روايات

رواية قلبي و عيناك و الأيام الفصل السابع و السبعون 77 بقلم رحاب إبراهيم حسن

رواية قلبي و عيناك و الأيام الفصل السابع و السبعون 77 بقلم رحاب إبراهيم حسن

رواية قلبي و عيناك و الأيام البارت السابع و السبعون

رواية قلبي و عيناك و الأيام الجزء السابع و السبعون

قلبي و عيناك و الأيام
قلبي و عيناك و الأيام

رواية قلبي و عيناك و الأيام الحلقة السابعة و السبعون

اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت ربي، وأنا عبدك لمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعاً، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك، والخير كله بيديك، والشر ليس إليك، تباركت وتعاليت، أستغفرك وأتوب إليك.
صلِ على النبي 3مرات
لا حول ولا قوة إلا بالله 3مرات
~.. خطوبة منتظرة ..~
وبهذا الصباح جلست جيهان بمقعد المرآة تطلع بانعكاس وجهها، بينما يدها تطوف على تموجات شعرها بتمشيط هادئ بطيء، وبأوج شرودها اعتدل وجيه بفراشه في كسل وقال وهو يتثاءب:
_ الساعة كام دلوقتي ..؟
ولكن يبدو أن جيهان لا زالت في تلك الزاوية البعيدة في خيالها ولم تنتبه، فتطلع بها وجيه وكرر سؤاله بهدوء وبنظرة أكثر دقة، فتنهدت أولا ثم قالت بعدما عادت إلى أرض الواقع:
_ لسه فاضل ساعة على ميعاد شغلك.
وظن أنها لا زالت متأثرة بتفاصيل الأمسية الفائتة، وأن حديثه خدش مشاعرها ربما!، فقال بلطف:
_ تعالي يا جيهان عايز اتكلم معاكي.
ونظرت لأنعاكسه بالمرآة أمامها وقالت بنظرة جدية:
_ هنتجادل على الصبح كده؟!.
ابتسم لها ابتسامة لطيفة وأجاب:

 

 

_ لا ده مش جدال، تقدري تعتبريه اعتذار لو حبيتي.
ابتسمت جيهان ابتسامة تنم عن مدى عدم اقتناعها، وأن وجب الاعتذار فيجب تكون هي من تعتذر، لنفسها أولًا، ولنفسها أخيرًا، ولكن نهضت بحركة وكأنها آلية ومضت إليه ثم جلست وبدا على وجهها اللاشيء!.
فرمقها وجيه وبنفسه التعجب منها، هي أبدًا لم تكن غامضة لتلك الدرجة إلا عندما تدخل الطرف الثالث باللعبة، والذي لم يكن سوى طرف أول من الأساس!.
ترك أفكاره جانبًا وقال لها مبتسما ابتسامة خفيفة:
_ أنتي زعلانة مني يا جيهان ..؟
ونظراتها ثبتت عليه دون إجابةً واضحة، لا بالنفي ولا بالثبوت!، وضاق من صمتها!، وظن أنها تحمل له ثقلا كبير على قلبها، ولكنها كانت تائهة ولا تعرف لمن تلقي اللوم!.
فعاد قائلا بجدية:
_ ساكتة ليه ..؟!
قالت ولم تأخذ وقت للتفكير:
_ ساكتة لأني مش لاقية إجابة أرد بيها، عارف لما توصل لمرحلة أنك مش عارف أن كنت غلط ولا صح؟!، بتحاول بكل جهدك تعرف مين السبب في التعاسة اللي أنت عايشها!، ومين وصلك للي أنت فيه من البداية!، أنا ببصلك وأنا مش عارفة أن كنت زعلانة منك فعلا ولا عايزة أقولك أنا أسفة!.
سؤالك عشان أرد عليه محتاج مني اعيد كل حساباتي وأشوف أن كنت ظلمتني ولا أنا اللي ظلمت نفسي من البداية..!
بعد تنهيدة ثقيلة قال بكل صدق:
_ أنا بحاول بكل اللي أقدر اعمله اني ما اظلمكيش، خلي ده في حساباتك.
قالت جيهان بابتسامة شيء مفاجئ لم يتوقعه:
_ روح لليلى يا وجيه، أنا زعلتها امبارح ومكنش في فرصة تصالحها، قوم دلوقتي وروحلها.
وصدم منها ومما تقوله، وقبل أن يتحدث وضعت جيهان أصبعها على ثغره وقالت بنفس ابتسامتها:
_ أنا مصرة انك تروحلها تصالحها، عشان خاطري.
واطرف وجيه عينيه عدة مرات حتى يتأكد أن من تتحدث هي جيهان وليست ليلى!، فأنزلت جيهان يدها وغمر وجهها المرح كأنها تحررت داخليًا من شيء:
_ أنا هروح لسمر الفيلا أطمن عليها، بعد أذنك يعني … ممكن؟.
رد عليها بنظرة تتفحصها بدهشة:
_ مافيش مشكلة، بس ما تتأخريش.
هزت رأسها بموافقة، وقالت وهي تتوجه للحمام:
_ روح لليلى يا وجيه، اكيد بايته الليل بتعيط..!
وعندما اغلقت باب الحمام عليها تسمرت عينا وجيه صوب الباب مفكرا باستغراب ودهشة!، ماذا يدور بعقل النساء ؟! وما خلف ابتسامتهن بأوج الخلاف يا ترى؟! .. مسح على رأسه بيده ولم يستطع فهم ما يدور برأسها وتمنى ان لا تكون تدبر لشيء ..!
*******
وبغرفة الجد رشدي …
دلف وجيه للغرفة بعدما أرسل أبيه في طلب مجيئه لأمرا هام، فاقترب وجيه لوالده الجالس على فراشه وقال باهتمام:
_ صباح الخير يا بابا، طلبت أني اجيلك وده معناه في شيء مهم.
ابتسم الجد رشدي وقال :
_ صباح الخير يا حبيبي، هو مهم ومش مهم، أقصد يعني مافيش حاجة تقلق.
وتابع بأكثر ايضاحا:
_ بصراحة يعني من وقت ما قولتلي أن ليلى حامل وأنا ببات أحلم بالطفل ده، نفسي أشوف خلفتك قبل ما أموت.
ربت وجيه على يد والده بحنان ورفق قائلا:

 

 

_ ربنا يديك الصحة ويباركلنا فيك يا بابا، بس أنا حاسس أن في حاجة تانية؟
اقترح الجد رشدي وقال:
_ الحقيقة بقا أنا مش عايز ليلى تتحرك كتير، خايف عليها وعلى اللي شيلاه، وبرضو مقدرش أقولها ما تروحش تزور والدها، بس كتر الاجهاد عليها في الفترة دي غلط، معلش يا وجيه انا يمكن بدخل في خصوصياتكم بس صدقني يابني أنا اتعلقت بالطفل ده من قبل ما أشوفه ومنى عيني أشوفه النهاردة قبل بكرة.
ابتسم وجيه وقال متفهما مشاعره:
_ أنا فاهمك وحاسس بيك، ليلى متابعة خطوة بخطوة مع دكتورة نسا عندي في المستشفى، ما تقلقش عليها، وبعدين انا كنت اقترحت على جدها يجيب والدها هنا ولكنه رفض وأصر كمان، وطبعا ماينفعش أمنعها تزور والدها!، بس عمومًا احنا ماشيين تمام مافيش قلق الحمد لله.
اقتنع الجد رشدي وعاد اليه الارتياح وقال بابتسامة ماكرة:
_ طب الحمد لله، اما اروح بقا اصبح على الولاد، بصراحة اتحرجت اروحلهم امبارح وقولت اسيبهم براحتهم.
رد وجيه مبتسما ابتسامة واسعة وقال:
_ أنا بعتلهم كلهم ينزلوا ونفطر مع بعض كلنا، هما هيسافر بكرة الصبح لشهر العسل، فهستغل النهاردة ونتجمع قبل ما يسافروا.
قال الجد ببهجة:
_ ده هيبقى أحلى فطار، اخيرًا حلمي اتحقق واتجمعوا.
تنهد وجيه بارتياح وقال:
_ وقلبي اطمن عليهم أنهم هيبقوا معانا في بيت واحد ويتلم شمل العيلة اخيرًا.
******
انتبهت فرحة وهي بالمكتب لخطوات تقترب منها، وببادئ الأمر خمنت أنه أحد الزبائن ولكن تفاجئت أنه والد زايد .!
نهضت بحركة سريعة وقالت مبتسمة بارتباك:
_ حمد الله على سلامة حضرتك.
رد ممدوح والد زايد بابتسامة لطيفة:
_ الله يسلمك يابنتي، اخبارك إيه ؟
أجابت فرحة بابتسامة وبدأت تستعيد هدوئها بالتدريج:
_ الحمد لله.
اتسعت ابتسامة ممدوح وقال بمرح:
_ تعرفي يا فرحة أني آخر مرة قابلتك فيها حسيت انك هتكوني مرات أبني زايد، مش عارف ليه بس خطرت في بالي الفكرة وقتها.
تخضب وجه فرحة بالاحمرار وابتسمت وهي تنظر للأسفل بحياء فقال ممدوح بابتسامة ماكرة:
_ بس خلي بالك، زايد عمره ما فتح موضوع الجواز ولا فكر يتجوز بجد قبل كده، وده معناه أنه فعلا شاريكي.
ولم تعرف فرحة أي شيء تقول، كل ما شعرت به ان قلبها يتسارع في دقاته حد الجنون والسعادة، فأضاف الرجل قائلا:
_ اتمسكي بيه لأنه فعلا يستاهل، يستاهل الفرحة، ويستاهل بنوته زيك.
وهنا فتح زايد باب مكتبه بوجه عابس وواجم من معرفته بسرقة الملف، ولطن لفت نظره وجود والده فتبدل عبوسه لتعبير هادئ وهذا كان أقصى ما لديه اتجاه والده فقال:
_ حمد الله على سلامتك.
مضى اليه والده بعناق وقال:
_ الله يسلمك يا زايد، وحشتني جدًا جدًا.
ولاحظت فرحة أن العلاقة بين زايد ووالده ليست علاقة طبيعية، بل يشوبها بعض الجفاء والغموض!، ريثما أن والده دائمًا ما تلاحظ أنه يتودد له بينما زايد يقابل ذلك باللامبالاة والردود الباردة!.
وبالفعل لم يرد زايد على والده، وتقبّل الآخر الأمر ومرره سريعاً، ثم قال بجدية:
_ هنجيلكم البيت أنا والمدام وزايد بكرة يا فرحة، بأذن الله.

 

 

وكانت تعرف فرحة أن ما ان يعود والد زايد سيتقرر فورا موعد المقابلة العائلية، ورغم ما يمر به زايد من ضيق ولكنه تطلع بها بنظرة دافئة يلفها الاشتياق لأن تكون زوجته اليوم قبل غد!.
وبعد مغادرة ممدوح لمكتبه واستئناف العمل بالشركة، وقف زايد عابسا مرة أخرى وشاردا!!، وشاهدته فرحة بحيرة فقالت:
_ سرحان كده ليه ؟..
صوب عينيه عليها بتفكير وقال:
_ مين اللي بيدخل مكتبي غيري أنا وأنتي يا فرحة؟
وتفاجئت فرحة بالسؤال، وادركت أن ربما يكون هناك شيء مفقود من مكتبه ويبحث عنه فسألته:
_ على حد علمي مافيش، بس بتسأل ليه فيه حاجة حصلت ؟
وحتى لا يجعلها تقلق دون فائدة قال:
_ لا مافيش، بس سؤال جه في بالي، عمومًا أنا هخرج شوية عندي ميعاد مهم، بس اللي يسألك عني قوليله عنده معاد مع الدكتور وراحله.
وأشار لجبيرة قدمه فقالت بحيرة أكثر:
_ ميعاد مهم؟!، أنا مش مسجلة أي مواعيد خارج المكتب خالص!، ممكن اسألك لو مش هضايقك يعني؟!.
ضيق زايد عيناه بخبث وأجاب:
_ هو لازم تعرفي كل تحركاتي؟! .. في مواعيد ممكن تكون خاصة بيا محدش يعرفها غيري!.
صرت فرحة على أسنانها بعصبية ونظرت للحاسوب وتجنبته، فقال مبتسما بمشاكسة:
_ مواعيد شغل ما تفهميش غلط!!.
قالت له بغيظ :
_ ولما هي مواعيد شغل مش عايز حد يعرفها ليه ؟! …
قال زايد بابتسامة ماكرة:
_ دي أسرار شغل! .. ٣ساعات وراجع ..
هتفت فرحة بعصبية :
_ ٣ ساعات …؟!
التفتت لها بابتسامة مستفزة وقال:
_ فعلا مش كفاية … اكتبيني غياب النهاردة.
وقبل أن يخرج من المكتب صرحت به بوجه تخضب كالدماء :
_أستنى عندك … أنت رايح فين أنت ؟!.
استدار زايد مرة أخرى وهو يرسم الجدية على وجهه رغم ما يشعر به من مرح:
_ نعم ..
استفزها هدوئه فصاحت:
_ رايح فين ؟!
رد بهدوء مستفز:
_ عندي ميعاد ..
تساءلت بانفعال:
_ ميعاد إيه وفين ؟!
رفع حاجبيه تعجبا من طريقتها وقال:
_ الاسئلة دي مش من ضمن شغل السكرتارية ؟! ..
زمت شفتيها بعصبية ثم نظرت له وهتفت:
_ هو مش انت جاي تتقدملي بكرة ولا أنا بتخيل ؟!..
ابتسم زايد بمرح وقال :
_ وبناءً على كده هقولك أنا رايح فين، بس محدش يعرف.
قالت بغضب:
_ قول !!!..
رد زايد وهو ينظر لها مبتسما ومنتظر ردة فعلها:
_ كان عندي اجتماع النهاردة مع المهندسين، بس جدت شوية ظروف كده هبقى احكيلك عليهم بعدين خلتني اغير مكان الاجتماع، وده سر محدش يعرفه غيرك، وماينفعش مخلوق يعرفه … ينفع بقا أمشي ؟
هربت فرحة بعيناها منه احراجاً وقالت بارتباك:
_ ينفع .. هو أنا يعني منعاك !.
رد زايد بسخرية:
_ لا طبعاً … بس كان زماني وصلت لولا أسئلتك!.
وخرج من المكتب وهو يضحك، فزمت فرحة شفتيها بضيق وعادت جالسة بمقعدها ثم قالت:
_ إيه الغباء اللي أنا بعمله ده ؟!…
وعادت لعملها والسؤال يتردد بذهنها مرارا وتكرارا! …
*******
وذهب وجيه لغرفة ليلى التي اغمضت عينيها فورا عندما شعرت بدخوله للغرفة، ابتسم بمكر وقد لمح تلك اللافته ولكنه تظاهر بالعكس ….
اقترب منها وربت على رأسها برفق قائلا:
_ لسه نايمة !.. وأنا اللي كنت بفكر … ولا بلاش …
قالت ليلى وهي تفتح عيناها:
_ كنت بتفكر في إيه ؟!
ابتسم بمرح وقال :
_ مش هقول …
اعتدلت في الفراش وقالت وهي تنظر له بغيظ :
_ وأنا مش عايزة أعرف ..!
وهنا تركته قرب الفراش ونهضت لكي تأخذ منشفة وتذهب لروتين استحمام الصباح فجذبها اليه ونظر لعيناها متمعنا وقال:
_ شكلك سهرتي طول الليل مش كده؟! … عينيكي محمرة وشكلك معيطة كمان!.
هتفت به وهي تبتعد عنه:
_ أنت اللي مستفز بكلامك ! …
وفهم الآن ما احزنها، ربما مزاح عابر يمكث بقلب أحدهم ويعجز عن الحركة! … فقال معتذرا:
_ حقك عليا، مش هزعلك تاني … بس قوليلي ريميه وأيسل فين ؟
أجابت ليلى بثبات:
_ محبتش اخليها معايا وتشوفني في الحالة دي، خليتها في اوضتها مع ايسل والدادة وكنت بطمن عليها كل شوية … وأنت السبب !..
هنس بأذنها لكونه يعرف أنها أيسر من تتراضى بأقل الكلمات:
_ كلمتين هزار يعملوا فيكي كده؟! …
نظرت له بعتاب فابتسم وقبل رأسها بنظرات تحب مفادها … وبعدها كأن شيء لم يكن، ابتسمت له وقالت :
_ قولي بقا كنت بتفكر في ايه ؟ …
حاوطها بذراعيه وقال:
_ هاخدك معايا اوصلك لبيت جدك عشان تزوري والدك، هسيبك هناك طول اليوم ،وآخر اليوم هاخدك بس مش هنرجع على هنا، هنروح الفندق اللي روحناه قبل كده … إيه رأيك يا ليلتي ؟

 

 

ابتسمت بسعادة وهي تضبط له ياقة معطفه ثم قالت:
_ هي دي فيها رأيك ؟ … متسألنيش تاني.
ابتسم بنظرة ماكرة:
_ هخطفك على طول لهناك …
بعد لحظات ابتعدت عنه وذهبت لخزانة الملابس تنتقي منها المناسب وقالت:
_ دقايق وأكون جاهزة …
********
دلف يوسف وحنيدة لغرفة الصغيرة ريميه متسللين، ابتسمت حميدة وهي تتبعه للغرفة، فعندما عرفا من المدبرة كم مرة سألت عنهنا الصغيرة أتيا إليها دون تردد … ولكن تفاجأ يوسف بأن أيسل ابنة الدكتور محمود تقف وتكتب شيء على أحدى الحوائط !…. فقال يوسف بتعجب:
_ بتعمل ايه يا فتحي ؟؛ ..
اجابت أيسل بغيظ من الالقاب الذي يرميها بها:
_ خليك في حالك يا يوستفندي …
كتمت حميدة ضحكتها بينما يوسف تأمل ما تكتبه أيسل، وانتهت الأخيرة وقالت بحماس:
_ ريميه ريمو وأيسل إيسو صحاب على طول … محدش يمسحها.
اعترض يوسف وقال:
_ ريمولينا دي صاحبتي أنا مش أنتي ! ..
قالت أيسل بثقة:
_ ريمو صاحبتي الصحبوته، أنت كبير مش زينا عشان تصاحبنا ؟! … بدليل أنك اتجوزت!
قالت حميدة باقتناع:
_ كلامها مقنع الحقيقة!..
وهنا نهضت الصغيرة ريميه ومطت شفتيها بعبوس، وفهم الجميع أنها تعاتب يوسف على اهماله لها، فركضت أيسل الى يوسف وقالت بغموض :
_ أيدك فيها ايه يا يوستفندي ؟ وريني كده ؟..
ونظر يوسف ليده بتفحص حتى جذبتها أيسل وغرزت أسنانها بلحم معصمه فتأوه يوسف بألم …. وشهقت حميدة بدهشة فقالت إيسل وهش تركض لريميه:
_ عضيته ونفذت وعدي معاكي، أيسل مابتكذبش ! …
قال يوسف بغيظ:
_ كل ما أشوف وشك هقولك يا فتحي بسبب وبدون سبب ! …
ارجعت أيسل بعض خصلات شعرها للخلف وقالت بثقة:
_ بابا قالي أيسل حلوة … أنت احسن من بابا ؟!
وكتمت حميدة ضحكة مرة أخرى فتوجه يوسف لريميه وقال:
_ زعلانة مني يا ريمو؟! ..
هزت الصغيرة رأسها بالايجاب وعلى وجهها العبوس، فحملها يوسف وقال :
_ طب تعالي اصالحك واعملك كنافة من اللي بتحبيها، وهخلي فتحي يفطر عكاوي …

 

 

اوقفت ريميه يوسف وقالت:
_ عايزة ايسو معايا …
صمم يوسف وقال:
_ اسمها فتحي …
قالت ريميه بعد صمت:
_ لأ أيسل إيسو …
قالت إيسل بضحكة :
_ صاحبتي الصحبوته … هاتلنا الفطار هنا بقا أنا جوعت!

تجمّع أفراد عائلة الزيان من جديد حول مائدة الافطار، ولكن مع تحديث الوضع الجديد لكل ثنائي، فجلست كل فتاة بجانب زوجها حتى أن مرت نظرة الجد رشدي عليهم برضا تام وسعادة، فقال يوسف بمرح كعادته:
_ والله يا جدي هتوحشني الاسبوعين بتوع شهر العسل دول.
ضحك الجد و رد عليه مشاكساً:
_ ولا هوحشك ولا حاجة أنت مع حميدة مابتفتكرش حد اصلًا!!.
تخضب وجه حميدة بابتسامة حياء عند التفت لها الجميع، فتدخل وجيه في الحديث وهو يبتسم بمشاكسة:
_ لو فكر بس يزعلك قوليلي.
رفع يوسف يده باستسلام وقال كاتمًا ضحكة:
_ لا يا عمي مش هفكر حتى، أنا ماصدقت اتجوزها اصلا اقوم أزعلها!!.
قال جاسر بمزاح ولكن شعرت جميلة أنه قصد كل كلمة:
_ طب لو هما اللي زعلونا يا عمي نشتكي لمين؟.
ولأن وجيه اعتاد على مزاح جاسر في كل شيء مررها وكأنها مزحة عابرة لا تحجب خلفها شيء ولكنه قال بجدية:
_ أنت دلوقتي مسؤول عن أسرة، يعني لازم تبقى قادر تحل مشاكلك بنفسك ومدخلش حد ما بينكم، وعمومًا يعني أنا موجود وبأذن الله ما تحصلش مشاكل.
هز جاسر رأسه بابتسامة ولكنه عاد بنظرته الجانبية لوجه جميلة التي فسرت عينيها مدى الشرود الغارقة به، فهمس لها قائلا وعينيه تراقب الجميع:
_ بلاش التكشيرة والسرحان ده!، ياريت ما تخليش حد يلاحظ حاجة!.
وابتسمت جميلة ابتسامة باهتة رغم أن لا أحد كان ينظر لها بتلك اللحظة، ولكنها أرادت أن ترضيه ولا شيء آخر.
بينما انتبه وجيه لنظرات ليلى المُسلطة على أبنتها بجانب يوسف، وابتسامتها الجميلة بسبب مساعدة الصغيرة أيسل في اطعام ريميه بيدها بكل رعاية واهتمام، حتى انها نسيت أن تأكل!.
ابتسم وجيه بدفء للصغيرتان وهمس لليلى قائلًا:
_ هتبقى قصة صداقة جامدة، راقبي الأيام وهتتأكدي من كلامي.
هزت ليلى رأسها ايجابًا بابتسامة وقالت:
_ أنا متأكدة من دلوقتي، أيسل حنينة أوي رغم شقاوتها ولماضتها، وبنتي كانت محتاجة وجودها، أنا بحمد ربنا على كل اللي أنا فيه والله وكل العوض ده.
ووقفت عينان وجيه على وجه ليلته بمنتهى الحب والاشتياق لأن تقترب أكثر.
وابتلعت الصغيرة ريميه ما بفمهامن طعام، وكانت أيسل تنظف لها ملابسها من فتات الخبز الساقط، فقالت ريميه باهتمام:
_ افطري بقا يا إيسو.
صممت أيسل وقالت:
_ لما تاكلي أنتي الأول عشان نشرب اللبن مع بعض يا صحبوتي بوتي.
التفت لهما يوسف ورغم المحبة الذي شعر بها إلا أنه شاكس الصغيرة أيسل كعادته:
_ افطر أنت يا فتحي وأنا هكمل المهمة وأفطر ريمولينا.
ضحك الجميع على اسم “فتحي” الذي لقب به يوسف الصغيرة أيسل، فتوجهت أيسل بمنتهى الثقة بحديثها إلى وجيه وقالت:
_ دكتور وجيه لو سمحت ما تخليش يوستفندي يقولي فتحي تاني!.
رد يوسف بغيظ:
_ مش لما تبطلي أنتي الاول تقوليلي يوستفندي! .

 

 

تمالك وجيه نفسه من الضحك وقال ليوسف بأمر:
_ خلاص يا يوسف ما تزعلهاش وما تقولهاش فتحي تاني.
نظرت أيسل بابتسامة منتصرة إلى يوسف الذي رمقها بغيظ وهمس لها:
_ بلاش فتحي، هقولك يا بقسماط.
ولكي تستفزه أيسل أخرجت له لسانها بحركة طفولية وعادت تطعم صديقتها الصغيرة، فقالت ليلى بمحبة:
_ بعد ما تفطري يا إيسو هاخدك عشان اجهزك واخلّي السواق يوصلك للمدرسة، ماما باعته معاكي اللبس والشنطة بتاعتك.
ظهر العبوس على وجه الصغيرتان حتى همس يوسف لأيسل قائلًا بشماته:
_ عملتي الواجب ولا هتروحي تاخدي قلمين معتبرين يا بقسماط؟.
قالت أيسل له بثقة:
_ بعمل الواجب في المدرسة اصلًا، بس مش دي المشكلة!
قالت ريميه بضيق وحزن مفاجئ:
_ هتمشي يا إيسو ؟!
نظرت أيسل لريميه وكأنها ستبك وقالت:
_ بس هجيلك تاني، هروح عشان بابا يسمع كلامي ويخليني أبات عندك تاني.
اقتنعت ريميه قليلا رغم الحزن الظاهر عليها، بينما أراد يوسف أن يبدل دفة الحديث هذا وقال:
_ أنا شايف أن من الأفضل نقدم لريمو في نفس المدرسة بتاعت أيسل.
ابتسمت ريميه بسعادة للفكرة، بينما هتفت أيسل بحماس:
_ وهتبقى معايا طول الوقت .. شاطر يا يوستفندي.
وضربت قبضتها الصغيرة بقبضة يوسف علامة الاتفاق والانتصار، ورغم أن وجيه كان له رأي آخر ولكن مصلحة الصغيرة النفسية اوجب أن يفكر بها أولًا …
وهنا كانت رضوى تبتسم وهي تنظر للصغيرتان حتى تصلب عمودها الفقري عندما اقترب لها هامسا بشيء جعلها تبتلع ريقها بحياء شديد وتحاشت النظر إليه، وتنعم هو بشعور سيطرته عليها واعلنت شفتيه ابتسامة واثقة، ولكن أن ظن إنه انتصر فهيهات!، فهناك آت يأت بالكثير من المفاجآت …!
********
وبعد مرور ساعة ونصف تقريبًا …
وقفت سيارة وجيه عند مدخل المبنى الفخم المُلحقة به شقة الجد صادق ” جد ليلى” …
وخرجت ليلى وهي تحمل صغيرتها لشقة الجد ورافقهما وجيه للأعلى …
واستقبلهما الجد استقبال ينسمه الألفة والود والترحيب الحار .. فقالت ليلى متسائلة:
_ بابا عامل إيه النهاردة يا جدي؟ .
رد الجد ونظراته تملأها الرضا:
_ الحمد لله يابنتي احنا كنا فين وبقينا فين!، ده أنا من وقت ما فاق مش ببطل كلمة الحمد لله، هيتحسن مع الوقت بس الأهم أن ربنا نجاه من الغيبوبة ورجعولي وكتبلي صفحة جديدة معاه.
قالت ليلى برجاء:
_ نفسي توافق تخليه الفترة دي عندي وأبقى جانبه
طول الوقت.
رفض الجد رفضا قاطعا ولكنه تحدث بلطف:
_ ما تزعليش مني يابنتي، بس أبني طول ما هو في الحالة دي يبقى بيته أولى بيه وأنا موجود جانبه مش بفارقه لحظة واحدة، ادعي يقوم بالسلامة بس ويقعد معاكي حتى لو شهر مش هزعل.
صمتت ليلى بيأس من محاولات اقناعه المتكررة التي تنتهي بالفشل!، دخلت مباشرة غرفة والدها الذي وجدته يغط في سبات عميق، فقبلت رأسه ووضعت صغيرتها قرب فراشه على احد المقاعد، حتى وجدت وجيه يدخل الغرفة ويلقي عليها السلام قبل أن ينصرف لعمله فقال:
_ طب أنا همشي بقا يا ليلى.
قالت ليلى :
_ طب هاجي أوصلك لحد تحت.
ابتسم وقال:

 

 

_ لأ خليكي هنا.
قالت بتصميم:
_ أنا اتعودت أوصلك كل يوم الصبح لعربيتك!
رد بنظرة دافئة:
_ ده هناك في البيت ، لكن هنا عمارة وناس غريبة طالعة ونازلة..!
ومرر يده على رأسها بمشاكسة ثم غادر … ولكنها ذهبت خلفه حتى سبقته قبل أن يدخل المصعد!، فنظر لها بنظرة غامضة للحظة ثم اخذها لداخل المصعد الذي كانا فيه بمفردهما وتحرك بهما … وهمس لها قائلا بمكر:
_ مافيش فايدة فيكي، برضه خرجتي… عنيدة…!
ابتسمت له بدلال بنظرتها التي تجعله يكاد يجن وهمست:
_ بتغير ؟..
اضيقت عيناه وقال بصوتٍ خشن قاسي:
_ الغيرة دي كلمة تافهة جنب اللي بحس بيه لما حد بتقع عنيه عليكي!.
قالت وهي تنظر له بقوة:
_ شوفت بقا أن احساس الغيرة فوق قدرتك على السيطرة!.
كانت ترمي لشيء وفهم ملاحظاتها، فابتسم بخبث وقال:
_ ده أنتي بترديهالي بقا ؟! ..
ابتسمت بنظرة انتصار حتى تفاجأ أن المصعد هبط للدور الأول، وعندما فُتح الباب اتوماتيكيًا لم يكن هناك صاعدًا بالانتظار، فضغط وجيه على زر الصعود مجددًا وقالت له ليلى بتعجب:
_ أنت طالع تاني …؟!.
رد عليها قائلًا بصوت خافت جانب أذنها:
_ شوية وقت أقضيهم معاكي قبل ما أمشي، القليل من المراهقة مُفيد لنفسية الزوج.
انفرجت شفتيها بابتسامة وقالت:
_ ما أنت هترجعلي بعد الشغل … ؟!
نظر لعينيها بعمق ولابتسامتها المتلاعبة وقال بابتسامة مرحة:
_ أنا كرهت الشغل بسببك..!
حملقت ليلى به بدهشة حتى ضحك وجيه وقال بصدق:
_ بيخليني أسيبك غصب عني!..
وضحكت ليلى ضحكة جعلت وجنتيها يتوردا …
*******
وقفت جيهان بسيارتها أمام أحدى الكافيهات التي تقدم وجبة إفطار مميزة، وعندما دخلت المكان بحثت فيه عن هدفها حتى لوحت لها الطبيبة مروة من أحدى الطاولات البعيدة بقرب نافذة زجاجية مقبلة على الطريق.
فتوجهت لها جيهان بابتسامة رسمية أكثر منها عفوية وجلست قبالتها، فقالت مروة :
_ اكيد في حاجة حصلت خليتك تتصلي بيا الصبح كده عشان نتقابل؟!.
تنهدت جيهان تنهيدة عميقة ثم قالت بثبات تُحسد عليه وكأنها تلقي تحية الصباح وليس قرار مصيري مثل ذلك القرار:
_ أنا قررت اتطلق ..
تسمرت مروة بمكانها للحظات، الأمر غير متوقع خاصةً أن جيهان بحالة تمسك شديدة منبعها خوف عميق ليس من السهل أن تواجهه مجددًا !! … ويبدو أن جيهان لاحظت صدمة مروة فقالت:
_ مصدومة مش كده؟!

 

 

أجابت مروة بصدق:
_ مش هنكر، بس عندي فضول أعرف السبب اللي خلاكي تاخدي القرار ده بعد تمسكك الشديد بدكتور وجيه؟!
وهنا اعلنت عينا جيهان فيض الألم والحزن الدفين وأجابت باستفاضة:
_ أنا خدت الخطوة بس لسه مش عارفة هنفذها أمتى، لو تعرفي مجرد أني اقرر القرار ده كان مستحيل بالنسبالي أزاي هتعرفي أنا ليه مستنية الوقت المناسب عشان أنفذها.
ردت مروة بتفهم:
_ أنا فاهمة اللي بتقوليه وعارفة أن التنفيذ مش بالسهولة دي، ولكن أنتي شايفة أن ده القرار المناسب ليكي؟ … مش عايزاكي تظلمي نفسك!.
شردت جيهان للحظات ثم قالت:
_ القرار ده أنا اخدته عشان أنقذ نفسي، نفس الاحساس اللي خلاني ارجع لوجيه هو الاحساس اللي هيخليني أبعد عنه، أنا هربت من الوحدة ليه، ولقيت معاه وحدة أكبر!… رجعلته عشان خايفة بس خوفي زاد مقلش!، أنا مش انسانة وحشة .. مش أنا اللي بتتصرف التصرفات الطايشة السخيفة اللي بعملها دي! … مش دي جيهان الحقيقية!…. أنا عمري ما هحس بسعادة مع وجيه ولازم أواجه الحقيقة دي بأسرع وقت.
ردت مروة بصدق:
_ مش قادرة أحكم على قرارك قبل ما اتأكد أنك ما اخدتيهوش في لحظة زعل ممكن تكون مأثرة فيكي … فكري كويس أوي وشوفي هتكوني أقوى في أي اتجاه واختاريه.
وأضافت مروة:
_ لو شايفة أنك بتكوني انسانة سيئة أو مؤذية في استمرارك مع دكتور وجيه يبقى أوافقك على قرارك جدًا بالانفصال، لو حاسة أنك هتقدري تعيشي معاه في سلام من غير أذية لليلى يبقى كملي معاه، مش كل يوم هتلاقي انسان محترم زيه.
هز جيهان رأسها بنظرة حزينة وقالت :
_ كلمة طلاق من اربع حروف، في لحظة ممكن تتكتب، بس معناها ومضمونها ممكن يشقلب حياة البني آدم كلها، أنا عارفة أني مش هخرج من التجربة دي سليمة، بس لو استمريت معرفش ممكن أوصل لفين !.
للأسف أن في أوضاع ممكن تخليكي انسانة تانية غريبة عنك ماتعرفيهاش!، في مواقف من صعوبتها قادرة تنهش طيبتنا وتخرج اسوأ ما فينا!.
وتابعت جيهان بدموع:
_ في عز ما كنت بغلط كنت من جوايا بحارب نفسي وبلومها وبعاتبها، وفي نفس اللحظة كنت بلاقي اللي حواليا بيعملوا كده … لوم وعتاب وتجاهل وكره!، كان كفاية عليا زعل نفسي مني ! … مكنتش ناقصة حد يلومني وأنا اصلا قاتلة نفسي لنفسي عتاب!.
نظرت مروة لجيهان وقالت بنتهى الصدق:
_ جيهان أنتي قوية … ماتفتكريش أني بقولهالك مجاملة!، ولا أني بشجعك على شيء!، بس أنا شايفة قدامي انسانة بكل الالم النفسي ده بتتعذب لأنها بتأذي غيرها!، بتختار شيء يمكن يكون اكتر شيء محتاجة ليه عشان تنقذ نفسها من الشر! …
ردت جيهان عليها ببعض الشرود:
_ يمكن لما ابدأ أنفذ القرار ده احس فعلًا أني قوية، أتمنى في خلال أيام اكون قدرت انفذه بالفعل.
قالت مروة بتأكيد:
_ ولازم تفكري كويس، لو شايفة أن طلاقك هيعذبك ويوجعك يبقى بلاش، ممكن مع الوقت والعلاج النفسي تتخلصي من …

 

 

قاطعتها جيهان بتأكيد وقالت:
_ حاولت اتخلص من أفكاري ومشاعري وعذابي اللي حاسة معرفتش!، ما تفتكريش أني محاولتش! … بالعكس.
أنا كنت محتاجة وجيه حبيب وزوج … هو مقدرش يقدملي دور اكتر من أنه يكون زوج بيقدملي كل شيء إلا قلبه!، ليلى مش مجرد زوجة تانية يا مروة ! … ليلي حبه الوحيد اللي السنين مأثرتش فيه ولا خليته ينساها، وهي دي كل المشكلة.
صممت مروة وقالت:
_ برضه هكرر وأقولك فكري بهدوء .. فكري الف مرة قبل ما تغلطي مرة واحدة.
وأضافت بلطف :
_ وفي أي قرار تاخديه أنا جانبك … مش كطبيبة .. كصديقة.
ابتسمت جيهان بامتنان بين دموعها وقالت:
_ بشكرك جدًا يا مروة … حقيقي بشكرك جدًا.
وبعدما تناولا وجبة الافطار نهضت جيهان واستأذنت للانصراف، وبعدما غادرت سرحت مروة بأفكارها وقالت :
_ هو الحب بقا صعب كده في الزمن ده..؟!
_ ومحظوظ اللي يلاقي حد يحبه زي ما بحبك كده.
تفاجئت مروة بظهور خطيبها الضابط أحمد، فجلس قبالتها وهو مبتسم ثم قال بمرح:
_ أنا قاعد هنا بقالي ربع ساعة ومستني اللي معاكي تقوم، وبصراحة كنت عارف أنك بتفطري هنا.
قالت مروة بابتسامة :
_ عرفت منين ..؟
رد أحمد بثقة:
_ تحرياتي … قوليلي بقا كنتي بتقولي إيه من شوية ؟!.
ابتسمت مروة وهي تنظر لكوب المشروب الدافئ وقالت:
_ لا المرأة قادرة تفهم الرجل، ولا الرجل قادر يفهم المرأة … كله بيحاول يفهم كله! ..
رد عليها أحمد وقال:
_ لأن تركيبتنا مختلفة، وعمومًا هو كل انسان مختلف عن التاني سواء رجل أو ست … لازم نكون مش فاهمين بعض عشان واحنا بنحاول نفهم بعض بتتولد العشرة والألفة ..
قالت مروة مفهومها:
_ عشان أحاول أفهمك لازم يكون في دافع يخليني عايزة أفهمك، الدافع ده هو نفسه اللي بيخلي الانسان يكمل .. تخيل في ناس عايشين سنين وسنين مع بعض ومحدش فيهم حاول مرة يفهم التاني !.
قال احمد ممازحا:
_ هنقضيها علم نفس ولا إيه؟! … أنا مسافر مأمورية بعد بكرة وعايز أقضي اليوم معاكي النهاردة قبل ما أمشي.
وهنا ابتلعت مروة ريقها بخوف، منذ أن أخبرها عن مدى خطورة سفرياته وهي ترتجف كلما ذكر الأنر، ولاحظ أحمد خوفها وشحوب وجهها المفاجئ فقال مطمئنا:

 

 

_ ما تقلقيش … هرجع بالسلامة بأذن الله.
قالت مروة بعصبية:
_ هو لازم السفريات بتاعتك دي ؟! … ماينفعش ما تسافرش؟! .
ابتسم أحمد باستمتاع لرؤيته خوفها عليه لهذه الدرجة وأجاب :
_ ده واجبي وشغلي اللي بحبه، اطمني عليا أنا في الشغل ببقى مفترس أكتر من المجرمين نفسهم، مع أن شكل السفرية دي هتكون لمجرمات فاتنات قمر خسارة فيهم الكلبش..
وكتم ضحكة عندما نظرت له بغضب ونهضت لتغادر وتتركه، فوقف ضاحكا وقال بصدق:
_ صدقيني بهزر معاكي والله، من زمان ما شوفتش غيرتك عليا.
قالت بعصبية:
_ بتستريح يعني لما تنرفزني؟!..
جلس بمقعده مرةً أخرى وأشار لها بلطف لتجلس ثم أجاب على سؤالها بابتسامة:
_ مش بالضبط، بس اكيد بفرح لما أشوف غيرتك عليا، ممكن تقعدي ونفطر سوا؟
مطت شفتيها باستياء ثم قالت:
_ مقولتش لماما وانا خارجة أني هفطر معاك، لو عايز تفطر معايا ممكن توصلني للبيت ونفطر كلنا مع بعض.
نهض أحمد وقال لها :
_ موافق، رغم أني كان نفسي اتكلم معاكي شوية كده لوحدنا، بس طالما دي رغبتك فأنا موافق.
قالت مروة له بجدية:
_ أنا قولتلك من البداية أني ماليش في الخروجات والفسح والكلام ده، الفترة اللي فاتت كنت ببقى معاك عشان كنا بندور على ليلى، غير كده أنت عارف أني ماليش في الجو ده واحنا لسه على البر.
رد عليها بصدق:
_ أنا فاهمك يا مروة ومش زعلان، عشان كده مستعجل على الجواز ونبقى مع بعض ووقتنا ملكنا وبراحتنا.
ارتاحت لأنه أخيرًا بعد كل تلك السنوات تفهم وجهة نظرها وطريقتها في التعامل.
********
وبمنزل عائلة زايد ..
أتت نوران للصالون والتي استعدت للخروج برفقة صديقة لها ووجدت أبنها “هيثم” جالسا على أحد المقاعد ويضع شاق على ساق ويبدو على ملامحه التفكير والعصبية فقالت متسائلة:
_ مروحتش الشركة النهاردة كمان … ؟!
ورغم أنها ارتاحت للأمر ولابتعاده عن طريق زايد، ولكن قلقها لم يزول بعصبيته الزائدة بهذه الفترة والتي تنبأ أن هناك فشل يواجهه في خططه … فأجاب عليها بضيق:
_ مش طايق أشوف وشه ولا طايق أشوف اللي اسمها فرحة دي !!
تعجبت نوران جدًا من إجابته، ريثما أنه افصح مؤخرا عن أعجابه بها !!، فسألته بحيرة وتوجس:
_ دلوقتي مش طايق تشوفها؟!
رد عليها هيثم وكأنه يريد أن يفرغ جوفه من طاقة الغضب هذه ولو بالصياح:
_ أهم تصميم للمشروع بتاعه سرقته بقالي فترة وهو مستحيل لحد دلوقتي ميكونش اكتشف حاجة!!، ده غير أني عرفت أنه أجل اجتماع النهاردة وده معناه أنه مش مستعجل على المشروع! … لو كان اكتشف كان اتجنن وحاول يعمل غيره بأسرع وقت والشركة كانت اتقلبت راسا على عقب! … واللي مراقبه قالي أنه فعلا خرج من الشركة على عيادة دكتور عظام …. وفرحة دي كمان !!
حتت بت مكنتش تحلم حتى التفت ليها وكل ما تشوفني بس من بعيد تمشي ولا كأني موجود!، الكام مرة اللي حاولت اكلمها فيهم مدتنيش فرصة حتى أقولها صباح الخير!.
غضبت نوران لما قاله وردت بعصبية:
_ سيبتك تتصرف زي ما قولتلي والنتيجة صفر كالعادة!، خليته يلعب بيك هو وخطيبته! ..
نهض هيثم من مكانه وصاح بعنف:
_ محدش يقدر يلعب بيا!، بس دماغي شغالة في كل الاحتمالات وهو مش باين عليه رد فعل محدد يخليني أعرف بيفكر في إيه ؟!.. عارفة لو اقدر اكسب فرحة في صفي يبقى كده ضمنت أني هقدر اسحب كل حاجة من بين ايديه، هي دي نقطة ضعفه اللي لازم اركز معاها.
هتفت نوران بغضب:
_ خلاص خليك مركز معاها وهو ينفذ مشروعه ويفتح شركته اللي اكيد هياكل بيها شركتنا ويدمر حياتنا ! ..
قال هيثم بغيظ وحقد شديد :
_ أنا مش مشكلتي المشروع بتاعه في حد ذاته، أنا مشكلتي هو نفسه ولازم أكسره بأي طريقة، سواء بالمشروع أو بغيره، مش مهم الطريقة ، المهم النتيجة.
هزت نوران رأسها في يأس ورمته بنظرة غيظ ثم غادرت المنزل … وظهر فادي من خارج مدهل الصالون وهو متخفي خلف باقة زهور كبيرة الحجم، وظهر عليه الحزن والتوتر لما سمعه، لن يستطيع اخبار زايد بما سمعه ويضع أمه وشقيقه بهذا الموقف المشين، ولن يستطيع ترك زايد يواجه هذا الشر دون ذنب اقترفه! …. هل الصمت حل منصف للطرفين ؟..
*********

 

 

جلس زايد بغرفة مكتب تخص شقيق أحد المهندسين المقيمين على مشروعه الخاص وقال له بشكر:
_ بشكرك جدًا أنك استقبلتنا في بيتك، بس كنت محتاج مكان يكون قريب من أي عيادة لدكتور عظام لبعض الاسباب.
وضع الشاب صينية المشروبات على المكتب وقال مبتسما:
_ أنا عرفت من اخويا اللي حصل، ربنا يوفقكم البيت بيتكم.
وخرج الشاب من غرفة المكتب سريعاً حتى قال زايد لفريق المهندسين:
_ في اجتماع بكرة في الشركة، هيكون اجتماع وهمي مش اكتر وكأنكم بتسلموني فعلًا التصميم النهائي، لحد ما أعرف مين سرق التصميم بالضبط، وفي نفس الوقت نضبط شغلنا هنا.
وكان بعيد الشك عن فريقه المميز من أمهر المهندسين الذي تعامل معهم، والذي تعامل معهم لسنوات ماضية ولم يصدر منهم ولو شيء بسيط يثير الشكوك، وبدأ الرجال بالتحاور مع بعضهم البعض لإعداد خطة للبداية، وكان الأمر يُعد تحديًا بالنسبة لهم، والذي تأكد منه زايد أنهم سينفذون تصميم أكثر دقة ومهارة من المسروق … ولم يتعجب اي واحد منهم من سرية الأمر لأن مشروع بضخامته يُعد سرقة أحدى أهم تصاميمه كارثة تضرب مجهود أشهر طويلة بعرض الحائط.
وبعد انقضاء ساعة ونصف خرج زايد من الشقة المجاورة لعيادة طبيب العظام ورافقه الشاب مالك الشقة كأنهما أصدقاء منذ سنواتٍ عدة.
*********
وأتى المساء وحجب قرص الشمس البعيد …
وذرع رعد جناحه الخاص ذهابًا وإيابًا في نفاد صبر، منذ الصباح وهي تغط في سُباتٍ عميق لم تنهض منه ولو مرةً واحدة!.
دخل الغرفة الداخلية عليها ووقف عند مدخل الباب ناظرا لها بغيظ!، تنام وكأنها لم تغمض عيناها منذ عام!.
وتردد في ايقاظها!، سيكن سخيفاً أن فعل؟!
هاجمته تلك الخاطرة وأثقلت حيرته، وخدشت كبريائه أيضاً!..
ورغم ذلك ساقته قدماه إليها، خطوات بطيئة ولكنها اتت ثمارها واقترب منها ثم جلس على الفراش قربها، همس لها بصوت خافت:
_ رضوى…؟
وكررها عدة مرات حتى فتحت رضوى عيناها بالفعل، قال بهدوء ومكث الغيظ بعيناه فقط:
_ ده كله نوم ؟!!
ورغم أنها كانت نائمة بالفعل ولكن هذا لا ينفي أنها تظاهرت بالنوم ما يقارب الساعة حتى تاهت بغفوة ثقيلة فعليًا، تثائبت بكسل ثم أجابت:
_ محستش بالوقت، الساعة كام دلوقتي …؟
رد بعصبية :
_ بعد المغرب ! ..
تفاجئت رضوى بالفعل واعتدلت ببطء حتى لاحظ رعد توهج وجهها باحمرار شديد إثر النوم، وتلك الملاحظة جعلت عيناه مسمرتان عليها أينما تحركت ! ..
وتنفس الصعداء أخيرًا عندما أخذت منشفة وثوبًا آخر من الخزانة لم ينتبه له جيدًا ودخلت حمام الغرفة لتأخذ حماما سريع …
ولكنها عندما خرجت بعد دقائق دهش رعد بارتدائها عباءة استقبال منزلية ويبدو أنها تستعد للخروج من الغرفة!…
وقفت رضوى أمام المرآة تلف حجاب رأسها وتضع بعض مساحيق التجميل الخفيفة وسألها بدهشة:
_ أنتي رايحة فين ؟!
نظرت له رضوى وكأن سؤاله أغرب سؤال بالكون وقالت:
_ هو أنا هفضل ال ٢٤ ساعة هنا ؟! … المفروض أننا مسافرين بكرة لشهر العسل، يبقى على الاقل نقضي النهاردة مع العيلة !!.

 

 

رد بعصبية :
_ أنتي من ساعة ما طلعتي بعد الفطار وانتي نايمة، على الأقل بدل ما تفكري في العيلة فكري في جوزك اللي سيباه قاعد لوحده أكتر من ست ساعات والمفروض أنه عريس مفاتش على جوازه يومين كاملين!.
اجابت بهدوء مستفز:
_ كنت مصدعة ونمت فيها إيه يعني؟! … وبعدين احنا مسافرين وهنقعد اسبوعين بعيد عن هنا، خليني أشبع منهم قبل ما اسافر، بعد اذنك كده بقا عايزة أنزل.
جذبها اليه من معصمها بقبضة شديدة على بشرتها فتألمت رضوى وقال رعد بعصبية:
_ أنتي عنيدة ومستفزة ورغم كل اللي بتعمليه ده أنا متأكد أنك بتحبيني زي ما بحبك ..
والتمعت عينيه بلمعة ماكرة وكأنها تذكرها بالأمس … تلعثمت واشاحت نظرها عنه للحظة ثم قالت بألم :
_ سيب ايدي ..
قال بتصميم وهو يشد قبضته علي معصمها:
_ لأ ..
هتفت به بصراخ:
_ يعني هتمنعني أشوف أمي يعني قبل ما اسافر؟!
جذبها اكثر ونظر لعينيهابعمق، نظرات أخبرتها كل شيء يريد قوله الآن، ثم ارتخت قبضته رويدًا وقال بحدة :
_ مش همنعك اكيد، بس أنتي عارفة كويس سبب عصبيتي، اللي بتعمليه ده غلطة كبيرة أنتي مش مستوعباها!.
قالت بسخرية وهي تمسد معصم يدها:
_ ده كله عشان نمت الكام ساعة دول؟!
رد عليها بنظرة فهمتها:
_ أنتي فاهمة قصدي كويس أوي … عمومًا اتفضلي روحي لولدتك واقعدي معاها زي ما أنتي عايزة.
ابتلعت ريقها ومرت من جانبه وخرجت من الغرفة، فتنفس رعد بقوة .. ثم حاول أن يسيطر على عصبيته فمنذ البداية ويعرف أنها ستسفزه بجميع الطرق …
*******
وبغرفة يوسف …
ركض يسف بأقصى سرعته حتى يلحق حميدة قبل أن تدخل الغرفة وتغلق عليها بعدما ركضت رافضة أن تتناول طعام العشاء …. قال بتصميم :
_ مش هتعشى لوحدي …!
ضحكت حميدة وهي تركض، ثم وقفت خلف أريكة كبيرة وقالت:
_ حرام عليك مش قادرة أكل، أنت فاكرني زيك باكل الأخضر واليابس!.
رد عليها وهو يدرس بنظراته المسافة بينهما ليتخطاها ويقبض عليها:
_ أنا مش متجوز عشان اتعشا لوحدي يا هانم !!.. تعالي هنا.

 

 

رفضت حميدة بتصميم :
_ مابعرفش أكل بليل هو بالعافية !!
ولم تتابع حتى قفز تقريبًا لعندها ومسك معصم يدها يشدها اليه بضحكة منتصرة ثم قال:
_ هتتعشى معايا ياجميــل ..!
وحملها على ذراعيه حيث طاولة الطعام الصغيرة، فرغمًا عنها ضحكت وهي تلكمه كي يتركها، ثم انزلها وحلس وجذبها لتجلس بجانبه وبدأ يطعمها بالاجبار قائلًا:
_ الأكل طعمه تحفة، اتغذي عشان تتخني وتحلوي ويقولوا جوزها مهنيها .. أنا يعني.
ضحكت حميدة مجددًا وهي تبتلع ما بفمها وقالت:
_ هو ماينفعش اتهنى من غير ما اتخن؟! … مش عايزة اتخن!.
قال يوسف وهو يضع بفمه قطعة لحم كبيرة:
_ تتخني ملبن، تخسي لوز … في الحالتين بحبك بكل حالاتك ..
ابتسمت له حميدة بمحبة شديدة وقالت:
_ أيه اكتر حاجة بتحبني اعملها يا يوسف؟ … ايه اللي بيسعدك ؟
مضغ يوسف قطعة اللحم وفكر قليلًا ثم أجاب :
_ مش عارف بالضبط، بس يعني أنا بكره اللي بحبهم يهملوني ! … عايزك تزهقيني اهتمام ومحبة.
قالت حميدة:
_ اديك قولتها هزهقك!!
رد يوسف بابتسامة:
_ محدش اتحرم من شيء بيشبع منه مهنا غرق فيه بعد كظه يا حميدة، أنا اتحرمت من حنية أمي، وحماية أبويا واهتمامهم بيا، يمكن عني وجدي مقصروش في دورهم معانا بصراحة وعملوا اللي عليهم، بس الاب والأم حاجة تانية خالص!.
تمسكت حميدة بذراعه ووضعت رأسها على كتفه وهي تتمسك به بقوة ثم قالت :
_ أنا موجودة يا يوسف .. وهفضل معاك على طول.
ربت على رأسها بحنان وقال بكل رومانسية:
_ عمري ما حبيت حد أكتر من الأكل غيرك يا حميدة و….
قطع حديثه عندما ابعدت رأسها ونظرت له بغيظ فابتسمت بالتدريج وقال:
_ أنتي حلوة كده ليه ؟!
هتفت حميدة بغيظ وقالت:
_ حاشر الأكل في كل لحظة حلوة ما بينا !! … نفسي تبعد مشاعرك من طبق الملوخية اللي مغرقها فيه ده!.
هز رأسه وهو يضحك وقال:
_ حاضر، يلا بقا نتعشا ! ..
لم تعرف حميدة تغتاظ منه وتيأس، أم تضحك على طريقته المضحكة في بعض الاجابات !! ..
*******

 

 

وأتى اليوم التالي …
وقد وصل وجيه بسيارته مبكرًا للمنزل قبل موعد مغادرة العرسان لشهر العسل …
وغادر كل ثنائي بسيارتهما نحو الوجهة المحددة لقضاء شهر العسل …
بينما وقفت تلك الفتاة الخادمة وقالت لنفسها وهي تتأمل ليلى تدخل مع وجيه وهي تحمل صغيرتها :
_ كده البيت فضيلي وهعرف انتقم منك يا ليلى ! …
وكانت جيهان تجلس بشرفة غرفتها بعدما استيقظت متأخرة ولم تستطيع وداع الشباب قبل السفر … نظرت جيهان من شرفة غرفتها للخادمة الجديدة ونظراتها المُسلطة على ليلى بتركيز شديد وقالت بريبة:
_ مالها البنت دي كل ما تشوف ليلى تبصلها كده ؟! … في حاجة غلط حوالين البنت دي بالتأكيد…!
وتذكرت بتلك اللحظة الموقف الذي حدث منذ أيام عندما كانت تتسحب تلك الفتاة المجهولة نحو الصغيرة ريميه وكأنها تريد بها شرا!! … وهنا شعرت بالخطر وعلامة استفهام حول هذه الفتاة!…
عادت لداخل غرفتها وجلست شاردة أمام شاشة التلفاز حتى استوقفها شيء بالاخبار العاجلة ..!
وهو اتصال هاتفي على أحد البرامج التليفزيونية من الرجل المفقود والمدعو ” أكرم حجازي”
كان صوته قويًا خشنا، لا يبدو أن صاحب هذا الصوت رجل ضعيف الشخصية كي يهرب هكذا! … وقال بغلظة وكأنه معتاد أن يأمر فيطاع:
_ بدورو عليا ليه!! …مش عايز أعرفكم تاني ، مش عايز ارجعلكم تاني؟! …سيبوني في حالي يا منافقين !، أنا سيبتلكم حياتكم المزيفة الكدابة ومشيت، ليه بدورو عليا وتبعتولي كلابكم ورايا يتجسسوا عليا! … عايزين مني أيه أنا بكرهكم كلكم وبكره حتى نفسي …
وبعدها أنتهى الاتصال تحت صمت شديد باستديو التصوير المباشر !!… دهشت جيهان من نبرة الشراسة بصوت هذا الرجل الغامض وكأن احدهم نهش قلبه ليتحدث هكذا!! ..
اغلقت جيهان الأخبار بضيق لتفكيرها في شيء لا يعنيها برمته!! …. وعادت بتفكيرها بتلك الفتاة المجهولة وما يدور حولها من غموض!
*******
وبمنزل زايد … وعندما أشارت الساعة للسادسة مساءً
وقف زايد أمام المرآة مبتسما أنيقاً بحلة سوداء لا يعكره ظلمتها لون آخر، ثم انتبه لشقيقه فادي وهو يقف خلفه شاردا للبعيد!! ، فاستدار متسائلا :
_ مالك مكشر كده ليه ؟!
خرج فادي من شروده بابتسامة باهتة وقال:
_ لا أبدًا مافيش حاجة …
دخل ابيهنا ممدوح عليهما وقال:
_ كلنا جهزنا … يلا بينا …
وقف زايد أمام والده ناظرا بثبات وقال:
_ كلنا مين ؟!
رد عليه أبيه بتلقائية:
_ أنا وأنت وفادي ونوران مراتي وهيثم ..

 

 

التفت فادي لزايد بقلق من رد فعله، بينما تنهد زايد تنهيدة غاضبة وقال بعدما تمسك بسيطرته على غضبه:
_ أنا وأنت وفادي وبس … وبس …
وكررها للتأكيد، فقال ابيه بعتاب:
_ يعني هما جهزوا نفسهم اروح أقولهم أزاي أنك معترض؟! …
تدخل فادي وقال:
_ هروح أقولهم أنا … سيب زايد براحته يا بابا ده حاجة تخصه وهو حر.
وكان خلف هذا الموقف خوف شديد تملّك من قلب فادي على شقيقه زايد، وخوف من أن يفعل هيثم شيء غير محسوب العواقب….. وبالفعل انصرف فادي لإخبارهما، فنظر ممدوح لأبنه قائلا ببعض الحدة:
_ براحتك يا زايد … مش هجبر على حاجة.
وبعد قليل كان الثلاث يستقلون السيارة الفارهة سيرا حتى منزل فرحة …
ووقفت نوران بالصالون تسب وتسخط على زايد وتلفظه بأبشع الالفاظ التي تعرفها … بينما قال هيثم بسخرية وهو جالسا:
_ مش قولتلك ده لازم يتكسر! … بس كسرته دي بقا هتبقى على ايدي أنا !!
لم تعطي نوران لحديث ابنها أهمية وهي بأوج غضبها هذا من الاهانة التي تعرضت لها الآن !! …
********
ووقفت تلك الفتاة التي اتت للانتقام بمساحة المطبخ وتنظر للدرج وترتب خطتها …. حيث أن اليوم الفرصة سانحة كي تقتحم غرفة ليلى ليلا والتي ستكون بمفردها وحيدة وزوجها مع زوجته الأخرى جيهان…. ابتسمت بنظرة شرسة وقالت بتمتمة:
_ يظهر أن وقت الانتقام قرب قوي يا ست ليلى؟!…
الليلة … ميعادنا الليلة !.

يتبع…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *