روايات

رواية في حي الزمالك الفصل السادس 6 بقلم ايمان عادل

رواية في حي الزمالك الفصل السادس 6 بقلم ايمان عادل

رواية في حي الزمالك البارت السادس

رواية في حي الزمالك الجزء السادس

رواية في حي الزمالك الحلقة السادسة

كُوبًا مِنَ الْقَهْوَةِ 🦋✨

“أنا هقول حاجة واحدة بس.. !!!Shit” قالت بصوتاً مُنخفض قبل أن تسقط مُغشياً عليها…

“أفنان!!! أفنان!!! حد يجيب Perfume بسرعه!!”

تُحضر أحدى الموظفات زجاجة عطر ليضع القليل منها نحو أنفها لكن تنهره الموظفة وتقول:

“مستر رحيم ممكن حضرتك تتفضل وأنا والبنات هنحاول نفوقها..”

“واتفضل برا ليه يعني؟” سأل بضيق وتوتر.

“عشان أحنا هنحتاج نفكلها الطرحة وطبعاً حضرتك مينفعش تبقى موجود.”

“صح.. أنا أسف، طيب بصي خديها ورا خالص على جانب كده بعيد عن كاميرات المراقبة اللي في القاعة.” أعتذر رحيم بتوتر وصفع نفسه داخلياً على غباءه.

“تمام يا فندم حاضر.”

“وأنا هبعتلكوا Juice مع أي واحدة من العمال.” بالفعل غادر القاعة وطلب من أحكى العاملات أن تُحضر لها عصير فاكهة طبيعي، بينما وقف هو أمام باب القاعة ينتظر في توتر شديد.

“يارب ولد!” همس لنفسه وهو يتحرك ذهاباً وإياباً قبل أن يسب نفسه قائلاً:

“ايه الهبل اللي أنا بقوله ده؟”

“ايه ده مالك يا رحيم؟ متتوترش ربنا يقومهالك بالسلامة هي والنونو الصغير.” اردف صديقه أنس وهو يضع يده على كتف رحيم والذي يدفعها بقوة.

 

“بطل سخافة عشان مقلش أدبي عليك.”

“ايه ده ايه ده؟ ايه الأسلوب السوقي ده؟”

“مش وقت هزارك يا أخي!” تحدث رحيم بحنق ليقهقه الآخر بإستفزاز فيرمقه رحيم بنظره حاده.

“طب قولي بجد في أيه؟ أيه اللي موقفك كده؟”

“في بنت من اللي بيتدربوا.. اتخانقنا وبتاع أغم عليها.”

“أيه الأوڤر ده؟”

“معرفش بقى!” بعد ثلاث دقائق تقريباً خرجت أحدى الموظفات لتطمئن رحيم أن أفنان أصبحت بخير الآن ويمكنه التحدث إليها إذا اراد، شكر الموظفة ثم توجه إلى الداخل تاركاً أنس بالخارج.

“بقى يحصلك كل ده عشان قولتلك بس أن Papy صاحب الشركة؟!”

“أيه الهبل ده؟ لا طبعاً أنا أغم عليا عشان مفطرتش الصبح!”

“طب يستي أديكي شربتي Juice Fresh ‘عصير طازج’ على حسابي.”

“هديلك الخمستاشر جنيه عالدزمة.”

“بهزر يا بنتي بهزر.. مبتعرفيش تهزري؟”

“لا طبعاً ازاي يا رحيم باشا.. ما أنا طول الفترة اللي فاتت دي كنت بهزر مع حضرتك!” اردفت بنبرة مزاح مصطنعة مع ضحكة غريبة في نهاية حديثها.

“مش باين بس ماشي، عمتاً أنا كنت برخم عليكي.”

“يعني أنت أبوك مش صاحب الشركة بجد؟”

“أبوك؟” سأل بإشمئزاز قبل أن يحمحم ويُجيبها قائلاً:

“لا بابي صاحب الشركة فعلاً والفروع اسمها على أسمي فعلاً بس ده ملهوش علاقة يعني بعلاقتنا.”

“ما شاء الله.. لا هو في علاقة؟”

“أنتي الكلام معاكي مُرهق أوي بجد.” قال ثم تنهد تنهيدة طويلة.

“متكلمنيش.. سهلة وبسيطة أهي.”

 

“أنا فعلاً غلطان! ويلا بقى روحي للتدريب العملي عشان فاتك نصه.”

“يالهوي!! أنا نسيت!” شهقت بصدمة ثم صفعت رأسها وهي تتحدث إليه بإمتعاض:

“زي ما أخرتني، تدخلني بقى عشان مسمعليش كلمتين من الدكتور!”

“حاضر يا أفنان هانم، اتفضلي قدامي.” غادرت الحجرة وتبعها هو بعد أن تأكدت أن خصلات شعرها لا تظهر من الوشاح خاصتها أثناء نظرها لإنعكاسها في الباب الزجاجي.

فور مغادرتها للقاعة تجد شاباً يقف أمامها تماماً، خصلات شعر بنية وعيون بنفس ذات اللون.. يُحدق فيها مع إبتسامة غير مبررة.

“مساء الخير.. مع حضرتك أنس فريد.”

“أهلاً وسهلاً.. ايوا أعمل أيه يعني؟”

“لا مفيش أنا قولت نتعرف.. القمر زعلان ليه؟”

“القمر مش زعلان.. القمر هيزعلك!” قالت وكادت أن تصفعه لحقيبتها لولا أن وقف رحيم في المنتصف وقال:

“معلش يا دكتورة سماح المرة دي.. ميعرفكيش!”

“وأما هو ميعرفنيش واقف يتنحنح معايا ليه؟”

“أيه دي يا رحيم مالها دي؟”

“مالها أيه؟ ما أنت واقف صحيح تت… واقف بيعمل ايه؟” كان يتحدث بعصبيه لكنه توقف لثوانٍ وهو يسألها بنبرة طفولية عن الفعل الذي وسمت به أنس قبل قليل.

“يتنحنح.” همست وكأنها تُغششه الإجابة في إختبار ما.

“واقف تتنحنح.”

“خلاص أنا أسف يا دكتور، أوعى يا عم سيبني.”

 

ابتعدت أفنان عن كلاهما ليلحق بها رحيم سريعاً ويهمس:

“هو المفروض Ladies first وكده، بس هدخل أنا الأول عشان أكلم الدكتور.”

“تمام، اتفضل.” سبقها رحيم بالفعل وبمجرد دخوله المعمل انتبه الجميع له وللواقفة خلفه.

“في حاجة يا دكتور رحيم؟”

“مفيش، أنا كنت بتناقش مع دكتورة أفنان في المحاضرة اللي اتشرحت وهي أغم عليها وكنا بنفوقها عشان كده اتأخرت.”

“تمام يا دكتور مفيش مشكلة، اتفضلي يا دكتورة وأنا هشرحلك اللي فاتك.”

“ميرسي لذوق حضرتك يا دكتور.” كان يظن رحيم أنها تتحدث إليه لكن في الواقع هي كانت تتحدث إلى دكتور أحمد الذي يتولى عملية الشرح، رمقها بنظرة تحوي في طياتها الغيظ قبل أن يغادر المعمل.

ذهب رحيم ليجلس في مكتبه وكان أنس ينتظره في الداخل.

“وصلت ست الدكتورة للمعمل؟”

“وصلتها اه.” تحدث رحيم بشرود ليُحرك أنس يده أمام وجهه.

“من كوكب الأرض لرحيم، حضرتك معايا؟”

“لا.. أنا معاها.”

“ايه ده ايه ده! أنا آخر مرة شوفتك فيها كده كان أيام الجامعة!” اردف أنس ليعبس وجه رحيم حينما يذكر الآخر أيام الجامعة.

“أنا أسف مش قصدي”

“ولا قصدك.. المهم أنت سايب الشغل وقاعد هنا ليه؟” سأله رحيم بضيق وهو يُخرج علبة سوداء فاخرة تحوي لفافات تبغ وقداحة سوداء كذلك، يُمسك بإحدي اللفافات ويضعها بين شفتيه ويكاد يُشعلها لكن يهرول أنس نحوه ويجذبها من فمه.

“أنت عبيط يا رحيم هتدخن هنا؟ مينفعش!”

“مخدتش بالي..”

“وبعدين اصلاً التدخين غلط عليك.”

“مش مهم.” قال رحيم بلا مبالاة وهي يرفع كتفيه قبل أن يقول:

“أنا هروح، حاسس أن دماغي مصدعة.” رحل رحيم دون أن ينتظر رداً من أنس ليشعر أنس بإرتباك، لم يكن عليه ذكر أمر

 

الجامعة ذلك..

استقل رحيم سيارته طالباً من السائق أن يسير بأقصى سرعة ممكنه فهو لا يكاد يطيق الإنتظار حتى يعود إلى منزله لكنه غير وجهته حالما تلقى رسالة من والده يأمره فيها بالعودة إلى المنزل الكبير بحي الزمالك.

توقفت السيارة لتصطف إلى جانب خمس سيارات فخمة من طرز مختلفة لكنها جميعاً تنم عن الثراء، يترجل رحيم من السيارة، يضبط بدلته ويعيد خصلات شعره إلى الوراء ثم يتوجه بخطى بطيئة نحو باب الڤيلا أو هو أقرب إلى القصر في الفخامة والمساحة، كان يكسوه مزيج من اللون الأسود مع درجات مختلفة من الرمادي والأبيض وقد تزين المكان بمزيج مختلف من الأشجار والورود.

يطرق رحيم الباب بهدوء لتفتح الخادمة ويتوجه نحو الداخل وقبل أن يتفوه بحرف يأتيه صوت والدته ذو النبرة الحادة قليلاً المميزة وهي تقول:

“متأخر خمستاشر دقيقة وأربعين ثانية على معادك.”

“حضرتك عارفة أن كان عندي شغل.”

“متقطعنيش يا ولد.. استنيتك في المطار كتير لكنك مجتش.”

“أقدر أجاوب دلوقتي؟”

“اتفضل.”

“مكنش عندي خبر بميعاد وصول حضرتك لمطار القاهرة، وبعدين أنا ملتزم بمواعيد محددة في الشغل مقدرش اخرج قبلها.”

“العذر مقبول لكن ياريت متتكررش المفروض أنك تبقى عارف ميعاد وصولي.”

“أنا بعتذر جداً، I promise it won’t happen again ‘أعدكِ أن الأمر لن يحدث مجدداً.’ “

“تقدر تغسل ايدك وتيجي تتغدى معانا.”

 

“حاضر.” نفذ الأمر ليجلس على المائدة التي تجلس على رأسها والدته وإلى يمينها والده وإلى يسارها رحيم، يأخذ كمية قليلة من الطعام مع مراعاة ألا تختلط جميعها سوياً حتى لا يبدو شكل الطبق غير لائق.

“نانا صحته عاملة أيه دلوقتي؟”

“بخير لكنها طالبه تشوفك، ‘I promised her that you will visit her soon ‘لقد وعدتها بأنك ستقوم بزيارتها قريباً’ ” تحدثت والدته بلكنة إنجليزية مميزة بالإضافة إلى نبرة حازمة، فلا مجال للنقاش في ما قالته.

“طبعاً إن شاء الله.” قال بتوتر وهو ينظر إلى والده الذي لم يبدو مهتماً كثيراً للمحادثة التي تدور بينهم.

انتهى رحيم من تناول طعامه واستأذن للصعود إلى غرفته، فور دخوله إلى حجرته السوداء الكلاسيكية خلع رابطة عنقه والمعطف البذلة الرسمية، كم يود تدخين لفافة تبغ الآن لكن إن وصلت الرائحة إلى أنف والدته الحساسة ستحدث كارثة وسيجبر على سماع محاضرة لا داعي لها.

“ألو.. ايوا يا أنس، مامي رجعت البيت.” قال وهز يصفع يده بوجهة في ضيق وعلى الأغلب فعل أنس المثل.

“طب ايه يا معلم هتعمل ايه؟”

“معرفش، بس غالباً مش هنعرف نسهر سوا ال Weekend ‘نهاية الأسبوع’ دي.”

“ده أنا كنت هسهرك في مكان يجنن بس ملكش في الطيب نصيب بقى.”

“بص أنا هشوف كده لو مامي هتبات عند حد من أخواتها أو صحابها ممكن ابقى اسهر معاك شوية.”

“تمام ضبط وكلمني.” ذفر رحيم بضيق وهو يتمدد على سريره قبل أن يغفو دون أن يشعر، يستيقظ باكراً صباح اليوم التالي ويتجه إلى الشركة محاولاً تخطي وجبة الإفطار في المنزل وقد نجح في ذلك بالفعل.

بعد مرور يوماً آخر ذهبت أفنان إلى مقر الشركة، توجهت نحو المصعد والذي لم يأخذ سوا بضع ثوانٍ ليحضر، دلفت إلى الداخل وضغطت على رقم اثنين وقبل أن يُغلق الباب يقتحم ذراع أحدهم المسافة الفاصلة جاعلاً الباب يُفتح مجدداً وكان من السهل أن تُخمن أفنان صاحب الذراع من رائحة عطره التي لوثت أنفها.. لقد كان رحيم!

بجسده الممشوق وطوله الفارع ووجهه الوسيم لكن هناك اختلافات بسيطة.. مثل أنه خفف لحيته قليلاً، يرتدي ساعة يد مختلفة اليوم و.. ووجهه عابس ومنطفئ على غير العادة.

“أنت كويس؟” لا تدري لما فعلت ذلك، وعلى الأغلب ستقضي يومها كاملاً وهي تسب ذاتها على ذلك السؤال.. فهي واثقة من أنه سيقوم بإحراجها بالطبع..

“لا مش كويس خالص..” بنبرة حزينة قال جملته وقبل أن تتفوه بحرفاً واحد فُتح الباب ليواجههم بعض الموظفين فيتحرك كلاً منهما في اتجاه معاكس مما يعني انتهاء الحوار الذي لم يبدأ بعد..

ذهبت إلى القاعة في انتظار قدومه ليقوم بعملية الشرح وقد فعل لكن عيناه كانت شاردة معظم الوقت ولم ينظر نحوها كما كان يفعل في المرات السابقة، هي لا تهتم.. لا تهتم.. تحاول إقناع ذاتها بأنها لا تهتم.. فليحدث ما يحدث له، يبدو أنها كاذبة فقد اضطربت قليلاً حينما اعتذر عن إكمال الشرح وتوجه نحو الخارج.

“ماله ده؟” همست لنفسها.

“أحنا كده خلصنا، وعلى فكرة من أول الأسبوع اللي جاي هيكون معانا مُحاضر جديد إن شاء الله.”

غادر المحاضر القاعة والجميع بالتبعية ليذهبوا إلى المعامل لتلقي الجزء العملي، لم ترى رحيم مجدداً في ذلك اليوم.

 

في اليوم التالي ذهبت أفنان برفقة أسرتها إلى منزل جدتها بالقرب من ميدان الجيزة، كان الإمتعاض بادي على وجه الجميع لكنهم حاولوا إخفاء ذلك الإمتعاض والضيق فور وصولهم لكن أفنان لم تحاول، فهي حقاً تشعر بالغضب تجاه جدتها وعمتها وابنتها المدللة.

“أهلاً يا تيتة.” اردفت أفنان وهي تُقبل يد جدتها العجوز.

“أهلاً بيكي يا بنت رانيا، ايه يا بت هو لازم استنى كل جمعة عشان اشوفك؟” حاولت أفنان جاهدة أن تبتسم وتبتلع حديث جدتها خاصة وأن لقبتها بإبنة رانيا عوضاً عن ابنة أحمد، وذلك كان له دلالة.. بالطبع هذا لا يعني أن أفنان غضبت لنسبها إلى والدتها بل لأنها تعلم غاية جدتها من قول جملة كتلك.

“معلش يا تيتا ما حضرتك عارفة أني مشغولة بالكلية والتدريبات.”

“طب ما ريماس بنتي اللي في طب بتفضى تيجي تشوف جدتها عادي، شوفيلك حجة غيرها.” رمقت أفنان عمتها بحدة قبل أن تبتسم ابتسامة مستفزة وهي تقول:

“ربنا يخليهالكو.”

“شايفه يا رانيا بنتك وأسلوبها المستفز؟” سألت عمتها بغيظ وهي تتعمد إثارة شجار لكن والدة أفنان ابتسمت بهدوء وقالت:

“حصل ايه بس؟ ده حتى أفنان بتدعي لريماس أن ربنا يخليهالكو.. فين الغلط؟” لم يُجيب أحد على ما قالته لتبتسم أفنان بإنتصار، فهي تعلم أن والدتها ستكون دوماً في صفها.

ساد الصمت في المكان قليلاً قبل أن تأتي ريماس وتجلس في مواجهه أفنان وميرال، حيث تجلس كلتاهما على الأريكة وريماس على كرسي، وفجاءة وبدون سابق انذار تقول ريماس الآتي:

“إلا قوليلي يا أفنان هو مش انتوا ليكوا قريب حلو كده اسمه نوح؟” تحدثت ريماس بنبرة لعوب لينظر نحوها أفنان وميرال بحده في نفس اللحظة، ترتكب الآخرى وتعتدل في جلستها.

“وأنتي مالك بيه؟” سألت ميرال في غيظ شديد.

 

“يعني ايه مالي بيه؟ أنا حرة.. وبعدين هو يخصك ولا أيه؟”

“اولاً ملكيش دعوة يخصني ولا ميخصنيش، ثانياً متقربيش من حد تبعنا عشان متزعليش.” صعق الجميع من نبرة ميرال الحادة، فهي لم تتحدث بتلك الطريقة من قبل.. حتى أنها لم تُدرك أنها كانت غاضبة إلى ذلك الحد.

“بصي يا ريماس من الآخر كده شيلي نوح من دماغك عشان هو مبيحبش البنات اللي زيك.”

“ايه البنات اللي زيها دي؟ هو حد يطول يتجوز ريماس بنتي!”

“اه يا طنط، نوح يطول اللي أحسن من ريماس كمان.. وأنتي يا ريماس ياريت تشيلي نوح من دماغك أحسنلك.”

“ما تشوفي يا رانيا بنتك عديمة الرباية دي!” تحدثت عمتها بصوت مرتفع لكي تُشعل الشجار.

“أنا بنتي مش عديمة الرباية! ومسمحلكيش لا أنتي ولا أي حد أنه بغلط في بنتي وتربيتها.” اردفت والدة أفنان بغضب وهي تستقيم من مجلسها، لقد اضطرت لتحمل سخافة شقيقه زوجها كثيراً لكن حينما يتعلق الأمر بإحدى بناتها فهي لن تدع الأمر يمر مرور الكرام.

“قوموا يا بنات عشان نروح أحنا ملناش قاعدة هنا.” استقامت أفنان ومعها ميرال استعداداً للرحيل.

“ما تقعدي ياختي.. محصلش حاجة لكل ده، وبعدين ما أنتي بنتك لسانها طويل فعلاً.” قالت الجدة ليزداد غضب رانيا وتردف:

“عن إذنكوا.” خرج زوجها من غرفة الضيوف حيث يجلس هو وثلاثة من رجال العائلة.

“أيه يا رانيا حصل حاجة؟” سأل بقلق وهو ينظر إلى وجه زوجته الممتعض.

“لا مفيش.. أنا والبنات هنسبقك عالبيت.”

“ماشي، خدوا تاكسي ولا أوبر.”

“حاضر يا حبيبي متقلقش.” قالت رانيا لتنظر نحوها شقيقة زوجها بغيظ وإشمئزاز.

“سلامو عليكوا.” ساد الصمت طوال الطريق وحتى وصولهم إلى المنزل، فور وصولهم كانت أفنان على وشك الدخول إلى حجرتها لكن أوقفها صوت والدتها وهي تتحدث بنبرة جدية قائلة:

“أفنان عايزة أتكلم معاكي.”

“أتفضلي يا ماما.” تخللت تنهيدة حديث أفنان فهي تعلم أنها على صدد جلسة معاتبة.

“أفنان، أنتي عارفة أني طول عمري في صفك وعمري ما سمحت أن حد يقولك نص كلمة.”

“طبعاً يا ماما..”

“وعارفة برضوا إني بحب شخصيتك القوية وإنك بتجيبي حقك وحقنا.. لكن ساعات بتتمادي يا أفنان.”

 

“بس يا ماما..”

“اسمعيني الأول، أنتي عارفة كويس أن جدتك وعمتك بيتلككوا عشان يعملوا أي خناقة وعارفة أنهم بيتعمدو يحرجونا ويضايقونا دايماً..”

“ما أنا عشان كده برد!”

“غلط، مش لازم تردي طول الوقت.. هما هيعصبوكي وهيخلوكي تغلطي وبعدها هيغلطو فيا أنا وأبوكي وهيقولوا أننا معرفناش نربيكي.”

“أنا اسفة يا ماما.. أكيد أنا مقصدش أن الحوار يوصل لكده..”

“أنا عارفة يا حبيبتي لكن ده أسلوبهم.. أحسن حاجة أنك تتجاهلي اللي هما بيقولوه.. كلامهم لا هيزود ولا ينقص، أفنان أبوكي بيكبر مش بيصغر وهما على طول مشلينه الحمل والهم.. مش عايزين أحنا كمان نضغط عليه.”

“حاضر يا ماما، أوعدك أني هحاول اضبط الموضوع ده..”

“شطورة يا قلب ماما.” قالت ثم اقتربت من أفنان لتُقبلها ثم تضمها هي وميرال في عناق جماعي.

“أنتو أغلى حاجة عندي في الدنيا دي.” همست وسط العناق.

بعد بضع دقائق توجهت أفنان إلى الحجرة لتبديل ثيابها وكانت ميرال تجلس في الداخل وتعبث في هاتفها.

“أفنان بقولك أيه.”

“قولي يا ميمي.”

“هو أنتي اتعصبتي النهاردة ليه؟”

“لا أنا اتعصبت النهاردة كتير.. قصدك على أيه بالضبط؟”

“عشان حوار نوح يعني.. هو أنتي غيرتي عليه؟” سألت ميرال بصوت منخفض وقد اضطربت معالم وجهها خوفاً من سماع الرد.

“اه.. بس عشان هو زي أخويا، وبصراحة بقى اللي زي ريماس دي متستاهلش ضفر نوح.”

“زي أخوكي وبتغيري عليه؟ الجملة مش راكبة على بعضها.”

“ليه يعني؟ أي واحدة ليها أخ بتغير عليه، وبعدين ده بابا لما بيلبس بدلة وبيتشيك بغير عليه جداً.”

“بس نوح مش أخوكي يا أفنان..”

“تاني يا ميرال؟ قولتلك نوح زي أخويا وياريت تشيلوا الحوارات دي من دماغكوا.” اردفت أفنان بنفاذ صبر وهي تضع ثيابها داخل الدولاب.

“بقولك ايه ما تسلفيني البلوزة الجديدة بتاعتك اروح بيها التدريب بكرة.”

“لو وقع عليها نقطة من المواد الكيميائية بتاعتك دي هزعلك!”

“أعوذ بالله على الإخوات لما ياكلو في بعض.” قالت أفنان بنبرة درامية.

 

في صباح اليوم التالي ذهبت أفنان إلى الشركة وقد قفز إلى عقلها رحيم ووجهه الحزين في المرة السابقة، شعرت بآلم في الرأس لذا قررت الذهاب إلى المقهى الصغير الملحق بالشركة، يالها من رفاهية ولكن الأمر منطقي كشركة كبيرة كهذه.

“بعد إذنك عايزة كوباية قهوة.”

“عايزاها اسبريسو ولا موكا ولا كابتشينو؟” سألت الفتاة لتجفل أفنان لدقيقة ثم تقول:

“قهوة.. قهوة عادية.. ماية وقهوة وسكر وكده.”

“حاضر.”

“دكتور رحيم.. حضرتك تشرب أيه؟”

“هاتيله قهوة زي وعلى حسابي.” قالت أفنان بلطف لينظر نحوها ببعض الدهشة.

“بس دكتور رحيم مبيحبش القهوة دي.”

“لا أنا هشربها تمام.” ابتسمت أفنان بإنتصار قبل أن تذهب لتجلس وتضع أغراضها في انتظار القهوة ليأتي ويجلس أمامها.

“القهوة مرة أوي وأنا مش بحبها.. بس هشربها عشان أنتي طلبتيها.”

“هتعجبك المرة دي متقلقش، شكلك زعلان.”

“مخنوق وزهقان شوية..” اردف وهو يخطف نظره نحو الساعة الذكية التي يرتديها في يده اليسرى.

“حياة الأغنيا دي صعبة جداً ربنا يكتبها علينا.” قالت بمزاح لترى شبح ابتسامة على وجهه ثم يقول بسخرية:

“صدقيني لو عشتي حياتي دي مش هتعجبك..”

“أوبا هندخل بقى في محاضرة في الحقد الطبقي.” قهقه رحيم حتى اختفت عيناه ثم قال وسط ضحكاته:

“هو أنتي بتجيبي الكلام ده منين؟ لا Seriously يعني؟”

“معرفش.. صدقني مبفكرش كتير أنا بقول ايه، بقول اللي بيجي على لساني.”

“عارفة هو أنتي غالباً بتقولي كلام دبش يعني بس أحلى حاجة أنك مش Fake ‘مزيفة’ ” لم تجد أفنان رداً على ما قاله وشعرت ببعض التوتر.. لعنت نفسها داخلياً فهي لم تكن تتأثر بكلمات أحدهم بهذا الشكل.

“القهوة يا فندم.” وضعت الفتاة أكواب القهوة أمامهم لينظر نوح بقلق وإشمئزاز نحو الكوب البلاستيكي.

“أنت هترجع ولا ايه؟”

“لا.. مش متعود اشرب في حاجة غير كوبايتي أو فنجاني عشان بقرف أوي.”

“لا حول ولا قوة إلا بالله.. طب اشرب يا رحيم اشرب.” ارتشف من الكوب لتنقلب تعابير وجهه كلياً وكأنه على وشك التقيؤ.

“دي بطعم مرار الأيام وسواد الليالي.” اردفت أفنان وهي تقهقه فلقد كانت القهوة سيئة بالفعل.

 

“ممكن تقوليلي سعر القهوة؟”

“قولتلك أنا اللي عازمة يا هندسة.”

“هندسة برضوا؟ وبعدين لا مش المفروض اسيبك تدفعي.”

“اه عشان أنت الراجل بقى وكده؟” سألت بحنق.

“ذوقياً.. ولكن لو على الطريقة الإنجليزية فكل واحد يدفع لنفسه.” تحدث بنبرة هادئة مع ابتسامة صغيرة.

“خلاص.. نمشيها إنجليزي.” دفع كلاً منهم الحساب واتجهت أفنان نحو السُلم بحركة مُباغتة وتركض بأقصى سرعتها ليفعل هو المثل بفزع دون أن يدري ماذا يحدث..

وصلت إلى الطابق الثاني لتقف وهي تتتفس بقوة ويتخلل تنفسها ضحكات متقطعة.

“أفنان!! Are you crazy؟” سأل رحيم بعصبية وأنفاس متقطعة.

“لا بس أيه رأيك في الحركة الأكشن دي؟” نظر نحوها بغضب ولم يتفوه بحرف.

“طب أنا هضطر أمشي بقى عشان اتأخرنا عالمحاضرة.” قالت ثم تحركت نحو القاعة لتتركه يقف وحيداً، ينظر إلى ساعة يده فيدرك أنه قد تأخر بالفعل.

تقتحم أفنان القاعة منتظرة دخول رحيم من خلفها، لم تهتم كثيراً لتأخرها طالما أن المحاضر الذي هو نفسه رحيم لم يأتي بعد، لكن الرياح تجري بما لا تشتهي السفن.. فلقد فوجئت أفنان بأن هناك شخصاً آخر بالداخل.. شخصاً يعشق الهدوء والإلتزام ويكره المزاح والتأخير..

“نوح!!!!!”

يتبع..

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (في حي الزمالك)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *