روايات

رواية أترصد عشقك الفصل الثامن والأربعون 48 بقلم ميار عبدالله

رواية أترصد عشقك الفصل الثامن والأربعون 48 بقلم ميار عبدالله
رواية أترصد عشقك البارت الثامن والأربعون
رواية أترصد عشقك الجزء الثامن والأربعون
أترصد عشقك
أترصد عشقك

رواية أترصد عشقك الحلقة الثامنة والأربعون

ربما لم يكن مخير لنا أن نكون معًا
عاندت وأصررت ولم يزيد الأصرار سوي نفورًا
لم يكن بيدك .. لم تكتبي الفراق، بل أنا من فعلت!!
هل تشعرين بتلك النار الكاوية؟ وذلك الجحيم المستعر، والقلق المحفوف بالمخاطر؟
أتعرفون ما أكثر ما يدمر اعتزاز الرجل بنفسه؟
عجـــزه
أن يفقد هويته بسبب عجزه الجسدي، أن يفقد حياته ونشاطه الطبيعي ويبقى حبيس لفراش ملئ برائحة المطهرات
أتعلمون معنى أن تفقد جزءً من هويتك؟ جزء من شخصيتك؟ جزء فى ليلة وضحاها لم تعود تملكه؟! أصبحت ببساطة طريح الفراش.. وأبسط الحركات سابقًا أصبح كمهام شاق!!
الدموع متحجرة في عينيه، يختار الهرب.. الهرب لأقصي طريقة من عدم الاستيقاظ والافاقة ليري حالته البائسة، المثيرة للتعاطف و للاشمئزاز!!
نكس رأسه وومضات سريعة تعيده لأيام كان يعامل بدونية
رائحة عفنة تزكم انفاسه، وهدوء صارخ يستفز أذنيه .. لا حياة ولا حركة سوي تردد انفاسه العالي و أنين خافت يطرق جنبات جسده… وعمي جزئي اعتاد عليه، لدرجة انه أصبح يرى في الظلام لموضع الطعام البائس التي بقرب قدميه… تلك كانت بداية أيامه قبل أن يشعر فجأة بحركة صاخبة فى المكان، أزعجت أذنيه اللتين اعتادتا على السكون
همهمات وصراخ أشبه بزئير الأسد يعلن ثورته حينما وجد ابنه مقتولا فى عرينه، بطشه امتد اليه أولا ولم يكن يتحمل ذلك الرجل العجوز فلم يشعر بنفسه سوي وهو يرد ضرباته وصفعاته بأشد وختمها بدفعة خشنة وبعدها استمع الى ارتطام عنيف وما ان تكالب عليه رجاله وقتها تنفس بغضب وارتكن للهدوء.. هدوء قبل العاصفة وضوء شحيح من خارج الغرفة جعله يري الرجل العجوز قد انسالت الدماء من رأسه ليبدأ الهرج والمرج فى المكان ورغم أن الرجال الأشداء يكبحون ثورته وآخرون اقتحموا الغرفة لمساعدة الرجل ومن بعدها لم يشعر بأطرافه مجددًا

 

 

انتبه على صوت شقيقه سامر وهو يبتسم بمرح ساحبا مقعدا ليجلس عليه وصوته خرج باصطناع متثاقل منه
-هل تقلقنا عليك لهذه الدرجة يا وغد، حمدلله على سلامتك
حرك جفنيه ليبتسم بشحوب وخواء روحه لم تجعله حتى إلقاء أي دعابة أخرى، تألقت عيناه بالدموع ما ان ابصر والدته.. امرأته الحنونة التي حطم ثقتها ومكانته العالية عندها بسبب ما اقترفه ليجدها تقترب منه بتؤدة قبل ان تميل مقبلة جبينه بعمق وسيل دموعها انهمرت على جبينه ليغمض جفنيه ورجفة عميقة داخلية أثرت به لتهمس بصوتها الحنون
-حمدلله علي سلامتك يا قرة عيني
تحشرج صوته وهو ينظر إليها كطفل صغير أقر باعترافه لخطئه الكبير، وشعور بالعار يداهمه وهو يتطلع الي بؤرة النقاء الوحيد الطاهر فى حياته، عادت غيداء تقبل جبينه براحة تكتم شهقاتها وقد قرت عينها برؤيته حيا أمامها
غامت عينا سامر بحزن عميق وهو ينظر الي جسده سرمد، لينزع الحزن عنه وهو يقترب بمشاكسة خالية من المرح.. مليئة بالبؤس والحزن
-وانا أين يا غيداء
شبه ابتسامة ارتسمت على شفتي غيداء وهي تري ابنها الصغير يحتضنها بمواساة اكثر من كونها حاجة لاطمئنانه، ليشعر بضربة مباغتة لم يحسب لها حسابا من والده الذي قال
-تأدب يا ولد، وأنت تتحدث مع والدتك
التفت سامر تجاه ابيه الذي ينظر باطمئنان وثقة تجاه سرمد الذي اكتفي بهزة من رأسه، لولا والده الذي أصر أن يتحلى بالكثير من الصبر كي يطمئن والدته لما بقي ساكنا هكذا كالجماد!!.. لكن من أجل غيداء يفعل المستحيل لها!!
ازداد سامر من احتضان جسد والدته الذي برغم كونها في منتصف العقد الخامس إلا أنها تبدو كأمرأة فى منتصف الثلاثينات، مازح والده قائلا
-لا تتدخل يا أبي، انا أحب والدتي كما أنك لن تنافسني في مقدار عشقي لها
ابتسم والده بسخرية وهو يخبره بجفاء
-لولاي ما جئت انت وهذا البغل الآخر
شهقة خجولة انفلتت من شفتي غيداء التي نظرت تجاه زوجها بنظرات زاجرة مستنكرة، قابلها ابتسامة باهتة من سامر وعينيه سقطت على سرمد الذي كان بعيدا عن حوارهما الطبيعي، ومشاكستهما التي يعيد خلقها كي يندمج الشارد لهما مرة أخرى
-في ماذا تفكر؟
قالتها غيداء وهي تلمس رأسه تمرر أناملها في خصلات شعره القصيرة، ليرفع عينيه ينظر الى عيني والدته قائلا بصوت فاتر المشاعر
-لماذا جاء ذلك الداوود؟

 

 

عقدت غيداء حاجبيها لبرهة، لا تنكر أن داوود اختفي تماما من الظهور أمامها ما ان وصل لهما خبرا عن وجود سرمد فى المشفى… لا تعلم أين يختفي هذا الشاب ماذا يفعل؟ لكن تتمنى ان لا يكون أن تسبب أي شئ أخرق كأيام مراهقتهم العصيبة!!
-ليساعدنا.. لا تنسي انه من العائلة يا سرمد، ومهما بلغ عدائكم إلا أن مصلحة العائلة أهم من مجرد شجار لم يكن له داعي وخصومة تقطع أواصر الرحم في علاقاتنا
قالتها غيداء بحزم وهي تتطلع الي عيني سرمد الذي دار بعينيه فى الغرفة بملل، قبل أن يهمس لها بصوت مستنكر
-وهل أنا من بدأ الشجار والقطيعة يا أماه؟
دق قلب غيداء بعنف، وكلمة ” أماه” لا ينطقها سوي لأمر جلل… عادت الدموع تتجمع في مآقيها وهي تنظر اليه بعجز واضح.. تلك المرة عاجزة عن مساعدته اكتفت فقط بالمراقبة دون الاتيان على الحركة وهي تراقب ابنها يغرق فى لجج الدرك المظلم
لم تملك سوى أنها تميل طابعة العديد من القبلات الدافئة على جبهته وكلتا خديه ليبتسم سرمد براحة وابتسامة ناعمة تتغلغل صدره وهو يتذكر طفولته التي قضاها بتدلل امه و ذكرى قديمة.. قدم الزمان لا يعلم كيف طفقت فجأة تخرج من دهاليز عقله، حينما يهجم على امه طابعا العديد من القبلات فى وجهها لتحاربه هي بالعديد من القبلات الدافئة منها ثم تبدأ بدغدغة جسده .. استمع الي همسها الهادئ كما لو أنها تهويدة قبل النوم
– انسي كل شيء، هو سيعود لموطنه في الأيام المقبلة
اكتفي فقط سرمد بإغلاق عينيه… وتمني فقط.. تمني لو زالت الجبيرة من ذراعه ليحتضن والدته… يعلم طريق العلاج طويل ودرب أشبه بالمستحيل.. ومسيرته العملية انتهت للأبد.. لكنه يرغب فقط بازالة الجبيرة من ذراعيه ويمارس أقل نشاط للقيام النشاط بيديه فقط لا اكثر
لكن ذلك الطبيب اللعين الذي اخبره عن انه لن ينزع الجبيرة الا بعد شهر على الأقل بعد أن يتأكد من التحام العظام وتراهات أخرى لم يلتفت لها، كل ما ركز عليه هي المدة الطويلة.. غمغم بصوت هادئ
-خير ما فعل
زفرة حارة خرجت من انفاسه ليعيد فتح عينيه وهو يتطلع إلى والدته، يخبرها عن عجزه الواضح.. لتسارع والدته باحتضان وجنتيه هامسة باطمئنان
-لا تحزن على ما أصابك يا ولدي
تأوه كاد ان يخرج من شفتيه الا انه أغمض جفنيه وغصة مؤلمة تتحكم فى حلقه ليقول بصوت خاوي
– لم أعد أشعر بأي شيء يا أمي، هل تصدقيني القول؟… أشعر بخواء يملأ صدري، خواء يتآكل جسدي رويدا
صرخت تلك المرة غيداء بجزع ونزعت يداها عن وجهه لتهز راسها نافية وهو يصفعها بصورة قاسية، ليس ابنها هذا طريح الفراش.. ترغب بابنها.. هذا نسخة .. باهتة بل ميتة منه
انسلت العبرات من عينيها وهي تكتم صراخها بكف يدها لتشعر بدمعة واحدة انفلتت منه هو الآخر، لتقترب منه صارخة بجزع
تنزع ضعفه.. تحميه من اقرب اشخاص اليه.. تحميه حتى منه، تزيح دمعته وهي تهمس بقلق
-ولدي
تجلده بصبر وقوة لا يمتلكها ولا يستطيع أن يتظاهر بها أمامها هي بالتحديد، لتهبط دمعة قاهرة منه وهي تزيحها بقوة.. تعطيه رسالة مباشرة عن أن يكف عن الضعف هذا … وهي انخرطت في بكاء حار لتميل برأسها تسنده على جبهته تهمس له بعبارات قوية.. تخبره عن التحلي بالصبر.. لكنها هي الأخرى تحتاج لمن يصبرها، يحاول طمئنتها ولو خداعا لكن يبدو ان غيداء لم تتحمل ما قاله.. لعن بسخط وهو يرى والده يأخذ والدته بين ذراعيه ويخرجان من الغرفة!!
انفجرت غيداء البكاء بحرقة علي فلذة كبدها، تبكي بين ذراعي زوجها الذي حزنت عيناه واغرورقت عيناه هو الآخر لما سمعه من ابنه.. لكن الأمر لا يتطلب انهيار منه.. ليس وزوجته بحاجته، همس بصلابة
-اهدأي يا غيداء، ارجوك انتي تعلمين تعليمات الطبيب
رفعت عينيها إليه تخبره المها، ووجيعتها، انتفاخ بادي حول جفنيها جعله يزيل دموعها بإبهاميه ليسمعها تتمتم بجزع
-لا اتحمل .. لا اتحمل فقدان روحه .. ابني لا أكاد أعرفه
لكم يوجعه دموعه، وكيف يؤثر دموعها على قلبه ليزيده غما .. همس بصوت هادئ محمل بالقوة
-غيداء توقفي عن البكاء، لن يفيده
نظرت حولها بتشتت وتيه شديدين، لا تعلم ماذا تفعل؟ من المفترض أن تطمئن ولدها .. لكنها افسدت الامر، لم تزيده سوى حزنا وكمدا همست بضياع
-ماذا أفعل؟… أنا أفقد ابني

 

 

تنهد مخرجا زفيرا حارا.. اختناق عظيم يكتم انفاسه، والأمور تزداد سوءً.. لم يرغب حتي الان سرمد بأن يفصح بكلمة واحدة.. قال بهدوء
-لا تيأسي من بداية الطريق، الجميع يعتمد عليك وعلى صلابتك عند الشدائد
اشاحت بوجهها بعيدة عنه، أيظنونها قوية لتلك الدرجة؟ هي أضعف ما تكون حينما يمس أطفالها.. رفعت عيناها تهمس بقهر
-لم أعد أتحمل .. انظر اليه وانا لا ارى سرمد.. لقد فقدت صغيري
لم يملك سوي أن يمسك ذقنها لتنظر الي عينيه، والوجع هنا لم يحتمل
تفجرت ينابيع القهر، والعذاب الخالص وقلة الحيلة
غمغم بنبرة مقهورة رغما عنه .. بعد استشارات أطباء خارج مصر، حالته كانت أشبه بالمستحيل وحاجة بالمعجزة للعودة للسير على قدميه!!
-احمدي الله على كونه حيا يرزق بيننا، ألم يكن هذا ما تتمنيه؟؟! .. كنت ترغبين به بكونه حي بيننا وقلتي أن كل شيء سيصبح علي ما يرام
وجهت نظرها تجاه الباب المغلق حيث يرقد صغيرها لتهمس بحدة
-نعم لقد قلت هذا.. لكن.. انظر إليه، هذا ليس سرمد الذي أعرفه، هل تعرفه أنت.. أخبرني؟
نكس رأسه أرضا وتوقف عن أي محاولة لردعها، ليخبرها بهدوء
-الحياة ليست عادلة يا غيداء
هزت رأسها وهي تمسح دموعها لتهمس
-ليست عادلة، لكن هذا ابتلاؤه وما علينا سوى الصبر، لكنني أم بالنهاية
تلك المرة لم يمنع نفسه من معانقتها لتندس بين ذراعيه، والصمت بينهما كان أبلغ حديث
همس بصوت دافئ
-أعلم، بدونك يا غالية سأضيع أنا وصغارنا
دمعة حارة انزلقت دون أدني مقاومة منها، لتشعر بقبلته على جبهتها ثم صوته الدافئ يبعث السكينة لقلبها
– استعيذي بالله، افرحي لكونه حيا الآن وبعده سيحل من عند الله
اومأت برأسها وهي ترفع عيناها تناجي ربها هامسة بقلب بداخله يقين من عندالله
-يارب
…….
صمت خيم الغرفة بعد خروج والدته المنهار مع والده، اغمض سرمد جفنيه بأسي وداخله وجع على ما يفعله لعائلته.. لا تستحق غيداء ما يفعله بها
استمع الي نقرات الباب وصوت غسان المرح وهو يلقي سلاما حارا على شقيقه الذي تبادل معه عبارات خافتة تبعها بمغادرة سريعة.. جلس غسان علي المقعد القريب من الفراش يتأمل حالة صديقه.. برغم كل شئ.. وما اصبحت حالته، لكن عودته حيا كما لو ان الروح ردت اليه
ابتسم غسان بألم.. لا يعلم ماذا كان سيفعل أن غادر صديقه، لم يكن ان للصداقة له طعما مرًا وحالة كئيبة و مميتة تنتشر في الأرجاء إذا غاب طرف الآخر!!
اجلي حلقه ليسترعي انتباه الذي يدعي النوم، ليبتسم ما أن رأى تحرك جفنيه دون محاولة لفتح جفنيه مما جعله يقول ببرود
-هل ترغب أن تأخذ دور البائس؟
فتح عيناه وهو يطالع نظرات غسان المتلهفة بقلق، الأحمق مهما حاول بمزاحه الثقيل لا يستطيع إخفاء مشاعره التي يقرأها ككتاب مفتوح، همس بهدوء أصبح بتعجب منه شخصيًا!
-غسان لا أتحمل حقًا.. لدي ما يكفي
زفر غسان بحدة واتبعها بتساؤل متشكك
-هل جاءت؟

 

 

تعمد عدم قول اسمها، لا يعلم كيف ستكون تعابير وجهه.. التي تجمدت تماما قبل ان يهمس بصوت بارد
-نعم
عقد غسان بريبة ولهفة لمعرفة سبب مجيئها جعله يهمس
-ثم؟
ابتسامة شبه خافتة وهو يتذكر مجيئها، عيناه لم تنسي ان يطبع صورة جسدها ووجهها، جسدها نحف.. المجنونة لا يعلم ماذا تفعل بعيدة عنه؟ أتريد أن تبقى في الفراش؟ يبدو انها من تعرضت للاختطاف وليس هو!!! لكن سرعان ما اسودت ملامح وجهه قتامة ولم يخفي لمحة الألم التي لمعت في عينيه لثواني معدودة ثم اختفت ليقول
-غادرت
انفجر غسان يصفق ببرود قائلا
-ما هذا الحديث الرائع، والاسهاب الطويل منك للحديث.. أيها الأحمق أخبرني ماذا تريد تلك المرأة منك
عبس محاولا التذكر عن سبب مجيئها؟! عقد حاجبيه ويبدو اللعنة.. لقد نسي كل شئ وبقي يتأملها.. يتشرب تفاصيلها كلها حينما ابتعد؟
هل تأثرت بغيابه كما فعل؟ .. هل ستسامحه؟ هل ستغفر له؟ والعديد من الاسئلة التي كانت تطن فى عقله منذ اختطافه.. لكن ما أن رأي وجهها لم يستطيع تحمل وجودها فى غرفته
رجولته المنكسرة لم تسمح.. هي رغم كل شئ، كنزه الثمين الذي بغباء منه إضاعة بعد بحث مضني
-لا شيء
زفر غسان بضيق وهو يري صديقه يفضل الصمت وعدم البوح، ليهمس باختناق
-يكفينا المكوث في هذه البلدة… لنغادر من هنا
عبس سرمد وهو يرى علامات وجه الضيق التي تعتلي غسان.. ترى ما الذي فاته خلال الشهر؟! همس بتعجب
-وماذا عن ساكنة الفؤاد يا غسان؟ هل ستتركها؟
انتفض واقفا وهو يشيح بعينيه عن صديقه ليقول بسخرية متذكرا وعدا قديما لهما
-قلبي فارغ يا رجل.. لقد اتفقنا لا نساء لا حب.. سنظل رجلين عازبين للأبد
غمغم سرمد ببساطة
– احمق.. لا تضيع فرصة حب عمرك وإلا ستعض اناملك من الندم في المستقبل، اغتنم المرأة لأنك تستحق الحياة
اشاح غسان بيده بعدم اكتراث، وبعض التوتر والحركة العنيفة لم تخفي عن عيني سرمد الثاقبتين ليقول غسان ببرود
-دعك مني، أنا جئت لك.. ثم النساء كثيرات يا صديق
مخادع
وكاذب
اغمض سرمد جفنيه وهو يهمس بهدوء
-النساء كثيرات.. لكن الرجل يعشق امرأة واحدة تظل ساكنة فيه حتى مغادرة روحه من جسده
عقد غسان حاجبيه بريبة، اقترب من صديقه وهو يضع كف يده على جبهته مما جعله يفتح جفنياه يناظره بدهشة وتعجب، وغسان يتمتم
– هل في الخطف أطعموك شعرًا أم ماذا؟
ثم اكتفى بالصبر ليغمغم بحدة والغضب عاد يسكن جسده
– ماذا حدث معك خلال شهر؟.. تعلم اننا لن نصمت والشرطي سيأتي لتخبره بما حدث، أولئك الملاعين سيعاقبوا بقوة، لا تقلق السفارة بجانبنا
شبه ابتسامة ميتة زينت وجهه ليقول
-ماذا سأستفاد يا غسان، بالنهاية الضرر الكامل وقع علي.. مهما حدث لهم لن يصل مقدار شعرة ما فعلوه بي
وكأن غسان فاز باليانصيب، ليتجه إلى سرمد باهتمام بالغ جم قائلا
-أخبرني إذا ماذا حدث.. طمئني ارجوك

 

 

ماذا سيستفاد؟ هل بمجرد إخبارهم بما حدث له هل سيعيد له حركته؟ لما لا يصدقون أنه أصبح يخاف… ذلك الشعور المزلزل والتهديد المحدق بعائلته، يبدو أن الرجل الذي اختطفه مجنون ولن يتوقف عن ايذائهم، لذلك الشرطة والسجن لن يحل اي شئ وهو يعلم مدى نفوذ الآخر.. غمغم بقهر
– لن يفيد شيء يا غسان، لقد أصبحت عاجز
صاح غسان نافيا بقوة وهو يجبر سرمد للنظر إلى عينيه
– ستكون بخير.. اسمع يا أحمق.. ستكون بخير وستسير على قدميك
ابتسم لرؤية ملامح الثقة الشديدة من وجه صديقه، ابتسم بامتنان لأنه استطاع بالنهاية ان يظفر بصديق حقيقي.. همس بنبرة فاترة
-من تخدع نفسك يا غسان؟ .. أعلم حالتي
زمجر غسان بحدة وهو يتمتم
– إياك واليأس.. اسمع، سنسافر وسأعرضك على أكفأ الأطباء وستسير بأمر الله على قدميك
صمت سرمد لبرهة متذكرا يوم مجيئه الى غرفتها بعد بشاعة ما اقترفه، هل اصبحت سعيدة الآن بما أصابه؟ حتى ولو مر خاطر واحد.. أو لمحة رضا إن الله اقتص منها
– أستحق ما حدث لي
غمغم بها بحشرجة خشنة وتابع فى اسي
-لقد قتلتها بيدي، وعاقبني الله على افراطي بها وعدم تعقلي
هز غسان راسه بياس، يكفي الأسرار التي يخفيها سرمد منذ انهيار خطيبته ليزيد امر اختطافا غموضًا، حتي الأخرى… لا تعترف، لا تتحدث بأي شئ
جسدين بعقل حمار كبير، تمتم بها غسان بحدة وهو ينظر بامتعاض تجاه سرمد قبل أن يتمتم لنفسه بإقرار أنه أصبح هو الآخر حمار، يبدو أن عدوى الحب تصاب الجميع بتلك الصفة!!
*******
في حي عاصي،،
الحي بأكمله على قدم وساق استعدادا للشهر المبارك، بعض المحلات بدأت بجلب المستلزمات الخاصة برمضان من ياميش وغيره، وأطفال الحي يساعدون في تعليق الزينة الخاصة للحي بالكامل، وفى مؤخرة الحي تم نصب صوان ضخم منذ سنوات قديمة الذي تقوم به تحية بمساعدة جيرانها للأفطار الجماعي الذي يشاركونه كل عام، ليس هذا فقط بل وصل الأمر للأحياء المجاورة التي بدأت تقوم بهذه المشاركة، لزيادة اواصر بين علاقات الجيران ببعضهم، وربط قلوبهم بالألفة والمحبة… الأشياء التي نادرا ما يهتم بها أحد!!
ابتسمت وجد بتألق شديد وهي تراقب الحي بانبهار، تكاد تقسم أنها لم شعرت انها اخطئت فى العنوان حينما جائت هذا الصباح، لكن مع رؤية الطفل هيما وهو يسارع بترحيبها ثم اصطحبها إلى منزل تحية حيث اخبرها ان تترك جميع متعلقاتها فى الشقة قبل أن يصطحبها إلى مكان الصوان حيث تجلس تحية على المقعد برغم سنوات عمرها الا انها تملك هيبة لم تراها مطلقا فى امرأة قط، امرأة تستطيع ادارة عملها بين العاملين الذين يسارعون بانتهاء العمل فى أقل وقت ممكن كي لا يتم بتوبيخهم في قصر عملهم وخصم أجرتهم بسبب تقاعسهم عن العمل، انتبهت على صوت تحية وهي تهاتف شخصا ما تقول بحروف واثقة وعينيها تراقب أصغر عامل فى حتي الجيران الذين يقدمون يد المساعدة

 

 

-الصوان زي كل سنة يا حاج، استعجل بقي بالمطلوب زي كل سنة
ضاقت عيناها باستنكار لتصيح فى وجهه بحدة وقد بلغ صبرها منتهاه من جميع التجار
-أسعار ايه دي اللي غليت.. لأ بقولك ايه شغل بنزين غلي .. الأسعار ولعت.. تعويم معرفش حصله ايه، فيه كارثة بتحصل في قارة تانية والجليد بيدوب وكلنا هنغرق مليش فيه
حدجت احدي الصبيان الذين يلعبون فى الصوان بنظرة نارية ارعبت فرائصه ليفر هاربا مناديا والدته، تنهدت تحية بضجر، سرعان ما اشرقت ملامحها ما أن رأت زوجة حفيدها
يجب عليها أن تعلمها أصول عملها، وأن تعلمها كافة المسؤوليات التي ستقع على عاتقها ما ان ستصبح مكانها، حثتها على التقرب تومئ وجد برأسها وهي تسحب مقعد وتجلس بالقرب منها ومن اسماء التي تتلاعب بهاتفها ببرود شديد، لتصرخ تحية بصوت مرتفع
-الأسعار زي ما هيي زي ما بقولك، يا راجل مش مكسوف على دمك السنة اللي فاتت فى آخر عشر أيام باعتلي نص الحاجة بايظة وعديتها عشان اول مرة تطلع منك.. لكن قسما بالله لو المطلوب طلع مضروب ما هخلي التجار تاخد منك .. مش مكسوف على نفسك يا راجل بقولك ثواب وتقولي عايز ضعف الفلوس
حوقلت مستغفرة وهي تسمع رده لهذا العجوز، وقد اثار حديثها انتباه وجد بالكامل، وهي تراقبها بانبهار طفلة صغيرة، عدا أسماء التي لم تلقي بحديثها بالا كما لو أنها اعتادت على هذا الامر منذ سنوات لتقول تحية بنفاذ صبر
– لا اله الا الله يا حاج، قصر الكلام … الحاجات المطلوب تكون سليمة وبنفس السعر.. ده احنا داخلين على شهر مبارك
زمجرت تحية بغضب وقد احتقنت عيناها بنيران شعواء، لتصرخ هادرة فى وجه محدثها
– مفيش جنية زيادة.. بقولك اهو، هتسايسني وتيجي بالحاجة وتقولي الفلوس مش دي اللي اتفقنا عليها اقسم بالله لا تفرق معايا عشرتك السنين اللي فاتت، ومتلومش غير نفسك
ابتسمت بخفة وهي تسمع إلى إذعان الرجل بالموافقة بالنهاية لتقول ببرود
– في انتظارك
انهت اتصالها بعد ان كادت تفتك به حرفيا، لولا انها لا تحب زيارة أحد لكانت ذهبت إليه وهدمت تجارته رأسا على عقب، وضعت اسماء الهاتف فى جيب بنطالها الرياضي وصفقت بحبور قائلة
– يا توحا يا جامد
لولا المتبقي من عقلها لكانت اطلقت صفير اعجاب، لتقول تحية بزهو
– ايه رأيك يا أسماء مش انفع سيدة اعمال؟
شهقت اسماء وقالت بإقرار خبيث
– تنفعي وبس، ده انتي يخلوكي تمسكي وزارة المالية.. الوزارة من أولها لآخرها هتترعب منك
عبست ملامح تحية للضيق قبل أن تهمس بحنق
– هو انا عارفة اشيل مسؤولية الناس في الشهر ده عشان تخليني اشيل مسؤولية بلد بحالها
ابتسمت وجد للمشاكسات التي تفعلها اسماء لكي تهدأ من غضبها، لتقول بهدوء
– والله عقلك يا توحة يوزن بلد

 

 

ابتسمت تحية بفخر شديد وهي تقول
– الله يخليكي يا مرات ابني
ترددت وجد وهي تشعر أنها قد تقتحم خصوصيات تحية فى العمل، الا ان نظرات تحية المشجعة جعلها تهمس على استحياء قائلة
– لو فيه مشكلة مع الراجل ده، ممكن نحاول نشوف غيره وبالسعر اللي انتي عايزاه
ابتسمت تحية بحنين جارف وهي تتذكر حادث ما في ماضيها، لتجيبها برحب صدر
– الراجل ده عشرة سنين مع المعلم الله يرحمه، المرحوم لولا أنه وصاني عليه وقت ما تجارته خسرت وساعده إني مردش أي محتاج كنت رميته، للأسف تعملي خير لحد يكون طامع في اللي ايدك.. النفوس بقت صعبة اليومين دول يا وجد
عقدت وجد حاجبيها بريبة، وما زالت لم تفهم بعد سبب إصرارها على هذا الرجل بالعمل لتسألها بفضول
-طب وليه اجبرتي تتعاملي معاه؟
اجابتها تحية قائلة بصوت منخفض
-مش عايزة اقطع رزق العمال اللي معاه، بيستنوا شهر رمضان بفارغ الصبر خصوصا الرزق بيكون من وسع
اومأت وجد بإدراك لتتسع ابتسامتها وهي تراقب المرأة بفخر، وتمني بداخلها ان تصبح مستقبلا، لتسمع تحية تغمغم بحنق
– بس نقول ايه ولاد الحرام فتحوا عيونه لما عرف، وبقي بيستخسر رزق العمال وبيطلب الضعف لنفسه وفى الاخر بيشيله لحاله
تدخلت اسماء بمشاكسة محببة لها قائلة
– بس كنتي اسد يا توحة، كنت شوية وهخاف منك
ابتسمت تحية ابتسامة خافتة قبل أن تغمغم بجدية لكلتاهما
– في غياب الراجل الست بتتضطر تتحول لأسد خصوصا انه راجل سوق ومراته كانت لازم تمسك أعماله وتحط راسها براس التجار كلهم ويعملولها حساب
صفقت اسماء بمرح قائلة
– عفارم عليكي يا ست الكل
لم تنتبه وجد الي عيني عاصي اللذان كانت تتابع كافة خلجاتها وهي تجلس بالقرب من جدته، وقد كان بعيدا عن انظارها كافية ليتأملها.. يري شئ جديد بها
هل قصت شعرها؟!!!
انتبه لهذا الأمر وهو يرى خصلات شعرها المموجة التي بالكاد تصل اسفل ذقنها، وثيابها رغم بساطتها لكنها دائما تصبح محط أنظار الجارات، نظر برضا تام إلى بنطالها جينز متسع وفوقه ارتدت بلوزة قطنية صفراء وحذاء رياضي أبيض، تشبع كقطعة شمس بوجهها تنير عالمه، تقدم بتؤدة وهم بالقاء سلام كي يفيق تلك الهائمة فى ملامح جدته إلا أن جدته عاجلته قائلة بجدية ونظرات حذرة
– عاصي.. متنساش لما يجوا العمال
رفعت وجد رأسها سريعا لتنظر الي عاصي بابتسامة خجلة واللمعة في عينيها لم تستطيع اخفاءها، غمغم بنبرة ثقيلة وعينيه تسلطت علي وجد التي كادت ان تدفن نفسها من فرط الخجل
-حاضر يا ست الكل

 

 

شهقت وجد باضطراب وهي تلاحظ نظرات اسماء الماكرة، ونظرات تحية الزاجرة لعاصي الذي لم يلتفت الي كلاهما، اخفضت عيناها ارضا وهي تفرك كلتا يديها بتوتر.. تنقر باصابعها علي فخذها كما لو انها تعزف مقطوعة خاصة كي تتخلص من أثر نظرات عينيه الوقحتين، رباااه ..ما الذي يفعله هذا الرجل؟ فى الشارع؟!
ألا يخجل؟!!
وخزات ناعمة تداعب كامل جسدها، ولم تستطيع التخلص من تأثير عينيه لتهمس بتوتر وهي ترفع عينيها بخجل تجاه تحية
-انا بقى هعمل ايه
كانت تحية تراقب كل شاردة وواردة فى الحي، وقد استطاع حفيدها بحماقته ان يلفت عددا لا بأس به للعيون الفضولية والحاسدة، ظلت ترقي كلاهما وتدعي الله ان يتم زواجهم على خير، لترفع عينيها حينما استمعت إلى سؤال وجد.. لتبتسم بمكر تجاه أسماء التي شهقت رافضة بحدة ما ان علمت بنظرات عينيها إلى أين تريد وضع وجد فى العمل
– لا يا توحة متحطيهاش في المطبخ
شهقت تحية باستنكار قبل أن تغمغم باستهجان
– اسكتي يا بت، نسيتي حالك لما دخلتي المطبخ
شهقت وجد بذعر تام لتقول بيأس
– انا فاشلة في المطبخ يا توحة
زجرتها اسماء بحدة وكأنها اخبرتها بأمر لا يصح قوله أمام الملأ
-اشششش، انتي مجنونة اوعي تكوني قولتيله لجوزك
عقدت وجد حاجبيها بعدم فهم قبل أن تهمس ببساطة
-ما هو عارف
زمجرت اسماء باستهجان لبساطة ما تقوله وجد لتهمس بحدة
-هو في ست بتقول للراجل مش بتعرف تطبخ بكل بساطة، دي عيبة في حقك
ابتسمت تحية صامتة وهي ترى نظرات وجد الزائغة وأسماء تخبرها بهمس خافت
-الراجل مش هيقضي سنين عمره ياكل دليفري واكل برا، الراجل عايز يدوق اكل مراته ويتمزج بيه… ده اقرب طريق للوصول للراجل هي معدته، ولا عايزاه يبص لبرا وتلاقي جارة عقربة ليكي بتأكله من ايديها
كيف يستطيع الرجل أن يخون من مجرد امرأة لا تستطيع الطبخ؟! غمغمت باستنكار
– لا لا يا أسماء، عاصي مش كدا
ابتسامة مستهزئة هذا كل ما استطاعت اسماء فعله قبل أن تجيبها باقرار
– يختي ما الرجالة بتبقى حاجة واحدة بعد الجواز، اللي مش عارفة تعمليه تتعلميه، وانا جنبك وهساعدك
ابتسمت وجد بإيجاب لمساعدة أسماء التي ستقدمها لها، وبنظرة متفحصة ابتسمت برضا إلى ثيابها التي أصبحت متناسقة الألوان بداية من سترتها الواسعة البيضاء وبنطالها الرياضي الكحلي وحجاب وردي .. لا تنكر أن أسماء أرهقتها حرفيا في يوم شراء الملابس الرياضية الجديدة وارهقتها عشر أضعاف حينما قررت أن تتخلص من ثيابها الرياضية المريعة القديمة، وقد أقامت حرب كي لا تلقيهم خارجا لكن حزم تحية جعلها ترضخ بأن تتبرع بنصفهم إلى جمعية خيرية والباقي حولتهم والدتها إلى استخدامات المطبخ.
صاحت أسماء باصرار وهي توجه بحديثها تجاه تحية

 

 

– بس ايدك مش هتلمس المطبخ، دي هتفرفر منينا يا توحة مش هتستحمل السخونية وريحة الاكل على جسمها
زمت وجد شفتيها بحدة قبل أن تقول بحدة
– هتعلم
نظرت اسماء تجاهها باستنكار وقبل أن تهم بنشوب شجار، استقامت من مقعدها وهي تحثها للتحرك قائلة
– طب يلا بينا على المطبخ تتعلمي تسبيكة الصلصة
عبست وجد حاجبيها وهي تقول ببساطة
-واسبك صلصلة ليه ما هي بتتباع في السوبر ماركت
ألقت اسماء نظرة خاصة تجاه تحية التي انفجرت ضاحكة، لتزفر اسماء بحدة
– متنقطنيش يا وجد، انا عروسة على وش جواز
أزيز هاتفها جعل وجد تفتح هاتفها لترى موعد طبيبها الخاص بعد ساعتين لتهمس بهدوء تجاه تحية
-هضطر استأذن يا توحة، عندي ميعاد مهم بعد ساعة.. هاخد حاجتي من البيت
هزت تحية رأسها قائلة
-طيب يا حبيبتي، مفتاح البيت معاكي كدا كدا نسخة منه
تفحصت وجد مفتاحها في جيب بنطالها، وهي تتذكر اليوم الذي قررت تحية ان تعطيها نسخة من مفتاح منزلها وقد اخبرتها انها اصبحت جزءً من العائلة، ربما رمز المفتاح يراه البعض شيئا عاديا
لكنها لم يكن مجرد رمز، او شئ معدني … بل العائلة التي تريدها ان تصبح كبيرة وضخمة
-ايوا
استأذنت وجد مغادرة وهي تتحرك برشاقة، وتلقي سلام عابر لهيما الذي مد لها بزجاجة مياه وقد اخبرها ان عاصي اوصاه بهذا، عبثت بخصلات شعره الكثيفة برقة قبل أن تتحرك بخطواتها المهرولة تجاه المنزل، صعدت السلالم برشاقة حتى وصلت امام البيت، اخرجت المفتاح من جيب بنطالها ووضعته فى الثقب لتسارع بالدخول تاركة الباب خلفها مواربا .. توجهت نحو الطاولة تأخذ حقيبتها وحينما استدارت علي عقبيها تفاجأت بسماعها لأحدهم غلق الباب بحدة .. اتسعت عيناها بجحوظ حينما وجدت عاصي امامها ينظر إليها بعاطفة مندلعة جعلها تهمس باضطراب
-عاصي
تثاقلت انفاسها رويدا وهي تري النيران المندلعة في عينيه، تراجعت خطوة واحدة وهي تلعن غبائها حينما رأت الادراك الذي يلمع في عينيه، لتقف بصلابة لكنها أصبحت رخوة حينما همس بصوت ثقيل متهدج
-عيونه
فغرت شفتيها بانفاس انحبست داخل انفاسها، لترمش باهدابها عدة مرات وتلعثم شفتين لا تحدث سوى أمامه لتهمس باضطراب وهي تراه يتقدم بتؤدة مهلكة لأعصابها
-انت بتعمل ايه هنا، خضتني افتكرت فيه حرامي
شهقت بذعر حينما سحب ذراعها بحدة لتسقط علي صلابة صدره، تأوهت بوجع خافت وهي تشعر بذراعه تقبض علي خصرها بقوة
رفعت رأسها لتواجهه وهالت ما رأته
الظلمة التي أسقطها فيها مطمئنة
عناق أعين لم يتجرأ أحدهما على الأنفصال

 

 

احتضان أنفس وتمازج روحين أشعل فتيل خامل في جسديهما.. صاعقة أحلت على جسديهما لتتشبث وجد به كالغريق
لم تستطيع الإشاحة بعيدة عنه، لم تستطيع سوى أن تستسلم وهو يجرفها إلى أمواجه الهادرة..
انفاسهم تتباري والاعين تحدق باشتعال وجذوة العاطفة ما زالت مستعرة، شهقت وجد بإدراك حينما وضعت كف يدها على شفتيها تنظر اليه بجحوظ تام!!
الا انه لم يملك لها وقتًا للصراخ أو العتاب بل عاد يلفها بخشونته المحبة قائلا
-ده يبقي كتب تاريخ موته، بس ايه الحلاوة دي
غمزة وقحة اتبعها بملامسة حسية جعل جسدها يقشعر لتهمس بتيه
-حلاوة ايه!!
رفع كف يده ليلف خصلة من شعرها القصير قائلا
-مقولتيش انك غيرتي تسريحة شعرك
رمشت بأهدابها وهي تنظر اليه وقد تفجرت الحمرة في وجنتيها لتهمس بتهدج
-حبيت أعملها مفاجأة، بس المرة الجاية هخليك تختارلي قصة شعر جديدة
جز عاصي علي اسنانه بقوة، يكاد يكبح جماح نفسه كي لا يتهور مرة اخرى
لقد حاول ويشهد الله انه حاول ان لا يمسها سوي وهي في بيته
لكنه رجل، وكابح فى العديد من المرات .. لكن تلك النظرات الناعسة.. تذبحه فى شوق.. اقترب لامسا وجنتيها ليعيد مس روحها وسرقة بعض لحظاتهم السرية بعيدا عن أعين المتطفلين
روحها تذوب حرفيا لتندمج في روحه، عيناها ترحب بالسقوط وجسدها مسترخي تماما، وهذا يجعله يضرب نفسه فى اقرب حائط
ان امرأته تثق به أكثر من حالها، اضطر أن يبتعد اسفًا ليغمغم بغلاظة
-فين البدلة بتاعتي يا هانم
افلتها ببعض الحدة الغير مقصودة كي لا يلبي نداءات قلبه، كادت ان تفقد توازنها لولا انها امسكت باقرب مقعد لتتشبث به بيديها وهي تجيبه بخجل ورغبة دفينة لها بالفرار
-يا عاصي انا قولتلك بياخد وقت مني عشان اتعلم
ادخل يديه في جيب بنطاله، يمنعهما من الخروج كي لا يستجيب أي نداء للمس جسدها واعتصارها بين ذراعيه ليقول بصوت أجش
-اعمليلي قمصان طيب
رفعت عيناها له وقد بان أثر عاطفته عليها ليشيح وجهه بحدة جازًا أسنانه بقوة والعرق فى صدفه ينبض بقوة ليسمعها تهمس
-عايز الألوان ايه؟
اجابها بخشونة وغلظة لم يوجهها لها، بل لغبائه على كونه يستطيع أن يكون هادئا رزينا بجوارها، كم هو احمق!!
-علي ذوقك يا وجد، اختاري انتي
مررت يداها على خصلات شعرها تدفع هواء بارد يطفئ نيران جوفها لتهمس باضطراب
– مش هتتضايق لو الالوان جديدة عليك
لا يدري ما عبثية حوارهم وقد قررت هي أن تجاريه، وكأن ما حدث منذ قليل لم يحدث!!
وما تشاركاه كان من نسيج خيالهم ليجيبها بخشونة

 

 

-هلبسه عشان الايدين الحلوين اللي يلتفوا في حرير تعبوا عشاني
لمعت عيناها بامتنان لكلماته المشجعة، واختزل كل امتنانها فى كلمة واحدة
-عاصي
حيث البداية هو .. والنهاية هو
كل الكلمات الشكر التي تعلمها لن توفي بأي شئ ما يفعله بحقها، تكاد تهرع لتنصهر في أحضانه لكنها ليست خطوة بجيدة والدليل عينيه
ليستا رائقتين.. بل تبدوات كسواد ليل بهيم لم تزره شمس قط، ارتجف جسدها وهمست اسمه باضطراب
-عاصي
اقترب خطوة لتتراجع مبتعدة بذعر هامسة بخجل
– هنتفضح بالطريقة دي
ولم تكد تنهي جملتها حتي صاح صوت تحية الجهوري فى مدخل العمارة
-عااااااصي، انزليييي يا وااااد
اتسعت عينا وجد بجحوظ لتخفي وجهها بكفي يديها، اللعنة لقد علمت توحة ماذا يفعلان هنا!!!
غمغم عاصي بسخط وهو ينظر اليها كما لو أنها المتهمة في هذا الأمر
نعم هي المتهمة الأساسية، لقد أغوته بسحرها الناعم ونظرات عينيها القاتلة وهي تحثه علي التقرب منها
-عجبك قلة القيمة دي، افتكري كل ده هيطلع عليكي
شهقت وجد باستنكار لازم شفتيها بغضب
-وانا مالي
رمقها بنظرة عابثة وغمزة ماكرة ليقر باعتراف
-بطلي تحلوي كل يوم في عيني
فغرت شفتيها بصدمة واضطر هو اسفا للمغادرة كي لا يتم فضحه فى ارجاء الحي بأكمله يكفي العقار السكني الذي يقيم فيه، تمتمت وجد بشرود
-مجنون
رفعت عيناها حينما فتح باب المنزل وحينما التفت قال بصرامة
-صوريلي فستانك
اجفلت من نبرته العالية لتهز رأسها نافية
-بس مينفعش تشوفه
احتدت عينيه بصرامة وقوة تراها منه، ليأمرها بغرور
-صوريه
همت بالرد عليه إلا أن صون تحية الصارخ بنفاذ صبر جعله يضطر أسفا للمغادرة
-عااااااصي
زفر عاصي بيأس وهو يرمقها بصلابة قبل أن يرد عليها
-نازل يا توحااا

 

 

اغلق الباب خلفه بقوة لتجفل وجد وهي تنهار على المقعد بدهشة، لماذا تحديدا يرغب برؤية الفستان؟ دفنت وجهها بكفي يديها لتغمغم بيأس
-شكلي ادبست في واحد مجنون
******
فى مطعم الشامي،،
تقتحم رهف مطعم خطيبها حاملة شمس لأول مرة، كزائرة وايضا كحليف جديد وتوطيد علاقتها مع خطيبها الذي تتخذه كعدو لها، حينما تضطر أسفا مغادرة المنزل لزيارته أو زيارة عائلته
لقد حاولت مرارا أن تصطحبها لكن فريال تصر على ذهابها بمفردها، خصوصا أن الفتاة تعرب عن كرهها الشديد له وكله بسبب أخيها، تنهدت بيأس من أخيها
لقد أفسد ابنته وهي ابنة الخامسة، لا تعلم ماذا سيحدث وهي ابنة الخامسة عشر؟
شعرت بقبلة شمس العنيفة على وجنتيها لتضحك بمرح وهي تقتحم باب المطبخ وقد انتهى دوام العمل، وكعادة كل يوم تجده يرتدي مريوله الخاص فى انتظارها لتناول وجبة عشاء من يديه
قالت بصوت ناعم تجذب انتباه هذا الشارد فى وصفته لليوم
-مساء الخير يا شيف
ارتسمت ابتسامة ناعمة على شفتي نزار ليلتفت لها بابتسامة رائقة سرعان ما تبدلت للعبوس حينما رأى دخيلة صغيرة بينهما
-لك يامساء الخيراااات ياروووحو للشييف ،استني لااااا عم تمزحي ياروحي نو هيك جايبة بنتوو لهون يا رهوفتي ،لو مستقصدة تخليه يجي ماكنتي عملتي هيك
ضحكت رهف بمزاج رائق وقالت بابتسامة ماكرة
-متقلقش انضمت شمس للحلف بتاعنا
اقتربت منه بابتسامة ناعمة، تحاول ازالة عبوس وجهه.. لتميل طابعة قبلة سريعة على وجنته أدي الى ازالة عبوس وجهه، التفتت نحو شمس التي تحدق نحو نزار بعبوس لتهمس لها بتشجيع قائلة
-ادي بوسة لعمو يا شموس
تجهمت ملامح شمس، وازداد وجهها عبوسا ونفورا لتقول بنبرة قاطعة متسلطة كأبيها
-لا
ضيقت رهف حاجبيها بغضب وهي تلاحظ نبرة العداء التي تفوهت بها شمس لتقول بحدة
-شمس
رفعت شمس عيناها تنظر الى زرقة عيني رهف لتحاول استمالتها بمكر طفولي منها لتهمس بنفي
-لا.. بابا بس
ضحك نزار بابتسامة رائقة وهو يراها تشبه أباها، ماذا توقع من ابنته مثلا؟!! قال بهدوء محاولا تهدئة رهف التي اصبحت تضع رأسها برأس الصغيرة
-عادي ياقلبي اتركيها عكيفها، وصراحة مو ناقصنا تصير مشكلة مع اخوك من وراها
رفعت رهف عيناها بأسف تجاه نزار الذي اومأ لها ألا تقلق، حاولت رهف أن تستعيد مرحها وهي تضع شمس على طاولة المطبخ وقد ارتفع حاجبا نزار بتعجب حينما رأي الصغيرة ترتدي مريول مطبخ صغير ليلتفت بتعجب نحو رهف التي قالت بحماس تجاه الصغيرة
-شموس، روحنا عند عمو نزار عشان يعملنا ايه
اتسعت ابتسامة شمس وهي تصفق بكلتا يديها قائلة
-كيكة
اقتربت منها رهف تدغدغها بمرح وهي تمد بخدها لتطبع شمس قبلة عنيفة عليها، أدى إلى انفجار رهف فى الضحك.. لتنظر تجاه نزار وهي تهمس له ببعض الحرج كونها لم تعطيه خبرا مسبقا
-هعطلك يا نزار في حاجة لو عملت للهانم شمس كيكة، عملنا كيكة في البيت ومعجبتهاش واصرت اننا نشتري احسن
عقد نزار حاجبيه بريبة وهو ينظر الي الكائن الصغير الطفولي بعينيها الذهبية الشبية كعيني أبيها، ثم عاد يلتفت نحو رهف ليسأل بعدم فهم
-مين يلي أصر ؟
أشارت رهف بيدها تجاه الصغيرة التي تنظر نحوه بتفحص متهمل، جعله يقلق حتما لتقول رهف ببساطة
-شمس
غمغم نزار بهمس خافت وهو يهز رأسه بأسي
-اجباري بدها تطلعله لهالغول

 

 

احتدت عينا رهف بشراسة وهي تسمعه يتمتم بكلمات غير مفهومة، لكنها تشعر أنها عائدة لأخيها لتصيح باندفاع شرس
-بتبرطم بتقول ايه
أبتسم نزار ابتسامة سمجة وعلق بابتسامة هادئة
-ولا شي ياروحي انت ،قليلي ياعمري انت شو نوع الكيك يلي بدكن ياها واخلي حدا يحضره
قاطعته شمس تقول بحماس طفولي وهي تصفق بكلتا يديها
-شوكلت كيك
ابتسمت رهف وهي تنظر الي شمس، لتتابع بهدوء
-وشمس قررت تكون مساعد شيف، مش كدا يا شموس؟!
اومأت شمس برأسها عدة مرات وهي تمسد مريولها القطني الذي اشترته لها فريال خصيصا حينما علمت بهوس الصغيرة لمكوثها فى المطبخ مع رهف، اقترب نزار تلك المرة بابتسامة جذابة واقترب من الصغيرة يضع كلتا ذراعيه على جانبي قدميها ليسألها بنبرته الشامية
-وحبيبتي العسل ام خدود حمر شو رح تعطيني لما بعمللها الكيكة من تحت دياتي
توردت وجنتاي شمس وهي تغطي كلتا كفيها بخجل، دفع رهف للانفجار فى ضحكة ناعمة ونزار ينظر بذهول تجاه الصغيرة؟! يبدو أن الصغيرة أصبحت فتاة دون أن يدري؟!!
اجابته شمس فى صوت خجول
-بوسة
ابتسم نزار وهو يشاغبها بمرح مغمغما فى صوت خافت
-لا ماشاء الله كريمة كتير فضلتي عليي شه
عقدت رهف حاجبيها بعبوس لتغمغم بيأس
-بطل تبرطم يا نزار
عقد نزار ذراعيه على صدره وسألهما
-ووين ناويين تاكلوها هون ولا بالبيت
هزت شمس رأسها نافية، لتقول رهف ببساطة
-دي عشان يوسف زميلها في الفصل، تصالحه بيها
اتسعت حدقتا نزار بذهول، وهو يخيل له أنه سمع شئ اخر.. هل والدها على علم بالمدعو يوسف؟
الصغيرة اتت اليه ليصنع كيكة لتصالح به المدعو بيوسف؟!!
اللعنة أين والدها؟!! أيترك ابنته تتحدث مع الصبيان، وينغص هو حياته مع المرأة التي أصبحت زوجته في الشرع؟!
صاح باستنكار تام وهو يحدق تجاه رهف
-تصالحووو!!!
ابتسمت رهف بعبث لتهمس له
-هفهمك الموضوع بعدين
هز رأسه ولا ينكر أن الفضول يقتله لمعرفة أمر يوسف هذا!!!
قال بصرامة شديدة تعلمها رهف حينما عملت معه، نزار وقت عمله يتحول لكائن مرعب
-غسلوا ايديكن والحئوني
هزت رهف رأسها ايجابا وهي تسارع بحمل شمس لينفذا أمره على وجه السرعة.
راقبت رهف من بعيد صبر وهدوء وحزم نزار وهو يتحدث مع شمس كشخص بالغ، بل كشيف صغير يتتلمذ على يديه، تبتسم شمس بابتسامة واسعة تشق ثغرها وهي تتبع تعليماته فى طاعة وعدم تمرد جعل رهف ترفع حاجبها بحدة
الفتاة تعصي اوامرها وتعبث بارجاء المطبخ وهنا كقطة وديعة وتنظر الي عيني نزار بانبهار صغيرة، زمت رهف شفتيها وهي لا تستطيع أن تعاتب شمس
فنزار محط أنظار العديد من النساء، فرجل يجمع بين الوسامة وذوق فني في الطبخ بالإضافة إلى لكنته الشامية، حتما ستكون محظوظة تلك المرأة التي ستصبح زوجته

 

 

اتسعت ابتسامتها حينما رأت نزار يضع قالب الكيك داخل الفرن وشمس تصفق بمرح وهي تنظر تجاه الفرن بانتباه شديد، تنتظره حتى ينضج.. ضحك نزار وهو يراها انها لن تمل فى وقفتها ليحملها واضعا إياها على الطاولة وهو يأمرها أن تكون مطيعة حتى يأتي لها بكعك آخر تتناوله وهي تنتظر نضج كعك يوسف
– مش محتاج مساعدة
قالتها رهف وهي تلمس ذراعه بقصد ويبدو ان الصغيرة أثارت انتباه بالكامل ليصرف انتباهه عنها، التفت نزار تجاه رهف وهو يلاحظ الغيرة تنضح من عيناها ليعانقها هامسا بصوت خشن
-يا عمري ياروحي يلي فيني مكفيني ناوية تجنيني اكتر من هيك
احمرت وجنتي رهف وقد انتفض جسدها من قبلته الغير بريئة بالمرة بالقرب من شفتيها، أسندت بيدها على صدره تبعده عن محيطها لكنه لم يتزحزح مقدار انش، لترفع عينيها تهمس له بتوتر
-فيه بنت في النص
القي نزار نظرة سريعة تجاه شمس التي تنظر تجاه الفرن بانتباه شديد، ليلتفت تجاه رهف وهو يميل إليها قائلا بمكر
-ووين كانت البنت وانت عم تجنيني بلمساتك اااااه
اتسعت عينا رهف بدهشة، ايعتبر مساعدتها وهي تناوله المكونات وقد ارتطمت يداها بدون قصد بيده تحرش، غمغمت رهف باستنكار
-انا بتحرش بيك يا نزار!! انا معملتش حاجة
تصنع نزار الجدية والحزم وهو ينظر الي عينيها .. يعانق زرقة عينيها دون خوف ليهمس
-لك كرمالو لله لك حبيبتي بس لو بتعرفي شو عم اعمل لحتى شايفتيني هيك
غامت عيناها ليتعانق السماء والبحر، وكم يبهره هذا المنظر فى كل مرة، احتضن وجنتيها بكفي يديه وهو يسمعها تهمس بتوتر
-وشيف نزار العظيم بيعمل ايه عشان يبقي بالشكل ده
هل تحاول أن تصبح الخجولة امرأة مشاكسة؟!!
اقترب من اذنها ليعض شحمة اذنها بإثارة جعلتها تطلق شهقة خافتة وما جحظ عينيها همسه الأجش
-لك كل يوم من وراكي عم اتحمم بمي متل التلج منشان خفف هالنار يلي جواتي عم احترق من جوا عليكي كنافتي
دفعته ببعض القوة عنه، وقد انفجرت ينابيع من الحمرة فى وجنتيها وهي تصيح فى وجهه بحدة
-اسكت، متتكلمش تاني
زفر نزار بحدة وهو ينظر اليها بعينين تلمعان برغبة ارتعدت فرائصها ليغمغم
– رهوفتي خلينا نتجوز هلااا
ألقت رهف نظرة خاصة تجاه شمس التي ليست منتبه كليا لما حدث لتعود تحط بعينيها على عينيه النهمتين لتهمس بغباء مصطنع
-ما انا مراتك يا نزار
تجهمت ملامح نزار ليسارع بأن يصيح فى وجهها بحدة
– لأ.. تكوني ببيتي وبحضني وبين ايدي
الجمتها الصدمة .. وقاحته التي لا حد لها.. نزار هذا فى لحظة يستطيع ان يكون حنون مراعي.. وفي لحظة اخرى رجل عديم الأدب والأخلاق، همست اسمه فى عتاب واضح
-نزار
اغمض نزار جفنيه بقسوة، يمنع أي بادرة من الاستسلام أو أن يطلق جميع جنونه عليها، ليهمس بصوت أثخن من العاطفة
-لك ااااخ من نزار وقت بتطلع من بين شفايفك شو بتعمل فيه، رهف ماني قادر استحمل اكتر من هيك حبيبتي
لانت ساقيها لتستند على رخام المطبخ وهي تحدق نحوه .. ترجوه بعض التريث أو التعقل، لتدفعه للاطمئنان قائلة
-فاضل سنة واحدة يا نزار، هانت
انتفض مندفعا نحوها ليقبض علي ذراعها بقسوة غير مقصودة جعلها تصرخ مجفلة
-لاااا

 

 

ارتفع رأس شمس عن الفرن لتنظر نحوهما بتساؤل لتبتسم رهف نحو شمس لرهف جعل شمس تهز رأسها وهي تعود النظر الى الكعكة التي تنضج رويدا، انتبهت رهف الي صوت نزار الأجش
-رهفففف
ازدادت أصابعه قسوة يعطيها دليلا عن بعض جنون معاناته وهو يقول لها بنفاذ صبر رجل تحمل الكثير، وما عاد يتحمل أكثر
-ماااارح اتركك لتواافقي
فغرت رهف شفتيها بصدمة وهي تلاحظ تهوره وجنونه الذي لا تستطيع أن تردعه، ابتسمت بتوتر وهي تهمس له
-نزار الكلام ده محتاجين قعدة هادية مش اللي بتعمله ده معايا، متستغلش ضعفي ليك بالشكل ده
جز علي اسنانه بحدة وهو يلف خصرها بقوة لترتطم بجسده، سمعها تهمس اسمه عدة مرات تحذره من مغبة ما يفعله
لكن لن يكترث لشئ حتى لو اقتحم شقيقها لخصوصيات رجل وامرأة، همس بصوت مثير
-مارح خلي طرييقة لتوافقي كل شي مباح بالحب والحرب ياروحي
رفعت رهف عيناها تنظر اليه باضطراب لتغمغم بقلق
-عايزني اخاف منك
انقشع ظلام رغباته ليتحطم على صخره واقعه، لعن غباؤه وفقدانه لسيطرته ليسارع باحتضان وجهها براحتي يديه الا ان عينيها لا تريد التطلع إلى عينيه ليخبرها برجاء
-رهوفتي اطلعي عليي
لم توافق واكتفت باشاحة وجهها للجهة الاخرى، مما دفع ان يمسك وجهه بحزم وهو يجبرها على النظر إلى عينيه، لتنظر اليه رهف بلوم جعله يهمس باعتذار صادق
-اووعك حبيبي تخاافي مني انا امانك ياروحي وبعمري مارح فكر ولو لثانية اجرحك او دايقك حدا بيجرح روحه ياروحي انت
لم تستطع رهف ان تكبح رغبتها فى الخصام سوى أن تبتسم وقد انتبهت على صوت الجرس معلنا عن استواء الكعك لتهمس له
-الكيكة استوت
حاولت ان تفلت يدها عنه، الا انه اصر ان تظل جواره وهو يهمس اسمها بقلق
-رهفف
رفعت عيناها تتطلع اليه وهي تخبره بهدوء
-انت وعدتني يا نزار انك هتتجوزني بعد ما اخلص كلية، صدقني هبقي مرتاحة .. وكمان هكون ليك لوحدك وبس مفيش مذاكرة هتشغلني عنك
توردت وجنتيها حالما اختتمت بجملتها مما دفع لنزار يهمس لها بمكر
-لك رهوووفة مين متعلمة كيد النسوان ااااخ منك ااااخ دخيل هالعيون وهالشفايف يلي بنقطو عسل ايي
نظرت اليه بحذر وهو يرفع يديه مستسلما ليتوجه نحو الفرن وهو يحمل منشفة نظيفة يخرج صينية الكعك والصغيرة ترغب برؤية صنيع ما فعلته معه، ابتسم بمرح وهو يحملها لتجلس بالقرب منه وهو يخرج الكعك من القالب، لينظر اليها وهي تصفق يداها بفخر لما حققته، راعي نزار بالطبع أن يجعل الكعك صحيا بما انه للأطفال بدون زبدة أو سكر
ابتسمت رهف بامتنان تجاه نزار وهي تراه يغلف الكعك لتقول بهدوء تجاه الصغيرة

 

 

-ندى بوسة لعمو يا شموس
رفعت شمس ذراعيها ليبتسم نزار مجيبا لطلبها بالقرب لترفع برأسها تجاه خده تقبله وهي تهمس بشكر
-شكرا عمو
امسك نزار وجنتيها المكتنزة بحب وهو يقبل مقدمة رأسها هامسا بنبرة حلوة
-لك ياروووح العمو من جوا يؤبرني يلي خلقك ما ألذك وما احلاكي أي بوسيلي عمتو بس تكونو لحالكن ايي
تلون وجنتي شمس خجلا وهي تنظر تجاه مريولها النظيف والفضل يعود لنزار الذي لا يهدر بمكونات الطعام ولا يسمح لها العبث بالطعام، ليهدر فجأة صوت حانق
-انتو بتعملوا ايه هنا … حتي انتي يا خاينة
شهقت شمس لتضع كلتا يديها على وجنتيها قائلة
-بابا جيه
اندفع نضال كالثور الهائج وهو لا يعلم من أين سينهي جميع مشاكله
أمع صغيرته أم مع طليقته التي فجرت صباح اليوم قنبلة موقوتة فى وجهه أمام الملأ.. ليسارع بحمل صغيرته علي ذراعه وهو يصيح بصرامة تجاه نزار
-اسمع يا ابو لسان معوج، شغل الكلام الناعم ده مش هيمشي علي بنتي .. اوعك تقرب منها
اكتفي نزار بهز رأسه وهو يقترب من رهف ليجذبها من خصرها لتلتصق به وهو يجيب نضال ببرود قائلا
-خليها الك، بدي مرتي انا
اشتعلت عينا نضال بغضب مستعر وهو يهدر فى وجهه بصرامة
-ولا حتي اختي، نزل ايدك من وسطها يلااا
مال نحو رهف التي تنظر الي كلاهما بقلق ليجيبه نزار بسخرية
-مرتي عم قلك
زفر نضال بسخط وتحفزت كلتا يديه على الفتك به، حتما سيفتك بهذا الأحمق ويبدو أنه يرغب أن يصبح ضحيته الليلة
لولا أنه يرغب أن يهشم عظام طليقته بدلا من هذا الشامي، لكن لا مشكلة، سيهشم عظام هذا الغبي وحينما يجد طليقته الهاربة سيهشم عظامها، صاح بنفاذ صبر
-بقولك ايه انا روحي في مناخيري، لم ايدك دي من وسطها عشان متزعلش
استشعرت رهف جدية نضال ويبدو أن نزار يتمادى فى استفزازه، لتنسحب بهدوء وهي تتوجه نحو نضال بابتسامة هادئة تأخذ شمس بين ذراعيها وتعود حاملة الكعك لتقول بهدوء للرجلين
-هاخد شموس اما انتو الاتنين اتخانقوا براحتكم
تطلع نضال نحو نزار بعدائية واضحة ليتلتفت مغادرًا دون كلمة
وقد حان وقت حساب طليقته الآن
رنين هاتفه جذب انتباهه ليرد علي مكالمة رجله الذي كلفه بالبحث عنها، اتسعت عيناه حينما أخبره عن موقعها
انغلقت تعابير وجهه وهو يغمغم بقسوة
-انتي اللي حفرتي القبر بأيدك
******

 

 

في قصر السويسري،،
ارتشف معتصم قدح القهوة الخاص به، وليكن دقيقا أكثر، القهوة التي يرتشفها خلسة بعيدا عن أعين شادية صغيرته التي تعامله كطفل صغير مشاغب يعبث فى الأرجاء، ابتسم ببعض الحسرة .. حتى شادية أصبحت آلة عمل بلا توقف.. صغيرته توهمه بكونها بخير
لكن فى أعماقه يعلم انها ليست بخير أبدًا
لو أباحت فقط، لو أخرجت ما في مكنونات صدرها لرتاحت، لكنها عنيدة كالبغال كي تصر على حمل همومها بمفردها!!
دقق النظر الي قدح القهوة الخاصة به وقد أصابه الجمود، حتي القهوة ما عاد لها طعم بوجودها .. ترك قدح القهوة جانبًا وبقي ينظر إليها بملامح واجمة غير معبرة عن دواخله!
يتنازع كي يدق عنق صغيرته ويرغمها على الحديث، ألم يربيهم على التربية الحديثة؟! اللعنة ها قد أتت ثمارها ليتخبط هو فى غياهب ظلماته ولجج تخبطاته..
ابتسامة صاحبة زينت ثغره وهو يتذكر حاله الملقي في المشفى، الأحمق الذي رفض الإفصاح الشرطة عن هوية المختطف واكتفي بأن له أعداء عمل وربما يلحقوا الأذية به خصوصا أنه تلقى عرضا ضخما ممولا من منظمة كبرى لترويج السياحة العربية!!
ضاق عينيه بتشدد ليزم شفتيه بحزم حينما لمح ظل الأشقر يطل عليه بابتسامة مرتبكة وعينيه لا تتجرأ علي النظر داخل حدقتيه ليسمع وسيم يتمتم
-حضرتك طلبتني يا عمي
رفع معتصم حاجبيه بدهشة وهو يرى أن الأشقر لا يتجرأ لرفع عيناه تجاهه، ماذا قام هذا الأحمق الآخر؟!!
تفرس ملامح وجهه بالكامل ليلاحظ حمرة اذنيه ليضربه صاعقة الأدراك؟
اللعنة !!
متي قام بالأمر؟
هل غرر بصغيرته فى يوم الحفل؟!
أم في يوم آخر؟ أم في يوم الحفل واليوم الآخر؟
لقد أقسم علي المصحف أنه لم يمسها بسوء وأعادها “صاغ سليم” كما قال، حينما وبخهما لعودتهم متأخرين في ذلك اليوم؟!!
ضيق عيناه بحدة ليغمغم بحنق
-متقولش عمي، عمى الدبب
حك وسيم مؤخرة رأسه ببلاهة واكتفى بابتسامة مرتبكة وهو يحاول السيطرة أمام الرجل.. لكن ذكري النعيم الذي عاشه على يد فأرته
ومضات سريعة تقتحم دهاليز عقله، وتجعله يستعيد الذكري
ملمس جسدها، استجابتها الفورية، انينها وشغفها بحبه
لقد كانت مبهرة، وجسده الصخري احتضن هشاشة جسدها، لقد كانت مناسبة له
مناسبة بين ذراعيه، توقع الحمقاء تخبر والدها عن اقتحامه لغرفتها، لكن منذ ثلاثة أيام وامتنعت عن الرد عليه
يتفهم أنه كان غبي لأنه اقتحم أشد خصوصياتها، ألا وهو عرفتها الخاصة، لكن ألم تتحداه؟
نظر برهبة شديدة إلى حماه المستقبلي و أطلق زفير راحة حينما رأى أن فأرته الملونة لا تفشي بسرهما الصغير، لو أباحت لوالدها يقسم انه لقتله فى عقر داره بدم بارد ودون أن يرف له جفن!
-اتفضل يا حمايا
قالها بابتسامة واسعة زادت من تقطيب حاجبي معتصم، ليميل براسه محدقا نحوه بجمود وقد ازداد شكه يقينا ان الأحمق قام بفعل شئ من وراء ظهره، ابتسم بتهكم وهو يجيبه بحدة
-لما تشرف الهانم الاول
عاد القلق ينهش فى صدره، ليتصلب جسد وسيم وهو ينظر الي حماه بقلق، ازدرد ريقه بتوتر وهو يسمع الي نقرات باب غرفة المكتب اتبعه بدخول خاص بالفأرة تقول بابتسامة واسعة من الأذن للأذن
-خير يا عصوم، كنت طالبني فى ايه
عيناه لا إراديا سقطت عليها، يتأمل ملامحها الأنثوية وقدها المياس بإعجاب رجولي، لا حرج عليه بما يقوم به.. انتفض حينما استقبل قذيفة من معتصم علي وجهه ليتأوه بوجع وهو يمسد فكه وينظر إلى حماه بحرج وقد قابله نظرات مشتعلة محذرة، عاد معتصم ينظر بصلابة إلى جيهان ليقول
-انتي نازلة رايحة فين
نظرة سريعة ألقتها تجاه وسيم، لتبتسم بشماته وقد تعمدت وقوفها بإغراء أمامه تميل بجذعها للأمام واستندت بذراعها على مقبض الباب لتخبره ببساطة وهي تلف خصلة متمردة حول شعرها
-صحبتي عايزاني فى خدمة، عايزة الحق ازورها قبل الوقت ما يتأخر.. متقلقش مش هتأخر عن الساعة 10
عادت عينا وسيم تتأمل منحنياتها الانثوية بتقدير ذكوري، لا ينكر أن البنطال الواسع ليس بواسع تماما عند ذلك المنحني الانثوي الخطير، يكاد يعض طرف شفته السفلى ليهزه من الأعماق مشاعر بدائية عنيفة، تأوه مرة اخري بوجع حينما عاد يستلم قذيفة قوية تلك المرة من معتصم ليتنحنح بحرج وهو يخفض انظاره!!

 

 

زفر معتصم بضيق وهو لا يصدق ان الأشقر يتحرش بها علنًا أمامه، لم يحترم كونه موجود ويخفض أنظاره.. الفتى ظن أنها حين عقد عليها يحق له النظر لها باشتهاء ذكوري!!
زمجر تجاه جيهان التي اعتدلت بوقفتها تكاد تكتم ضحكة متشفية به، لتسمع والدها يقول بسخرية
– لالالا مش معقول، جيجي هانم بنفسها بتتواضع وبتقول هترجع على الساعة 10 .. الدنيا جرالها ايه يا جدعان
هزت رأسها دون أن تجيب علي سخريته بمشاكسة، لتنظر إلى وسيم قائلة بامتعاض
– بيعمل ايه ده هنا
أشارت باصبع السبابة بازدراء شديد، ليقول معتصم بجفاء
– اتعدلي بالكلام يا انسه.. ده في مقام خطيبك
تجهمت ملامح وسيم وهو يرفع عينيه ليتوعد لها الا ان زمجرة معتصم الخشنة منعته ليضطر أسفا النظر بعيدا عنها، سمعها الوقحة تهتف ببرود
-لا ولا ليا علاقة بيه، بقولك ايه يا عصوم.. مش فرحنا شويتين، كل واحد يرجع لحاله
لاقت فكرتها استحسانه ليمسد بذقنه قائلا بابتسامة ملتوية
– يعني نلغي الجوازة اللي عايزها
ضحكت جيهان ملء شدقيها وهي تجيبه بسخرية تامة
-جوازة ايه يا عصوم … ياراجل انا بتاعت الكلام ده
القي معتصم نظرة خاصة تجاه وسيم الذي انتفخت أوداجه بغيظ مكتوم، يكاد يرى حمرة وجنتيه من كبت انفعاله، ليبتسم برضا تام تجاه ابنته المجنونة.. لكن هذا لم يمنعه من أن يقول بصرامة
– اتعدلى يا بت وانتي بتكلمي ابوكي
تقدمت جيهان بخطوات مهرولة تميل برأسها طابعة قبلة مطولة على جبهته قائلة بمرح
-والله يا سيد الناس، اللي شايفة مهم اعمله، انا مش هعارضك.. ولو عايزني ارمي دبلته فى وشى
رفع وسيم رأسه بصدمة، وقد اجفله تلميحها عن الغاء زواجهم
انها لا تلمح.. انها تخبره ببساطة شديدة على فسخ عقد قرانهم، زمجر بحدة وعينيه تقدحان شررًا
– على فكرا انا وسطكم
التفت كلا من جيهان ومعتصم ليصيحا في آن واحد
-اخرسس
ارتفع حاجبا وسيم بتعجب قبل أن يغمغم بحنق
– ايه عيلة المجانين دي
ضم قبضة يده بقوة وحاول جاهدا أن لا يمدها ويلقي لكمة محترمة تزين وجنة تلك الوقحة، سليطة اللسان.. وما زاد الطين بلة هو حماه المستقبلي الداعم الأول لفسخ العلاقة ليقول بمكر
– يعني نلغي الجواز
عقدت جيهان حاجبيها بمكر وعبث وهي ترمق وسيم بنظرات شرسة متحدية، لتشعله فى تلك الثواني الصامتة
تحرقه فى الانتظار القليلة كما أحرقها لسنوات، استمعت إلى نبرة والدها المتهكمة
– مالك سكتي كدا ليه
اخفضت عينيها تجاه هاتفها وهي تلعن تأخرها عن مقابلة فرح، ستقتلها فرح .. سارعت ببعث رسالة معتذرة لتلتفت الي والدها قائلة بتعجل

 

 

– اتاخرت علي الميعاد، يلا سلام اشوفكم بعدين
غمزة ماكرة ألقتها لوسيم وهي تسرع بمغادرة غرفة المكتب، ليغمغم معتصم بمكر وهو يحدق تجاه وسيم التي تجهمت ملامحه
– البت مطلعتش شرياك
عض وسيم علي نواجذه من الغيظ، يقسم انه سيحرقها تلك المجنونة بنيران عاطفته ولهيب شوقه.. ليغمغم بسخط
– مكسوفة يا عمي
كتم معتصم ابتسامة وليدة من شفتيه حالما استمع الى الكلمة المقززة منه ليصيح بحدة
– بقولك ايه متعصبنيش بالكلمة دي
غمغم وسيم بتعجل وهو يهب من مجلسه ليحلق تلك المجنونة
– اسف.. هلحقها انا بقي
هب معتصم من مجلسه ليزمجر بقوة
– تلحق مين .. تعالي اقعدي مش سايبك الا لما تفهمني ناوي تخلص ديكور الفيلا بتاعتك امتي
ألقي نظرة متحسرة تجاه الباب، ليعود بنظره تجاه معتصم الذي ينظر نحو بعداء شديد
ماذا حدث لجاره؟ وقد كان منذ أسابيع يعامله كأبن له!! أصبح يعامله كعدو أو سارق نهب شى عزيز علي قلبه؟!
ابتسم بيأس وهو يتذكر الترتيبات العاجلة التي يتخذها فى الفيلا المقابلة لمنزل فأرته
-مش اقل من خمس شهور
هز معتصم رأسه برضا، خمس أشهر يستطيع مدها لسنة، غمغم برضا تام
-جميل.. جميل، بعد الخمس شهور ابقي وريني جمال خطوتك عندي
عقد وسيم حاجبيه بعدم فهم ليقول
-يعني ايه
اشار معتصم تجاه باب عرفته وهو يطرده بكل برود قائلا
– مش عايز المح وشك تاني لحد لما الخمس شهور يخلصوا، ولا حتى تقابلوا بعض
تدلي فك وسيم بدهشة، ليتدارك الأمر سريعا وهو يغلق شفتيه ليقول بابتسامة باردة
-طب ولما نختار الالوان، انقيها مع نفسي يعني!! مش لازم تكون موجودة معايا
نظر معتصم نحوه باستنكار، ليخبره ببساطة
-تبعتلي الألوان وهي تنقيهم واقولك اختارت ايه
حك وسيم مؤخرة رأسه، وما يختبره من تلك العائلة كثير عليه
يقسم أنه لا يعلم كيف ما زال هادئا إلى الآن!! قال مهادنا تجاه معتصم الذي وضعه في اللائحة السوداء
-وليه التعب ده يا عمي، بدل ما نتعب حضرتك انا اكلمها احسن
مال معتصم برأسه يخترق ما بعمق عينيه، وما يخفيه عنه، هو يشعر أن هناك شئ مفقود.. تحفز جسده حينما دخلت جيهان ونظراته النهمة دون أدني اعتبار انه موجود فى المنتصف أو احترام لوجوده!! هو ليس احمقا كي لا يظن أن لا شرارة اشتعلت بهما.. لكنه سيحرص أن يخمد أي شرارة حتى يسلمها بيده فى زفاف يليق بإبنة السويسري!!
قال بنبرة ملتوية وهو يتفرس فى تعابير جسده
– مش مطمنلك، فيك حاجة متغيرة ويارب ميكونش اللي فى بالي
اختلج عضلة فكه وهو ينظر إلى معتصم بارتباك، يقسم أن ظل معتصم ينظر إليه بتلك الطريقة سيعلم ما فعله بعيدا عن عينيه، ووقتها ستستلم الوقحة جثمانه!! سأله بمداعبة مرحة
-ايه اللي في بالك يا عمي
زفر معتصم بيأس لمراوغته في الحديث واشاحت عينيه تؤكدان ما طرأ على عقله ليغمغم بحدة
– روح اسأل العصفورة تحكيلك
تقدم عدة خطوات ليخرج من الغرفة اتبعه وسيم وهو يغمغم بمشاكسة
-رايح فين يا عمي
زفر معتصم بنفاذ صبر، واصبح لا يطيق كلمة “عمي” منه
إزاحة بعنف عن وجهته ليقول بفظاظة
– اوعي كدا مش نقصاك هي
انفجر صوت انثوي ناعم، لتحتد عينا وسيم بوعيد حينما وجدها تتسطح علي مقدمة سيارتها بكل وداعة لتسأله بمشاكسة
– رايح فين يا عصوم

 

 

عقد معتصم حاجبيه بتعجب، ألم تغادر منذ قليل متحججة بتأخرها؟ سألها بحدة
-بتعملي ايه هنا
رفرفت بأهدابها بنعاس شديد وهي تهمس بصوت مغناج
-مستنية خطيبي
رفع معتصم حاجبيه بدهشة انقلب لغضب وهو يقترب منها، يجري حوارا بينهما بعيدا عن المتطفل الأشقر ليهمس بغضب
– والشو اللي عملاه جو، بمناسبة ايه
وضعت جيهان كلتا ذراعيها على صدر والدها لتنفض اتربة وهمية عنه وهي تجيبه بخفوت
-مليش حق ابقى تقيلة يعني
ابتسم معتصم بجفاء ليرفع يديه عن تلك المجنونة ليقول بصرامة
-انتي لو قاصدة تطفشيه مش هتعملي كده
اكتفت بهز رأس يائسة، لتجد والدها ينسحب بهدوء متجها نحو سيارته، لتهتف جيهان بتعجب وهي تري السائق يفتح الباب الخلفي له
-رايح فين يا عصوم
ارتد معتصم خطوة للخلف ما ان وجد ابنته تسد طريقه لركوب السيارة، ازاحها عن طريقه ليقول
-لا اله الا الله، مش انتي وهو في يوم واحد .. وسعي عشان اتأخرت
رفعت جيهان حاجبها قريبة وهي تتعجب من خروج والدها في هذا الوقت بعد النهار!! هل الرجل تعرف على امرأة جديدة؟!
محتالة صغيرة أوقعته في شباكها؟!.. حدقت نحو أثر التراب الذي أخلفه سيارته، لتتفاجئ بيد قاسية تمسك بقوة على رسغها لتدفعها للسقوط بين احضان جسده الصلبة
تأوهت بوهن وميوعة شديدة جعل وسيم يبتسم بشيطنة وهو يضم خصرها بذراعه لتسحق عظامها اللينة على جسده الصخري!! آنت بوجع حقيقي وهي تسمعه يهتف بحدة
– ايه اللي قولتيه ده يا هانم من شوية قدام الوالد
يجب أن تمنعه من الذهاب للصالة الرياضية فى اقرب وقت!! الأحمق ماذا يظنها هو؟ وسادة تنفيس لغضبه؟! تقسم أن ليلة زفافهم سيسحقها دون أدنى اهتمام أو مراعاة العذراء الرقيقة التي تزوجها!!
ضربت كفي يديها على صدره بقوة ليزداد أنينها وهي تكاد تسمع تحطم عظامها لتجز على أسنانها مقاومة المها لتهدر في وجهه
-ايدك يا حلو عشان متوحشكش
ابتسم وسيم بشرر ويده نزعت قميصها القطني الذي دسته داخل البنطال .. يجب عليه أن يعيد ترتيب ثياب تلك المرأة
حتما يجب أن يقوم بحرق خزانة ملابسها اولا
شهقت جيهان باعتراض وقد انتزع القميص من داخل البنطال، لتضع يدها على يديه تمنعه من تشويه اناقة ثيابها .. تشابكت الأيدي وتبارت أنفاسهما في الظفر بمن سينجح في معركة القميص!!
تأوهت جيهان بتوجع حينما صفعها علي كف يديها بخشونته، ذلك الاشقر ليس بهين ابدا.. صاحت بحدة
-سيب القميص بقولك.. انا حطاه جوا البنطلون
احتدت عيناه بصرامة ليهتف فى وجهها بصرامة
-وتبيني الاغراءات لمين يا انسه يا محترمة، لبقية الخلق
عضت على طرف شفتها السفلى بيأس، بدأت تحكمات الرجل الشرقي تسير فى اوردة ذلك البارد!! تاوهت بوجع اكبر لتترك يديها بيأس وقد طرفة الدموع من مقلتيها وهي تصرخ بوجع
-ملكش دعوة.. اغراءاتي أوريها اللي عايزة اوريهاله
ابتسم وسيم بخفة وهو يتحدث مغمغما بوقاحة
– يعني روب الحمام وقتها ده عشان توريني اغراءاتك
شهقت جيهان بذعر لتنتفض ضاربة بكلتا كفيها علي صدره مزمجرة فى وجهه

 

 

– وقح، اصلا انت اللي اقتحمت الاوضة بتاعتي، قال اغريك قال
استدارت مبتعدة لتتجه نحو سيارتها وهي تسارع بإخراج مفتاح سيارتها لتلتفت اليه قائلة بوحشية
-حسابك تقل يا وسيم يا مالكي، مش انا اللي تثبتني من لمسة ماشي
ضم يديه في جيب بنطاله وهو يحدق نحو قيادتها المتهورة ليهمس بأسي
-اقسم بالله مجنونة، دي اخرتك يا وسيم تتجوز مجنونة
*******
في المشفى،،
نداء صارخ صامت
نداء من أعماق ظلمات روحه المنكسرة
نداء إغاثة لكن ما من مجيب
صمت مهيب يصدح المكان برعب يلقي فى النفس، حيث هو ملقي أمام بركة آثامه وأخطائه
عاد سرمد يخفض عينيه وهو يتمنى شئ واحد فقط
الرحمة المميتة
يعلم أن أثار سخط عائلته بعد تحقيق من الشرطة المكثفة، زفر بيأس وهو لا يتخيل كيف سيقضي باقي سنين عمره على الكرسي؟!
هذا عدا النسبة الضئيلة التي تكاد منعدمة، يحتاج لإجراء العديد من الجراحات وعلاج طبيعي وهو لا يمتلك صبرًا وقوة كي يقوم بتلك الأشياء
يود أن تنتهي حياته بسلام تام.. دون أن يؤذي أحد آخر
انتبه على صوت غسان الذي هاتفه بقلق
-سرمد
رفع سرمد عينيه ليحدق في عينا غسان القلقتين، ليبتسم بمرارة وغسان يسأله بخشونة
-هل أنت متأكد برغبتك في الرحيل؟
أومأ بهدوء مجيبا على سؤاله الذي تكرر لثالث مرة هذا الصباح منذ أن أعرب عن اكتفاؤه بالبقاء في هذا البلد ويرغب سريعا بالعودة إلى موطنه
-لم يتبقى لي شئ هنا .. لنعود أدراجنا من حيث اتينا
هز غسان رأسه بتفهم، وحزن عميق يكاد يدفنه وهو ينظر إلى الحال الذي وصل اليه الجميع
تفاجأ حينما اقتحم سامر الغرفة ليصيح بغضب وهو يتوجه إلى سرمد بنظرات حارقة
-اخي، انت احمق ومغفل كبير.. كيف لم تبوح بكل شئ للشرطة
ابتسم سرمد باتزان شديد وهو يجيبه بهدوء
-وماذا سأستفيد يا سام، لقد أخذت عقوبتي
اندلعت الحراش في عيني سامر ليجز على اسنانه صارخا في وجهه
– توقف يا احمق عن ترديد تلك الكلمات، ما فعله يلقيه فى السجن
تنهد سرمد بتعب واضح، لم يمنع أن ترتسم ابتسامة هادئة علي شفتيه وهو يتذكر حينما كان فى كامل عنفوان وطاقة الغضب التي احاطته، لقد كسره غضبه
ارخي جفونه وهو يغمغم بصوت هادئ متزن
– اتعلم لو حدث ما حدث لي من شهرين، لم أكن لأترك حقي.. لكن هذا عقابي كيف أعترض عليه
تردد كلمة “عقابي” اشعلت مراجل سامر وهو يلعن المرأة التي دمرت حياته، يلعنها حرفيًا لأنها من سببت في تعاسة عائلتهم.. من غيرت شقيقه الذي بات لا يعلمه.. شقيقه الذي يدافع عن المرأة التي ذبحته حيًا.. ملقى هو في جدران المشفى وهي حتى لم تؤازره.. لم تخفف عنه

 

 

لما كل هذا العشق والحماية الذي يغلقه سرمد لها؟! انفجر يهدر فى وجه شقيقه
-والحادث الأول؟ أنسيت ما فعلته؟، لما تتنازل عن حقوقك؟
بها وجه سرمد وهو يشيح بعينيه بعيدا عن أعين أخيه، لا يصدق أن شقيقه نسخة مصغرة منه.. يشبه فى كل عنفوانه وطاقة غضبه.. يخشى عليه أن يندفع بجنون غضبه إلى حافة الهاوية كما حدث له

لا يصدق تلك الجاحدة لم تزره بعد ذلك اليوم الكارثي، ألا تشفق عليه؟
الأ تتعطف عليه ولو زيارة قبل مغادرته للبلد دون رجـعـة مرة آخـري.. تنهد بيأس
يبدو أن ما فعله أعظم من أن تغفر له.. همس ببساطة
-صدقني العقاب الإلهي يكون أعظم من العقاب البشري
فغر سامر شفتيه بصدمة وهو يحدق نحو غسان بدهشة، لذلك المجنون الذي يهذي بتراهات… بل السؤال الأعظم، ما جرم أفعاله لتكون تلك عاقبته؟
اندفع القلق ينهش اوتار قلبه، لتتسع عيناه جحوظا حينما اقتحم أحدهم الباب، وهاله حينما رأي تلك اللعينة تقتحم الغرفة بنظرات تقدم غضبا لتصرخ هادرة فى وجه شقيقه
-انت مجنون
الدموع كانت تعمي عينيها لتزيلها سريعا وهي تحدق إلى الرجلين الضخمين بزمجرة شرسة لتهدر بتوبيخ لكلاهما
-انتوا ازاي سمحتوله انه يعمل كدا، ازاي سمحتوا لأخوك يعمل اللي عمله ده
كانت مندفعة بطاقة غضب، الأحمق لثاني مرة يدافع عنها ويقيدها بصنيع معروفه، يعيد أحكام القيود حول عنقها كي يمنعها من الفرار
تقسم انها تعبت.. لقد استنفذت جميع طاقتها لخوض الحروب
تريد سلام نفسي، لكن هذا المعذب لا يرحمها مطلقًا، استمعت إلى صوته البارد يحدث شقيقه
-اجعلها تغادر
انفجرت تضحك بسخرية تامة لا تتناسب الموقف لتهدر بصرامة

 

 

– ايه مبقتش طايق تشوف وشي ولا ايه يا استاذ سرمد
اقترب سامر منها وهو يرى نظرة التوسل من عيني شقيقه ليكبح جماح جنونه، زفر سامر بسخط وهو ينظر الي غسان كي يتقدم نحو المرأة الثائرة لكن غسان ببساطة شديدة انسحب وهو يغمز بمكر للشقيقان واندفع خارج الغرفة بهدوء ماكر..!!
القي سامر نظرة ساخطة تجاه شادية التي تعامله كما لو انه طفل صغير فى الروضة يتلقي عقابه من معلمة شريرة، غمغم بفظاظة
-اهدئي
ويتجرأ على الحديث بالأجنبية بعد أن كشفت سرهم، رفعت اصبع السبابة فى وجهه قائلة بغضب استفحل عروقها
-متعوجش لسانك انت كمان، ازاي متقولش مين اللي خطفك
راقبها الآخر بقلب أنهكه شوق لرؤية ملامحها الناعمة

كم سيشتاق لها؟
الله وحده سيصبره على فراقها، ويصبره على مصائبه، عاد يردد “الحمدلله” رغم كل شئ كما نصحته والدته مع التفكير بإيجابية لفترته القادمة قبل أن يستعيد صحته
ود لو اخبرها أي صحة هي تكذب عليه بها؟!.. غصة مريرة بالكاد ابتلعها وهو يعيد نظره مرة أخرى تجاه البرتقالية
هل ازدادت نحافة عن هذا اليوم؟ أم أنه يراها الآن بكامل تفاصيلها؟
المرأة علي وشك السقوط في غيبوبة لقلة النوم ونقص وزنها، هل هذا أثر غيابه؟ أم اثر اعتدائه؟!
صاح بهدوء بارد يقطع الشحنة المتواصلة بين شقيقه والبرتقالية
-أتريدين أن تتعرضي لضغط من أسئلة الشرطة والصحافة ؟
التفتت شادية تجاه سرمد، ويبدو أن الملك تخلي عن صمته وقرر أن يمن عليها ببعض كرمه ويحدثها، رأته يضيق عينيه ينظر تجاهها بنظرة باهتة ولمعة منطفئة ليغمغم
– اخبري والدك أن لا يقلق على اسم ابنته
زمجرت شادية بوحشية فى وجهه
-تبا لك يا حقير
نظر سامر بقلق شديد تجاه شقيقه وتلك المشتعلة، ليطمئنه سرمد بنظرة من عينيه ليومأ برأسه على مضض تاركًا إياهم يتشاركا حديث ربما سيكون الأخير قبل رحيلهم من هذه الأرض!!
غمغم سرمد بهمس خافت
-هذا قلتيه لي سابقا يا شاديااه
اجفلت حينما استمعت إلى نبرته الخشنة، ما زال يناديها بتلك النبرة؟! دلكت صدغيها وهي تنهار على أقرب مقعد لها وتلك الخفقة الهاربة ستحاسبها حسابا عسيرا في المنزل
سمعته يسألها بهدوء
-ماذا تريدين؟

 

 

نبي الوقاحة زادت للمعدل الغير الطبيعي، رفعت رأسها تهمس له بتهكم
-لم أعهدك فظًا؟
زفرة حارة خرجت من شفتيه، وابتسامة وليدة وئدت داخل قلبه، وتحطمت على صخرة الواقع
أين أصبح هو وأين أصبحت هي!!
شتان بينهما، وكم بعده المسافات بينهما اميالا
ربما لم يكن مقدر له أن يستحقها، ربما تستحق رجل
وذكر رجل أشعلت براكين مشتعلة لتيقظ وحش .. وحش يعربد فى السجن الذي تقيد به، غاما عينيه بقسوة ليهمس بحدة
-لست كذلك.. لكن ماذا تريدين؟
شهقت باستنكار تام لوقاحته، بل تعديه حدود الأدب واللياقة التي من المفترض أن يتحلى بها؟!
هي لم تكن تصدق حينما هاتفت والدته منذ ساعة، تطمئن على أحوالها لتخبرها ببساطة أنهم سيغادرون قريبا من البلاد .. الصدمة استحوذت على حواسها كليًا وشعور بروح قد سحب من جسدها شئ مؤلم!
اختنـاق
اختنـاق فظيع يشمل أطراف جسدها دون تعقل، لتنظر اليه
تحدق في ملامح وجهه، تتفرسه مليا، تحفره داخل دهاليز عقلها
هذا ليس بسرمد الذي تعلمه، أين هذا الذي كان يجبرها علي أن تواكب جميع جنونه، وجموحه
دمعة انسلت من مقلتها لتسارع بازالتها وهي تحدق به كما هو يحفر تفاصيلها الدقيقة بعينيه الخاويتين!!
فغرت شفتيها بصعوبة، و تثاقل الهواء ليدخل رئتيها، ماذا تفعل هي؟
كيف تتخطاه؟ وأبسط فعل تقوم به تتذكره؟ بخشونة ملامحه وعبثية وجهه وعينيه الماكرتين؟!
لقد حطم ثقتها بنفسها واعتزازها، حطم قلبها الذي ازدهر بفعل يده، كيف تلقي. بكل ذلك و تؤازره
مكبلة الأطراف
منزوعة القوي
متخبطة بتيه، وماضي لعين يستأصل منها أي مقاومة .. لتستسلم
لم تعتاد منه على ذلك الصمت والهدوء، لطالما كان هو الشخص الأكثر تحكمًا
لطالما كان القيادي في سفينته، تركها تتخبط بين أمواج البحر الهادرة، لا تجد مرسي آمان لتشبث بقدميها على الأرض الصلبة!!
غمغمت بهمس خافت
-ولم تكن نزقًا.. كنت متريثا.. صبورا
عيناه خفضت تجاه رعشة يديها التي تحاول التحكم بها من خلال الضغط بعنف علي حقيبتها، عيناه تتأمل مليًا قدها النحيل من بنطالها الأسود الجينز الواسع وقميصها الأبيض الطويل الذي ينتهي أسفل فخذيها، ابتسم بمرارة وهو يري خصلات شعرها المعقودة بحزم.. كالناظرة التي يعرفها، لو كان يستطيع أن يحرك يده لينزع رابطة شعرها
ابتسم بتهكم على جموح أفكاره، ربما لو لم يكن مريضًا لألقته خارج حدود مملكتها!!
رفع عيناه لتستقر داخل حدقتيها الكهرمانية وهال له ربي الضعف فيهما والتخبط، أجابها بهمس أجش
-الجميع يتغير في وقت ما يا شاديااه
تصلبت جميع أطراف جسدها وهي تسمعه ينطق اسمها بعذاب شديد، ضعف رجل يعري انكساراته أمام امراته
امرأته؟!!!

 

 

لا لا لا هي ليست امرأته، لقد كانت قبل أن يطعنها بكل خسة من خلف ظهرها، اندفعت الحرارة تسير كسيل براكين فى أوردتها لتبدأ الحمرة تحت نظرات عينيه النهمتين لتهمس بتردد
-ألن تخبرني ماذا حدث؟
ضيق عينيه وهو ينظر اليها بوجوم، جعلها تستشعر قلقًا كونها تخطت الحدود التي رسمتها، أخبرها بجفاء يخرج منه لأول مرة
-بأي صفة؟
بأي صفة تخبره؟
أتخبره أنها الوحيدة التي لها أحقية بأخباره ما حدث
لا أحد.. ويقصد “لا أحد” أي حتى الأقربين له، يحق له بمعرفة ما حدث سواها
لقد تشاركا الكثير من الأسرار، وسره هذا لن تستطيع إيجاد مثقال ذرة في حمله..
تجهمت ملامحها وتوقفت عن ارتعاش يديها لتتصلب فى جلستها وهي تجيبه بكل ثقة
-أنني من أدخلتك لتلك الدائرة؟

ابتسم سرمد بخفة وعينيه تحتضنان عينيها بمواساة جعلها تجفل وهي تنزع عيناها انتزاعا منه، ليهمس بخشونة ووجيب أنفاسه تتباري بانفعال حال تذكره ما مضى
-لا يوجد شئ أخبرك به سوي أنني لم أهتم بما يفعلونه بي إلا أنتِ
فغرت شادية شفتيها بصدمة وهي تنظر اليه بعدم تصديق، ليتابع يهمس بغضب فوري من نفسه
-خشيت أن يؤذوكي وأنا مقيد الجسد، أعاني كل يوم من جنون والد فقد ولده، لن أخبرك أنني حزنت علي موته.. اللعنة لقد كنت مبتسمًا، أتعلمين لماذا؟
تصلب أطرافها بعجز وهي تحدق نحوه بعينين جاحظتين ليتابع سرمد قائلا بضراوة محارب فاز بمعركة حفاظ عائلته آمنين رغم خسارته جسده
-لأنك تخلصت من أكثر وغدين حطموا حياتك

 

 

التفت تلك المرة نحوها يبثها شياطينه اللعينة التي ظلت تعربد بجنون، نيران تآكلته حيًا وهو عاجز عن مقدار حمايتها!!
جز على اسنانه بقوة يكاد يحطم ضروس أسنانه، لطالما كان هو الوغد الأكبر فى قصتها.. وهنيئا لها أنها تخلصت منه نهائيا
لأن داخله يقين داخلي.. طالما فى داخله نفس يتردد لطالبها بكل ضراوة بأن تصبح زوجته
ما كان هناك سبب غبي ليمنعه عنها، حتى وإن أبت هي!! صاح بغضب داخلي لينفجر فى وجهها
– أتعلمين ماذا يعني أن يكون رجلا مثلي عاجزًا؟ عاجزا عن حمايتك وعن غفرانه؟ عن أي شياطين تتلاعب بعقلي واللعين يتحدث عنك بأقذر الكلمات مستخدما العديد من الإيحاءات الجنسية وكم كنتي راضية ومستمتعة وراغبة بشدة لأن يعطيك اضعاف ما يمنحك اياه؟!
شهقة ناعمة انفلتت من شفتيها، لتهز رأسها نافية تلك التهمة التي ألصقها ذلك الحقير الآخر.. دمعات انسلت من مآقيها وهي تضع كف يدها علي شفتيها تكتم صرخة مذعورة
لما هو مصمم أن يضع السكين الملثم فى صدرها، همست اسمه برجاء
– سرمد
ترجوه التوقف والتوقف عن طعنها بالكثير من سكاكينه الحادة لجسدها، إلا أن سرمد تابع بقسوة متعمدًا
-ووالده لم يقل قذارة عن ابنه، لا أعلم فى أي مستنقع حقير سقطت امرأة مثلك داخله، غادري هيا.. معك طريق العودة لطريقك.. لقد أصبحت حــرة يا شاديااه
هزت رأسها نافية
لم تصبح حرة بعد، وهو يكبلها به مرة أخرى، ماذا تقوم هي؟ أتريد أن تصبح ذليلة لحب أفلاطوني لا يوجد فى عالمها؟!
ألم يخبرها أنه وغد كمعاذ، ماذا تفعل هنا هي إذا؟!
ماذا تنتظر؟!… همست بتعب
-هل تعتقد أنني سأستطيع متابعة حياتي كما لو أن شئ لم يحدث
ربما يجب أن يعتادا على هذا الأمر
ربما لو كانت زوجته، ربما لو صك ملكيته، وختم النجم علي المرأة ما تركها تبتعد مقدار انش عنه، رفع عينيه يخبرها عما يجول بخاطره لتتسع عينا شادية بذهول وهي تقرأ ما يدور فى خلده
اندفعت الحمرة تورد وجنتيها الشاحبتين، وايقاع بطئ في نبضات من قلبها قبل أن تتسارع بعنف كما لو انها فى مضمار سباق.. اخفضت عينيها أرضا وهي تضع يدها على قلبها المتقاذف بعنف
ماذا تفعل هنا؟ اللعنة انه ما زال يتحكم بها رغم حالته التي وصل إليها، وصلها صوته البارد
-سأغادر البلاد، وزوجك السابق توفي.. تستطيعين بداية حياة جديدة مع رجل آآ..
جز على اسنانه بحدة وهو يلعن نفسه، يلعنها هي شخصيا إن فكرت ولو فكرة عابرة أن تندمج بروحها لشخص آخر مثله
هي قطعته المفقودة، وليلعنه اي شئ إن قدر على منعها عنه
لكن عاد غروره يخبت وثقته الشديدة بنفسه ورجولته المتفاخرة ينظر بعجز إلى ما وصل له، لقد أصبحت عاجزًا يا رجل
لقد أصبحت عاجزًا .. اتركها لحال سبيلها
بتر باقي جملته وحشرجة مريرة تغلف صوته، ليخفض عينيه ينظر الى حالته.. ما عاد ينفع الغضب ولا الجنون
يجب أن تهذب طباعك غيداء مرة آخري، يحتاجها فى فترة حياته الحرجة كي يستطيع أن يتعايش المتبقي من عمره
وأولهم تركها.. استمع الى صوت شادية الصارخ بغضب
-رجل!!! انت .. انت لا تصدق
تلعثمت شفتاها وتعثرت باقي كلماتها وهي تضع كف يدها علي شفتيها تبتر أي عبارة حمقاء قد نقولها لهذا الرجل الذي لا يترك أي شاردة وواردة
لعنت غباءها وتسرعها، وهي تنظر اتجاهه لتراه يحدق في وجهها بوجود ليقول بسخرية
-ماذا يا شاديااه، لولا أنني أعلم أنك سعيدة بما حدث لي، لظننت أنك ما زلت تعشقيني
تخضبت وجنتيها بحرج من أثر الكلمة على شفتيه، لا تصدق وقاحة حديثه معها.. خرجت عن طور رزانتها لتهدر فى وجهه
– معك حق، سعيدة لدرجة أتمني ألا تستطيع النهوض على قدميك وتحطيم ذراعيك كما كنت تفعل معي سابقا حينما تجبرني أن أكون .. أن أكون
لا تعلم إلى أين سلك مجري حديثهما .. أو إلي أي درجة ما زالت تخجل من أفعاله السابقة حينما يجبرها أن تكون بين….
رد سرمد بجفاء شديد وهو يحدق إلى شعلتها الثائرة، ما زالت ناقمة البرتقالية عليك رغم كل شئ
وصلته رسالتها بهدوء شديد، وقد علم أن حديثهما وصل إلى طريق مسدود
– بين جنبات صدري
شهقت شادية بعنف وهمت بتعنيفه لوقاحته في الحديث ومنع أي خيال جامح في عقله، إلا أن نظرته الخاوية اربكتها وهو يحدق في الفراغ..

 

 

جذبت حقيبتها وهي تجد لا فائدة من مكوثها في غرفته بعد أن أخذت ما جاءت لأجله، توجهت نحو باب الغرفة لتفتحه بحدة إلا أن عينيها اتسعت بسعر حينما رأت الشخص الواقف امامها بشموخ لتهمس بقلق
-بابا!!

يتبع..

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على (رواية أترصد عشقك)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *