روايات

رواية وليدة قلبي (اطفت شعلة تمردها 2) الفصل الثامن والثلاثون 38 بقلم دعاء أحمد

رواية وليدة قلبي (اطفت شعلة تمردها 2) الفصل الثامن والثلاثون 38 بقلم دعاء أحمد

رواية وليدة قلبي (اطفت شعلة تمردها 2) البارت الثامن والثلاثون

رواية وليدة قلبي (اطفت شعلة تمردها 2) الجزء الثامن والثلاثون

وليدة قلبي (اطفت شعلة تمردها 2)
وليدة قلبي (اطفت شعلة تمردها 2)

رواية وليدة قلبي (اطفت شعلة تمردها 2) الحلقة الثامنة والثلاثون

أنا هنا تائهة وحدي، كل الذكريات السيئة تلاحقني،كيف لقلب ملئ بالغبار ان يُزهر عند رؤيتكَ؟
_________________________
تركض في تلك الغابة المظلمة وحدها، تركض بأقصى سرعة لديها نحو شعاع النور، الغبار يملاء المكان، تلك الأشجار السوداء تدب الرعب بقلبها، حتى تلك البركة ذات المياة الملوثة، تلك الأصوات تجعلها تزيد من سرعتها ،شعرها الاسود يتناثر حول وجهها، دقات قلبها و أنفاسها الحارة تتعالى الأصوات،تركض بأقصى سرعتها.
حاولت «زينب» الهروب من ذلك الظلام الذي يلحقها، ما أن أقتربت من النور وجدت نفسها تقف في صحراء خالية من البشر، أمامها البحر و خلفها تلك الغابة
و هي بينهما تقف مذعورة خائفة
وضعت يديها على اذنيها و هي تصرخ من شدة الألم الذي تشعر به و الوحدة الذي تعم ذلك المكان
جلست أرضا على تلك الرمال، وجدت يدي تُمد اليها، رفعت رأسها تنظر له
ملامح حزينة وعيون خضراء مطفية، ظلت تُمعن النظر اليه بارتياب، رفعت يديها لتمسك يده لكن تناثر رماده فجأة و اختفى تلاشي كأنه لم ياتي.
شهقت «زينب» فجأة بذعر في تلك الغرفة المطلية بالون الأبيض، كانت تتنفس بسرعة و ذعر و هي تحاول استيعاب ما يحدث، قبل أن تقوم بإزالة جهاز التنفس الصناعي منافذ تنفسها، دموعها هبطت و هي تدرك انها نائمة في تلك الغرفة و كل ذلك كابوس
دلفت الممرضة الي الغرفة بسرعة، ابتسمت بسعادة قائلة :
-“حمدالله على السلامه يا مدام زينب، كلهم كانوا قلقنين عليك”

 

 

حاولت «زينب» النهوض الا أنها تأوهت بألم لتصع يديها على بطنها قائلة بفزع و دموع:
-“أولادي؟”
ربتت الممرضة على كتفها قائلة باهتمام لتهدء من روعها :
-“متقلقيش هم كويسين، احنا دخلنهم الحضانة بعد الولادة بس الحمد لله كويسين”
سألتها زينب بارهاق و تعب:
-” هو ايه اللي حصل؟ فين بيلا؟ و صالح و الولاد”
ردت الممرضة بهدوء قائلة:
-“الولاد بخير الحمد لله و هما مع بشمهندس صالح في الاوضة اللي جانبنا دي مع الولاد، أنتِ جيتي المستشفى من اكتر من اسبوعين في حالة ولادة مبكرة، كنتي خلفتي في مستشفى المنصورة و للأسف لان الولادة كان فيها إجهاد كبير فقدتي الوعي و اتشخصت غيبوبة مؤقته، مدام بيلا كانت هنا لكن نزلت الكافتيريا مع عمر بيه والد حضرتك”
التمعت عيون زينب بالدموع قائلة بلهفة:
-” بابا؟ أنا عايزه اشوف صالح و الاولاد ”
اومأت لها الممرضة بالموافقة قائلة بهدوء:
-” هروح اقول للدكتور و لصالح بيه”
كادت ان تغادر الا ان زينب قالت بجدية :
-” خديني لصالح، أنا كويسة و هقدر اقوم”
ساعدتها الممرضة في النهوض، كانت تتحرك ببطئ و تعب، لكن رغم المها كان قلبها متلهف لرؤية أطفالها و زوجها و كم اشتقت له، كانت بين كوابيسها المظلمة تفتقده و تفتقد دفء احضانه، تفتقد شعور الأمان.

 

 

في نفس التوقيت
دلف عمر الي ذلك الممر الطويل متجه نحو غرفتها رغم شعوره بالحزن و قلبه الذي يتألم، كم يتمنى ان يغمرها بحبه الذي افتقدته طوال حياتها.
خرجت زينب من الغرفة رفعت رأسها تنظر لذلك الذي يقترب منها بخطوات ثابته واثقة و هيمنة شخصيته تغلفه.
ازدادت نبضات قلبها حتى كادت ان تسمعها، افلتت يديها من يدي الممرضة و هي تتجه نحوه و عيناها الرمادية التقت من رماديته الجميلة
شعر عمر بارتجاف اوصله كلما اقتربت المسافة بينهما، ايا ليت لم يُكتب علينا الفراق، تراكمت طبقة طفيفة من الدموع بمقلتيهما.
وقفت زينب أمامه و عيناها تشمله بنظرة متالمة، عيونها ذرفت الدموع على غير هُدي و هي ترى عمر يفتح ذراعيه لها، ألقت بجسدها بين ذراعيه تشهق بذعر و هي تتشبث به بقوة.
ظلت يديه معلقة في الهواء وهي تتمسك به بقوة، انسابت دموعه قبل أن يضمها بقوة حتى كاد أن يدفنها بين ذراعيه قائلا ببكاء و قلبه يكاد يبكي:
-“حقك عليا يا ملك و الله العظيم حقك عليا و على قلبي، يشهد رب العالمين اني كنت بتعذب، عمري ما تخيلت ان أقرب الناس ليا هم اللي يطعنوني في قلبي و ياخدوكِ مني، لسه فاكر اول مرة شيلتك فيها بعد ما اتولدتي وقتها حضنتك و قلبي ارتعش هو نفس الشعور اللي انا حاسس بيه دلوقتي، فاكر اول مرة سمعت نبضك وقتها كنت خايف معرفش ابقى اب كويس ليك لكن ربنا حرمني منك قبل حتى ما اشوفك، حقك علي عيني وثقت في ناس موتى كان حلمهم و فلوسي كانت امالهم، لو كنت اعرف ان الفلوس قصدها بُعدك عني والله كنت رميتهالهم بدون لحظة تفكير. ”
اغمضت زينب عينيها بتثاقل و تعب قائلة:
-” عارف انا كم مرة احتاجت ليك بجد، عارف كم مرة خفت من كلام الناس، عارف كم مرة خوفت اكون بنت حرام”
صرخ عمر بحدة و هو يربت على ظهرها يحنان:
-” كدب و افتراء اي واحد يقول كلمة وحشه في حق بيلا يبقى معندوش دين، يعلم ربنا ان مقربتش منها الا وهي على ذمتي و بعلم أهلها و أخواتها و جدتها و أدام ربنا و الناس كانت مراتي و حبيبتي و أنتِ كنتي أغلى ما عندي و هتفضلي حبيبتي الحقيقة، أنا تعبت لسنين طويلة اوي، كنت لوحدي لا عرفت انسى بيلا و قدرت اتخطى بُعدك و فكرة انك مُت كانت بتقت”لني بالحياة، لكن خالص معدش في بُعد تاني و لا وجع خالص هنرجع تاني أنا و أنت و هحضنك و اطبطب على قلبك لما تزعلي و أنت هتفضلي معايا و مش هتبعدي تاني ابدا.”
رفعت ملك رماديتيها تنظر له مررت يديها على ذقنه الخفيفة قائلة بدموع و خوف:
-“انا عندي أم و أب مش لوحدي و مش هبقي لوحدي تاني مش كدا؟! ”
سألته بخوف و رجاء يجعل القلب ينفطر لأجلها، حاوط عمر وجهها بين يديه مقبلا قمة رأسها بحنان:
-” مش هتبعدي تاني و لا هتكوني لوحدك مهما حصل كفاية كل السنين دي كفاية اوي”
كادت ان تسقط مع شعورها بالدوار بينما قام عمر بحملها، كم رسم بعقله ذكريات جميلة بالماضي، بني عالم باكمله لها، كان يحلُم بأن يكون أب لها، تمنى حملها و العب معها، تمنى ان يحيى معها شبابه و طفولتها الا ان القدر كان له رأي خاص
أسندت براسها على صدره لا تخشى شئ و كيف تخشي بعد أن وجدت عائلتها كل الدموع التي انهمرت على وجنتها كانت سبيلها للراحة لكن الآن تلك الدموع ما هي إلا سعادة1
وضعها عمر بالفراش و جذب الغطاء عليها قائلا بسعادة:
-“بيلا هتفرح اوي اوي لما تعرف انك فوقتي”
ردت زينب بسرعة و فزع:
-“بابا انا عايزه ولادي”
تنهد براحة ثم مال عليها مقبلا وجنتها قائلا:
-“هجيبهمالك”
اومأت له ليخرج من الغرفة، وضعت يديها على عينيها و هي تبكي لا تعلم لماذا فقط هو شعور بالسعادة يغمرها بضراوة.
في الغرفة المجاورة
كان صالح ينام على كرسي بجوار الفراش و يستند براسه على حاجز الفراش الذي عليه أطفاله الثلاثة ينامون بهدوء ، ثلاثة أطفال و كأنهم ثلاث ملائكة، النظرة لوجههم تعطيك الكثير من السعادة و الراحة
بينما وضع يديه على الفراش فأخذت فتاة منهم تمسك باصبعه و هي نائمة براحة و هو كذلك
فتح عمر باب الغرفة و دلف اليها بهدوء، اخفض بصره ينظر لصالح بنظرة مبهمة، شعر ببعض الارتياح نحوه رغم شعوره بالغضب منه فيما قبل ربما لانه تمنى ان يختار زوج أبنته بنفسه، يختار شخص يثق به و يعرفه، لكن ذلك المشهد الذي يراه أمام عينيه، و خوفه عليها في الفترة الماضية و اهتمامه بها جعله يشعر ببعض الارتياح نحو .
رفع يديه ليوقظ صالح قائلا بجدية:
-“صالح، صالح”

 

 

عقد ما بين حاجبيه بنوم و هو يفتح خضراوتيه قائلا بفزع :
-“زينب حصلها حاجة؟”
“بعيد الشر، الحمد لله فاقت.”
خفق قلبه بضراوة و التعت عيناه بلهفة ليقول برجاء :
-“فاقت… أخيراً”
سحب يديه برفق من قبضة الصغيرة ثم غادر الغرفة دون تمهل، دلف بسرعة الي الغرفة المجاورة حيث توجد زينب (ملك) كانت مغمضة العينين تبكي كلما تذكرت ما مضى
الا ان دخوله المفاجئ جعلها تفتح عينيها و ما ان فتحتهما وجدته يجلس بجوارها جذبها نحوه محتضنا إياها بقوة لتندس بين ذراعيه تشعر بالأمان و الحب رغم انه لم يعرف هويتها الا انه أحبها كما هي، أحبها هي، لم يُحاسبها على شي ليس له يد به كم فعل الناس، هو أحب روحها البريئة، لم يكتثر بكلام الناس عنها فقط ارغم قلبه على حبها.
لم يعايرها يوماً بأنها لقيطة او ما شبة، فقط انغمس في عشقها و أحب الحياة برفقتها، عاملها و كأنها فعلا وصية الرسول صل الله عليه وسلم .
كادت ان تختفي بين ذراعيه ليقول بصوت متحشرج أثر مشاعره :
-“هونت عليكِ و هان عليكِ قلبي توجعيه”
لم تستطيع الأجابة في حين دفنت وجهها بعنقه و شعرها يتناثر بينما لطخت الدموع وجهها تشبثت بعنقه بقوة حتى أنها لم تستطيع قول كلمة واحدة من بين شهقاتها
رد صالح بطريقة لم تعهدها من قبل قائلا بلهفة :
-“قبل أن القاكي ظننت أني اغلقت على قلبي الف باب ولكن اتيتي أنتِ فجعلتيه متمرداً على و أعلن الخضوع لكي كأنك قد ارويتِ ضلوعي عشقاً فبات قلبي متيماً بكِ”
مر الوقت دون الاهتمام كم مر عليهما، فتحت زينب رماديتيها قائلة بلهفة:
-“لا هان عليا قلبك و هان عليا انك تتوجع لكن أنا تعبت يا صالح، و خايفة خايفة من الدنيا اللي عماله تديني فوق دماغي و خايفة من اللي جاي”

 

 

وضع يديه على فمها يمنعها من الاسترسال قائلا بثقة:
-“مش مهم و الله مش مهم، مش مهم أي حاجة اياً يكن اللي جاي مش مهم، مش مهم لو طلعتي بنت ذوات و لا بنت بلد لأن القلب دق و أعلن عليكِ عشقه، سوء كنتِ بنت عمر الرشيد فهتكوني بنت ذوات او سوء كنتِ زينب بنت البلد اللي مفيش زي قلبها، أنتِ مراتي و حبيبتي و أم أولادي مش هنتكلم في اي حاجة خالص سيبك من اللي فات ارميه كله وراء ضهرك و خليك معايا، عارفه في الأسبوعين اللي فاتوا كنت خايف اوي، كنت خايف كل ما واحد من الأولاد يعيط و معرفش اعمله حاجة و انا عارف و متأكد انه محتاجك أنتِ ومحتاج حضنك، زينب أو ملك أيا كان أنا و هما مش هنعرف نكمل من غيرك و لو كملنا هيبقى صعب و مليان وجع، خليك معانا، يشهد ربنا أنك أول واحدة قلبي يدق لها بالطريقة دي أول واحدة تخطف مني راحتي أنا عايزك و عايز أكمل معاكي حياتنا و لآخر نفس. ”
مع كل حرف و كل كلمة صادقة قالها كان قلبها يخفق و بشدة و دموعها تتلالاء، رفعت يديها تمسح دموعها و هي تومئ له بالموافقة.
تنحنح عمر و هو يدخل الغرفة يحمل بين يديه أحفاده.
اخذت زينب نفس عميق حتى انحبست أنفاسها و هو يقترب أعطاها الفتاتان بينما اخذ صالح الولد منه.
ظلت تنظر لهم بعيون باكية و لهفة بينما الصغيرتان يحدجان بها بطريقتهم الطفولية و العفوية، رفعت احداهما يديها تلمس وجنة زينب، انسابت دموعها قائلة بحنان وهي تقترب من صالح تنظر لابنها :
-“بسم الله ماشاء الله، شكلهم حلو اوي يا صالح”
ابتسم صالح بسعادة قائلا؛
-“بيلا و حياء ايه رايك”
رفعت راسها تنظر إليه ابتسمت قائلة بحب:
-“تعرف ان أسمائهم مميزة و جميلة، طب و الولد؟ ”
رد بهدوء قائلا:
-“اختاري أنتي اسمه”
-“يونس، أنا بحب الأسم دا”
صمت صالح للحظات ثم اتسعت ابتسامته قائلا :
-” يونس صالح جلال الشهاوي، ربنا يبارك فيهم يا زينب”
كان عمر يتابعهما بوجة خالي من التعابير لكن سعادته حقاً تكمن بقلبه، خرج من الغرفة بهدوء.
” في الكافتيريا ”
تجلس بيلا بجوار مريم التي تصالحت معها مؤخر و صفا التي كانت تتحدث بينما الأخرى لا تستمع لها، كانت شاردة الذهن و عقلها يسترجع كل الذكريات من بداية لقائها بعمر في قصر الرشيد الي ذلك الوقت
تذكرت أول مرة التقت به و أول مشاغبة بينهما، تذكرت تناولهما الطعام معاً و ذلك المبلغ الف جنية، تذكرت والدها و جدتها، و حفلة الخطبة التي كسرت قلبها و أيضاً كيف تزوجته، أول مرة أستمعت فيها لنبضات قلب طفلتها و الجزء الأسوء في الحكاية حين انقلبت حياتها رأسا على عقب بسبب أفعال تلك الحية. و الآن حال أبنتها
لا تدري كيف أنسابت دموعها من مقلتيها، لاحظت مريم شرودها لتقول بجدية و خوف:
-“بيلا أنت كويسة؟ فيكِ حاجة”

 

 

لم تستطيع التحدث بينما وضعت يديها على وجهها في حين تعال صوت شهقاتها و ازداد توهج وجهها الأحمر كانت تبكي يفزع تغمغم ببعض الكلمات الغير مفهومة.
نظرت صفا لمريم بارتياب بدلتها أياه ثم وجها نظرهما نحو بيلا، حتى كادت صفا ان تسألها عن سبب بكائها لكن مع دخول عمر بطلته المسيطرة على الجميع صمتت صفا و قررت الإنسحاب هي و مريم.
عقد عمر ما بين حاجبيه و هو يخرج يديه من جيب بنطاله وجه بصره نحو تلك القابعة على كرسيها مغطيه وجهها بيديها.
تلاشت المسافة بينهما ليقف عمر يحاول ان يستشف سبب بكائها مرت بضعة ثواني فيهم كاد قلبه ان يتمزق.
جلس أمامها على ذلك الكرسي المقابل لها قائلا بخوف :
-“بيلا كفاية دموع الله يرضا عليكِ، كفايه دموع لان قلبي بقى يوجعني و انا شايف دموعك”
رفعت وجهها له لتقول من بين دموعها و اتجاف قلبها:
-“إحنا السبب يا عمر كان ممكن تكون بينا، كان ممكن تكون عايشة حياة افضل من اللي عشتها، بنتي أنا رغم كل اللي أملكه و اللي انت تُملكه اترميت في الشارع، رغم كل حاجة بابا كان عنده حق يبعدنا جايز كان شايف ان العلاقة دي فاشلة، هو كان عنده حق، يمكن لو مكناش عنادنا كانت كل حاجة هتبقى كويسة، كان ممكن يكون لينا أمل نعيش سوا في النور، كانت هتبقى عايشه دلوقتي مش بين الحياة و الموت ”
رغم ان حديثها منطقي و حقيقي الا أنه شعر بالحزن ليقول بنبرة جامدة عكس ما بداخله:
-” أنتِ ندمانة على جوازنا يا بيلا؟ ”
رفعت راسها تنظر إليه مجيبة بصدق:
-” خايفة اقول اه تزعل مني و تفكر اني محبتكش لكن يعلم ربنا أن الحقيقة اني حبيتك و كنت موافقة أكمل معك الطريق دا بكل مشاكله لكن لو كنا أنا و أنت بس اللي بنأسي فيه لكن في بنت في النص بينا اتاذت و اتوجعت، أنا ندمانة على الشكل اللي اتجوزنا بيه، بابا لما رفضك أول مرة كان ممكن يوافق تاني أو تالت أو على الأقل نبعد و مننجرحش اوي كدا، يمكن لو كان جوازنا بمعرفته مكنتش عصمت قدر تعمل اللي عملته دا ”
قاطعها عمر بحدة و صرامة مخيفة:
-” اللي قلبه مليان سواد ميفرقش معه في النور و لا في الضلمة، عصمت حتى لو كان جوازنا رسمي أدام العالم كله كانت وقتها برضو هحاول تاذينا و للأسف هي عرفت تأذيني في أغلى ما عندنا، شوفي يا بنت الحلال أنا هفضل أحبك لحد الموت و لو العالم كله وقف أدامي علشان أبطل أحبك مش هيقدروا، علشان كدا عايزك تكوني معايا بس المرة دي في النور أدام الكل أنتِ و ملك و أحفادنا فاهمه بدون خوف من أي حد. ”
أبتسم برفق قائلا بابتسامة عابثة:
-” طب ياله بقى مش عايزه تشوفي زينب، مش عايزه تقعدي مع بنتك”

 

 

استقامت فجأه قائلة بارتباك:
-” هي فاقت؟ “وضعت يديها على شفتيها بحركة مباغته له ليقول بهدوء:
-” فاقت، ياله بينا”
نهض هو الاخر أمسك يديها بينما كانت تسير بخطوات مسرعه على غير هدى، قلبها هو من يقودها تلاشي كل شي فجأة كل الحزن فقط تتمنى لو تلاشت أيضا المسافة بينهما و التقت بها محتضنه أياها
مرت عدة دقائق
وضعت يديها على مقبض الباب فتحته بسرعة دون الانتظار لحظة أخرى.
تراكمت الدموع في عينيها و هي ترى ملك تجلس بجوار صالح و هي تحمل ابنتها، تمنت للحظات لو كانت تحظى بمشهد كذلك بموافقة أبيها.
نهض صالح بهدوء و خرج من الغرفة تاركاً لهما مساحة للتحدث، خرج عمر خلفه يعلم أن تلك اللحظه خاصة من نوعها، فقط هي من حق بيلا التي حُرمت من أبنتها الوحيدة لسنوات
نظر صالح لعمر بهدوء دون أن يتحدث.
اقتربت بيلا من ملك بارتجاف، جلست بجوارها حتى أن زينب لم تتحدث بكلمة لكن لم تستطيع امتثال الصمت لوقت أطول من هكذا و هي ترى بيلا تبكي و تضع يديها على وجهها كعادتها عند البكاء و الحزن.
رفعت يديها لتُمسك بكف أمها، حاوطت وجهها بابتسامة مشرقة و اناملها تمتد لتمسح دموعها قائلة بحب :
-“ممكن تبطلي عياط علشان أنا كمان هعيط و أنا عيطت كتير اوي في حياتي من وقت ما كنت طفلة، لكن أنا خالص مبقتش طفلة كنت مؤمنة أن هيجي يوم و افرح و القى بيتي كنت بس مستنية معجزة في حياتي محدش كان مصدق اني هلقيها لكن أنا كنت مؤمنه، معجزتي الحقيقة كانت صالح و فجأة كل حياتي أتغيرت و بعد كدا عرفتك أحساسي و أنتِ واخدني في حضنك كان كفيل إني ابقى كويسة، و دلوقتي أنا و أنتِ مع بعض، انا كنت محتاجكِ أوي يا ماما أوي، أنا مكنتش عايزه اي حاجة غير حضنك و من بعد كدا مكنتش عايزه حاجة، أنا عارفه أنك اتعذبتي و تعبتي في حياتك لكن خالص يا ماما علشان خاطري أنا، أنا تعبت من الدموع وقلبي فاض بيه الوجع، أنا بس محتاجكِ معايا تعلميني ازاي اربي أولادي انا مش عايزه اشحت الحب من حد تاني كفاية أنك تكوني معايا و الله العظيم كفاية عليا. ”
أنهت حديثها و هي تشعر بدموعها على وجنتيها، ابعدت يديها عن زينب تمسح دموعها و أبتسامتها تزين وجهها، اما بيلا جذبت ملك لحضنها و أغمضت عينيها ظلت لوقت طويل هكذا، ظلت تفتقدها لسنوات مريرة و مؤلمه.
صدح بكاء أطفالها لتبتعد بيلا عنها و هي تنظر لهم بسعادة ممزوجة بالدموع قائلة:
-“بسم الله ماشاء الله حلوين اوي يا ملك، هتسموهم ايه؟”

 

 

ردت زينب و هي تحمل احداهم قائلة بابتسامة:
-“يونس و حياء و بيلا”
ابتسمت بيلا بحنان و هي تمرر يديها على وجنة أبنتها ثم نظرت للأطفال بهدوء و نظرة اشتياق لاحظتها زينب
تنهدت براحة قبل أن تضع طفلها بين يدي والدتها قائلة بحب :
-” شليه هو صغير اوي ”
التمعت عينيها بطبقة طفيفة وهي تضع يديها تحت رأسه الصغيره و هو يغمض عيناه بنعاس، شعرت بانتفاضة قلبها و هي تضم حفيدها لقلبها هو الشعور الأجمل بالحنان و الدفء، اقتربت من زينب تضمها بسعادة و بيديها الأخرى تحاوط يونس، قبلت أعلى رأسه قائلة بحماس :
-” لازم نعملهم سبوع كبير و نشتري سوا هدوم ليهم و لعب كتير أوي، هنشتري كل حاجة سوا”
اومأت ملك بسعادة و هي تمحي بقايا الدموع عن وجنتيها قائلة:
-“حاضر هنعمل كل حاجة سوا”
ردت بيلا بسعادة و كأنها عادت لشبابها الضائع :
-“لازم اعرفك على محمود و مريم اخواتي و كمان عمتك صفا هما كمان هيحبوكي اوي اوي يا زينب”
في نفس التوقيت
صدح صوت طرقات على الباب لتسمح بيلا للطارق بالدخول.
ابتسمت حياء برفق و هي تدخل الغرفة قائلة بمزاح:
-” أخيراً وحشتني اوي اوي يا زينب كل دي غيبوبة يا بنتي لو بتختبرينا مكنتيش هتغيبي عننا كل دا، الف حمدلله على السلامه ”
قبلت رأسها لتجيب زينب بحب:
-“الله يسلمك يا ماما، تعرفي انك واحشني اوي اوي كمان و كلكم وحشني ايمان و عمي جلال و عائشة و طنط شهد كلكم وحشتوني اوي ”
ردت حياء باهتمام :
-” المهم انك معانا خالص يا زينب، ايه الجمال دا يا بيلا بس مش لايق عليك الدموع خالص”
مدت اناملها تمسح بقايا الدموع قائلة بحماس:
-” عايزين بقا نقعد مع بعض كتير اوي، في حاجات كتير لازم نتكلم فيها و نعملها سوا و كمان لازم ننزل نشتري حاجات كتير سوا، ياه اخيرا انا و شهد هنلقي حد كمان نغتت عليه ”
ابتسمت بيلا قائلة بحب و امتنان:
-“شكرآ يا حياء، من قبل حتى معرفتي ان زينب تبقى ملك و أنت كنتي دائما تزوريني و دلوقتي و بعد اللي عملتيه مع ملك انا لو طلبتي عمري هديهولك من غير تفكير”
ردت حياء ببساطة و هي تهز كتفها بلا مباله طفولية:
-” سيبك من كل دا، اخيرا هقدر اعمل حماه مفترية عليك يا زينب ياااه منتهي السعادة”
قالتها بنبرة مرحة جعلت الاثنان يضحكان في حين حملت حياء حياء الصغيرة و هي تدندن إحدى الاغاني الأجنبية
في تلك اللحظة شعرت زينب بأن الله جبر قلبها و خاطرها.
و عَذَلْتُ أهْلَ العَشْقِ حتى ذُقْتُهُ
فعجبتُ كيفَ يَموتُ مَن لا يَعشَقُ.
________________________

 

 

في إحد المساجد بالاسكندرية
ابتسم باسل بحزن و هو يدلف لداخل المسجد بعد معاناه طويلة مع نفسه فقد قادته الطرقات الي ذلك المكان ربما يكون تأخر لكنه وصل أخيراً.
توجه نحو مكان الوضوء ثم عاد بعد وقت الي حيث يصلي الناس كلهم في اتجاة القبلة
بدأ في أداء فرضه يشعر بثقل ضخم يطبق على قلبه، يشعر بالحزن و الاضطراب الوحدة فقط هو فقد نفسه بين دروب الحياة، و الآن يتمنى لو جمع شتات قلبه و روحه.
اين يذهب في حين أغلق كل أبواب الماضي لم يكن أمامه سوي ذلك الباب المفتوح دائما و لا يغلق في وجه اي شخص لان الطريق لا يحتاج لوسيط او لمفتاح فقط يحتاج إلى قلب صادق
أنهى صلاة فرصة ثم جلس، ساد الصمت حوله لكن لم يشعر بذلك فقط هناك نزاع بين شقيه قلبه و عقله و هو بينهما ضائع.
ابتسم شيخ المسجد و هو يجلس بجواره و هو رجل يبدو في نهاية العقد السادس من عمره بشوش الوجه.
-“اذكر الله”
رفع باسل رأسه ينظر لذلك الرجل ليكمل الاخر ببشاشه :
-“طول ما انت فاضي اذكر الله، ذكر الله حماية و حصن من أبواب الشيطان، جواب سؤالك موجود جواك و في كل ركن في المسجد هنا”
ضيق باسل المسافة بين حاجبيه قائلا بارتياب:
-“سؤال ايه؟”
رد الاخر ببساطة و حلم:
-“القاعدة اللي انت قاعده دي و الحيرة اللي جواك و اللي جبتك برجليك لحد هنا الله وحده اعلم بسببها لكن اللي بيجي هنا بيكون عايز يرتاح شوف يا ابني انت صغير و باب ربك دايما مفتوح مبيتقفلش أدام حد شغوف و عنده أيمان بيه، طب تعرف الخير كله موجود في قلب الإنسان زي ما الشر كمان موجود لكن هو بعزيمته يقدر يوجه نفسه و يقومها يقع و يقوم”
رد باسل بهدوء قائلا :
-” بس أنا تعبت، تعبت دورت على الدكاترة النفسين، دورت على الحب قلت يمكن اقدر انسى اللي تعبني و اتعافى لكن لسه تاية و خايف”
ربت العجوز على كتفه باهتمام قائلا:
-” الدنيا دار ابتلاء لازم تتعب علشان لما تقوم تحس بحلاوة و لذة التعافي، مع ان مفيش حد مننا كامل الكمال لله وحده، لكن ربنا بيرزق الإنسان سكينة و لطف في قربه، قرب من ربنا و أنت هتعرف ان الحياة في قربه لذة، سامح اللي وجعوك و بلاش تجرح اللي حبوك من قلبهم، دور بين الدروب على اللي ضايع منك و انسى الكره، سامح و بلاش توجع او تجرح او تكسر بقلب حد لان ربنا ميحبش كسر الخواطر و القلوب. ”
أبتسم باسل بهدوء و لاحت عليه ذكرى نورهان، لما يشعر بالحزن اتجاهها، لما شعر بالالم من فراقها.
رد العجوز قائلا بابتسامه :
-” ابدا بكتاب الله العزيز فيه كل الاجوبة على كل اللي بيدور جواك و ان شاء الله تلقى اللي ضايع منك. ”
تركه ثم غادر المكان في حين بقا باسل يفكر فيما قاله، ربما هو محظوظ حتى أن كان الحب يعافي المرء، لكن من وضع الحب في قلوبنا يستحق منا ان نتقرب اليه لان المرء يتعافى بقربه من الله.
_________________________

 

 

بعد مرور ست أيام
عاد صالح و زينب برفقة عمر و بيلا الي الإسكندرية و عادت الحياة الي منزل آل «الشهاوي»
اما عمر و بيلا فقد بقيا طوال الفترة الماضية برفقة زينب، حتى أنه أصر بالبقاء معها في منزلها هي و صالح، و امر صالح بالذهاب لمنزل والده. في البداية رفض صالح الأمر و بشدة و رفض تحكمات عمر الا ان جلال ارغمه على الموافقة ليعطي لزينب و بيلا الفرصة للتقرب من بعض.
توجه صالح نحو شقة والديه بملامح وجه هادئة مرتخية، دلف الشقة فوجد والديه يجلسا سويًا و هما يمازحان بعضهما، تبدلت ملامح وجهه إلى أخرى غير راضية ثم اقترب منهما و فجأة ارتمى على الاريكةِ يفصل بين جلوسهما معًا، طالعه جلال بتعجب وهو يقول بنبرةٍ ساخطة:
“دا إيه دا إن شاء الله؟! قوم خُش أوضتك يا حبيبي”
رد صالح عليه هو بنبرةٍ مقررة:
“مش قايم، و هفضل زي العَزول بينكم كدا علشان تحس بيا و أنا مراتي معايا في نفس البيت و مش عارف أشوفها ”
تدخلت والدته تقول بنبرةٍ امتزجت بضحكاتها:
“يلهوي يا صالح أنتَ لسه زعلان؟ خلاص بقى حصل خير وهي مش بعيدة عنك يعني، دي مع أمها في شقتك فوق ”
طالعها هو بملامح وجه ساخطة وهو يقول بتهكمٍ:
“يا سلام ؟! طب ما هي كانت معايا في أوضتي لازمتها إيه من الأول بقى؟ مش عارف اللي اسمه عمر دا ظهرلي من اي مصيبة ”
رد عليه والده بنبرةٍ مشفقة على حال بيلا:
“علشان بيلا يا صالح، كان نفسها تنام في حضن بنتها، أنتَ بنفسك ما صدقت زينب تبقى معاك، ما بالك هي بقى اللى بقالها سنين بعيدة عن بنتها؟”
زفر بقوةٍ ثم عاد بجسده للخلف فوجد والده يقول مُقررًا:
-“قوم نام يلا علشان بكرا عندك شغل كتير في الوكالة انا هفضل معاهم هنا علشان الحاجات اللي هيحتاجوها للسبوع، يلا قوم”
رد عليه هو مُعاندًا:
“مش هقوم و هقعد مع أمي و هحضنها كمان، قوم أنتَ يا بابا”
رد جلال بتهكم:
-“نعم يا عين أمك؟ قوم يالا أدخل جوة”
رد عليه هو بنبرةٍ مقررة لا تقبل النقاش:
“لأ مش داخل وهو عِند معاك و كلمة كمان هاخد ماما و نروح بيت جدتي نقعد هناك يومين حلوين و نسيبك تبكي على الأطلال”
رد عليه والده بحنقٍ:
“خلاص خليك مرزوع لحد ما تنام مكانك أنا مالي، أنتَ حر”
ابتسم له باستفزازٍ ثم رفع ذراعه يحتضن حياء وهو يقول معاندًا له:
“تعالي في حضني يا حُبي، هيبقى لا أنتِ و لا مراتي؟ تيجي تنامي جنبي النهاردة؟”
قبل أن ترد عليه بوجهها المبتسم رد عليه والده بحنقٍ:
“أنتَ هتستهبل يالا؟ تنام فين؟ شكلك اتهبلت ”
رد عليه بلامبالاة:
“أمي و هتنام في حضني، فيها إيه؟ و لا هو حلو ليك أنتَ بس يعني”
قبلت والدته وجنته ثم قالت تمازحه :
” حبيب قلبي يا ناس، ربنا يباركلي فيك و يسعدك يا حبيبي”
احتضنها وهو يراقص حاجبيه لجلال الذي سخر منه وهو يقلد طريقته، و في تلك اللحظة خرجت ايمان من غرفتها برفقة يوسف الذي قال بتهكمٍ حينما رآي وضع صالح و والدته:
-“دا إسمه إيه إن شاء الله؟ مش مكسوف على طولك ؟ طب حتى يا جدع اعمل حساب انك عندك عيال ”
ردت عليها حياء بحنقٍ:
“أنتِ مالك يالا، هو حاضن أمه، مزعل نفسك ليه ”
رد عليه بلامبالاة:
“أنا مالي خليه يحضنك، ماهو يعيني من ساعة ما بيلا خدت منه زينب وهو مش طايق نفسه”
رد عليه صالح هو بنبرةٍ هادئة:
-“قول لعمك بقى علشان مش مصدق، قال ايه سيبها يا صالح تبات مع امها، طب ما انا بسببها بالنهار و بروح الشغل خليها معها بالنهار لا بليل كمان لازم تفضل معها “

 

 

أبتسم يوسف بشماته و حب اخوي نقي :
-” يااه صعبت عليا يا صلوحه حقيقي هعيط من التأثر، تعالي بقى يا ايمان علشان عايزك في موضوع مهم جدا ”
عض صالح علي شفتيه بغيظ قائلا:
-” عجبك كدا يا حج الواد دا يشمت فيا كدا. ”
أبتسم جلال بخفة و هو ينهض من فوق الاريكة جاذبا حياء من يديها قائلا بنبرة مغيظه:
-“تصبح على خير يا صلوحة، ياله يا قلبي لان هموت و انام”
نظر له صالح بحدة وهو يراه يدلف لغرفته، جلس متربعاً على الاريكة قائلا بنرفزة:
-” خدها يا خويا خدها و انا هفضل قاعد كدا لوحدي كتير طب ادعي عليك و يقولوا الواد اتجنن بيدعي على ابوه”
______________________
في شقة صالح
ابتسمت بيلا بسعادة و هي تجلس على الفراش بعد أن نام الثلاث أطفال براحة وضعت الوسادات من حولهم بحماية، ثم نهضت من فوق الفراش متجه نحوه الاريكة قامت بتشغيل التلفاز على احدي افلام ديزني، في نفس توقيت خروج زينب من الحمام بعد أن بدلت ثيابها الي بجامة قطنية مريحة و اخذت حمام دافي تريح اعصابها من عناء اليوم مع أطفالها.
ابتسمت بهدوء لتقول بنبرة مريحة:
-“اخيرا نامت، أشك أن البنت دي تطلع هادية حاسها هتبقي شقية اوي”
ردت بيلا بحماس قائلة:
-“وطي صوتك، تعالي نتفرج على التلفزيون سوا”
جلست زينب بجوارها قائلة بهدوء و خجل:
-“هو صالح نازل ينام تحت”
لكزتها بيلا في كتفها قائلة بمرح :
-“ايوة نزل ايه زعلانه”
توردت وجنتيها بحمرة الخجل قائلة بخفوت :
-” لا أبداً بس صعبان عليا أصل من يوم ما رجعنا اسكندرية و هو بينام تحت لوحده و الولاد حتى مش بيقعد معاهم”
ردت بيلا بخبث :
-“يعني مش وحشك؟ ”
صمتت و اتسعت ابتسامتها لتقول بعد لحظات:
-“بصراحة وحشني اوي يا ماما، بس ياله خليه ينام لوحده علشان يعرف انه في نعمة”
ضحكت بيلا بخفة في حين خجلت زينب بينما صدحت طرقات الباب ليدخلها عمر بعدها الي الغرفة وهو يحمل طبق كبير من الفشار و بعض المقرمشات و الشكولاته قائلا بمرح:
-“ياله يا بيلا شغلي فيلم و بلاش الكرتون” ابتسم وهو يغمز لزينب ثم وضع الأطباق على الطاولة ليجلس بجوارهما على الاريكة مال على بيلا قائلا بهمس:
-“مساء البسبوسة ممكن بوسة”

 

 

اخفت بيلا ابتسامتها سريعا قائلة بخجل:
-“عمر البنت قاعدة بطل قلة أدب” ثم صاحت بصوت مسموع
-” كويس انك عملت فشار ياله اختاروا هنتفرج على ايه”
وضع عمر يديه على كتف زينب قائلا بحب و هو يتناول الفشار:
-“اي حاجة تافهه”
نظرت له بطرف عينيعا قائلة بحدة:
-” مُحبط”
“بقولك ايه عايزين نحدد معاد الفرح”
ردت زينب بحماس و سعادة:
-” بجد فكرة حلوة اوي يا بابا ايه رايكم بعد اسبوع، بكرا سبوع الولاد نخليها الأسبوع الجاي و انا اعرف بيوتي سنتر جميل جدا و ليه اتيليه خاص قريب منه فيه فساتين روعة بجد و سمبل جدا و انا هكون معاكي في كل حاجة”
رفع عمر كفه لزينب بحماس قائلا:
-” هي دي بنت الرشيد”
أبتسمت زينب وهي تضرب كفها بكف ابيها بينما نظرت لهم بيلا بحدة قائلة:
-” انتم بتهزورا صح؟ فرح ايه؟ عمر انت بتتكلم جد؟ ”
رد عمر بجدية وهو يضع ساق على الأخرى اخذ منها جهاز التحكم بالتلفاز قائلا بنبرة مقرره:
-“و أنا ههزر في حاجة زي دي ليه، الفرح معاده الاسبوع الجاي و اعتبري كل حاجة جاهزه و اولهم فستان الفرح دا جاهز من تلات شهور و جاي من دار ازياء في باريس مطلوب مخصوص ليك ”
اشاحت بيلا بوجهها عنهم قائلة بهدوء و هي تتابع الفيلم:
-“بس انا مش عايزه فرح”
نظر زينب بيأس لعمر لتجده يبتسم بهدوء قائلا برفق:
-” بيلا أنتِ اكتر واحدة يليق عليها الفرح و السعادة ملامحك بتنور لما تفرحي، و زمان كان حلمك نعمل فرح كبير و تلبسي فستان فرح و تفرحي مع اللي بيحبوك يبقى خلينا نفرح كلنا يا بيلا ياله بقا فكي، لأن كدا كدا ثائر جهز كل حاجة حتى القاعة و الضيوف مش هيكون في غيرنا و الناس اللي فعلا بيحبونا غير كدا لا و الصحافة ”
ردت زينب قائلة بجدية:
-” طب و ايه لازمتهم دول دوشة على الفاضي”
” عندك حق بس في الفرح لازم الكل يعرف انك بنتي و أن بيلا الدمنهوري كانت مراتي، لازم كل الناس يعرفوا انك بنت عمر الرشيد فاهمة”
أبتسمت زينب قائلة بحب:
-” بس دلوقتي انا مش فارق معايا الناس اد ما فارق معايا وجودكم في حياتي “قبل عمر قمة رأسها قائلا بجدية شديدة:
-” بس بنت الرشيد لازم الكل يعملها الف حساب يا ملك و صحيح انا بحب اسم ملك لانه اول اسم اختاره ليك يبقى ملك عمر الرشيد و على فكرة انا خلصت ورقم كله مع شهادات ميلاد الولاد و شهادة ميلادك الجديدة و بطاقتك موجودة معايا.
ابتسمت زينب قائلة بحب:
-” تعرف ان انا وحشني بابا منصور.. هتزعل لو قلت بابا. الصراحه هو كان حنين معايا اوي و عمل علشان كتير اوي و ربنا يعلم انه مكنش منتظر مني حاجة”

 

 

رد عمر قائلا:
-“متقلقيش اللي عمله انا مش هنساه لانه كبير اوي عندي يا ملك”
_____________________
في صباح اليوم التالي
حوالي الساعة الخامسه صباحاً
ارتدت نور ثيابها بعد أن توضئت، دلفت لغرفته شقيقها الأكبر سيف وجدت ينام وهو يحتضن أخيه عبد المنعم.
دلفت بخطوات هادئة تنادي عليهما :
” سيف عبدو ياله قوموا، ياله سيف الفجر إذن ياله يا حبيبي بدل ما يضيع عليك الفرض”
نهض سيف قائلا بنعاس وهو يُبعد الغطاء عنه:
-“صباح الخير يا ابلة نور”
ابتسمت بهدوء قائلة:
-“صباح النور، ياله صحي اخوك و قوم اتوضي، أنا هحضرلكم الفطار علشان المدرسة و صحيح انت مش هتغيب تاني و انا كلمت صاحب الورشة قلتله انك مش هترجع الشغل ”
نهض سيف بفزع قائلا:
-“ليه كدا يا ابلة نور، و بعدين انا بقيت راجل كبير و لازم اشتغل”
تنهدت نور بارتياح قائلة:
-” طبعا بقيت راجل بس الراجل الحقيقي هو اللي يعمل الصح و يسمع كلام الكبار لأنهم عارفين مصلحتك، شوف يا سيف انا بشتغل و الحمد لله الحج جلال من ساعة ما رجعت الشغل و هو زود مرتبي و انت يا سيف في ثانوي و انا مش هسيبك تضيع مستقبلك و ان شاء الله تكبر و تبقى اشطر مهندس فيك يا بلد و شغل الورشة دا تنساه اومال انا موجوده ليه ”
رد سيف قائلا بحزن:
-” بس انتي تعبتي يا نور بقالك سنين بتشتغلي و انا دلوقتي كبير و لازم تقعدي في البيت و انا هصرف علينا كلنا”
ردت بحدة قاطعه و نبرة مقررة:
-” سيف بطل مقوحة انا قلت اللي هيحصل انت هترجع المدرسة و انا مش صغيرة و عارفه انا بعمل ايه و يا سيدي لو اشكتيلك ابقى سيب المدرسة ياله بقى صحي اخوك بدل ما نفضل نرغي و يضيع علينا صلاة الفجر”
أومأ لها و ملامحه تحولت لليأس و الحزن متجه نحو شقيقه الأصغر ليوقظه
بينما ابتسمت و هي تغادر الغرفة متجهه نحو المطبخ
أخرجت حبات من البطاطس وضعتهم على الرخام البيضاء لتعد الفطار لاشقائها و ابيها،
جلست على ذلك الكرسي القديم و لاحت عليها ذكرياتها معه حتى التمعت عينيها بالدموع لتقول بجدية لنفسها:
-“خالص يا نور خالص انسيه بقى و شوفي حالك، هي تجربة و انا غلطت لما جازفت من البداية”
بعد وقت
كانت تجلس على أرضية الصالة على ذلك المفرش و بجوارها ابيها و اشقائها يتناولون طعامهم، ابتسم سالم بحزن وهو ينظر لها قائلا :
-“حماتك كلمتني امبارح يا نور و عايزه تكلمك بتقول مش بتردي عليها”
قضمت قطعة من ثمرة الطماطم قائلة بلامبالة:
-” هابقى اكلمها و بعدين مبقتش حماتي و لا ليا علاقة بيها، أنا خالص أكلت هقوم اغير و انزل هعدي على زينب قبل ما اطلع على المصنع”
كاد والدها ان يتحدث الا انها غادرت الغرفة سريعا متجهه نحو غرفتها ربما لأنها ترفض ان تسمع كلمه واحدة عنه”
بعد دقائق
خرجت من الغرفة و هي تضبط حجابها الأزرق، انحنت تقبل رأس عبد المنعم قائلة :
-“مصروفك يا جميل و تاكل سندوتشاتك كلها مفهوم”
أبتسم عبده بسعادة وهو ينظر للمبلغ المالي الصغير بحماس:
-” هاكله كله، خالي بالك على نفسك يا ابله نور”

 

 

نظر لسيف قائلة بجدية:
-“سيف لو مروحتش المدرسة تقعد تذاكر انا عارفه ان مفيش حضور و شوف عايز تروح دروس في مواد ايه و قولي ”
رد سيف بابتسامه متفهمه:
-” لا انا مش هروح دروس انا هقوم البس و انطلهم في المدرسة و لا هما المدرسين اللي هناك لازمتهم ايه، طول ما هو مفيش طلاب بيحضروا هيفضلوا ياخدوا مرتبات على الفاضي و بعدين مصاريف على الفاضي و خالص”
ردت نور بجدية قائلة:
-” لا مش مصاريف على الفاضي يا فالح انا عارفة انك ذكي و شاطر لكن برضو لو في حاجه واقفة ادامك قولي و متشيلش هم الفلوس ربك بيرزق ”
دلفت لغرفة والدها لتجده يجلس بارهاق واضح في شرفة غرفته ينظر للشارع و الأطفال و ذلك الشاب الذي يقوم بتوزيع الخبز على البيوت لتقول نور بجدية:
-” سرحان في ايه يا حجيج”
رد سالم بتعب قائلا:
” فيك يا نور، هتفضلي شايلة المسئوليه كلها لامتى يا بنتي”
ردت نور بحماس عكس ما تشعر به من حزن:
-“مش كتير كم سنه بس لحد ما سيف يدخل الكلية و يتخرج و يشتغل و بعدين مالكم يا جماعة هو انا اشتكيت”
-“مشتكتيش يا قلب ابوك بس عمرك اللي بيضيع دا”
ردت نور قائلة بجدية:
-” سيبها على الله يا بابا و بعدين انا كويسة الحمد لله الف حمد لك يارب على الاقل احنا احسن من غيرنا بكتير، يارب بس يفضلوا بخير و انا مش عايزه حاجه تاني من الدنيا”
-” ربنا يسعدك يا نور و يرزقك بابن الحلال اللي يريح قلبك يارب”
لا تعلم لما شعرت بالسخرية لكن لم تبالي قائلة:
-” حجيج انا لازم انزل حالا ياله سلام يا جميل “1
غادرت المنزل مع حوالي السابعة مساء ثم توجهت لمنزل زينب
ما ان دخلت الي ساحة منزل آل الشهاوي حتى ابتسمت بسعادة لأجل صديقتها و هي ترى بعض الأشخاص يقومون بتزين الساحة الواسعة
صعدت لمنزل حياء ألقت عليها التحية ثم صعدت لمنزل زينب
كان الباب مفتوح و بداخله توجد زينب و بيلا و إيمان
ابتسمت زينب و هي تحتضن نور قائلة بسعادة:
-“وحشتيني اوي يا نور، كنت هزعل منك لو مجتيش النهاردة لازم تفضلي معايا طول اليوم، اومال فين باسل؟ ”
ردت نور بهدوء قائلة:
-“معليش يا زينب مش هينفع افضل انا عندي شغل في المصنع بس اوعدك هخلص و اجي”
عقدت زينب ما بين حاجبيها قائلة بارتياب:
“مصنع ايه؟هو انتي رجعتي للمصنع؟ باسل وافق ازاي”
التمعت الدموع بعين نور قائلة بجدية :
-” انا و باسل اطلقنا من اسبوع لما كنتي في المستشفى”
تشنج وجه زينب قائلة بجدية:
” اتطلقتم؟ ليه و حصل ايه؟ انتي قلتي انه بدأ يتغير. وليه مقولتليش لما كنا بنتكلم في الموبيل”
انسابت دموع نور في حين مسحتها سريعا قائلة:
-” دا موضوع يطول شرحه يا زينب انا هكلمك تاني و هجيلك انا كمان محتاجة اتكلم معاكي و محتاجة احكي بس دلوقتي مش هقدر حقيقي”
احتضنتها قائلة بابتسامه :
” متقلقيش انا كويسة الحمد لله، هكلمك و هحكيلك لان انا محتاجة دا خالي بالك على نفسك”
ردت زينب بحزن و بكاء :
-” طب مش عايزه تشوفي ولاد أختك؟ “

 

 

ردت نور بارتباك قائلة بانكسار:
-” مش هتخافي عليهم من عنيا اصل انا في واحدة في المصنع قالت عليا فقر و وشي نحس على اللي حواليا ”
ردت زينب بانفعال :
-” مين بنت ال… اللي قالت كدا و بعدين انتي سكتيلها معتقدش متبقيش نور و بعدين انتي هبلة انتي اختي يا بت و الله العظيم انا لو عندي اخت ما كانت هتبقى حنينه عليا ادك ياله تعالي ”
ابتسمت نور بسعادة وهي تدخل معها الي غرفة الأطفال حيث تجلس معهم شهد
نور :بسم الله ماشاء الله بسم الله الله اكبر، ربنا يحفظهملك يا زينب يارب و تفرحي بيهم”
آمنت زينب علي دعائها قائلة بحب:
“اللهم آمين يا نور”
بعد عدة ساعات
في ساحة المنزل حيث تتوافد نساء المنطقة الذين أتوا لمباركة جلال الشهاوي باحفاده و مشاركتهم فرحتهم
كان جلال يقوم بتصليح ماكينات الكهرباء حتى صدح رنين هاتفه
التفت يلتقط هاتفه ليجد رقم مجهول، رد عليه ليجد صوت مألوف عليه
-” الحقني يا جلال هيموتني”
عقد جلال ما بين حاجبيه بارتياب قائلا :
“شمس؟!”

يتبع

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية وليدة قلبي (اطفت شعلة تمردها 2))

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *