مستفزة :
_ ما أنت زيه !! … اومال لو مكنتش أخويا ! … مش شبهي خالص ! … الواد رعد ده اللي نسختي ..
نظر آسر لهما ببعض التيهة وقال :
_ لا ثواني … هو كان في أغاني شغالة بجد ولا أنا اللي كنت بحلم ؟
ضحك جاسر وقال بخبث :
_ هي … بس قولي كانت بتقول ايه عشان اتأكد كده ؟!
نظر آسر له للحظة ثم دفع الوسادة بوجه جاسر وهو يضحك وينهض ليدفعه ببقية الوسائد ، ونهض يوسف ورمى نفسه عليهم في معركة من الضحكات والمزاح.

يتبع…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *