روايات

رواية حبيسة قلبه المظلم الفصل الرابع والأربعون 44 بقلم سارة علي

رواية حبيسة قلبه المظلم الفصل الرابع والأربعون 44 بقلم سارة علي

رواية حبيسة قلبه المظلم البارت الرابع والأربعون

رواية حبيسة قلبه المظلم الجزء الرابع والأربعون

حبيسة قلبه المظلم
حبيسة قلبه المظلم

رواية حبيسة قلبه المظلم الحلقة الرابعة والأربعون

بعد مرور يومين
كان يقف في منتصف حديقة فيلا عائلته يتحدث مع موظفة الفندق يؤكد لها حجزه لذلك الجناح وما طلب إعداده به …
أنهى مكالمته وهم بالعودة الى الداخل عندما وجد شقيقته تتقدم نحوه وهي تهتف :-
” حياة إتصلت بي منذ لحظات …”
عقد حاجبيه متسائلا :-
” حقا ..؟؟ لماذا ..؟!”
أضاف وقد تذكر أمرا هاما :-
” لم تخبريها إني هنا ، أليس كذلك ..؟!”
رفعت حاجبها وهي تقول :-
” لم أفعل لإنها سبقتني وأخبرتني إنك خرجت مبكرا في عمل هام ولن تعود حتى المساء …”
أضافت تتسائل بجدية :-
” ولكنني أريد أن أعرف لماذا تكذب عليها يا نديم ..؟!”
أنهت سؤالها وعقدت ذراعيها أمام صدرها ونظراتها كانت جادة تماما ليبتسم نديم مرغما وهو يردد :-
” ما بالك يا غالية ..؟! مالذي تعتقدينه ..؟! ”
ردت ببرود :-
” مالذي يجعلك تكذب وتخفي مجيئك الى هنا ..؟!”
رد وهو يتنهد بصدق :-
” من قال إني أكذب … ؟! انا بالفعل لدي أعمال ولكني سأنجر معظمها من هنا ..”
أضاف بجدية :-
” أنا أعد مفاجئة ليلا لحياة .. لا أريدها أن تعلم .. وأنا سأجري عدة إتصالات طوال اليوم وسأحتاج للخروج أكثر من مرة للتأكد مما أريد إعداده لذا أتيت هنا كي لا تنتبه أو تسمعني صدفة ..”
ضحكت بسعادة تردد :-
” مفاجأة …؟! حقا يا نديم ..؟!”
ضحك بدوره وهو يقول :-
” نعم مفاجئة يا غالية ..؟! ما بالك مصدومة هكذا …؟؟”
إتجهت جانبه تحيط ذراعه بذراعها تسير جانبه وهي تسأله بحماس :-
” أخبرني ماذا ستفعل ..؟!”
هتف بخفة :-
” هذه أشياء خاصة يا فتاة …”
قالت تنصحه :-
” يمكنني تقديم النصيحة .. يعني سأقترح عليك طرق رومانسية و ..”
قاطعها :-
” شكرا على خدماتك التي لا أحتاجها يا عزيزتي … أنا أعرف ما يجب أن أفعله … كما أنتي سأفعل الأشياء التي تحبها حياة …”
إبتسمت مجددا ثم جذبته نحو احد الكراسي الموضوعة في منتصف الحديقة ليجلس عليها وتجلس هي على الكرسي قبالته لتسأله مجددا بفضول ذو مغزى :-
” ولكن أخبرني .. ما المناسبة ..؟! هل اليوم عيدميلادها …؟!”
رد وهو يهز كتفيه :-
” لا توجد مناسبة … هل يحتاج الرجل الى مناسبة ليفاجئ زوجته بليلة مميزة ..؟!”
” بالطبع لا ..”
أضافت عن قصد :-
” ولكن المفاجئات من هذا النوع تخص العشاق غالبا و …”
قاطعها بجبين متغضن :-
” انا لا أفهم لماذا كل شيء لديكن أنتن النساء مرتبط بالحب …”
ردت ببديهية :-
” ربما لإننا نستحق الحب …”
زفر أنفاسه بضيق فقالت بجدية :-
” نديم، انت حقا لا تحب حياة …”
صمت ولم يرد لتسأله بنفاذ صبر :-
” تحدث يا نديم … ألم تتحرك مشاعرك نحوها طوال الفترة السابقة ولو قليلا حتى ..؟!
نظر لها وقال بملامح متصلبة :-
” أخبرتك سابقا وسأخبرك مجددا علاقتي بحياة مختلفة .. علاقة أساسها أهم من الحب .. ”
قاطعتها بقوة :-
” الى متى …؟! الى متى ستبقى هذه العلاقة قوية دون حب ..؟! ربما الحب ليس أساسا ولكنه أحد العوامل التي تمنح الإستمرارية لأي علاقة زوجية … الحب هو الذي يجعل العلاقة تستمر رغم أي تخبط يحدث او مشاكل .. مهما حاولت إنكار ذلك لن تفلح ..”
هتف بنفاذ صبر :-
” انا لا أفهم مالذي تريدينه بالضبط …؟! إلام تريدين الوصول من حديثك هذا ..؟!”
ردت بثبات وهي التي تحاول إنقاذه من تلك الحيرة التي يتخبط بها ، تحاول إفاقته من غيبوبته :-
” أريدك أن تفهم مشاعرك وتحددها .. وأريدك أن تتذكر إن حياة مهما تجاهلت وإستمرت معك ستأتي يوم وتحتاج الى الحب .. ستحتاج أن تسمع كلمة الحب منك وتراها بعينيك … الآن هي تتجاهل وربما ستتجاهل الى عامين او ثلاثة ولكن في النهاية سيأتي يوم وتنفجر وينتهي صبرها وتغادر حياتك وحينها فقط ستدرك حجم غبائك وستندم على خسارتك …”
هتف بعصبية :-
” ماذا تريدين يا غالية ..؟! تريدين أن أعترف بحبها بالإجبار …”
هتفت غالية بسخرية :-
” وهل تعتقد إن هذا سيرضيها أو إن هذا ما أريده ..؟!”
أكملت تسأله سؤالا آخرا متعمدا :-
” هل ما يحدث بسبب ليلى ..؟! هل ما زلت تحبها ..؟!”
نظر لها مصعوقا للحظات وبدا السؤال غريبا وغير واضحا …
تأملت الضياع في عينيه .. الحيرة … والتردد …
وفي لحظة ما رأته أمامها .. والدها .. بسنوات عمره الضائعة بسبب عشق مفقود .. بمشاعره المحطمة .. بإمرأتين كانتا ضحية مشاعره تلك … كانتا ضحية ضعفه وإن كانت الثانية إختارت التضحية بكامل إرادتها ..
فجأة بدأت ترى اشياء ربما لا وجود لها ..
ربما مجرد وساوس شيطانية لا أكثر ..
رأت نديم مكان والدها ورأت ليلى مكان ديانا وحياة .. رأت حياة مكان والدتها …
إنتفض قلبها برعب ..
الثلاثة لا يستحقون مصيرا مشابها …
نديم لا يستحق أن يضيع بسبب تخبط مشاعره وليلى لا تستحق أن تموت في محراب عشقه الضائع وحياة بالطبع لا تستحق أن تكون ضحية عشق مفقود …
” انظر الي .. لن اسمح لك بتدمير نفسك ومن حولك …”
” ماذا تريدين يا غالية ..؟!”
سألها بعينين مندهشتين من ملامحها التي بدأت تشتد تماما ونبرتها الحازمة لترد بقوة :-
” لم يعد هناك مجال للتغاضي أكثر .. جاء الوقت الذي عليك أن تختار فيه يا نديم .. تختار بقلبك لا بعقلك … بقلبك فقط يا نديم ..”
تسائل بعدم إستيعاب لهذا التحول الغريب والكلام الغير مفهوم :
” ماذا تقولين انت ..؟!”
ردت بجدية :-
” أقول المنطق .. عليك الإختيار يا نديم .. عليك أن تسأل قلبك وتستمع لجوابه .. عليك أن تتجاهل الماضي وتعقيداته والحاضر وما حدث وما ينتظرك وتسمع فقط صوت قلبك ..”
اخدت نفسا عميقا وقالت :
” لتختر واحدة فقط .. إما حياة أو ليلى ..؟!”
نظر لها بتأهب وهو لم يستوعب كيف وصل مجرى الحديث الى هذه النقطة لتضيف بملامح سيطر عليها الجمود :
” لن أسمح لك بتدمير نفسك وتدميرهما ابدا .. لا حياة ولا ليلى تستحقان منك هذا .. ذنبهما الوحيد إنهما أحبتاك دون مقابل … أرحهما يا نديم وأرح نفسك ايضا ..”
نظرت الى جمود ملامحه لتقبض على ذراعه حيث تقربه نحوها مرددة:-
” لماذا لا تتحدث ..؟! أخبرني .. هل قلت شيئا خاطئا ..”
صاح وهو يتملص منها :-
” يكفي يا غالية ..انا تعبت حقا ..”
صاحت بصوت أكثر علوا :-
” انت من يكفي يا نديم .. انت من يكفي يا أخي ..”
همست بعينين تشكلت العبرات داخلهما :-
” انا لن أسمح لك أن تكون نسخة ثانية منه .. لن أسمح لك بتدمير حياتك وحياة من حولك بسبب ضعفك وعدم قدراتك على إتخاذ قرار حازم .. انت لن تصبح مثله ولن تعيش حياته … انت لن تكون حسين الخولي يا نديم .. أبي مات بعدما تعذب طوال عمره وعذب ماما وديانا وانا لن أسمح لك أن تكرر مأساته ..!!”
ثم أخذت تهزه وهي تردد :-
” انت لن تكون مثله … لن تكون مثله ..”
أوقفها وهو يصرخ بها بحزم :-
” غالية ..”
تراجعت الى الخلف تتأمله بعدم تصديق تحاول إستيعاب الطريقة التي تحدثت بها والدموع التي ملأت عينيها ولأول مرة تتعرى الحقيقة أمامها ..
حقيقة إنها لم تتجاوز صدمة ما عرفته عن حقيقة قصة والدها مع والدتها وزوجته الأولى ..!!
” هل جننت يا غالية ..؟! مالذي تهذين به …؟! وما به والدي لترفضي بهذه الطريقة ان أكون مكانه ..؟!”
أخذت نفسا عميقا وقالت :-
” أنا أعتذر يا نديم .. لقد إنفعلت قليلا ..”
” هذا واضح ..”
قالها بإقتضاب قبل أن يضيف متسائلا :-
” ولكن أريد أن أفهم .. ماذا كنت تقصدين بكلامك بخصوص والدي …؟!”
” لا شيء …”
قالتها تحاول الهرب بعينيها ليقبض على كتفيها ينظر لها بحزم يأمرها بصلابة :-
” بل هناك الكثير خلف حديثك يا غالية … أخبريني …”
أغمضت عينيها وهي تدرك إنه لا مفر لها من كشف جزء من الحقيقة عندما قالت بتردد :-
” بابا لم يكن يحب أمنا…”
نظر لها مدهوشا للحظات فأضافت :-
” عاش ومات وهو يحب ديانا .. اما تلك العلاقة الودية التي كانت ظاهرة بينهما فهي مجرد تمثيلية للحفاظ على شكل علاقتهما أمامنا .. بابا لم يحب سوى ديانا وهو تزوج ماما مرغما بسبب اجبار والدته .. ونتاج هذا الزواج إنه عاش طوال عمره يتعذب بحبه لديانا وماما عاشت طوال عمرها مع رجل تدرك جيدا إن قلبه ملك لأخرى وديانا أيضا تعذبت هي الأخرى …”
همست بصوت محتقن :-
” لا أعرف ماذا حدث قبل قليل .. لكنني تخيلتك مكانه لا سامح الله وتخيلت ليلى مكان ديانا وحياة ..”
قاطعها بجمود وصدمة ما سمعه ما زالت تسيطر عليه :-
” مكان والدتي .. أليس كذلك ..؟!”
هزت رأسها وهي تكتم دموعها ليرد بهدوء مصطنع محاول تجاهل صدمة ما عرفه مؤقتا على الأقل :-
” هذا لن يحدث .. اطمئني ..”
أضاف بثبات :-
” ليلى انتهت من حياتي وانا لم أعد أفكر بها …”
سألته بتوجس :-
“ومشاعرك نحوها ..”
قاطعها بصرامة ونبرة لا تقبل المزيد من النقاش :-
” حياتي لا يوجد فيها إمرأة غير حياة ولن يكون هناك .. حياة هي حياتي القادمة وكل ما سبق دونها إنتهى دون رجعة … ”
هزت رأسها ترغم نفسها على عدم طرح المزيد من المسأله وغادرت المكان تاركة إياه يتخبط كليا بعدما عرفه عن ماضي كان كاملا في نظره والآن أدرك إنه لم يكن سوى كمال وهمي لا حقيقة له …
……………………….،……………………………..
كانت تجلس على مقدمة الطاولة الواسعة تقابله وهو الذي يجلس على مقدمة الطاولة من الجهة الأخرى يترأس الإجتماع بقيادية كعادته ..
يتحدث بهدوء ورزانة لا تخلو من الحزم ..
يطلق قراراته بشكل وكأنه يستشير الموجودين لكن واقعيا كان قراره حاسم والإستشارة مجرد واجهة شكلية ليس إلا ..
هو رجل قيادي من الدرجة الأولى ..
قوي وحازم …
عملي جدا وذكي جدا …
يدير أعماله بشكل مبهر …
يجعلها تستمع إليه وهو يتحدث عن المشروع بسلاسة فتشعر لأول مرة بالمتعة أثناء العمل الذي بغضته منذ اول يوم ولم تشعر بالراحة لكنها كانت مجبرة على الإستمرار لأجل والدها الذي ما زال غير مستعدا للعودة الى ميدان العمل ولا تعرف متى سوف يستعد ..؟!
انتهى الإجتماع بسلاسة وقد إتفقا على الأمور الأساسية وتم توقيع عقد الشراكة عندما غادر موظفين شركته اولا يتبعهم النائب الأول في شركتها والذي تستشيره في كل شيء ومعه ثلاثة من الموظفين المهمين في شركتها تاركين لها المجال لتنفرد مع كنان وتتحدث معه بناء على رغبتها ..
أشار لها وهو ما زال محتفظا بلهجته العملية :-
” لنذهب الى غرفة مكتبي ونتحدث هناك ..”
وافقته وسارت أمامه بعدما أشار لها أن تتقدمه ليخرجا من غرفة الإجتماعات ويتجها الى غرفة مكتبه المقابلة لها عندما وقفت كارين تستقبلهما فأشار لها بكفه أن تعود مكانها …
توقفت ليلى أمام باب المكتب المغلق وتحركت الى الجانب قليلا ليفتح هو الباب فشكرته بإبتسامة مقتضبة ودلفت الى الداخل يتبعها هو ليغلق الباب ويتأملها وهي تسير بخطواتها الأنيقة نحو مكتبه وتلك البذلة العملية الجذابة بلونها الأزرق الغامق بدت رائعة عليها ومجددا يستوعب كم هي أنيقة وكم تجيد إنتقاء الملابس التي تجمع بين الرقي والبساطة …!
إتجه نحو المكتب بعدما طلب منها أن تجلس على الكرسي الجانبي لمكتبه ليتجه بدوره ويجلس على كرسيه الرئيسي عندما سألها :-
” ماذا تفضلين أن تشربي ..؟؟”
ردت بإبتسامة رسمية :-
” شكرا .. انا فقط أردت قول شيء ما قبل مغادرتي ..”
عاد بجسده الى الخلف وهو يسألها بإهتمام :-
” تفضلي .. مالذي تريدين قوله ..؟!”
تنحنت مخفية إرتبكاها وإن كان قليلا وقالت :-
” كنان بك .. مبدئيا دعني أقول إن شراكتك مميزة لنا ..”
صمتت للحظة ثم قالت بصراحة لا مفر منها :-
” انا شخص صريح جدا لذا سأقولها بكل صراحة إنك بعرضك الذي قدمته لي أنقذت شركتنا من الإفلاس ..”
كان يتأملها بهدوء وتعابير عادية لا تشي بشيء عندما أكملت هي بحذر :-
” ولكن ما زال هناك سؤال يؤرقني … ما سبب هذه الشراكة …؟! ما غايتك منها ..؟!”
التزم الصمت لثواني ..
من المفترض أن يقول الحقيقة دون تزويق فهو لا يجيد التزويق أساسا أو تجميل الحقيقة لكن معها الأمر مختلف ..
هو يدرك جيدا إن عليه مهادنتها ..
إمرأة مثلها لا يناسبها إندفاع مشروع ولا إنتظار صبور ..
ليلى لا تناسبها هذه الطريقة ..
لا يناسبها إعتراف صريح وقرب يفرضه كأمر واقع عليها وفي نفس الوقت لا يناسبها الإنتظار حتى تتحرك مشاعرها وربما لن تفعل ..
وهو بدوره رجل يدرك جيدا كيف يوازن بين الاثنين ..
كيف يحوم حولها ويفرض سطوته على قلبها دون أن يحاصرها بشكل علني .. دون أن يفرض وجوده عليها ..
هو معها يتبع طريقة التسلل البطيء فلا يقف مكانه ينتظر أن تشعر به وبما يرغبه ولا يهاجم فيخسرها الى الأبد…
هو يتعامل معها بصبر وتروي .. يسعى للتسلل داخلها تدريجيا دون أن تعي حتى يستحوذ تماما عليها وحينها ستدرك هي ذلك ولن تجد من قرار قبولها به أي مفر ..!
أجاب وهو ما زال محتفظا بهدوءه :-
” لا توجد غاية محددة … انا أيضا أستفيد من هذه الشراكة .. ربما أنتِ لا تعين ذلك ولكنني أعرف إنني أستفيد ..”
تأملته لثوان بدورها .. تدرس تفاصيل وجهه الثابت .. كلماته التي تبدو ظاهريا واضحة لكنها مبهمة وهي ليست غبية لتنطلي عليها بضعة كلمات يصوغها ..
تحدثت ببرود :-
” أنا أدرك جيدا إن هناك غاية ما بعيدة عن العمل .. غاية أكاد أجزم إنني أعرفها …”
إبتسم بخفوت وهو يقول بجدية :-
” أعلم ..”
تسائلت بحاجبين مرتفعين :-
” مالذي تعلمه ..؟!”
رد وهو ما زال محتفظا بنفس الإبتسامة :-
” أعلم إنك ذكية بما يكفي لتدركي غايتي يا ليلى ..”
توقف للحظة ثم أكمل :-
” هانم …”
تقابلت عينيها بعينيه فرأت بهما الكثير من المشاعر العاصفة … مشاعر تحمل إعترافا صريحا برغبة …
رغبة بأشياء كثيرة لا تقتصر على الحميمية … رغبة جعلتها تشعر بالقشعريرة فنهضت من مكانها وهي تهتف بعدما فقدت تعقلها وثباتها دون أن تعي :-
” إذا كنت ما أفكر به صحيح فعليك أن تعلم إنك صفقتك خاسرة …”
ظل على وضعيته المسترخية وإبتسامته بدا غامضة تماما وهو يردد بثقة أرادت أن تهشم وجهه بسببها :-
” أخبرتك مسبقا على ما أتذكره إنني لا أخسر …”
نطقت بإنفعال لم تفهم لماذا سيطر عليها وهي التي دائما ما عرفت برزانتها وهدوئها وطول بالها :-
” انا لست صفقة يا كنان بك …”
قاطعها وهو ينهض من مكانه يهتف بإندفاع ماحيا تلك الفكرة الحمقاء التي سيطرت عليها :-
” أنت لست كذلك بالطبع وأنا لا يمكن أن أفكر بك على هذا النحو …”
نظرت له بجمود إحتل ملامح وجهها .. جمود تخفي من خلاله توترها أمام حضوره الطاغي والمخيف بالنسبة لها عندما أضاف وقد كست ملامحه جدية تامة :-
” ربما علي أن أكون صريحا بما يكفي طالما الأمور وصلت الى هذه النقطة أسرع مما تخيلت ..”
أخذ نفسا عميقا وقال :-
” انا رجلا واضحا وصريحا يا ليلى .. لا أجيد المراوغات او العبث .. منذ أول مرة وقعت عيناي عليكِ بها وشعرت بشيء ما ينمو داخلي نحوك ..”
توقف للحظة ثم أكمل بصدق :-
” جذبتني يا ليلى .. شيء ما بك جذبني … ”
توقف للحظات متجاوزا كيف ومتى جذبته فهذا سر سيحتفظ به لنفسه ولن تعرفه حتى يأتي الوقت المناسب عندما إجتاز هذه النقاط وأنهى حديثه بحسم :-
” انا أريدك يا ليلى .. أريدك زوجة .. شريكة حياة .. إمرأة تزين حياتي القادمة ومستقبلي .. إمرأة أبني معها العائلة التي أريدها … إمرأة تكون زوجتي وحبيبتي وأم أطفالي …”
همست بهدوء :-
” وهل تعتقد إنني هذه المرأة ..؟!”
رد بحسم :-
” بل لا يوجد سواكِ ..”
أكمل بتروي :-
“انا إخترتك دونا عن الجميع .. ”
” لماذا ..؟!”
سألته بجمود ليرد بصدق :-
” لإنك أنتِ .. لإنك أنتِ يا ليلى .. لإنك الوحيدة التي رأيت بها زوجة المستقبل … الوحيدة التي وجدتها مناسبة لتشاركني حياتي المقبلة وتكون هي مرساي الأخير ….”
الكلام كان ثقيلا على روحها .. ثقيلا جدا .. وهي لم تستطع أن تسمع المزيد ..
همست وهي تجذب حقيبتها التي كانت قد وضعتها فوق الطاولة أمامها :-
” وأنا لا أناسبك ولن أكون المرأة التي تريدها .. لن أكون كما ذكرت … لن أكون لك … ”
أنهت كلامها وغادرت بخطوات سريعة تهرب من كلمات لا تحب سماعها وعرض تخشاه أكثر من أي شيء ..
………………………………………………………..
تأملته وهو يقف أمام المرآة يغلق أزرار قميصه الأسود الأنيق ..
ملامحه جامدة تماما كعادتها طوال اليومين السابقين…
تذكرت ما حدث قبل يومين وتلك الرصاصة التي إخترفت جسد مهند ..
صدمتها وهي تسمع صوت تلك الرصاصة ..
إنطلاقها بسرعة خيالية ولا وعي نحو مكتبه الذي يوجد به ثلاثتهم وقلبها ينتفض رعبا عليه لتجده واقفا بكل صلابة يحمل مسدسه في كفه ومهند مرمي على الأرض والدماء تنزف من كتفه وشقيقه جانبه يحاول فعل أي شيء لإنقاذه عندما صاحت بلا وعي :-
” المشفى .. خذوه الى المشفى ..”
حينها أخفض عمار مسدسه وهتف راغب وهو ينهض من مكانه يبحث عن هاتفه :-
” سأتصل براجي حالا وأطلب الإسعاف ..”
لكن مهند الذي لم يكن قد فقد وعيه بعد حاول أن ينهض قليلا بجسده وهو يشير لشقيقه :-
” توقف .. لا تفعل ..”
توقف راغب عما يفعله وسأله مدهوشا :-
” يجب أن نطلب الإسعاف حالا و ..”
توقف عن حديثه وهو يسمع أنين مهند الخافت وهو الذي فشل في رفع جسده فعاد يسقط أرضا عندما همس أخيرا بجدية رغم ضعف صوته والشحوب الذي إحتل ملامحه :-
” إتصل براجي ودعه يأتي الى شقتك في وسط المدينة ليعالجني .. لا داعي للمشفى …”
أنهى كلماته الأخيرة وقد بدأ يفقد وعيه ورغم إن راغب لم يفهم ولم يستوعب ما حدث إلا إنه نفذ طلبه وتم نقله بمساعدة حراس الفيلا الى سيارته وأخذه حيث أراد تاركا عمار واقفا مكانه بجمود يتابع الموقف بعينين صلبتين لا حياة فيها ..
بدا الموقف غريبا .. عابثا ..
رصاصة ودماء وشخص مصاب …
والجاني يقف بصلابة والضحية تتصرف بغرابة …
كل شيء بدا غريبا وغير مفهوما …
كيف إنتهى الأمر بمغادرة الرجلين بسرعة دون أن يلتفتا لمن أطلق الرصاصة ..؟!
كيف طلب هو منها بكل برود أن تطلب من الخادمة تنظيف الأرضية من دماء ذلك القذر كما وصفه ..؟!
لم تفهم شيئا ولكنها منذ تلك الليلة والضيق والألم يأكلانها دون رحمة ..
إستدار وهو يحمل هاتفه عندما وجدها تنظر إليه بجمود وهي التي تقف على بعد مسافة منه مستندة على الجدار خلفها وذراعيها معقودين أمام صدرها …
رمقها بعدم إهتمام وهو يهم بالخروج عندما سمعها تردد :-
” إلى أين ..؟!”
رد بإقتضاب :-
” ليس من شأنك ..”
تقدمت نحوه تجذبه من ذراعه وهي تهتف من بين أسنانها :-
” بل من شأني .. ”
نظر الى كفها التي تقبض على ذراعها بقسوة فهدر بها :-
” هل جننت يا شيرين ..؟!”
ردت بأنفاس متسارعة :-
” نعم جننت .. بسببك جننت .. بسبب حياتي معك جننت .. انا لا أفهم مالذي يحدث معك .. لا أفهم كيف تسير حياتك …”
أكملت بنبرة عاجزة :-
” ولا أعرف كيف أتعامل معك ..؟؟ ”
إسترسلت بتعب ودموع مكتومة :-
” انت كيف تعيش هكذا … كل شيء في حياتك فوضى .. كل شيء تعيشه مليء بالقسوة والكره والإنتقام .. قبل يومين كدتَ أن تقتل شابا .. صوبت رصاصة مسدسك نحوه بكل قسوة وتركته ينزف دما بلا مبالاة … كيف يمكنك أن تكون قاسيا لهذه الدرجة ..؟! كيف يمكنك أن تدمر حياة الأخرين بهذه البساطة ..؟؟ أنا لا أفهم …”
توقفت عن حديثها بأنفاس متقطعة عندما تأملها هو بصمت امتد للحظات قبل أن يهتف بجمود :-
” إنها المرة الأولى التي أدركِ فيها إنكِ لم تفهمينني يوما ولن تفعلي مثلما أدركت أيضا مدى الفجوة التي نشأت بيننا منذ زواجنا ..”
همست بحرقة عاشقة فشلت في إصلاح معشوقها :/
” بل أنا من أدركت ذلك … انا من أدركته بعدما فات الآوان …”
تحركت مبتعدة عنها تتحدث بصوت مسموع لكنها كانت تحدث نفسها قبله :-
” أم إنني كنت أدرك ذلك وتغاضيت عنه ..؟! كنت أدرك حقيقتك ..؟! كنت أدرك كم الشر داخلك ومع هذا تزوجتك .. قبلت بك .. إرتضيت بك رغم بشاعة روحك وسواد قلبك ..”
إستدارت نحوه تهمس بعينين باكيتين وحرقة شديدة :-
” تحديت الجميع لأجلك .. لأجل أن أكون معك …”
” لماذا ..؟!”
سألها بقوة وهو يضيف بثبات :-
” لماذا فعلت ذلك ..؟! لماذا تحديت الجميع لأجلي ..؟! لماذا تخليتِ عن عائلتك لأجلي …؟! لماذا فعلتِ هذا وأنتِ تعرفينني جيدا وتعرفين إن هذه حقيقتي وصفاتي التي ليست جديدة عليك أبدا ..”
هتفت بنبرة مشحونة بكافة المشاعر المتناقضة التي تعتريها في تلك اللحظة :-
” لإنني أحبك … ”
أكملت ودموعها تنسكب فوق وجنتيها :-
” لإنني أحبك يا عمار .. أحبك دون توقف .. أحبك رغم كل صفاتك السيئة التي أدركها جيدا .. أحبك كمرض لا دواء له .. أحبك بقدر كرهي لذلك السواد والحقد الذي تحمله داخلك ..”
تقدم نحوها يجذبها من ذراعيها يهمس بالقرب منها :-
” وهل هذا ما يبكيكِ ..؟! هل هذا ما يحزنك ..؟! إنك تحبينني ..؟!”
صاحت بوجع :-
” نعم ، لإنك لا تستحق هذا الحب .. لا تستحق مشاعري .. لا تستحقني ..”
سألها بقوة وهو يقبض على ذراعيها :-
” لماذا أنتِ هنا إذا…؟! لماذا لا ترحلي ..؟! لماذا لا تتركيني ..؟!”
أكمل وهو يهزها من ذراعيها :-
” لماذا لا ترحلين ..؟! لماذا لا تغادرين حياتي ..؟! لماذا تعيشين مع رجل مثلي ..؟! لماذا تستمرين في إيلام نفسك بسببي ..؟! لماذا لا تهربين ..؟! لماذا تبتعدين …؟! لماذا أنت هنا ..؟!”
كان يهزها يعنف ولا وعي بينما هي تبكي بصمت عندما بدأ يفقد عقلانتيه تدريجيا وهو يسترسل وقد تحول لشخص آخر تماما بعينيه اللتين تشكلت بهما لمحة شيطانية مخيفة وملامحه التي قست تماما :-
” مالذي يجعلك تعيشين مع رجل مثلي ..؟! مالذي يجعلك تتحملين قسوتي وحقارتي …؟! مالذي يجبرك على قبول حياة كهذه لا تشبهك …؟! الحب ..؟! الحب يا ديانا ..؟! اللعنة على الحب الذي يجعلك تدمرين نفسك بسببه …اللعنة على الحب الذي يجعلك تتألمين لسنوات بسببه .. اللعنة على الحب الذي يجعلك تخسرين ثباتك وقوتك بسببه .. اللعنة على الحب الذي يجعلك تنتحرين بسببه وتتركين كل شيء محطما خلفك …”
وهنا صاحت شيرين وهي تدفعه بقوة :-
” توقف يا عمار .. انا لست والدتك ديانا … انا شيرين يا عمار .. انا لست ديانا ..”
” هي ليست دينا .. هذه ليست ديانا .. هذه شيرين زوجتي .. شيرين وليست ديانا …”
بهتت ملامحه للحظات وقد بدأ كل شيء يصبح اكثر وضوحا ..
من تقف أمامه هي شيرين وليست ديانا ..
من تقف أمامه هي زوجته وليست والدته ..
لماذا إذا رآها ديانا ..؟! لماذا إذا كان يرى والدته أمامه ..؟!
هل كان يتخيل ..؟! أم كان يخبر شيرين بما أراد أن يخبر به والدته ..؟!
أم كان يرسم أمام عيني زوجته مصيرها القادم وما ينتظرها معه ..؟!
عند هذه النقطة تجمدت أطرافه وسقط قلبه أسفل قدميه ولم يكن بوسعه سوى الفرار هربا بأقصى سرعة من طيف والدته وواقع زوجته …
……………………………………………………………

تجلس فوق سريرها تحتضن جسدها بذراعيها وملامح وجهها تجعلها تبدو هادئة ظاهريا لكنها واقعيا تعاني من تخبط مشاعرها ووجعها الذي لا يتوقف …
أشهر مرت على فراقهما …
أشهر كانت تتجاهل فيها الحقيقة المرة عن عمد ..
تتتجاهل سنوات عمرها المهدورة هباءا ..
تتجاهل الحب الغير مشروط والذي ضاع في زحمة الأيام المحملة بندوب ماضي لا علاقة لها به …
تتجاهل خذلان قلبها وتحطم روحها …
تتجاهل وتسير في دربها الجديد مجبرة لا مخيرة ..
درب مجهول المعالم ..
درب تسير به فقط لتستمر الحياة ولتحافظ على وتيرة نظام عائلتها التي تحاول لملمة ما تبعثر بها …
لا تعلم إذا ما كانت محظوطة لإن مشاكل والدها أتت بنفس الفترة التي فقدت بها حب عمرها فإنشغلت كليا بمشاكل والديها وأزمة والدها وما تبعها من ذلك أم إن الحظ لا يعرف طريقه إليها وإن كل شيء سيعود من جديد ..
الآلم سيعود مجددا والوجع سيعود كما هو بعدما تنتهي من واقع حالها الذي سحبها رغما عنها خارج محيط العشق المؤلم وشغلها كليا …
أكثر ما يخيفها هي اللحظة التي سينتهي بها الوضع الحالي والذي بدا أشبه بغيبوبة مؤقته لا بد أن تنتهي يوما وتستيقظ هي مع مشاعرها من تلك الغفوة المؤقتة ويعود كل شيء كالسابق ..
يعود نفس الألم .. نفس القهر … نفس الوجع المتراكم …
رفعت كفيها نحو وجهها تمسد به جبينها ثم عادت وأبعدتهما وهي تشعر بتلك الدموع تحرق عينيها ..
دموع شكلتها سحابة ذكريات الماضي الذي غزت قلبها مجددا …
إعتصرت عينيها بقوة تمنع نفسها من بكاء حتمي لكنها فشلت فأطلقت العنان لدموعها التي تساقطت فوق وجهها الجميل بصمت يشبهها …!!
صمت يوجد خلفه تراكم من مشاعر جمدتها هي عمدا وكم تخشى من اليوم الذي ستتحرر فيه تلك المشاعر من جمادها الذي قيدتها به …!
ظلت تبكي بصمت ولكن البكاء لم يكن كافيا لها ..
هناك شيء ما يجثم فوق صدرها …
روحها تصرخ داخلها ..
شيء ما لا تعرف ماهيته يجثم فوق روحها لتختنق بسببه تماما ..!
نهضت من فوق سريرها ودموعها ما زالت تتساقط من عينيها دون توقف ..
أخذت تسير داخل غرفة نومها بخطوات غير واضحة ..
تتجه هنا وهناك كروح تائهة تماما تبحث عن مرسى لها تستقر فيه او ربما تبحث عمن يحررها من قيودها …
وأخيرا توقفت أمام مرآتها …
تأملت نفسها لثواني ..
وجهها الباكي وشعرها المسترسل على جانبي وجهها وقد إلتصقت بضع خصلات منه فوق جانبي وجهها الرطب …
رأت أمامها أمرأة جميلة رغم الدموع التي تغطي وجهها والألم الذي يكسو ملامحها ..
إمرأة تمتلك كل شيء من وجهة نظر الجميع ..
المال والجاه والجمال الغربي المميز الذي يحسدها الجميع عليه …
هي كانت تمثل الكمال بالنسبة لمن حولها وما زالت كذلك رغم كل شيء ..
بالنسبة لهم هي ما زالت كذلك لكنها لا ترى كل هذا ..
لم تعد ترى او بالأحرى لم تعد تهتم …
لم تعد تهتم بكل الميزات التي كانت ولا زالت تمتلكها ..
لا تهتم بجمال ثابت إتفق عليه الجميع ولا صورة الفتاة الراقية المميزة التي يتهافت الكثير عليها …
هي لا تهتم بكل هذا …
هي حتى لا تهتم بعرضي زواج أتيا من شخصين يبدوان حلما للعديد من النساء ..
لا تهتم بمشاعر عاشق مخضرم أدركت صدق مشاعره النقية نحوه وعشقه الذي يشع من عينيه في كل لحظة تتجسد هي أمامه ..
لا تهتم بعرض زواج قدمه رجل مثل كنان نعمان بكل ما يمتلك من ميزات .. بثرائه الفاحش وأصوله العريقة والتي تتفوق على ثراء وأصول عائلتها حتى ..!!
بكل ما يمتلكه من جاذبية وذكاء وشخصية لامعة ..
هي لا تهتم بكل هذا بل إنها باتت لا تهتم بشيء …
مسحت وجهها بكفيها وهي ما زالت تقف أمام المرآة عندما توقفت عما تفعله وعادت تتأمل وجهها شديد الإحمرار فهمست تسأل نفسها التي تنعكس أمامها على زجاج المرآة :-
” من أنت ..؟! هل أنتِ ليلى القديمة ..؟؟ ليلى الجميلة اللطيفة المليئة بالحب والحياة …؟! أم ليلى أخرى …؟! لبلى جديدة لا يسكنها سوى الدمار ..؟! ليلى تحاول أن تعود لصورتها القديمة فلا تحصل سوى على نسخة باهتة خادعة قد تخدع الجميع بإنها عادت كما كانت لكنها وحدها هي من تدرك زيفها …”
إرتجفت شفتيها وهي تتحرك هامسة لنفسها :-
” من أنت يا ليلى …؟! أيهما أنت …؟؟ ”
……………………………………………………….
1

وقفت أمام المرآة تتأمل إطلالتها بعينين فرحتين …
ما زالت لم تفهم كليا ما يحدث …
لقد إختفى منذ الصباح متحججا بعمل لم يخبرها سوى القليل عنه ..
ثم فجأة وقرب انتهاء فترة الظهيرة أرسل لها علب مع احد الأشخاص مغلفةبشكل جذاب جدا ..
علب بيضاء اللون تحيط بها أشرطة زهرية جذابية منسقة بشكل بسيط جدا وأنيق في ذات الوقت ومعها كارت صغير لونه خليط بين الأبيض والزهري مكتوب فيه بخط أنيق :-
” سأنتظرك في تمام الساعة الثامنة مساءا أسفل العمارة .. كوني جاهزة في الوقت المحدد … لا تتأخري علي فأنا أتشوق نارا لرؤيتك ..”
بدأت تفتح العلب فوجدت فستانا أبيضا ذو قصة بسيطة جذابة جدا حيث ينسدل قماشه الأبيض الحريري فوق جسدها ملتصقا بالجزء العلوي من جسدها وما إن يصل خصرها حتى يتسع قليلا وبشكل تدريجي ملتفا حول ساقيها الرشقيتين ..
قماشة سادة تماما لا يزينه شيء بإستثناء حمالاته الرفيعة المرصعة بورود ناعمة صغيرة ذات لون زهري جذاب …
الى جانب الفستان كان هناك حذاء ذو كعب عالي أنيق التصميم كريمي اللون وحقيبة صغيرة أنيقة تحمل ذات اللون …
حملت العلبة الأخرى وفتحتها لتجد مستحضرات تجميل تحمل توقيع إحدى الماركات العالمية منوعة تشمل جميع ما تحتاجه النساء عموما وفي علبة أخرى مجموعة من العطور تحمل رائحتها المفضلة والتي تستخدمها دائما بتوقيع نفس الماركة …
إبتسمت بعذوبة وهي تتأمل الفستان الذي كان يناسبها تماما وشعرها الذي سرحته وتركته على وضعه الحر كما يفضله هو …
زينت وجهها بمكياج ناعم يقتصر على بودرة الوجه الخفيفة وكحل عينيها وأحمر شفاه بلون زهري رقيق …
تأملت الساعة التي ستصبح الثامنة بعد ثلاث دقائق فشعرت بإضطراب نبضات قلبها ..
كان قلبها يخفق بعنف وهي تتخيل الليلة وكيف ستكون …
وأخيرا أتت الساغة الثامنة فتحركت تغادر الشقة تهبط الى خارج الشقة عندما وجدته واقفا بجانب سيارته أمام واجهة العمارة كما أخبرها يرتدي بذلة أنيقة منحته جاذبية مخيفة جعلت نبضات قلبها تنتفض أكثر …
كان واقفا في مكانه ينظر أمامه بملامح ظهرت عليها اللهفة عندما ظهرت هي تسير على إستيحاء ليحاوطها بعينيه أثناء سيرها نحوه فيزداد خجلها أضعافا وهي ترى تلك النظرة شديدة الحميمية في عينيه …
وقفت أمامه تمنحه إبتسامة خجول عندما جذب كفها يرفعه ويقبله بخفة قبل أن يهمس وهو يمرر عينيه الزرقاوين فوق وجهها الصبوح :-
” تبدين لامعة ومشرقة بشكل يجعلني أرغب في حبسك بين ضلوعي للأبد …!”
كلماته تلك كانت تقيد قلبها بقيد جديد من قيود عشقه التي تلفه …
كلمات تمنحه صك ملكية قلبها الذي لم يتحرر من ملكيته أساسا …
تنحنت وهي تهمس بخفوت :-
” وأنت تبدو جذابا …”
إبتسم بهدوء ثم قال وكفه تمتد نحو خصلات شعرها تربت فوقها ببطء :-
” هل أنت مستعدة للمغادرة …؟!”
هزت رأسها وهي تبتسم بخجل مفرط ليبتسم بخفة على خجلها الذي يعجبها كما تعجبه شقاوتها وروحها المليئة بالحياة بل حتى تمردها يعجبه …
فتح لها الباب بحركة أنيقة يشير لها أن تدخل فركبت سيارته تجلس في كرسيها بينما إتجه هو الى الجانب الآخر حيث جانبها ليبدأ بقيادة سيارته بينما تجلس هي جانبه صامتة ..
لم ينتظر كثيرا حتى فتح لها الاغاني الخاصة بمطربها المفضل فنظرت له تبتسم بصمت يبادلها هو إبتسامتها. عندما عاد يركز في قيادته وظلت الأغاني مفتوحة حتى وصلا الى المكان المنشود ..
هبط من سيارته واتجه نحوها يفتح لها الباب لتجلس وهي تشكره بخفوت فيقبض على كفها ويسير جانبها حتى دلفا الى الداخل لتجد حياة مكانا راقيا جدا مزينا بطريقة لافتة جذابة يتوسطه طاولة مستديرة مزينة برقي هي الأخرى موضوع عليها علب صغيرة وباقة ورد وأشياء أخرى …
تأملت الزينة الرائعة بلونها الأبيض والزهري …
كل شيء كان مثاليا …
اما هو فكان يتأمل لمعة عينيها وضحكتها العفوية لتهتف بسعادة :-
” لا أصدق .. إنها مفاجئة رائعة …”
جذبها من خصرها يقبل خصلات شعرها من الجانب يهمس في أذنها :-
” هذه مجرد بداية .. الليلة عنوانها المفاجئات …”
إستدارت بوجهها نحوه بينما جسدها ما زال محاصرا بين أحضانه الرحبة لتسأله ببسمة متسعة :-
” ماذا ينتظرني أيضا ..؟!”
إبتسم بجاذبية وقال :-
” ستعرفين كل شيء في توقيته المحدد .. ”
أضاف وهو يميل نحو ثغرها مرددا :-
” هذه الليلة ستكون ليلتنا .. ليلة خاصة بنا … ستكون ليلة من العمر وستبقى محفورة في ذاكرتك الى الأبد .. أعدك بهذا …”
أنهى كلماته بقبلة خفيفة فوق شفتيها ليضيف :-
” ما زال الوقت مبكرا على هذا .. الليل طويل .. سنؤجل هذا الأمر حتى الوقت المناسب …”
ضحكت مرددة بمكر :-
” أنت قلت إن الليلة طويلة والمفاجئات لا تنتهي .. ربما علينا تأجيلها للغد ..”
همس معترضا :-
” إطلاقا .. الليلة يا حياة ..”
أضاف وعيناه تلمعان بشغف :-
” لا تقلقي … كل شيء منظم … سنفعل كل شيء …”
إبتسمت رغم خجلها وهي تسأله من جديد بفضول :-
” وما أول شيء سنفعله ..؟!”
رد وهو يبتسم لها :-
” سنرقص أولا …”
أضاف وهو يتأمل فستانها الذي إنتقاه بنفسه لها :-
” الفستان بدا أروعا عندما إرتديته أنتِ ..”
تنحنت وهي تلمس قماش الفستان الناعم :-
” هذا إختيارك مع إنني لا أفهم لم الأبيض بالذات ..”
هتف بجدية :-
” لا بد أن يكون أبيضا .. تعدمت إختيار اللون الأبيض لإنه اللون الذي يشبهك … اللون الذي يمثلك بالنسبة لي ..”
همست بحب :-
” نديم …”
سأل وهو يتقدم نحوها :-
” نعم يا حياة …”
همست بضعف مشروع أمامه :-
” أحبك …”
تقدم نحوها أكثر يهمس لها بخفوت وصدق لمع بعينيه :-
” حياة .. يا أجمل شيء حدث لي في هذه الحياة … بك تكتمل الحياة يا حياة …”
إرتعش جسدها من عمق كلماته عندما قبض هو على كفه يجذبها نحوها يراقصها بعدما صدح صوت الموسيقى الهادئة في أرجاء المكان ليهمس لها وعيناه تنظران الى عينيها بثبات :-
” ركزي في كلمات الأغنية جيدا .. هذه لك .. تمثلني كما تمثلكِ …”
إبتسمت بحب عندما مال نحوها يعانقها بدفء بينما إنسابت كلمات الأغنية وأصابت قلبها وليس مسمعها فقط ..
“بدِّي ياها
تشتقلي وتخاف عليي
بدِّي ياها
تنام وتحلم بعينيي
بدِّي ياها
تكون الفرحة اللي ناطرا
خاف شي لحظة إخسرا
ترسم ضحكي
لما تحكي
وكل ما شوفا أغمرا
بدِّي ياها
تمشي بدمي قطعة مني
بدِّي ياها
وقت همي تبقى أمي
قلبي يتخبى فيا
يركض ليها يلاقيا
تاخد روحي
تداوي جروحي
وجوا ضلوعي خبيا
بدِّي ياها
قلبا وطن ما بينخان
بدِّي ياها
تحسسني بطيبة زمان
بدِّي ياها
قلبا وطن ما بينخان
بدِّي ياها
تحسسني بطيبة زمان”
………………………..
إنتهيا من الرقصة وقلبها يكاد يخرج من أضلعها من شدة العشق والسعادة …
جذبها من كفها متجها بها نحو الطاولة حيث جلست على الكرسي ليتقدم بعدها وهو يحمل باقة الزهور اولا …
إبتسمت وهي تأخذ الباقة بزهورها الرائعة والتي أيضا تحمل مزيجا بين اللونين الأبيض والزهري ككل شيء في هذه المفاجأة …
عاد بعد لحظات وهو يحمل علبة مربعة متوسطة الحجم تأملتها لثوان حتى فتحها فظهر داخلها طقم مجوهرات من اللؤلؤ الحر ..
تأملت الطوق لثواني قبل أن ترفع عينيها الشفافتين نحوه تهمس إسمه بخفوت فيسألها بجدية :-
” هل أعجبك الطقم ..؟!”
أجابت بصدق :-
” أي شيء منك يعجبني يا نديم …”
همس يسألها :-
” إذا، هل تسمحين لي بأن أساعدك في إرتدائه ..؟!”
ضحكت برقة فحمل العقد وإتجه نحو الخلف حيث أزاح خصلات شعرها القصيرة قليلا وألبسها العقد وأغلقه بحرفية ..
ثم حمل الحلقين وألبسها إياهما بمساعدتها هي هذه المرة وأخيرا السوار الرقيق بتصميمه الذي خطف قلبها ..
أنهى ما فعله بقبلة طويلة طبعها فوق جبينها قبل أن يقول :-
” والآن جاء وقت الطعام …”
إبتسمت بحب عندما تقدم النادل وبدأ يعد المائدة لهما …
مر الوقت حيث تناولا الطعام وغادرا بعدها المكان متجهان الى يخت رائع صعدت عليه حياة بعدما ساعدها ليهمس لها وهما يسيرين الى الأعلى :-
” والآن سننطلق في رحلة بحرية مميزة…”
نظرت له تردد :-
” رحلة مع صديقي المفضل البحر …”
انحنى نحوها وهو يهمس بمكر :-
” وحبيبك الأول والوحيد الذي هو أنا …”
هزت رأسها وهي تضحك ليجذبها وهو يسير بها حيث قمة اليخت الذي بدأ يتحرك بقيادة قائد اليخت في الأسفل ..
وقفت حياة بين أحضان وهي تستند بكفيها على حافة اليخت تتأمل مياه البحر التي تعشقه ونسمات الهواء الدافئة قليلا تلفح وجهها وتمنحها إنتعاشا رائعا ….
إلتفتت نحوه تهمس بعد تنهيدة صامتة :-
” الجو رائع ..”
” جدا …”
قالها بصدق وهو يضيف بمكر باتت تحبه منه :-
” يشجعني على القيام بالعديد من الأشياء التي ستبدو مختلفة في الهواء الطلق …”
إحتقنت ملامحها وهي تنهره برقة:-
” نديم …”
همس بعفوية :-
” حياة نديم …”
إختلجت نبضات قلبها ما إن نطق بهذه الكلمتين وعقلها
أخذ يرددها بعدم تصديق …
هل هي حياته فعلا ..؟!
هل يعنيها حقا أم مجرد كلمة عفوية صدرت منه لا تعني شيئا…؟!
تجاهلت أفكارها وهي تسأله بينما تضع كفها فوق صدره :-
” هل تعنيها حقا يا نديم …؟!”
بدت أكثر جرأة ووضوحا وهو بدوره لم يبخل عليها عندما قال بصدق :-
” أعنيها وبقوة … أنت حياتي يا حياة .. ألم تستوعبِ هذا بعد ..؟!”
أضاف وأنامله تسير فوق ملامح وجهها :-
” ألم تشعري بها حقا .. في كلامي ونظراتي وشوقي ..”
قاطعته بجدية :-
” هذه مؤشرات لكن قد يكون الواقع مختلف فلا تلمني إذا شككت في مكانتي عندك .. فمهما بلغ عمق النظرات والأحاسيس تبقى الكلمات هي الدليل الحي عليها …”
ورغما عنه تذكر كلمات غالية في تلك اللحظة :-
“وأريدك أن تتذكر إن حياة مهما تجاهلت وإستمرت معك ستأتي يوم وتحتاج الى الحب .. ستحتاج أن تسمع كلمة الحب منك وتراها بعينيك … الآن هي تتجاهل وربما ستتجاهل الى عامين او ثلاثة ولكن في النهاية سيأتي يوم وتنفجر وينتهي صبرها وتغادر حياتك وحينها فقط ستدرك حجم غبائك وستندم على خسارتك ”
عند هذه النقطة شعر بالخوف يغزو كيانه وقلبه فجذبها دون وعي داخل صدره يحميها من نفسه ومشاعره المشتتة وقلبه المظلم قبل أن يحميها من حيرتها وخوفها وقلقها مما هو قادم ..
…………………………………………
انتهت المحطة الثانية وأتت المحطة الثالثة والأخيرة في هذه الليلة التي بدت لحياة كحلم جميل لا تريده أن ينتهي …
كان قد قضيا ساعتين فوق اليخت يتحدثان بسعادة متناسيين الحاضر بكل تعقيداته متجاهلين مستقبل مجهول المعالم …
غادرا بعدها اليخت ليذهبا الى وجهتهما الأخيرة ..
أخذها نديم الى احد الفنادق المشهورة جدا في البلاد حيث حجز لهما جناحها حرص على ترتيبه بشكل يناسب عروسين في ليلة عمرهما الأولى …
دلفت حياة الى الجناح تتأمل التفاصيل بإنبهار ..
تلك التفاصيل التي لم تعشها في ليلتهما الأولى بسببها هي أولا …
تأملت الفراش المرتب بغطاءه الأبيض وتطريزه الجذاب المناسب لعروسين ..
زينة الغرفة الرقيقة والبالونات التي تزين الأرضية باللونين الأبيض والزهري أيضا ..
كانت مبهورة تماما بكل ما يحدث عندما شعرت به يحيط جسدها من الخلف يهمس لها :-
” وهنا مسك الختام …”
إستدارت نحوه تتأمله بعينين دامعتين تهمس له بصدق :-
” أنت رائع يا نديم ….”
إنحنى نحوها يقبل شفتيها بشغف وشوق فذابت هي بين ذراعيه تبادله قبلاته عندما إبتعد عنها بعد يهمس من بين أنفاسه اللاهثة :-
” ليس قبل أن ترتدي قميص النوم الذي إخترته لك …”
تراجعت الى الخلف تهمس ينبرة مبعثرة كمشاعرها تماما في تلك اللحظة :-
” قميص نوم ..!!”
اومأت برأسه فتأكدت إنه يريد تعويض تلك الليلة لتبتسم برقة وهي تسأله :-
” أين هو ..؟!”
رد وهو يشير الى الجانب :-
” في الداخل …”
سارت على إستيحاء نحو الحمام بينما خلع نديم سترته وفك أول ثلاثة أزرار من قميصه ووقف ينتظره بحماس وشوق ..
اما هي فدخلت لتنظر الى قميص النوم بنظرة أولى معجبة ..
كان القميص رائعا بلونه الكريمي وتطريزه الجذاب عندما بدأت تخلع ملابسها ثم ترتديه ولكن الصدمة كانت عندما وقفت أمام المرآة تتأمل نفسها بالفستان فترى عريه الذي كان مخفيا قبل إرتداءه …
لم يكن يبدو هكذا … كان يبدو أكثر إحتشاما لكن ما إن إرتدته حتى ظهرت تفاصيله الواضحة بقماشه الذي ظهر معظمه شفافا بإستثناء القليل ..
تنحنت بحرج وهي تتأمله مجددا تشعر بالخجل يغزوها …
نعم هما سويا منذ مدة وهذه ليست مرتها الأولى وقد تخطيا تلك المرحلة منذ زمن لكنها حقا لم ترتدي ولا مرة شيء هكذا بل واقعيا هي لم ترتدي يوما قميص نوم حيث كانت ترتدي بيجاماتها المعتادة متجاهلة قمصان النوم التي إشترتها لها والدتها …
أرادت أن تخلعه لكنها نهرت نفسها بالقوة …
لا تعرف كيف إستطاعت الخروج وهي تتحلى بكل أسلحة الجرأة الممكنة التي لا تمتلكها أساسا ..
وأخيرا وقفت أمامه وفي تلك اللحظة شعرت إنها عادت عذراء خجول فالخحل الذي تشعر به حاليا لم تشعره حتى في مرتهما الأولى ..
شهقت بصمت عندما قبض على كفها برقة وقد إستوعبت أخيرا إنه تقدم نحوها ووصل إليها دون أن تنتبه …
ودون أن تنطق جذبه نحوها وعلى ما يبدو إنه شعر بخجلها الشديد فلم يمنحها الفرصة للهرب وقرر أن يجذبه نحو عالمه دون أن يمنحها الفرصة للهرب ويبدد خجلها …
وكان له ما أراد حيث دخلت عالمه بسلاسة وتوحدت معه كما يحدث في العادة ..
لم يتوحد الجسدين فقط بل توحدت الأرواح ..
الشغف والشوق كان سيدا الموقف ..
شغف لم ينتهي ورغبة لا تتلاشى …
مضى الوقت سريعا ولم يشعرا بها حتى سقطت هي بإرهاق بين ذراعيه تغمض عينيها وتغرق في نومها بسرعة بينما ذراعيه تحاوطانها تماما وقبلاته تحط فوق خصلات شعرها وجانب وجهها بخفوت …
وفي تلك اللحظة كان كل شيء مثاليا ومكتملا كعادته ..
ورغم لياليهما السابقة كانت هذه الليلة لها نكهة خاصة ..
ليلة لن تطبع في ذاكرتها وحدها بل في ذاكرته هو الآخر..
هي إمرأة مشاعره معها تتخبط كليا …
إمرأة تمنحه كل ما يحتاجه من مشاعر …
تجعله يشعر بكل شيء يتمناه المرء …
الراحة والإحتياج ..
السكينة والسعادة …
الشوق والشغف …
وأخيرا الإنتماء …
مشاعر ثابتة لا جدال فيها …
مشاعر يدركها جيدا ولا يخجل أن يعترف بها ..
مشاعر تستوطن روحه دون فكاك …
مشاعر لا يجد سببا محددا لها ولا تفسيرا منطقيا لها …
مشاعر لا يجد لها مسمى ولا يحاول أن يبحث …!!

فتح عينيه الزرقاوين أخيرا بعد نوم إستمر لساعات طويلة ..
تأمل سقف المكان للحظات قبل أن ينظر لها وهي التي تتوسد صدره فيبتسم لا إراديا وهو يتأمل ملامح وجهها الهادئة تماما وهي غارقة في نومها بين ذراعيه ..
مد كفه يلمس خصلات شعرها البنية القصيرة يتسائل كيف سيكون شكلها لو طالت خصلاته فيتذكر صورتها السابقة في سنتها الجامعية الأولى بشعر طويل وكم بدا لائقا بها كما يليق بها الشعر القصير تماما …
أراد أن يوقظها من نومتها لكنه تراجع وهو يراها تنام بعمق وسلام بعد ليلة طويلة مميزة لا تنسى ….
نهض من مكانه بتمهل متجها الى الحمام ليأخذ حماما سريعا فيخرج بعد مدة وهو مرتدي ملابس مكونة من بنطال أسود كلاسيكي فوقه تيشرت ذو لون مماثل ….
وقف أمام المرآة يسرح شعره قبل أن يتجه خارج الغرفة ليفتح الثلاجة الموجودة في المكان ويخرج منها القهوة المثلجة ثم يتجه مجددا نحو الغرفة ومنها الى شرفتها المطلة على الحدائق الخارجية للفندق وحوض السباحة الواسع فأخذ يرتشف قهوته وهو يتأمل المكان بصمت وهدوء منتظرا إستيقاظ حياة ليبدأ يومه معها …
اما هي فإستيقظت أخيرا وهي تبتسم بعفوية وذكريات ليلة البارحة غزت عقلها فإحمرت وجنتيها بقوة وإرتفعت نبضات قلبها بقوة وكل شيء بدا ليلة البارحة مثاليا بشكل يجعلها عاجزة عن وصفه …
إعتدلت في جلستها تتأمل مكانه الخالي جوارها قبل أن تنتبه إليه وهو واقفا في الشرفة المقابلة لها فتنهض من مكانه وتهم بالتوجه نحوه بعفوية عندما إنتبهت لقميص نومها المفتوح فزمت شفتيها بعبوس وهي تتجه بخطوات بطيئة نحو الخزانة متوسط الحجم لتفتحها فوجدت بها روبا محتشما فسارعت تجذبه وترتديه …
إتجهت نحوه بخطواتها الحذرة وما إن وصلت قربه حتى فوجئت به يستدير نحوها ويجذبها إليه بحركة مفاجئة لتشهق بفزع فيضحك على مظهرها عندما مطت شفتيها ترد :-
” كنت أريد إفزاعك فأزعتني أنت …! ”
أضافت تسأله :-
” كيف عرفت إنني خلفك ..؟!”
رد وهو يهز كتفيه :-
” شعرت بك … ”
إبتسمت بخفة عندما بادلها إبتسامتها وهو يردد :-
” صباح الخير …”
ردت تحيته بخفوت فسألها :-
” كيف كانت ليلة البارحة ..؟!”
ردت بسعادة ظهرت في لمعة عينيها :-
” رائعة … كل شيء كان رائعا وخاصة الرحلة البحرية .. ”
قاطعها بخبث :-
” أنا لا أتحدث عن هذا .. أنا أتحدث عما يلي الليلة البحرية …”
إحتقنت ملامحها وهي تنهره بخفوت :-
” توقف عن وقاحتك يا نديم …”
إنحنى نحو شفتيها يطبع قبلة خفيفة فوقيهما ثم يردد بمكر :-
” ما زلت تخجلين مني بعد هذه المدة ..!!”
ردت كاذبة :-
” كلا لا أخجل ..”
ابتسم مرددا :-
” كاذبة .. إنظري الى لون وجنتيك وستدركين إنك كاذبة ..”
غمغمت بعبوس :-
” حسنا أخجل ..”
أضافت بسرعة :-
” قليلا …”
قال بجدية :-
” انت زوجتي .. لا مجال للخجل بيننا …”
ردت تبتسم بخفة :-
” لم يمر على زواجنا سوى أشهر قليلة .. ما بالك تتحدث وكأننا متزوجين منذ أعوام ..؟!”
هتف بإستنكار مصطنع :-
” أنتِ لن تستمري في خجلك هذا بعد أعوام يا حياة ، أليس كذلك ..؟!”
رمقته بنظرات حانقة ليجذبها نحوه يعانقها بسعادة طغت عليه وعليها عندما همهمت تسأله وهي داخل أحضانه :-
” هل تعتقد إن زواجنا سيستمر لأعوام حقا …؟!”
رد وهو يغمض عينيه مستمتعا بوجودها بين ذراعيه والذي يمنحه شعورا من السلام والأمان لا ينتهي :-
” لم ينتهي هذا الزواج طالما أنا على قيد الحياة إلا إذا …”
ابتعدت عنه تسأله وهي تنظر له بفزع :-
” إلا إذا ماذا ..؟!”
رد بصدق :-
” إذا إذا أردت الإنفصال ولكن لأسباب مقنعة وليس لأسبابك السابقة ..”
عقدت حاجبيها تسأله بفضول لا إرادي :-
” أسباب مثل ماذا ..؟!”
رد وهو يسير بإبهامه فوق وجنتها :-
” كأن تتوقفي عن حبي .. في الحقيقة هذا السبب الوحيد الذي يجعلني أطلقك أما غير ذلك فلا طلاق …”
لوت شفتيها تردد :-
” هذا يعني إننا لن نتطلق أبدا …”
ابتسم مرغما وهو يقول :-
” هذا هو المطلوب ..”
أردف بخبث ؛-
” وطبعا هذا إعتراف مباشر منك إنك لن تتوقفي عن حبي ..”
هزت كتفيها تدعي البؤس :-
” للأسف الشديد لن أفعل …”
جذبها نحو مجددا يردد بتملك ظهر في عينيه :-
” ومن سيسمح لك أساسا أن تفعلي ..؟!”
أضاف وهو يتأمل ملامحها الناعمة :-
” أنا لا يمكنني تخيل حياتي بدونك يا حياة … لا يمكنني العيش بدونك .. حياتي باتت مرتبطة بك لذا لا فكاك لك مني إلا في حالة واحدة وهي …”
أوقفته بسرعة :-
” لا تنطقها …”
أضافت بتوسل :-
” لا تنطق هذه الكلمة من فضلك وإذا كنت تريدني سعيدة حقا فعليك أن تحافظ على نفسك لأجلي فأنت كل حياتي يا نديم …”
جذبها نحوه مجددا يطبع قبلة دافئة فوق جبينها يهمس لها :-
” أعدك إنني سأفعل كل ما بوسعي لحماية نفسي لإجلكِ أنتِ قبل كل شيء …”
…………………………………………………..
بعد مدة قصيرة ..
كان يجلس في بهو المطعم الخاص في الفندق يتناولان طعام الإفطار عندما هتف نديم بجدية:-
” نحن اليوم مدعوان على العشاء من قبل والدتي ..”
ابتسمت تردد :-
” حسنا … هل سنعود الى الشقة مباشرة بعد الفطور ..؟!”
هز رأسه نفيا وهو يقول :-
” سنقضي القليل من الوقت الممتع أولا …”
إبتسمت وهي تتأمل الحديقة الخارجية بذلك المسبح الواسع الذي يتوسطها :-
” المكان جميل هنا .. سوف نستمتع كثيرا …”
تأمل حوض السباحة فقال مبتسما :-
” الجو يساعد على السباحة …”
ابتسمت وهي تهز رأسها موافقة :-
” كثيرا …”
سألها وهو يرتشف من الشاي خاصته :-
” هل تجيدين السباحة ..؟!”
ردت بجدية :-
” نوعا ما …”
سألها مهتما :-
” كيف يعني نوعا ما ..؟! هل هناك من علمكِ السباحة ..؟!”
ردت بعدما إبتلعت لقمتها :-
” لقد سبق وتعلمت السباحة في أحد المراكز الخاصة لذلك قبل حوالي ثلاث سنوات .. كانت المدربة ممتازة وتعلمت السباحة جيدا وقتها ولكنني لم أمارسها بعدها …”
غمز لها وهو يردد بخفة :-
” ما رأيك أن تمارسيها اليوم إذا ..؟!”
سألته بدهشة :-
” أنت تتحدث حقا ..؟!”
هز رأسه وهو يردد :-
” بالطبع … ”
عقدت حاحبيها وهي تتأمل المسبح الخارجي الذي يسبح به بعض الرجال والنساء :-
” انا لا يمكنني السباحة هنا .. يعني في مكان مختلط ..”
هتف بحنق :-
” ومن سيسمح لك بذلك أصلا ..؟!”
ابتسمت تردد بخجل :-
” إذا كيف …؟!”
رد بثقة :-
” سأتدبر الأمر …”
شاغبته تقول :-
” هل ستحجز حوض سباحة خاصا بنا ..؟!”
هتف بجدية :-
” شيء كهذا …”
أضاف بجدية :-
” لكن ليس هنا .. في مكان آخر … ”
أضاف وهو يسحب هاتفه بحماس :-
” سأتحدث مع صاحب المكان فربما لا يوجد حجز اليوم …”
تأملت حماسه فإبتسمت لا إراديا قبل أن تتذكر إنها ستضطر أن تظهر أمامه بثوب سباحة فإحتقنت ملامحها مجددا وهي تخفض رأسها نحو طبقها تتناول طعامها وهي تدعو الله ألا يجد حجزا اليوم لكن حدث عكس ما أرادت وقد وجد نديم حجزا بسهولة …
تأملته بوجه محتقن وهو يشكر صاحب المكان ويخبره عن قدومه مع زوجته بعد حوالي ساعة قبل أن يغلق هاتفه وهو يردد بمرح :-
” كل شيء تم بسهولة ..”
سألته بتردد :-
” كيف وجدت حجزا بهذه السهولة ..؟!”
رد بجدية :-
” هناك العديد من الشاليهات المتاحة خاصة في هذه الفترة .. تعلمين إن الدراسة بدأت والجميع مشغول بذلك لذا فالحجز قليل خاصة إن اليوم ليس أحد يومي العطلة ..”
هزت رأسها بتفهم عندما قال وهو يرتشف مجددا من الشاي :-
” إنهي طعامك بسرعة كي نعود الى الجناح نأخذ ملابسنا وأغراضنا ونغادر ..”
أضاف :-
” أفكر أن أؤجل دعوة اليوم الى الغد ونقضي بقية اليوم في الشاليه ..”
قالت بتردد :-
” ربما تحزن والدتك …”
هز كتفيه يردد :-
” لا أعتقد ذلك .. سأخبر غالية إننا سنزورهم غدا على الغداء …”
هزت رأسها بتفهم وعادت تتناول طعامها بينما حمل نديم هاتفه مجددا يتصل هذه المرة بغالية يخبرها بإختصار عن تأجيل عشاء اليوم الى غداء ليوم غد ..
……………………………………………
بعد حوالي ساعتين …
كانت تتأمل الطريق بسعادة حيث هما في طريقهما الآن نحو الشاليه الذي حجزه نديم لهما ليقضيا به الليلة …
كانت تشعر بسعادة لا نهاية لها .. كل شيء يبدو مثاليا بشكل رائع …
استدارت نحوه تتأمله بحب تشكره في أعماقها على تلك اللحظات السعيدة التي تعيشها بسببه وبوجوده الذي يشكل مصدرا أساسيا لسعادتها …
كانا قد غادرا الفندق بعدما جمعا أغراضهما ليذهبا الى الشقة حيث طلب منها نديم أن تجهز ما يحتاجانه من ملابس لقضاء اليوم لهما بينما غادر هو لأجل قضاء بعض الأشياء السريعة قبل أن يعود بعد أقل من ساعة فيجدها قد إنتهت من تحضير ما يحتاجانه ليغادران سويا وها هما في طريقهما الى هناك ..
أوقف نديم سيارته فتأملت حياة المكان المكون من شاليهات متعددة ذات حجم متوسط بدت أشبه بمنزل صغير تقع مباشرة أمام البحر ….
هبطت من السيارة بعدما فتح نديم لها الباب وهو يشير لها :-
” هيا ندخل …”
ثم جذبها الى داخل الشاليه لتتأمل الحديقة الجميلة بحوض السباحة الذي يتوسط حيث تحيط الحديقة جدران ليست عالية بينما توجد مظلة تغطي الحوض تحجبه عن الخارج فلا يستطيع أحد رؤيتهما وهما داخله …
سألها وهو يتأمل المكان :-
” هل أعجبك المكان ..؟!”
ردت بصدق :-
” جميل جدا ..”
” تعالي لنرى الداخل ..”
قالها وهو يجذبها الى داخل الجناح الذي كان مكون من صالة جلوس ذات أثاث بسيط لكنه أنيق بألوانه الهادئة والى الداخل توجد غرفتان للنوم إحداهما تحتوي على سرير مزدوج بينما الأخرى ذات سرير منفصل …
ويوجد مطبخ ملحق بصالة الجلوس يحتوي جميع ما تحتاجه من معدات مع حمام ملحق بكل غرفة …
اتجهت نحو الغرفة ذات السرير المزدوج يتبعها هو حيث حمل الحقيبة التي تحتوي على ملابس لهما وأغراض خاصة عندما فتحت الحقيبة وبدأت ترتب الملابس عندما غادر هو يجلب بقية الأشياء التي إشتراها من أطمعة وغيره حيث أخذ يضع الأطعمة في الثلاجة ..
بعدما إنتهيا مما يفعلانه أشار لها نديم :-
” هل نسبح الآن أم مساءا أفضل ..؟!”
ردت بجدية :-
” مساءا افضل ..”
تقدم نحوها يجذبها إليه يسألها بعينين شغوفتين :-
” إذا ماذا سنفعل الآن …؟!”
سألته وهي تبتسم له بحب :-
” نفعل ما تريده ..؟!”
قبل ثغرها بخفة يردد :-
” هذا ما أريده ..”
ضحكت برقة وهي تقول :-
” لنؤجلها مساءا …”
قال وهو يقبل طرف أنفها هذه المرة :-
” ومساءا أيضا .. الآن ومساءا ..”
هتفت بخجل وهي تحاول إبعاده عنها :-
” ألا تمل مني ..؟!”
أحكم قبضته عليها يردد :-
” هل يوجد شخص عاقل يمل منك يا حياة ..؟!”
أضاف وعيناه ترمقانه بنظرة لعوبة نادرا ما تظهر عليه :-
” ثانيا تذكري إنه منذ بداية زواجنا وأنت تحرمينني منك أم نسيت أغلب الأيام التي قضيناها متخاصمين يا هانم ..؟!”
زمت شفتيها تردد :-
” مالذي ذكرك بتلك الأيام الآن ..؟!”
رد بمكر :-
“يجب أن تتذكري كي تقومي بتعويضي عنها …”
رفعت حاجبها تردد :-
” هكذا الأمر إذا ..”
هز رأسه مرددا وهو يخلل أنامله داخل خصلاتها القصيرة :-
” نعم يا حياة .. أنتِ مديونة لي وعليكِ أن تبدئي بتسديد ديونك .. سوف تعوضيني عن تلك الأيام جميعها وسنبدأ من اليوم ومن هذه اللحظة تحديدا ..”
ضحكت بعدم تصديق عندما أنحنى نحوها يعانقها فتستسلم هي لعناقه بصدر رحب ..
…………………………………………….
بعد مدة من الزمن ..
غادرت غرفة النوم وهي ترتدي فستانا قطنيا قصيرا تاركة نديم يأخذ حمامه في الداخل بعدما إنتهت هي من حمامها …
سارت نحو المطبخ الصغير حيث فتحت الثلاجة وقررت إعداد الطعام حيث قررت أن تعد المعكرونة بالبشاميل والتي تجيد صنعها بشكل رائع كما كان يخبرها والدها وصديقتها مي وغيرهما ممن تذوقها …
أخرجت قطع الدجاج الباردة وبدأت في تقطيعها قبل أن تضعها على النار عندما وجدته خلفها يتسائل :-
” ماذا تفعلين …؟!”
ردت وهي تبتسم له :-
” أعد الغداء لنا .. معكرونة بالبشاميل …”
قال وهو يقف جانبها مستندا على جدار المطبخ بجسده :-
” أحبها كثيرا …”
قالت بسعادة :-
” حقا ..؟! إذا إذهب أنت وإجلس في صالة الجلوس او خارجا حتى أنتهي من إعدادها ….”
هز رأسه نفيا وهو يقول :-
” بل سأراقبك وأنتِ تعملين …”
ابتسمت وهي تقول :-
” كما تريد…”
سألها وهو يقترب منها بعد قليل :-
” هل تحتاجين لمساعدة ما ….”
ردت وهي تستدير نحوه :-
” شكرا ، لا أحتاج الى أي مساعدة …”
أضافت وهي تشير الى الموقد :-
” الدجاج سوف يستوي بعد قليل والمعكرونة أيضا …”
أضافت وهي تتجه نحو الثلاجة :-
” سأعد الآن الصلصة …”
ثم توقفت وهي تتذكر أمرا هاما … صلصة البشاميل تحتاج الى مكونات ليس موجود أغلبها ..
إستدارت نحوه تردد بملامح عابسة :-
” لا توجد مكونات الصلصة ..؟!”
عقد حاحبيه يتسائل :-
” وما هي مكوناتها ..؟!”
ردت وهي تزم شفتيها :-
” الدقيق والزبدة ومرق الدجاج … لا يوجد سوى الحليب …”
ابتسم مرددا ببساطة :-
” سأجلبها حالا من المحل المقابل للشاليه ..”
ابتسمت تردد :-
” حسنا …”
غادر نديم بسرعة يجلب ما طلبته ليأتي بعد حوالي ثلث ساعة عندما أكملت حياة إعداد الطعام ثم إتجهت تعد المائدة ليهتف بها نديم وهو يجلس أمامها على المائدة الصغيرة :-
” تبدو شهية للغاية …”
قالت حياة مبتسمة :-
” المهم أن تعجبك …”
جذب بعضا من المعكرونة يضعها في صحنه قبل أن يتذوقها لتتأمله حياة بلهفة وهي تنتظر ردة فعله عندما لاحظ تأملها له وترقبها الواضح لرأيه فإبتسم قائلا :-
” إنها رائعة .. سلمت يداك …”
” حقا ..؟!”
سألته بفرحة عفوية ليومأ برأسه وهو يضيف :-
” إنها رائعة …”
أضاف بجدية :-
” ولكن إنتبهي هذا يعني إنني سأطلب منكِ إعدادها بإستمرار …”
هتفت بحبور :-
” سأعدها لك يوميا إذا أردت ..”
ثم بدأت هي الأخرى تتناول طعامها عندما إنتهى كلاهما من تناول الطعام فسارعت حياة تلملم المائدة يساعدها نديم ثم أخذت تغسل الصحون بينما كان يساعدها هو من خلال تجفيفها …
أعدت بعد ذلك الشاي حيث خرجا كلاهما وكلا منهما يحمل كوبه معه ليتناولا الشاي أمام البحر بعدما جلسا على إحدى المقاعد المقابلة له …
كانت تفاصيل صغيرة يعيشنها سويا لكنها مهمة لكليهما وخاصة لحياة التي كانت أكثر من سعيدة بهذه التفاصيل التي يعيشانها ولأول مرة تشعر إنهما زوجين بحق يعيشان الحياة الزوجية بتفاصيلها التقليدية وكم تمنت أن تدوم هذه اللحظات للأبد وتستمر حياتهما على هذه الوتيرة ..
………………………………………………….

بعد حوالي ساعتين ..
وقفت حياة أمام المرآة تتأمل ثوب السباحة الذي فاجئها به نديم وهو الذي تسلل خارجا كي يشتريه أثناء إعدادها لحقيبتهما الصغيرة …
كان ثوب سباحة مكون من قطعتين ذات لون سمائي مميز ..
تأملت جسدها الرشيق بلونه الأسمر الجذاب بخجل ورغم كل ما تشاركاه سويا وعاشاه بدت لها فكرة ظهورها أمامه وجسدها لا يستره سوى هاتين القطعتين الصغيرتين بينما يظهر أغلبه عاريا مخجلة جدا ..
توقفت أفكاره وهي تستمع الى صوته يردد من الخارج :-
” أين أنت يا حياة ..؟! لقد تأخرت كثيرا…”
هتفت بصوت محتقن :-
” أنا آتية ..”
ثم سحبت الروب الخفيف القصير القليل والذي يحمل نفس لون الثوب لكن بدرجة أغمق وإرتدته ليخفي أغلب تفاصيل جسدها الظاهرة ما عدا ساقيها الرشيقتين وعنقها وبداية نحرها ..
خرجت بتردد نحوه ليبتسم وهو يتأملها بذلك الروب الخفيف الذي يخفي داخله جسدها بذلك الثوب الذي لا يغطي منه سوى القليل …
كان الخجل واضحا عليها فجذبها نحوه يردد وهو يحاول إزالة خجلها :-
” هيا بنا ..”
سارت معه حيث إتجه بها نحو حوض السباحة عندما سألها :-
” هل تقفزين أولا أم ..”
قاطعته :-
” أنت أولا …”
ابتسم وهو يرمي المنشفة التي كان يحملها على الكرسي جانبا ثم يقفز بجسده داخل حوض السباحة قبل أن يخرج من أسفل المياه يهتف بحماس :-
” إقفزي هيا ..”
قالت وهي تتراجع الى الخلف لا إراديا :-
” سأقفز بعد قليل ..”
هز رأسه بتفهم لخجلها الواضح عندما أخذ هو يسبح ذهابا وإيابا بينما جلست هي على الكرسي قباله تتأمله بحب …
مرت حوالي عشر دقائق عندما وجدته يخرج من المسبح ويتقدم نحوها فتأملت جسده الصلب الرشيق حيث لا يرتدي سوى شورت قصير فوقعت عيناها على صدره العريض بشكل متوسط وعضلاته البارزة بشكل معتدل لتخفض عينيها أرضا تدعي إنشغالها بشيء ما عندما وقف جانبها يجذب المنشفة يجفف جسده قبل أن يسألها وهو يجلس جانبها :-
” متى ستشاركيني السباحة إذا …؟!”
ردت بتردد :-
” ربما لن أستطيع .. أشعر بقليل من التعب ..”
ابتسم بخفة مرددا :-
” التعب أم الخجل ..”
نظرت له بطرف عينيها لينهض من مكانه يمد كفه لها فنطرت له بتردد لتقابل عينيه اللتين تمنحانها نظرات دافئة وإبتسامته الهادئة المطمئنة لتضع كفها داخل كفه عندما نهضت من مكانها فتقدم هو بها نحو المسبح وفك الروب ثم خلعه من فوق جسدها ورماه الى جانب منشفته يغض بصره عن تأمل جسدها مرغما كي لا يتسبب بخجلها وهروبها بعيدا عندما أشار لها :-
“. هيا إنزلي …”
قالت وهي تنظر نحو المسبح بتردد رغم كونها تجيد السباحة :-
” انت اولا ..”
ابتسم بتفهم قبل أن يقفز بجسده مجددا داخل المياه ثم يتقدم نحوها حيث أشار لها أن تنزل معه …
إنحنت بجسدها نحو الأسفل عندما جلست على الأرضية بينما أنزلت قدميها داخل المياه التي كانت دافئة قليلا بشكل يغري للسباحة داخلها عندما مد نديم كفه لها يدعوها للهبوط معه فمنحته كفها ليسحبها نحو الحوض عندما شعرت بالمياه تغمرها من جميع الجوانب وكف نديم ما زالت تقبض على كفها بقوة ..
شعرت بالقليل من الفزغ في بادئ الأمر وقد شعر نديم بذلك فأحاط جسدها بجسده يخبرها ألا تخاف وأن تترك نفسها للمياه وتستمع بها وقد حدث ونفذت ما قاله وبالفعل بعد لحظات بدأت تسترخي داخل المياه قبل أن تشارك نديم السباحة بعدها …
أخذا يسبحان سويا في جو يسوده المرح والسعادة التي طغت على كليهما …
سعادة بدأت منذ مساء البارحة حتى مساء اليوم …
سعادة مختلفة يحضيان بها لأول مرة منذ بداية زواجهما ..
سعادة تمنيا كلاهما سرا أن تدوم الى الأبد …
…………………………………
في اليوم التالي ..
وصلا كلا من نديم وحياة الى فيلا العائلة عندما وجدا صباح تستقبلهما بسعادة ومعها غالية ..
بعدما إنتهيا من الترحيب وتبادل التحيات جلس الجميع في صالة الجلوس عندما تقدمت إحدى الخادمات تحمل معها أقداع عصير البرتقال حيث قدمتها للأربعة ثم غادرت عندما أخذوا يتحدثون وقد لاحظت صباح السعادة الواضحة على نديم والذي بدا مختلفا عن السابق فغزا الاطمئنان قلبها وكذلك غالية …
بعد مدة من تبادل الأحاديث نهضت صباح وهي تشير الى حياة قائلة :-
” هل تأتي معي يا حياة .. أريدك قليلا ..”
نظر نديم لها بتعجب بينما إبتسمت غالية عندما هزت حياة رأسها على إستيحاء وهي تسير معها خارج المكان ليسأل نديم شقيقته :-
” ماذا هناك ..؟!”
هزت غالية كتفيها تجيب :-
” لا أعرف بالضبط لكن ربما تريد أن تمنحها هدية ما …”
هز نديم رأسه بتفهم قبل أن يسألها :-
” وماذا عنك ..؟! ما هي أخبارك ..؟!”
ردت غالية وهي تبتسم :-
” انا بخير تماما …”
أضافت بجدية :-
“أقضي وقتي ما بين العمل وزيارة الجمعية التي إنضممت لها حديثا .. ”
أضافت بتفكير :-
” أفكر أن أضم حياة أيضا الى الجمعية .. بالتأكيد ستحب ما يقدمونه من أعمال خيرية …”
قال نديم :-
” فكرة جيدة مع إنني أشك إنها ستوافق بسبب دراستها ..”
سألت غالية بإهتمام :-
” هل يمكنها العودة الى مقاعد الدراسة هذه السنة ..؟!”
رد نديم :-
” ستذهب الأسبوع القادم الى الجامعة وترى الأمر وإذا لم يوافقوا سأتواصل مع أحد معارفنا ليساعدنا في ذلك ..”
أضاف بتذكر :-
” أتذكر إن صديق شريف المقرب يمتلك منصبا مهما في وزارة التعليم .. ربما يستطيع مساعدتنا .. المهم ألا تخسر سنة كاملة بسببي …”
قالت غالية :-
” برأيي أنت تتحدث مع شريف منذ الآن ولا تماطل فلا أظن إن هذا الأمر سيتم بسهولة خاصة إنها سحبت أوراقها ونقلتها الى الجامعة في أمريكا ..”
هز نديم رأسه بتفهم قبل أن يسألها :-
” صحيح .. ما أخبار صلاح ..؟! ألم يعد من شهر العسل حتى الآن ..؟!”
ردت غالية بجدية :-
” حسب علمي لا .. ”
هتف ممازحا :-
” سيصبح عاما من العسل وليس شهرا ..”
ضحكت غالية تردد :-
” هذا صلاح يا نديم .. كل شيء لديه مختلف ..”
هتف نديم مبتسما :-
” لم أستوعب حتى الآن كيف قرر أن يتزوج فجأة وهو الذي كان دائما ضد الزواج والإرتباط والأهم إنني لم أفهم كيف ومتى أحب نانسي ..”
ردت غالية بعقلانية :-
” ربما لم يحبها …ربما أعجبته فقط ولم يجد طريقة أخرى للحصول عليها …”
هتف نديم مستنكرا :-
” حسنا صلاح عابث ولكنه ليس مستهترا لهذه الدرجة ونانسي بدوها ليست فتاة غبية لتوافق عليه وهي لا تدرك نواياه …”
هتفت غالية :-
” الأمر لا يحتاج الى ذكاء … صلاح ليس ذلك الشاب الذي يفكر بالإستقرار وحتى لو فكر فليس الآن وبهذه السرعة كما إنني رأيته يوم الزفاف ولم ألحظ عليه أي شيء يدل على حب نحو نانسي ونانسي بدت هي الأخرى باهتة .. حسنا لا أفهم كيف تم هذا الزواج ولكن عن نفسي أتوقع كل شيء من إبن عمك …”
هز رأسه نديم مرددا :-
” معك حق .. صلاح متوقع منه كل شيء ولكن أتمنى أن يكون كلامك خاطئا .. ”
أضاف بجدية :-
” هل تعلمين إنه رغم كل تصرفات نانسي السيئة والمجنونة إلا إن داخلها طفلة مقهورة تبحث عن الحب والإهتمام …”
قالت غالية بصدق :-
” وانا أيضا شعرت ذلك .. في الحقيقة شعرت إنني مخطئة في وجهة نظري نحوها ولكن لا يمكنني لوم نفسي فهي من شكلت تلك النظرة عنها …”
تنهدت وهي تضيف :-
” أتمنى أن ينصلح حال صلاح معها … ”
قال نديم بصدق :-
” قد يبدو الأمر صعبا لكن ربما يكون صلاحه على يدها ..”
أضاف بجدية :-
” سبحان الله ، الفرق بينه وبين شقيقه فرق السماء عن الارض …”
قالت غالية بعفوية :-
” شريف عكس صلاح في كل شي … هو رزين وعاقل وذكي ومحترم وذو مسؤولية عكس شقيقه …”
ابتسم نديم مرددا :-
” نعم هو كذلك ..”
نظرت له غالية تسأله بتوجس :-
” ما معنى هذه الإبتسامة ..؟!”
رد نديم بصدق :-
” لا شيء .. لكن ربما ستتفاجئين مما سأقوله … دائما ما كان يعجبني شريف كرجل مثالي في كل شيء ولهذا داخلي كنت أتمناه زوجا لك بل واقعيا كنت أراه أكثر شخص يناسبكِ ..”
توترت ملامح غالية وهي تقول :-
” من أين أتيت بهذا الآن .. انت تعرف إن هذا الأمر محسوم بالنسبة لي …”
قال نديم بتفهم:-
” أعلم ذلك و ..”
قاطعته غالية :-
” موضوع شريف إنتهى قبل أن يبدأ .. هو أراد أن يخطبني وأنا رفضته..”
” لإن وقتها كان هناك فراس ..”
قالها نديم وهو يكمل برزانة :-
” ولكن فراس لم يعد موجودا وكلانا يعلم إن شريف يحبك فلم لا تعطيه فرصة ..؟!”
قاطعته غالية :-
” هل تمزح نديم ..؟! ما هذا الكلام ..؟! وحتى لو كان يحبني .. هل أنا مجبرة على إعطائه فرصة فقط كونه يحبني ..؟!”
أضافت بجدية :-
” لماذا أشعر دائما إنكم ترونني مخطئة في رفضي له وإنني لم أعطه فرصة كي أحبه .. ؟! انا لا أفهم لماذا علي أن أمنحه فرصة من الأساس ..؟؟ حسنا هو يحبني ولكن ماذا فعل لأجل هذا الحب …؟! كنت أمامه منذ سنوات وهو لم يتحرك خطوة واحدة .. سافر وعاد دون أن يخبرني عن مشاعره وانا بدوري لم أحمل ناحيته آية مشاعر والأهم إنني لم أعده بشيء فلا يأتي الآن ويتحدث عن حبه لي لسنوات طويلة وما شابه ويتأسف لإنني رفضته فأي شخص طبيعي سيتوقع خلال سفره لسنوات أن يكون هناك شخص ما دخل حياتي وأحببته …”
هتف نديم بجدية :-
” حسنا اهدئي .. لا احد يفكر بهذه الطريقة ولا حتى شريف نفسه .. انت معك حق .. انا فقط فكرت بما إنك إنفصلت عن فراس وشريف يحبك فيمكنك أن تمنحينه فرصة …”
” لا أريد يا نديم … انا لا أفكر بشريف ولا أعتقد إنني سأفعل ..”
تأمل ردها الحازم فشعر بخطب ما ليسألها :-
” هل هناك شخص ما في حياتك …؟!”
أجفلت لا إراديا وشخص واحد خطر على بالها لترد بسرعة :-
” ليس تماما .. ”
أكملت تحسم الحوار :-
” ستعرف كل شيء في الوقت المناسب …”
ثم نهضت من مكانها بسرعة تتجه خارج المكان وهي تتذكر ذلك الشخص .. شخص كل يوم يمر عليها تتأكد من وجود مشاعر حقيقة داخلها نحوه ..
شخص تدرك جيدا صعوبة إرتباطهما والذي سيبدو غير مقبولا عند الكثير لكن ماذا تفعل …؟؟
لقد إختار قلبه وحسم أمره وهي لا حل آخر أمامها سوى مواجهة إختياره ذلك وتقبله أيا كانت النتائج …
……………………………………
دخلت حياة الى غرفة صباح التي سبقتها عندما طلبت منها أن تتقدم نحوها فسارت حياة على إستيحاء حتى وصلت إليها عندما مدت صباح يدها نحوها بعلبة صغيرة مخملية لتسألها حياة بخجل :-
” ما هذا ..؟؟”
ردت صباح مبتسمة :-
” خذيها وإفتحيها بنفسك ….؟!”
أخذتها حياة ثم فتحتها لتجد سوارا ماسيا رائع التصميم مرصع بحجر الياقوت الجذاب ..
نظرت الى صباح التي سألتها وهي تبتسم لها :-
” هل أعجبك ..؟!”
ردت حياة بصدق :-
” إنه رائع …”
قالت صباح بجدية :-
” هذه هديتي لك … ”
نظرت لها بتعجب فأكملت :-
” هذه هدية مختلفة عن تلك التي ألبستها لك يوم الزفاف …”
أضافت وهي تتنهد بصمت :-
” نحن لدينا عادة قديمة .. ترتدي زوجة الإبن قطعة متوارثة من الأجداد … انا إرتديت نفس القطعة التي إرتدتها خالتي وأم زوجي رحمة الله عليها والتي أهدتها لها بدورها أم زوجها وهكذا …”
أضافت بمرارة خفية :-
” لكنني لم أهديك تلك القطعة نفسها ..”
نطرت لها حياة بحيرة لتبتسم صباح وهي تردد :
” كنت مترددة .. هل أهديها لكِ … ؟! هل أفعل ما فعله جميع من قبلي .. ؟!”
تغضنت ملامحها كليا وهي تسترسل :-
” لكنني رفضت داخلي أن أفعل .. هل تعلمين لماذ! ..؟!”
نظرت حياة لها بتوجس فأجابت صباح بعينين غامتا بعواطف لا تزول :-
” لإن تلك القطعة نذير شؤم ككل شيء في تلك الزيجة …”
إزدادت دهشة حياة عندما أكملت صباح :-
” قررت أن لا أحد سيرتديها بعدي .. لا أنتِ ولا حتى غالية … أخاف أن تنال من ترتديها منكما مصيرا مشابها لمصيري لا سامح الله لذا تخلصت منها …”
تأملتها حياة بشفقة رغم عدم معرفتها كليا بتفاصيل الماضي لكن يبدو إن ما عاشته تلك المرأة خلال زواجها كان قاسيا جدا بينما إتجهت صباح نحو صورة زفافها الموضوع على الحائط تتحدث مكملة :-
” هل تعلمين أين هي الآن …؟!”
سألت حياة بصوت متحشرج :-
” أين ..؟!”
إلتفتت صباح نحوها تردد بإبتسامة باردة :-
” مع صاحبتها الأصلية .. مع من كان يجب أن ترتديها .. مع من كانت الأحق بها .. مع ديانا والدة عمار …”
أجفلت حياة لا إراديا مما تسمعه عندما شردت صباح بعينيها وهي تضيف :-
” لقد دفنتها جانب قبرها بعدما حسمت قراري … ”
أكملت وهي تسير مجددا نحو حياة :-
” فعلت ذلك عل وعسى أتخلص من لعنة زيجتي من حسين ومن لعنة ديانا نفسها …”
تنهدت بعدها وهي تحرر عقلها من ذكريات الماضي تبتسم لحياة مرددة :-
” حياة .. انت ربما لا تعلمين إنني شعرت بالألفة نحوك منذ أول يوم … كما إنني أحببتك بسرعة …”
إسترسلت بصدق :-
” ربما يبدو هذا غريبا لكنني حقا شعرت منذ البداية بمزيح من الراحة نحوك والأمل بك .. ”
أكملت وهي تضع كفها فوق ذراع حياة:-
” انا محظوظة جدا لإنك دخلت حياة ولدي مثلما نديم محظوظ كثيرا إنك في حياته …”
تنحنحت حياة بخجل عندما أضافت صباح بصدق :-
” نديم شخص جيد للغاية .. رجل يمكنك أن تعتمدي عليه وتثقي به … وأنت فتاة رائعة .. قوية وذكية … أنت الفتاة التي تمنيت أن يضع الله بها القوة التي تجعلها تخرج نديم من ظلماته وتمنحه حياة جديدا وأملا ومستقبلا مشرقا ومع كل يوم أتأكد إن أمنيتي بدأت تتحق فعلا وإن نظرتي نحوك كانت صائبة ..”
أدمعت عينا حياة لا إراديا عندما همست صباح برجاء :-
” انت تحبينه وهو متعلق بك بشكل لم أره عليه من قبل .. أعلم إنك حاليا تمنحين أكثر مما تأخذين بكثير لكن تأكدي عندما تزول هذه الغيمة ويستعيد نديم نفسه التائهة تماما سيعوضك وسيمنحك كل شيء دون تردد …”
همست حياة بصدق :-
” ليس مهما ما سيمنحه لي .. المهم أن يكون بخير ويتجاوز محنته ..”
جذبت صباح كفها تشدد على قبضتها :-
” سيفعل .. طالما انت معه وجانبه سيفعل .. بإذن الله سيفعل فقط عديني أن تبقي جانبه دائما وتساعديه في ذلك …”
ردت حياة بصدق :-
” أعدك …”
جذبتها صباح تعانقها فإستسلمت حياة لعناقها تخفي دموعها التي أوشكت على التساقط من شدة تأثرها بهذا الموقف ..
……………………:………………………
غادرت حياة غرفة صباح لتجد غالية تتقدم نحوها وهي تبتسم لها وتسألها بمرح :-
” هل هناك أسرار تمنعني من معرفة ما يدور بينكِ وبين ماما ..؟!”
ردت حياة مبتسمة :-
” ابدا .. لقد تحدثنا قليلا وأهدتني هذه الإسوارة …”
نظرت غالية الى الإسوارة وقالت :-
” إنها رائعة .. مبارك عليك حبيبتي ..”
شكرتها حياة ثم قالت بجدية :-
” أريد أن أسألك سؤالا يا غالية ..”
نظرت لها غالية بإهتمام لتسألها حياة :-
” من أخبرك بأمر عمار ومراقبته لنا هناك ..؟!”
سألت غالية بحيرة :-
” لماذا تسألين يا حياة ..؟!”
ردت حياة بصدق :-
” لكي أعرف من ساعدنا في كشف ماذي تلك وكان سببا أساسيا في عودتنا أيضا ..”
إرتبكت ملامح غالية لوهلة وقد لاحظت حياة هذا فهزت رأسها تردد بتفهم :-
” حسنا إذا كنت لا تريدين القول فيحق لك …”
همت بالتحرك عندما أوقفتها غالية تهتف :-
” لا أعلم إذا ما كان يجب علي قول ذلك أم لا لكن بما إنها لم تطلب مني عدم الإفصاح عن هويتها فسأقول .. ليلى من أخبرتني بعدما أتتها رسالة من رقم غريب تخبرها بطلاقكما فشكت إن عمار وراء الرسالة وجاءت لتحذرني ..”
ابتسمت حياة وقالت :-
” توقعت هذا وتأكدت عندما إرتبكت قبل قليل …”
أضاف بإمتنان صادق :-
“إنها ليست المرة الأولى التي تنجح ليلى فيها في مساعدة نديم ففي السابق أنقذته من الموت ..”
” نعم .. معك حق ..”
قالتها غالية بصدق عندما قالت حياة مبتسمة :-
” سأذهب الى نديم ..”
ثم تحركت تاركة غالية تتابعها بتعجب من تصرفها بعدما عرفت إن ليلى وراء الأمر وعدم ظهور أي بوادر ضيق او غيرة او حتى قلق من معرفتها بذلك فتنهدت وهي تدعو الله بإستقرار وضع الجميع …
اتجهت بعدها نحو والدتها التي أخبرتها أن تسبقها الى المطبخ لتتأكد من تحهيز المائدة عندما إجتمع الجميع بعد حوالي نصف ساعة على طاولة الطعام يتناولون الغداء في جو أسري هادئ …
جلسا كلا من حياة ونديم مع صباح وغالية حتى المساء عندما قررا أن يغادرا أخيرا فهم نديم بتوديع والدته بينما ودعت حياة غالية قبل أن تهمس :-
” هل يمكنك أن ترسلي لي رقم ليلى من فضلك ..؟!”
نظرت لها غالية بدهشة تبدلت الى القلق فقالت حياة بصدق :-
” انت تثقين بي ، أليس كذلك ..؟!”
هزت غالية رأسها تجيب :-
” بالطبع ..”
ابتسمت حياة تهتف بها :-
” أريد رقمها من فضلك .. سأنتظر أن ترسليه لي بعد قليل …”
هز غالية رأسها مرغمة قبل أن تودع فيرحلان كلا من نديم وحياة حيث وصلا الى الشقة عندما اتجهت حياة تغير ملابسها وترتدي بيجامة قطنية قبل أن تخرج من الغرفة وهي تحمل هاتفها لتجد غالية قد أرسلت لها الرقم بالفعل فسارعت تتصل به عندما جاءها صوت ليلى يجيب عليها متسائلا عن هوية المتصل فتجاهلت حياة نبضات قلبها التي تخفق بعنف وهي تعرف عن نفسها :-
” انا حياة … بالتأكيد عرفتني …”
لم تعرف عن نفسها كزوجة نديم ولا تعرف لماذا ..؟!
لحظات وجاء رد ليلى المقتضب :-
” اهلا حياة … تفضلي …”
ردت حياة تتجاوز إرتباكها :-
” هل يمكنني رؤيتك …؟! لو سمحت ….”
كانت تتوقع رفضا وكانت ستتفهم ذلك لكنها فوجئت بليلى توافق على رؤيتها فإبتسمت بتشجيع وهي تخبرها عن المكان الذي يمكن أن يلتقيا به صباح الغد ..
……………………………………………..
كان لقاءا غريبا … مفاجئا وغير متوقعا ..
لم تتوقع آيا منهما أن تلتقيان في يوم على إنفراد لكن حياة أرادت ذلك وليلى لم تمانع فهي لا مشكلة لديها مع الفتاة واقعيا ولا تحمل أي ضغينة إتجاهها …
بدأت حياة الحديث بنحنحة خفيفة جذبت إنتباه ليلى عندما نطقت أخيرا :-
” بالطبع انت تتسائلين عن سبب طلبي رؤيتك …؟!”
ردت ليلى بجدية :-
” في الحقيقة نعم …”
أضافت ليلى بهدوء :-
” آخر مرة تحدثنا بها لم تكن لطيفة .. ”
صمتت قليلا تتأمل ملامح الصمت والترقب على وجه حياة فأضافت بجدية :-
” فهمت فيما بعد سبب حديثك و ..”
قاطعتها حياة بهدوء :-
” لم يعد مهما .. يعني لقد مرت أشهر على ذلك اليوم و ..”
قاطعتها ليلى بدورها :-
” لكنه مهما لي .. مهما حدث يجب أن تعلمي إنني لم يكن لدي أي نية لسرقة فرحتك .. ”
زفرت نفسا خافتا ثم أكملت :-
” تصرفي كان خاطئا أعلم ذلك لكنني أردت الإنتقام لنفسي والثأر لكبريائي بأي شكل .. ربما لو عاد بي الزمن ما كنت لأتصرف بهذه الطريقة ..”
قالت حياة بصدق :-
” انا لا ألومك .. لو كنت مكانك لفعلت نفس الشيء ..”
ابتسمت ليلى بخفة ثم قالت :-
” ولكن عليكِ أن تعلمي إنني لم أرغب أبدا أن تريني معه .. انا كل ما أردته هو إيلامه .. اما انت فأقسم لك إنني لم أسعَ لذلك ولم أتوقع إنه سيحدث أبدا فآخر ما كان سيخطر على بالي أن ترينا في هذا الوقت تحديدا وأنتِ بالتأكيد ستكونين حينها مشغولة في تجهيز نفسك قبل الزفاف ..”
” وانا كنت كذلك بالفعل لولا تلك الرسالة التي أتتني ..”
قالتها حياة بخفوت لتهمس ليلى بعدم فهم :-
” أية رسالة ..؟!”
أضافت بسرعة تدافع عن نفسها :-
” أقسم لك إنني لم أرسل شيئا ..”
أوقفتها حياة بسرعة وهي تقول :-
” أعلم ذلك .. عمار من أرسلها .. ”
تراجعت ليلى الى الوراء مرددة بذهول لحظي :-
” عمار .. يا إلهي .. كل شيء يحدث يكون هو خلفه ..”
” للأسف معك حق ..”
رددتها حياة بخفوت عندما أضافت بحسرة :-
” عمار لا أمل فيه …لن يترك نديم وشأنه مهما حدث ..”
تنهدت ليلى ثم قالت :-
” للأسف هذه حقيقة …هو مريض به …!”
هتفت حياة بجدية :-
” أنا ممتنة لك كثيرا .. لولاك ما كنا لنكتشف حقائق مهمة وما كان ليدرك نديم ما يحيكه عمار له …”
ردت ليلى ببساطة :-
” قمت بالتصرف الصحيح ليس إلا .. ”
هتفت حياة بصدق :-
” أنقذتيه للمرة الثانية …”
نظرت لها ليلى بدهشة لتبتسم حياة وهي تهتف :-
” أنا أعلم كل شيء ..”
سألتها ليلى بملامح مضطربة :-
” نديم من أخبرك ..؟!”
هزت حياة رأسها نفيا وقالت تكذب قليلا :-
” بل علمت ذلك بالصدفة … سمعت غالية تتحدث مع والدتها ..”
هزت ليلى رأسها متفهمة عندما أضافت حياة بخفوت :-
” تضحيتك قيمة جدا بل إنها لا تقدر بثمن ..”
أكملت وهي تنظر بعيدا :-
” نديم دائما ما و ..”
قاطعتها ليلى بإقتضاب :-
” لا أريد سماع أي شيء عنه من فضلك ..”
هتفت حياة بصدق :-
” لا أقصد إزعاجك … ”
سألت ليلى بثبات :-
“هل هناك سببا آخرا لطلبكِ رؤيتي يا حياة ..؟!”
ردت حياة بجدية :-
” السبب الأساسي هو رغبتي في أن أشكرك على ما فعلته … والسبب الثاني هو رغبتي أن أخبرك إنني آسفة .. آسفة إذا ما دخلت بينكما وتسببت ب …”
قاطعتها ليلى بحدة غير مقصودة :-
” لم تتسببِ بأي شيء … ما حدث كان سيحدث في جميع الأحوال …”
أضافت وهي تتنهد بصمت :-
” انا فقط من تأخرت في الإدراك .. لم أنتبه الى تلك الحقيقة عند أول لقاء جمعنا بعد خروجه من السجن .. لم أنتبه كم تغير .. لم أدرك مدى تغير مشاعره .. نديم الذي خرج من السجن ليس نديم الذي دخله .. نديم تبدل كليا ومع تبدله هذا تبدلت مشاعره …”
قالت حياة بحسم متجاهلة ألم قلبها :-
” لكنه يحبك …. مهما حدث يظل يحبك …”
هتفت ليلى بسخرية متعمدة :-
” يخيل لك يا حياة ..”
أضاف بجدية:-
” حتى لو ما زال هناك شيئا داخله نحوي فتأكدي إنه لم يعد كالسابق .. مشاعره لم تعد كما هي … لم تعد بنفس القوة على الأقل …”
هتفت تسألها وهي تتأمل نظرات حياة الغير مقتنعة بتاتا بما تسمعه :-
” هل هذا كان سبب إنفصالكما ..؟! هل كنت أنا السبب ..؟!”
” انا كنت السبب و …”
توقفت حياة عن حديثها للحظات قبل أن تهمس بتردد :-
” منذ زواجي منه أو قبل زواجي حتى وأنا أشعر بخطأ ما … مشاعري متضاربة كليا …”
قاطعتها ليلى :-
” لكنك تحبينه …”
ردت حياة بصدق :-
” نعم أحبه ولكن حب من طرف واحد لا يمكن أن يستمر …”
أضافت وهي تنظر إليها :-
” لقد تخبطت كثيرا .. وما زلت أتخبط لكنني عموما وصلت الى مرحلة من السلام النفسي جعلتني أتقبل حقيقة إنه لن يحبني يوما وإن هذه الزيجة ستأتي يوم وتنتهي ..”
قالت ليلى :-
” أتمنى ألا يكون هناك في إعتقادك إنني سأتسبب يوما ما في شيء كهذا …”
قالت حياة بسرعة وثقة :-
” إطلاقا لن تفعلي ..”
نظرت ليلى لها بذهول لتبتسم حياة مجددا مرددة :-
” لا تستغربي حديثي هذا .. انا أستطيع قراءة البشر جيدا .. انت فتاة جميلة ولطيفة .. جميلة من الداخل والخارج .. لا شك لدي أبدا إنك قد تفعلين شيئا كهذا .. صحيح لم نلتقِ سوى نادرا ولم تجمعنا أحاديث مشتركة لكن ..”
صمتت قليلا ثم قالت:-
” أستطيع أن أدرك كم إنك إمرأة ذات كبرياء وضمير عالي .. انت لا يمكن أن تفعلي ذلك مثلما نديم لا يمكن أن يخونني أبدا ..”
همست بخفوت :-
” لا تستغربي حديثي هذا ولكن كما أخبرتك أنا أستطيع تمييز البشر جيدا .. المرأة التي ضحت بسنوات من حياتها لأجل شخص ما لا يمكنها أن تتصرف بهذه الطريقة وتؤذي أحدا …”
هزت ليلى رأسها بتفهم لتكمل حياة بتردد :-
” هل يمكنني قول شيء ما لطالما وددت قوله لك ..؟!”
اومأت ليلى برأسها بصمت لتبتسم حياة وهي تهتف بصدق :-
” انا معجبة بك جدا .. معجبك بتفانيك وإخلاصك .. معجبة بقوتك .. بتضحيتك .. انت رائعة .. حقا رائعة ..”
ابتسمت ليلى وهي تشكرها بخفوت قبل أن تقول :-
” هل يمكنني أنا أيضا سؤالك عن شيء محدد ..؟؟”
هزت حياة رأسها لتسأل ليلى بتردد :-
” لماذا تركتيه مسبقا ..؟!”
إبتلعت حياة ريقها وإلتزمت الصمت للحظات قبل أن تقول :-
” هل ما زلت تحبينه ..؟!”
تجمدت ملامح ليلى وهي تستمع الى سؤالها عندما إبتسمت حياة بهدوء وهي تكمل :-
“هنا يكمن السبب … ”
” ماذا تعنين ..؟!”
سألتها ليلى بدهشة لتضيف حياة بجدية :-
” لا تفهميني خطأ .. سألتك هذا السؤال لإنه يمثل سبب إنفصالي مسبقا عن نديم ولكن بالطبع انت لا دخل لك ولا تلومي نفسك .. ما قصدته هو إنني لو سألت نديم سؤالا مشابها لتصرف بنفس طريقتك وأظهر ردة فعل مشابهة ..”
أجفلت ملامح ليلى لتكمل حياة مبتسمة وهي تلاحظ التأنيب على ملامح الأخيرة :-
” انت لا ذنب لك .. لا تلومي نفسك ابدا ..”
أكملت وعيناها تدمع رغما عنها :-
” هل تعلمين ..؟! لم أفكر يوما في تحميلك ذنب ما حدث بيننا أبدا لإنك لا تختلفين عني بل أنت عشت أسوء مما عايشته بمراحل .. انت تصدقيني أليس كذلك ..؟! ”
أكملت بنبرة متحشرجة :-
” انا حتى لم أمنح نفسي حق الغيرة منك لإنني دائما ما كنت أشعر نفسي الدخيلة لذا منعت نفسي حتى من هذا الشعور .. شعور الغيرة حرمته علي .. فكيف أغار من إمرأة خسرت حب حياتها وأنا نلته بدلا عنها .. ”
حل الصمت المطبق للحظات …
أخذت ليلى تتأمل تلك الإبتسامة اللطيفة المرتسمة على شفتيها رغم الألم المرسوم داخل عينيها لتقول بجدية :-
” عليك أن تعلمي شيئا مهما …”
تنهدت بصوت مسموع ثم إسترسلت :-
” إن كنت تعتقدين إن نديم ما زال يحبني كالسابق وسيأتي يوم ويرغب في العودة إلي فأنتِ مخطئة …”
نظرت لها حياة بعدم إستيعاب عندما همست ليلى ترسم إبتسامة شاحبة على ثغرها :-
” نديم لم يعد لي … انا خسرته .. خسرته منذ سنوات … ربما أدركت ذلك متأخر لكنني أدركته في النهاية .. ”
أضافت تسترسل بهدوء تحسد عليه :-
” أدركته في كل مرة إلتقينا بعد خروجه من السجن … أدركته من نظرات عينيه التي لم تعد تحمل نفس النظرات الشغوفة اتجاهي … أدركته من قدرته على تجاهلي رغم كل ما بيننا … أدركته من بروده حتى وهو يراني أتوسله كي يعود إلي ….”
إرتجفت شفتيها وهي تضيف :-
” وأدركته عندما رأيته معك .. رأيت نظراته نحوك … تمسكه بك … ”
زفرت نفسا بطيئا وهي تضيف :-
” ربما أنت لم تدركي هذا بعد لكن أنت قيمة جدا بالنسبة له … ”
رمقتها حياة بنظرات مترددة عندما أكملت ليلى بحسم :-
” أنت تمثلين له كل شيء … عليك أن تفهمي هذا مثلما عليك أن تفهمي إننا إنتهينا … انا ونديم إنتهينا منذ ذلك اليوم الذي وضعت به إسمي إلى جانب إسم أخيه بينما كان هو وحيدا في السجن …”
أكملت بصدق :-
” أنا أتفهمه .. رغم كل شيء أتفهمه .. حاليا لا ألومه … أساسا لا يمكننا لوم أي شخص على أشياء خارج إرادته والقلوب تحديدا خارج إرادة البشر جميعا …”
أضاف وهي ترسم إبتسامة تخفي بها وجع الماضي والحاضر وربما المستقبل :-
” حافظي على نديم يا حياة فهو شخص رائع وطيب ومحترم جدا ورجل بحق … وعليك أن تعلمي إنه بشكل أو بآخر يمتلك مشاعرا نحوك … ربما أنت لم تعِ ذلك وريما هو أيضا لكنني متأكدة من هذا .. في النهاية أنا أعرفه جيدا وأستطيع تمييز تلم النظرات التي كان يرمقك بها يوم خطبتكما وزفافكما … هل تعلمين ماذا كانت تمثل نظراته لك وقتها ..؟!”
نظرات لها حياة بتأهب فردت ليلى :-
” كانت تمثل كل شيء … كان ينظر لك نظرة رجل ينظر الى مستقبله القادم وأمله المنتظر … رجل وجد ضالته بك أخيرا … كان ينظر لك وكأنك الحياة متجسدة على أرض الواقع .. حياته المنتظرة … ”
همست حياة بتلعثم وقد وجدت نفسها عاجزة عن أي رد مناسب لهذا الكلام :-
” ليلى أنا …”
لكن ليلى قاطعتها بجدية :-
” حافظي على نديم حياة وكوني دائما معه وجانبه .. انت تستحقين حبه وهو يستحق أن يحيا بسلام أخيرا .. لا تدمري ما يجمعكما بسبب وساوس لا أساس لها وإذا كان لديك شك في كلامي يمكنك مراجعة علاقتكما … صدقيني عندما تراجعين كل ما جمعكما ستجدين الكثير من الأشياء التي لم تنتبهِ لها مسبقا .. أشياء تدل على الكثير وأنت كنت تجهلينها تماما …”
أنهت حديثها بإبتسامة هادئة وهي تحمل حقيبتها وتغادر المكان تاركة حياة شاردة في كلام ليلى التي رحلت كما دخلت المكان .. كنسمة هواء لطيفة ألقت بريحها الناعم فوق قلبها وروحها …

في صباح اليوم التالي ..
دلف الى مكتبه لينهض كنان يستقبله مرحبا به عندما قال وهو يحييه :-
” الحمد لله على سلامتك …”
رد نديم عليه وهو يتجه جالسا على الكرسي الجانبي للمكتب بينما إتخذ كنان من الكرسي المقابل له مكانا للجلوس فدلفت كارين تسأل نديم عما يتناوله ليرفض نديم أن يتناول شيئا بينما يصرفها كنان وهو يخبرها ألا تقاطع جلستهما مهما حدث …
غادرت كارين المكان ليهتف كنان :-
” إذاً نفذت ما تريده وعدت الى هنا رغم تحذيري لك بالعكس …”
رد نديم بجدية :-
” لم أكن لأتحمل أكثر .. إلى متى سأبقى هناك بعيدا أنتظر حتى يأتي الوقت المناسب للعودة … ؟! أنا أريد حقي …”
قاطعه كنان :-
” وستأخذه … ستأخذ حقك يا نديم .. مثلما سآخذ أنا حقي ولكن ليس بهذه الطريقة .. كل شيء يجب أن يكون مدروس بما يكفي … كل تصرف يجب أن يكون محسوب …”
أضاف بتعقل :-
” وجودك هناك كان أفضل لنا … بعودتك أنت جعلت عمار يشهر أسلحته ضدك مجددا فهو كان يعتقد إنه إنتصر عليك بهروبك بعيدا مثلما إنتصر عليك بإنفصالك عن زوجتك ..”
تغضن جبين نديم مرددا :-
” وبسبب هذا يجب أن أبقى مدعيا الإستسلام والضعف كي يتوقف عمار عن محاولة إيذائي …”
هتف كنان بحزم :-
” أنت قلتها .. كان عليك أن تدعي .. تدعي فقط يا نديم وتعمل في الخفاء …”
هتف نديم بجموح شديد :-
” لم يعد يمكنني التحمل .. ليس بعد كل ما فعله … حتى عندما تركت البلاد وسافرت الى أبعد نقطة على وجه الأرض لم يتركني وشأني .. لحق بي هناك .. طوال الفترة التي قضيتها هناك كنت أحاول التجاهل .. أتحدث مع نفسي بنفس الطريقة التي تتحدث بها الآن .. أطلب منها الصبر حتى أصل الى غايتي ولكنني لم أتحمل في النهاية .. لم يعد يرضيني بقائي هناك وإدعاء الهروب … ها أنا عدت وسأواجه أيا كانت النتائج .. سأواجه عمار ولا يهمني ما هي النتائج حتى لو قتلته وحوكمت بالإعدام بعدها … على الأقل سأكون نلت حقي منه قبل موتي ..”
هتف كنان بقوة :-
” لا تتهور يا نديم … هذا ما كنت أخشاه .. إندفاعك الذي إتفقنا على ترويضه منذ إجتمعنا وإتحدنا سويا ضده .. تعقل يا نديم .. لا تجازف بحياتك … ولا تنسى إنك لست لوحدك … يوجد والدتك وشقيقتك .. وزوجتك … هل ستتخلى عنهن يا نديم ..؟! ألم تفكر فيهن ..؟!”
نهض نديم من مكانه يجيب :-
” هذا أفضل مما قد يصيبهن بسببي … ربما عمار يستغل إحداهن كي يبتزني .. وربما يقتل إحداهن أو يؤذيها بطريقة ما كي يكسرني أكثر …”
أضاف ملتفا نحو كنان مجددا يردد :-
” انا كنت سأطلق زوجتي يا كنان … كنت سأخسرها من خوفي عليها ….”
زفر كنان أنفاسه بضيق فهو رغم كل شيء يدرك إن كلامه صحيح … عمار لا يعرف حدودا لشره ولا يمانع أن يستغل زوجته ضده …
أكمل نديم بتعب :-
” ماذا سأفعل لو آذاها ..؟! كيف سأسامح نفسي حينها ..؟! ماذا لو تلقت مصير ليلى ولكن بشكل مختلف …؟!”
أضاف وعيناه تشردان بعيدا :-
” أنت تعلم إن ذنب ليلى ما زال يطوق عنقي لكنني أمني نفسي إنني سآخذ حقي منه يوما ما وحقها أيضا ..”
حاول كنان ألا يظهر أي إنفعالات على وجهه عند سماعه إسمها بينما إسترسل هو :-
” لن أتحمل ذنب حياة أو غيرها … لن أتحمل ذنوبا جديدة ..”
هتف كنان بإقتضاب :-
” لا تضغط على نفسك يا نديم .. ما حدث مقدر ومكتوب .. ”
أضاف يحاول إقناعه :-
” تخطى هذه الأمور حاليا لإنك طالما ستبقى معلقا بماضيك لن تنجح في حاضرك ولن تنال ما تتمناه مستقبلا …”
هتف نديم بصلابة :-
” لا أريد سوى شيئا واحد يا كنان .. أريد تدميره … أريد رؤيته وهو يخسر كل شيء … وليحدث ما يحدث بعدها ..”
نهض كنان من مكانه يردد بجدية وهو يسير نحوه :-
” وهذا ما أريده أنا أيضا …”
أضاف والحقد ملأ عينيه :-
” لن أرتاح أو يهدأ لي بال حتى أدمره تماما … عمار يجب أن يدفع ثمن جرائمه كاملا …. ”
أضاف وعينيه إشتعلتا بلهيب الثأر والكراهية :-
” أنت تعرف إنني لا يمكن أن أتركه يحيا بسلام … وإذا كنت تعتقد إنني سأتراجع يوما ما عما أريده فأنت مخطأ .. انا لن أتراجع حتى لو تراجعت أنت وحتى لو وقف الجميع ضدي …”
أردف وعيناه تغيمان بنظرة سوداوية هذه المرة :-
” ما بيني وبينه دما .. دم شقيقتي … شقيقتي التي توفيت بسببه .. وانا لن أرتاح حتى أخذ حقها منه … بأي وسيلة كانت …”
كان نديم عرف إن عمار من تسبب بموت ياسمين شقيقة كنان الصغيرة لكن دون أن يعرف كيف حدث ذلك فقد إكتفى كنان بالتحدث عن الأمر بشكل مختصر كي يخبره عن سبب رغبته بالإنتقام من عمار مثله هو ..
وحتى الآن هو لا يدرك كيف تسبب عمار بموت الفتاة المسكينة ….!
تنهد نديم وهو يسأل :-
” ما العمل الآن يا كنان …؟!”
رد كنان وهو ينظر إليه بقوة :-
” سنبدأ في أولى ضرباتنا له ….”
سأله نديم :-
” وماهي تلك الضربة..؟!”
إبتسم كنان مرددا :-
” سأخبرك ولكن قبلها دعني أسألك سؤال …”
نظر له نديم بإهتمام عندما سأل كنان :-
” ما هي نقطة ضعف عمار الخولي في هذه الحياة برأيك ..؟!”
صمت نديم للحظات بدا وكأنه يفكر قبل أن يهمس بهدوء:-
” شيرين تأثيرها قوي عليه .. ”
أكمل وعيناه تنظران الى عينيه بقوة تخبره بالجواب الذي ينتظره :-
” جيلان ..أخته .. هي اهم شخص لديه في هذه الحياة .. هي نقطة ضعفه الوحيدة ..”
ابتسم وهو يردد بقوة :-
” جيد … وأنا أتفق معك عند هذه النقطة ..”
” علامَ تنوي ..؟!”
سألته بحيرة ليرد بغموض :-
” الطعنات ستبدأ قريبا .. وأول طعنة قادمة أسرع مما تتخيل ..”
” سوف تستخدم أخته …؟!”
سأله بجدية ليبتسم وهو يردد بمكر :-
” على العكس تماما .. جيلان سأتركها للنهاية .. ستكون هي الضربة القاضية والتي ستنهيه دون شك …”
لكن نديم هتف معترضا :-
” كلا .. ”
رفع كنان حاجبه يكرر ما قاله :-
” كلا ..!!”
اومأ نديم برأسه يردد :-
” نعم يا كنان … انا لست موافقا على إدخال أخته في مخططاتنا …”
سأله كنان وهو يكز على أسنانه :-
” لماذا يا بك …؟!”
رد نديم بجدية :-
” النساء خارج هذه المعادلة … انت تعرف رأيي في هذا الموضوع …”
منحه كنان نظرة ساخرة تجاهلها نديم عندما تحدث كنان :-
” ليت أخيك كان يتحلى بنفس هذه الصفات النبيلة ووضع النساء خارج معادلته …”
رد نديم بثبات :-
” لا شأن لي به … قراري في هذا الأمر لا جدال فيه…. لا أخته ولا زوجته ولا أي شخص من طرفه لا ذنب له بأفعاله سيدخل في هذه المعادلة ..”
زفر كنان أنفاسه محاولا السيطرة على أعصابه المشدودة بسبب هذا المثالي الذي يقف أمامه :-
” إنظر إلي … مثاليتك لا تناسب وضعنا الحالي .. ضعها جانبا من فضلك ..”
تجاهل نظرات نديم التي إحتدت وهو يضيف :-
” لماذا هو إذا لم يترك شخصا يخصك وإلا حاول إستغلاله ..؟! ”
هدر نديم :-
” انا لست مثله ولن أكون .. ”
قاطعه كنان :-
” يجب أن تكون مثله حتى تأخذ بثأرك منه وبعدها يمكنك العودة الى مثاليتك وتتمسك بها كما تريد …”
أكمل وهو يبتسم ساخرا :-
” أمثال أخيك لا تناسبهم الأخلاق الفاضلة يا عزيزي …. إذا أردت أن تحاربه وتننصر عليه فعليك أن تتنازل عن بعض مبادئك وتتخلى عن فضيلتك ولو مؤقتا كي تنتصر إليه وإلا ستجد نفسك خاسرا في هذه الحرب خسارة لا يعوضها شيء ..”
تأمله نديم بصمت …
عقله يخبره إن كلامه صحيح ولكن داخله يرفض ذلك ..
يرفض أن يستخدم أبرياء في إنتقامه ..
يرفض وبشدة …
فمن سينتصر …؟!
فضيلته أم رغبته في الثأر مهما كانت النتائج …؟!
………………………………………………
تجمدت مكانها للحظات وهي تشاهده يغادر المصعد وهي التي تقف على بعد مسافة منه أمام المصعد الآخر تنتظر وصوله كي ترتقيه …
شاهدته وهو يغادر المصعد ومنه الى خارج الشركة دون أن ينتبه لها ولو كان نظر جانبه لرآها بكل سهولة …
لم تستوعب ما يحدث …
مالذي أتى به هنا …؟!
ماذا يفعل نديم في شركة كنان نعمان …؟!
إنتبهت الى المصعد الذي وصل وفُتِحت بابه فدلفت الى الداخل وملامحها ما زالت شاردة وعقلها يفكر في سبب وجوده …
زفرت أنفاسها بضيق وكأنه لا يكفيها مدى ثقل هذه الزيارة على قلبها لترى نديم هنا فتتخبط مشاعرها بل وأفكارها أيضا عن سبب وجوده هنا …
حاولت أن تزيح أفكارها جانبا وتركز في مقابلتها مع كنان نعمان وعندما تعود يمكنها أن تفكر في الأمر كما تريد ولكن حاليا ستواجه ذلك الذي تكره رؤيته لسبب لا تفهمه فوجوده أمامها يزعجها ويشوشها رغما عنها ..
خرجت من المصعد متجهة الى مكتبه وصوت طرقات كعبها العالي يصدح في أرجاء المكان الواسع عندما وصلت الى مكتب سكرتيرته فنهضت كارين تستقبلها بنفس الإبتسامة السابقة تطلب منها أن تستأذن كنان قبل دخولها فهي أتت بلا موعد …
هزت ليلى رأسها بتحفظ عندما أجرت إتصالا سريعا برئيسها قبل أن تطلب منها الدخول وهي تسير أمامها وتفتح لها الباب تفسح المجال لها بالدخول …
دلفت ليلى الى الداخل وهي تتأمل المكان بنظرات ثابتة عندما نهض كنان يرحب بها بعملية ويطلب منها الجلوس على الكرسي المقابل لكرسيه لتفعل ذلك عندما سألتها كارين عما تريد أن تتناوله فطلبت قهوة معتدلة الحلاوة كالعادة ..
غادرت كارين تاركة إياها مع كنان لوحدها ….
حاولت ألا تشعر بالتوتر ولا تهتم وتتناسى ما قاله في آخر مقابلة بينهما عندما نطقت مقررة أن تبدأ هي في الحديث :-
” أعتذر عن عدم قدرتي على مرافقة السيد جمال إجتماع البارحة … كنت مرهقة قليلا … ”
لم يبدُ على وجهه أي تعبير وهو يرد ببساطة :-
” لا بأس .. سلامتك يا هانم …”
أرادت أن تضرب نفسها بقوة وكأنها لم تكتفِ من لعن نفسها مئات المرات لإنها لم تحضر إجتماع البارحة فأرسلت النائب مع بقية الموظفين متحججة بإنفلاونزا داهمتها وكم ندمت بعدها وهي ترى نفسها لأول مرة بهذه الطريقة .. تتصرف بإنهزامية لا تشبهها ولا تليق بها ..
ولم تفعل كل هذا ..؟! لأجل عرض زواج أرعن لا يجب أن يشغل بالها من الأساس ..؟!
تجنبت أفكارها مجددا وهي تهمس :-
” أشكرك …”
أضافت وهي تتذكر إنها عقدت العزم على أن تأتي اليوم صباحا بحجة الإعتذار عن عدم قدرتها على المجيء لكن واقعيا هي أرادت أن تثبت له إنها لم تهرب من مواجهته :-
“أتيت اليوم لنتحدث قليلا وأفهم إذا ما كان هناك شيء ما يجب أن أعلمه كما إنه لدي بعض علامات الإستفهام حول بعض النقاط ..”
كانت تكذب فما تقوله ليس سوى حجج فارغة تبرر بها مجيئها الذي كان بدافع تكذيب سبب تهربها من إجتماع البارحة ..
كانت تتحدث وفي داخلها تسخر من نفسها وهي تقسم إنه يدرك كذبتها مثلما يعلم إن عدم مجيئها البارحة لم يكن سوى رغبتها بعدم رؤيته بعد عرضه ذاك …
تأملت ملامح وجهه وهو يتحدث بإعتيادية ويخبرها عن بعض الأمور التي علمتها أساسا من السيد جمال عندما دلف موظف البوفيه يحمل القهوة لكليهما …
توقف عن الحديث والموظف يتقدم نحويهما ويضع القهوة أمامها أولا ثم أمامه بينما كانت هي تتذكر حديثه منذ لحظات وتصرفاته التي لم توحي بأي شيء مختلف …
بدا وكأنه لم يحدث ما حدث بينهما قبل ثلاثة أيام ..
كانت ملامحه عادية تماما وحديثه عملي بحت …
حملت فنجانها ترتشف منه القليل عندما وجدته يسألها بنفس العملية :-
” ما هي الأشياء التي أردت الإستفسار عنها ليلى هانم ..؟!”
أعادت الفنجان الى مكانه وبدأت تتحدث بآلية وهي التي أعدت بعض الاسئلة مسبقا …
بدأ الحديث هادئا جدا وأخذا يتناقشان في الكثير من الأمور لأكثر من نصف ساعة عندما أنهت ليلى الحوار قائلة :-
” حسنا يكفي الى هنا .. أشكرك حقا وأعتذر مجددا عن غيابي البارحة ..”
رد بيساطة :-
” على الرحب والسعة ليلى هانم ..”
إبتسمت ليلى بإقتضاب عندما هتف بعدها :-
” هناك شيء ما أريد قوله ..؟!”
نظرت لها بإهتمام تخفي خلفه توترها عندما قال بصوت رزين :-
” انا شخص لا يخلط الأمور الشخصية في العمل نهائيا … ما حدث قبل ثلاثة أيام لا دخل له بما يجمعنا من عمل مشترك … أتمنى أن يكون الشيء نفسه بالنسبة لك …!!”
ردت بثبات :-
” لا يوجد شيء من الأساس يمكن أن يمس العمل المشترك بيننا لإنه أساسا أنا وأنت لا يجمعنا سوى العمل … وما حدث قبل أيام كان مجرد عرض منك وأنا منحتك إجابة حاسمة لذا إنتهى الأمر قبل أن يبدأ …”
إبتسم بهدوء وهو يسأل :-
” إذا إجابتك كانت حاسمة ..؟!”
أجابت بجدية :-
” نعم …”
قال وهو ينظر إليها بطريقة أربكتها :-
” أليس من الطبيعي أن تفكر المرأة في عرض كهذا قبل رفضه ..؟! أن تفهم وتبحث وتستفسر كأي فتاة يتقدم لها رجل بعرض كهذا ..؟! ”
أكمل وعيناه تحاوطنها كليا :-
” أنت إمرأة ذكية يا ليلى .. ذكية وقوية وذات شخصية عاقلة … لم أتوقع منك رفضا مباشرا دون أدنى تفكير .. هذه الطريقة لا تناسبك ولا تشبهك …”
أضاف يحسم حديثه المدروس :-
” رفضك لمجرد الرفض .. لمجرد الهرب تصرف لا يليق بإمرأة قوية وذكية مثلك …”
إنتفضت من مكانها وللمرة الثانية ينجح في زعزعة ثباتها عندما هدرت به :-
” ومن أين علمت إنني رفضتك دون سبب لمجرد الهرب وما شابه …؟! أنت كيف تتحدث عني بهذه الطريقة وكيف تحكم على تصرفاتي ببساطة وكأنك تعيش معي او داخلي ..؟! ما أدراك إنه لا يوجد لدي سبب محدد وأساسا لماذا تتحدث بهذه الطريقة وتحشر أنفك في أمور لا تعنيك ..؟!”
إسترخى في جلسته يتابعها بصمت بينما هي تتحدث بهذا الإنفعال الذي جعلها تبدو أكثر جمالا وإشراقا من تلك الهيئة المتحفظة التي تتمسك بها أمامه ..
هذه المرأة تمتلك جوانب عديدة دفنتها أسفل رماد الماضي وذكرياته وهو يقسم إنه وحده من سيزيل هذا الرماد ويحيي المرأة التي أخفتها بعيدا داخلها ويحررها من هذه الواجهة التي تتمسك بها …
سألها بعدما أنهت كلماتها بهدوء :-
” وما هو هذا السبب ..؟! ما سبب رفضك لي …؟!”
ردت وهي تشمخ بذقنها :-
” ليس من شأنك … أحب أن أحتفظ بأسبابي لنفسي …”
هز رأسه مرددا بتفهم :-
” كما تريدين .. ولكن طالما لا يوجد سبب محدد يجعلك ترفضينني فعرضي سيبقى قائما حتى تمنحيني سببا واضحا …”
منعها من الحديث وهو يضيف بحسم :-
” صحيح .. نحن يجب أن نسافر الى أيطاليا بداية الأسبوع القادم كما تحدثنا مسبقا …”
سألته تخفي ضيقها :-
” هل يجب أن أسافر معك ..؟!”
هتف بسلاسة :-
” ألسنا شركاء ..؟! هل يعقل أن أسافر وأختار التصاميم دونك …؟!”
تمتمت مرغمة وهي لا ترغب برؤيته من جديد فكيف بالسفر معه :-
” حسنا ..”
نهض من مكانه يخبرها وهو يسير نحوها بنية توديعها :-
” سأرسل لك تفاصيل الرحلة مساء اليوم …”
هزت رأسها على مضض وهي تودعه وتخرج من المكان تتابعها نظراته وعلى شفتيه إرتسمت إبتسامة غامضة لا يدرك ما يدور خلفها سواه ..
……………………………………
مساءا …
دلفت ليلى الى غرفة أخيها ليبتسم لها وهو ينهض من مكانه مرددا بسعادة :-
” لي لي …”
ضحكت وهي تستقبه تحتضنه بحب باتت تغدق عليها بشكل عفوي فهو إمتلك قلبها ما إن سمحت لنفسها أن تقترب منه وتتعامل معه عن قرب ..
الطفل الصغير الذي يشاركها إسم والدها ودماءه …
كانت اتخذت قرارا منذ ذلك اليوم الذي تحدثت به معه بوجود مربيته أن تهتم به وتراعيه فهو وحيدا لا أحد يهتم به سوى مربيته ووالدها الذي بدوره أصبح متباعدا عن الجميع دون إستثناء …
ربما في البداية كان تقربها منه بدافع الشفقة بعد تخلي والدته عنه لكن الآن باتت تعلم جيدا إنها أحبته وهذا شيئا ليس مدهشا بتاتا فهو أخيها رغما عن إختلاف الأمهات …
هو أخيها البريء الذي لا ذنب له بذنب والدها في حق والدتها مثلما لا ذنب له في حقارة والدته وإنعدام ضميرها …
حملته وهي تتتقدم به نحو الكنبة تجلسه جانبها فتسأله وهي تعبث بخصلاته الشقراء الناعمة كخصلاتها تماما :-
” ماذا تفعل يا بيدو أخبرني ..؟!”
رد وهو ينهض من مكانه بحماس يحمل الجهاز الألكتروني خاصته وهو يخبرها عن إحدى الألعاب الألكترونية التي يحبها ويربح بها دائما فتابعته وهو يشرح لها اللعبة مدعية الإهتمام عندما هتفت تشجعه :-
” أحسنت يا بيدو … ”
أضافت وهي تلاعبه مجددا :-
” سأجلب لك هدية جميلة غدا …”
هتف بحماس طفولي :-
” أريد كرة يا لي لي …”
ضحكت وهي تهمس له :-
” سأجلب لك كرة ولعبة أخرى ستعجبك أيضا …”
تأملت المربية التي دخلت وهي تحمل صينية الطعام فنهضت ليلى من مكانها وهي تخبره :-
” عليك أن تتناول عشائك الآن ..”
اومأ برأسه بطاعة لذيذة قبل أن تتفاجئ به يقبض على طرف فستانها يخبرها :-
” ستعودين إلي بعدما أنتهي من عشائي …”
ابتسمت له وهي تنحني جواره تسأله مشاكسة :-
” هل تريد أن أعود ..؟!”
هز رأسه وهو يشير الى سريره :-
” وتنامين جانبي أيضا …”
تأملت سريره وقد إحتقنت ملامحها حزنا على هذا الطفل المسكين عندما تجاهلت أفكارها وهي تبتسم له تخبره إنها ستعود إليه مجددا بعد قليل فتتفاجئ به يحتضنها بعفوية لتضمه نحوها بحنو ورغما عنها كانت تتسائل عن المستقبل وما يحمله لهما ورغما عنها لاحت أمامها ذكرى أخوين تعرفهما تمام المعرفة ما زالا يتقاتلان وأحدهما لا يمانع أن يقتل الآخر بلا مبالاة وكأنه ليس أخيه إبن أبيه ..
نظرت الى عبد الرحمن بفزع من مجرد فكرة أن تصبح العلاقة بينهما يوما على هذا النحو فهمست بسرعة له :-
” أنا أحبك يا عبد الرحمن …”
أضافت بخفوت :-
“سأحرص دائما على إشعارك بذلك مثلما سأحرص على زرع محبة أخوية خالصة بيني وبينك أنت وشقيقك القادم وبين مريم العنيدة أيضا …”
أكملت وهي تجذبه نحو صدرها تردد :-
” نحن سنكون أخوة متحابين ..؟! لن نسمح لأي شيء أن يفرق بيننا طالما نحمل نفس الدماء … أعدك بهذا …”
ثم خرجت بعدما منحته قبلة دافئة فوق وجنته لتهبط الى الطابق السفلي عندما إهتز هاتفها فجذبته تتأمل رسالة من المدعو كنان ..
زفرت أنفاسها بضيق وسارعت تفتح الرسالة لتجده يخبرها بموعد السفر والذي سيكون بعد ثلاثة أيام يسألها إذا ما كان لديها أي مانع يمنعها من السفر في ذلك اليوم …
أجابته برسالة مختصرة إنه لا مانع لديها وأغلقت هاتفها تتجه نحو والدتها عندما تقدمت نحوها تبتسم لها قبل أن تطبع قبلة على وجنتها وهي تردد :-
” كيف حالك ماما ..؟!”
ردت فاتن بإبتسامة هادئة :-
” انا بخيرر..”
أكملت تسألها :-
” كنتِ عند أخيك ، أليس كذلك ..؟!”
هزت رأسها بصمت لتربت والدتها على كفيها تخبرها :-
” أحسننت يا ليلى .. إعتني به .. إنه وحيد تماما …”
أضافت وهي تتنهد بصوت مسموع :-
” ورالدك لا يهتم به بتاتا بل لا يهتم بأي شيء …”
تمتمت ليلى بخفوت :-
” يبدو غريبا هذه الفترة .. ألم تلحظي ذلك ..؟!”
اومأت فاتن برأسها وهي تردد :-
” رغم تباعدي عنه عن قصد لكنني لاحظت ذلك .. هو متباعد عن الجميع حتى عن طفله المسكين الذي لم يعد لديه سواه …”
هتفت ليلى بجدية :-
” انا موجوده يا ماما .. عبد الرحمن ليس وحيدا …”
ابتسمت فاتن بحنو تردد :-
” أعرف حبيبتي ولكنه والده وواجب عليه أن يكون جانبه … ألا يكفي إن سيحرم من والدته الى الأبد وهي على قيد الحياة …”
هتفت ليلى بتردد :-
” أنت تعلمين إن ولادة سهام إقتربت ..؟!”
هزت فاتن رأسها بصمت قبل أن تلحظ ملامح القلق على إبنتها فسألتها بإهتمام :-
” لماذا تبدين قلقة بسبب هذا الأمر ..؟! ألم يتفق والدك معها على كل شيء وعلى تسليمه الطفل بعد ولادته مقابل بقية المبلغ المتفق عليه …؟!”
هزت ليلى رأسها دون رد فسألها والدتها بحيرة :-
” لم القلق إذا ..؟! ”
ردت ليلى بخوف غريب :-
” لا أعلم ولكنني أشعر بعدم الراحة إتجاه تلك المرأة .. أخشى إنها تخطط لأمر ما وتسغل طفلها القادم .. بعدما فعلته أصبحت أتوقع منها كل شيء …”
نظرت لها فاتن بحيرة وقد شعرت بالقلق هي الأخرى لتسألها :-
” وماذا ستفعلين …؟! إنظري لا أعتقد إنها ستفعل شيئا .. هي كل ما يهمها الأموال .. ستمنحكم الطفل وتأخذ المال مقابله …”
قالت ليلى بعينين شاردتين :-
” اتمنى أن يحدث هذا ولا تقم بأي تصرف مجنون ..”
أكملت ونظرات عينيها تقسو هذه المرة :-
” وإلا هذه المرة سأقف بنفسي في وجهها ولم يخلصها أي أحد مني ..”
تنهدت فاتن بصمت قبل أن تتحدث محاولة تغيير الموضوع :-
” عائلة خالك سيغادرون البلاد بعد ثلاثة أيام …”
نظرت لها ليلى بصمت عندما أكملت والدتها :-
” وزاهر سيغادر معهم …”
أكملت عن قصد :-
” سيعود الى عمله …”
ردت ليلى بإقتضاب :
” جيد …”
سألتها والدتها بحذر :-
” ألا يوجد أمل بينكما يا ليلى ..؟!”
تأملتها ليلى للحظات بصمت تفكر به وبحبه الصريح وبكل شيء عندما أجابت بحزم :-
” كلا …”
سألت والدتها بتروي :-
” لماذا يا ليلى …؟! انت حتى لم تحاولي التجربة …”
قاطعتها ليلى بجدية :-
” مشاعر الناس ليست محل تجارب يا ماما …”
” ألا تشعرين ولو بإنجذاب بسيط نحوه …؟!”
سألها فاتن بحيرة لتهز ليلى رأسها نفيا عندما تنهدت فاتن بصمت وقالت :-
” حسنا حبيبتي .. كما تريدين .. أساسا هذه الأمور لا يناسبها الضغط والإصرار .. المشاعر تأتي بعفوية دون تخطيط ومحاولات …”
أكملت وهي تقبض على كف ابنتها :-
” أخبرتك ذلك مسبقا مثلما أخبرتك ألا تحاولي الهرب من مشاعرك القديمة ودعيها تأخذ وقتها …”
ابتسمت ليلى بضعف عندما أكملت والدتها تدعمها :-
” والأهم ألا تكتمي مشاعرك ووجعك داخلك … تحدثي يا ليلى وأنا سأسمعك دائما وربما أساعدك أيضا …”
قالت ليلى بخفوت :-
” لم يحدث شيئا معينا أتحدث به ..”
أكملت وجبينها يتغضن بحيرة :-
” هل تصدقيتني لو أخبرتك إنني لم أعد أعرف حقيقة مشاعري ولا ما أريد ..؟!”
أخذت فاتن نفسا عميقا ثم قالت :-
” هل تعلمين إن نديم عاد مع زوجته ..؟!”
أجابت ليلى وهي تبتسم بتهكم :-
” لست أعلم فقط .. بل تحدثت مع زوجته أيضا ..”
هتفت فاتن بعدم إستيعاب :-
” تحدثتِ مع من ..؟! هل تمزحين ..؟!”
هتفت ليلى ببساطة :-
” لم لا ..؟! لقد تحدثنا .. كان حديثا ودودا .. هل تصدقين هذا .. الفتاة جيدة ولطيفة ..”
قاطعتها فاتن :-
” انا لم أقل إن هذا خطأ او ما شابه ولكنني لا أفهم كيف إجتمعتما …؟!”
ردت ليلى كاذبة :-
” بالصدفة .. وتحدثنا قليلا …”
سألتها والدتها بحذر :-
” وماذا حدث ..؟!”
ردت ليلى بإعتيادية :-
” لم يحدث شيء … تحدثنا بشكل عادي جدا وسلس ثم غادرت كلا منا الى وجهتها …”
هزت فاتن رأسها بتفهم وقد فهمت إن إبنتها لا ترغب بالتطرق الى هذا اللقاء أكثر عندما سألتها ليلى بتردد :-
” ماما ، هل تعتقدين إن رفضي لأي إرتباط في الوقت الحالي بسبب مشاعري ناحية نديم هي نوع من الهروب …؟!”
نظرت لها والدتها بتمعن للحظات قبل أن تسألها :-
” هل هناك من أخبرك بهذا أم أنت فكرتِ بهذا لوحدك …؟!”
سألتها ليلى بحيرة :-
” وهل يفرق الجواب ..؟!”
هزت والدتها رأسها وهي تردد :-
” لإنك لو فكرت من ذاتك بهذا الأمر فهذا يعني إنك على بداية الطريق …”
” انا لا أفهم …”
سألتها ليلى بحيرة لتهتف فاتن بعقلانية :-
” بداية طريق التشافي … البحث عن أسباب المشكلة الأساسية هو دليلنا الى طريق التعافي وإيجادها هي بداية هذا الطريق …”
” هل تقصدين إنني أهرب من الإرتباط بسبب مشاعري ..؟!”
سألتها ليلى بإرتباك لتهتف فاتن بوعي :-
” هذا السؤال إجابته عندك … أنت وحدك من تمتلكين الإجابة … إبحثني داخلك عن مشاعرك الحالية نحو نديم وعن أسباب رفضك لأي شخص بعده … حاولي أن تجدي السبب الحقيقي وتفهمي هل سبب رفضك بدافع الهرب بسبب حبك لنديم الذي ما زال كما هو ..”
أكملت والدتها وهي تلمس خصلاتها الشقراء بأناملها :-
” ولكن تذكري يا ليلى شيئا مهما .. الحياة لا تتوقف عند شخص ما … الحياة تستمر والمشاعر يمكن أن تنتهي يوما … لا يوجد شيء ثابت للأبد .. ربما سيأتي يوم وتنتهي مشاعرك ناحية نديم وربما سيأتي يوم وتحبين غيره وربما ستبقى مشاعرك ناحيته لكن بشكل مختلف عن السابق .. بشكل لم يعد يؤثر بك .. ستبقى كذكرى جميلة بحلوها ومرها .. لا تعتقدي إن حياتك ستقف عند مشاعرك نحوه مهما بلغت قوتها …”
إبتسمت ليلى لها وهي تهز رأسها بتفهم قبل أن تقبلها على وجنتيها وتنهض بنية النوم ..
وهناك دلفت الى عبد الرحمن الذي إستقبلها بسعادة فأخبرته أن ينام في غرفتها اليوم وأخذته معها بعدما أخبرت المربية إنها ستتولى تغيير ملابسه …
دلفت الى غرفتها وسارعت تغير ملابسها أولا تاركة الصغير يعبث بإحدى ألعابه عندما خرجت من الحمام ترتدي قميص نومها الرقيق المحتشم لتجذبه وتغير له ملابسه بعدما سحبت منه لعبته ..
وأخيرا جذبته على الفراش وإحتضنته بعدما أطفئت الأضواء بإستثناء ضوء خافت تتركة دائما مفتوحا فهي تكره الظلام الدامس عندما همست له :-
” والآن سننام …”
إستسلم الصغير لأحضانها وغفي بعد قليل ذاهبا في نوم عميق بينما ظلت هي تفكر بحديث والدتها ورغما عنها عادت تفكر في كنان وعرضه بينما ما زالت تحتضن عبد الرحمن تضمه نحو صدرها …
تنهدت بتعب وهي تغمض عينيها مبعدة تلك الأفكار عن رأسها ورغما عنها شعرت بالآمان لوجود الطفل بين ذراعيها فإبتسمت بخفوت قبل أن تغط في نوم عميق …
………………………………………………….
صباحا ..
كانت تجلس على مكتبها تتابع عملها بتركيز عندما فوجئت بسكرتيرة عمار تدلف إليها وهي تخبرها بإرتباك :-
” غالية هانم .. عمار بك ليس موجودا وممثلي شركة المقاولات سيصلون بعد أقل من ساعة … نحاول الإتصال به منذ الصبح وهو لا يجيب ..”
نهضت غالية من مكانها تهتف بعدم إستيعاب :-
” ماذا يعني لا يجيب …؟! البارحة لم يكن موجودا واليوم أيضا وهناك موعد مهم كهذا …”
هزت الفتاة رأسها بلا حول ولا قوة عندما هتفت غالية بها :-
” عودي الى مكتبك وانا سأحاول الوصول إليه …”
ثم حاولت الإتصال به فوجدت هاتفه مغلقها ..
زفرت أنفاسها بضيق وقررت الإتصال بشيرين التي أخذت رقمها ليأتيها صوت شيرين يرحب بها فتسألها غالية بعدما ردت تحيتها :-
” أين عمار يا شيرين …؟! أحاول الإتصال به لكن هاتفه مغلق …”
ردت شيرين :-
” لا أعلم يا غالية … لم يأتِ الى المنزل منذ ثلاثة أيام …”
سألت غالية بقلق :-
” ماذا يعني هذا ..؟! أين هو الآن …؟! ”
هتفت شيرين بنفس القلق :-
” لا أعلم يا غالية .. أنا قلقة جدا عليه ولا أعلم أين أبحث عنه …”
زفرت غالية أنفاسها وقالت :-
” حسنا يا شيرين .. يجب أن أغلق الآن فلدي عمل مهم ولكن سأتحدث معك مجددا .. إذا عاد عمار فطمئنيني عليه ولو برسالة ..”
ثم أنهت مكالمتها وإتجهت خارج مكتبها تخبر السكرتيرة إنها ستحضر الإجتماع بدلا من عمار وطلبت منها ملف المشروع كي تقرأه سريعا قبل وصول ممثلي الشركة …
مر الوقت سريعا حيث إستقبلت غالية ممثلي الشركة هي ومجموعة من مدراء شركتها وبعضا من موظفيها حيث إستطاعت أن تدير الإجتماع بشكل جيد حتى إنتهى الإجتماع بسلام وهي تعتذر منهم مجددا عن غياب عمار متحججه بظرف طارئ إضطره لعدم المجيء …
غادرت غرفة الإجتماعات متوجهة الى مكتبها حيث حملت أغراضها وتوجهت الى الخارج بعدما إنتهى دوامها عندما قررت أن تزور فرحة وتطمئن عليها قبل ذهابها الى منزلها …
ذهبت عند فرحة وتحدثت معها لفترة عندما قررت المغادرة فوجدت أحد الضباط يقف ويتحدث مع الممرضة قبل أن يستدير نحوها فتسأله :-
” مرحبا .. هل هناك مشكلة ما ..؟!”
رد الضابط بعملية :-
” لقد أرسلني سيادة المقدم فادي لأبقى بجوار غرفة المريضة حتى تشفى تماما وتخرج من هنا بسلام ..”
سألته بقلق :-
” هل حدث شيء ما …؟!”
رد بتحفظ :-
” لا تقلقي يا هانم .. كل شيء بخير .. هذه مجرد إحتياطات ليس إلا .. أوصاني سيادة المقدم بذلك خاصة إنه سيرقد في المشفى الأيام المقبلة ..”
سقط قلبها بين أضلعها وهي تردد بفزع :-
” المشفى …؟! لماذا ..؟! ما حدث معه ..؟!”
هتف الضابط محاولا طمأنتها :-
” لا تقلقي .. إنه بخير .. أصيب برصاصة أثناء إحدى المهمات لكنه نجا منها بسلام ..”
بالكاد كتمت غالية شهقتها مما سمعته عندما سألته بقلق :-
” يعني هو بخير ..؟!”
ابتسم الضابط يطمئنها :-
” نعم الحمد لله ..”
هزت رأسها وهي تتمتم بالحمد قبل أن تسأله بتردد عن عنوان المشفى فيخبرها الضابط عن المشفى التي يرقد بها فادي حاليا لتشكره وهي تغادر المكان بصمت وترتقي سيارتها وتقودها متجهة الى المنزل بنفس الصمت …
بالكاد ألقت التحية على والدتها وصعدت الى الطابق العلوي حيث غرفتها ..
بدلت ملابسها وعقلها مشغولا تماما به …
تريد زيارته والإطمئنان عليه لكنها تعود وتنهر نفسها فلا توجد صفة معينة تسمح لها بذلك …
جلست أمام المرأة بعدما إرتدت قميص نومها تنظر الى وجهها في المرأة وتتسائل إذا ما سيكون ذهابها تصرفا صحيحا أم خاطئا ..؟!
وإذا ذهبت فكيف ستفسر سبب ذهابها ..؟!
رغما عنها كانت تريد الذهاب وقلبها يصر عليها أن تراه وتطمئن عليها ..
وضعت كفها على قلبها الذي ينبض بعنف فهمست لنفسها بيقين بات لا مجال للفرار منه :-
” لقد سقطت في الحب وإنتهى أمرك .. لا مجال للإنكار بعد الآن …”
أكملت وهي تحدث نفسها بضوت خافت :-
” لم ألجأ في حياتي لإنكار أي شيء مهما كان ولن أفعل …”
تنهدت بتعب وعقلها يخبرها إن هذه العلاقة مجهولة المعالم فإبتسمت سخرية وهي تخبر نفسها إنه لا يوجد علاقة من الأساس لكنها تتذكر من جديد نظراته وحديثه وكل شيء وهي تكاد تقسم إنها شعرت به يحمل شيئا خاصا نحوها .. شيء لا يمكن أن يكون وهما أو محض خيال ..
هي تعرف نفسها جيدا .. هي لم تتوهم يوما أشياء لا وجود لها ولن تفعل ..
هي شعرت بذلك .. رأت في عينيه الحب مهما حاول السيطرة على نظراته وترويضها لكن تبقى هناك لحظات تتغلب مشاعره عليه وتظهر للعلن وهي ذكية وإستطاعت أن تنتبه لتلك المرات القليلة ..
لا يمكن أن يكون هذا وهما ..
ولكن حتى لو كان حقيقيا ، فما نهاية هذه المشاعر ..؟؟
صحيح لم يمر سوى فترة قصيرة على تعارفهما ولكنها تشعر إنه يتعمد الإبتعاد تارة ويتعمد القرب تارة أخرى وكأنه خائف من مشاعره وقربها أو ربما غير راضي ..
ربما لإنها كانت خطيبة أخيه ..؟! ربما هو لا يتقبل هذا الأمر ..؟!
إبتسمت بسخرية وهي تردد ؛-
” وهل يوجد سببا آخر غير هذا .. ؟! وهل تعتقدين إنه لن يهتم بهذا الأمر ..؟! وماذا عن عائلته ..؟! ”
تدرك إن هذا الأمر واقع حال … وإن هذه العلاقة سيقابلها الرفض مثلما تدرك إن أحد أسباب هروبه هو تلك الحقيقة المرة ..
تسائلت عما ستفعله .. هل تهرب هي الآخرى وتنسى مشاعرها وتنساه هو تماما وتحمي نفسها من التورط في علاقة متعبة كهذه أم تترك العنان لمشاعرها وتحارب في سبيلها …؟!
هل تتحذ قرارا حازما وتنسى كل هذا وتقطع علاقتها به تماما أم تواجه الحقيقة وتتقبلها وتحارب لأجلها ..؟!
هل الهروب هو الحل ..؟! هل الطريقة المناسبة للحفاظ على قلبها الذي تورط بالفعل في حبه ..؟؟
عادت تنظر الى نفسها في مرآتها وتتسائل مجددا عندما هتفت بينها وبين نفسها :-
” منذ متى وأنتِ تهربين يا غالية ..؟! لطالما كنت قوية محاربة تحبين المواجهة بل تلجئين إليها دائما دون تردد .. الآن ستهربين .. ”
أكملت تنهر نفسها :-
” الهروب لا يليق بك يا غالية .. الهروب لا يليق بك أبدا … من إعتاد على المواجهة لا يليق به الهرب ..”
أكملت وهي تبتسم بإدراك :-
” قلبك يستحق أن تحاربين لأجله .. مشاعرك تستحق والأهم إن فادي نفسه يستحق …”
وفي نهاية المطاف أخذت قرارها دون تردد ..
ستواجه ولن تهرب ولو قضى الأمر ستحارب أيضا في سبيل مشاعرها الوليدة …
ليحدث ما يحدث لكن المهم ألا تهرب فالهروب ليس من شيمها …
………………………………………..
في صباح اليوم التالي نهضت بحماس …
إرتدت ملابس تجمع بين الأناقة والبساطة …
صففت شعرها وتركته ينسدل بنعومة على جانب وجهها ووضعت مكياجا خفيفا ..
غادرت المنزل مكتفية بإلقاء تحية الصباح على والدتها ..
وفي طريقها الى المشفى إشترت باقة ورد جذابة خاصة بورودها التي تجمع بين اللونين الأزرق والأبيض …
وصلت الى المشفى وهبطت من سيارتها وهي تحمل باقة الورد معها عندما سألت موظفة الإستعلامات عن مكان غرفته وغادرت بعدها متجهة نحو الغرفة …
وهناك ما إن وصلت الى الغرفة حتى سألت إحدى الممرضات إذا ما كان أحدهم عنده فهي لن تدخل قبل أن تتأكد من عدم وجود فرد من عائلته وإذا كان هناك أحدهم فسترسل باقة الورد مع الممرضة وتغادر ..
من حسن حظها إنه كان لوحده عندما طرقت على الباب ودخلت بخفة بعدما أتاها صوته الرجولي الرخيم يسمح لها بالدخول …
تقدمت نحوه وهي تلقي التحية بإبتسامة ناعمة :-
” صباح الخير …”
نظر فادي لها بدهشة مرددا بعدم إستيعاب لوجودها هنا :-
” غالية …”
حافظت على إبتسامتها وهي تقف جانبه تخبره :-
” الحمد لله على سلامتك ..”
ثم وضعت باقة الورد جانبه …
رد تحيتها بخفوت قبل أن يسألها بإهتمام :-
” كيف عرفتِ إنني هنا ..؟!”
ردت بجدية :-
” من الضابط الذي أرسلته لحراسة فرحة ….”
أشار الى الكرسي الموضوع قربه :-
” تفضلي إجلسي ..”
إبتسمت قائلة بتردد :-
” لا داعي .. سأغادر بعد قليل …”
أكملت :-
” أتيت فقط لأطمئن عليك .. تبدو صحتك بخير …”
هز رأسه وهو يجيب برزانة :-
” الحمد لله … كانت إصابة بسيطة …”
” عملك صعب … يعني حياتك دائما في خطر …”
قالتها بخفة ليهتف مبتسما :-
” هذا ما يجعله ممتعا أكثر …”
هتفت بإستنكار :-
” أي متعة في كونك معرض دائما للمخاطر ..؟!!”
ابتسم بنفس الطريقة وقال :-
” هذه متعة لا يعرفها سوى من جربها …”
هتفت بجدية :-
” من الواضح إنك تحب عملك كثيرا ..”
قال بصدق :-
” أكثر مما تتخيلين …”
أضاف :-
” عملي أحب شيء لقلبي … إخترته رغما عن إعتراض الجميع من الأهل والأصحاب والأقارب … ”
ابتسمت تردد :-
” كم هو جميل أن يعمل الإنسان في مجال يحبه …!!”
قال يسألها :-
” وأنت .. هل تحبين مجال عملك ..؟!”
ردت وهي تبتسم بإتساع :-
” كثيرا .. منذ أن كنت صغيرة وأنا مهتمة بهذا المجال .. الحاسوب والإلكترونيات …”
هز رأسه مرددا بتفهم :-
” جيد .. هذا واضح أساسا ..”
سألته بإستغراب :-
” ماذا تعني بواضح أساسا ..؟!”
رد موضحا :-
” يعني شخص مثلك لن يدرس مجالا لن يحبه … شخصيتك تدل على كونك شخصية واضحة ومستقلة وصاحبة قرار …”
هتفت بخفة :-
” هذا صحيح ….”
تنحنحت بحرج وهي تقول :-
” حسنا يجب أن أغادر الآن …”
قال وهو يمد كفه نحوها :-
” سعدت كثيرا بزيارتك يا غالية …”
مدت كفها نحو كفه ترد عليه بإبتسامة هادئة قبل أن تغادر المكان يتابعها هو بعينيه …
خرجت من الغرفة وأخذت تسير متجه نحو المصعد عندما وجدته أمامها ..
رمقها بنظرات مندهشة سرعان ما تحولت الى اخرى ساخرة قابلتها هي بنظرات جامدة تماما …
همت بالإستمرار في حديثها عندما وجدته يتقدم نحوها بتصميم فوقفت مكانها ترمقه بنظرات باردة لا مبالية …
” اهلا غالية هانم …”
قالها بتهكم ظهر على ملامحه وفي نبرة صوته لترد ببرود :-
” ألا تخجل من نفسك ..؟! تتقدم نحوي وتحييني بكل صلافة …؟!”
هتف عن قصد :-
” وماذا عنك ..؟! ألا تخجلين من نفسك وأنت تحاولين الإيقاع بشقيق خطيبك السابق …”
تقدمت نحوه خطوتين تهتف بملامح قوية ونبرة حادة رغم خفوتها :-
” أنت كيف تجرؤ .. ؟! من تظن نفسك لتتحدث هكذا معي ..؟! كيف تسمح لنفسك أن تتطاول علي …؟!”
منحها نظرة باردة وهو يقول :-
” انت من سمحت لي بذلك من خلال تصرفاتك يا هانم .. كيف تفعلين شيئا كهذا ..؟! ألم تجدي سوى شقيقي ..؟!”
ضحكت هازئة وهي تقول :-
” ما بالك مهتم بأمري الى هذا الحد ..؟! يبدو إنك لم تتخطَ بعد ما فعلته بك ..!!”
هذر من بين أسنانه :-
” إبتعدي عن فادي يا غالية .. انا لن أسمح لك بالإقتراب منه .. لن أسمح لهذه العلاقة أن تستمر …”
قالت وهي تتشدق قوة وغرورا بعينيها :-
” من أنت لتسمح أو لا تسمح ..؟! من أنت لتقرر شيئا كهذا ..؟! من تظن نفسك …؟! أنت مجرد زير نساء أرعن .. أنت لا تستحق حتى كلمة رجل بعدما فعلته بتلك المسكينة وما حاولت فعله بي … لو كنت مكانك ما كنت لأستطيع النظر الى وجهي في المرآة بسبب تصرفاتي المخجلة …”
” إسمعي يا هذه .. هذا الكلام لن يغير الحقيقة .. انت وفادي لن تكونا لبعضكما .. وها أنا أحذرك يا غالية .. انت لن تستطعين الوقوف بوجهي ولا شقيقي العزيز الذي تستندين عليه يستطيع …”
عقدت ذراعيها أمام صدرها تخبره بتحذير مقصود :-
” إذا إسمعني جيدا يا فراس … انت من يجب أن يتوخى الحذر … صحيح نسيت أن أخبرك .. لقد علم عمار بإنك من خطفتني وهو يستحلف لك منذ ذلك اليوم .. بالتأكيد أنت تعرف عمار الخولي جيدا وما يمكنه أن يفعل .. صدقني عمار بالذات لا تفكر حتى في مواجهته لأنك ستخسر دون شك .. يمكنك أن تسأل عنه وعما يفعله بكل شخص يمسه بسوء …. ”
أضاف وهي تلوي ثغرها :-
” انا حاولت إقناعه أن يبتعد عنك ويتركك وشأنك .. لم أفعل هذا لأجل سواد عينيك بالطبع بل لخاطر شقيقك الذي أنقذني منك ، بالله عليك لا تجعلني أتراجع عن محاولاتي وأشحنه ضدك .. حسنا عزيزي فراس …”
منحته نظرة أخيرة ساخرة مستهينة وتقدمت تسير أمامه برأس مرفوع تاركة إياه واقفا مكانه والحقد يتفاقم داخله دون توقف ..
…………………………………………..
ثلاثة أيام وعقله لا يتوقف عن التفكير ..
ثلاثة أيام والألم ينهشه والخوف لأول مرة يزور قلبه …
ثلاثة أيام عاشها في جحيم لا ينتهي …
ثلاثة أيام مرت كان معزولا فيها عن العالم مبتعدا عن الجميع ولكن جحيم العالم بأكمله كان حوله وفي قلبه …
وهاهو قد خرج أخيرا من عزلته مقررا النهوض مجددا…
راميا ألمه خلفه كعادته مفكرا في القادم وما ينتظره وما ينتظرها هي ..
هي الأهم .. جيلان … أخته الحبيبة …
الليلة الماضية غرق في نوم عميق ..
وهناك زارته والدته في حلمه ..
لم تتحدث بكلمة واحدة .. فقط كانت تنظر إليه .. بصمت و وجوم ..
لم تكن راضية .. كانت حزينة .. وكأنها تعلم ما يدور .. لاحظ عدم الرضا في عينيها ورأى اللوم رغم الصمت التام ليستيقط بفزع وعقله يترجم ما رأه فيخفق قلبه بعنف وينتفض من مكانه يسير ذهابا وإيابا بلا وعي ودون وجهة محددة ..
عاد وسقط فوق سريره وشرد مجددا .. شرودا لا نهاية له .. شرودا استمر حتى الصباح لينهض ما إن سطع نور الشمس وغير ملابسه وغادر وكانت وجهته هذه المره الى طبيبتها النفسية ..
عليه أن يتحدث معها ويفهم منها ما يجب أن يفعله ..
وهاهو يجلس أمامها بعدما قص عليها ما حدث …
بعدما أخبرها بتلك المصيبة التي سقطت فوق رأسه هو قبل البقية ..
يطلب منها حلا .. وسيلة إنقاذ … يبوح لها بخوف لا نهاية له عليها .. على أخته .. خوف من صدمتها عند معرفة الخبر وما يتبع تلك الصدمة …
ظلت منى صامتة لوهلة .. كان الخبر صادما لها … لم تفهم سبب تغيب جيلان عن جلستهما المفترضة هذا الأسبوع لتعتقد إنها ربما مريضة قليلا او مشغولة في دراستها ليتبين لها إن السبب آخر سبب كانت تتوقعه وأسؤهم ..
لماذا حدث الآن ..؟!
لماذا بعدما بدأت جيلان تتجاوب نوعا ما معها ..؟!
لماذا بعدما بدأت نظرتها تتغير قليلا ..؟! وبدأ الأمل يشع داخلها …؟!
لم تعرف ماذا تقول وشعور الألم والشفقة على تلك الصغيرة ملأ روحها ..
أي حظ تمتلكه تلك الفتاة لتتعرض لسقطة كهذه في الوقت التي بالكاد كانت تشد به جسدها لتنهض بنفسها من جديد ..؟!
أي حظ تمتلكه لتتعرض لنكسة كهذه وهي لم تنتهِ من إولى خطواتها بعد ..؟!
” ما حدث سيدمر كل شيء ..”
قالتها بنبرة متألمة وهي تضيف :-
” نحن لن نعود فقط الى نقطة الصفر بل سننزل أسفلها أيضا … !!”
هتف عمار وملامحه ترتدي قناع الجمود الزائف :-
” ماذا أفعل يا دكتورة …؟! كيف أتصرف ..؟!”
ولأول مر تشعر بالعجز … تفقد قدرتها على الإجابة …
ترى صورة جيلان أمامها .. تلك الصغيرة البريئة التي تعرضت لأشياء لا تناسب عمرها أبدا …
كيف ستتقبل خبرا كهذا ..؟! كيف ستتحمل مسؤولية كهذه ..؟! كيف ..؟!
” أنت تعلم إننا ما زلنا في خطوتنا الأولى في العلاج مثلما تعلم إننا لم نتطرق حتى آخر جلسة جمعتنا الى تلك الحادثة … لقد تعمدت ألا أضغط عليها وأن أعالجها خطوة خطوة بالتدريج … راعيت سنها الصغير وعدم قدرتها على البوح .. لقد رسمت خطة علاج معينة و سرت وفقها … وهي بدأت ترتاح … تسترخي وتتحدث .. بدأت أرى التغيير وإن كان طفيفا … صحيح كنا نتجاهل تلك الحادثة عن قصد لكنني أردت أن أصل الى تلك النقطة في الوقت المناسب .. في الوقت الذي تكون به جيلان مستعدة نفسيا للتحدث ومعالجة الأمر … كنت أعلم إن رحلة علاجها سوف تستغرق وقتا طويلا وربما أعوام لكنني كنت أمني نفسي بإن نتائج هذا العلاج ستبدأ منذ الأشهر الاولى وتظهر تدريجيا حتى لو ببطء .. لكن بعدما حدث لا يمكنني تخيل ما سيحدث وما يحمله القادم .. لقد تدمر كل شيء حرفيا قبل أن يبدأ …”
زفر عمار أنفاسه بصوت مسموع قبل أن يهتف بصوت ظهر التعب فيه جليا :-
” تصرفي يا دكتورة … انا لا أعرف كيف أتصرف وهي حتى هذه اللحظة لا تعرف شيئا …”
” لكنها ستعرف .. والله وحده يعلم كيف ستتعامل مع الموقف .. ستكون صدمة قاسية جدا عليها …”
مسح عمار على وجهه بإرهاق لتتنهد منى بصمت عندما رفع وجهه ينظر إليها يخبرها برجاء :-
” ساعديني من فضلك .. انا لا يمكنني تحمل أن يصيبها أي مكروه .. لا يمكنني أبدا …”
زفرت أنفاسها بصمت ثم قالت :-
” انا لن أتركها يا عمار .. جيلان مريضتي .. وفي الحقيقة هي ليست كذلك فقط … أنا أحببتها حقا … لذا بكل الأحوال انا لن أتركها أبدا وسأفعل كل ما بوسعي لأحاول إحتواء الموقف لكنني يجب أن أحذرك … النتائج غالبا لن تكون جيده وردة فعلها ستكون أصعب مما تتخيل …”
إحتقنت ملامحه تماما فأكملت وهي تعاود إرتداء قناع الطبيبة بكل عملية :-
” مبدئيا لا أريدها أن تعلم بالأمر حاليا .. إمنحني يومين او ثلاثة لدراسة الموضوع جيدا وإيجاد الطريقة المناسبة لتمهيد الخبر لها …”
هز رأسه مرددا بتفهم :-
” حسنا .. لن أتصرف دون علمك بالطبع ..”
منحته إبتسامة مؤازرة عندما نهض من مكانه يودعها ويخرج من العيادة ومنها الى سيارته ..
قاد سيارته بشرود حتى وصل الى الفيلا التي يقطن بها مع زوجته …
هبط من سيارته ودلف الى الفيلا عندما وجد شيرين تتقدم نحوه بلهفة وقلق قبل أن تتوقف للحظات وهي تتأمل وجهه المنهك ولحيته النامية …
كل شيء بدا به محطم ….
إندفعت نحوه تقبض على كفه وتهمس بلهفة :-
” أين كنت ..؟! هل أنت بخير ..؟؟ كنت سأموت من قلقي عليك …”
تأمل عينيها المتلهفتين .. وجهها المليح بتقاسيمه المليئة بالحب والسلام .. ذلك الحنان الذي يفيض من نظراتها ويتدفق في نبرة صوتها ..
همس وإحتياجه لها بلغ ذروته :-
” عانقيني …”
نظرت له بعدم إستيعاب ليكمل بتوسل :-
” عانقيني يا شيرين …”
كتمت دموعها داخل مقلتيها وهي ترى التوسل في عينيه والضعف ظاهرا بوضوح عليه فجذبته نحو أحضانها تعانقه فتجده يتشبث بأحضانها كطفل صغير يعانق والدته بعد سنين فراق …
” عانقيني يا شيرين ولا تتركيني أبدا ..أنا أحتاجك ..”
أغمضت عينيها بقوة وهي تستمع الى همسه المؤلم فشددت من عناقها وهي تهمس له بعدما فتحت عينيها المحتقنتين تماما بالعبرات :-
” انا هنا … معك ولن أتركك ..”
ثم هطلت دموعها فوق وجنتيها بغزارة فمالت بوجهها فوق كتفه تكتم شهقاتها بالقوة وهي تشعر بألمه يغزو روحها وقلبها وكيانها بأكمله فتتألم مثله تماما وكأنه كُتِب عليه أن تشاركه آلامه كما شاركته كل شيء بإرادتها أو غصبا عنها …

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية حبيسة قلبه المظلم)

اترك رد

error: Content is protected !!