روايات

رواية وليدة قلبي (اطفت شعلة تمردها 2) الفصل السابع والثلاثون 37 بقلم دعاء أحمد

رواية وليدة قلبي (اطفت شعلة تمردها 2) الفصل السابع والثلاثون 37 بقلم دعاء أحمد

رواية وليدة قلبي (اطفت شعلة تمردها 2) البارت السابع والثلاثون

رواية وليدة قلبي (اطفت شعلة تمردها 2) الجزء السابع والثلاثون

وليدة قلبي (اطفت شعلة تمردها 2)
وليدة قلبي (اطفت شعلة تمردها 2)

رواية وليدة قلبي (اطفت شعلة تمردها 2) الحلقة السابعة والثلاثون

في إحدى المستشفيات الخاصة
حيث كل شيء يحدث على قدم و ساق بجدية و دقة متناهية، خرجت الطبيبة من غرفة «زينب» بعد أن أطمئنت على حالة المريضة الفاقدة للوعي منذ أن جاءت للمشفى قبل اسبوع، و تم تشخيص حالتها انها غيبوبة مؤقتة بسبب الإجهاد الحادث قبل فترة الولادة المبكرة بثلاث تؤام
– ولد و بنتان –
فقد تم نقلها الي المشفى منذ أربع أيام لم يحدث اي تحسن.
دلف «صالح» الي الغرفة بعد أن تم تعقيمه، الارهاق بادياً على معالم وجهه، نظر ب تعب و حزن الي وجهها الناعم نائمة لا تعي ما يحدث حولها، كنت تردد تلك الجملة دائماً؛ أنها ترغب في النوم دون أن يوقظها أحد.
سحب كرسي بهدوء ليضعه بالقرب من الفراش، جلس وهو يُمسك يديها بين يديه، وضع رأسه على الفراش، التمعت عيناه بدموع لهمس بضعف وهو يغمض عينيه :
-“زينب لسه مش عايزه تقومي، طب انا مصعبتش عليكِ، انا تعبت والله العظيم، عارفة أنا كل مرة اقول أنا مش لازم إحبك اوي علشان منجرحش منك اوي بس اكتشفت ان كل لحظة بتجمعنا قلبي مبيبطلش يحبك، طب بلاش انا

 

 

مش عايزه تشوفي الولاد، أنا كمان لسه مشوفتهمش، بابا بيقول في بنت لون عيونها زي عيونك و واحدة شبهي و الولد عيونه بني، زينب والله العظيم انا تعبت، أنا مش هعرف اربيهم لوحدي. ”
انسابت دموعه من مقلتيه بحزن و تعب ليشعر بيد تلامس شعره، رفع رأسه فوجد «بيلا» تقف بجواره، ويديها تمسد على شعره بحنان قائلة بدموع:
-” هي سمعنا صح؟ ”
لم يجيب بل ظل صامتاً لتقطع«بيلا»الصمت قائلة:
-” هي بس عايزه تنام و ترتاح بعيد عن الناس و كلامهم ،هي حزينة و تعبت بس هترجع، اصل هيبقى حرام لو بعد السنين دي كلها تمشي تاني، ربنا بعدها عني اكتر من عشرين سنة لازم تقوم يا صالح يارب انا مش عايزه اخسر بنتي تاني آآه.”
خرجت الآهات من قلب الأم قبل فمها، تمزق فؤادها لسنوات
نهض صالح من فوق كرسيه محتضن أياها لتزداد شهقاتها و خارت قوتها، الفؤاد يتألم و يئن لكن ما باليد حيلة.
تعالي صوت تلك الصفارة و إنذار الموت كاد ان يقت”لهما من شدة الخوف عليها، ترك «بيلا» برعب و هو يمسك بيد «زينب» بقوة قائلا بلهفة:
_” لالا مش هيحصل زينب، في ايه لا ”
بيلا بذعر و بكاء:
-” زينب لا يارب مش هتحمل تاني لا”
دلفت الممرضة بسرعة فتحت الباب دون سابق إنذار و خلفها الطبيب بينما أصابه الذعر قائلا بنبرة خافته مذعورة:
-” زينب”
صالح الطبيب بحدة و صارمة:
-” اطلعوا برا.”
كاد صالح ان يرفض الا ان الممرض أخرجه بالقوة.
تلك اللحظات كانت فاصلة بين الحياة و الموت،
كان عمر و صالح و بيلا و جلال
يقفوا خلف ذلك الزجاج يتابعوا ما يحدث بقلب منفطر من شدة الحزن.
كان الطبيب يباشر عمله لينظر الجميع لبعضهم بقلق الا أنه أكمل عمله ببرود تام.

 

 

أمسك «الطبيب» صاعق الكهرباء لتضع الممرضة مسرعة ذلك الچيل على سطحه، ثم بدأ بانعاش قلب «زينب» مرة.. اثنان.. وثلاثة، حتى أمر الطبيب الممرضة بصوت حاد صارم عالي نسبياً :
-“أرفعي على 200 يا مروة بسرعة.”
أمتثلت الممرضة لأوامره مسرعه، ومع الضغط الرابعة بدأ القلب ينبض من جديد.
تنفس الجميع الصعداء بعد ذلك
ليعود جهاز القلب يعمل بانتظام.
هدأت الأوضاع بداخل الغرفة، خرجت الممرضة و خلفها «الطبيب»
نظر «الطبيب» لصالح الذي أقترب منه بخطوات مسرعة قائلا بلهفة:
-” زينب كويسة؟”
وضع «سليم» يديه على جيب معطفه الطبي قائلا بابتسامة وهو ينظر نحو «جلال» نظرة ذات مغزي :
-“الحمد لله قدرنا ننعش القلب بس محدش هيقدر يدخلها، ادعولها تفوق”
نظر «عمر» ل «بيلا» ليجدها تبكي بحزن و انكسار، جذبها نحوه ليحاوطها بين ذراعيه قائلا بثقة:
-” ربنا كريم يا بيلا، قادر يرجعلها لينا هو عالم أحنا تعبنا اد ايه، و أكيد في حكمة من رجوعها لينا مش هي جعنا تاني. ”
أقترب « سليم» من «جلال» مد يديه ليصافحه قائلا بابتسامة:
-” مبسوط اني شفتك يا جلال بيه”
رفع «جلال» رأسه ينظر لذلك الشاب يبدو في نهاية العقد الرابع من عمره، لكن ملامحه تبدو مالوفة له، مد يديه مصافحاً اياه ليقول بشك :
-” هو احنا اتقابلنا قبل كدا؟ ” صمت للحظات ثم قال بجدية:
-“سليم؟! ”
تنهد الطبيب بارتياح قائلا:
-“الولد اللي كان بيجي كل يوم يوزع العيش في البيوت، و لولا كرمك عليا انا و أمي و أنك تكفلت بمصاريفي و مصاريف المدرسة بتاعتي مكنتش هبقي دكتور سليم ، انا مديونلك بكتير أوي، أطلب مني أي حاجة و انا رقبتي سداده.”
وضع «جلال» يديه بجيب بنطاله الأسود قائلا بجدية :
-” أمك عاملة ايه يا سليم؟ عندك ولاد؟”
أبتسم الأخر قائلا بفخر:
-” أمي بخير الحمد لله، عندي جلال و شروق. ”
ربت «جلال» على كتفه قائلا بحنو:
-” ربنا يحفظهملك يا سليم، لو عايز ترد الدين اللي عليك ربيهم كويس، وعلمهم ان الخير هو اللي بيبقى، مهما حاول الناس يزرعوا شر الخير هيفضل”
تنهد «سليم» بود قائلا:
-“ان شاء الله، وأن شاء الله هتقوم بالسلامة، بعد اذنك لان عندي شغل، تؤمرني باي حاجة؟”
“روح شوف شغلك يا ابني، ربنا معاك”
_______________________
في منزل آل «العلايلي»
كانت «نور» تقوم بتحضير طعام الغداء و عقلها منشغل بحالة «زينب» و الحزن بادياً على ملامحها، أفاقت من شرودها على صوت «زينة» قائلة بابتسامة:
-” ريحة الاكل تجنن حقيقي، تسلم ايدك يا نور”
أبتسمت «نور» بود قائلة على مضض:
-” بالهناء والشفاء”
اقتربت «زينة» من «نور» لتضع يديها على كتف «نور » بود قائلة:
-“شكراً يا نور”
رفعت «نور» رأسها تنظر بارتياب لزينة قائلة:
-“على ايه؟”
وضعت «زينة» يديها في جيب بنطالها القطني المنزلي قائلة بجدية:
-” باسل، تعرفي أنه أتغير كتير، أنا مش قصدي على أنه يروح لدكتورة و يبدأ يتقبل علاج نفسي، باسل اتاذي كتير من علاقة بابا و ماما المتوترة و هو كان ضحية العلاقة دي،
ماما كانت معتقدة أنها لما تكمل مع بابا في علاقة زي دي هتساعدنا نكون سويين لكن اللي حصل ان باسل هو اللي اتعقد، تعرفي لولاه كنت أنا كمان احتمال كبير يجرالي حاجة
كان في تانية كلية سياسة و اقتصاد، اخد كليته في مكان بعيد عن اسكندرية علشان يبعد عن مشاكلهم، اخدني انا كمان معه كان عند 15 سنة، كان خايف عليا افضل معاهم رغم ان قراره دا اذاه لان بابا مكنش موافق. ”
تنهدت «نور» بتوجس قائلة :
-” انا مش عارفة اعمل ايه بس انا تعبت. ”
في ذات الوقت
دلفت الي المطبخ مديرة المنزل قائلة بحزم:
-” مدام نور زيدان بيه عايزك في مكتبه ”
نطرت نور لزينة بشك بادلتها النظرة بارتياب لتقول بجدية:
-” خالص يا حجة، شوفي بتعملي اي”
نظرت لها السيدة بضيق من طريقتها السوقية قبل أن تخرج من المطبخ بضيق لتتمتم نور ببعض الكلمات الغير مفهومة قبل أن تخرج خلفها.
وقفت أمام مكتب والده بارتباك، اخدت نفس عميق قبل أن تطرق على الباب بخفة ليسمح لها الأخر بالدخول بعد ثوانِ.

 

 

دخلت قائلة بتروِ:
-” نعم يا زيدان بيه حضرتك طلبتني”
اومأ لها بجدية يغلُب عليها الحزن و الارهاق قائلا:
-“ايوة ادخلي و اقفلي الباب وراكِ”
ابتلعت ما بحلقها قبل أن تغلق الباب، كانت تسير بخطوات خافتة و عينيها تدور في المكان و كأنها تحاول استنباط ما يريده لكن فشلت و كأن عقلها رفض التفكير، جلست على ذلك الكرسي أمام المكتب مخفضه رأسها
مرت ثوانِ في صمت مريب قبل أن يتحدث زيدان بتمهل قائلا بصرامة:
-” أنت بتحبي باسل يا نور؟”
كان سؤاله واضح و صريح و كان موقف لا تُحسد عليه مشاعر مختلطة ما بين الارتباك و الغضب و الضيق، زفرت بحرارة قائلة:
-“ممكن اعرف سبب السؤال علشان اقدر أجوب على أساسه”
رد زيدان بابتسامة ساخرة:
-“سمعت زمان ان السؤال دا مش مرتبط باي أسئلة تانية، لأنه حاجه بتكون في القلب شيء تلقائي”
رفعت نور رأسها قائلة بحيرة:
-“أنا معرفش ايه اللي انا بحسه ناحية باسل أحيانا بفرح اوي و هو معايا، و يفرح لما يقولي يا شبح رغم اني ببقى متغاظه، بفرح لما بسمعه بيتكلم عن البيت اللي نفسه فيه
يحسه عيل صغير عايز يفرح وسط أهله، بزعل لما بشوفه متضايق و انا عارفة انك السبب في زعلاه، انا معرفش يعني ايه حب بس انا ساعات بخاف عليه لما يتأخر بحسه ابني و أنا المسئولة منه، في الفترة اللي فاتت عرفت عنه حاجات كتير اوي،
عرفت انه كان بيحبك اوي لكن زعلان منك،
رغم انه بيبان بارد و مستفز الا انه جواه طفل لسه خايف، خايف يخسر الناس اللي حواليه و مع ذلك مستعد لأي خيانة منهم، هو انت ازاي محستش بيه دا ابنك، معقول مكنتش فاهم ان ابنك الوحيد مريض نفسي بسبب علاقاتك، انت اذيته باسل و نيرة، هو المفروض انا اعمل ايه؟ انا مش عارفه اعمل ايه؟ ”
-” حبيه يا نور، انا عارف انه طلب غريب و ان الحب مش بينطلب بس قربي منه اكتر و اقتحمي خصوصياته، هو يبان انه مش عايز اي حد في حياته لكن وجودك معه هيفرق، يمكن علشان كدا دخلتك حياته”
عقدت نور حاجبيها قائلة بدهشة :
-” دخلتني حياته؟! مش فاهمة انت تقصد ايه؟ “

 

 

أقترب من مكتبه ليستند بساعديه على سطح المكتب قائلا:
-” اول مرة شفتي فيها باسل كان فين يا نور،مش في المستشفى لما كان بيحقق في موضوع صاحبتك ”
اومأت نور له بالايجاب ليكمل بهدوء:
-” بعد يوم مقابلة المستشفى و لما اتقابلتوا في النيابة لما ضربتي الراجل اياه، باسل خلي نيروز يجيب عنك كل المعلومات،
كان فاكر انه بيراقبني لكن ميعرفش اني كنت براقبه، عرفت انه عنده فضول ناحيتك، قررت اني أعرف كل حاجة عنك، و عرفت ظروف حياتك حتى شغلك عندي في المصنع مكنش مجرد صدفة وصاحبتك اللي اسمها ناريمان لما عرضت عليك تشتغلي في أيام العيد كان مقصود، كنت عارف ان هو بيراقبني فقررت اخد خطوة اني اطلب منك الجواز كنت متأكد انه هيعمل اللي عمله و الحكاية كملت زي ما انتي عارفة. ”
نظرت له بحدة و غضب لكن قبل أن تتحدث فُتح الباب على مصراعية، ليدخل و عسليتاه الضارية تشع بالغضب و الكره، خطواته و نظراته الحادة قا”ئلة، بداخل تشتعل النيران، و عيناه احمرت من الغضب، شعور التحكم به يق’تله، فقط تداخل والده بحياته تجعله يجن جنونه
نهض «زيدان» عن كرسيه و عيناه تبث برود عكس ما بداخله من حزن على ما فعله ليجعل ابنه كارها له لتلك الدرجة.
وقف «باسل» أمام والده قائلا بحدة :
” كمل يا زيدان بيه، احكيلي في ايه تاني مخبيه، و لا تحب تسمعني انا،
تمام خليني احكيلك شوية عن نفسي”
نظر نحو نور الواقفة و بنيتيها مصوبه عليه ابتسم ساخراً، وضع يديه بجيب بنطاله الأسود كان يتحرك في الغرفة بحركات عشوائية قائلا بصوت حاد يغلُب عليه الحزن:
-“تحب تسمع من بداية ايه، تحب تعرف ان بسبب عشت حياتي مش فاهم انا عايز ايه، انا سافرت و بعدت عنك علشان مبقاش زيك، تحب تعرف اني كنت طفل و بسمع أمي كل يوم وهي بتعيط بسبب معرفتها بعلاقاتك، طب احكيلك عن احساسي اني يتيم، احساسي اني المفروض مسئول عن تصليح أخطائك، طب محاولتش تعرف ليه كنت باخد أدوية اكتئاب، انا حقيقي وصلت لمرحلة اني مبقتش عايز حاجة من حد و لا حتى عايز مساعدتكم، و لا تدخل في حياتي تاني ”
نظر ل«نور» ثم ابتسم بحدة و اقتضاب:
-” شكرا لانك كنتِ في حياتي و حقيقي أنتِ انسانة جميلة وأنا بحسد ابوكِ انه عرف يربيك يا نور، و اتمنالك كل خير مع الإنسان اللي يقدر يكونلك عيلة سوية. ”
أقترب منها بضعة خطوات، مالي عليها مقبلا راسها ثم ابتعد ليري تلك الدموع بعينيها و التي انسابت لا ارادة منها ليطلق تنهيدة حارة :
-” أنت طالق يا نور. ”
لا تعرف لم هبطت دموعها، حاول جاهدا الا ينظر إليها ثم نظر لوالده قائلا بجدية:
-” أنا مستقيل من شركتك، كل الورق اللي تحت ايدي هسلمه لنيروز، مبروك يا زيدان بيه اتمنى تكون سعيد باللي وصلنا ليه”
ابتلع ما بحلقه و بالقوة اجبر قلبه على إلا ينظر نحوها ثم غادر القصر باكمله.

 

 

نظرت نور لزيدان قائلة بعدم استيعاب و بكاء :
-“طب هو ليه طلقني، انا ذنبي ايه؟ هو مجروح ليه يجرحني انا كمان؟ انت وجعته انا ذنبي ايه؟ هو فعلا طلقني، ليه؟ ”
كاد ان يتحدث لكنها ركضت خارج الغرفة لتصعد لغرفتهما مسرعة
ما ان دخلت الغرفة حتى أمسكت بتلك الزهرية لتقوم بكسرها قائلة بصراخ :
-“ليه ليه؟ انا عملتلك ايه؟ انت ليه شايف اني البنت الجامده اللي مفيش حاجة توجعها، مع ان محتاجة ليك تطمني، انا كملت معاك علشان انا كمان كنت محتاجك، كنت محتاجة احس بالأمان، طب انا ليه زعلانه؟ ما هو مش معقول اكون حبيته، ليه انا عايزه افهم انا ذنبي ايه”
خرجت من الغرفة كالعاصفة الهواء لا تدري لها بداية او نهاية فقط تسير مع الرياح العاصفة لروحها، فتحت باب غرفة نيرة دون أن تطرق الباب قائلة بغضب و حدة:
-” انت طلبتي مني اني اوفق تتجوزه و عمره ما هيوجعني. طب ليه حاسه بوجع في قلبي؟ طب ليه دخلني حياته لما هو ناوي يتخلي عني؟ انا حاسه بدماغي هتنفجر و قلبي بيوجعني”
لم تعرف نيرة بما تتحدث و هي ترى وجه نور الأحمر من شدة البكاء و الغضب
لتجدها تكمل حديثها بالالم:
” هو عمل كدا ليه؟ انا كدا خالص هخرج من حياته، باسل أناني انا حقيقي بكرهه، و عمري ما هسامحه انا يمكن مش بعرف اعبر عن اللي جوايا بس هو اذاني اوي”
وضعت يديها موضع قلبها تضرب عليه بقوة وهي تصرخ بالالم:
-“ليه بيوجع ليه؟ اناني وحقير و زباله بس أنا زعلانه اني هسيبه. أنا مش عايزه اسيبه
هو بيقول اكمل مع انسان تاني، طب ليه محاولش يفهم أني عايزاه هو….”
حاولت «نيرة» التحدث لكن لم تستطع و هي ترى نور تضحك بهسترية و تبكي بذات الوقت قائلة بصراخ و هسترية:
-“ليه ليه؟ ذنبي ايه؟ ”
خرجت من الغرفة و المنزل باكمله دون الالتفات وراها حتى انها لم تسمع نداء زينة و نيرة لها
” نلتقي ما بين الضياع و الالفة
تنسجم أرواحنا بنسيج من المشاعر
ما بين الخوف و الأمان تكمن علاقتنا
فتاة نسجت من أحلامها حياة وردية
و بات قلبها مُعلق بين الواقع و تلك الاحلام
جاء في النهاية ليوقظها من أحلامها،
ماذا كانت تتوقع؟
ان يأتي الحب لها و يفتح ذراعيه محتضناً اياها، لم تعلم أن قوة الحب تكمن بالألم
و الرابط بينهما غريب و قوي.
أن سعيت يوماً للحب اعلم أنك ستتمزق لأجله….
كل العشاق ذاقو من لوعة الحب ما جعلهم يتمنون لو يستطيعوا العودة لنقطة البداية حيث قلب بلا حبيبي ”
__________________________

 

 

كان يقود سيارته بلا غاية او هدف يريد الوصول له فقط يسير في ذلك العالم، روحه لا تعلم ما تريد، دموعه تنساب بحرية
تمنى لو افصح عن كل ما بقلبه لكن يعلم انه لو أخبر والده بكم الألم الذي بداخله لجعله يبكي في نفس اللحظة.
تمنى لو اخبره انه يتألم منذ وقت طويل لكن لم يخبر احد، فقط كان وجهه واجة للصلابة و القوة على الرغم من شعوره بالانقاض بداخله.
لما افصح عن تلك الأشياء الان؟ لما قرر ان ينفصل عنها في لحظة؟ ماذا فعلت له حتى يُنهي علاقته بها؟
كل تلك الأسئلة تدور بعقله و تقوده للجنون فقط بداخله عاصفة قوية تُؤلم قلبه.
غيمة الدموع التي تجمعت بعنياه شوشت عليه الرؤية حتى كاد ان يفتعل اكثر من حادث.
الان يريد أن يتحرر من كل آلمه،
يريد أن يبتعد و يسير كما هو مُقدر له،
ياخده القدر حيث لا مكان و لا هوية و لا اي صلة، حيث لا ألم و لا علاقات مفجعه
اوقف «باسل» سيارته على أحد الشواطي الخالية
ترجل من سيارته يتجه في طريقه نحو البحر و امواجه الهوجاء
صرخ بأعلى صوته و هو يضع يديه على قلبه، كان يصرخ و يحاول إفراغ كم الغضب الذي بداخله و الذي كتمه منذ ان كان طفل،
طفل رأي مشاجرات والده و والدته كل يوم
طفل رأي أمه تبكي كل يوم من أفعال والده
طفل كاد ان يموت بسبب والده
شاب شب على الخلافات، الصراعات بداخل عقله تفتك به، يبدو لك و كأنه شخص عادي لكن بداخل حروب ما بين عقله و قلبه،
تلك الحروب تجعله يتمنى لو يذهب لوالده يخبره انه كان يحبه، تمنى لو يصبح صديقه لكن كان أول شخص تسبب باذيته
باسل بغضب و صراخ:
“كل حاجة كانت هتبقى كويسة، كنت بدأت انسى و اتعفي ليه ليه بيتدخل في حياتي
ليه عايز دلوقتي يبقى اب مثالي ليه
انا تعبت دماغي مش قادر افكر ليه”
اخذ يضرب موضع قلبه بقوة و غضب لا يتناسب مع أي شخص بكامل قواه العقلية
هل هو مريض نفسي؟ كيف يتعافى المرء؟
تلك الأسئلة ظلت تدور بعقله دون اجابه هو فقط يسقط لم يعد يتحمل…..1
__________________________

 

 

في منزل آل «الشهاوي»
تجلس «حياء» في شرفة منزلها، اغمضت عينيها بحزن و آلم متذكرة إحدى ذكرياتها مع والدتها الراحلة حينما كانت شابة في بداية العشرينات ب «تروا»-فرنسا-
___عودة للماضي___
كانت تجلس حياء ذات البشرة البيضاء المتشربة من اشعة الشمس و الشعر الغجري الاسود يلامس وجهها برفق أثر حركة الهواء، تجلس على تلك الحشائش الخضراء في المراعي بينما تجلس «شغف» على مقربتاً منها و هي تراعي الاغنام.
تاففت حياء بضيق وهي تنام على تلك الحشائش رفعت يديها في الهواء تحركها بطريقة عشوائية و هي تنظر للشمس قائلة ببساطة :
-“L’Egypte vous a manque?”
“هل اشتقتي لمصر؟ ”
ردت «شغف» بحدة و صرامة:
-“اتكلمي بالعربي يا حياء”
ابتسمت حياء بحزن قائلة:
-“Je n’amie pas parler arabe parce que j’aurais amie y aller”
-“لا احب التحدث بالعربية لاني حينها اتمني لو ذهبت اليها”
تنهدت شغف بحزن لاحظته حياء نهضت تجلس، عدلت ثوبها الأزرق قبل أن تستقيم تمشي حافية الأقدام لتقترب من أمها، احتضنها لتستند براسها على كتف شغف التي ابتسمت بحنان قائلة:
-“تعرفي يا حياء انا عشت حياتي كلها بتمنى القى معجزة تغير حياتي، قابلت باباكِ وكنت فاكره انه المعجزة اللي هتحول حياتي من يوم فرحنا لكن لما جيت فرنسا و شوفتك اول ما اتولدت عرفت انك معجزتي يا حياء”
ابتسمت بسعادة وهي تنحني تطبع قبلة على وجنة والدتها لتبتعد ممسكه بيد والدتها تستمع لإحدى الاغاني الفرنسية القديمة كانت تغني و ترقص على أوتار تلك الاغنية تتحرك مع والدتها على تلك الأرض الخضراء قائلة بحماس:
-“في يوم من الايام هينتهي كل الحزن، هتشرق الشمس بحياتنا هنضل مع بعض للنهاية، العتمة هتزول، كل العتمة اللي بقلوبنا هتزول بس راح يضل الحب، بين السماء و الأرض احنا موجودين، ايدي بايدك”
ابتسمت شغف قائلة بمرح لتكمل الأغنية بسعادة :
-“لما الحب يلمس قلوبنا راح تتغير كل حياتنا ”
ردت حياء ببلاهة و هي تُبعد خصلات شعرها عن وجهها قائلة:
-” انا مش بصدق في وجود الحب على فكرة يا ماما بس انا بحبك أنت،معقول اقابل شخص يحبني زي ما أنا بدون ما يتحكم فيا، انا بحب اعيش زي الفراشة لا يزول أثر الفراشة أبداً “

 

 

ردت شغف قائلة بهدوء و عشق خفي لشريف:
-“الحب لما يجي مش هيستاذن يا حياء هتلقي نفسك تلقائيا وقعتي، تعرفي يا حياء دعوتي ليكِ انك تلقى شخص يحتوي اي حزن او خوف جواك، بصي لما تحسي بقلبك بيدق بسرعة اوي حطي ايدك على قلبك و اسمعي صوته و شوفي مين اول شخص هيجي على بالك و تبتسمي هو هيكون حبيبك. ”
ردت حياء بمشاكسة صادقة و هي تحمل حمل صغير اخذت تلمس شعره الأبيض قائلة:
” أنت حبي الابدي يا ماما، صحيح الخواجة اندريه قالي اقولك انه عايز يشتري المزرعة و يضمها لمزرعته بيقول ان بتاعتنا صغيرة و مش هنحتاجها في حاجة بس انا قولتله لا مش هنبيعها ”
” ليه بقى يا حياء؟”
وقفت تحت شجرة صغيرة قائلة:
-“علشان المزرعة دي فيها كل ذكرياتنا الحلوة و لو في يوم من الايام بعدنا لازم نرجعلها تاني. علشان بيلو – خروف- هو صديقي المقرب، البشر ملهمش امان علشان نصاحبهم تعرفي انا كنت اتمنى يكون عندي اخت، بس انتي اختي و امي و حبيبتي و كل عالمي.”
أبتسمت شغف قائلة بسعادة:
” و أنتِ معجزتي يا حياء”
______عودة للوقت الحالي_____
فتحت حياء عينيها و هي تُبعد خصلات شعرها الغجري عن وجهها قائلة باشتياق:
-” أنت معجزتي يا حياء، بس الحقيقة أنت معجزتي يا ماما، لما بحط ايدي على قلبي و ابتسم أنت اللي بتخطري على بالي، يمكن لان الحب دايما للحبيب الاول و أنت حبي، تعرفي انا مشتاقة ليك بس لما بشوف جلال بفتكرك و بفتكر المزراعة و بفتكر بيلو و الخواجة اندريه، ساعات بحس جلال هو كل حاجة جميلة عديت بيها، كان نفسي اعرفك عليه يا ماما، و اعرفك على زينب و صالح و إيمان و يوسف و شهد، انا عندي اخت، هي صحبتي الوحيدة هي و إيمان انا أم يا ماما و جده عندي تلات أحفاد زي القمر، لسه في الحضانة ان شاء الله هيكونوا كويسين و كمان واثقة في ربنا انه مش هيحرمهم من أمهم، هي في القاهرة بس تعبت كتير اوي ان شاء الله هتقوم بالسلامة ”
فاقت من شرودها على صوت رنين هاتفها، نهضت لتلتقط اياه لتجد رقم مجهول
ردت بهدوء قائلة:
-” ايوة مين معايا؟ ”
رد شخص ما بصوت هادي قائلا:
-” شيف حياء الهلالي، صاحبة مطعم شغف الحسيني الاسكندراني”
ردت حياء بالموافقة :
-” ايوة انا يا فندم مين معايا”
-” انا مراد المصري، من منظمين مسابقات الاكل و سمعت عن حضرتك كتير و عن مطعمك و الشهرة الكبيرة اللي حصل عليها و حقيقي استغربت انه اتقفل رغم ان كان في شهرة كبيرة جدا عليه ”
ردت حياء ببساطة و هدوء:

 

 

-” المطعم اتقفل لان وصلت لمرحلة اني قدمت كل اللي امي علمته ليا و قدمت كل اللي بعرف اعمله و انا عندي حياتي الخاصة، بس مش فاهمه حضرتك عايز مني ايه؟ ”
رد مراد باعجاب قائلا:
-” انا من المعجبين بحضرتك جدا في المجال دا لأنك بجد موهبة كبيرة، انا شفتك شخصيا من عشر سنين و حضرت اوقات كتير في المطعم بس بعدها سفرت ألمانيا بسبب شغلي المهم دلوقتي حضرتك سمعتي عن مسابقة مواهب المطبخ اللي هتم بعد شهرين”
ردت حياء و هي ترفع شعرها ذيل حصان قائلة:
-” سمعت عنها هتكون في اسكندرية بس انا ايه علاقتي بيها”
رد مراد بهدوء قائلا:
-” المطعم بتاعك هيكون مكان مميز جدا لاقامة المسابقة لانه في مكان مميز في اسكندرية و حابب اقابل حضرتك لو عندك وقت ممكن بكرا او النهاردة، حابب نتكلم في التفاصيل المطعم جميل جدا و في مكان رائع حقيقي حرام يتقفل، لو عندك وقت ممكن نتقابل بعد ساعتين في مطعم…. ”
تنهدت حياء قائلة:
-” بس انا مشغولة و المطعم غالي عليا و اكيد مش هحب يحصل فيه اي تعديلات”
رد مراد قائلا بجدية:
-” مش هاخد من وقت حضرتك نص ساعة و ثانيا احنا مش هنغير حاجه بس هنعمل شوية تعديلات بسيطة جدا، لو وفقتي هستنا حضرتك و صدقيني مش هاخد من وقتك ”
ردت حياء قائلة بموافقة:
-” تمام كمان نص ساعة هكون في المطعم ”
أبتسم الأخرى قائلا:
-” في انتظار حضرتك”
اغلقت الخط ثم أجرت اتصال مع جلال لكن لم يجيب لعدة مرات
توجهت نحو غرفة الثياب لتبدل ثوبها لآخر عملي و ارتدت حجاب ابيض.
خرجت بعد مدة متجهه لذلك المطعم و الذي يُعد ملك لزوجها منذ سنوات.
حاسبت سائق السيارة الاجرة ثم دلفت لذلك المكان.
ما ان دلفت للمكان حتى تلقت التحية من العاملين به.
وقف أمامها رجل يبدو في نهاية العقد الخامس ذو لحية بيضاء و قد زحف الصلع لرأسه.
أبتسم مراد بلباقة قائلا:
“مدام حياء اهلا بحضرتك، انا مراد المصري”
ردت حياء بجدية:
-“اهلا يا فندم”

 

 

جلست على إحدى الطاولات و هو في مقابلها قائلا باعجاب:
-“حضرتك لسه جميلة زي اخر مرة شفتك فيها في المطعم”
أجابت حياء بحدة :
-“لو سمحت يا استاذ مراد تحفظ حدودك، و تدخل في الموضوع على طول ”
رد مراد قائلا بوقاحة :
-” انا اسف يا فندم بس الصراحه انا بحسد جوزك عليكِ”
ضربت حياء على سطح الطاولة قائلة بغضب :
-“انت انسان وقح و انا غلطانه اني وفقت اقابلك ”
كادت ان ترحل الا انه قال برجاء:
-” انا اسف يا فندم ممكن نتكلم في الشغل و انا فعلا مش قصدي حاجة”
زفرت حياء بغضب قائلة:
-” ياريت تتفضل تتكلم ”
-” المطعم بتاع حضرتك انا عندي استعداد اشتريه لانه في مكان يعتبر وجهه للسياحة في اسكندرية و المسابقة دي هيحضرها ناس من أماكن مختلفة في العالم، انا موافق على السعر اللي تحدديه”
صمتت للحظات و عقلها عاد لأول ذكرى لها بذلك المطعم حينما أهداها جلال اياه لتقول بهدوء قاطع:
-” انا اسفة يا استاذ مراد، المطعم مش للبيع و اتمني لحضرتك تلقى مكان تاني احسن منه بعد اذنك”
كادت ان تغادر الا انه امسك يديها قائلا بجدية:
-” اسمعيني بس يا هانم”
نظرت بحدة بيديه قائلة بغضب و صوت عالي:
-“ابعد ايدك دي عني.”
حاولت جذب يديها لكنه لم يتركها قائلا بلهفة:
-” مدام حياء المطعم حرام يتقفل انا ممكن ادفعلك اللي تطلبيه ايا يكن المبلغ ”
لم تجيب عليه بل جاءت تلك اللكمة على هيئة جواب له ليسقط أرضا من شدتها،
رفع رأسه بآلم وهو يضع يديه على خده ينظر لذلك الواقف و خضراوتيه مشتعلة بحمرة الغضب.
اما عن حياء فشعرت بالخوف كيف جاء فجأة هكذا؟ متى علم انها بحاجة اليه؟ لكن هل سيمر الأمر بهدوء هكذا
نزل بجزعه بغضب و هي يستند بيديه على ركبته قائلا بغضب أمام مراد قائلا:

 

 

-“واضح إنك مش من اسكندرية، اصل اللي ميعرفش ان حياء الهلالي خط أحمر يبقى ميعرفش جلال سليمان الشهاوي”
ابتلع مراد ريقه بصعوبة قائلا بتوتر:
-“انا… انت”
امسك جلال بفكه السفلى وهو يضغط عليه بحدة و غيرة قائلا:
-“انا جلال الشهاوي و المدام اللي انت اتجرت و مسكت ايديها تبقى حرمي، يعني انت كدا ارتكبت خطئين
عليت صوتك في مكاني و مطعمي
مسكت ايد مراتي بالغصب، عندنا في حاجة اسمها أصول و اللي ميعرفهاش لازم اعلمهالو”
ما ان انهي جملته حتى ضر”به مره اخرى بغضب و حدة، حاولت حياء ابعاده قائلة بخوف:
-“جلال محصلش حاجة ابعد عنه، سيبه معتز يا فريد”
جاء اثنان من العاملين بعد نداء حياء عليهما
حاولا أبعاد جلال الذي ابتعد عنه قائلا بحدة:
_”لما تبقى في مكان لازم تحترم صحابه، و لما تقف مع واحدة لازم تحترمها ”
أنهى جملته ممسكا بيديها بقوة خرج من المكان و هي تتبعه بغضب من أفعاله اللاعقلانيه
فتح باب السيارة قائلا بحدة:
-” اركبي”
أجابت بتدمر و غضب:
-” مش راكبه ممكن افهم ايه اللي عملته دا،جلال انت بجد اووف اقول ايه بس فوضت أمري لله”
مال عليها قائلا بحدة :
-” اركبي يا حياء واقصري الشر علشان عفاريت الدنيا بتنطط ادامي”
عضت على شفتيها بغيظ قائلة:
-“لينا بيت نتكلم فيه يا ابن الشهاوي ”
صعدت السيارة دون أي حرف اخر و هو كذلك لم يتحدث
وصل للمنزل و أغلق الباب خلفه ليقول بحدة:
-” ها يا هانم ناوية تقولي ايه؟”
أجابت حياء بغضب :
” جلال انت شلفط وش الراجل، مكنش فيه داعي لكل دا “

 

 

أقترب منها ليقف أمامها مباشرتا قائلا بنبرة خافته :
-” اللي يقرب منك و يضايقك يبقى هو اللي أختر يقف ادامي يا حياء متلومنيش لان الذنب مش عليا الذنب الاول و الاخير عليك أنتِ ”
التمعت عيناها بالدموع و كادت ان تبكي قائلة بعتاب:
-” عليا انا؟! انا ذنبي ايه؟”
غمغم و لم يرتجف جفنه قائلا بنبرة جادة :
-“ذنبك الوحيد أنك خليتني أحبك و اتلهف لرؤية عيونك، ذنبك انك خليتي قلبي أسير، و انا عمري ما حد اسرني يا حياء و اكون راضي، اد ما بكون راضي معاكِ، فالذنب ذنبك انتِ و ذنب عيونك اللي بتلمع لما بتشوفيني”
ردت حياء و دموعها تنساب على وجنتيها :
-“وانا مش عايزه اتوب عن الذنب دا، بس لازم تعرف ان مهما حصل حياء بتحب و تحترم جلال، و اللي عملته يدل انك مش عاوز تفهم اننا مش الاتنين اللي قابلوا بعضهم الشاب و البنت، احنا كبرنا لازم تفهم دا يا جلال، اوعي تفكر اني هبقي فرحانه لما تاذي حد و تاذي نفسك بسببي”
مال عليها مقبلا قمة رأسها :
-” انا يا حياء لو كبرت يوم فحبي كبر ليك بحق كل لحظة بينا، و أنتِ اكتر واحدة عارفه ان مش انا اللي اسيب حقي و لا حق أهل بيتي، ياله جهزي نفسك هاخدك انتي و شهد و نروح لزينب، الاولاد احتمال يخرجوا من الحضانه النهاردة و بيلا لازم تكوني معها، النهاردة زينب كانت هتروح مننا لولا ستر ربنا، ادعيلها يا حياء لان حالتها بتسوء للاسف”
تنهدت بحزن قائلة:
-” بدعلها يا جلال، ان شاء الله تقوم بالسلامة لأجل الاولاد و صالح هو كمان صعبان عليا اوي بس متضايقة انه مش عايز يشوف الاولاد، مينفعش كدا دول ولاده”
التمعت عيناه بالدموع قائلا:
” صالح اكتر واحد صعبان عليا من يوم اللي حصل و هو ضعيف اول مرة احس ان ابني ضعيف يا حياء و مقدرش اساعده و لا أقوى قلبه، يمكن لان قلبه متعلق بيها ”
سألته حياء بهدوء قائلة:
-” انت عرفت اني في المطعم ازاي؟ ”
” كنت راجع البيت لكن موبيلي رن و محمود اللي شغال هناك كلمني و قالي انك هناك ”
” طب ليه لما رنيت عليك مش رديت؟ ”
” الموبيل كان بعيد عني و كان معايا حد، ياله بس شوفي هتعملي ايه علشان نروحلها”
اومأت له بجدية قبل أن تغادر الصالون
________________________

 

 

في منزل «سالم»
صعدت نور الدرج بخطوات مهتزة و قلب مرتجف، عيونها منتفخه أثر بكائها
جلست على احدي الدرجات و دموعها تنساب بلا توقف، تشعر بالحزن اتجاهه و اتجاه قلبها.
أحيانا يتوجب علينا البكاء، حينها نشعر ببعض الراحة لكن لما لا يرتاح قلبها،
في نفس التوقيت
نزل سالم الدرج ببطي و إرهاق لتئدية صلاة المغرب في المسجد لكنه فوجئ بابنته تجلس و تبكي انقبض قلبه بخوف و هو ينادي عليها
جلس بجوارها بينما أخفضت رأسها
ابتسم بحنان مد انامله أسفل ذقنها بيرفع وجهها له قائلا بحب ابوي ممزوج بخوف:
-“طب يهون عليكِ وجع قلبي دلوقتي؟ مالك يا قلب أبوكِ”
لم تستطيع التحدث بينما احتضنته قائلة بالم:
-“قلبي وجعني اوي يا بابا اوي، هو انا ليه مش زي باقي البنات؟ ، يمكن لو كنت بعرف أظهر مشاعري كان عرف اني عايزه هو برغم عُقده برغم طريقته معايا، أنا حتى مش عارفه لو دا حب و لا مجرد احتياج، أنا زعلانه اوي وقلبي وجعني اوي و تعبت يا بابا هو انا غلطت لما وافقت اتجوزه، و لا غلطت لما اتعاملت بخشونة مع الدنيا، انا كنت بشتغل وسط رجالة في المصنع مكنش ينفع ابقى البنت الناعمة كان لازم اتعامل كدا و ابقى كدا طب هو كان ممكن يحبني لو حسيته اني مهتمة بيه، أنا اتعاملت معه على أنه ابني و اخويا و صاحبي حبيت أقرب منه و كأننا صحاب اخليه يقدر يحكيلي اللي وجعه لكن هو وجعني معه، انا اتعاملت معه كأنه كل حاجة الا انه جوزي و هو طلقني عارف يا بابا نفسي اشوفه دلوقتي و اضربه بالقلم على وشه و اقوله انه غبي اوي اوي يا بابا و أني زعلانه منه ”
احتضنها بحنان لتندس بين احضانه تبكي بذعر دون أن تعلم كم مر عليها من وقت، مر أكثر من ساعة و لم يمل أبيها من حديثها و بكائها فقط ظل يستمع لها باهتمام بينما تبكي بحزن و غضب لكن لا تستطيع الصراخ مثله
ساعدها في النهوض لتصعد معه السلم و دلفت الى المنزل و الذي ما ان رآها شقيقها الاصغر حتى صاح بسعادة:
-“نور وحشتني اوي اوي”
اكتفت بابتسامه جميلة وهي تجلس أرضا لتخرج من جيبها كرات صغيرة من الشكولاته قائلة بحب :
-“انت كمان كنت وحشني اوي و كنت ناوية اجي بكرا و كنت جايبالك الشكولاته اللي بتحبها بس خالص انا هفضل معاكم و مش همشي تاني، و ياريتني ما مشيت”

 

 

رفع يديه يمسح دموعها قائلا بحزن و بكاء طفولي:
-“هو انتي بتعيطي يا نور؟”
هزت رأسها قائلة بحماس و سعادة زائفة:
-“لا طبعا محدش يقدر يخليني اعيط ياله خد الشكولاته و ادخل ذاكر مع سيف، انا بس تعبانة شوية هدخل انام و لما اصحى هنقعد سوا ماشي؟
اومأ لها بالموافقة نهضت تتجة نحو غرفتها، ما ان دخلتها و اغلقت الباب خلفها حتى ارتمت فوق الفراش و عقلها يتذكر كل كلمة بينهما و كل ضحكة وقحة خرجت من شفتيه، كل لحظة حزينة، مشاكسته و ضحكاته .
وضعت الوسادة فوق وجهها تمنع دموعها من الهبوط لكن كيف للعقل ان يكف عن التفكير و كيف للقلب ان يرحمها من ذلك الألم…..
__________________________
في المشفى بالقاهرة
كانت أيمان تقف أمام الحضانة تنظر للأطفال بابتسامة حزينة، تشعر بالنفور من نفسها، تشعر بكم الأنانية التي كانت تنسجم به،
أنانية هذا ما يدور بعقلها، حتى انها تشعر بالاشمئزاز من تفكيرها المريض، تمنت لو تركض نحو والدها و تخبره انها خائفة
أقترب يوسف منها بابتسامة هادئة لامح تلك النظرة في عيناها لكن لم يستطيع تفسيرها مال عليها مقبلا راسها قائلا بابتسامة:
-“شكلهم حلو مش كدا؟”
اومأت له ثم تابعت بحزن:
– “يوسف أنا خايفة، انت واثق فيا؟”
لم يجيبها بل احتضنها مربتا على ظهرها بحماية و حنان قائلا:
-“واثق فيكي يا أيمان و بحبك عارفة ليه؟ علشان أنت العهد اللي انا اخدت أدام ربنا اني افضل أحبك طول العمر و مهما حصل هتفضلي في قلبي، و ربنا يقدرني و اقدر احفظ عهدي”
رفعت راسها قائلة :
-” يوسف هو انا أنانية؟ ، أنا بنت مؤمنة ان اللي ربنا عايزه هيكون لكن خوفي للحظات خلني اخد حبوب لمنع الحمل انا عارف انك”
-” ششش أيمان أنا بحبك عارف اللي أنت كنتي مخبية عليا لان شفت الحبوب قبل ما نسافر و عارف انك وقفتيها، أنا مش غبي و أنت لأنك بريئة مقدرتيش تخليه سر،

 

 

انا كنت عارف رغم اني كنت متضايق من انك خبيتي عليا حاجه زي دي الا اني كنت مقدر خوفك، بس أنت غلطتي يا أيمان كان المفروض انا اول واحد تيجي تقوليله على خوفك من موضوع الحمل و احنا برا مصر ”
-” انا اسفة يا يوسف انا حقيقي اتصرفت بدون تفكير، بس ليه انت مقولتليش انك عارف الحقيقة و عارف اني اخدت الحبوب دي”
أبتسم يوسف برفق قائلا:
-” تقدري تقولي كدا يا ستي اني عارفك كويس و عارف إنك هتروحي لوالدتك تتكلمي معها و هي هتنصحك توقفها، و كمان عارف ان ضميرك هيئنبك لوحدك و الصراحة كنت عايز اعرف لو هتيجي تحكيلي و لا لاء
و السبب الأهم هو اني غلطت في الأول خالص لما سفرت و سيبت مصر لكن أنت وقتها عملتي ايه؟ كان ممكن توافقي على العريس اياه و تنسيني خالص لكن ادتني فرصة تانية لأنك بتحبيني و انا كمان بحبك و عايز اكمل حياتي معاكي يا ايمان”
” طب انت مش زعلان ان موضوع الحمل اتأخر ”
هز راسه بمعنى لا ليقول بجدية:
-” اولا مكنش اسبوع اخدتي فيه الحبوب دي، ثانيا و دا الأهم دي ارادة ربنا، لما يريد اننا نكون أم و اب ساعتها هيحصل، ممكن بقى تبطلي الزعل و الاحساس الوحش دا لان مش لايق على عيونك الحزن”
ابتسمت قائلة بهدوء:
-” انا ربنا رضاني و رضا قلبي بحبك يا يوسف”
تنهد براحة وهو يضع يديه على كتفها ينظر عبر الزجاج لهؤلاء الأطفال بحب
________________________
دلفت الممرضة الي الغرفة تحمل بين يديها طفلتنا و أخرى خلفها تحمل ولد صغير
لتقول بجدية و صوت منخفض:
-“صالح بيه الاولاد”
نهض عن ذلك الكرسي وهو ينظر لها ثم اخفض بصره ينظر للفتاتان، كانتا صغيرتان جدا ملامحهم بريئة، تخطف العقل و القلب من نظرة واحدة
مد يديه بحملهم بحنان و حب فطري لتقول الممرضة بحزن و انكسار:
-“ان شاء الله هتقوم بالسلامة”
وضعت الممرضة الأخرى الولد علي الفراش بجوار زينب ثم خرجتا من الغرفة.
ظل ينظر لهم بهدوء وخوف طفيف لا يعلم مصدره، شعور أنك أب مسئول عن أطفال يجعلك ترتجف من الداخل، فتحت أحدهما عينيها لتلمع رماديتيها الصغيرة.

 

 

انسابت دموعه لا اراديا ليقول بخوف و حنان:
-” طب قوللها انتَم بقى خلوها تصحى، هي هتسمعكم انتم،يمكن زعلانه مني علشان كدا مش عايزه تقوم و تكلمني بس اكيد مش هتزعل منكم لأنها بتحبكم اوي، بتحبكم أكتر من حبها ليا انا، قوللها اني مش هقدر اربيكم لوحدي و اني ضعيف من غيرها و اني بحبها اكتر من نفسي”
وضع الفتاتان بجوارها، أمسك بيدي زينب ليضعها على يدي ابنته و ابنه
ما ان وضع يديها حتى قام ابنهما بمسك اصبعها بقوة ضعيفة.
أبتسم صالح وهو يمرر يديه على وجنتها اطلق تنهيدة حارة بالم الي متي ستظل بعيد عنه
______________________
في إحدى المصحات النفسية
دلف عمر الي داخل المصحة بشموخ و خطوات ثابتة كان يسير في الممر الطويل ببرود شديد و هو يستمع لصوت الصراخ يأتي من إحدى الغرف
لم يبالي بكل هذا بل ظل يمشي في طريقه الي ان وصل أمام غرفة
قام الممرض بفتح الباب قائلا:
-“تؤمرني بحاجة تانية يا باشا”
رد عمر بجدية و كبرياء حاد:
-“اصبر علي زرقك لسه في بينا كلام بس سيبني معها”
اومأ الممرض بالموافقة قائلا:
-“بس الله يرضا عليك ما تتأخر يا باشا الدكتور لو مر علي الاوض و شافك هيقلب الدنيا”
لم يرد عمر عليه وهو يدلف لدخل الغرفة كانت ذات الون الأبيض كل شي بها بارد و مخيف
نظر لتلك الجالسه فوق الفراش تضم جسدها بخوف، سحب كرسي ليجلس بجوار الفراش قائلا:
-“موجودة في المكان اللي يناسبك يا عصمت هانم”
رفعت راسها و هي تستمع لذلك الصوت الذي تبغضه قائلة بسخرية:
-“عمر الرشيد”
اومأ له قائلا بابتسامة:
-“عمر الرشيد، ها قوليلي ايه رايك في الإقامة في مستشفى المجانين”
ردت عصمت بحقد :
-“انت فكرك انا هفضل هنا يا عمر تبقى بتحلم، الدكتور هيثبت ان سليمة و مفيش حاجة و هخرج حتى لو اتحبست و دخلت السجن مش هيفرق عندي”

 

 

صدحت ضحكته الرنانه بارجاء الغرفة قائلا:
“تخرجي؟! لا يا عصمت دا انتي اللي بتحلمي اوعي تكوني فاكره ان السجن مصيرك تؤتؤ اصل نسيت اقولك ان انا رشيت الدكتور و التقرير بتاعك جاهز انك مجنونة و صحيح هيعفوكي من السجن اللي وراء القضبان لكن مش هيعفوكي من السجن بين أربع جدارن، سجن جلسات الكهربا، ولا ادواية الاكتئاب و الأهم هو فلوسك، نسيت اقولك فلوسك انا اتبرعت بيها لجمعية كبيرة هيعملوا مشروع للشباب ”
صرخت عصمت بهسترية وعادت للبكاء و الصراخ الجنوني :
-” لا يا عمر بلاش الفلوس علشان خاطر بيلا اديني فلوسي ، مش مهم اخرج بس اديلي فلوسي، فلوسي فلوسي”
ثم هبت واقفة بجواره تهزه بجنون:
-” فلوسي لا يا عمر انت قلهم دي حقي انا”
نظر لها باشمئزاز قائلا:
” انسانة حقيرة و زبالة اد كدا الفلوس عميه عنيكي، روحي يا عصمت ربنا ياخدك بس لا مش بسهولة كدا اللي عملتيه في بيلا و في ملك هتدفعي تمنه الطاق طاقين، انا بقى مجهزلك بروجرام هيجعبك اوي بين كهربا و أدوية هلوسة و اكتئاب و حيس انفرادي في الاوضة دي لا لا متقلقيش هيعجبك،صحيح نسيت اقولك امك ماتت تفيدة خانم مستحملتش وماتت من يومين و علشان انا بعرف في الأصول دفنتها في مقابر العيلة رغم ان اللي زيكم ميستاهلش بس اللي امك عملته انت هتدفعي تمنه ضيفي عليه حسابك يا عصمت “

 

 

كانت تصرخ بهسترية مردد تلك الكلمات :
-” فلوسي لا يا عمر فلوسي ”
نظر لها باشمئزاز و كره بينما ظلت تردد كلماتها بجنون حتى فقدت الوعي.
لم يهتم كثيرا وهو يغادر الغرفة لكن لن يتركها الا عندم تتألم و تصرخ كل يوم وكل ليلة

يتبع

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية وليدة قلبي (اطفت شعلة تمردها 2))

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *