روايات

رواية قلبي و عيناك و الأيام الفصل الثامن و السبعون 78 بقلم رحاب إبراهيم حسن

رواية قلبي و عيناك و الأيام الفصل الثامن و السبعون 78 بقلم رحاب إبراهيم حسن

رواية قلبي و عيناك و الأيام البارت الثامن و السبعون

رواية قلبي و عيناك و الأيام الجزء الثامن و السبعون

قلبي و عيناك و الأيام
قلبي و عيناك و الأيام

رواية قلبي و عيناك و الأيام الحلقة الثامنة و السبعون

ووقفت سيارة زايد الفخمة أمام المنزل البسيط بأحدى الاحياء الشعبية، ومضت دقائق قليلة حتى وقف الثلاثي أمام باب الشقة المرجوة، ومضت دقيقة أخرى حسبها زايد دهرًا مضى من الاشتياق لرؤيتها في يومهما هذا..!
وبالداخل كانت هي أمام مرآتها تتفقد آخر اللمسات بمظهرها، بعدما ارتدت اليوم رداءً رقيق خريفي يناسب تمامًا موسمية الطقس، ثم أتى إليها شقيقها وأغلق باب غرفتها بابتسامة دافئةً لها وقال سريعاً:
_ لما أنادي عليكي تيجي تسلمي وتقدمي العصير، لولا رجلي كنت قدمته أنا عشان عارف إنك هتبقي مرتبكة وقلقانة.
هزت فرحة رأسها بموافقة وهي تبتسم بخجل ولم تنطق بأقل كلمة، ولكنها عادت ونظرت لأنعكاس مظهرها بالمرآة، ورأت أن تلك اللمعة بعينيها والسعادة الغامرة لا تأت إلا عندما يكون القلب راضٍ يحب ويقفز فرحاً كالأطفال من سعادة لا يُعكرها عثرات الكبار.
ولحظات وكانت سمعت أصواتهم بالخارج وهم يتشاركون أطراف الحديث ببعض المرح كبداية ُمُبشرة.
ولكن الغريب أن شقيقها أتى إليها سريعاً وهي من ظنت أنه سيتمهل قليلًا قبل أن يُناديها ..!
نظرت له بغرابة حتى قال بابتسامة وهو يقترب اليها:
_ أبو زايد بيسأل عنك وعايز يشوفك.
ابتسمت فرحة وتخضب وجهها احمرارًا وهي لا زالت هنا!
فماذا عندما تقع عيناها على عيناه الحادتان كالصقر والذي يلفهما انقضاض الاسود..؟!.

 

 

خرجت على استحياء بيد شقيقها ولم تستطع النظر لزايد إلا بعدما القت السلام وانتبهت لصوته بين المجيبين، فقال والده:
_ عروستنا الجميلة حضرت، حبيت تكوني موجودة في كل كلمة هتتقال احنا مابقيناش غرب خلاص …
نظرته له فرجة بابتسامة ووقعت عيناها فجأة على زايد التي كانت عيناها اعمق مما تظن ! … ارتجفت وهي تسحب تركيزها المشتت ونظرت بعيدا عنه تمامًا … ثم قال شقيقها:
_ طب نشرب حاجة الأول ..
واستغلت فرحة تلك الفرصة الذهبية كي تنهض وتركض من المجلس لتستعيد بعض هدوئها، وعندما عادت انتبهت لابتسامة زايد المرحة وكأنه يكتم ضحكة سببها هي !.
ومرت دقائق لم تنتبه فيهم ما قيل من فرط التوتر حتى استوقفها هذا الأمر فردتت بعبوس:
_ الجواز بعد شهر ونص ..!
نظر لها الجميع وأجاب ممدوح بتفهم:
_ مالوش داعي التأخير يابنتي، طالما ربنا ميسر الأمر يبقى نعجل بالجواز أفضل.
واكيد أن زايد كان صاحب هذا القرار الهام لا شك !!، فنظرت له بغيظ لأنه فرض رأيه ولكن وجدته يصوب نحوها نظرة ساكنة دافئة لم ترى مثلها من قبل!.
كأنه بث ما يملك من طمأنينة بتلك النظرة حتى تهدأ هي لأنه لا يملك الآن حرية العناق ولو بالكلمات…!
وصممت وسايرت برضا تام كل ما قيل .. ولم يطول الاتفاق أكثر من الخمسة عشر دقيقة وكأنه اتفاق على تناول وجبة طعام سريعة! …
********
وبفندق كبير بشرم الشيخ … خاصة بجناح كبير فيه حجز مسبقا
راقب يوسف باستمتاع حميدة وهي ترتب ملابسهم داخل الخزانة الكبيرة بتنظيم وترتيب، فقال مبتسما بمرح:
_ من وقت ما وصلنا وأنتي بترتبي الهدوم وبتنظمي وقت خروجنا … ده الجواز طلع جميل أوي ، انا كنت باكل عشوائي وبنام عشوائي في أي وقت !.
وللتو قد انتهت حميدة من ترتيب الخزانة وأغراضهما وأجابت بابتسامة واثقة:
_ اومال فاكرني هرمي حاجتنا كده من غير ما ارتبها ! .. أهو دلوقتي كل حاجة هتحتاجها عارفة مكانها وهجيبها في لحظة!.
نهض يوسف من الفراش بنظرة ماكرة جعلتها تبتعد خطوات للخلف وهي تكتم ضحكة، ولكن ما أستوقفه هو صوت دق على باب الجناح ويبدو أن الطعام قد أتى أخيرًا …!
وجعلها ترتدي الحجاب اولا حتى يستطيع أن يفتح الباب، وبالفعل وجد إحد موظفي خدمة الغرف تجر الطعام على طاولة متحركة، فأخذه يوسف من الرجل مع ابتسامة شكر وبعض ال ” البقشيش” ثم اغلق الباب قائلا ببهجة وهو ينظر للطعام ذو الرائحة الشهية اللذيذة:
_ أنا جوعت أكتر من الريحة بس !!..

 

 

وأخذ يوسف الطاولة حيث هي تقف وتخلع عنها حجاب رأسها بابتسامة يملؤها الرضا والفرحة الحقيقية، ثم قربها له لتجلس جواره وقال بتصميم :
_ المرادي هأكلك بنفسي …
واستمتعت حميدة حقا بالطعام الشهي اللذيذ وتساءلت بعفوية:
_ هنخرج النهاردة ولا نخليها بكرة لما نرتاح الاول من السفر؟
ابتلع يوسف ما بفمه وقال لها بنظرة اربكتها:
_ لأ خلي الخروج بكرة ، النهاردة ترتاحي من السفر واتكلم معاكي كمان شوية براحتنا، معرفتش اكلمك كلمة طول الطريق !.
قالت حميدة مبتسمة بمحبة واضحة:
_ كنت عايز تقول إيه ؟!..
اطعمها يوسف بيده ثم راقبها وهي تمضغ الطعام وتبتلعه بشهية فقال:
_ كنت عايز أقول أن مافيش أحلى من أن الانسان يلاقي نصه التاني .. مش مجرد انه اتجوز وخلاص!، ده ساعات بيكون الجواز نفسه وحدة أكتر من العزوبية ..!
أحبت حديثه فقالت :
_ كمل … سمعاك ..
فتابع وهو يمرر يده على شعرها بنظرة دافئة :
_ مش عارف لو مكنتش لقيتك كنت هفرح كده أزاي !!، بس من أول مرة عيني وقعت عليكي عرفت أني لقيت اللي بدور عليه ، بدور على انسانة تبقى أمي قبل مراتي .. مش أي بنت ممكن تكون كده !.
واطعمته حميدة هذه المرة وقالت له بتأكيد :
_ عارف يا يوسف أنا ماعشتش زي البنات وحبيت زيهم كده ! … كنت بخاف من الشباب أوي … بس أنت أول واحد يقابلني ومبقاش حاسة بالخوف منه! … فيك حاجة بتخليني أطمن حتى لو ما قولتش أي حاجة !.
سرح بعشق بعيناها للحظات فارتبكت حميدة بخجل شديد وقطعت الصمت وهي تضع بعض الطعام بفمه وهي تضحك ….
********
وقف رعد بغرفتة هو ايضا بفندق كبير بالأقصر .. وهو ينظر بغيظ لرضوى التي مثلت النوم مرة أخرى عقب وصولها للفندق!…
اقترب منها وايقظها اجبارا حتى فتحت عيناها بانزعاج وقالت :
_ بتصحيني ليه كنت مصدعة !..
تحكم بغضبه وقال بهدوء:
_ ده شهر العسل !… لا معلش مش هتنازل أني اقضي شهر العسل زي ما بحلم بيه طول عمري!..
اعتدلت رضوى وهي تنفض الغطاء عنها بعصبية وقالت:
_ وبتحلم بإيه بقا حضرتك ؟!..
نظر لها وتبدلت عصبية للمكر الشديد حتى ادركت سؤالها وابتلعت ريقها وهي تنهض سريعاً، ثم التفتت له وقالت :
_ هجهز نفسي عشان نخرج نتمشى شوية ونتفسح …
وتركها رعد وهو يكتم ضحكته، فعلى الأقل استيقظت !! .. وبعد قليل خرجت وهي تركض للخزانة وبحثت عن شيء !، فذهب اليها رعد وهمس لها قائلا:
_ بدوري على إيه ؟! ..
قالت بعفوية :
_ الطرحة النبيتي فين؟! … والصندل بتاعها راح فين ده كمان؟!.

 

 

دهش للحظات ثم قال :
_ انتي هتلبسي الطرحة في الحمام ؟!!!
قالت بعصبية:
_ اسيب التدوير بقا وأجاوبك ؟!… متسألنيش على حاجة وأنا ضايع مني حاجة وبدور عليها!.
اقتنع رعد بحديثها وقال :
_ طب انتي بهدلتي الدولاب اللي ساعدتك في ترتيبه، مين بقا هيرتبه تاني ؟! ..
أجابت دون أن تلتفت له :
_ كل ما الدولاب اترتب كل ما الحاجة ضاعت فيه أكتر ! …
هز رأسه مقتنعاً :
_ منطق برضه..!
ثم اخرج كل شيء وجعله كومة احدة وقال مبتسما بانتصار:
_ اكيد دلوقتي هتلاقيها ..
وسحبت رضوى الحجاب التي كانت تبحث عنه وقالت :
_ على ما أخلص تكون رتبت الدولاب ده … شكرًا لمساعدتك ..
وتركته فاغر فاه من الدهشة حتى خرجت وهي مستعدة تمامًا للتنزه ، ولكنه لم يرتب الخزانة مثثلما قالت بل وضعها الثياب داخلها باهمال شديد وقال :
_ لما نرجع نبقى نرتبها سوا … مش شغال عندك أنا !!
لم تكترث رضوى لردة فعله أو بالأحرى كتمت ضحكتها وتظاهرت بالثبات حتى ارتدت حذائها في صمت ثم قالت له :
_ البس حاجة اتقل من كده عشان الجو برا برد شوية …
رد عليها بسخرية :
_ قال يعني مراتي وخايفة عليا وكده ؟! … يا رضوى ما تقوليش كده احسن اصدقك !!..
لم تبالي به وذهبت للخزانة وأخذت منها معطف خريفي مناسب ثم وضعته على كتفيه وجعلته يرتديه اجبارا وكأنه طفل !….فقال لها :
_ ما تفتكريش أني بنفذ كلامك عشان حاجة! … أنا بس بحب الچاكت ده ..
ضحكت وهي تأخذ حقيبتها وقالت:
_ آه طبعاً طبعاً..
وخرجا الاثنان من الغرفة ليستعدا لبعض التنزه بالخارج بأول ايام شهر العسل ..
*********
بينما آسر وسما كانا يتنزهان بالفعل حتى دخلا الفندق مجددًا بأحد المنتجعات السياحية … وتفاجئت سما أنه يجذبها للحديقة الواسعة للفندق والتي خصصت للسير بذلك الطقس الرائع من العام …. فقالت سما بارتباك :
_ هنروح فين ..؟
رد عليها وهو يقبض على يدها بدفء ورقة:
_ هنتمشى شوية هنا … أنتي بتحبي الورد مش كده ؟..

 

 

وقطف لها عدة أزهار حمراء وصفراء من الورد البلدي ، حتى دخلا إلى مساحة الأشجار العالية التي تخفي من تحت ظلالها ووقف آسر وهي معه يتشاركان بعض الأحاديث … وتحت غطاء الليل وللحظات مرت بشاعرية ابتعد قليلا ونظر لاحمرار وجهها وحيائها الشديد ثم قال ناظرا لها بدقة :
_ أنتي جميلة بشكل خاص، حاجة مش عارف أوصفها، بس فيكي شيء مش موجود غير فيكي ! ..
تدرجت ابتسامتها فنظرت للزهور بيدها وهي تقريبًا ترتجف ، مع دهشتها من قوله تلك الكلمات الشاعرية وهو المتحفظ الخجول! …. وتابع بنظرة ماكرة:
_ قرأت القصص اللي بتحبيها، بحاول اقلد البطل بس الفرق أنك مراتي ومن حقي كل خطوة معاكي … أنما في ابطال للروايات مقضينها من غير أي وجه حق.
ابتسمت لقوله وقالت:
_ ما هو اكيد برضو مكنتش هبقى معاكي وبنتمشى كده وأنت غريب عني !.
قال بهمس:
_ يعني أنا بقيت قريب خلاص ؟ ..
ابتلعت ريقها الذي جف تقريبًا وطلبت أن تتابع السير فطاوعها ولكن وهو يحتوي كتفيها اسفل ذراعه بحماية …
**********
وبعد انقضاء ساعات العمل ….
دلف وجيه لغرفة جيهان ولكن وجدها تتجهز للخروج !!!
نظر لساعته ولهذا الوقت المسائي وقال باستغراب :
_ أنتي خارجة دلوقتي ؟!..
ردت بابتسامة عجيبة:
_ كنت مستنياك عشان استأذنك أبات النهاردة مع سمر، حالتها النفسية بتسوء للأسف … ممكن تسيبني النهاردة ابات معاها ؟
نظر وجيه لها بصمت للحظات طويلة، ثم قال :
_ هو المبدأ نفسه عندي مش مرفوض، بس حاسس كأنك بتهربي من شيء ! …
اقتربت بابتسامتها تلك التي اكدت له صدق ظنه وقالت:
_ مش دايمًا الهروب بيكون نهايته توهة، ممكن نهرب مثلا عشان بندور على نفسنا!، بس على العموم سمر فعلا محتجاني النهاردة جنبها .. أنا اعتبرتها أختي ومسؤولة مني مسؤولية كاملة ..
فقال وجيه :
_ طالما دي رغبتك مش همنعك …
شكرته جيهان وأخذت حقيبتها وخرجت من الغرفة، ولأول مرة يأتي اليها وهي من ترفض بقائها ! … وهذا كان بيت القصيد بقصتها معه! ..
وتوجه وجيه مباشرةً إلى ليلى التي كانت تراقبه من النافذة حتى اطمئنت أنه عاد بأمان للمنزل وعادت هي لفراشها بقلب ملتهب من الغيرة والألم … ولكن فجأة وجدته يدخل غرفتها بوجه مبتسم ويبدو أن تلك كانت أمنيتها الآن ! ..
فركضت له بضمة طويلة من اللهفة فقال بمرح :
_ وحشتك للدرجة دي ؟!
اجابت وهي ما زالت متمسكة به :
_ منعت نفسي بالعافية أني ما انزلش واستناك عشان جيهان ما تزعلش … أنا زهقت من المشاكل.
مرر يده برقة على رأسها وقال :
_ جيهان استأذنت وراحت بيت والدها عشان عندها ضيوف هناك.
دهشت ليلى للحظات ولكن تبدل عبوسها لابتسامة تتسع وهي تقول:
_ يعني هتفضل معايا النهاردة ؟

 

 

هز رأسه بابتسامة وتأكيد … وعاتبها بمشاكسة وقال :
_ قولتيلي هتبعتيلي جوابات وعشمتيني وخليتي بيا ؟! … بقا أنا دكتور وجيه الزيان يضحك عليا بعد العمر ده ؟! …
فضحكت ليلى ملء فمها ثم قالت :
_ كنت هبعتهولك بكرة، بس معرفتش اخلصه من تفكيري فيك …
وقال بنظرة دافئة:
_ لسه بتفكري فيا بالشكل ده حتى بعد جوازنا ؟!.. كنت خايف مشاعرك تقل !.
مرتت يدها على جانب وجهه بلافتتها المحببة له وقالت وهي تنظر لعيناه بعمق:
_ مش بعد السنين دي كلها تفكر التفكير ده !… أنت مش بتطلع من بالي لحظة ! … لو مش حب يبقى خصام … بس حتى الخصام بيبقى بسبب أني بحبك ! …
ولم يعرف ما تفعله تلك المرأة به كي تجعله يكتفي بها وحدها عن الجميع، يعشق كل شيء معها حتى لحظات الخلاف تكون جذابة له!! .

وفي تلك المدينة السياحية “دهب” بجنوب سيناء.
غربت الشمس على رمالها الذهبية وعكست مشهد خلابًا يسحر العيون بروعته..
وأمام “شاليه” يطل على البحر مباشرةً غاصت اقدام جاسر بالرمال وهو يسير بروية ويديه بجيوب سرواله الجينز القصير، وبدا شاردًا تمامًا وكأنه يعقد اجتماعا مع أفكاره الخاصة..!
كانت آخر محاولاته للاقتراب مضت منذ ساعات قليلة، عقب وصولهما للشاليه مرورا بفترة استرخاء ليست قصيرة على أي حال .. ولكن صفعه رفضها مجددًا، رفض مع خوف يزداد مع كل محاولة للقرب!، حتى شعر أنها مرعوبة منه!..
لم يكن بيديه شيء سوى التراجع ومحاولة نزع هذا الخوف منها بابتعاده!، ولكن إلى متى؟! .. وكيف يخبرها مدى احتياجه لها وهي حتى ترفض الحديث من قريب أو بعيد بهذا الشأن ..!
وفجأة شعر بأنفاس قريبةً منه!، التفت جانبًا فوجدها على بُعد خطوة منه، بفستانها الشيفون الـ ” التايجر” وحجابها الذي يشبه لون القهوة … كانت جميلة بعذاب..!
جميلة مثل وردة نادرة الجمال يحاوطها الشوك المميت!.
لا توهب من جمالها سوى النظر فقط!
نزع عينيه من عليها بصعوبة وتابع سيره وكأنه يعاتبها بالصمت ! … ريثما أن بعض العتاب لا تليق به الكلمات والمناقشة، شيء لا تعبر عنه الكلمات ولا توجد مصطلحات تفسر شدة الأذى منه ..!
قالت بصوت به رجفة واضحة وكأنها تريد الاعتذار وتخشى نتيجة الأسف:
_ عارفة أنك زعلان مني، بس أنت ..
قاطعها دون أن يلتفت لها:
_ أنا مش عايز اتكلم في اللي حصل يا جميلة … بعد أذنك.
اسدلت جفنيها بنظرة معذبة، وسكتت عن أي رد دون تفكير، ريثما أنه لم يخطئ في شيء، وأن حكمت بالأمر فهي المخطئة .. ولكن هناك أخطاء لم نرتكبها، لم نمضي اليها حتى بطرفة عين، ولكنها تلتصق فينا وتحملنا ما لا طاقة لنا به، الجميع يراها أخطاء .. بينما هي في حقيقتها إبتلاء لا يد لنا فيه!.
نظرت له وقالت بعدما ابتلعت ريقها بصعوبة:
_ طب ممكن أتمشى معاك ..؟
نظر لها نظرة طويلة، كأنه أراد ذلك بالفعل ولم يفصح عنه، وهز رأسه موافقاً وسارت بجانبه في هدوء تام، هدوء غلّفه صوت ارتطام الأمواج بالصخور وبعض الطيور المغردة بالأفق.
ليقول جاسر وقطع الصمت بينهما فجأة:

 

 

 

_ عارفة ليه اخترت الشاليه ده ولغيت حجز الفندق ؟
ورغم أنه توقعت الإجابة ولكنها أرادت أن تسمعها منه كاملةً لربما كان هناك شيء لا تعرفه فقالت:
_ ليه ..؟!
وقف وأخذ نفسا عميق قبل أن يجيب وانتظرته هي بشوق فقال:
_ عشانك .. حاسس أنك محتاجة الهدوء والانفراد أكتر الفترة دي، كنت متوقع أن هيحصل بينا جدال وكلام فغيرت كل الترتيبات … عشانك.
طفرت عينيها دموع ساخنة وقالت بصدق:
_ أنت عارف أني بحبك .. بس لما بتقربلي بحس فجأة أني عايزة اصرخ وببقى مرعوبة!، صدقني أنا مش ببقى عايزة أبقى كده!.
رأى بعينيها شيء من الاستغاثة! … نداء مروع للنجدة!، كأنها بآخر مراحل الأمل من أمر ميؤس منه! … وكره أن يرها هكذا فقال وهو يأخذ يديها بلطف شديد ويربت عليهما بدفء:
_ في حل يا جميلة … اكيد كل شيء وله آخر، فترة وهتعدي .. أنا متأكد.
بدأت تجهش بالبكاء فقالت وهي تتلعثم بكل كلمة:
_ يعني .. مش هتسيبني ..؟!
وأضاف نكهة المرح لحديثه كي تهدأ جميلته:
_ هو بعد التايجر عايزاني أسيبك ؟! .. كويس أني لغيت حجز الفندق وخطفتك هنا عشان نبقى لوحدنا..
وابتسمت بين دموعها، كان لُطفه بتلك اللحظة المؤلمة كالعناق!.
**********
وكانت الصغيرة نائمة بغرفتها بعدما بكت كثيرًا فور أخبارها بعدم مجيء أيسل صديقتها اليوم … وفجأة استيقظت الصغيرة على صوت فتح الباب وصوت أيسل تهتف بسعادة:
_ ريميـــــه يا ريمــو…
اعتدلت الصغيرة ريميه بلحظة في فراشها وابتسمت ابتسامة واسعة وهي تفتح ذراعيها بترحيب حار :
_ أيسل يا إيســـــو …
وركضت أيسل إلى صديقتها بمحبة شديدة وتعانقا وهما يضحكان بفرحة غامرة، وراقبهما ليلى ووجيه بنظرات حنونة مليئة بالمحبة، فهمس وجيه إلى ليلته وقال:
_ كنتي قلقانة عليها، اديني جبتلها أكتر حد ممكن يفرحها ..
وضعت ليلى يدها على قلبها وقالت :
_ قلبي بيوجعني لما بشوف دموعها، طول اليوم بحاول أخليها تهدأ بس مافيش فايدة!، أيسل وجودها بالنسبة لبنتي بقا ضحكتها! … ياريت لو بإيدي كنت خليتهم مع بعض على طول ..
رد وجيه وهو يحيط خصرها بذراعه برقة وقوة بآنّ واحد:
_ عشان أيسل تقريبًا في نفس عمرها قدرت توصل لعقلها بسرعة ويبقوا صحاب، وعلى فكرة وجود أيسل في حياة ريمو نعمة من ربنا …
هزت ليلى رأسها بموافقة وقالت:

 

 

_ عندك حق، بنتي بقت بتلعب وبتضحك وبتتنطط، بطلت تخاف زي الأول وتقوم من النوم بتصرخ ! … بقت بتضحك بسهولة! .. الأول كنت ممكن أقعد اليوم بحاله عشان بس اخليها تبتسم!.
طمأنها وجيه وقال بدفء:
_ ولسه يا ليلى، أنا عند وعدي، ريميه هتبقى أهم وأقوى شخص في عيلة الزيان، بنتي مش هتكون بنت عادية أبدًا …
نظرت له ليلى بمحبة شديدة وقالت:
_ ريميه بالذات عايزاها تبقى زيك يا وجيه، معرفش أزاي … بس علمها تبقى شبهك في كل حاجة، عشان بجد أبقى مطمنة عليها.
اوكأ رأسه رافضا وقال بنظرة تصميم وتأكيد :
_ هتبقى أحسن وأذكى مني بكتير، ريميه ليها حسابات تانية في دماغي برتبهالها من دلوقتي … بس خليكي فاكرة كلامي يا ليلى، ريميه اللي خايفة عليها بالشكل ده … هي اللي هتكون رقم واحد في العيلة كلها.
ومالت ليلى برأسها على صدره سعيدة بتصميمه وحنانه على صغيرتها.
وأخذ وجيه ليلته إلى لياليهما وتركا الصغيرتان يضحكان ويتمازحان …. همست أيسل وهي تحاول السيطرة على ضحكاتها:
_ فضلت اعيط واقع في الارض وأمثل أني عيانة عشان يخلوني أجيلك … ماما كانت رافضة، بس بابا جالي وقالي قومي يا ماسنجر هنروح لريمو أنا عارف أنك بتمثلي…
ابتسمت ريميه بمرح وقالت:
_ وعملتي ايه ؟
ضحكت أيسل وقالت:
_ مش هو قالي قومي ؟ .. قومت، ارفض لبابا طلب يعني ! ..
وانخرطا بموجة ضحك طويلة ثم قالت أيسل باقتراح:
_ كلمت الميس بتاعتي بتاعت الباليه عشان تيجي معايا زي ما وعدتك ..
سألت ريميه باهتمام :
_ وهي وافقت ؟
اكدت ايسل :
_ طبعاً، ما أنا اللي كلمتها لازم توافق !.
وضعت ريميه أصبعها بفمها في عبوس ثم قالت ببراءة:
_ بس … بس أنا مش شايفة حاجة هتعلم أزاي !.
ردت أيسل مؤكدة:
_ أنا كلمتها عنك يا صاحبوتي، وكمان أنا هبقى معاكي دايمًا .. مش تخافي.
عبست ريميه وظهر الضيق على محياها وهي تقول:
_ هيضحكوا عليا ..

 

 

هتفت أيسل وقالت بتأكيد :
_ اللي هيضحك عليكي هشده من شعره وأعضه، محدش يقدر يكلمك وأنا معاكي، كلهم بيخافوا مني هناك.
ابتسمت ريميه على مضض وبالفعل اطمئنت … ثم بدأ يلعبان بجميع الدمى واللعب الموجودة بالغرفة.
*********
وانتهت مقابلة والد زايد على اتفاق مقنع بعض الشيء فقال:
_ يابنتي زي ما فهمتك كده،كل المصاريف اللي هتصرفيها في الجهاز صدقيني مالهاش داعي، أنا اللي أصريت أن زايد ما يخرجش من الفيلا، يعني هيبقى ليكم جناح خاص بيكم وده في أسبوع يتجهز … في المستقبل أن شاء الله لما يبقى ليكم بيت لوحدكم أبقي اصرفي فلوسك كلها على الترتيبات .. خلي فلوسك باسمك في البنك زي ما هي.
رد حسام شقيق فرحة بعد الاصرار التام من زايد ووالده على هذا الاقتراح:
_ زي ما قولت، فلوس جهازها هتتحط باسمها في البنك …
قال فادي وهو يتنفس الصعداء:
_ أخيرًا وافقت !! … مكنتش عارف إنك عنيد للدرجادي!.
وتشارك الجميع الابتسامات لبعضهم البعض .. وتمت قراءة الفاتحة على خير ثم انتهت الزيارة على أن عقد القران سيكون بعد شهرا ونصف الشهر من الآن… فوجد والد زايد أن لا داعي للتأخير دون مبرر لذلك وجميع الاطراف على رضا تام ووفاق وتفاهم…
وانتهت الزيارة ورحل عائلة زايد الصغيرة .. ووجدت فرحة أن شقيقها ظل جالسا وشاردا للبعيد …. فجلست بجانبه وربتت على ذراعه وهي تقول بقلق:
_ سرحان كده ليه ؟!
تنفس حسام بقوة وقال :
_ كان نفسي أجهزك وتخرجي من البيت ده مش ناقصك حاجة، بس زايد وابوه صمموا على رأيهم ! …
قالت فرحة وهي تحاول أن لا تظهر ضيقها من هذا الامر:
_ ما هو عشان انا وزايد هنعيش في مكان في الفيلا مش هياخد غير عفش قليل ! … يبقى فعلا مالوش لزوم كل اللي هجيبه، بس انا عارفة السبب الحقيقي اللي مضايقك .
نظر حسام لشقيقته وقاوم الدموع بكامل قوته ثم قال بعدما خذلته المقاومة:
_ كلها شهر ونص وهتمشي ! … على قد ما فرحان أنك هتتجوزي وهتفرحي وهيبقى ليكي أسرة وحياة ، بس مش عارف هقدر على بُعدك أزاي ! ..
ضمته شقيقته بعدما ادمعت عيناها أيضا وقالت :
_ والله هتخليني ارفض اتجوز خالص! .. لا زايد ولا غيره.
اومأ حسام رأسه برفض شديد وقال وهو يمسح عينيه ويبتسم بمشاكسة:
_ معلش لحظة ضعف وعدت … آه ممكن يبقى الامر صعب بس هتعود وبعدين هتلاقيني عندك كل شوية ! … وكام سنة واتجوز أنا كمان ولا هفتكرك أصلا!!
قالها بمشاكسة فاغتاظت منه فرحة وقالت :
_ تتجوز آه ، تنساني نوووو ..
وضحك ثم قال لها بمحبة:
_ زايد بيحبك يا فرحة، وهيعوضك عن أي حزن شوفتيه.
ابتسمت فرحة وتورد وجهها أكثر ثم قالت متظاهرة وهي تنهض:
_ جعان أقوم احضرلك العشا؟
رد عليها وهو يتثاءب:
_ لأ … هروح أنام عشان عايز أصحى بدري، تصبحي على خير.
قالت :
_ وأنت من أهله.
ودلفت لغرفتها، وبيدها الهدية الملفوفة بغلاف هدايا مميز، وتلهفت أن ترى ما فيها وما تحتويه .. حتى ما أن جلست على الفراش فوجدت هاتفها مضاء بأشعار رسالة …
لم تظن أنها منه فهو من المفترض في الطريق إلى منزله !
فتجاهلتها وبدأت تفتح الهدية … حتى وجدت قطع كثيرة من أفخم أنواع الشيكولاته وعلبة مطرزة مدون عليها اسم محل شهير لبيع الجواهر والمصوغات.
فتحت الُعلبة لتشهق من روعة تلك القلادة ذات اللون الفضي اللامع بانبهار … !
ولكنها ليست فضة ، يبدو معدنها وكأنه الماس !
وكلمتان ملتصقتان ومعلقتان داخل قلب صغير بالقلادة .. نطقت الكلمتان ببطء وابتسامتها تتسع :
_ زوجتي الحبيبة ..

 

 

نظرت امامها شاردة وهي تبتسم بدفء وقطع عليها التفكير وصول رسالة أخرى … فنظرت للهاتف بشك وأخذته لترى من المرسل !
لربما كانت تلك الرسائل السخيفة التي تذكرها بأن تسدد الرصيد المُستلف! …
ولكن وجدت رسالة نصية من رقمه وكان نصها فحواه:
_ شهر ونص، ٤٥ يوم من النهاردة .. وتبقي ليا للأبد .. عجبتك الهدية ؟
والرسالة الثانية كانت :
_ ماتنسيش تلبسيها من دلوقتي … عايز أشوفها عليكي بكرة لما تيجي المكتب، وعلى فكرة .. كنتي قمر النهاردة .. ولا بلاش عشان أنتي بتزعلي من الكلام الحلو وبتحسسيني أني بجح.
ضحكت فرحة وهي تقرأ رسالته الأخيرة … ونهضت سريعا للمرآة وارتدت القلادة وهي تكاد تقفز من السعادة كالاطفال … ولمست القلادة وهي تنظر لروعتها على عنقها… حتى تنفست اطمئنان !
ليس من القلادة بحد ذاتها، بل بتلك الكلمات البسيطة المدونة عليها … ما أجمل أن تكون المرأة زوجة لرجلا تحبه يا ترى ؟! …
*********
واغلق زايد هاتغه وهو يبتسم بمكر ولا زال في السيارة السائرة بالطريق حتى المنزل … وأخذ والده منه مهمة القيادة …
نظر فادي جانبا بابتسامة واسعة وقال :
_الواحد حاسس أنه نفسه يتجوز ناو ! … قد كده الحب حلو يا برو ؟
رد والده عليه بمزاح :
_ بلاش تغلس على أخوك وسيبه ..
اتسعت ابتسامة زايد وهذا كان نادرا ما يحدث ! … وقال لشقيقه:
_ الحب حلو مع الشخص الحلو في الوقت الحلو … والعكس صحيح.
همس له فادي بمكر:
_ عينك كانت هتطلع على البنت !، أنا خوفت عليها منك يا شرير ! …
نظر له زايد وكتم ضحكته ثم شد أذنه قائلا :
_ ده أنت مركز بقا ؟! …
ضحك فادي بصوتٍ عال وقال معتذرا:
_ مش تركيز والله بس أنت اللي كنت أوفر حب! …
وفي خضم مازحهما اتصلت نوران على هاتف زوجها وأجاب الآخر وهو ينظر للطريق:
_ خلاص احنا في الطريق .. نص ساعة بالكتير وهنكون عندك.
قالت الأخرى بعصبية :
_ لا أنا مش بتصل بيك عشان اسألك أنت فين!، أنا بتصل بيك عشان أقولك أني سيبت الفيلا أنا وأبني وروحنا الشقة بتاعت التجمع … طالما وجودنا مش مرغوب فيه ليك أنت وأبنك! …
وقبل أن يجيب ممدوح اغلقت نوران الاتصال ! … فزفر الرجل زفرة غيظ شديدة وتابع قيادة السيارة في صمت …
**********
وبينما عم السكون على منزل عائلة الزيان ولجأ كل فرد لغرفته نهضت ليلى من فراشها حتى تطمئن على صغيرتها … حاوطها ذراع وجيه فابتسمت له بمشاكسة وقالت :
_ هروح اطمن على ريمو وجاية … بحب كل شوية اروحلها اطمن عليها..
وتركها بابتسامة وعاد نائمًا في هدوء …. فربتت على رأسه بقبلة سريعة على جبهته ونهضت … وارتدت روبها الثقيل وحجاب للرأس وخرجت من الغرفة …
وبينما وهي تسير لغرفة أبنتها مبتسمة حتى ظهر أمامها شبح أسود !! …
تجمدت ليلى وكاد قلبها أن يتوقف عن الخفقان وهي تنظر لتلك العينان الكحيلتان الناظرتان بشر ! …
وللوجه الذي لا يتضح منه سوى الك العينان المكحلتان بالسواد كعيني شبحا مخيف! ….
وردد الشبح الاسود اسم هز قلب ليلى بذعر:
_ ورد … ورد، رجعتلك يا ليلى … هدبحك أنتي وبنتك …
وهنا ظهر أمام ليلى اطياف من الذاكرة مرت أمامها كأصوات الرعد ! …. وصرخت بأعلى صوتها وهي تسد أذنيها بقوة ….

يتبع…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *