روايات

رواية امرأة العقاب الفصل الثاني والسبعون 72 بقلم ندى محمود توفيق

رواية امرأة العقاب الفصل الثاني والسبعون 72 بقلم ندى محمود توفيق

رواية امرأة العقاب البارت الثاني والسبعون

رواية امرأة العقاب الجزء الثاني والسبعون

رواية امرأة العقاب
رواية امرأة العقاب

رواية امرأة العقاب الحلقة الثانية والسبعون

توقف عن الكلام حين سقطت عيناه على جلنار التي تقف بمفردها بإحدى الزوايا تتابع ابنتهم وهي تلعب وعلى الجانب الآخر يقف شاب يبدو أنه يصغره سنًا بكثير وعيناه ثابتة على زوجته يتفحصها بوقاحة وبنظرات لا يفهمها سوى الرجال بعضهم البعض مما جعله يلتهب كجمرة النيران وعيناه تحولت للون الأحمر القاتم .. والوحش النائم بأعماقه استيقظ حين راي ذلك الوغد يتحرك ويتقدم في طريقه لزوجته !!! ….
تلفت برأسه تجاه الرجل الذي كان يشاركه أطراف الحديث وغمعم بصوت غليظ وعيناه لا تحيد عن زوجته :
_ لحظة وراجعلك يامعتز بيه
رد عليه الآخر بخفوت وابتسامة عذبة :
_ اتفضل
اندفع يقود خطواته الأشبه بُخطا أسد جائع يستعد للانقضاض على فريسته .. لكن قبل أن يصل إليها رأى ذلك الوغد قد وقف أمامها وهي طالعته باستغراب وقبل أن يتفوه معها ببنت شفة وصل صديقه وسحبه عنوة لكنه وضع بيد جلنار كارت صغير واشار لها بيده على أذنه معنيًا أن يكونوا على تواصل .. ثم انصرف مع صديقه واتجهوا باتجاه الحمامات .

كور قبضة يده بعنف واحتقن وجهه بالدماء حتى بات وجهه يعطي انعكاسًا مرعبًا .. فور رؤيتهم لهم يتجهون بذلك الاتجاه لمعت عيناه بوميض يقذف الرعب في قلوب أعتى الرجال واشدهم بأسًا .. وبحركة لا إرادية منه قادته قدماه المتريثة لفريستها خلف خطاهم ! .

الصدمة والغضب المستحوذ على جلنار بذلك الوقت بعد الفعل الوقح التي تعرضت له من رجل لا يدري على الأدب والاحترام ذرة واحدة .. جعلها لم تنتبه لزوجها وهو يتبعهم كالصياد .. بل كانت تحدق بالكارت الذي بيدها ومدوّن فوقه رقمه باشمئزاز وفورًا مزقته لقطع صغيرة وسط عبارتها الغاضبة والمشمئزة :
_ بني آدم سافل ومش محترم

داخل قاعة الحامات الصغيرة كان يتحدث ذلك الشاب لصديقه الذي سحبه عنوة وينهره بعنف :
_ إنت حبكت دلوقتي ياعم .. ضيعت من إيدي المزة ده الاحمر اللي لبساه جنني !
هتف صديقه بنفاذ صبر :
_ إنت مش هتبطل بقى وتتهد يابني بعدين دي متجوزة مش شايفها واقفة مع بنتها طول الوقت
رد الآخر ساخرًا بأسلوب فظ :
_ متجوزة إيه ياعم وهو مين الحمار اللي يسيب الصاروخ ده لوحده كدا
لم يكونوا منتبهين لوجود طرف ثالث معهم بالحمام يتابع حديثهم من البداية وعيناه تلونت بلون الدماء وفمه التوى بطريقة تقشر البدن وهو يصرّ على أسنانه حتى أخيرًا خرج صوته المتحشرج وبنظرات الثاقبة تمامًا كالعُقاب :
_ ششششش !!!

 

 

 

التفتوا على أثر صوته باستغراب بينما هو فتابع بنفس النبرة السابقة :
_ معاك رقم الإسعاف ؟!
رد الآخر باستهزاء وعدم اكتراث :
_ نعم !!
عدنان بنظرة كلها وعيد وتطلق شرارات النيران الحارقة :
_ عشان هتحتاجه دلوقتي !
ولم يلبث للحظة فور انتهاء جملته حتى غار عليه يوجه له ضربة مبرحة أطاحت به أرضًا وتابع الضربات التي سالت على أثرها دماء وجهه وحين حاول صديقه التدخل ومساعدته لقى نصيبه أيضًا .. ومن هول الصدمة والموقف المفاجيء لهم لم يسعهم حتى الدفاع عن أنفسهم .. انتصب عدنان في وقفته قليلًا وجذبه من لياقة قميصه صارخًا به محذرًا :
_ إنت وصاحبك ال**** زيك ده هتطلعوا من هنا ومشفش وشكم في الفرح نهائي وإلا اقسم بالله ادفنك بأرضك المرة الجاية

ثم اعتدل واقفًا وهندم من سترته قبل أن يلقى عليهم نظرة نارية ويستدير ويرحل تاركًا إياهم الدماء تسيل من كل جزء بوجههم وذلك الوغد يتأوه بألم … فور خروجه من الباب وجد أحد أفراد الأمن أمام الباب ويسأله بريبة وقلق :
_ هو في حاجة ياعدنان بيه ؟!
عدنان بعصبية :
_ الاتنين ال**** اللي جوا دول ملمحش وشهم بقية الفرح نهائي
أجاب رجل الأمن بانصياع تام لأوامره :
_ تحت أمرك ياباشا

***
التقطت عيني جلنار زوجها المندفع نحوها والشر يتطاير من عينيه .. ضيقت عيناها باستغراب وقلق بسيط وبقت تتابعه بنظرها حتى وصل إليها ولم تلبث لتسأله حتى ماذا حدث فوجدته ينفجر بها كالثور الهائج :
_ قدامك حلين يا إما تطلعي قدامي على العربية وارجعك البيت بإما تطلعي على فوق في الأوضة اللي كانت موجودة فيها زينة قبل ما تنزل وتغيري الزفت اللي لباسه ده
جلنار بفزع بسيط من طريقته العنيفة وعصبيته ردت عليه بعدم فهم :
_ إيه اللي بتقوله ده .. في إيه ياعدنان !!!
عدنان صائحًا بنظرة مرعبة :
_ هتطلعي الأوضة ولا نروح البيت !
جلنار بعصبية مماثلة له :
_ مش هعمل حاجة .. لما تفهمني الأول إيه حصل ؟!
التهبت نظراته أكثر وأصبحت أكثر احمرارًا وفجأة وجدته يقبض على ذراعها ويجذبها معه لخارج قاعة الفرح بأكملها بينما هي فتحولت لحمرة من النيران وهتفت محاولة إخفاض نبرة صوتها حتى لا يلاحظهم أحد :
_ عدنان إيه اللي بتعمله ده سيب إيدي !!
رمقها بنظرة مميتة وهدر :
_ هنرجع البيت

 

 

 

كانت تستشيط غيظًا وغضبًا لكنها صمتت مؤقتًا وقبلت بالوضع حتى لا يصبحوا حديث على كل لسان .. أشار لها بأن تسبقه للسيارة ففعلت وهي على وشك أن تنفجر من فرط الغضب .. ثم أشار بيده لابنته أن تأتي إليه وفور وصولها له هتفت برقة وابتسامة عريضة :
_ نعم يابابي
عدنان بحزم :
_ يلا يابابا هنرجع البيت كفاية
هنا بعبوس طفولي :
_ بس أنا بلعب من صحابي يابابي لسا !
_ تبقي تلعبي معاهم مرة تاني ياهنا .. يلا على العربية

زمت شفتيها بحزن وتلألأت العبارات في عيناها من معاملة أبيها الجافة لها والتي تشهدها للوهلة الأولى .. لم تعتاد أبدًا على معاملته القاسية تلك !! .
لكنها انصاعت لأوامره بصمت وسارت مطرقة الرأس نحو السيارة لتستقر بالمقعد الخلفي وتلقي نظرة على أمها الحالية بالمقعد الامامي وكان يبدو عليها أنها تحترق من قوة اشتعال نيران غضبها ! .
لحق بهم واستقل بنقعده المخصص للقيادة بجوار جلنار التي لم تنزل بنظرها عنه للحظة واحدة تستمر في التحديق به بغيظ وغضب بينما هو فكانت كلمات ذلك الوغد ونظراته لها ملتصقة بعقله ولا تتركه .. وكلما تهدأ ثورته قليلًا تعود وتشتعل من جديد فور تذكره لكلماته القذرة وهو يصف مدى إعجابه بجسدها وثيابها الحمراء ! .
دقائق طويلة مرت من الصمت القاتل بينهم جميعًا .. بين هنا الصغيرة التي تتابع الطريق بحزن صامتة وجلنار التي لا تطبق الانتظار حتى تصل للمنزل لكي تفرغ طاقة سخطها المكتظة به وهو مازالت الكلمات تأكل صدره أكل وتلهب غيرته أكثر …

توقف سيارته أخيرًا أمام منزل نشأت الرازي ونزلت أولًا جلنار التي تبعتها الصغيرة هنا وركضت للداخل بينما هو فلحق بهم .. قادت جلنار خطواتها لغرفتها بالطابق العلوي وهنا أسرعت لمكتب جدها حيث يوجد كما أخبرتها الخادمة بدرية ! .
بغرفة جلنار بالأعلى ، فتحت الباب ودخلت ثم دخل هو خلفها وأغلقه ليحصل هو هذه المرة بالبداية على نصيب من جموحها المنفجر به :
_ إنت في إيه مالك وإيه اللي حصل .. شاددني من إيدي ومرجعني البيت غصب وبتزعق فيا وأنا مش فاهمة إيه السبب أصلًا
لم يبالي بصياحها وكلماتها فقط كانت نظراته ثابتة على جسدها وذلك الفستان الذي ترتديه ويظهر منحياتها المثيرة ليجعلها امرأة صارخة الجمال .. أين كان عقله ونظره حين سمح لها بالخروج من المنزل به أساسًا ؟! .. هل كان اعمى البصيرة أم معتوهًا ؟!! .
ذلك اللون يجعلها مثيرة حد الفتنة .. الزهرة الحمراء تصبح متوهجة بلونها الخاص .. لكنه اقسم أن ذلك التوهج لن يراه سواه هو فقط من الآن وصاعدًا .. ستطبق قوانين صارمة وستسير عليها رغمًا عن أنفها .
اقترب منها بخطوات متريثة ونظراته تتفحصها بشكل مريب جعلتها للحظة تخشاه وحين وقف أمامها مباشرة همس بصوت مخيف وهو ينقل نظره بين وجهه وبين الفستان :
_ الفستان ده ميتلبسش برا البيت تاني نهائي .. ولبس الخروج من هنا ورايح هيكون كله واسع
غضنت حاجبيها باستغراب من أسلوبه الجديد والمختلف وتلك القوانين الغريبة التي يمليها عليها .. التزمت الصمت ولم تجيبه حتى سمعته يكمل بلهجة كل ملكية وخصوصية :
_ اللون الأحمر اتخلق عشانك والزهرة الحمراء ملك لعُقابها وعشان كدا ممنوع تطلعي بلبس أحمر تاني ياجلنار
ضيقت عيناها بتعجب وردت مستنكرة عبارته :
_ ممنوع !!!

 

 

 

 

ابتسمت بعدم فهم ثم عقدت ذراعيها أمام صدره وهتفت بهدوء تام :
_ طيب ممكن بقى افهم إيه اللي حصل !
انتصب في وقفته أكثر وتمتم بصوت غليظ ونظرة حادة :
_ مش لازم تفهمي .. نفذي اللي بقول عليه بسكات ومن غير نقاش وكلام
تنفست الصعداء بعدم حيلة وخنق منه ثم اتجهت للخزانة تخرج ثوب قطني منزلي من اللون الأبيض وتتجه نحو الحمام لكي تبدل ملابسها .. بينما هو فكانت عيناه تتحرك معها بتدقيق شديد وغيظ من ذلك الفستان الذي ترتديه .. وفور اختفائها عن أنظاره داخل الحمام رفع يديه يمسح على شعره نزولًا لوجهه وهو يصدر زفيرًا حارقًا مع صوته وهو يهتف بألفاظ نابية يسب بها ذلك الشاب ! .
جلس فوق الفراش وقدمه تتحرك بعنف وتضرب بالأرض بصوت عالي نسبيًا .. وصوت قدمه وزفيره هو الوحيد المسموع بأرجاء الغرفة .. لكنه فجأة امتزج مع صوت جلنار الغاصب والعالي من داخل الحمام وهي تصيح بنفاذ صبر :
_ أووووووف إيه القرف ده .. هو أنا نقصاكي كمان !
غضن حاجبيه بريبة واستقام واقفًا يتقدم نحو الحمام ليقف ويطرق على الباب بلطف هاتفًا في اهتمام :
_ جلنار إنتي كويسة ؟
صاحت بخنق من الداخل :
_ كويسة ياعدنان .. إنت ليه قاعد لغاية دلوقتي .. امشي !!!
لم يعقب على كلماتها الفظة ورغبتها أن يرحل .. وتفهم وضعها أنها ربما تكون غاضبة بسبب ما فعله أو لسبب ما مجهول يحدث معها بالداخل .. ظل ساكنًا تمامًا يقف أمام الباب ويستمع لتأففها بالداخل وهمهماتها الغير مفهومة فانتابه الفضول بشدة ودون أن يشعر بيده وجدها امتدت لمقبض الباب وإدارته ببطء ثم فتح الباب برفق شديد حتى لا تنتبه له والقى نظرة فاحصة عليها فوجدها تلوى ذراعيها خلف ظهرها تحاول الوصول لسحاب الفستان لكن يديها لا تصل إليه .. بقى مكانه يتابعها وهي تحارب مع ذلك السحاب وابتسامته الساحرة بدأت تشق طريقها لثغره .. وسط محاولاتها الفاشلة كانت تهتف بقرف وهي تقلده :
_ ممنوع تطلعي بالفستان ده واللون الأحمر !! .. وجاي على نفسك كدا ليه تحب اطلعلك بشوال كمان احلى عشان البيه يرتاح .. انتي تنفذي اللي بقول عليه وخلاص من غير نقاش .. لا اخرسني خالص احسن كمان .. كأنه هيرجاله حاجة لو قالي إيه اللي حصل .. نرجسي .. هتشل ياربي هتشل ربنا يصبرني
ثم راحت تصيح على الفستان والصحابة كأنه إنسان تحدثه :
_ ما تتفتح إنت كمان فستان مقرف كانت ليلة طين يوم ما لبستك !
فتح الباب جيدًا ودخل ثم تقدم منها بتريث ليقف خلفها مباشرة ويرفع أنامله يده لسحاب الفستان يمسكه .. وفور لمسته لها انتفضت واقفة بفزع والتفتت سريعًا خلفها تطالعه بدهشة هاتفة :
_ ازاي تدخل من غير أذن .. ده باب حمام مش باب أوضة يا أستاذ
صر على أسنانه بغيظ منها وهتف محاولًا تمالك أعصابه :
_ بلاش طولة لسان ولماضة .. باب الأوضة والحمام الاتنين بنسبالي واحد طالما اللي موجودة جوا مراتي
حدقته شزرًا بغيظ وهتفت :
_ إنت وقح على فكرة !
عدنان ببرود مستفز :
_ دي حاجة مش جديدة وأنا وإنتي عارفينها الحمدلله .. لفي اخلصي على افتحلك السوستة اللي عاملة الصداع ده كله
كادت أن تعترض وتعانده لكنها وجدت يده القوية تلفها عنوة ليصبح ظهرها مقابل وجهها ويده امتدت مرة أخرى للسحاب يفتحه ببطء متعمد منه أثار جنونها فالتفتت برأسها له وصاحت به مغتاظة :
_ عدنان اخلص !!
ابتسم بلؤم وتصنع البراءة متمتمًا ببرود :
_السوستة معلقة !
تأففت بقوة تستغفر ربها فانتهت جميع حلولها معه ولم يعد بإمكانها الدخول في جدال آخر معه .. بقت واقفة تنتظره إن ينتهي من فتح السحاب لكن يده توقفت في المنتصف وهو يهمس بالقرب منه أذنه :
_ هي الغيرة بقت نرجسية ؟!
التفتت برأسها له وأصبحت بمواجهة وجهه مباشرة وسألته بترقب :
_ وإيه سبب الغيرة ؟!!
تنهد الصعداء مطولًا وشعر بأن فتيل النيران تشتعل من جديد داخل عند تذكره لما حدث بالحفل لكنه تجاهل ذلك الشعور ورد عليها بثبات تام ونظرة ثابتة على عيناها البندقية :
_ غرت زي أي راجل بيحب مراته وبيغير عليها لما لقيت كل العيون بتبصلك
لاحت شبح ابتسامة خفية على شفتيها وطالعته بطرف عيناها في غرام ثم عادت برأسها لوضعها الطبيعي وهدرت بنعومة مبتسمة :
_ طيب كمل !
ابتسمت ابتسامة جانبية على شفتيها كلها خبث بعد جملته وعاد يكمل فتح السحاب وبعد انتهائه ارتفعت يديه ينوي تمريره من فوق كتفيها لينزعه لكنها ابتعدت فورًا وهتفت بدهشة وخجل بسيط :
_ بتعمل إيه ؟
عدنان ببراءة مزيفة ونظرة تعكس تلك النبرة البريئة :
_ بساعدك يارمانتي !
جلنار مستنكرة رده وهي تبتسم مغلوبة :
_ وهو أنا طلبت مساعدتك أولاني عشان تساعدني تاني !
رد بعبث وأسلوب مختلف وجديد عليه :
_ الاهتمام مش بيطلب مش كدا ولا إيه !

 

 

 

لما تتمكن من حجب ضحكتها التي انطلقت عاليًا رغمًا عنها ثم قبضت على ذراعها ودفعته للخارج بلطف وهو تضحك هاتفة :
_ مش بيطلب فعلًا .. بس مش في ده ياوقح
علت صوت قهقهته الرجولية بأرجاء الغرفة وقبل أن تغلق الباب على نفسها هتف وهو يغمز لها بمكر :
_ هستناكي هنا يارمانة
ردت برفض وهي مبتسمة :
_ امشي ياعدنان الله ! .. أنا مطولة أساسًا هاخد شاور
أنهت عباراتها وأغلقت الباب لتتركه يضحك بصمت لكن قطع اللحظة صوت طرق الباب .. ظنها أنه ابنته كالعادة فتحرك باتجاه الباب وفتحه لكنه قابل أمامه بدرية التي هتفت بعبوس :
_ عدنان بيه .. هنا رافضة تاكل وتتعشى نهائي وبتعيط بس ونشأت بيه بيحاول معاها مفيش فايدة مش عايزة تبطل عياط وهو طلب مني آجي اندهك
غضن حاجبيه باستغراب وقلق وفورًا غادر غرفة جلنار وسار مسرعًا نحو صغيرته ………

***
وصل كل من آدم ومهرة إلى قاعة الحفل .. وقبل دخولهم بين الحشود وجدته يمسك بذراعها ويعلقه بين ذراعه ويرفع كفها لشفتيه يقبله بحب وسط نظراته الدافئة لها ، فابتسمت بخجل وعشق .
لا تستطيع إخفاء شعورها بالسعادة والثقة بعد فعلته تلك .. كأنه يخبر الجميع بأنها حبيبته وزوجته المستقبلية .. فخره وسعادته بها جعلتها تحلق بالسماء ، فسارت معه للداخل وهي تبتسم بثقة وقوة لكن حين سقطت عيناها على بعض الفتيات ورأتهم يحدقون به بإعجاب ويرمقونها بقرف وغيظ .. فاشتعلت غيرة وحاولت عدم إظهارها لكن اكتفت بأنها التصقت به أكثر وعلقت ذراعها بذراعه في تحكم وتملك أكثر .. تثبت لجميع هؤلاء الفتيات أنه لها ! .
هبط آدم بنظره لها حين وجدها تضغط على ذراعه بقوة وتمتم مبتسمًا :
_ في إيه يامهرة مسكاني كدا ليه هو أنا ههرب منك !
مهرة بشراسة وعيظ :
_ ومين قالك اني هسمحلك تتحرك خطوة واحدة من جمبي أساسًا
قهقه بخفة وأردف :
_ في إيه يابنتي مالك .. ما إنتي كنتي زي الفل قبل ما ندخل
لم تجيبه وعادت تتجول بنظرها بين الحشود فوقع نظرها على أسمهان لتقول بسرعة :
_ مامتك قاعدة هناك اهي تعالى يلا نروحلها وأنا هروح اسلم عليها كمان
كان يتطلع لها بعدم فهم ولم يتحرك معها بإرادته بل هي التي جذبته عنوة نحو أسمهان .
لمحتهم أسمهان على مسافة قريبة يتقدمون إليها فقابلتهم بابتسامة عريضة وسعيدة وفور وصولهم اقتربت منها مهرة وعانقتها بود هاتفة :
_ عاملة إيه يا أسمهان هانم ؟
أسمهان بعذوبة :
_ الحمدلله كويسة يامهرة .. اقعدي ياحبيبتي
جلست على المقعد المجاور لها وجلس بجانبها آدم الذي كانت نظراته عالقة على زينة وهشام وهو يبتسم بسعادة .. البسمة تحتل ثغر ووجه زينة كله وسعادتها تظهر بعيناها قبل وجهها .. ولا يمكنه إنكار أن ذلك اشعره بالراحة والسعادة فلطالما كان شعور الذنب يطارده ويلوم نفسه أن تركها وكان السبب في حزنها .. لكن ذلك كان القرار الصحيح لكيلهما .. لو كان استمر معها لإسعادها كانت النتائج ستكون سيئة عليهم هم الأثنين ولن يتمكنوا من العيش بسعادة أبدًا .. لكن الآن هو متيقن أن هشام هو الرجل المناسب لها وسيسعدها حقًا وهي ستنسى كل ما مرت به معه .
أما هو فحبببته العنيدة التي بجواره تعنى الدنيا وما فيها بالنسبة له الآن .. سيكرث حياته وقلبه وعشقه كله لها .. لكل منا يمتلك من الحب نصيب .. ونصيبه تمثل في فتاته المميزة …
هم بأن ينهض من على المقعد لكن مهرة قبضت على ذراعه بقوة تمنعه من الوقوف هاتفة بنظرة صارمة :
_ رايح فين ؟!!
آدم بتعجب وهو ينزع يده من قبضتها :
_ في إيه يامهرة هروح اسلم وابارك لزينة وهشام !

 

 

 

 

ردت وهي تهب بالوقوف معه :
_ هاجي معاك
آدم برفض قاطع وهو يشير لها بالبقاء مكانها :
_ لا خليكي مكانك متجيش أنا هسلم عليهم وارجعلك
عبس وجهها بعد رفضه وعدم رغبته في ذهابها معه .. الذي لا تفهم سببه .. وحين التفتت لأسمهان رأتها تطالعها مبتسمة بدفء كأنها تواسيها وتخبرها أن لا تحزن .
مهرة بترقب وخنق :
_هو مرضيش ياخدني ليه ؟!!
حاولت أسمهان التهرب من سؤالها خشية من أن تخبرها بالأمر وتتسبب في مشكلة بينهم وقالت باسمة بخفوت :
_ يمكن محبش يتعبك يامهرة متزعليش نفسك يابنتي
مهرة بذكاء فطري ونظرة دقيقة :
_ إنتي عارفة حاجة يا أسمهان هانم ؟
_ لا هعرف إيه بس ياحبيبتي
طالت نظرات مهرة المعاتبة لها وحين وجدت أسمهان نفسها محاصرة فقالت بإيجاز :
_ بصي لما يجي آدم هو هيفهمك كل حاجة أفضل
مهرة بخنق وضيق :
_ آدم مش هيتكلم
أسمهان بثقة تامة :
_ هيحكيلك متقلقيش أنا واثقة
عادت تلقي بنظرها عليه لتتابعه وهو يهنيء العروسين ببشاشة ووسط متابعتها للمشهد رأت زينة تنظر لها فجأة وتبتسم بود فلم يكن منها شيء سوى تبادل الابتسامة لها أيضًا ! …….

***
فتح عدنان باب الغرفة ودخل فوجد ابنته تجلس على الفراش وبجوارها جدها يحاول تهدأتها وهي ترفض حتى النظر إليه .. فاقترب منها بسرعة متلهفًا وجلس بجوارها يضمها لصدره هاتفًا :
_ هنون مالك ياحبيبتي بتعيطي ليه ؟!
ابتعدت عنه وزمت شفتيها بحزن ترفض اقترابه منها وتهمس :
_ أنا زعلانة منك يابابي
اتسعت عيناه بدهشة ونقل نظره بين نشأت وبدرية فرأهم يضحكون بصمت بعد جملتها وراح يصدح صوت نشأت وهو يقول نعاتبًا :
_كدا يا هنا طيب مش تقولي من الأول إنك زعلانة من بابا ياجدو بدل ما إنتي سيبانا بنحاولة نكلمك وانتي مش معبرانا
بدرية بضحكة خفية :
_ بتدلع على ببابها يا نشأت بيه .. حقها !

 

 

 

نشأت باسمًا بدفء وهو يقترب منها ويطلع قبلة دافئة فوق شعرها :
_ بتفكريني بأمك كانت زيك كدا عنيدة جدًا ومازالت عنيدة ورقيقة وحساسة أوي زيك بظبط كدا ياهنون
رفعت نظرها تتطلع بجدهت باهتمام عند ذكره لأمها وأنها كيف تشبهها جدًا في طباعها وتناست حزنها وبكائها وفقط كانت كلها آذان صاغية له حتى وجدته يقف ويرتب على كتف عدنان ويقول ضاحكًا :
_ نسيبكم بقى احنا على انفراد .. ربنا يعينك يا بابا
ابتسم عدنان رغمًا عنه وتابعهم بعيناه وهم يرحلون ، ثم استدار برأسه تجاه صغيرته وطال تمعنه بها وهو يبتسم بعشق بينما هي فكانت تشيح بوجهها عنه ترفض التطلع إليه وكلما يحاول الاقتراب أكثر ليتمكن من رؤية وجهها كانت تشيح بوجهها أكثر حتى انتهى به الأمر توليه ظهرها كله .. فتنهد بيأس وغمغم بحنو :
_ طيب مش هتقوليلي أنا زعلتك في أيه في هنايا ؟
اكتفت بهز رأسها بالنفي دون أن تجيب أن تلتفت له .. فتسمعه يكمل بصوت عابس وحزين :
_ بس كدا أنا مش هعرف أنام النهارده خالص وهفضل أفكر وأنا زعلان ومضايق .. أنا زعلت هنايا في إيه ؟ .. وكمان مقدرش اسيبك وانتي زعلانة مني كدا يابابي !
مطت شفتيها للأمام بضيق ولان عنادها على أثر كلماته الحانية فردت عليه بصوت طفولي خافت ومبحوح :
_ إنت زعقلتي ومرضتش تخليني العب مع صحابي في فرح طنط زينة ورجعتنا البيت
زفر بخنق من نفسه ثم تمتم معتذرًا :
_ أنا آسف ياحبيبتي صدقيني مقصدش أبدًا والله واوعدك مش هيتكرر تاني
رفعت كتفيها لأعلى كإشارة على رفضها لإعتذاره وعدم مسامحتها له ليبتسم هو ويقول بصوت منخفض :
_ طيب تحبي احكيلك أنا كنت متعصب ليه ورجعتكم البيت إنتي وماما
عم الصمت للحظات كانت تفكر فيهم حتى التفتت له فورًا واماءت برأسها بالموافقة في حماس فضولي لمعرفة سبب غضبه ! …
مال عليها وحملها لتجلس فوق قدميه ثم هدر بسرد لها ما حدث بإيجاز وخفوت تام :
_كان في ناس مش كويسة بتضايق ماما في الفرح وأنا اتعصبت جدًا وعشان كدا رجعنا البيت علطول
سألته بحماس ودهشة :
_ مين الناس دي يابابي ؟
ابتسم وغمز لها بخبث :
_ ناس مش كويسة بس بابي عرف إزاي يربيهم أنهم ضايقوا مامي
هنا بعينان متسعة من فرط الحماس والذهول على ما يسرده لها والدها وعادت تسأله من جديد :
_ عملت معاهم إيه يابابي ! .. ضربتهم ؟

 

 

 

سكت وطال تطلعه إليها يحاول إيجاد الرد المناسب لسؤالها ، فأخذ نفسًا عميقًا ورد عليها بهدوء :
_ يــعـنـي حاجة زي كدا !
هنا بفرحة وتشفي :
_ احسن يستاهلوا عشان ميضايقوش مامي تاني
ضحك بخفة ثم دنى منها ولثم وجنتها برقة متمتمًا في نبرة خشنة تبنع بالآمان والحنو :
_ محدش يقدر يضايقكم يابابي طول ما أنا موجود

على الجانب الآخر ، خارج الغرفة وأمام الباب كانت تقف جلنار وتستمع لحديثه هو وابنتهم وتبتسم بعاطفة جيَّاشة وترفع أناملها لشفتيها تخفي بهم ابتسامتها الواسعة .. تشعر بقلبها يتراقص على الحان سمفونية العشق الذي يعزفها بكلماته وحبه ولمساته الخاصة لها ! …..

***
داخل منزل هشام وزينة بعد انتهاء حفل الزفاف ……
كان هشام يجوب الطرقة إيابًا وذهابًا أمام الغرفة ويمسح على شعره بنفاذ صبر وهو يتأفف ، مر بالضبط حتى الآن خمسة وعشرون دقيقة وهي مازالت لم تخرج من الغرفة .. قاربت على نصف ساعة وهي تبدل ملابسها بالداخل وهو ينتظرها بالخارج يتحرق شوقًا .
فاض به الكيل فوجد نفسه يندفع نحو الباب يطرق عليه عدة طرقات متتالية ويهتف بخنق :
_ لسا يازينة مخلصتيش ؟
كانت تجلس فوق الفراش بالداخل وترتدي ثوب وردي قصير وبحمالات رفيعة وتفرك يديها ببعضهم في توتر وخجل مفرط وعندما سمعت صوته وهو يسألها هل انتهت أم لا لم تجيبه فعاد يهتف من جديد بتعجب :
_زينة !!!
خرج صوتها مرتبكًا :
_ لسا ياهشام
تألق بنفاذ صبر وهتف بحنق :
_ يازينة انتي ليكي نص ساعة بتغيري .. بتعملي إيه ده كله ياحبيبتي !!
كلما تفكر أنه سيراها بذلك الثوب الفاضح الذي يظهر أكثر مما يخفي يزداد إفراز الإدرالين في جسدها وتضطرب أكثر .
هتفت بصوت متلعثمًا :
_ لسا شوية ياهشام .. خلاص قربت
ثم استقامت واقفة وأسرعت أمام المرآة تتطلع لنفسها فتشهق بصدمه وخجل هاتفة :
_ لا مستحيل اخليه يشوفني كدا ، إيه اللي أنا لابساه ده .. هغيره حالًا
واندفعت نحو الخزانة تنوي إخراج ثوب آخر وأكثر احتشامًا لكنها قبل أن تلتقط الثوب الجديد زمت شفتيها بعبوس وقالت :
_ هو هيصبر ويستناني لغاية ما أغير تاني !
أغلقت باب الخزانة ومطت شفتيها للأمام كطفلة صغيرة مدللة وراحت تبكي بصوت فقط دون دموع :
_ أنا مش عايزة اتجوز خلاص .. هي كانت لحظة شيطان وراحت لحالها ، أنا هقوله طلقني !

 

 

 

 

سمعت صوته المغتاظ وهو يقول :
_ زينة كفاية أوي بقى أنا زهقت .. لو مفتحتيش الباب هدخل
أسرعت ركضًا تجاه الباب ووقفت خلفه تهتف برقة :
_ هشام
ابتسم ورد عليها بهيام :
_ عيون هشام .. افتحي ياحياتي الباب بقى يلا إنتي وحشتيني
أخذت نفسًا عميقًا وهدرت بسرعة :
_ طلقني !
تجمدت ملامح وجهه واتسعت عيناه بصدمة .. ليستخوذ عليه الصمت القاتل لدقيقة كاملة حتى قال بجدية :
_ هو ايه اللي طلقني ده انتي اتهبلتي يازينة .. هو احنا لحقنا نتجوز اصلًا ! .. افتحي الباب بلاش هطل عشان انا على اخري أساسًا
ردت زينة ببكاء دون دموع ، صوت فقط :
_ لا انا غيرت رأي خلاص .. رجعني لماما ياهشام .. أنا عايزة ارجع بيتنا
رفع يديها للسماء يهتف بعدم حيلة :
_ ياربي أنا عارف إني اتجوزت واحدة عبيطة بس أعمل إيه بحبها .. صبرني عليها يارب عشان أنا خلقي ديق والله
صاحت به من الداخل بصدمة :
_ أنا عبيطة ياهشام .. طب شوف مين هتفتحلك بقى وخليك نام على الكنبة برا
استشاط غيظًا وتحول لجمرة مشتعلة حيث صاح بها منذرًا :
_قسمًا عظمًا لو ما فتحتي الباب لأعـ…….
قاطعته وهي تهتف بترقب وخبث :
_ هتعمل إيه هااا .. قول هتعمل إيه !
ضغط على قبضة يده ورفعها في الهواء يحاول تمالك أعصابه ويرد عليها مبتسمًا بزيف وهو يجز على أسنانه من فرط الغيظ :
_ هبوسك من راسك ياحبيبتي طبعًا يعني هعمل إيه !!
رغم أجواء التوتر والخجل الميهمنة عليها إلا أنه تمكن من إضحكاها وتخفيف توترها قليلًا .. فقالت بخفوت وارتباك :
_هفتحلك بس توعدني إنك متعملش حاجة !
هشام بعدم فهم وبلاهة من سؤالها السخيف :
_ معملش إيه بظبط مش فاهم يعني ؟!!!
زينة بتوضيح بريء :
_ يعني متتعصبش عليا عشان قولتلك مش هفتحلك وسبتك برا وقت طويل
تنهد الصعداء براحة وقال بتأكيد ووجه مشرق بحماس وسعادة :
_ لا طبعًا ياروحي أنا نسيت أصلًا إنتي كنتي بتقولي إيه .. افتحي بس يلا الله يهديكي
بعد لحظات معدودة وجد الباب ينفتح ببطء فدفعه هو فورًا برفق ودخل ثم اغلقه خلفه ليجدها تقف خلف الباب وتشبك يديها ببعضهم وذراعيها كأنها تحاول أخفاء جسدها وذلك الثوب الذي ترتديه .. تجفل نظرها أرضًا بخجل ساحر مع ابتسامتها الناعمة وكذلك شعرها الحريري المنسدل فوق كتفيها وظهرها بحرية .. منظرها الملائكي والناعم جعله يسبح بعالم آخر وقلبه تزداد دقاته من فرط الفرحة والحماس .
اقترب منها وفصل كفيها عن بعضهم يحاول إذابة جليد خجلها منه قليلًا .. ثم رفع كفيها لشفتيها يقبل كل كف منهم على حدة بكامل اللطف والرقة ونظراته ثابتة عليها بعشق .. ترك كفيها ثم دنى منها ولثم شعرها ووجنتها متمتمًا بصوت انسدل كالحرير ناعمًا :
_ يا اجمل وأرق ست وزوجة في الدنيا دي كلها
رفعت نظرها إليه في نظرة خاطفة وسرعان ما اخفضته مجددًا باستحياء ليكمل هو بعدما رفع أنامله ووضعها أسفل ذقنها يرفع وجهها لكي تنظر له هامسًا :
_ أنا بحبك أوي يازينة
ابتسمت له بتوتر وخجل يراه بوضوح على ملامحها .. لكن ذلك الخجل لا يمنع رؤيته لعشقها له وسعادتها بوجوده بقربها .. مما شجعه للأقتراب أكثر وأن يبدأوا ليلتهم الخاصة كعاشقين وزوجين ! …….

 

 

 

 

***
داخل سيارة آدم أثناء عودتهم من حفل الزفاف وهو يقود السيارة بطريق منزل مهرة أولًا ، كانت صامتة طوال الطريق تُفكر بكلمات أسمهان .. وتحاول تخمين ما الشيء الذي قد يكون يخفيه عنها .. عقلها لا يتوقف عن التفكير منذ لحظتها والغيظ بأكل صدرها أكل .
انتبه لحالتها الغريبة فسألها باستغراب :
_ مالك يامهرة ؟!
التفتت برأسها نحوه ورمقته بسخط لتسأله في حدة ونظرة ثاقبة :
_ آدم أنت مخبي عني حاجة ؟
غصن حاجبيه بحيرة وأردف :
_ هخبي عنك إيه يعني ؟!!
مهرة بقوة وانزعاج ملحوظ :
_ معرفش أنا بسألك أنت !
_ وليه بتسألي السؤال ده ؟!
مهرة بغضب شديد وعينان حمراء من فرط العصبية :
_ يعني إنت مكنتش ملاحظ نظراتك لزينة كانت إزاي ولما قولتلك اروح اسلم عليها معاك رفضت بشكل غريب
أوقف السيارة جانبًا على الطريق وتأفف بصوت مسموع ثم رمقها مطولًا وقال مغلوبًا :
_ عايزة تعرفي إيه بظبط يامهرة !
_ كل حاجة
كانت عبارة صارمة وقوية مثلها جعلتها يتنهد بحرارة ويتمتم بخفوت دون أن ينظر لها :
_ زينة كانت بتحبني وأنا وهي كنا قريبين أوي من بعض .. أنا كنت عارف من بدري إنها بتحبني بس كنت بعمل نفسي عبيط على أمل أنها تنساني وتخرجني من عقلها وقلبها .. والوضع وصل إني فكرت ارتبط بيها عشان سعادتها بس تراجعت لاني مش بحبها ولا يمكن اقدر أسعدها وهكون بظلمها وبظلم نفسي .. وهي تستحق كل خير وتستحق راجل أفضل مني يكون بيحبها ويحافظ عليها ويصونها .. وهشام يستحقها

ابتسمت بمرارة وردت عليه في نظرة حزينة :
_وطبعًا رفضت تاخدني معاك اسلم عليها عشان خوفت تجرح مشاعرها
صمت ولم يجد من الكلمات ما يدافع بها عن نفسه .. عبست واعتدلت في جلستها تشيح بوجهها عنه وتسأله بأسى :
_ولما إنت خايف على مشاعرها أوي كدا خدتني معاك الفرح ليه !!
اسرع والتقط كفها يحتضنه بين كفيه هامسًا بنبرة تحمل الاعتذار والصدق :
_ مهرة الموضوع مش كدا والله ياحبيبتي .. أنا كنت خايف يحصل أي موقف أو تخرج أي كلمة منها أو منك وتضايقي إنتي .. كنت خايف على مشاعرك إنتي مش هي .. زينة أنا عارف ومتأكد إنها مبسوطة مع هشام بس إنتي أكيد فهماني وعارفة إن الأمور دي بتكون حساسة شوية
نزعت يدها من قبضته بقوة وصاحت به منفعلة وبعينان دامعة :
_ ولما أنت عارف كدا من الأول خدتني معاك ليه !!!

صاح آدم بنبرة ارتفعت مثلها ونظرة كلها احتواء ورغبة :
_ عشان عايزك تكوني جمبي ومعايا في كل مكان اروحه واقول لكل الناس إن دي حبيبتي وحياتي كلها وإنها ليا لوحدي وعشان مفيش صنف مخلوق يتجرأ يبصلك أو يفكر يقرب منك بس .. أنا عايزاكي تشاركيني في كل تفصيلة في حياتي يامهرة .. تكوني جمبي وقت حزني ووقت فرحي .. عايز اعيش الحياة معاكي !
الدموع المتجمعة بعيناها لما تتمكن من الصمود أكثر أمام كلماته ونبرة صوته أو حتى نظرته .. نجح في هدم جميع حصونها وامتص غضبها كعادته بعشقه الذي يغمرها به .. سالت الدموع بغزارة فوق وجنتيها ثم اقتربت والقت بنفسها عليه تعانقه بقوة وتهتف من بين بكائها :
_ أنا بحبك أوي يا آدم .. اوعي تسيبني وتبعدني عنك .. أنا ممكن أموت لو سبتني إنت كمان
أردف آدم بنبرة تغمرها الحنان والغرام وهو يبتسم ويضمها إليه أكثر :
_ مش عايز اسمع منك الكلام ده تاني .. لأن مجرد تفكيرك فيه أساسا مستحيل يعني لا يمكن يحصل أنا جمبك وهفضل جمبك لغاية آخر نفس فيا .. وكمان هنجيب بكيزة ومتولي ولا إنتي نسيتي
ضحكت بقوة رغمًا عنها عندما ذكرها بأسماء أطفالهم التي كانت تخبره بهم ( لما نتجوز ونجيب بنت هنسميها بكيزة والولد هنسميه متولي .. عشان انا بحب مسلسل بكيزة وزغلول أوي وبحب مسلسل عائلة الحج متولي ) .

 

 

 

 

ابتعدت عنه وقالت بحماس طفولي :
_ بجد يعني وافقت يا آدم خلاص هنسمي بكيزة ومتولي !
رمقها بقرف وقال برفض قاطع :
_ لا طبعًا وافقت إيه .. انا اسمي ولادي بكيزة ومتولي ليه !! .. يبقى بلاها عيال خالص
ومن شفتيها بعبوس وعقدت ذراعيها أمام صدرها تهتف بعناد طفولي وغيظ :
_ خلاص وأنا كمان مش هتجوز ويلا نفسخ الخطوبة
آدم بشراسة وعنف رجولي :
_ هتتجوزيني ورجلك فوق رقبتك وعلى الله اسمع حسك
ضمت كفيها لبعضهم بدهشة وقالت بابتسامة عريضة وطريقة كوميدية :
_ الله bad boy هذا هو ذوقي المفضل !
انطلقت منه ضحكة رجولية عفوية ومرتفعة استمرت للحظات وهو يضحك عليها وسط همستها المغلوبة :
_مجنونة والله العظيم مجنونة وهبلة !!
غمزت لها بعيناها تغازله برقة وجراءة مختلفة :
_ ياحلو يا أبو عيون خضرا أنت
ضحك ورد عليها بخبث يفوقها :
_ ما بلاش احسن بعدين بتزعلي وتقولي عليا وقح
كتمت فمها فورًا باستحياء وهي تضحك بصمت وأشارت على فمها وهي تحسبه من البداية للآخر كأنها تغلق سحاب متمتمة :
_ لا خلاص هسكت ومش هتكلم تاني خالص
اكتفي بصحكته العاشقة مع نظرته الدافئة التي بادلته إياها باسمة ! …….

***
بصباح اليوم التالي داخل منزل نشأت الرازي ….
جاء عدنان من الصباح الباكر كي يطمئن على زوجته وابنته لكنه وجد جلنار مازالت نائمة وهنا كانت تشاهد أحد أفلام الكرتون على التلفاز بما إن اليوم هو يوم الجمعة واجازتها من ” الحضانة ” ونشأت لم يكن بالمنزل .. اما بدرية فكانت تقوم بتجهيز وجبة الإفطار لجلنار إلى حين استيقاظها ، فطلب منها أن تخرج وهو سيكمل تحضير الطعام هو وهنا التي رحبت وتحمست كثيرًا بالفكرة .

داخل المطبخ ………..
كانت تجلس الصغيرة فوق الرخام وتهتف محدثة أبيها الذي منشغل بتحضير الطعام :
_ بابي هو احنا امتى هنرجع بيتنا ؟
إشار لعقلة من أصبعه وهو يضحك هامسًا :
_ خلاص فاضل حتى نونو قد كدا ونرجع .. أنا مجهزلك مفاجأة حلوة أوي في البيت هتعجبك
صاحت بفرحة غامرة وهتفت بفضول :
_ إيه هي يابابي بليز قولي
_ لا مينفعش أقولك وإلا كدا مش هتبقى مفاجأة
زمت شفتيها بيأس ثم وجدت أبيها يضع الصحون فوق الصينية ويحملها فوق يديه هامسًا :
_يلا بينا لماما فوق ياهنايا
هنا برقة وحنو :
_ مامي هتفرح أوي لما تعرف إني أنا وأنت حضرنا الفطار ليها

 

 

 

 

اماء لها بالإيجاب وهو يبتسم ثم سار باتجاه الطابق العلوي والصغيرة تلحق به لكنها اضطرب لانحراف طريقها إلى حيث غرفة بدرية التي كانت تصيح عليها تريدها في شيء .
أكمل طريقه تجاه غرفة جلنار وفتح الباب بحرص شديد ثم دخل واقترب من فراشها بخطوات متريثة ليضع الطعام بجوار الفراش فوق المنضدة .. ويتقدم حتى يجلس على طرف الفراش يتأملها باسمًا بعشق .. انحرفت عيناه لتستقر على بطنها المرتفعة فيبتسم بدفء ويميل عليها يلثم بطنها بعدة قبلات متتالية في حنان ويديه كانت تتحسس بطنها بلطف وسط قبلاته .
فتحت عيناها على أثر لمساته وحين رأته على هذه الوضعية ابتسمت وهمست في نعومة :
_ عدنان !!
رفع نظره لها وهو يبتسم بعينان تحتضنها ثم مد يده يلتقط كفها ويلثمه متمتمًا في صوت انسدل كالحرير ناعمًا :
_ صباح الورد يا أجمل رمانة في حياتي
تنحنحت بخجل وهي تبتسم برقة ثم اعتدلت في نومها وردت عليه بحب :
_ صباح النور ياحبيبي .. إنت جيت من بدري
عدنان بنبرة هادئة :
_ امممم وحضرتلك الفطار كمان أنا وهنا
قال عبارته وهو يسير بعيناه على الطعام فالتفتت هي برأسها إليه حيث ينظر وحين رأت الطعام شهقت بصدمة والفرحة تملكتها وهي تخفي ضحكتها السعيدة بكفيها وتقول :
_ الله الفطار ده عشاني بجد ! .. ربنا يخليكم ليا يارب وميحرمنيش منك يا أبو هنا ولا يحرمني من هنا
اقتحمت الغرفة هنا وهي تصرخ بفرحة :
_ مامي صحيت
اقتربت ووقفت بجوارها وهمست باسمة بثقة وهي تسير للطعام :
_ أنا وبابي حضرنا الفطار ليكي يامامي
مالت عليها جلنار ولثمت وجنتيها ويديها بقبلات متفرقة ومتتالية وهي تقول بحنو أمومي وحب جارف :
_ إنتي قلبي وحياتي كلها ربنا يخليكي ليا ياحبيبة مامي
تطلعت الصغيرة لأبيها وضحكت بصمت ثم هتفت بعفوية :
_ أنا وبابي كما هنخلص الأكل من بدري بس هو كان بيتكلم في التلفون مع واحدة وقت طويل و……
قاطعها يمنعها من استكمال كلامها وهو برمقها بحدة ويقول مغتاظًا :
_ أحم .. روحي ياهنا كملي الكرتون بتاعك يابابا
حين سقط نظره على جلنار رآها تحدقه شزرًا بغضب وسألته :
_واحدة مين دي ياعدنان !
تهرب من الموضوع وهو يبتسم ببلاهة :
_ قصدها وائل ياحبيبتي وائل .. مين اللي قال واحدة ! ، انا مسمعتش حاجة زي كدا .. انتي قولتي واحدة ياهنا ؟!
ردت بنظرة ماكرة وهي تكتم ضحكتها :
_ أيوة قولت
صر على أسنانه بغيظ وهو يطالع ابنته بوعيد حقيقي .. يتوعد لها بنظراته وحركات أصابعه .. وفورًا انتبه على أثر صوت جلنار المرتفع والغيرة الحارقة بعيناها :
_ مين دي ياعدنان !
تنهد بعدم حيلة ورد بخفوت :
_ ياجلنار دي ليلى والله كنت بتكلم معاها على الشغل لأني مش رايح النهارده
_ وتتكلم معاها وقت طويل ليه ؟!
قال شبه منفعلًا :
_ بقولك بنتكلم في الشغل .. في الشغل اغنهالك
جلنار بغيظ وعصبية :
_ وهو مفيش غير ليلى تتكلم وتحكي معاها في الشغل في التلفون .. ما في ميت راجل في الشركة .. عندك آدم وعندك حاتم كل ده مش كفاية
عدنان بعصبية مماثلة لها :
_ لا مش كفاية يا جلنار عشان أنا عايز اتكلم مع ليلى حلو كدا ارتحتي !
كادت أن تجيب جلنار وتكمل صياحها لولا هنا التي التصقت بأبيها وهمست بكل رقة ونظرة بريئة تضمر خلفها برودها وكأنها تعمدت افتعال مشكلة بين والديها :
_ بابي في بكرا حفلة في الحضانة هتيجي معايا مش كدا ؟!

لم يجيبها وفقط اكتفى بنظرته المشتعلة لها .. تلك الماكرة الصغيرة ليست كما يظنوها بكل هذه البراءة ! .

 

 

 

 

 

***
بصباح اليوم التالي داخل ساحة الحضانة حيث تقام الحفلة …..
كانت جلنار تجلس بجوار عدنان يشاهدون ابنتهم وهي تلعب وتركض مع اصدقائها .. لكن خرج صوت عدنان المغتاظ حين رأى ذلك الطفل الذي يلازم ابنته منذ قدومها ويتحرك معها بكل مكان حتى أنه يقترب منها ويمسك بيدها يجرها معه حتى يلعبون :
_ هو مين الواد الملزق ده .. وماله لازق للبنت كدا ليه !
رمقته جلنار باستغراب وهتفت :
_في إيه ياعدنان دول أطفال !
هتف بغضب وغيرة ملحوظة :
_ ولما هو طفل بيمسك إيد بنتي ليه .. مهو يبقى عيل مش متربي بقى
رمقته بطرف عيناها في حيرة من تصرفاته الجديدة والغريبة .. ثم عادت تتابع ابنتها من جديد وبينما كانت تركض سقطت على حين غرة على الأرض .. فساعدها الطفل الذي يلعب معها في النهوض وراح يمسك بيدها يرى أين تأذت وكان على وشك أن يميل عليها ليقبل يدها موضع ألمها لكن صوت عدنان صدح وهو يصيح مناديًا على ابنته بعينان نارية التي التفتت تجاه أبيها واسرعت إليه تقول بحزن وهي تمد يديها إليه :
_ وقعت يابابي !
قبَّل يدها ورأسها متمتمًا بحب :
_ معلش ياحبيبتي اقعدي جمبنا شوية كفاية لغاية ما إيدك تخف
ففعلت وجلست بجوار أبيها عابسة الوجه لأنها سقطت بينما هو فكانت عيناه ثابتة على الطفل الصغير الذي لا يحيد بنظره عن ابنته ويتابعها باهتمام ! .. انتبهت جلنار له فضحكت بقوة وقالت :
_ عدنان إنت اللي بتعمله ده بجد !
هتف بغضب حقيقي وانزعاج :
_ إنتي مش شايفة الولا بيبص لبنتي إزاي !
لم تتمكن من حجب ضحكتها التي انطلقت عالية رغمًا عنها ولم يلبثوا لدقيقة حتى رأوا ذلك الطفل يتقدم نحوهم وفور وقوفه أمام عدنان نظر له وتمتم بهدوء :
_ اونكل ممكن اطلب منك طلب ؟
ردت عليه جلنار بدلًا من عدنان وهي تضحك :
_اتفضل ياحبيبي ؟
نقل الطفل نظره بين هنا وبين جلنار وبين عدنان الذي كان يشعر بالخوف منه قليلًا .. لكنه تشجع وقال بعفوية وبراءة طفولية جميلة :
_ممكن تخليني اتجوز هنا بنتك ؟!

اترك رد

error: Content is protected !!